إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

منزلة الصدق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}/ ابن القيم -رحمه الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منزلة الصدق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}/ ابن القيم -رحمه الله-

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين والصدِّقين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:


    فمنزلة الصدق -كما قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين باختصار- : هي منزلة القوم الأعظم، الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، مَن صال به لم تُرَدّ صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين.


    وقد أمر الله -سبحانه- أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [ التوبة: 119 ].


    وخص المنعَم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [ النساء: 69 ] فهم الرفيق الأعلى، وحسن أولئك رفيقا.


    ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقا، ولهم مرتبة المعية مع الله، فإن الله مع الصادقين، ولهم منزلة القرب منه؛ إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين.


    ووعد -سبحانه- الصادقين بالجنة والرضوان فقال: {لهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.


    وأخبر تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم مِن الإيمان والإسلام والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق فقال: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ البقرة: 177 ] وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة، وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان.


    وقسَّم الله -سبحانه- الناس إلى صادق ومنافق فقال: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [ الأحزاب: 24 ] .


    والإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارِب للآخر.


    وأخبر سبحانه أنه فى يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [ المائدة: 119] وقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [ الزمر: 34 ] فالذي جاء بالصدق: هو من شأنه الصدق فى قوله وعمله وحاله.


    فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها.


    والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد.


    والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة.


    فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته، ولذلك كان لأبي بكر الصديق -رضى الله عنه وأرضاه- ذروة سنام الصديقية سُمِّي الصِّديق على الإطلاق.فأعلى مراتب الصدق: مرتبة الصديقية وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص للمرسَل.


    وقد أمر الله تعالى رسوله: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً} [ الإسراء: 80 ] وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين فقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84 ] وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [ يونس: 2 ] وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [ القمر: 54-55 ] فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق ومخرج الصدق ولسان الصدق وقدم الصدق ومقعد الصدق.


    وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة.


    فمدخل الصدق ومخرج الصدق: أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله وفي مرضاته بالظفر بالبغية وحصول المطلوب، ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها ولا له ساق ثابتة يقوم عليها كمخرج أعدائه يوم بدر، ومخرج الصدق كمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في تلك الغزوة، وكذلك مدخله المدينة: كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله فاتصل به التأييد والظفر والنصر وإدراك ما طلبه في الدنيا والآخرة، بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب فإنه لم يكن بالله ولا لله بل كان محادة لله ورسوله فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار.


    فكل مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله فهو مدخل صدق ومخرج صدق. وكان بعض السلف إذا خرج من داره: رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك يريد: أن لا يكون المخرج مخرج صدق.


    وأما لسان الصدق: فهو الثناء الحسن عليه من سائر الأمم بالصدق ليس ثناء بالكذب، كما قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} [ مريم: 50 ].


    وأما مقعد الصدق: فهو الجنة عند الرب تبارك وتعالى. ووصْف ذلك كله بالصدق مستلزِم ثبوته واستقراره وأنه حق، ودوامه ونفعه وكمال عائدته فإنه متصل بالحق سبحانه كائن به وله، فهو صدق غير كذب، وحق غير باطل، ودائم غير زائل، ونافع غير ضار، وما للباطل ومتعلقاته إليه سبيل ولا مدخل.


    ومن علامات الصدق: طمأنينة القلب إليه ومن علامات الكذب: حصول الريبة كما في الترمذي مرفوعا من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصدق طمأنينة والكذب ريبة))، وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النب صلى الله عليه وسلم يقال: ((إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عندالله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عندالله كذابا))، فجعل الصدق مفتاح الصديقية ومبدأها وهي غايته، فلا ينال درجتها كاذب ألبتة لا في قوله ولا في عمله ولا في حاله، ولا سيما الكذب على الله في أسمائه وصفاته ونفي ما أثبته أو إثبات ما نفاه عن نفسه، فليس في هؤلاء صديق أبدا، وكذلك الكذب عليه في دينه وشرعه بتحليل ما حرمه وتحريم ما لم يحرمه وإسقاط ما أوجبه وإيجاب ما لم يوجبه وكراهة ما أحبه واستحباب ما لم يحبه، كل ذلك مناف للصديقية، وكذلك الكذب معه في الأعمال: بالتحلي بحلية الصادقين المخلصين والزاهدين المتوكلين وليس في الحقيقة منهم، فلذلك كانت الصديقية: كمال الإخلاص والانقياد والمتابعة للخبر والأمر ظاهرا وباطنا، حتى إن صدق المتبايعَين يُحِلُّ البركة في بيعهما، وكذبهما يمحق بركة بيعهما، كما في الصحيحين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما)).


    * يتبع بإذن الله

  • #2
    فصل: في كلمات في حقيقة الصدق

    قيل: استواء السر والعلانية، يعني أن الكاذب علانيته خير من سريرته؛ كالمنافق الذي ظاهره خير من باطنه.

    وقال الجنيد: الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة. وهذا الكلام يحتاج إلى شرح، وقد يسبق إلى الذهن خلافه وأن الكاذب متلوّن؛ لأن الكذب ألوان فهو يتلون بتلونه والصادق مستمر على حالة واحدة فإن الصدق واحد في نفسه وصاحبه لا يتلون ولا يتغير، لكن مراد الشيخ أبي القاسم صحيح غير هذا، فإن المعارضات والواردات التي ترد على الصادق لا ترد على الكاذب المرائي بل هو فارغ منها فإنه لا يرد عليه من قبل الحق موارد الصادقين على الكاذبين المرائين ولا يعارضهم الشيطان كما يعارض الصادقين فإنه لا أرب له في خربة لا شيء فيها، وهذه الواردات توجب تقلب الصادق بحسب اختلافها وتنوعها فلا تراه إلا هاربا من مكان إلى مكان ومن عمل إلى عمل ومن حال إلى حال ومن سبب إلى سبب لأنه يخاف في كل حال يطمئن إليها ومكان وسبب أن يقطعه عن مطلوبه، فهو لا يساكن حالة ولا شيئا دون مطلوبه، فهو كالجوال في الآفاق في طلب الغنى الذي يفوق به الأغنياء، والأحوال والأسباب تتقلب به وتقيمه وتقعده وتحركه وتسكنه حتى يجد فيها ما يعينه على مطلوبه، وهذا عزيز فيها، فقلبه في تقلب وحركة شديدة بحسب سعة مطلوبه وعظمته، وهمته أعلى من أن يقف دون مطلبه على رسم أو حال، أو يساكن شيئا غيره، فهو كالمحب الصادق الذي همته التفتيش على محبوبه، وكذا حال الصادق في طلب العلم، وحال الصادق في طلب الدنيا، فكل صادق في طلب شيء لا يستقر له قرار ولا يدوم على حالة واحدة، وأيضا فإن الصادق مطلوبه رضى ربه وتنفيذ أوامره وتتبع محابه فهو متقلب فيها يسير معها أين توجهت ركائبها ويستقل معها أين استقلت مضاربها، فبينا هو في صلاة إذ رأيته في ذكر ثم في غزو ثم في حج ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع النفع ثم في أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو في قيام بسبب فيه عمارة الدين والدنيا ثم في عيادة مريض أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم -إن أمكن- إلى غير ذلك من أنواع القرب والمنافع، فهو في تفرق دائم لله، وجمعية على الله، لا يملكه رسم ولا عادة ولا وضع، ولا يتقيد بقيد ولا إشارة ولا بمكان معين يصلى فيه لا يصلى في غيره وزي معين لا يلبس سواه وعبادة معينة لا يلتفت إلى غيرها مع فضل غيرها عليها أو هي أعلى من غيرها في الدرجة وبُعد ما بينهما كبعد ما بين السماء والأرض.

    فإن البلاء والآفات والرياء والتصنع وعبادة النفس وإيثار مرادها والإشارة إليها كلها في هذه الأوضاع والرسوم والقيود التي حبست أربابها عن السير إلى قلوبهم فضلا عن السير من قلوبهم إلى الله تعالى فإذا خرج أحدهم عنرسمه ووضعه وزيه وقيده وإشارته -ولو إلى أفضل منه- استهجَن ذلك ورآه نقصا وسقوطا من أعين الناس وانحطاطا لرتبته عندهم، وهو قد انحط وسقط من عين الله.

    وقد يحس أحدهم ذلك من نفسه وحاله، ولا تدعه رسومه وأوضاعه وزيه وقيوده أن يسعى في ترميم ذلك وإصلاحه، وهذا شأن الكذاب المرائي الذي يبدي للناس خلاف ما يعلمه الله من باطنه، العامل على عمارة نفسه ومرتبته، وهذا هو النفاق بعينه، ولو كان عاملا على مراد الله منه وعلى الصدق مع الله: لَما أثقلته تلك القيود وحبسته تلك الرسوم ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه، ولما بالى أي ثوب لبس ولا أي عمل عمل إذا كان على مراد الله من العبد. فكلام أبي القاسم الجنيد حق، كلام راسخ في الصدق، عالم بتفاصيله وآفاته ومواضع اشتباهه بالكذب.


    وأيضا فحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي لا يطيقه إلا أصحاب العزائم فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل والرياء والكذب خفيف كالريشة لا يجد له صاحبه ثقلا ألبتة فهو حامل له في أي موضع اتفق بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله وقال بعضهم: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره.


    وقال إبراهيم الخواص: الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه.


    وقال الجنيد: حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب.


    وقيل: ثلاث لا تخطىء الصادق: الحلاوة والملاحة والهيبة.


    وقال يوسف بن أسباط: لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصدق أحب إلي من أضرب بسيفي في سبيل الله.


    وقيل: من طلب الله بالصدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحق والباطل.

    تعليق


    • #3
      فصل: قال صاحب المنازل: الصدق: اسم لحقيقة الشيء بعينه حصولا ووجودا

      الصدق: هو حصول الشيء وتمامه وكمال قوته واجتماع أجزائه، كما يقال: عزيمة صادقة إذا كانت قوية تامة.
      ومن هذا أيضا: صدق الخبر؛ لأنه وجود المخبَر بتمام حقيقته في ذهن السامع. فالتمام والوجود نوعان: خارجي وذهني، فإذا أخبرت المخاطب بخبر صادق حصلت له حقيقة المخبَر عنه بكماله وتمامه في ذهنه.

      قال: وهو على ثلاث درجات:


      -الدرجة الأولى:
      "صدق القصد، وبه يصح الدخول في هذا الشأن، ويتلافى به كل تفريط، ويتدارك به كل فائت، ويعمر كل خراب. وعلامة هذا الصادق: أن لا يتحمل داعية تدعو إلى نقض عهد، ولا يصبر على صحبة ضد، ولا يقعد عن الجد بحال".

      يعني بصدق القصد: كمال العزم وقوة الإرادة، بأن يكون في القلب داعية صادقة إلى السلوك وميل شديد يقهر السر على صحة التوجه، فهو طلب لا يمازجه رياء ولا فتور، ولا يكون فيه قسمة بحال، ولا يصح الدخول في شأن السفر إلى الله والاستعداد للقائه إلا به.

      "ويتلافى به كل تفريط" فإنه حامل على كل سبب ينال به الوصول، وقطع كل سبب يحول بينه وبينه، فلا يترك فرصة تفوته، وما فاته من الفرص السابقة تداركها بحسب الإمكان، فيصلح من قلبه ما مزقته يد الغفلة والشهوة، ويعمر منه ما خربته يد البطالة، ويوقد فيه ما أطفأته أهوية النفس، ويلم منه ما شعثته يد التفريط والإضاعة، ويسترد منه ما نهبته أكف اللصوص والسراق، ويزرع منه ما وجده بورًا من أراضيه، ويقلع ما وجده شوكا وشبرقا في نواحيه، ويستفرغ منه ما ملأته مواد الأخلاط الردئية الفاسدة المترامية به إلى الهلاك والعطب، ويداوي منه الجراحات التي أصابته من عبرات الرياء، ويغسل منه الأوساخ والحوبات التي تراكمت عليه على تقادم الأوقات، حتى لو اطلع عليه لأحزنه سواده ووسخه الذي صار دباغا له فيطهره بالماء البارد من ينابيع الصدق الخالصة من جميع الكدورات قبل أن يكون طهوره بالجحيم والحميم، فإنه لا يجاور الرحمن قلب دنس بأوساخ الشهوات والرياء أبدا ولابد من طهور، فاللبيب يؤثر أسهل الطهورين وأنفعهما. والله المستعان.

      وقوله: "وعلامة هذا الصادق: أن لا يتحمل داعية تدعو إلى نقض عهد" يعني أن الصادق حقيقة: هو الذي قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه والسير إليه والاستعداد للقائه، ومن تكون هذه حاله: لا يحتمل سببا يدعوه إلى نقض عهده مع الله بوجه.


      وقوله: "ولا يصبر على صحبة ضده": الضد عند القوم: هم أهل الغفلة وقطاع طريق القلب إلى الله، وأضر شيء على الصادق صحبتهم، بل لا تصبر نفسه على ذلك أبدا إلا جمع ضرورة، وتكون صحبتهم له في تلك الحال بقالبه وشبحه دون قلبه وروحه، فإن هذا لمَّا استحكمت الغفلة عليه كما استحكم الصدق في الصادق: أحست روحه بالأجنبية التي بينه وبينهم بالمضادة فاشتدت النفرة وقوي الهرب وبحسب هذه الأجنبية وإحساس الصادق بها: تكون نفرته وهربه عن الأضداد فإن هذا الضد إن نطق أحس قلب الصادق أنه نطق بلسان الغفلة والرياء والكبر وطلب الجاه ولو كان ذاكرا أو قارئا أو مصليا أو حاجا أو غير ذلك، فنفر قلبه منه، وإن صمت أحس قلبه أنه صمت على غير حضور وجمعية على الله وإقبال بالقلب عليه وعكوف السر عليه فينفر منه أيضا، فإن قلب الصادق قوي الإحساس فيجد الغيرية والأجنبية من الضد، ويشم القلب القلب كما يشم الرائحة الخبيثة، فيزوي وجهه لذلك، ويعتريه عبوس، فلا يأنس به إلا تكلفا، ولا يصاحبه إلا ضرورة، فيأخذ من صحبته قدر الحاجة كصحبة من يشتري منه أو يحتاج إليه في مصالحه، كالزوجة والخادم ونحوه.

      قوله: "ولا يقعد عن الجد بحال" يعني أنه لما كان صادقا في طلبه مستجمع القوة: لم يقعد به عزمه عن الجد في جميع أحواله، فلا تراه إلا جادا وأمره كله جد.



      تعليق

      يعمل...
      X