إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

ديننا دين سلم وعدل وليس دين عنف وقتل - أو القول الفصل في أحكام القتل -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ديننا دين سلم وعدل وليس دين عنف وقتل - أو القول الفصل في أحكام القتل -

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقــــــدمــــــــة:
    إن الحمـد لله نحمـده ونستعينه،ونستغفره ونتوب إليـه، ونعــوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله.
    } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ (102) سورة آل عمران}.
    } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ (1) سورة النساء}.
    } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { (71) سورة الأحزاب } .
    فان أصدق الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه و سلم- و شــر الأمــور محدثاتها و كل محدثة بدعة -وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النــار.
    أمــــــــا بعـــــــــــــــد:
    هذه مقدمة من كتابي ""القول الفصل في أحكام القتل "" أو "" ديننا دين سلم وعدل وليس دين عنف وقتل ""، كتبته في منتصف رجب 1415هـ الموافق لعام 1994م ميلادي يوم كانت بلادنا تحترق بنار الفتنة ، ورصاص تجار الموت ، وسماسرة الأعراض والأموال ، من خوارج وبغاة قطاع الطرق ، والظَلَمَة من كل الطوائف الذين يتنافسون على كرسي الملك حيث اختلط الحابل بالنابل ، واستشرى القتل في قومنا ، فكنا نصبح على الجثث والرؤوس المنتشرة هنا وهناك بالعشرات ، وننتظر دورنا في أي ساعة من ليل أو نهار ، فكتبت هذا الكتاب ورفعته إلى وزارة الشؤون الدينية بغية طبعه ونشره ،لعله يسد بابا من الجرح عميقا ، إلا أني لم أجد استجابة – وللأسف الشديد – وقد كنت أرسلت نسخا منه إلى بعض أهل العلم ، ولم يأتني إلى حد الساعة جواب من أحدهم .. واليوم أحببت أن أنزل هذه المقدمة هنا في بعض المنتديات السلفية لعله ينتفع بها من يطلع عليها، في هذا الوقت الذي وقعت فيه الفتن وقع القطر من السماء ، واشرأبها كثير من القلوب من أبناء أمتنا الإسلامية ، وها هي تموج موج البحر فتحصد الآلاف من الأرواح المسلمة ، يغذيها من الداخل الفكر التكفيري الباغي الخارجي تارة ، ومن الخارج الغزو الأممي المتداعي علينا تارة أخرى ، فأثر فينا أيما تأثير حتى اتبعناهم وتشبهنا بهم في طرق التغيير والمطالبة بالحقوق ، - زعموا - ونسينا أن الله أعطى كل ذي حق حقه ، وأنه لا يظلم في شرعه المنزل أحد ولكن لما تركنا شرعه وأخذنا بما سنوه لنا تركنا الله تعالى لأنفسنا فوقعنا فيما وقعوا فيه {{ فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }} 14 : المائدة .
    لقد كثر الهرج ، ومرجت عقول كثير من الناس ، حتى أصبح القاتل لا يدري على ما قتل ، والمقتول لا يُدرى على ما مات ، وقد حذر الله تعالى ورسوله من إزهاق الروح أو التعرض لها بالأذى الذي يتلفها ، وبعث الله نبيه بالإســلام الذي هو دين الحياة ودين سلام وعدل ، وليس دين عنف وقتل ، قال تعالى :{{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ..}} فإن الرحمة بين المؤمنين تنافي العنف والقتل ، يظهر ذلك جليا في قوله عليه الصلاة والسلام :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ...>> متفق عليه .
    هذا فيما بينهم ،بل إنه دين الرحمة والعدل حتى مع الكفار ، قال تعالى :{{ لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }}فعلى اتباعه أن يكونوا كذلك في دعوتهم ، لأنه جاء رحمة للعالمين ، وأمر بالرفق فقال : << ما كان الرفق في شيء إلا زانه .. >> فأين الذين يتبجحون أن الإسلام انتشر بالرعب والعنف ، والقتل السيف ، من هذه النصوص ؟
    إن الإسلام يرى قتل النفس عنده كبيرة تلي الشرك ولذلك قرنت به في نصوص كثيرة، والله واهب الحياة وليس لأحد غير الله أن يسلبها إلا بإذنه؛ وفي الحدود التي حدها ورسمها، وكل نفس هي حرام لا تمس،ولا يُعتدى عليها ، وحرام إلا بالحق: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ{ وهذا الحق الذي يبيــح قتل النفس محدد ، مبين في آيات الكتاب وسنة المصطفى لا غموض فيه، وسيأتي الإشارة إليه .
    و يستنكر الله تعالى وقوع جريمة القتل بين المؤمنين ابتداء وعمدا، وهو العليم الخبير بخبايا النفوس فيقول سبحانه وتعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ { (92) سورة النساء}.فليس من شأنها أن تقع ، إذ ليس في هذه الحياة الدنيا كلها ما يساوي دم المسلم يريقه مسلم عمدا، وليس في ملابسات هذه الحياة الدنيا كلها ما من شأنه أن يوهن من علاقة المسلم بالمسلم إلى حد أن يقتله عمدا، وأن يزهق روحه ، أما أن يقتله خطئا فقد يحصل ، وإذا حصل فهذه كفارته وعلاجه حتى لاتنقطع الرابطة بين المؤمنين ، فقد جعل الله تعالى ديته مرضية لأولياء المقتول حتى لا يسرفوا في القتل : }وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء.
    إذا فتلك هي العلاقة التي أنـشأها الإسلام بين المؤمن والمؤمن من المتانة، والعمق والضخامة والغلاوة والإعزاز والإخاء ، بحيث لا يفترض الإسلام أن تخدش هذا الخدش فضلا أن يتعدى عليها هذا الاعتداء الخطير أبدا، ومن ثم جعل عقوبات متعددة ؛ شديدة ؛وعظيمة لمن يقدم على قطع هذه العلاقة الموصوفة بهذه الصفات، }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { (93) سورة النساء}.
    إنها جريمة قتل لا لنفس فحسب -بغير حق- ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة، العظيمة التي أنشأها الله بين المؤمن وأخيه المؤمن ، والتي لاتتوقف على قتله فحسب ، بل تتعدى إلى الأسرة ، ومنها إلى القبيلة وهكذا ..
    فإن وجود مسلم إلى جوار مسلم متآخيا له ، ومواليا له بالحق وفي الحق ،في حدود الشروع والمعقول ، مسألة كبيرة، وكبيرة جدا، ونعمة عظيمة جدا، ولذلك من العسير جدا أن يقدم مسلم مؤمن متيقن حقيقة سلامة المسلمين من لسانه ويده ،وحقيقة أمنهم على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، على إزالة هذه النعمة عن نفسه، وأن يسلك مسلك أهل الكتاب ويتبع سننهم ؛ فقد أخذ الله عليهم الميثاق أن لايقتلوا أنفسهم ، أي بعضهم البعض ؛ قال تعالى : {{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84) .
    فلم يستجيبوا وقتلوا أنفسهم أي بعضهم البعض بينها تعالى بقوله : {{ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ..}} (85) سورة البقرة. ، لأن قتل المؤمن لأخيه المؤمن هو قتل لنفسه لأنه منه فهما كالجسد واحد ، والإقدام على قتل نفسه عن عمد وقصد من غير إذن ولا مبرر شرعي ، كبيرة وأي كبيرة ؛ إذ المؤمن عنصر عزيز في هذه الأرض، وأشد الناس شعورا بإعزاز هذا العنصر هو المؤمن مثله، فمن المحال أن يقدم على إعدامه بقتله عمدا، فإن فعل فهو تنكر للنفس؛ وللأخوة الإيمانية والعقيدة الاسلامية ، والوشيجة والقرابة التي تجمعهم في اتباع رسول الله وطاعته صلى الله عليه وسلم ومحبته ، ثم ترتقي فتجمعهم في الله الذي ألف بين قلوبهم تأليفا عجيبا، حيث لو أُنفق مال الدنيا مااستطاع أحد أن يؤلف بينهم ، ولكن الله ألف بينهم بالإيمان ، فجعلهم إخوة على البيضاء ليلها كنهارها ، فسبحان من بيده القلوب يقلبها كيف يشاء .
    وأن من الأمور العظيمة التي تساهل بها كثير من المسلمين أو من ينتسبون إلى الإسلام اليوم، وفرّطوا فيها هو الإقدام والجرأة على إزالة تلك النعمة العظيمة ؛ بإراقة دم المؤمن بغير حق، ولما كان هذا المنكر الكبير يؤدي بالقاتل إلى دخول النار ؛ والوعيد الشديد من الله جل وعلا، حيث جعل له أشد العقوبات في النار ،كما مر ؛ولما سنقف عليه- إن شاء الله - في صلب الموضوع ،رغبت في بيان هذا الأمر الخطير مدعما بالآيات والأحاديث من شرع العلي القدير،والتحذير من الإقدام عليه ، والإحجام عما حدث ويحدث من أناس تلوثت أيديهم بدماء الأبرياء من مسلمين ، ومعاهدين ، ومستأمنين ، باسم الدين ، والجهاد في سبيل الله – زعموا - يدّعون الإسلام ويستحلون دم المؤمنين، أي كانوا ومن أي جهة أتوا، فإن الذي يجري اليوم على أرضنا المسلمة ودولتنا المسلمة لأمر فظيع جدا ، حيث يعجز اللسان عن وصفه ، والقلم عن رسمه ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله .
    وهذا هو السبب الرئيس الذي دعاني لأكتب في هذا الموضوع وأجمع فيه شتات ما تفرق في بطون المصادر والمراجع العلمية القـديمة منها والحديثـة، وكذلك لما كان الكثير من الناس يجهلون أحكام القتل وأنواعه في الشريعة الإسلامية ، ولا يستنكرون كل قتل ، ولا يفرقون بين القتل في الحد ، وبين القتل في المعركة في سبيل الله ، وبين قتل قطاع الطرق والبغاة والخوارج وغير ذلك ، استعنت الله في بدء المحاولة على ضعف الآلة ،وضعف الهمة،ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله، والله المستعان وعليه التكلان.
    الكتابات في هذا الموضوع :
    إن تصنيف كثير من أهل العلم في مسائل علمية مفردة أمر مشهور لما فيه من إلقاء الضوء على أهمية المسألة التي أفردت بالبحث والدراسة والتأليف، ومع كثرة تصانيفهم في جميع المجالات، فإنهم لم يفردوا هذا الموضوع المهم بالكتابة في حدود علمي واطلاعي.
    وسيرا مني على سننهم وجريا على هديهم وطريقتهم أفردته بالكتابة ؛وليس لي فيه من عمل سوى الجمع ؛ ثم الترتيب ثم التعبير ثم التلخيص وهي أدنى مراتب التأليف، أما الإبداع والاستدراك والتأصيل والتقعيد بالاستقراء والسبر والتتبع ، فهذا لطراز من العلماء ربما شغر منهم الزمان وطوي بساطه عنا منذ أزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وإن وجدوا – وهم كذلك– لأنه لا يخلو زمان من قائم لله بحجة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : << لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة >> البخاري ومسلم ، فهم قلة ، وهم أندر من الكبريت الأحمر اليوم يعيشون في غربة شديدة ...
    تـــمــهــــــــيـــــــد :
    قال الله تعالى : }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{ (70) سورة الإسراء } .
    قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (ج 10 /293):جعلنا لكم كرما أي شرفا وفضلا، وهذا هو كرم نفي النقصان لاكرم المال، وهذه الكرامة يدخل فيها مايلي:
    1- خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة.
    2- حملهم في البر والبحرمما لايصح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يتحمل بإرادته وقصده وتدبيره.( قلت : والجو أيضا ) .
    3- تخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لايتسع فيه لحيوان اتساع بني آدم لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان.
    4- يلبسون الثياب ويأكلون المركبات من الأطعمة ، وغاية كل حيوان أن يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب.
    5- إن الإنسان يأكل بيده وسائر الحيوانات يأكل بفمه.
    قلت: وهذا معترض عليه ، لأن هناك من الحيوان من يأكل بيده كالقرد.إلا أن يكون قصده أنه خرج مخرج الغالب.
    6- تسخير لهم هذه الهوام ، يحصلون منها منافعهم.
    7- ثم ذكر عن أهل التفسير أشياء أخرى غير ما ذكرنا ثم قال: والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف ، وبه يعرف الله ويفهم كلامه ، ويوصل إلى نعيمه ، وتصديق رسله إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب.أه .
    قلت : نعم أكرمهم بالعقل الذي هو مناط التكليف ، فيعقل عن الله ورسوله ،الغاية من وجوده ، ويعقل نفسه ويحجمها عن الضرر والإضرار بها وبغيرها ..
    ولاريب أن من تكريم الله للإنسان أن يصان دمه وعرضه وماله ودينه وعقله،وهذه هي الكليات الخمس التي جاءت جميع الشرائع السماوية بحفظها فما من شريعة إلا وجاءت بتحريم العدوان على النفس والدين والعقل والعرض والمال.
    ولا يمكن لأي إنسان أن يحقق أهدافه ويبلغ غاياته إلا إذا توفرت له المحافظة التامة ، والعناية الفائقة لجميع هذه الكليات،فمن حقه أن يعبد ربه،ومن حقه أن يعيش حياة مطمئنة،ومن حقه أن يستعمل عقله ويعبر عما في نفسه بكل حرية في حدود المشروع ، مبتعدا عن الممنوع ، ومن حقه أن تصان كرامته وعرضه ، ومن حقه أن يتملك، وهذه الحقوق واجبة لكل إنسان في المجتمع المسلم بغض النظر عن لونه وجنسه ووطنه أو مركزه الاجتماعي أو دينه إن كان ذميا ، أو معاهدا ، أو كافرا مسالما ، فلا يجوز لأي كان أن يدوس كرامته وعرضه أو يأخذ ماله بغير رضاه أو يكبت حريته الإسلامية والعقلية ،ولا أن يزهق روحه حتى يقطع عليه حق الحياة.وإنما إن صدر منه أية مخالفة لشرع الله يحاجج بالحجة ،وإن كانت تتطلب العقوبة عوقب عليها فإذا حصل منه أن قتل ، أو جرح فالقصاص أو..أو..من المخالفات التي تستوجب العقاب ،أخذ به ، ينفذه ولي الأمر ، وليس أفراد الناس بعضهم في بعض..
    وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية جمعاء في حجة الوداع محذرا أيها من الوقوع في هذه الجريمة النكراء فقال : << أيها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ..>>. متفق عليه.
    وليعلم أن أول تلك الحقوق بالعناية الكبيرة: حق النفس في الحياة ، وهو حق له حرمته ، فهو معظم مقدس، لذلك ابتدأ خطبته به ، فلا يحل انتهاك حرمته ولا استباحة حماه إلا بالحق الذي حده الله تعالى أو رسوله . قال الله سبحانه و تعالى: }وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ { الإسراء /33 . فلا يحل إزهاق نفس إلا بحق،وهذا الحق لا يتولاه أفراد الناس في بعضهم البعض، وإنما يتولاه الإمام الذي إليه القيام بتنفيذ الأحكام وفصل الحقوق.
    فإن تولاه الناس في بعضهم البعض، حدثت الفتنة العظيمة، وحلت الفوضى فادعيت دماء ودماء، وانتقم الناس من بعضهم البعض ، وبذلك يحل الشر والدمار بالأمة الواحدة. وهذا هو الواقع اليوم وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الإسراف في القتل فقال جل وعلا: }..وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء.
    يقول الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: أضــواء البــيان (جـــزء 3/ ص 500 ) والنهي عن الإسراف في القتل هنا شامل لثلاث صور.
    الصورة الأولى: أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد ،كما كانت العرب تفعله في الجاهلية، ومعلوم أن قتل جماعة بواحد لم يشتركوا في قتله إسراف في القتل داخل في النهي المذكور في الآية الكريمة.
    الثانية: أن يقتل بالقتيل واحد ولكنه غير القاتل لأن قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل منهي عنه في الآية أيضا.
    الثالثة: أن يقتل نفس القاتل و يمثل به ، فإن زيادة المثلة إسراف في القتل أيضا، ثم قال: و هذا هو التحقيق في الآية الكريمة.
    و في تحريم إزهاق النفس بغير حق يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :<<لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس،و الثيب الزاني ، و التارك لدينه المفارق للجماعة >> مـتـفق عليـه .هذا الحديث، فيه ثلاثة أسباب لحل الدم المعصوم وهي .
    الأولى: قتل النفس عمدا ، وفيها القصاص الذي يضمن الحياة للنفوس المعصومة }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (179) سورة البقرة . حياة بكف يد الذين يهمون بالاعتداء على الأنفس بشتى أنواع الإعتداء ، والقصاص ينتظرهم فيردعهم قبل الإقدام على الفعلة النكراء. وحياة في القصاص بكف يد أصحاب الدم أن تثور نفوسهم فيثأرون ولا يقفون عند القاتل بل يمضون في الثأر ؛ ويتبادلون القتل ولا يقف هذا الفريق وذاك حتى تسيل دماء ودماء، وتحصل الفتنة الكبرى ،ويكثر الشر ، ويقل الخير .
    يتبع إن شاء الله ...

  • #2
    تتمة الموضوع :
    وأما الثانية: فهي الزنى ،قال تعالى :}وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً{ (32) سورة الإسراء. وقتل الزاني المحصن دفع للفساد القاتل في انتشار الفاحشة ، وهي لون من القتل، قال ابن باديس رحمه الله في تفسيره [ج1/243]: في الزنى إراقة للنطفة وسفح لها في غير محلها ، فلو كان منها ولد لكان مقطوع النسب ، مقطوع الصلة ساقط الحق .فمن تسبب في وجوده على هذه الحالة فكانه قتله .أه . لهذا وجب قتله .
    وأما الثالثة: فهي الردة ، والخروج على الجماعة ، فمن اختار الإسلام عن طواعية ، ودخل في توحيد الأمة واجتماعها، والولاء لها في الله ولله ، وعرف مداخلها ومخارجها ، ومكمن قوتها وضعفها ، ثم بدل دينه ، وخرج ، يفشي أسرارها للعدو ،ويوالي أعداءها ، أو يكفر برها وفاجرها ويستحل بذلك دماءها فقد وجب قتله حماية للدين وتوحيد الأمة وأمنها .
    قال القرطبي في المفهم كما في الفتح [ج12/ 211] ظاهر قوله << المفارق للجماعة >> أنه نعت للتارك لدينه ؛لأنه إذا ارتد فارق جماعة المسلمين ، غير أنه يلتحق به كل من خرج عن جماعة المسلمين وإن لم يرتد كمن يمتنع من إقامة الحد عليه إذا وجب ويقاتل على ذلك كأهل البغي وقطاع الطرق والمحاربين من الخوارج وغيرهم .
    فإذا خرج هذا التارك لدينه ، وتلك الجماعات الخارجة عن الأمة المقاتلة لها ولإمامها، والمتقاتلة فيما بينها ، عمت الفوضى وعاشت الأمة في فرقة قاتلة فسالت دماء ودماء،وانتهكت أعراض وأعراض، ولم يأمن كل فرد منا على شخصه، وأقل حقوقه ، وهذا الواقع الذي نعيشه أكبر شاهد
    الـقـتـل تـعـريفـه - حـكـمــه - و أنـواعــه :
    القتل في اللسان العربي: الفعل المؤدي إلى الموت.[ نـزهـة الأعـين النـواظــر في عـلم الـوجــوه و النظائـر لابن الجـوزي (ص / 494 )].
    و قتله إذا أماته بضرب أو حجر أو سم أو علة. لسـان العـرب لابن مـنـظــور ( ج / 6 / ص / 3528 ).
    وأقتـل الرجل عرضه للقتل ، وأصبره عليه، وتقاتل القوم واقتتلوا وتقتلوا ، وقتلوا والتقتال: القتل بناء موضوع للتكثير -فتقول و قتّلوا تقتيلا شدد للكثرة والمقاتَلة بفتح التاء هي القتال وقيل مكان القتل والحرب.
    والمقاتِلة بكسر التاء : الذين يلون القتال ، وقال في الصحاح: القوم الذين يصلحون للقتال.
    والقتلة بكسر القاف: الحالة من القتل، والقتلة بفتح القاف للمرة الواحدة منه. ومقاتل الإنسان: المواضع التي إذا أصيبت منه قتلته. ( ص / 3529 / 3530 )المعـجــم الوسيــط ( ج / 2 / 715 ). والقتل بالكسر ،العدو والجمع أقتال .[ القامس المحيط (ج3/ص560 ).
    مـعـانـــي الـقـتـــــل : ذكر أهل التفسير أن القتل في القرآن على ثمانية أوجه:
    1- القتل: الفعل المميت للنفس، ومنه قوله تعالى:}وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ{ (146) سورة آل عمران . ومنه قوله تعالى: }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ (93) سورة النساء.
    2- القتال : بمعنى الحرب:ومنه قوله تعالى:}..فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{ (191) سورة البقرة أي فقاتلوهم النـواظـر في علم الوجوه والنظائر (ص/ 494 / 497 ). لابن الجوزي
    3- القتـل بمعنى اللعن :ـ ومـنـه قوله تعالى : }قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ{ (10) سورة الذاريات . ومـنـه قولـه تعالى : }فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{ (20) سورة المدثر. أي لعـن . ومنـه أيضـا قولـه تعالى:}قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ{ (17) سورة عبس . ومنه }قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) سورة البروج { .
    4- بمعنى التعذيب. ومنـه قولـه تعالى : }مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا{ (61) سورة الأحزاب.
    5- بمعنى العلم : ومنه قوله تعالى : }وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا{ (157) سورة النساء .
    6- بمعنىالدفن للحي:ومنه قوله تعالى: }قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ{ (140) سورة الأنعام. ومنه }وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا{ (31) سورة الإسراء .
    7- بمعنى القصاص : ومنه قوله تعالى: }فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء.
    8- بمعنى الذبح : ومنه قوله تعالى:}..يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{ (141) سورة الأعراف .
    ومن معاني القتل خارج القرآن ما ذكره ابن الأثير في كتابه الـنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (ج / 4 / ص 12 / 15 ).
    ومنه ما جاء في الحـديث قــولــه صلى الله عليه و سلم:<< قاتل الله اليـهود...>> أخـرجه البخـاري ومـسلم وأبو داود وأحمـد في المسـنـد من حـديث أبي هـريرة رضي الله. أي قـتلهم الله حـقـيـقـة، وقيل لعنهـم ، و قيل عاداهم ثم قال: وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث النـبوي، ولا تخرج عن أحد هذه المعاني.وقد ترد بمعنى التعجب من الشيء كقولهم: قاتله الله ما أفصحه!.[ المعجـم الوسـيط ( ج / 2 / ص /715 ]. وحديث عمر:<< قاتل الله سـمرة...>> أخرجه مسلم كتاب مساقات <ح72> أحمد[ج /1 / 25).
    وبمعنى الدفع، ومنه حديث :المار بين يدي المصلي: <<..قاتله فإنه شيطان >> أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب يرد المصلى المار بين يديه و مسلم كتاب الصلاة باب منع المار بين يدي المصلي . أي دافعه عن قبلـتك وليس كل قتال بمعنى القتـل.( النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ( ج / 4 / 12 / 15 ).
    ويرد بمعنى الإبطال: ومنه حديث<< إذا بويع لخليفـتين فاقتلوا الآخر منهما >> (رواه مـسلم ( ح / 1852 / ج / 3 / ص 1480 ) .)أي أبطلوا دعوته واجعلوه كمن مات .
    وبمعنى الكف : ومنه حديث:<<على المقتتلين أن يتحجروا ،الأولى فالأولى وإن كانت امرأة>> قال الخطابي: معناه : أن يكفوا عن القتل . (النـهاية في غـريب الحـديث ( ج / 4 / ص 13 ).
    القتـل في الـشـرع :هو:الفعل المزهق أي القاتل للنفـس [ مغنـي المحـتاج ( ج / 4 /ص 3 ) أو هو فعل من العباد تزول به الحياة أي أنه هدم للبنية الإنسانية إما بحق فهو مؤذون فيه شرعا- وسيأتي -وإما بباطل فهو محرم .وهو جريمة شنيعة مستقبحة في جميع الفطر السليمة .
    حكمــه : القتل إذا كان عـمدا عدوانا جريمة كبرى ، ومن السـبع الموبقات التي يترتب عليها استحقـاق العقاب في الدنيا والآخرة ، وذلك بالقـصاص في الدنيـا والخلود في نار جهـنم ، لأنه اعتداء على خلق الله في الأرض،وتهديد لأمن الأمة ؛ وحياة الفرد والأسرة والمجتمع، فهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، بل جاء تحريمه في كل الشرائع السماوية ، بل حرم حتى في الـنظم الإنسانية .
    أما الكتاب ففيه آيات كثيرة في شأن تحريم القتـل منها قوله تعالى:}وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (33) سورة الإسراء. دلت الآية الكريمة على النهي الصريح عن قتل النفس ، وأكد مقتضى النهي بوصف النفس بقوله { الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ } والتحريم هو المنع، فحرم الله، معناه منع الله، و التقـدير حرم الله قـتـلها فحذف لدلالة عليه { وَلاَ تَقْتُلُواْ } فالنهي عنه هو القتل ، والمحرم هو القتل فتأكد المنع بالنهي والتحريم.
    وفي إسناد التحريم إلى الله بعـثُ للنفوس على الخشية من الإقدام على المخالفة وتـنبـيه لها على ما يكفها عن الإقدام، وهو استشعار عظمة الله . (تفـسير ابن باديـس (ج1/ 246 ).)
    ودلت جريمة ابن آدم قابيل التي أخبرنا عنها القرآن على أن القتل إعتداء على الإنسانية قال سبحانه : }مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا { (32) سورة المائدة .[ تكملـة فـتح القـدير (ج / 8 / ص 244 ).]وبوب البخاري في صحيحه ، باب قول الله تعالي: }وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ{ (93) سورة النساء[الفتح [ج 12/ 194].
    قال ابن حجر : (الفتح (ج12 / 195 ) وفي هذه الآية وعيد شديد لمن قتل مؤمنا متعمدا بغير حق. قلت : ولا يكون الوعيد الشديد إلا لمن اقترف ذنبا عظيما محرما .
    وأما السنة ففي قوله e:<< إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا>> (متفق عليه) وفي قوله e:<< اجـتـنبوا السبع الموبقات....>> (متفق عليه) فذكر منها قتل النفـس التي حرم الله إلا بالحق ، وغيرها من الأحاديث الصحيحة الصريحة كقوله: << لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث،النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة>>. ( متفق عليه)
    أما الإجماع : فقد أجمع علماء الأمة سلفـا وخلفا على تحريم القتل ظلما وعدوانا؛ وأن من فـعله فقد ارتكب جريمة نكراء ، وهو مستقـر استقـبـاحه واستنكاره في الفطر السليمة.
    اسـتـطـراد : وقد جاءت الـشريعة الغراء بالتـحذير من القتـل ، واعتبرته كفرا ،جاء ذلك صريحا في حديث المصطفى e عن عبد الله بن عمر أن النبيe قال:<< سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه>>(البخاري ومسلم ) فإذا كان سبابه فسق فكيف بقـتاله، وأنت ترى أنه أطلق عليه اسم الكفر ، وقد يكون كفرا مخرجا من الملة إذا استحل قتله ، وقد يكون دون ذلك.
    وعن عبد الله بن عمرو عن النبيe قال:<<سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة >>( الفتـح (ج / 1 ص / 112 ) وأخرجه البزار (246 ) و إسناده حسن أنظر السلسـة الصحيحة (ح 1878 ). وقتاله كفر . قال الحافظ في الفتح :( الفـتـح (ج / 1 / ص / 112).لما كان القتال أشد من السباب لأنه مفض إلى إزهاق الروح عبر عنه بلفظ أشد من الفسق وهو الكفر،ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج من الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير. قلت: بل قد يراد حقيقـة الكفر التي هي الخروج عن الملة إذا اسـتحل قتله بالإجماع من أهل السنة .
    ومن هنا يجب على المسلم العاقل أن يبتعد عن إصابة الدم الحرام، فذلك فسحة في الدين،عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله e:<< لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما>>( فتح الباري (ج 12/194)وأبو داود :تعظيم قتل المؤمن، عون المعبود (ج11/ 353 ح/4250 ). قال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها تفي بوزره وتدخله في ورطة عظيمة لا مخرج له منها. قلت : تؤدي به إلى قعر جهنم كما قال ابن عمر رضي الله عنهما:<< إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله >>( البخاري كتاب الديات ، فـتـح الــباري (ج 12 / ص 187 ).
    قال الحافظ ابن حجر في الفتح :(نفس المصدر السابق) ورطات جمع ورطة بسكون الراء وهي: الهلاك يقال: وقع فلان في ورطة ، أي في شيء لا ينجوا منه ، وقد فسرها في الخبر بقوله التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها .
    وعن عبادة بن الصامت عن رسول الله أنه قال:<<من قتل مؤمنا فاعتبط- أو (فاغتبط) بقتله لم يقبل الله منه صرفا [ أي نافلة ] و لا عدلا [ أي فريضة] >>( أبوداود كتاب الفتن و الـملاحم ، عون المعـبود (ج 11 / ص 352 ) و إسناده حـسن .
    قال العزيزي : فاغتبط بالغين المعجمة ،من الفرح لأن القاتـل يفرح بقتل عدوه (عون المعبود شرح سنـن أبي داود (ج 11 /ص 352 ). قال في النهاية [ج3/172] : هكذا جاء الحديث في سنن أبي داود ، ثم قال في آخر الحديث :"قال خالد بن دهقان ، وهو راوي الحديث، سألت يحي بن يحي الغساني عن قوله "اغتبط بقـتله" قال الذين يقاتلون في الفتنة فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله منه" .
    وهذا التفسيـر يدل على أنه من الغبطة بالغين المعجمة فإذا كان المقتول مؤمنا وفرح بقتله دخل في هذا الوعيد،أما من قال بالعين المهملة:" فاعتبط بقتله فمعناه كما شرحه الخطابي في معالم السنن: قال قتله ظلما لا عن قصاص، يقال عبطت الناقة واعتبطها إذا نحرها من غير داء ولا آفة تكون بها أ. هـ (معالم الـسنـن للخطابي (ج 6 / 51 )وعون المعبود ، وعزاه للعزيزي (ج11 / 353).
    قلت: فكذلك قتل المسلم بغير حق، والمعاهد ..وغيرهم ممن ليسوا محاربين .
    وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله e:<< من لقي الله لا يشرك به شيئا ،لم يـتـند بدم حرام دخل الجنة>>( رواه ابن ماجه رحمه الله في كتاب الديات باب التغليظ في قتل المسلم ظلما رقم(261(ج 2 / 873 )وإسناده صحيح متصل وعبد الرحمان بن عائد سمع من عقبة بن عامر كما في التهذيب (ج6/3203) .
    وقوله : يتند أي لم يصب منه شيئا أو لم ينل منه شيئا كأنه نال نداوة الدم .
    قال الحافظ بن حجر رحمه الله في فتـح الباري ( ج 12/ ص188 189 ): ومعناه الإصابة، وهو كناية عن شدة المخالطة ، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لمن قتل عامدا بغير حق:<< تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة >> .
    قال ابن العربي رحمه الله : ثبت النهي عن قتل البهـيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بقتل المسلم فكيف بالتقي الصالح (نفس المصدر السابق) .
    وما يفعله أولئك الغلاة من البغاة الخارجين المارقين ، في شعبنا المسلم فلا حق للحريات من التدين ، فالقتل للمسلمين في المساجد ، فقد قتلوا الأئمة وهم يصلون ، ولا حق لكسب الأموال فهي تأخذ من أصحابها عنوة ، وُيقتلون دونها ، ولا الحفاظ على الأعراض فالاغتصاب ،والخطف ، والأخذ بالقوة للفتيات ، ولا حق لحياة الأنفس، فيقتلون كل من اعترضهم ولم يوافقهم ، بل إنهم بلغوا الغاية في المفسدة والإفساد في الأرض. فهم يقتلون بمجرد الظنة ، فأي مصلحة في تكفير المسلم وقتله ، وأي منفعة في قمعه وتشريده وانتهاك حرماته وعرضه ونهب خيراته؟ إلا القتال على الكرسي والدنيا ، والمغالبة عليه بأي طريق كان ، والمطالبة به بأي وسيلة كانت، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لرجل من أصحابه: أتدري ما الفتنة ثكلتك أمك ؟ إنما كان محمد e يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة وليس كقتالكم على الملك البخاري (ح7095).
    اللهم إنا نبرأ إليك مما فعل هؤلاء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    ولما اشتد القتل والقتال على الدنيا والكرسي لأخذ الملك والحكم بأي طريق كان ، أهـدر دم الإنسان وأصبح رخيصا أرخص من قتل الذباب، لأن عقول الناس ذهبت ولم يبق إلا حثالة من الناس يستبيحون الأعراض والأموال ويسفكون الدماء بغير مبرر شرعي فقلت الرجال وكثرت النساء وهذا كله قد حدث قال e:<< بين يدي الساعة لهرجا >> قال أبو موسى الأشعري.قلت: يا رسول الله:ما الهرج؟ قال: <<القتل>> ..
    << يقتل بعضكم بعضا حتى يقتل الرجل جاره وابن عمـه وذا قرابته >> فقال القوم : يا رسول الله !ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله e:<< لا.تنزع عقول أكثر ذلك الزمان ، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم>> (صحيح ابن ماجه(3198/ج2/ص55)أنظر الصحيحة (ح168.
    ولك أن تعلق أيها القارئ وخاصة وأنت تدرك تماما كيف تقتل الأرواح وتقطع الرؤوس بالعشرات بل بالمئات وترمى هكذا في الشوارع مشوهة هل عند هؤلاء الناس مسكة عقل ؟ وقالe:<< كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي،يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة من الناس،قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا >> (أحمد ، وأبو داود وهو في صحيح ابن ماجة 3196، والصحيحة 205).
    فوقع فيهم القتل اللامشروع حتى قلت الرجال وكثرت النساء قالe:<< لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ويظهر الجهل ويقل الرجال وتكثر النساء..>>(أخرجاه صاحبا الصحيحين )، وابن كثير في الفتن والملاحم (ج1/ص1.
    وهذا إشارة إلى كثرة القتل،قالe:<< يتقارب الزمان وينقص العلم ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج. قالوا : يارسول الله أيما هو؟ قال: القتل القتل >>( البخارى (ح7061) ومسلم كتاب الفتن (ج4/ص2215 ).
    وفي هذا الزمان الذي أشار إليه المصطفى e:<< وقد أدركنا وأظلنا يسرع الناس فيه إلى القتل دون تورع ولا نظر إلى حكم الشرع حتى لا يدري الرجل على ما يقاتل والمقتول على ما مات،روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e:<< والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل،ولا المقتول فيم قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟قال الهرج.القاتل والمقتول في النار>>( مسلم كتاب الفتن (ج4 /ص2231 ).
    ولا يقف بهم القتل عند هذا الحد حتى يتجاوز المقاتلة إلى الذرية فيقتلون الذراري(عن الأسود بن سريع أن النبيe نهى عن قتل الذرية فقال:<< ألا لا تقتلوا ذرية،ألا لا تقلوا ذرية >> أحمد (ج3/ص435)وقد ثبت النهي عنه في الصحيح .)،ونعوذ بالله من ذلك الزمان الذي نحن على أبوابه فكم من طفل يقتل في العالم الإسلامي بعامة،وفي جزائرنا خاصة ، إنها فتنة كادت أن تأتي على الأخضر واليابس .وإذا كان الأمر هكذا وهو كذلك في زماننا، فالمطلوب من المؤمن الذي يريد النجاة لنفسه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الشرك سليم من الدماء لم يتند بدم حرام فعليه أن يبتعد ويعتزل القتل والقتال في الفتنة وخاصة عند اشتداد الفتن، وتحكم الأهواء وقد أرشد إلى ذلك النبيeفي قوله لحذيفة t: << فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى تلقى الله وأنت على ذلك >>(وهو في الصحيحين ).وفي رواية قال:<< ومن كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه قال : فمن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه سلاحه فيدق على حده بحجر ثم لينج ما استطاع النجاء >>( رواه مسلم (ج4/ص2212) وأبو داود والترمذي وابن كثير في كتابه الفتن والملاحم(ج1/34). وفي رواية قال سعد بن أبي وقاص: قلت يارسول الله أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني.فقال رسول الله:<< كن كإبن آدم وتلى} لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك .. { المائدة: 28- 29(رواه أبو داود وابن كثير في الفتن والملاحم(ج1/35 ).
    وفي رواية قال لأبي ذر:<< يأبا ذر:أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة البيت من الدماء كيف تصنع؟ قال:الله ورسوله أعلم. قال:اقعد في بيتك وأغلق إليك بابك. قال:فإن لم أترك أفآخد سلاحي؟ قال:إذا تشاركهم فيما هم فيه،ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك >>.وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن في الفتنة إن قاتله أحد أو رفع السلاح عليه ليقتله فليكن عبد الله المقتول ولا يكون عبد الله القاتل كخير ابني آدم - حتى يلقى الله وهو في فسحة من دينه -لم يتندى بدم حرام .وذكرت هذه الخاتمة ليكون المؤمن العاقل محتاطا لدينه،فإن الفتن على وجوه كثيرة،قد مضى منها فتن عظيمة نجا منها أقوام، وهلك فيها أقوام بإتباعهم الهـوى، وإيثارهم الدنيا فمن أراد الله تعالى له الخير فتح له باب الدعاء،وألتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه ، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم المحجة البيضاء والحجة البالغة الواضحة السواد الأعظم،ولم يتلون في دينه، وعبد ربه عز وجل وترك الخوض في الفتنة،فإن الفتنة يعرفها العلماء إذا أقبلت ،ويفتضح عندها خلق كثير إذا حلت ،ويعلمها الناس إذا أدبرت ، ونسأل الله العصمة والثبات وحسن الخاتمة.
    وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.


    وكتب: أبو بكر يوسف لعويسي



    جيجــــل: في منتصف رجب المحرم 1415هـ

    تعليق

    يعمل...
    X