إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

آثار الفِتن - تأليف الشيخ عبد الرزاق البدر - يُنصح بقراءتها [متجدد]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • آثار الفِتن - تأليف الشيخ عبد الرزاق البدر - يُنصح بقراءتها [متجدد]

    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    أما بعد :
    فهذا موضوع نحتاج إلى مذاكرته والوقوف على طرف من جوانبه: وذلك من باب الحيطة، لأن معرفة آثار الشيء وعواقبه وأضراره يعطي العبد شيئا من الحصانة منه والحذر من الوقوع فيه، وقد قيل قديما: ( كيف يتقي من لا يدري ما يتقي؟! )
    الذي لا يعرف الفتن، ولا يعرف آثارها وعواقبها وعوائدها: ربما دخل في شيء منها وتلطخ بها وأضرت بحياته، ثم بعد ذلك يلحقه من الندم ما يلحقه.
    ومعرفة آثار الفتن نافع للعبد نفعا كبيرا، ومفيد له فائدة عظيمة، لأنه من باب النظر في العواقب ومآلات الأمور، وهذا يعد من حصافة العبد أي أنه قبل أن يقدم على أمر من الأمور: ينظر في عواقبه وآثاره.
    ولهذا جاء في سيرة الإمام أحمد رحمه الله أن نفرا من علماء بغداد جاؤوا إليه رحمه الله في بيته، فقالوا: يا أبا عبد الله هذا الأمر قد تفاقم وفشا - يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك - فقال لهم أبو عبد الله : فما تريدون ؟ قالوا: أن نشاورك في أنّا لسنا نرضى بإمارته ولا سلطانه! فناظرهم أبو عبد الله ساعة وقال لهم: ( عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ) (1).
    فهذه دعوة منه رحمه الله للنظر في آثار الفتن وعواقبها، وأيِّ شيء سيعود على أهلها منها.
    وأخذ يحدثهم في ذلك، ثم إنهم خرجوا من عنده ولم يتلقوا كلامه بالقبول، بل لازالوا على رأيهم مصرين، ودعوا إلى مسلكهم ابن أخي الإمام أحمد رحمه الله، دعوه إلى المسلك نفسه : فنهاه والده، وقال: احذر أن تصاحبهم: فإن الإمام احمد لم ينههم إلا عن شر، فاعتذر ثم كانت نهاية قصتهم أن خرجوا على السلطان، فكانت العاقبة التي حذرهم منها الإمام أحمد رحمه الله: قًتِل من قًتِل، وسُجن من سُجن، دون أن يقدِّموا شيئاً في باب الإصلاح.
    فالشاهد أن النظر في عواقب الأمور ومآلات الأشياء وعدم التعجل والتسرع من أنفع ما يكون للعبد.
    ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( إنها ستكون أمور متشابهات: فعلكم بالتُّؤَدَة، فإنك أن تكون تابعا في الخير خيرً من أن تكون رأساً في الشر ) (2).
    فأوصى بالتؤدة وهي الأناة وعدم التعجل.
    وروى الإمام البخاري رحمه الله في كتابه ( الأدب المفرد ) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( لا تكونوا عُجُلاً مَذَايِيعَ بُذُرًا: فإن من ورائكم بلاءً مبرِّحاً أو مُكْلِحاً، وأمور مُتَماحِلَةً رُدُحاً ) (3)، أي ثقيلة وشديدة.
    فأوصى بأمور ثلاثة: قال :
    ( لا تكونوا عجلا مذاييع بذرا ): فنهى عن العجلة، وهي التسرع بل ينبغي على الانسان أن يتأنى ويتروى وينظر في العواقب والآثار، ثم بعد ذلك يقدم بعد رويَّة وأناة.
    قال: ( لا تكونوا عجلا مذاييع ) : أيضا هذا أمر يُحَذَّر منه غاية التحذير، عندما تلتهب الفتن وتشتد لا ينبغي للإنسان أن يكون ساعيا في اشتدادها واشتعالها بكلامه ومقاله: بأن يكون مذياعًا للفتنة مذياعا للشر ومذكيًا لناه.
    وذكر الأمر الثالث : قال : ( بذرا ) أي بذرة الفتن والسُّعاة في نشرها، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر الأمة وأخبر أن الفتن توجد وستكون، وحذرهم من السعي فيها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال - عليه الصلاة والسلام: ( ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ) (4)، أي ان المرء كلما كان بعيدا عن تحريك الفتنة وإشعالها وإيقادها وإضرامها كان خيرا له وأصلح، يبتعد عنها، ويسأل الله - تبارك وتعالى - أن يعيذه ويعيذ المسلمين من شرها، لا أن يكون أداةً في اشتعالها وانتشارها.
    وقد جاء ( صحيح مسلم ) (5) من حديث زيد بن ثابت، عن نبينا - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : ( تعوذوا بالله من الفتن من ظهر منها وما بطن )، فقالوا الصحابة رضي الله عنهم : ( نعوذ بالله من الفتن ما ظهر وما بطن ).
    فالفتن يُتعوذ منها ويطلب من الله - تبارك وتعالى - أن يعيذ المسلمين منها، وأن يحميَهم من غوائلها وآثارها وأخطارها وأضرارها.
    ويكثُر في الدعوات المأثورة : التعوذ بالله من سوء الفتن، والتعوذ بالله من مضلات الفتن.
    وهذا أمر ينبغي أن يكون المسلم على عناية به، وأن يحافظ عليه: لأن الحافظ هو الله - تبارك وتعالى -، والمعيذ هو الله، فيلجأُ العبد إلى الله - تبارك وتعالى - لجوءاً صادقاً، يسأل ربَّه - جل وعلا - أن يعيذه، وأن يقيه وأن يحميه والمسلمين من الفتن، هذا الذي يجب على كلِّ مسلم.
    وباب فقه آثار الفتن يفيد الإنسان: لأن النظر في العواقب - عواقب الفتن - ومعرفةَ مآلاتها قبل تَقَحُّمهَا ودخولها يفيد الإنسان حصانةً منها وحذراً من الوقوع فيها، وكما قيل : ( السعيد من اتعظ بغيره )، فينظر ويتأمل وتروى ويتفقه في الآثار ويسأل أهلَ العلم، وأهل الذكر قبل أن يقتحَّم فتنةً، ربما كان فيها رأسا، وربما كان فيها فاتحاً لباب شرٍّ عليه وعلى غيره.
    وقد جاء في الحديث (سنن ابن ماجة) و (السنة) لابن أبي عاصم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من الناس ناسا مفاتح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتح للشر مغاليق للشر فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه) (6).
    يجب على المسلم أن يربأ أن يكون مفتاحا للشر ورأسا فيه وداعية من دعاته، يورِّط نفسه ويورط غيره ويقحِّمهم في وَرْطات لا يَحمد لا هو لا هم عواقبَها، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    فالشاهد أن باب فقهِ عواقب الفتن وآثارها وما ينجم عنها من أضرار وأخطار: يفيد المسلم فائدةً كبيرةً.
    وآثار الفتن كثيرة وعديدة، ويطول عدُّها والكلامُ عليها. لكنني أشير في هذه الرسالة إلى جملة من آثار وشيء من الأخبار، راجيا من الله - تبارك وتعالى - أن يكون في ذلك خير ونفع لنا أجمعين .

    _______________
    1. رواه أبو بكر الخلاَّل في (السُّنَّة) رقم (90).
    2. أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنَّف)) (38343)، والبيهقي في ((الشُّعب)) (9886).
    3. ((الأدب المفرد)) (327)، قال الألباني: صحيح.
    4. البخاري (3406)، ومسلم (2886).
    5. برقم (2867).
    6. ((سنن ابن ماجة)) (237)، وابن أبي عاصم في ((السُّنَّة)) (297)، والطَّيالسي في ((مسنده)) (2082)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (69 ) ، وحسنه الألباني في ((الصحيحة)) (1332).

    *****

    إن شاء الله
    الأثر الأول
    انصراف النَّاس عن العبادة

  • #2
    الأثر الأول: انصراف الناس عن العبادة

    الأثر الأول
    انصراف الناس عن العبادة


    من آثار الفتن أنها سببٌ لانصراف العبد عن العبادة التي خُلق لأجلها والطَّاعة التي أُوجد لتحقيقها، وينصرف عن ذكر الله -تبارك وتعالى-، وتُصبح حياته وأيَّامه وأوقاته مشغولةً بالقيل والقال والأمور التي تُثار والفتن التي تتأجَّج، وقلبه يكون مشوَّشا مضطربًا مشغولاً، فلا يهدأ ولا يطمئنُّ ولا يتحقق منه ذكرٌ لله- تبارك وتعالى- على وجه الطُّمأنينة فيكون مضطرب القلب، مشوَّش البال، منشغل الخاطر: ولهذا جاء في الحديث الصَّحيح عن نبيِّنا- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ( عبادة في الهرج كهجرة إلي ) (1).
    الهرج: ما يكون في الناس من اضطراب، وعندما تموج الأمور وتضطرب وينشب بين الناس الفتن والقتل ونحو ذلك، من يكون في مثل هذا الوقت مشتغلا بعبادة الله- تبارك وتعالى- فهو كالمهاجر إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-.
    وهذا يبين أن من كان في الهرج مشتغلا بالعبادة: فإنه موفَقٌ سالمٌ من أوضار الفتنة.
    وأيضا في الوقت نفسه يدل على أن الذي ينبغي على الإنسان في الفتن هو الإقبال على العبادة، وتجنب الفتن: ليفوز بالسعادة والراحة والطمأنينة ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن نبينا- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ( إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن ) (2)، وكررها- عليه الصلاة والسلام- ثلاث مرات.
    فالسعادة في تجنب الفتن، والاشتغال بالعبادة، والذِّكر، والطَّاعة لله- سبحانه وتعالى-، والتقرب إليه- جل وعلا- بما شرع، بأنواع العبادات، وأنواع الأذكار، وأنواع القربات.
    وقد جاء في (الصحيح) من حديث أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا يقول : ( سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن؟! ماذا أنزل الله من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات - يعني : أزواجه - يصلين ) (3).
    فأرشد – عليه الصلاة والسلام- عند نزول الفتن إلى الصلاة، إلى عبادة الله- تبارك وتعالى-، إلى التقرب إليه، قال : ( من يوقظ صواحب الحجرات يصلين، رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عارية في الآخرة ).
    وأيضا : يدل على هذا المعنى: قوله -عليه الصلاة السلام-: ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ) (4)، فأرشد إلى الأَعمال الصالحة، يعني يقبل الإنسان على طاعة الله، على الصلاة، على الذكر، على الدعاء، على تلاوة القرآن.
    وعندما تموج الفتن: يشغل الناس عن الأعمال، وعن العبادات إلا القليل ممن يكتب لهم –تبارك وتعالى- توفيقا وتسديدا وتأييدا.
    لما وقعت الفتنة في زمن التابعين: قال الحسن البصري رحمه الله –وهو ممن اعتزل الفتن-، قال : ( يا أيها الناس! إنه –والله! – ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة : فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع ) (5) : فإن الله يقول : (( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) 76:المؤمنون، أي أن الواجب على الإنسان هو الاستكانة إلى الله، والتضرع إليه، وملازمة ذكره ، وأن يصلح حاله بنفسه وبيته، وأن يستقيم على طاعة ربه على الوجه الذي يرضي الله –تبارك وتعالى-.
    وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا المعنى أنه قال : ( تكون فتنةٌ لا يُنجي منها إلا دعاءٌ كدعاء الغريق ) (6).
    ويعرف كلٌ واحد منَّا كيف يكون دعاء الغريق، الذي أدركه الغرق كيف يكون دعاؤه؟! يقول : ( تكون فتنة لا يُنجي منها إلا دعاء الغريق )، أنت تُقبل على الله –تبارك وتعالى- اقبالاً صادقًا بأن ينَّجِّيَك ويجيرَك ويسلِّمَك ويحفظك.


    _____________
    1. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (20/213) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وصححه الألباني في (صحيح الجامع) (3974).
    2. أخرجه أبو داود (4263) من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه وصححه الألباني في (الصحيحة) (975).
    3. (صحيح البخاري) (7069،6218،5844،3599،1126،115).
    4. أخرجه مسلم (118 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنها.
    5. أخرجه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) (7/164)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (12/178 ).
    6. أخرجه ابن أبي شيبة (7/531).
    وجاء نحوه عن حذيفة رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة (6/22)، والحاكم (1/687) وصححه.


    *****

    إن شاء الله
    الأثر الثاني
    صرف الناس عن العلم والعلماء
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عائشة عبد الرحمن بن إدريس المغربي; الساعة 05-Jun-2011, 02:14 AM.

    تعليق


    • #3
      الأثر الثاني: صرف الناس عن العلم والعلماء

      الأثر الثاني
      صرف الناس عن العلم والعلماء


      من آثار الفتن وعواقبها: أنَّها تصرف الناس عن مجالس العلم ومُجالسة العلماء، وتعلُّم الأحكام، ومعرفة الدِّين وتكوين القلوب مشغولة، وفيها نارُ الفتنة متأجِّجَة، فلا يطمئنُّ لطلب علم، ولا يُقبل على مجالس العلماء، بل يكون منصرفاً عن ذلك كلِّه.
      بل أَزيدَ من ذلك وأعظم أنها تُفضي –أي الفتنة- بكثيرٍ من النَّاس إلى انتقاص العلماء واحتقارهم، وعدم معرفة أقدارهم، والوقيعة فيهم، وفي أعراضهم، والنَّيل منهم.
      قد جاء في الحديث عن نبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: ( لَيْسَ مِن أُمتِّي من لم يَرحمْ ضَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالمِنَا حَقَّهُ ) (1)
      ففي الفتنة يقع كثيرٌ من الناس في انتقاص العلماء واحتقارهم ولمزِهم وهَمزِهِم والطَّعن فيهم والتَّقليل من شأنهم ورميهم بالأوصاف العظيمة، يتجرَّأ على مقام العلماء جرأةً سَافِرَة، جرأةً سيِّئةً، وذلك كلُّه من آثار الفتن، والعياذ بالله.
      وممَّا جاء في هذا المعنى من الأخبار التي تُروى في التَّاريخ: أنَّه لَّما كانت فتنة عبد الرحمن بن الأشعت، وقد دخل في هذه الفتنة عددٌ من القرَّاء وكثيرٌ من الناس، لَّما كانت هذه الفتنة: انطلق نفرٌ من النَّاس، فدخلوا على الحَسَن البَصْري، وهو إمام من أجلَّة أهل العلم، وفقيهٌ من كبار فقهاء الإسلام، دخلوا على الحسن البصري فقالوا، ما تقول في هذا الطَّاغية –أي الحجَّاج– الَّذي سفك الدَّم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصَّلاة وفعل وفعل..؟! وذكروا له من أفعال الحَجَّاج، فقال الحسن البصري رحمه الله: ( أرى أَلاَّ تُقاتلوه: فإنَّها إن تَكُنْ عقوبةً من الله –أي تسلط الحجاج-: فما أنتم برادِّي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكنْ بلاء: فاصبروا حتَّى يحكم الله، وهو خير الحاكمين )، فخروجا من عنده، وهم يقولون:
      نطيع هذا العِلْجَ؟!(2).
      فلما تأجَّجت الفتنة في نفوسهم: عندما يقول العالم قولاً لا يوافِق أهواءهم ولا يمشي مع ميُلاتهم وتوجُّهاتهم رأساً: يطعنون به.
      والطُّعون ممَّن أُشربوا الفتنة في أهل العلم لا حدَّ لها في قديم الزَّمان وحديثِه، ربَّما رموه بمُداهنةٍ، وربَّما رموه بعَمَالَةٍ، ربما رموه بأوصافٍ وألقابٍ لا حدَّ لها.
      فالفتنُ تُجَرِّئُ الناس على مقام العلماء، وانتقاص العلماء، وتحقيرِ العلماء، والوقيعة في أهل العلم، وهذا من أخطر ما يكون على الإنسان، حمانا الله جميعاً من ذلك.
      ثمَّ إن هؤلاء النَّفر الذين قالوا للحَسَن هذه المقالة ولم يستجيبوا لنصحه: خرجوا مع ابن الأشعت فَقُتِلُوا جميعاً، فلم يحصِّلوا خيراً، ولم يستفيدوا –أيضًا- من نصائح أهل العلم: لأنَّ أهل العلم أصبح ليس لهم مقامٌ عندهم، وليس لكلامهم أيُّ اعتبار أو أيُّ شأنٍ.

      ______________
      1. أخرجه أحمد (22755)، والحاكم (1/211) من حديث عبادة ابن الصَّامت رضي الله عنه، وقال الألباني في (صحيح الجامع) (1/211): حسن.
      2. (الطبقات الكبرى) لابن سعد (7/164-163)، و(الكنى والأسماء) للدولابي (3/1035)، و (تاريخ دمشق) (12/178 ).



      *****

      إن شاء الله
      الأثر الثالث
      تصدُّر السُفهاء
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عائشة عبد الرحمن بن إدريس المغربي; الساعة 05-Jun-2011, 01:35 AM.

      تعليق


      • #4
        الأثر الثالث: تصدُّر السُّفهاء

        الأثر الثالث
        تصدُّر السُّفهاء

        ومن آثار الفتن أيضاً: أنها يترتَّب عليها تصدُّر السُّفهاء، ومن لا علمَ عندهم، ومن لا فقه لهم في دين الله، يتصدَّرون بالحماسة فقط، بدون فقهٍ في دين الله، وبدون درايةٍ، وبدون أناةٍ ولا تؤَدَةٍ، فيتصدَّرون ويُلقون الأحكامَ جزافًا، ويقرِّرون الأقوال، ويُرجفون، ويتدخَّلون في أمر الفُتْيَا وغيرها، وهم لا يُعرفون بعلمٍ ولا يُعرفو بحلمٍ، ولا يُعرفون برويَّةٍ: لكنهم يدفهم في ذلك حماسةٌ تجرُّهم إليها الفتن.
        ولهذا يقول شيخ الاسلان ابن تيمة رحمه الله في كتابه (المنهاج) (1) : ( والفتنة إذا وقعت عَجَزَ العُقلاء فيها عن دفع السُّفهاء ).
        وهذا شأن الفتن كما قال الله تعالى : (( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً )) [الأنفال: 25].
        وإذا وقعت الفتنة: لم يسلَم من التَّلَوُّث بها إلاَّ من عصمَه الله، نسأل الله عز وجل أن يسلِّمنا أجمعين.


        ___________
        1. ( 4/187)


        *****


        إن شاء الله
        الأثر الرابع
        الانتهاء إلى العواقب المُرْدِيَة والمَآلات السَّيِّئّة

        تعليق


        • #5
          الأثر الرابع: الانتهاء إلى العواقب المُرْديَة والمآلات السَّيئَة

          الأثر الرابع
          الانتهاء إلى العواقب المُرْديَة والمآلات السَّيئَة


          من آثار الفتن وعواقبها: أن من يدخل الفتنة ويتوَّرط فيها: يبوء بالعواقب المردية والمآلات السَّيئَة، ولا ينال منها خيرًا، وفي الوقت نفسه لا يحصِّل خيرًا، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تتبَّع جملةً من الفتن الَّتي ثارتْ في أزمنة قبله ورصدها رحمه الله، وذكر في كتابه ((منهاج السُّنَّة)) خلاصةً جميلةً نافعةً مفيدةً لمآلات تلك الفتن فقال رحمه الله: (( قلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلاَّ كان ما تولَّد على فعله من الشَّرِّ أعظم ممَّا تولًّد من الخير ))، وذكر أمثلةَ كثيرةً لِفِتَنٍ حصلتْ، ثمَّ لخَّص نَتَاجَ وآثار تلك الفتن: فقال رحمه الله: ( فلا أقاموا دينا، ولا أَبْقَوْا دُنْيَا )(1).
          أي : من تصدَّروا تلك الفتن، وسعوا فيها، ما أقاموا دينًا، ولم يُبقوا دُينا: لأنَّ الفتنة إذا ثارت يقع القتلُ، ويكثر الهَرْجُ، ويموج الناس، وتحصُل الفتن، والعواقب السيئة، ولا يحصِّلُ مُثِير الفتنة أيَّ خيرٍ.
          ومَرَّ قريبًا معنا قصَّةُ النَّفر الذين لم يَعْبَؤوا بنصيحة الإمام أحمد، وكذلك قصة النفر الذين لم يعبؤوا بنصيحة الحسن البصري، وكانت النتيجة عند هؤلاء وعند هؤلاء أنَّهم ما أقاموا دينًا، وكانت مآلاتهم: إما إلى حبس أو إلى قتل أو هروب أو غير ذلك من المآلات والنِّهايات، وهذا متكرِّرٌ في التَّاريخ.
          وفي المجلد الثامن من (سير أعلام النبلاء) – في ترجمة الحكم بن هشام الدَّاخل الأموي- كان أمير الأندلس-: يقول الذّهبي في قصةٍ طويلة لا يَسَعُ المقام لذكرها، ولكن يمكن أن تُراجع في ( سير أعلام النبلاء) (2)، بدأها الذهبي رحمه الله بقوله: ( كَثُرَت العلماء بالأندلس في دولته –أي دولة الحَكَم- حتَّى قيل: إنه كان بقرطبة أربعة آلاف مُتَقَلِّس مُتَزيِّن بزيِّ العلماء – يعني: كَثُرَ أهل العلم وطلبة العلم المتزيِّين بزيِّ أهل العلم- قال : فلما أراد الله فناءهم: عزَّ عليهم انتهاك الحَكَم للحُرمات، وائتمروا ليخلعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله فلا قوَّة إلاَّ بالله )، ثمَّ سرد القصَّة رحمه الله، وفي نهايتها أنَّ كثيرًا من هؤلاء قُتلوا ومنهم مَنْ فَرَّ، ومنهم من سُجِنَ دون أن يقيموا دينًا بمثل هذه الفتن التي تُشعل وتُؤجَّج، والسَّعيد – كما يُقال- مَنِ اتَّعظ بغيره.
          بل إن عددا كبيرا ممن شاركوا في الفتن ودخلوا فيها كانت نهايتهم فيها النَّدم وتمنِّي أن لو لم يدخلوا في تلك الفتن.
          وسُطِّر من ذلك شيءٌ كثير في كتب التاريخ والتراجم، أخبارٌ لأولئك الذين شاركوا في الفتن كانت نهايتهم النَّدم على ذلك.
          يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله: ( وهكذا عامَّة السَّابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال ) (3).
          ويقول أيُّوب السَّخْتِيَانِي رحمه الله، ذكر القرَّاء الذين خرجوا مع ابن الأشعت: فقال : ( لا أعلم أحدًا منهم قُتِلَ إِلَا قد رُغِبَ له عن مصرعهِ، ولا نجا منهم أحدٌ إلا حَمِدَ الله إلي سلَّمه ) (4) وندم على ما كان منه.
          ومن الأخبار المفيدة واللَّطيفة في هذا الباب قصة زُبيد ابن الحارث اليامي، وهو من رجال الكتب السِّتَّة، ومن علماء الإسلام، وهو ممَّن دخل في فتنة ابن الأشعت، ولكنَّه سَلِمَ منها، وسَلِمَ من القتل، قال محمَّد بن طلحة: ( رآني زبيد مع العلاء بن عبد الكريم ونحن نضحك، فقال : لو شهدتَ الجماجم ما ضَحِكْتَ! )، و (الجماجم) التي يشير إلها: جماجم المسلمين ورؤوسهم تتساقط بأيدي المسلمين أنفسهم، يقتل بعضُهم بعضًا ثم قال زبيد: ( وَلَوَدِدْتُ أنَّ يدي –أو قال: يميني- قُطعت من العَضُد ولم أكن شهدت ذلك ) (5).
          ثم جاءت فتنة بعد ذلك ودُعِيَ إلى المشاركة فيها لكنه رأى الآثار والعواقب وانْتَبَه، فتأمل جوابه الطَّريف اللطيف الذي هو جواب مجرِّب، جاء في بعض الرِّوايات أن منصور ابن المعْتَمِر كان يختلف إلى زبيد، فذكر أهل البيت يُقتلون، ويريد زبيد أن يخرج مع زيد بن عليٍّ في فتنة أخرى، فقال زبيد رحمه الله: ( ما أنا بخارج إلاَّ مع نبيٍّ، وما أنا بواجِده ) (6)، أي : لن أجد نبيًّا أخرج معه، هذه قالها عن معرفةٍ وتجربةٍ ومعاينةٍ للآثار الَّتي حُصدت من تلك الفتن.


          ___________
          1. منهاج السنة (4/527-528 ).
          2. (8/253-260).
          3. منهاج السنة (4/316).
          4. أخرجه خليفة بن خياط ف ((تاريخه)) (ص76).
          5. تاريخ خليفة (ص76).
          6. أخرجه يعقوب بن سفيان في ((تاريخه)) (3/107)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/473).



          *****

          إن شاء الله
          الأثر الخامس
          من دخل الفتن انحطَّ قدره
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو عائشة عبد الرحمن بن إدريس المغربي; الساعة 24-Jun-2011, 01:56 AM.

          تعليق

          يعمل...
          X