إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

[متجدد] صفحة يُدون فيها تفسير و فوائد من آيات الله تعالى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] صفحة يُدون فيها تفسير و فوائد من آيات الله تعالى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛
    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له؛وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم ومسلمون }.
    [آل عمران: 102]
    { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذين تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }.
    [النساء: 1]
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }. [الأحزاب : 70-71] أما بعد:-
    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
    عباد الله:
    لقد ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على الأمر بتلاوة القرآن والإكثار من ذلك ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل ورد الأمر بتدبره والتفكر فيه قال تعالى: ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
    [ محمد : 24]. والمقصود الأعظم والمطلوب الأهم هو تدبر القرآن وتفهمه والوقوف عند عجائبه ففيه تنشرح الصدور وتستنير القلوب وتُشْفَي من جميع عللها، قال تعالى: ( يأيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) [يونس: 57]
    فقراءة القرآن بتدبر شفاء لأمراض الصدور من الشكوك المفسدة للعقيدة والوساوس والحسد والغل والقلق والهموم و الغموم والأحزان والتفكير المحرم وهو أيضا سبب انشراحها واستنارتها ورقتها وتعلقها بالله والدار الآخرة ومن تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته للقرآن عرف مدى عنايته صلى الله عليه وسلم بذلك.
    قال حذيفة رضي الله عنه: ( قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة ثم النساء فقرأها ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بآية فيها تعوذٌ تعوذ... ).

    وقال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إقرا علي القرآن )،
    فقلت: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟
    قال: ( إني أحب أن أسمعه من غيري )،
    فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية:
    ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )[ النساء 41]، فإذا عيناه تذرفان. رواه البخاري ومسلم.

    وقال أبو ذر رضي الله عنه : قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح والآية : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )[المائدة: 118].

    وقال عبادة بن حمزة :" دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم )[الطور 27] فوقفت عندها فجعلت ، تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي وهي تعيدها وتدعوا ".
    والأسباب المعينة على الخشوع والتدبر يا عباد الله كثيرة:
    ـ منها: إخلاص النية لله تعالى قال تعالى : ( فاعبد الله مخلصا له الدين )
    [الزمر:2] وذلك بأن يقصد المسلم بقراءته التقرب إلى الله تعالى والتزود من الحسنات ورفع الجهل عن النفس. وإذا كان القارئ إماما أو معلما فليحذر من التصنع للمخلوقين أو الحرص على اكتساب محامدهم أو محبتهم أو مدحهم
    قال بعض العلماء:
    الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤية العمل وطلب ثواب الآخرة.
    ـ ومن الأسباب المعينة على التدبر والخشوع:
    أن يشعر القارئ أن الكلام المتلو هو كلام الله لفظه ومعناه وأنه أحسن الكلام وأصدق الحديث وأن يشعر بأن الله يخاطبه في هذا القرآن.
    ـ ومن الأسباب المعينة على الخشوع والتدبر:
    تعلم تفسير القرآن فإن الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك أن يتدبر الناس آياته ويتعظوا بما فيها والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك فاتت الحكمة من إنزال القرآن وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون معانيه قال تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)
    [ ص: 29 ] وقد وبَّخ الله أولئك الذين لا يتدبرون القرآن وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم وعدم وصول الخير إليها فقال سبحانه: ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )[ محمد : 24]. ولقد كان السلف يحرصون أشد الحرص على تعلم القرآن ألفاظه ومعانيه لأنهم بذلك يتمكنون من العمل بالقرآن على مراد الله فإن العمل بما لا يُعْرَف معناه غير ممكن.

    قال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا )

    قال شيخ الإسلام: "والعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم "

    اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
    - منقول من خطبة ضمن سلسلة خطب شيخنا الفاضل/ أحـمـد بن مـحـمـد الـعـتـيـق - حفظه الله تعالى - خطيب جامع برزان في حائل حرسها الله - و قد رأيت أن أفتتح في هذا المنتدى المبارك، نسأل الله أن يبارك في القائمين عليه وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه و يبارك في جميع الأعضاء، صفحة يُدون فيها تفسير و فوائد من آيات الله تعالى و تكون منظمة و في كل مرة نأخذ سورة و نكمل تفسيرها و ذكر فوائدها و ننتقل إلى التي تليها كما جاء ترتيبها في القرآن الكريم واخترت أن يكون تفسير الإمام السعدي رحمه الله تعالى نظرا لصغر حجمه و كثرة فوائده فنسأل الله أن نزداد به علما وأن ينفعنا به، وقد كان السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم يعتنون كثيرا بتفسير كلام الله - جل و علا - و بفهم معانيه، لأنه هو الحجة على الخلق و لأن التعبد وقع به و بتلاوته و بفهم معانيه و بأنحاء كثيرة غير ذلك لحاجة المؤمن في نفسه إليه، ثم لحاجة الأمة لهذا، فلا أعظم من أن يُشرح للناس و أن يفسر لهم و أن يُبين كلام الله - جل و علا - إذ هو الحق الذي لا امتراء فيه و هو الحجة التي ليس بعدها حجة، و هو القاطع الذي تقنع به النفوس و ترضى به دليلا و برهانا و حجة عند الاحتجاج و إيراد البرهان و الدليل و اكتفي بهذا الكلام وكما يقال خير الكلام ما دل و قل و أترككم الآن مع وصية الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله تعالى - بكتاب الله ( الوصية بالقرآن الكريم ) .
    و لي عودة باذن الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم عمرو بن حسين; الساعة 23-Jan-2011, 01:13 PM.

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم

    سورة الفاتحة


    الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :
    فإن الله - جل وعلا - شرع لعباده في كل ركعة من الصلاة أن يقرأوا فاتحة الكتاب ، وهي أم القرآن ، وهي أعظم سورة في كتاب الله - عز وجل - كما صح بذلك الخبر عن النبي - عليه الصلاة والسلام
    أنه قال :
    ((إنها أعظم سورة في كتاب الله ، وإنها السبع المثاني ، والقرآن العظيم ، وهي الحمد)).
    هذه السورة العظيمة اشتملت على الثناء على الله وتمجيده - جل وعلا - وبيان أنه - سبحانه - هو المستحق لأن يعبد وأن يستعان به ، واشتملت على تعليم العباد
    ، وتوجيه العباد إلى أن يسألوه - سبحانه وتعالى - الهداية إلى الصراط المستقيم .
    فمن نعم الله العظيمة على عباده هذه السورة العظيمة
    ، وأن شرع لهم قراءتها في كل ركعة في الفرض والنفل ، بل جعلها ركن الصلاة في كل ركعة ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام- : ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[ الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 756 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]]، وقال - عليه الصلاة والسلام- لأصحابه :
    ((لعلكم تقرأون خلف إمامكم))؟ قالوا : نعم . قال : ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))[ الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: ابن دقيق العيد المصدر: الإلمام بأحاديث الأحكام - الصفحة أو الرقم: 1/162 خلاصة حكم المحدث: في إسناده ابن إسحاق فمن احتج به فهو عنده صحيح] . -
    تفسير
    وهي مكية ‏[‏1 ـ 7‏]‏
    {‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏}
    {‏بِسْمِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أبتدئ بكل اسم لله تعالى‏,‏ لأن لفظ ‏{‏اسم‏}‏ مفرد مضاف‏,‏ فيعم جميع الأسماء ‏[‏الحسنى‏]‏‏.‏ ‏{‏اللَّهِ‏}‏ هو المألوه المعبود‏,‏ المستحق لإفراده بالعبادة‏,‏ لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال‏.

    ‏‏{‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء‏,‏ وعمت كل حي‏,‏ وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله‏.‏ فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة‏,‏ ومن عداهم فلهم نصيب منها‏.‏
    واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها‏,‏ الإيمان بأسماء الله وصفاته‏,‏ وأحكام الصفات‏.‏فيؤمنون مثلًا‏,‏ بأنه رحمن رحيم‏,‏ ذو الرحمة التي اتصف بها‏,‏ المتعلقة بالمرحوم‏.‏ فالنعم كلها‏,‏ أثر من آثار رحمته‏,‏ وهكذا في سائر الأسماء‏.‏ يقال في العليم‏:‏ إنه عليم ذو علم‏,‏ يعلم ‏[‏به‏]‏ كل شيء‏,‏ قدير‏,‏ ذو قدرة يقدر على كل شيء‏.‏
    {‏الْحَمْدُ لِلَّهِ‏}‏ ‏[‏هو‏]‏ الثناء على الله بصفات الكمال‏,‏ وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل‏,‏ فله الحمد الكامل‏,‏ بجميع الوجوه‏.‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ الرب‏,‏ هو المربي جميع العالمين ـ وهم من سوى الله ـ بخلقه إياهم‏,‏ وإعداده لهم الآلات‏,‏ وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة‏,‏ التي لو فقدوها‏,‏ لم يمكن لهم البقاء‏.‏ فما بهم من نعمة‏,‏ فمنه تعالى‏.‏
    وتربيته تعالى لخلقه نوعان‏:‏ عامة وخاصة‏.‏
    فالعامة‏:‏ هي خلقه للمخلوقين‏,‏ ورزقهم‏,‏ وهدايتهم لما فيه مصالحهم‏,‏ التي فيها بقاؤهم في الدنيا‏.‏
    والخاصة‏:‏ تربيته لأوليائه‏,‏ فيربيهم بالإيمان‏,‏ ويوفقهم له‏,‏ ويكمله لهم‏,‏ ويدفع عنهم الصوارف‏,‏ والعوائق الحائلة بينهم وبينه‏,‏ وحقيقتها‏:‏ تربية التوفيق لكل خير‏,‏ والعصمة عن كل شر‏.‏ ولعل هذا ‏[‏المعنى‏]‏ هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب‏.‏ فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة‏.‏
    فدل قوله ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ على انفراده بالخلق والتدبير‏,‏ والنعم‏,‏ وكمال غناه‏,‏ وتمام فقر العالمين إليه‏,‏ بكل وجه واعتبار‏.‏
    {‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ المالك‏:‏ هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى‏,‏ ويثيب ويعاقب‏,‏ ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات‏,‏ وأضاف الملك ليوم الدين‏,‏ وهو يوم القيامة‏,‏ يوم يدان الناس فيه بأعمالهم‏,‏ خيرها وشرها‏,‏ لأن في ذلك اليوم‏,‏ يظهر للخلق تمام الظهور‏,‏ كمال ملكه وعدله وحكمته‏,‏ وانقطاع أملاك الخلائق‏.‏ حتى ‏[‏إنه‏]‏ يستوي في ذلك اليوم‏,‏ الملوك والرعايا والعبيد والأحرار‏.‏
    كلهم مذعنون لعظمته‏,‏ خاضعون لعزته‏,‏ منتظرون لمجازاته‏,‏ راجون ثوابه‏,‏ خائفون من عقابه‏,‏ فلذلك خصه بالذكر‏,‏ وإلا‏,‏ فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام‏.‏
    وقوله ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ أي‏:‏ نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة‏,‏ لأن تقديم المعمول يفيد الحصر‏,‏ وهو إثبات الحكم للمذكور‏,‏ ونفيه عما عداه‏.‏ فكأنه يقول‏:‏ نعبدك‏,‏ ولا نعبد غيرك‏,‏ ونستعين بك‏,‏ ولا نستعين بغيرك‏.‏
    وقدم العبادة على الاستعانة‏,‏ من باب تقديم العام على الخاص‏,‏ واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده‏.‏
    و‏{‏العبادة‏}‏ اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال‏,‏ والأقوال الظاهرة والباطنة‏.‏
    والاستعانة‏}‏ هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع‏,‏ ودفع المضار‏,‏ مع الثقة به في تحصيل ذلك‏.‏
    والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية‏,‏ والنجاة من جميع الشرور‏,‏ فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما‏.‏ وإنما تكون العبادة عبادة‏,‏ إذا كانت مأخوذة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقصودا بها وجه الله‏.‏ فبهذين الأمرين تكون عبادة‏,‏ وذكر ‏{‏الاستعانة‏}‏ بعد ‏{‏العبادة‏}‏ مع دخولها فيها‏,‏ لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى‏.‏ فإنه إن لم يعنه الله‏,‏ لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر‏,‏ واجتناب النواهي‏.‏
    ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ أي‏:‏ دلنا وأرشدنا‏,‏ ووفقنا للصراط المستقيم‏,‏ وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله‏,‏ وإلى جنته‏,‏ وهو معرفة الحق والعمل به‏,‏ فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط‏.‏ فالهداية إلى الصراط‏:‏ لزوم دين الإسلام‏,‏ وترك ما سواه من الأديان‏,‏ والهداية في الصراط‏,‏ تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا‏.‏ فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته‏,‏ لضرورته إلى ذلك‏.‏
    وهذا الصراط المستقيم هو‏:‏ ‏{‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‏.‏ ‏{‏غَيْرِ‏}‏ صراط ‏{‏الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏}‏ الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم‏.‏ وغير صراط ‏{‏الضَّالِّينَ‏}‏ الذين تركوا الحق على جهل وضلال‏,‏ كالنصارى ونحوهم‏.‏
    فهذه السورة على إيجازها‏,‏ قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن‏,‏ فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة‏:‏ توحيد الربوبية يؤخذ من قوله‏:‏ ‏{‏رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏
    وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة‏,‏ يؤخذ من لفظ‏:‏ ‏{‏اللَّهِ‏}‏ ومن قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏ وتوحيد الأسماء والصفات‏,‏ وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى‏,‏ التي أثبتها لنفسه‏,‏ وأثبتها له رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه‏,‏ وقد دل على ذلك لفظ ‏{‏الْحَمْدُ‏}‏ كما تقدم‏.‏ وتضمنت إثبات النبوة في قوله‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة‏.‏
    وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله‏:‏ ‏{‏مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ وأن الجزاء يكون بالعدل‏,‏ لأن الدين معناه الجزاء بالعدل‏.‏
    وتضمنت إثبات القدر‏,‏ وأن العبد فاعل حقيقة‏,‏ خلافا للقدرية والجبرية‏.‏ بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع ‏[‏والضلال‏]‏ في قوله‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏}‏ لأنه معرفة الحق والعمل به‏.‏ وكل مبتدع ‏[‏وضال‏]‏ فهو مخالف لذلك‏.‏
    وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى‏,‏ عبادة واستعانة في قوله‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ فالحمد لله رب العالمين‏.‏
    يتبع باذن الله

    تعليق


    • #3
      الفوائد المستخلصة من سورة الفاتحة :
      • إثبات الحمد الكامل لله عزّ وجلّ.
      • أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل من جميع الوجوه
      • تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية.
      • عموم ربوبية الله تعالى لجميع العالم؛ لقوله تعالى:(العالمين.. ).
      • إثبات هذين الاسمين الكريمين . { الرحمن الرحيم } لله عزّ وجلّ؛ وإثبات ما تضمناه من الرحمة التي هي الوصف، ومن الرحمة التي هي الفعل..
      • أن ربوبية الله عزّ وجلّ مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة.
      • إثبات ملك الله عزّ وجلّ، وملكوته يوم الدين.
      • البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى: ( مالك يوم الدين ).
      • حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون..
      • إخلاص العبادة لله.
      • إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ ( ملاحظة : الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ؛ واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} و الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان به قادراً عليها ).
      • لجوء الإنسان إلى الله عزّ وجلّ بعد استعانته به على العبادة أن يهديه الصراط المستقيم؛ ومن استعانة يتقوى بها على العبادة؛ ومن اتباع للشريعة.
      • تتضمن طلب الهداية: التي هي هداية العلم، وهداية التوفيق؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية علم، وإرشاد؛ وهداية توفيق، وعمل.
      • أن الصراط ينقسم إلى قسمين: مستقيم، ومعوج.
      • ذكر التفصيل بعد الإجمال؛ لقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }: وهذا مجمل؛ (صراط الذين أنعمت عليهم ): وهذا مفصل.
      • إسناد النعمة إلى الله تعالى وحده في هداية الذين أنعم عليهم؛ لأنها فضل محض من الله.
      • انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون.
      • بلاغة القرآن، حيث جاء التعبير عن المغضوب عليهم باسم المفعول الدال على أن الغضب عليهم حاصل من الله تعالى.
      • أنه يقدم الأشد، فالأشد؛ لأنه تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين...

      يتبع باذن الله

      تعليق


      • #4
        الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتبع هداه أما بعد :
        فإن كتاب الله جل و علا من أعظم ما تشدّ له الهمم و تتيممه العزائم....... فــ...لذلك قبل البدء نستأذن من صاحب هذا المشروع العظيم في المشاركة فهل هذا ممكن ؟؟؟

        تعليق


        • #5
          نعم بالطبع أرجو من الجميع المشاركة و نسأل الله التوفيق و السداد و الإخلاص و من له فوائد أخرى بالنسبة لسورة الفاتحة فليذكرها مشكورا و إلا نبدأ باذن الله في سورة البقرة

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا و بارك الله فيكم : أبدأ مستعينا برب الكعبة جل و علا فأقول : إن من أعظم ما تستحث له الهمم و تشرئب إليه البصائر التفقه في كتاب الله تعالى إن من المتقرر و المعلوم أن كتاب الله جل و علا هو أعظم كتاب على الإطلاق لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه مهيمن على سائر الكتب حاكم على سائر الصحف رضيه الله جل و علا للأمة كتابا منزلا كما رضي لهم الاسلام دينا و لا يخفى على المسلم فضلا عن طالب العلم ما وصفه به ربنا جل و علا فهو النور المبين و هو الحبل المتين و فضائله لا تحصى فقد أنزله رب العالمين لهداية البشر و صلاحهم في معاشهم و معادهم لذلك كان العلم به من أشرف المقامات و أعلى المكرمات و لا مزية لحافظه على غيره إلا بعد أن يكون له متدبرا و به عالما لذلك ندب رب العالمين إلى تدبره و إن من المتقرر عند أهل العلم أن التدبر فرع العلم بالمعنى لذلك لا يشرف حامل القرآن إلا بعد أن يكون عالما بما فيه مدركا الغاية العملية من إنزاله و هي العمل بمحكمه و الإيمان بمتشابهه " كتاب أنزلنه إليك مبارك ليدبّروا ءاياته و ليتذكر أولوا الألباب " قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى عند تفسيره للآية : هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود " انتهى كلامه .
            لذلك أحببت بإذن الله تعالى طمعا في النعيم الدنيوي أولا إذ القرآن حياة للقلوب في هذه الدار و مصداق ذلك قول الباري جل و علا :" ألا بذكر الله تطمئن القلوب " و رجاء النفع في الآخرة فالقرآن يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة بذلك صحخ الخبر عن سيد الخلق صلى الله عليه و سلم و قد أبلغ الإمام شيخ القراء و المقرئين القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي رحمه الله حيث قال :
            و إن كتاب الله أوثق شافع 000 و أغنى غناء واهبا متفضلا
            و حيث الفتى يرتاع في ظلماته 000 من القبر يلقاه سنا متهللا
            فأبدأ و بالله تعالى التوفيق في سورة الفاتحة و لكن في المشاركة الآتية .

            تعليق


            • #7
              سأذكر نكتا أراها نافعة بإذن الله و ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى و بالله التوفيق :
              1- السورة دلت على إثبات أنواع التوحيد الثلاثة و القسمة الثلاثية حقيقة شرعية و ينبني على ذلك عدم جواز إحداث قسم رابع : "الحمد لله رب العالمين ": توحيد الله في معاني ربوبيته
              "الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " التنبيه على أسمائه و صفاته جل و علا ، " إياك نعبد و إياك نستعين " : الغاية من القسمين الأوليين و هو توحيد الإلهية .
              2- أن العبد في سيره إلى الله تعالى بين الخوف و الرجاء علمنا ذلك من قول الله تعالى" الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " فالأولى تورث الرجاء و الثانية تورث الخوف و بذلك يحصّل العبد غايته من التعبد لله جل و علا .
              3- أن الغاية من العلم العمل به علمنا ذلك من قول الله جل و علا : " إهدنا الصراط المستقيم ".
              4- وسطية الاسلام بين سائر الأديان " غير المغضوب عليهم و لا الضالين ".3
              5- الرد على بعض الطوائف المنحرفة كالروافض و تزكية الصحابة رضي الله عنهم."صراط الذين أنعمت عليهم ".
              6- التنبيه على أحقية أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة .
              7- فائدة في القراءات : قرأ قوله تعالى : " مالك يوم الدين " قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب و خلف في اختياره ( يعني خلف العاشر ) بإثبات ألف بعد الميم لفظا و قرأ الباقون وهم : نافع و ابن كثير و أبي عمرو البصري و حمزة و أبو جعفر المدني بحذف الألف فتقرأ ملك فعلى الأول تكون من اسم الفاعل مالك من ملك ملكا بالكسر و على الثاني ملك اسم فاعل من الفعل ملك ملكا بالضم
              قال الشوكاني رحمه الله تعالى : " والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه ، أن الملك صفة لذاته ، والمالك صفة لفعله " و الله أعـــــــــلم .

              تعليق


              • #8
                تفسير سورة البقرة
                بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) .
                الحروف المقطعة في أوائل السور, فالأسلم فيها, السكوت عن التعرض لمعناها [من غير مستند شرعي], مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها. وقوله ( ذَلِكَ الْكِتَابُ ) أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة، المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم، والحق المبين. فـ ( لا رَيْبَ فِيهِ ) ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه، يستلزم ضده، إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب، وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح، لا بد أن يكون متضمنا لضده، وهو الكمال، لأن النفي عدم، والعدم المحض، لا مدح فيه. فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: ( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة، وقال ( هُدًى ) وحذف المعمول، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني، لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم، في دنياهم وأخراهم.
                وقال في موضع آخر: ( هُدًى لِلنَّاسِ ) فعمم، وفي هذا الموضع وغيره ( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ) فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية.
                ولأن الهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها، ليست هداية حقيقية [تامة].
                ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة، والأعمال الظاهرة، لتضمن التقوى لذلك فقال: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله. فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية, لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.
                ويدخل في الإيمان بالغيب, [الإيمان بـ] بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, [وما أخبرت به الرسل من ذلك] فيؤمنون بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها.
                ثم قال: ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) لم يقل: يفعلون الصلاة, أو يأتون بالصلاة, لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة. فإقامة الصلاة, إقامتها ظاهرا, بإتمام أركانها, وواجباتها, وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها, وهو حضور القلب فيها, وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته, إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.
                ثم قال: ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) يدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة, والنفقة على الزوجات والأقارب, والمماليك ونحو ذلك. والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليهم, لكثرة أسبابه وتنوع أهله, ولأن النفقة من حيث هي, قربة إلى الله، وأتى بـ " من "الدالة على التبعيض, لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم, غير ضار لهم ولا مثقل, بل ينتفعون هم بإنفاقه, وينتفع به إخوانهم.
                وفي قوله: ( رَزَقْنَاهُمْ ) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم وملككم, وإنما هي رزق الله الذي خولكم, وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده, فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسوا إخوانكم المعدمين.
                وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن, لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان.
                ثم قال: ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ ) وهو القرآن والسنة، قال تعالى:( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول, ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه, فيؤمنون ببعضه, ولا يؤمنون ببعضه, إما بجحده أو تأويله, على غير مراد الله ورسوله, كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة, الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم, بما حاصله عدم التصديق بمعناها, وإن صدقوا بلفظها, فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.
                وقوله: ( وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ ) يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه, خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم.
                ثم قال: ( وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) و " الآخرة "اسم لما يكون بعد الموت، وخصه [بالذكر] بعد العموم, لأن الإيمان باليوم الآخر, أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين "هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك, الموجب للعمل.
                ( أُولَئِكَ ) أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة ( عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ) أي: على هدى عظيم, لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية [الحقيقية] إلا هدايتهم، وما سواها [مما خالفها]، فهو ضلالة.
                وأتى بـ " على "في هذا الموضع, الدالة على الاستعلاء, وفي الضلالة يأتي بـ " في "كما في قوله: ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى, مرتفع به, وصاحب الضلال منغمس فيه محتَقر.
                ثم قال: ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) والفلاح [هو] الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم, وما عدا تلك السبيل, فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
                يتبع باذن الله

                تعليق


                • #9
                  فوائد من الآية 1 إلى الآية 5 من سورة البقرة
                  • بيان علوّ القرآن؛ لقوله تعالى: { ذلك }، فالإشارة بالبعد تفيد علوّ مرتبته؛ وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلوّ والرفعة.
                  • رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنىً به : فهو مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والصحف التي بأيدي الملائكة، والمصاحف التي بأيدي الناس.
                  • أن هذا القرآن نزل من عند الله يقيناً.
                  • أن المهتدي بهذا القرآن هم المتقون.
                  • فضيلة التقوى، وأنها من أسباب الاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يشمل الهداية العلمية، والهداية العملية؛ أي هداية الإرشاد، والتوفيق.
                  • أن من أوصاف المتقين الإيمان بالغيب؛ لأن الإيمان بالمُشاهَد المحسوس ليس بإيمان؛ لأن المحسوس لا يمكن إنكاره.
                  • أن من أوصاف المتقين إقامة الصلاة؛ وهو عام لفرضها، ونفلها.
                  • أن من أوصاف المتقين الإنفاق مما رزقهم الله؛ وهذا يشمل الإنفاق الواجب كالزكاة، وإنفاقَ التطوع كالصدقات، والإنفاقِ في سبل الخير.
                  • أن صدقة الغاصب باطلة.
                  • أن الإنفاق غير الزكاة لا يتقدر بشيء معين.
                  • ذم البخل؛ ووجهه أن الله مدح المنفقين؛ فإذا لم يكن إنفاق فلا مدح؛ والبخل خلق ذميم حذر الله سبحانه وتعالى منه في عدة آيات.
                  • أن من أوصاف المتقين الإيمان بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله.
                  • أن من أوصاف المتقين الإيقان بالآخرة.
                  • أهمية الإيمان بالآخرة؛ لأن الإيمان بها هو الذي يبعث على العمل؛ ولهذا يقرن الله تعالى دائماً الإيمان به عزّ وجلّ، وباليوم الآخر؛ أما من لم يؤمن بالآخرة فليس لديه باعث على العمل؛ إنما يعمل لدنياه فقط: يعتدي ما دام يرى أن ذلك مصلحة في دنياه: يسرق مثلاً؛ يتمتع بشهوته؛ يكذب؛ يغش...؛ لأنه لا يؤمن بالآخرة؛ فالإيمان بالآخرة حقيقة هو الباعث على العمل.
                  • سلامة هؤلاء في منهجهم؛ لقوله تعالى: ( أولئك على هدًى من ربهم ).
                  • أن ربوبية الله عزّ وجلّ تكون خاصة، وعامة.
                  • أن مآل هؤلاء هو الفلاح؛ لقوله تعالى: ( وأولئك هم المفلحون ).
                  • أن الفلاح مرتب على الاتصاف بما ذُكر؛ فإن اختلَّت صفة منها نقص من الفلاح بقدر ما اختل من تلك الصفات؛ لأن الصحيح من قول أهل السنة والجماعة، والذي دلّ عليه العقل والنقل، أن الإيمان يزيد، وينقص، ويتجزأ؛ ولولا ذلك ما كان في الجنات درجات: هناك رتب كما جاء في الحديث: "إن أهل الجنة ليتراءون أصحاب الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق؛ قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال صلى الله عليه وسلم لا؛ والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين"(أخرجه البخاري ص263، كتاب بدء الخلق، باب 8: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث رقم 3256؛ وأخرجه مسلم ص1170، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب 3: ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، حديث رقم 7144 [11] 2831.) ، أي ليست خاصة بالأنبياء.

                  يتبع باذن الله

                  تعليق


                  • #10
                    تفسير من الآية 6 إلى الآية 16 من سورة البقرة

                    ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) ) .
                    يخبر تعالى أن الذين كفروا, أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به, وصار وصفا لهم لازما, لا يردعهم عنه رادع, ولا ينجع فيهم وعظ، إنهم مستمرون على كفرهم, فسواء عليهم أأنذرتهم, أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول, أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة, وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم, وأنك لا تأس عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.
                    ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان, ولا ينفذ فيها، فلا يعون ما ينفعهم, ولا يسمعون ما يفيدهم.
                    ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم, وهذه طرق العلم والخير, قد سدت عليهم, فلا مطمع فيهم, ولا خير يرجى عندهم، وإنما منعوا ذلك, وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق, كما قال تعالى:( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) وهذا عقاب عاجل.
                    ثم ذكر العقاب الآجل، فقال: ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وهو عذاب النار,وسخط الجبار المستمر الدائم.
                    ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر فقال:
                    ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ) .
                    واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي, والنفاق العملي، كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان "وفي رواية: " وإذا خاصم فجر "
                    وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام, فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة, وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة, ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم, فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم, وفي الحقيقة ليسوا منهم.
                    فمن لطف الله بالمؤمنين, أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها, لئلا يغتر بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم [قال تعالى]: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ) فوصفهم الله بأصل النفاق فقال: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فأكذبهم الله بقوله: ( وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) لأن الإيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين.
                    والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا, ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك, فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم, لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم, وكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا، فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان, فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم, وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا, والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة.
                    ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع, بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم, والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك.
                    وقوله: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، لأن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع, كلها من مرض الشبهات، والزنا, ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها, من مرض الشهوات ، كما قال تعالى:( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين, فحصل له اليقين والإيمان, والصبر عن كل معصية, فرفل في أثواب العافية.
                    وفي قوله عن المنافقين: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين, وأنه بسبب ذنوبهم السابقة, يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) وقال تعالى:( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) وقال تعالى: ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) فعقوبة المعصية, المعصية بعدها, كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها، قال تعالى: ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) .

                    ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) ) .
                    أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين ( قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه.
                    ولما كان في قولهم: ( إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) حصر للإصلاح في جانبهم - وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح - قلب الله عليهم دعواهم بقوله: ( ألا إنهم هم المفسدون ) فإنه لا أعظم فسادا ممن كفر بآيات الله, وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه, ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح, فهل بعد هذا الفساد فساد؟ !! ولكن لا يعلمون علما ينفعهم, وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا, لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار, والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به, لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض, وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته]، فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها, وإخرابا لها عما خلقت له.
                    ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)).
                    أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس, أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان, قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم, بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان, وترك الأوطان, ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك, فنسبوهم إلى السفه; وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى.
                    فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة, لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه, وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم، كما أن العقل والحجا, معرفة الإنسان بمصالح نفسه, والسعي فيما ينفعه, و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم، فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة. ثم قال تعالى:
                    ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) ) . هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين, أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم, فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر - قالوا: إنا معكم في الحقيقة, وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين بإظهارنا لهم, أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
                    قال تعالى: ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) وهذا جزاء لهم, على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة, حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين, لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة, أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا, فإذا مشى المؤمنون بنورهم, طفئ نور المنافقين, وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين, فما أعظم اليأس بعد الطمع، ( يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ ) الآية.
                    قوله: ( وَيَمُدُّهُمْ ) أي: يزيدهم ( فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي: فجورهم وكفرهم، ( يَعْمَهُونَ ) أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم.
                    ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم:
                    ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) ) .
                    أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات ( الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة, التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة. وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة, التي هي غاية الشر, كالسلعة، وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن، فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها، فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم. وإذا كان من بذل دينارا في مقابلة درهم خاسرا, فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟" فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة, واختار الشقاء على السعادة, ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟" فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة. ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) .
                    وقوله: ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء, فهذه أوصافهم القبيحة.

                    يتبع باذن الله

                    تعليق


                    • #11
                      فوائد من الآية 6 إلي الآية 16 من سورة البقرة
                      • تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يردُّه الكفار، ولا يَقبلون دعوته.
                      • أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن مهما كان المنذِر والداعي؛ لأنه لا يستفيد . قد ختم الله على قلبه .، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97].
                      • أن الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله.
                      • أن محل الوعي القلوب.
                      • أن طرق الهدى إما بالسمع؛ وإما بالبصر : وهكذا آيات الله عزّ وجلّ تكون مقروءة مسموعة؛ وتكون بيّنة مشهودة.
                      • وعيد هؤلاء الكفار بالعذاب العظيم.
                      • أن القول باللسان لا ينفع الإنسان؛ لقوله تعالى: ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين).
                      • أن المنافقين ليسوا بمؤمنين . وإن قالوا: إنهم مؤمنون .؛ لقوله تعالى: { وما هم بمؤمنين }؛ ولكن هل هم مسلمون؟ إن أريد بالإسلام الاستسلام الظاهر فهم مسلمون؛ وإن أريد بالإسلام إسلام القلب والبدن فليسوا بمسلمين.
                      • أن الإيمان لا بد أن يتطابق عليه القلب، واللسان.
                      • مكر المنافقين، وأنهم أهل مكر، وخديعة؛ لقوله تعالى: { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم }؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة المنافقين: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4] ؛ فحصر العداوة فيهم؛ لأنهم مخادعون.
                      • التحفظ من المنافقين.
                      • أن المكر السيئ لا يحيق إلّا بأهله؛ فهم يخادعون الله، ويظنون أنهم قد نجحوا، أو غلبوا؛ ولكن في الحقيقة أن الخداع عائد عليهم.
                      • أن العمل السيئ قد يُعمي البصيرة؛ فلا يشعر الإنسان بالأمور الظاهرة؛ لقوله تعالى: { وما يشعرون } أي ما يشعرون أنهم يخدعون أنفسهم؛ و "الشعور" أخص من العلم؛ فهو العلم بأمور دقيقة خفية.
                      • أن الإنسان إذا لم يكن له إقبال على الحق، وكان قلبه مريضاً فإنه يعاقب بزيادة المرض؛ وهذا المرض الذي في قلوب المنافقين: شبهات، وشهوات.
                      • أن أسباب إضلال اللَّهِ العبدَ هو من العبد لقوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5].
                      • أن المعاصي والفسوق، تزيد وتنقص، كما أن الإيمان يزيد وينقص.
                      • أن العقوبات لا تكون إلا بأسباب. أي أن الله لا يعذب أحداً إلا بذنب .؛ لقوله تعالى: ( بما كانوا يكذبون ).
                      • أن هؤلاء المنافقين جمعوا بين الكذب، والتكذيب؛ وهذا شر الأحوال.
                      • ذم الكذب، وأنه سبب للعقوبة؛ فإن الكذب من أقبح الخصال؛ وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكذب من خصال المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب..."( أخرجه البخاري ص5، كتاب الإيمان، باب 24: علامات المنافق، حديث رقم 33؛ وأخرجه مسلم ص690، كتاب الإيمان، باب 25: خصال المنافق، حديث رقم 211 ) الحديث؛ والكذب مذموم شرعاً، ومذموم عادة، ومذموم فطرة أيضاً.
                      • أن النفاق الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر من الفساد في الأرض؛ لقوله تعالى: { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض }؛ والنفاق من أعظم الفساد في الأرض.
                      • أن من أعظم البلوى أن يُزَيَّن للإنسان الفساد حتى يَرى أنه مصلح.
                      • أن غير المؤمن نظره قاصر، حيث يرى الإصلاح في الأمر المعيشي فقط؛ بل الإصلاح حقيقة أن يسير على شريعة الله واضحاً صريحاً.
                      • أنه ليس كل من ادعى شيئاً يصدق في دعواه، وليس كل ما زينته النفس يكون حسناً.
                      • أن الإنسان قد يبتلى بالإفساد في الأرض، ويخفى عليه فساده.
                      • قوة الرد على هؤلاء الذين ادعوا أنهم مصلحون، حيث قال الله عزّ وجلّ: { ألا إنهم هم المفسدون }.
                      • أن المنافق لا تنفعه الدعوة إلى الخير.
                      • إعجاب المنافقين بأنفسهم.
                      • شدة طغيان المنافقين؛ لأنهم أنكروا على الذين عرضوا عليهم الإيمان.
                      • أن أعداء الله يصفون أولياءه بما يوجب التنفير عنهم لقولهم: { أنؤمن كما آمن السفهاء }؛ فأعداء الله في كل زمان، وفي كل مكان يصفون أولياء الله بما يوجب التنفير عنهم.
                      • أن كل من لم يؤمن فهو سفيه، كما قال الله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130].
                      • أن الحكمة كل الحكمة إنما هي الإيمان بالله، واتباع شريعته؛ لأن الكافر المخالف للشريعة سفيه؛ فيقتضي أن ضده يكون حكيماً رشيداً.
                      • تحقيق ما وعد الله به من الدفاع عن المؤمنين، كما قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: 38] ؛ فإذا ذموا بالقول دافع الله عنهم بالقول؛ أما دفاعه عن المؤمنين إذا اعتُدي عليهم بالفعل فاستمع إلى قول الله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} [الأنفال: 12] : هذه مدافعة فعلية.
                      • الدلالة على جهل المنافقين؛ لأن الله عزّ وجلّ نفى العلم عنهم.
                      • ذلّ المنافق؛ فالمنافق ذليل، فالمنافق ذليل؛ لأنه خائن؛ فهم { إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } خوفاً من المؤمنين؛ و{ إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } خوفاً منهم؛ فهم أذلاء عند هؤلاء، وهؤلاء؛ لأن كون الإنسان يتخذ من دينه تَقيَّة فهذا دليل على ذله؛ وهذا نوع من النفاق؛ لأنه تستر بما يُظَن أنه خير وهو شر.
                      • أن الله يستهزئ بمن يستهزئ به، أو برسله، أو بشرعه جزاءً وفاقاً؛ واعلم أن ها هنا أربعة أقسام:

                      1. قسم هو صفة كمال لكن قد ينتج عنه نقص: هذا لا يسمى الله تعالى به؛ ولكن يوصف الله به، مثل "المتكلم"، و"المريد".
                      2. ما هو كمال على الإطلاق، ولا ينقسم: فهذا يسمى الله به، مثل: الرحمن، الرحيم، الغفور، السميع، البصير، وهو متضمن للصفة؛ وليس معنى قولنا: "يسمى الله به".
                      3. ما لا يكون كمالاً عند الإطلاق؛ ولكن هو كمال عند التقييد ؛ فهذا لا يجوز أن يوصف به إلا مقيداً، مثل: الخداع، والمكر، والاستهزاء، والكيد. فلا يصح أن تقول: إن الله ماكر على سبيل الإطلاق، ولكن قل: إن الله ماكر بمن يمكر به، وبرسله، ونحو ذلك.
                      4. ما يتضمن النقص على سبيل الإطلاق: فهذا لا يوصف الله سبحانه وتعالى به أبداً، ولا يسمى به، مثل: العاجز؛ الضعيف؛ الأعور.... وما أشبه ذلك؛ فلا يجوز أن يوصف الله سبحانه وتعالى بصفة عيب مطلقاً.

                      • أن الله سبحانه وتعالى قد يُملي للظالم حتى يستمر في طغيانه : فيستفاد من هذه الفائدة فائدة أخرى: وهي تحذير الإنسان الطاغي أن يغتر بنعم الله عزّ وجلّ؛ فهذه النعم قد تكون استدراجاً من الله؛ فالله سبحانه وتعالى يملي، كما قال تعالى: { ويمدهم في طغيانهم يعمهون }؛ ولو شاء لأخذهم، ولكنه سبحانه وتعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته . كما جاء في الحديث(راجع البخاري ص389، كتاب التفسيرن باب 5: قوله: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، حديث رقم 4686؛ ومسلماً ص1130، كتاب البر والصلة والأدب، باب 15: تحريم الظلم، حديث رقم 6581 [61] 2583.) .
                      • أن صاحب الطغيان يعميه هواه، وطغيانه عن معرفة الحق، وقبوله؛ ولهذا قال تعالى: { ويمدهم في طغيانهم يعمهون }؛ ومن الطغيان أن يُقَدِّم المرء قوله على قول الله ورسوله؛ والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدِّموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم(الحجرات: 1).
                      • بيان سفه هؤلاء المنافقين، حيث اشتروا الضلالة بالهدى.
                      • شغف المنافقين بالضلال؛ لأنه تبارك وتعالى عبر عن سلوكهم الضلال بأنهم اشتروه؛ والمشتري مشغوف بالسلعة محب لها.
                      • أن الإنسان قد يظن أنه أحسنَ عملاً وهو قد أساء؛ لأن هؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى ظناً منهم أنهم على صواب، وأنهم رابحون.
                      • خسران المنافقين فيما يطمعون فيه بالربح.
                      • أن المدار في الربح، والخسران على اتباع الهدى؛ فمن اتبعه فهو الرابح؛ ومن خالفه فهو الخاسر؛ ويدل لذلك قوله تعالى: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 . 3].
                      • أن هؤلاء لن يهتدوا؛ لقوله تعالى: { وما كانوا مهتدين }؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ ولذلك لا يرجعون؛ وهكذا كل فاسق، أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع؛ فالجاهل البسيط خير من هذا؛ لأن هذا جاهل مركب يظن أنه على صواب . وليس على صواب.

                      يتبع باذن الله

                      تعليق


                      • #12
                        تفسير من الآية 17 إلى الآية 24 من سورة البقرة

                        ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (1 أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ).
                        أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا، أي: كان في ظلمة عظيمة, وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره, ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه, وما فيه من المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار, وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها, فبينما هو كذلك, إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور, وذهب معه السرور, وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة, فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر, والظلمة الحاصلة بعد النور, فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون, استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم, فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم, وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت, فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر, وظلمة النفاق, وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها, وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار].
                        فلهذا قال تعالى [عنهم]: ( صُمٌّ ) أي: عن سماع الخير، ( بُكْمٌ ) [أي]: عن النطق به، ( عُمْيٌ ) عن رؤية الحق، ( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه, فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال, فإنه لا يعقل, وهو أقرب رجوعا منهم.
                        ثم قال تعالى: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، ( فِيهِ ظُلُمَاتٌ ) ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمة المطر، ( وَرَعْدٌ ) وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، ( وَبَرْقٌ ) وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.
                        ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ ) البرق في تلك الظلمات ( مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي: وقفوا.
                        فهكذا حال المنافقين, إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده, جعلوا أصابعهم في آذانهم, وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده, فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم, ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد, ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت, فهذا تمكن له السلامة. وأما المنافقون فأنى لهم السلامة, وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه, بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم الجزاء.
                        ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي, ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ) أي: الحسية, ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا, فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض.
                        وفي هذه الآية وما أشبهها, رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى, لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
                        < 1-45 >
                        ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) ) .
                        هذا أمر عام لكل الناس, بأمر عام, وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله, واجتناب نواهيه, وتصديق خبره, فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ).
                        ثم استدل على وجوب عبادته وحده, بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم, فخلقكم بعد العدم, وخلق الذين من قبلكم, وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة, فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون بالأبنية, والزراعة, والحراثة, والسلوك من محل إلى محل, وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم, وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم, كالشمس, والقمر, والنجوم.
                        ( وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء, ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا: السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، ( فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه, [وزروع] وغيرها ( رِزْقًا لَكُمْ ) به ترتزقون, وتقوتون وتعيشون وتفكهون.
                        ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ) أي: نظراء وأشباها من المخلوقين, فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله, وهم مثلكم, مخلوقون, مرزوقون مدبرون, لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أن الله ليس له شريك, ولا نظير, لا في الخلق, والرزق, والتدبير, ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه.
                        وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده, والنهي عن عبادة ما سواه, وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته, وبطلان عبادة من سواه, وهو [ذكر] توحيد الربوبية, المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك, فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة, وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك.
                        وقوله تعالى: ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده, اتقيتم بذلك سخطه وعذابه, لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله, صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكلا المعنيين صحيح, وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين، ومن كان من المتقين, حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه. ثم قال تعالى:
                        ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ) .
                        وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال: ( وإن كنتم ) معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله, واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم, فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله, فهو كما زعمتم, وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز, ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به, فيتعين عليكم اتباعه, واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة], أن كانت وقودها الناس والحجارة, ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد < 1-46 > بالحطب, وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله, بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.
                        وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي, وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) .
                        وكيف يقدر المخلوق من تراب, أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق, والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام, إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء, ظهر له الفرق العظيم.
                        وفي قوله: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ) إلى آخره, دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة: [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق.
                        وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه, فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له, لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه.
                        وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق, بل هو معرض غير مجتهد في طلبه, فهذا في الغالب أنه لا يوفق.
                        وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم, دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم, قيامه بالعبودية, التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.
                        كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) وفي مقام الإنزال، فقال: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) .
                        وفي قوله: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضا, أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار, لأنه قال: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها, لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة.
                        وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه, وهو الكفر, وأنواع المعاصي على اختلافها.
                        يتبع باذن الله

                        تعليق


                        • #13
                          فوائد من الآية 17 إلى الآية 24 من سورة البقرة
                          • بلاغة القرآن، حيث يضرب للمعقولات أمثالاً محسوسات؛ لأن الشيء المحسوس أقرب إلى الفهم من الشيء المعقول؛ لكن من بلاغة القرآن أن الله تعالى يضرب الأمثال المحسوسة للمعاني المعقولة حتى يدركها الإنسان جيداً.
                          • ثبوت القياس، وأنه دليل يؤخذ به؛ لأن الله أراد منا أن نقيس حالهم على حال من يستوقد؛ وكل مثل في القرآن فهو دليل على ثبوت القياس.
                          • أن هؤلاء المنافقين ليس في قلوبهم نور؛ لقوله تعالى: { كمثل الذي استوقد ناراً }؛ فهؤلاء المنافقون يستطعمون الهدى، والعلم، والنور؛ فإذا وصل إلى قلوبهم . بمجرد ما يصل إليها . يتضاءل، ويزول؛ لأن هؤلاء المنافقين إخوان للمؤمنين من حيث النسب، وأعمام، وأخوال، وأقارب؛ فربما يجلس إلى المؤمن حقاً، فيتكلم له بإيمان حقيقي، ويدعوه، فينقدح في قلبه هذا الإيمان، ولكن سرعان ما يزول.
                          • أن الإيمان نور له تأثير حتى في قلب المنافق؛ لقوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله}: الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم؛ ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر؛ ولهذا قال تعالى في سورة المنافقين . وهي أوسع ما تحدَّث الله به عن المنافقين: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: 3] .
                          • أنه بعد أن ذهب هذا الضياء حلت الظلمة الشديدة؛ بل الظلمات.
                          • أن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم: { ذهب الله بنورهم }، كأنه أخذه قهراً.
                          • تخلي الله عن المنافقين؛ لقوله تعالى: [ وتركهم].
                          • ويتفرع على ذلك: أن من تخلى الله عنه فهو هالك . ليس عنده نور، ولا هدًى، ولا صلاح؛ لقوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون ).
                          • أن هؤلاء المنافقين أصم الله تعالى آذانهم، فلا يسمعون الحق؛ ولو سمعوا ما انتفعوا؛ ويجوز أن يُنفى الشيء لانتفاء الانتفاع به، كما في قوله تعالى: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} (الأنفال: 21).
                          • أن هؤلاء المنافقين لا ينطقون بالحق كالأبكم وأنهم لا يبصرون الحق كالأعمى.
                          • أنهم لا يرجعون عن غيِّهم؛ لأنهم يعتقدون أنهم محسنون، وأنهم صاروا أصحاباً للمؤمنين، وأصحاباً للكافرين: هم أصحاب للمؤمنين في الظاهر، وأصحاب للكافرين في الباطن؛ ومن استحسن شيئاً فإنه لا يكاد أن يرجع عنه.
                          • تهديد الكفار بأن الله محيط بهم؛ لقوله تعالى: { والله محيط بالكافرين }.
                          • أن البرق الشديد يخطف البصر؛ ولهذا يُنهى الإنسان أن ينظر إلى البرق حال كون السماء تبرق؛ لئلا يُخطف بصره.
                          • أن من طبيعة الإنسان اجتناب ما يهلكه؛ لقوله تعالى:(وإذا أظلم عليهم قاموا).
                          • إثبات مشيئة الله؛ لقوله تعالى: ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ).
                          • أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزّ وجلّ أن يمتعه بسمعه، وبصره؛ لقوله تعالى: { ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم }؛ وفي الدعاء المأثور: "متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا"(أخرجه الترمذي ص2012، كتاب الدعوات، باب 79: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك...، حديث رقم 3502، قال الألباني في صحيح الترمذي: حسن [3/168، حديث رقم 2783].) .
                          • أن من أسماء الله أنه قدير على كل شيء.
                          • عموم قدرة الله تعالى على كل شيء؛ فهو جلّ وعلا قادر على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود، وعلى تغيير الصالح إلى فاسد، والفاسد إلى صالح، وغير ذلك.
                          • العناية بالعبادة؛ يستفاد هذا من وجهين؛ الوجه الأول: تصدير الأمر بها بالنداء؛ و الوجه الثاني: تعميم النداء لجميع الناس مما يدل على أن العبادة أهم شيء؛ بل إنّ الناس ما خُلقوا إلا للعبادة، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56).
                          • أن الإقرار بتوحيد الربوبية مستلزم للإقرار بتوحيد الألوهية؛ لقوله تعالى: { اعبدوا ربكم }.
                          • وجوب عبادة الله عزّ وجلّ وحده وهي التي خُلق لها الجن، والإنس؛ و"العبادة" تطلق على معنيين؛ أحدهما: التعبد وهو فعل العابد؛ و الثاني: المتعبَّد به وهي كل قول، أو فعل ظاهر، أو باطن يقرب إلى الله عزّ وجلّ.
                          • أن وجوب العبادة علينا مما يقتضيه العقل بالإضافة إلى الشرع؛ لقوله تعالى: { اعبدوا ربكم }؛ فإن الرب عزّ وجلّ يستحق أن يُعبد وحده، ولا يعبد غيره؛ والعجب أن هؤلاء المشركين الذين لم يمتثلوا هذا الأمر إذا أصابتهم ضراء، وتقطعت بهم الأسباب يتوجهون إلى الله، كما قال تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين} [لقمان: 32] ؛ لأن فطرهم تحملهم على ذلك ولابد.
                          • إثبات أن الله عزّ وجلّ هو الخالق وحده، وأنه خالق الأولين، والآخرين؛ لقوله تعالى: ( الذي خلقكم والذين من قبلكم ).
                          • أن من طريق القرآن أنه إذا ذَكر الحكم غالباً ذَكر العلة؛ الحكم: { اعبدوا ربكم }؛ والعلة: كونه رباً خالقاً لنا، ولمن قبلنا.
                          • أن التقوى مرتبة عالية لا ينالها كل أحد إلا من أخلص العبادة لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: (لعلكم تتقون ).
                          • وربما يستفاد التحذير من البدع؛ وذلك؛ لأن عبادة الله لا تتحقق إلا بسلوك الطريق الذي شرعه للعباد؛ لأنه لا يمكن أن نعرف كيف نعبد الله إلا عن طريق الوحي والشرع: كيف نتوضأ، كيف نصلي... يعني ما الذي أدرانا أن الإنسان إذا قام للصلاة يقرأ، ثم يركع، ثم يسجد... إلخ، إلا بعد الوحي.
                          • الحث على طلب العلم؛ إذ لا تمكن العبادة إلا بالعلم؛ ولهذا ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة بقوله: "باب: العلم قبل القول، والعمل".
                          • بيان رحمة الله تعالى، وحكمته في جعل الأرض فراشاً؛ إذ لو جعلها خشنة صلبة لا يمكن أن يستقر الإنسان عليها ما هدأ لأحد بال؛ لكن من رحمته، ولطفه، وإحسانه جعلها فراشاً.
                          • جعْل السماء بناءً؛ وفائدتنا من جعل السماء بناءً أن نعلم بذلك قدرة الله عزّ وجلّ؛ لأن هذه السماء المحيطة بالأرض من كل الجوانب نعلم أنها كبيرة جداً، وواسعة، كما قال تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات: 47).
                          • بيان قدرة الله عزّ وجلّ بإنزال المطر من السماء؛ لقوله تعالى: { وأنزل من السماء ماء }؛ لو اجتمعت الخلائق على أن يخلقوا نقطة من الماء ما استطاعوا؛ والله تعالى ينزل هذا المطر العظيم بلحظة؛ وقصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قال: ادع الله يغيثنا، فرفع (صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: "اللهم أغثنا"(أخرجه البخاري ص79، أبواب الاستسقاء، باب 7: الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، حديث رقم 1014؛ وأخرجه مسلم ص817، كتاب صلاة الاستسقاء، باب 2: الدعاء في الاستسقاء، حديث رقم 2078 [8] 897.)، وما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته.
                          • حكمة الله سبحانه وتعالى، ورحمته بإنزال المطر من السماء.
                          • إثبات الأسباب؛ لقوله تعالى: ( فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ).
                          • أن الأسباب لا تكون مؤثرة إلا بإرادة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( فأخرج به ).
                          • أنه ينبغي لمن أراد أن يضيف الشيء إلى سببه أن يضيفه إلى الله مقروناً بالسبب.
                          • بيان قدرة الله، وفضله بإخراج هذه الثمرات من الماء؛ أما القدرة فظاهر: تجد الأرض شهباء جدباء ليس فيها ورقة خضراء فينزل المطر، وفي مدة وجيزة يخرج هذا النبات من كل زوج بهيج بإذن الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءاً فتصبح الأرض مخضرَّة} [الحج: 63] ؛ وأما الفضل فبما يمن الله به من الثمرات؛ ولذلك قال تعالى: { رزقاً لكم }.
                          • أن الله عزّ وجلّ منعم على الإنسان كافراً كان، أو مؤمناً؛ لقوله تعالى: { لكم }، وهو يخاطب في الأول الناس عموماً؛ لكن فضل الله على المؤمن دائم متصل بفضل الآخرة؛ وفضل الله على الكافر منقطع بانقطاعه من الدنيا.
                          • تحريم اتخاذ الأنداد لله؛ لقوله تعالى: { فلا تجعلوا لله أنداداً }؛ وهل الأنداد شرك أكبر، أو شرك أصغر؛ وهل هي شرك جلي، أو شرك خفي؛ هذا له تفصيل في علم التوحيد؛ خلاصته: إن اتخذ الأنداد في العبادة، أو جعلها شريكة لله في الخلق، والملك، والتدبير فهو شرك أكبر؛ وإن كان دون ذلك فهو شرك أصغر، كقول الرجل لصاحبه: "ما شاء الله وشئت".
                          • أنه ينبغي لمن خاطب أحداً أن يبين له ما تقوم به عليه الحجة؛ لقوله تعالى: { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون }، ولقوله تعالى في صدر الآية الأولى: {اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} [البقرة: 21] ؛ فإن قوله تعالى: {الذي خلقكم والذين من قبلكم} [البقرة: 21] فيه إقامة الحجة على وجوب عبادته وحده؛ لأنه الخالق وحده.
                          • دفاع الله سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: { فأتوا بسورة من مثله }؛ لأن الأمر هنا للتحدي؛ فالله عزّ وجلّ يتحدى هؤلاء بأن يأتوا بمعارضٍ لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
                          • فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوصفه بالعبودية؛ والعبودية لله عزّ وجلّ هي غاية الحرية؛ لأن من لم يعبد الله فلا بد أن يعبد غيره؛ فإذا لم يعبد الله عزّ وجلّ الذي هو مستحق للعبادة عَبَدَ الشيطان، كما قال ابن القيم رحمه الله في النونية: (هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان).
                          • أن القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: { مما نزلنا }؛ ووجه كونه كلام الله أن القرآن كلام؛ والكلام صفة للمتكلم، وليس شيئاً بائناً منه؛ وبهذا نعرف بطلان قول من زعم أن القرآن مخلوق.
                          • إثبات علوّ الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا تقرر أن القرآن كلامه، وأنه منزل من عنده لزم من ذلك علوّ المتكلم به؛ وعلو الله عزّ وجلّ ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة؛ وتفاصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ ولولا خوض أهل البدعة في ذلك ما احتيج إلى كبير عناء في إثباته؛ لأنه أمر فطري؛ ولكن علماء أهل السنة يضطرون إلى مثل هذا لدحض حجج أهل البدع.
                          • أن القرآن معجز حتى بسورة . ولو كانت قصيرة؛ لقوله تعالى: { فأتوا بسورة من مثله).
                          • تحدي هؤلاء العابدين للآلهة مع معبوديهم؛ وهذا أشد ذلاًّ مما لو تُحدوا وحدهم.
                          • أن من عارض القرآن فإن مأواه النار؛ لقوله تعالى: ( فاتقوا النار).
                          • أن الناس وقود للنار كما توقد النار بالحطب؛ فهي في نفس الوقت تحرقهم، وهي أيضاً توقد بهم؛ فيجتمع العذاب عليهم من وجهين.
                          • إهانة هؤلاء الكفار بإذلال آلهتهم، وطرحها في النار.
                          • أن النار موجودة الآن؛ لقوله تعالى: { أعدت }؛ ومعلوم أن الفعل هنا فعل ماض؛ والماضي يدل على وجود الشيء؛ وهذا أمر دلت عليه السنة أيضاً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه الجنة، والنار، ورأى أهلها يعذبون فيها.
                          • أن النار دار للكافرين؛ لقوله تعالى: { أعدت للكافرين }؛ وأما من دخلها من عصاة المؤمنين فإنهم لا يخلدون فيها؛ فهم فيها كالزوار؛ لا بد أن يَخرجوا منها؛ فلا تسمى النار داراً لهم؛ بل هي دار للكافر فقط؛ أما المؤمن العاصي . إذا لم يعف الله عنه . فإنه يعذب فيها ما شاء الله، ثم يخرج منها إما بشفاعة؛ أو بمنة من الله وفضل؛ أو بانتهاء العقوبة.

                          يتبع باذن الله

                          تعليق


                          • #14
                            تفسير من الآية 25 إلى الآية 29 من سورة البقرة

                            ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (2 هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) ) .
                            لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين, أهل الأعمال الصالحات, على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال: ( وَبَشِّرِ ) أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] ( الَّذِينَ آمَنُوا ) بقلوبهم ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) بجوارحهم, فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.
                            ووصفت أعمال الخير بالصالحات, لأن بها تصلح أحوال العبد, وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد الأحوال, فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.
                            فبشرهم ( أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار الأنيقة, والظل المديد, [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها, وينعم فيها ساكنها.
                            ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر، يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا, وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار.
                            ( كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم دائما متلذذون بأكلها.
                            وقوله: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قيل: متشابها في الاسم, مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون, مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضا, في الحسن, واللذة, والفكاهة, ولعل هذا هو الصحيح
                            ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) فلم يقل " مطهرة من < 1-47 > العيب الفلاني "ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق, مطهرات الخلق, مطهرات اللسان, مطهرات الأبصار، فأخلاقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن, وحسن التبعل, والأدب القولي والفعلي, ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني, والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضا, بكمال الجمال, فليس فيهن عيب, ولا دمامة خلق, بل هن خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن, وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح.
                            ففي هذه الآية الكريمة, ذكر المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّر به, والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك, هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة, إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل الأسباب.
                            وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان, توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
                            ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) ) .
                            يقول تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا ) أي: أيَّ مثل كان ( بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) لاشتمال الأمثال على الحكمة, وإيضاح الحق, والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) فيتفهمونها، ويتفكرون فيها.
                            فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة.
                            ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا ) فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال: ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ) فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال.
                            ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) أي: الخارجين عن طاعة الله; المعاندين لرسل الله; الذين صار الفسق وصفهم; فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة.
                            والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان; كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) [الآية].
                            ثم وصف الفاسقين فقال: ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق.
                            < 1-48 >
                            ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب; وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها.
                            فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم; معتاضين عنها بالفسق والقطيعة; والعمل بالمعاصي; وهو: الإفساد في الأرض.
                            فـ ( فَأُولَئِكَ ) أي: من هذه صفته ( هُمُ الْخَاسِرُونَ ) في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم; لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان; فمن لا إيمان له لا عمل له; وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية; وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: ( إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) فهذا عام لكل مخلوق; إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق; والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات الخير; الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه.
                            .ثم قال تعالى: ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (2 ) .
                            هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله; الذي خلقكم من العدم; وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند استكمال آجالكم; ويجازيكم في القبور; ثم يحييكم بعد البعث والنشور; ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية; ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي; أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه; وترجوا ثوابه.
                            ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) ) .
                            ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ) أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض, للانتفاع والاستمتاع والاعتبار.
                            وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة, لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث, فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية, ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر, فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث, تنزيها لنا.
                            وقوله: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
                            ( اسْتَوَى ) ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام, كما في قوله عن موسى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ) وتارة تكون بمعنى " علا "و " ارتفع "وذلك إذا عديت بـ " على "كما في قوله تعالى: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ( لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) وتارة تكون بمعنى " قصد "كما إذا عديت بـ " إلى "كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات ( فسواهن سبع سماوات ) فخلقها وأحكمها, وأتقنها, ( وهو بكل شيء عليم ) فـ ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ) و ( يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ) يعلم السر وأخفى.
                            وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية, وكما في قوله تعالى: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) لأن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه, وحكمته, وقدرته.
                            يتبع باذن الله

                            تعليق


                            • #15
                              فوائد من الآية 25 إلى الآية 29 من سورة البقرة
                              • مشروعية تبشير الإنسان بما يسر؛ لقوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات}؛ فالبشارة بما يسر الإنسان من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ وهل من ذلك أن تبشره بمواسم العبادة، كما لو أدرك رمضان، فقلت: هنّاك الله بهذا الشهر؟ الجواب: نعم؛ وكذلك أيضاً لو أتم الصوم، فقلت: هنّأك الله بهذا العيد، وتقبل منك عبادتك وما أشبه ذلك؛ فإنه لا بأس به، وقد كان من عادة السلف.
                              • أن الجنات لا تكون إلا لمن جمع هذين: الإيمان، والعمل الصالح.
                              • أن جزاء المؤمنين العاملين للصالحات أكبر بكثير مما عملوا، وأعظم؛ لأنهم مهما آمنوا، وعملوا فالعمر محدود، وينتهي؛ لكن الجزاء لا ينتهي أبداً؛ هم مخلدون فيه أبد الآباد؛ كذلك أيضاً الأعمال التي يقدمونها قد يشوبها كسل؛ قد يشوبها تعب؛ قد يشوبها أشياء تنقصها، لكن إذا منّ الله عليه، فدخل الجنة فالنعيم كامل.
                              • الجنات أنواع؛ لقوله تعالى: { جنات }؛ وقد دل على ذلك القرآن، والسنة؛ فقال الله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] ، ثم قال تعالى: {ومن دونهما جنتان} [الرحمن: 62] ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما؛ وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما(أخرجه البخاري ص417، كتاب التفسير، سورة الرحمن، باب 1: قوله: (ومن دونهما جنتان..)، حديث رقم 4878؛ وأخرجه مسلم ص709، كتاب الإيمان، باب 80: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، حديث رقم 448 [296] 180.)" .
                              • تمام قدرة الله عزّ وجلّ بخلق هذه الأنهار بغير سبب معلوم، بخلاف أنهار الدنيا؛ لأن أنهار الماء في الدنيا معروفة أسبابها؛ وليس في الدنيا أنهار من لبن، ولا من عسل، ولا من خمر؛ وقد جاء في الأثر(أخرج الطبري هذا الأثر في تفسيره عن مسروق 1/384، رقم 509، 510، 511؛ ورجاله ثقات.) أنها أنهار تجري من غير أخدود . يعني لم يحفر لها حفر، ولا يقام لها أعضاد تمنعها؛ بل النهر يجري، ويتصرف فيه الإنسان بما شاء . يوجهه حيث شاء؛ قال ابن القيم رحمه الله في النونية:.
                                (أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان).
                              • أن من تمام نعيم أهل الجنة أنهم يؤتون بالرزق متشابهاً؛ وكلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا: هذا الذي رُزقنا من قبل؛ وهذا من تمام النعيم، والتلذذ بما يأكلون.
                              • إثبات الأزواج في الآخرة، وأنه من كمال النعيم؛ وعلى هذا يكون جماع، ولكن بدون الأذى الذي يحصل بجماع نساء الدنيا؛ ولهذا ليس في الجنة مَنِيّ، ولا مَنِيَّة؛ والمنيّ الذي خلق في الدنيا إنما خُلق لبقاء النسل؛ لأن هذا المنيّ مشتمل على المادة التي يتكون منها الجنين، فيخرج بإذن الله تعالى ولداً؛ لكن في الآخرة لا يحتاجون إلى ذلك؛ لأنه لا حاجة لبقاء النسل؛ إذ إن الموجودين سوف يبقون أبد الآبدين لا يفنى منهم أحد؛ ثم هم ليسوا بحاجة إلى أحد يعينهم، ويخدمهم؛ الوِلدان تطوف عليهم بأكواب، وأباريق، وكأس من معين؛ ثم هم لا يحتاجون إلى أحد يصعد الشجرة ليجني ثمارها؛ بل الأمر فيها كما قال الله تعالى: {وجنى الجنتين دان} [الرحمن: 54] ، وقال تعالى: {قطوفها دانية} [الحاقة: 23] ؛ حتى ذكر العلماء أن الرجل ينظر إلى الثمرة في الشجرة، فيحسّ أنه يشتهيها، فيدنو منه الغصن حتى يأخذها؛ ولا تستغرب هذا؛ فنحن في الدنيا نشاهد أن الشيء يدنو من الشيء بغير سلطة محسوسة؛ وما في الآخرة أبلغ، وأبلغ.
                              • أن أهل الجنة خالدون فيها أبد الآباد؛ لا يمكن أن تفنى، ولا يمكن أن يفنى من فيها؛ وقد أجمع على ذلك أهل السنة والجماعة.
                              • إثبات الحياء لله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما ).
                              • أن الله تعالى يضرب الأمثال؛ لأن الأمثال أمور محسوسة يستدل بها على الأمور المعقولة؛ انظر إلى قوله تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً} [العنكبوت: 41] ؛ وهذا البيت لا يقيها من حَرّ، ولا برد، ولا مطر، ولا رياح {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} [العنكبوت: 41] ؛ وقال تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} [الرعد: 14] : إنسان بسط كفيه إلى غدير مثلاً، أو نهر يريد أن يصل الماء إلى فمه! هذا لا يمكن؛ هؤلاء الذين يمدون أيديهم إلى الأصنام كالذي يمد يديه إلى النهر ليبلغ فاه؛ فالأمثال لا شك أنها تقرب المعاني إلى الإنسان إما لفهم المعنى؛ وإما لحكمتها، وبيان وجه هذا المثل.
                              • أن البعوضة من أحقر المخلوقات؛ لقوله تعالى: { بعوضة فما فوقها }؛ ومع كونها من أحقر المخلوقات فإنها تقض مضاجع الجبابرة؛ وربما تهلك: لو سُلطت على الإنسان لأهلكته وهي هذه الحشرة الصغيرة المهينة.
                              • رحمة الله تعالى بعباده حيث يقرر لهم المعاني المعقولة بضرب الأمثال المحسوسة لتتقرر المعاني في عقولهم.
                              • أن القياس حجة؛ لأن كل مثل ضربه الله في القرآن، فهو دليل على ثبوت القياس.
                              • فضيلة الإيمان، وأن المؤمن لا يمكن أن يعارض ما أنزل الله عزّ وجلّ بعقله؛ لقوله تعالى: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم}، ولا يعترضون، ولا يقولون: لِم؟، ولا: كيف؟؛ يقولون: سمعنا، وأطعنا، وصدقنا؛ لأنهم يؤمنون بأن الله عزّ وجلّ له الحكمة البالغة فيما شرع، وفيما قدر.
                              • إثبات الربوبية الخاصة؛ لقوله تعالى: { من ربهم }؛ واعلم أن ربوبية الله تعالى تنقسم إلى قسمين: عامة؛ وخاصة؛ فالعامة هي الشاملة لجميع الخلق، وتقتضي التصرف المطلق في العباد؛ والخاصة هي التي تختص بمن أضيفت له، وتقتضي عناية خاصة؛ وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون} [الأعراف: 121، 122] : فالأولى ربوبية عامة؛ والثانية خاصة بموسى، وهارون؛ كما أن مقابل ذلك "العبودية" تنقسم إلى عبودية عامة، كما في قوله تبارك وتعالى: {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} [مريم: 93] ؛ وخاصة كما في قوله تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} [الفرقان: 1] ؛ والفرق بينهما أن العامة هي الخضوع للأمر الكوني؛ والخاصة هي الخضوع للأمر الشرعي؛ وعلى هذا فالكافر عبد لله بالعبودية العامة؛ والمؤمن عبد لله بالعبودية العامة، والخاصة.
                              • أن ديدن الكافرين الاعتراض على حكم الله، وعلى حكمة الله؛ لقوله تعالى: { وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلًا }.
                              • أن لفظ الكثير لا يدل على الأكثر؛ لقوله تعالى: { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً }؛ فلو أخذنا بظاهر الآية لكان الضالون، والمهتدون سواءً؛ وليس كذلك؛ لأن بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من الألف ضالون؛ وواحد من الألف مهتدٍ؛ فكلمة: { كثيراً } لا تعني الأكثر.
                              • أن إضلال من ضل ليس لمجرد المشيئة؛ بل لوجود العلة التي كانت سبباً في إضلال الله العبد؛ لقوله تعالى: { وما يضل به إلا الفاسقين }؛ وهذا كقوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} (الصف: 5) .
                              • الرد على القدرية الذين قالوا: إن العبد مستقل بعمله لا علاقة لإرادة الله تعالى به؛ لقوله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين ).
                              • أن نقض عهد الله من الفسق؛ لقوله تعالى: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } فكلما رأيت شخصاً قد فرط في واجب، أو فعل محرماً فإن هذا نقض للعهد من بعد الميثاق.
                              • التحذير من نقض عهد الله من بعد ميثاقه؛ لأن ذلك يكون سبباً للفسق.
                              • التحذير من قطع ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام أي الأقارب وغيرهم؛ لأن الله ذكر ذلك في مقام الذم؛ وقطع الأرحام من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع"(أخرجه البخاري ص507، كتاب الأدب، باب 11: إثم القاطع، حديث رقم 5984؛ وأخرجه مسلم ص1126، كتاب البر والصلة، باب 6: صلة الرحمن وتحريم قطيعتها، حديث رقم 6520 [18] 2556.)، يعني قاطع رحم.
                              • أن المعاصي والفسوق سبب للفساد في الأرض، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: 41] ؛ ولهذا إذا قحط المطر، وأجدبت الأرض، ورجع الناس إلى ربهم، وأقاموا صلاة الاستسقاء، وتضرعوا إليه سبحانه وتعالى، وتابوا إليه، أغاثهم الله عزّ وجلّ؛ وقد قال نوح عليه السلام لقومه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لهم أنهاراً} [نوح: 10 . 12] .
                              • أن هؤلاء الذين اعترضوا على الله فيما ضرب من الأمثال، ونقضوا عهده، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض هم الخاسرون . وإن ظنوا أنهم يحسنون صنعاً.
                              • شدة الإنكار حتى يصل إلى حد التعجب ممن يكفر وهو يعلم حاله، ومآله.
                              • أن الموت يطلق على ما لا روح فيه وإن لم تسبقه حياة، يعني: لا يشترط للوصف بالموت تقدم الحياة؛ لقوله تعالى: { كنتم أمواتاً فأحياكم }؛ أما ظن بعض الناس أنه لا يقال: "ميت" إلا لمن سبقت حياته؛ فهذا ليس بصحيح؛ بل إن الله تعالى أطلق وصف الموت على الجمادات؛ قال تعالى في الأصنام: {أموات غير أحياء} [النحل: 21] .
                              • أن الجنين لو خرج قبل أن تنفخ فيه الروح فإنه لا يثبت له حكم الحي؛ ولهذا لا يُغَسَّل، ولا يكفن، ولا يصلي عليه، ولا يرث، ولا يورث؛ لأنه ميت جماد لا يستحق شيئاً مما يستحقه الأحياء؛ وإنما يدفن في أيّ مكان في المقبرة، أو غيرها.
                              • تمام قدرة الله عزّ وجلّ؛ فإن هذا الجسد الميت ينفخ الله فيه الروح، فيحيى، ويكون إنساناً يتحرك، ويتكلم، ويقوم، ويقعد، ويفعل ما أراد الله عزّ وجلّ.

                              • إثبات البعث؛ لقوله تعالى: { ثم يحييكم ثم إليه ترجعون }؛ والبعث أنكره من أنكره من الناس، واستبعده، وقال: {من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78] ؛ فأقام الله تبارك وتعالى على إمكان ذلك ثمانية أدلة في آخر سورة "يس"..

                              1. الدليل الأول: قوله تعالى: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} [يس: 79] : هذا دليل على أنه يمكن أن يحيي العظام وهي رميم؛ وقوله تعالى: {أنشأها أول مرة} دليل قاطع، وبرهان جليّ على إمكان إعادته كما قال الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27] .
                              2. الدليل الثاني: قوله تعالى: {وهو بكل خلق عليم} [يس: 79] يعني: كيف يعجز عن إعادتها وهو سبحانه وتعالى بكل خلق عليم: يعلم كيف يخلق الأشياء، وكيف يكونها؛ فلا يعجز عن إعادة الخلق.
                              3. الدليل الثالث: قوله تعالى: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون } [يس: 80] : الشجر الأخضر فيه البرودة، وفيه الرطوبة؛ والنار فيها الحرارة، واليبوسة؛ هذه النار الحارة اليابسة تخرج من شجر بارد رطب؛ وكان الناس فيما سبق يضربون أغصاناً من أشجار معينة بالزند؛ فإذا ضربوها انقدحت النار، ويكون عندهم شيء قابل للاشتعال بسرعة؛ ولهذا قال تعالى: {فإذا أنتم منه توقدون} [يس: 80] تحقيقاً لذلك.
                                ووجه الدلالة: أن القادر على إخراج النار الحارة اليابسة من الشجر الأخضر مع ما بينهما من تضاد قادر على إحياء العظام وهي رميم.
                              4. الدليل الرابع: قوله تعالى: {أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى} (يس: 81)
                                ووجه الدلالة: أن خلْق السموات والأرض أكبر من خلق الناس؛ والقادر على الأكبر قادر على ما دونه.
                              5. الدليل الخامس: قوله تعالى: {وهو الخلَّاق العليم} [يس: 81] ؛ فـ {الخلاق } صفته، ووصفه الدائم؛ وإذا كان خلَّاقاً، ووصفه الدائم هو الخلق فلن يعجز عن إحياء العظام وهي رميم.
                              6. الدليل السادس: قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} [يس: 82] : إذا أراد شيئاً مهما كان؛ و {شيئاً} : نكرة في سياق الشرط، فتكون للعموم؛ {أمره} أي شأنه في ذلك أن يقول له كن فيكون؛ أو {أمره} الذي هو واحد "أوامر"؛ ويكون المعنى: إنما أمره أن يقول: "كن"، فيعيده مرة أخرى. ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى لا يستعصي عليه شيء أراده.
                              7. الدليل السابع: قوله تعالى: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} : كل شيء فهو مملوك لله عزّ وجلّ: الموجود يعدمه؛ والمعدوم يوجده؛ لأنه رب كل شيء.
                                ووجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى نزه نفسه؛ وهذا يشمل تنزيهه عن العجز عن إحياء العظام وهي رميم
                              8. الدليل الثامن: قوله تعالى: ( وإليه ترجعون ).
                                ووجه الدلالة: أنه ليس من الحكمة أن يخلق الله هذه الخليقة، ويأمرها، وينهاها، ويرسل إليها الرسل، ويحصل ما يحصل من القتال بين المؤمن، والكافر، ثم يكون الأمر هكذا يذهب سدًى؛ بل لابد من الرجوع؛ وهذا دليل عقلي

                              • أن الخلق مآلهم، ورجوعهم إلى الله عزّ وجلّ.
                              • منّة الله تعالى على عباده بأن خلق لهم ما في الأرض جميعاً؛ فكل شيء في الأرض فإنه لنا والحمد لله والعجب أن من الناس من سخر نفسه لما سخره الله له؛ فخدم الدنيا، ولم تخدمه؛ وصار أكبر همه الدنيا: جمع المال، وتحصيل الجاه، وما أشبه ذلك.
                              • أن الأصل في كل ما في الأرض الحلّ من أشجار، ومياه، وثمار، وحيوان، وغير ذلك؛ وهذه قاعدة عظيمة؛ وبناءً على هذا لو أن إنساناً أكل شيئاً من الأشجار، فقال له بعض الناس: "هذا حرام"؛ فالمحرِّم يطالَب بالدليل؛ ولو أن إنساناً وجد طائراً يطير، فرماه، وأصابه، ومات، وأكله، فقال له الآخر: "هذا حرام"؛ فالمحرِّم يطالب بالدليل؛ ولهذا لا يَحْرم شيء في الأرض إلا ما قام عليه الدليل.
                              • تأكيد هذا العموم بقوله تعالى: { جميعاً } مع أن { ما } موصولة تفيد العموم؛ لكنه سبحانه وتعالى أكده حتى لا يتوهم واهم بأن شيئاً من أفراد هذا العموم قد خرج من الأصل.
                              • إثبات الأفعال لله عزّ وجلّ أي أنه يفعل ما يشاء؛ لقوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء }: و{ استوى } فعل؛ فهو جلّ وعلا يفعل ما يشاء، ويقوم به من الأفعال ما لا يحصيه إلا الله، كما أنه يقوم به من الأقوال ما لا يحصيه إلا الله.
                              • أن السموات سبع؛ لقوله تعالى: ( سبع سموات ).
                              • . كمال خلق السموات؛ لقوله تعالى: ( فسواهن ).
                              • إثبات عموم علم الله؛ لقوله تعالى: ( وهو بكل شيء عليم )
                              • أن نشكر الله على هذه النعمة وهي أنه تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعاً؛ لأن الله لم يبينها لنا لمجرد الخبر؛ ولكن لنعرف نعمته بذلك، فنشكره عليها.
                              • أن نخشى، ونخاف؛ لأن الله تعالى بكل شيء عليم؛ فإذا كان الله عليماً بكل شيء . حتى ما نخفي في صدورنا . أوجب لنا ذلك أن نحترس مما يغضب الله عزّ وجلّ سواء في أفعالنا، أو في أقوالنا، أو في ضمائر قلوبنا.

                              يتبع باذن الله

                              تعليق

                              يعمل...
                              X