[متجدد] نصيحة غالية وكنز ثمين !::لفضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي

[أم عبد الرحمن الهاشمية]

نصيحة غالية وكنز ثمين
لفضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي
والرسالة عبارة عن ملحق في كتاب
المجموع الأصيل لتوضيح العقائد بالتفصيل

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله القائل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9] .
والصلاة والسلام على رسوله القائل:(( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين))[1] .
أما بعد:
فإن منزله العلماء عند الله عظيمة، ودرجتهم في الدنيا والآخرة رفيعة، فلا يحفظ علمهم إلا بنشره، ولا يستفيد منه النَّاس إلا ببيانه.
وكنت قد جمعت أسئلة مع أجوبتها لشيخنا ووالدنا / زيد بن محمد بن هادي المدخلي مند فترة طويلة، فقمت بعرضها عليه في هذه الآونة لنشرها، ومن ضمنها الإجابة على هذا السؤال، الذي أحببت إفراده بالطبع والنشر لما فيه من الفائدة الفريدة، والوصايا النافعة المفيدة، التي أرجو من الله أن يكتب لي ولمؤلفه وقارئه وسامعه جزيل المثوبة، وحقا إن الحاجة لماسة إلى ما فيه من بيان، ولقد شبهت هذه النصيحة بالكنز الثمين وإنني لأتمثل وأنا أنشره بقول القائل
على كنز ثمين قد عثرت *** وجهدا بالغا فيه بذلت
لأحظى بالثواب وحسن ذكر *** كذكر الصالحين إذا ذهبت
وأنفع إخوتي بصريح نصح*** وأجر الناصحين به قصدت
وطوبى ثم طوبى ذات حسن *** لمن يهوى الصلاح لما نشرت
وأجرا من كريم أبتغيه *** وفضلا من إلهي قد شكرت
وحسنا للختام سألت ربي*** ودار الخلد فيها قد رغبت

وكتبه فواز بن على المدخلي
05/30/1428هــ

يتبع مع نصيحة لطلاب العلم النابهين

___________
[1] أخرجه البخاري 1/39(71) ومسلم2/718(1037)

[أبو ذر فيصل الجزائري]

رد: على كنز ثمين قد عثرت!

بارك اله فيكم و لكن أين النصيحة !!!!.

[أم عبد الرحمن الهاشمية]

رد: نصيحة غالية وكنز ثمين ! /لفضيلة الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي

السؤال: فضيلة الشيخ ماذا تحب أن تقول لإخوانك المدرسين وأبنائك طلاب العلم النابهين بمناسبة حلول الإجازة الصيفية حفظكم الله ورعاكم؟

الإجابة: إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فبمناسبة حلول الإجازة الصيفية للمدرسين على اختلاف مستوياتهم، ومراتب تدريسهم، وكذلك ذوي الكفاءات من طلاب العلم النابهين؛ فإن أحب أن أذكر نفسي وأذكر إخواني وأبنائي من أولئك وهؤلاء أن يجعلوا من أيام راحتهم أياما يبذلونها في نشر الفقه الإسلامي كل فيما يليه من مجتمعات المدن والقرى ما قرُب وما بعد من سكان البوادي والهجر؛ لأن الكثير من الناس في حاجة ماسة إلى الفقه في الدين وبيان الحلال والحرام، وسماع المواعظ التي تنفذ عبارتها إلى القلوب فيغمرها الوجل والرَّغب والرَّهب ، إذ من أجل ذلك جاء التوجيه من الله عزَّ شأنه –لأهل العلم الشرعي بوعظ الناس وتذكيرهم من المصدرين الكريمين كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
قال الله عز وجل: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: ٤٥]
وقال سبحانه: (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى) [الأعلى: 9،10]
وقال- عز من قائل رحيم -: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِر) [المدثر: 1،2]
الآيات وغيرها كثير في هذا المعنى .
ومن هذه النصوص ونظائرها تعلم مدى المسؤولية التِّي حُملها طلاب العلم بعلمهم ونشره في محتاجيه – وما أكثرهم في دنيا البشر-.
وكم من وعيد شديد جاء ذكره في نصوص الكتاب والستة لمن آتاه الله علما شرعيا فبخل بنشره ومتمه عند الحاجة إليه، ومن ذلك قول الله –تبارك وتعالى- (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 159،160]
وقوله تبارك وتعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) [آل عمران: 187]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من النَّار)) (1)
ففى الآيتين الكريمتين والحديث النبوي الشريف وعيد شديد لكل من آتاه الله حظا من علم الشريعة فبخل بنشره مع حاجة الناس إلى ما عنده من علم .
إذن فكاتم العلم والبخيل به ظالم لنفسه، وغاش للمسلمين، ومرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب كما هو صريح في الآيتين والحديث، فالحذر الحذر من الإهمال لهذا العمل الجليل الذي فاق كل عمل ؛ لما فيه من النفع المتعدي والتبصير للناس بما يجب عليهم لربهم والنّاس أجمعين .
وكم من نصوص كريمة جاء فيها ثناء على معلمي الناس الخير، وأنهم سادات الناس وفضلاؤهم، وأولياء الله حقًا، وأهل خشيه يقينا وصدقا من ذلك قول الله سبحانه (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]

وقوله عزَّ شأنه ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11]

وقوله -تبارك اسمه- (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يتغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء)) (2) الحديث.
وقوله عليه الصلاة والسلام -: (( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير)) (3)
وغير هذه النصوص في المعنى كثير .
أقول هنيئا لمن حرص على تعليم الخلق أمور دينهم ابتغاء مرضاة الله وهو على عقيدة سليمة، ومنهج سلفي صحيح، كيف لا وأسوته في هذا العمل الشريف المبرور رسل الله الكرام وأنبياؤه العظام؛ الذين أرسلهم الله وبعثهم مبشرين ومنذرين يعلمون الناس ما يجب عليهم أن يعلموا من حقوق الله وحقوق أنفسهم وحقوق عباد الله ويبلغونهم ما أوحاه الله إليهم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور ، وهكذا عمل معلمي الناس دين الله القويم وشرعه المطهر من ورثة الرسل فإنه يحصل لهم جزيل الأجر بحسن الثواب وشرف التأسي بالرسل الكرام، وسوف يحشرون في زمرة من تأسوا بهم في دعوة الخلق وتعليمهم وتبليغ عباد الله رسالة الحق رجاء مغفرة الله ومرضاته وثوابه، وخشية عقابه.
وهنيئا لهم ما خصهم به نبيهم –عليه الصلاة السلام- من الدعاء بنضارة الوجوه وحسن طلعتها حيث قال صلى الله عليه وسلم - : (( نضَّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها عني فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )) (4)، ((وفي لفظ رب مُبَلغٍ أوعى من سامع))(5)
فاسمع يا أخي يا معلم الناس الخير هذا الدعاء الرحيم ممن أوتي جوامع الكلم، وحبب إلى قلبه العلم والعلماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، واحرص أن تكون فردا من أفراد من خصهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بتلك الدعوة العظيمة بسبب حملهم للعلم أولا وتبليغهم له ثانيا بصدق وأمانه وصواب واخلاص يريدون انتشاره في دنيا البشر ليظفروا بأجر من تفقه على أيديهم في دين الله فخرج من ظلمات الجهل والغوايه إلى نور الحق والهداية .
ثم اعلم بدون شك ولا تردد أن العلم يزداد وينمو لدى صاحبه إذا هو نشره في الناس، وقد ظفر بهذه المكرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تأسى بهم ، فقد كتب سلمان الفارسي رضي الله عنه إلى أبي الدرداء فقال: (( إن العلم كالينابيع يغشى الناس فيحتاجه هذا وهذا فينفع الله به غير واحد، وان حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه، وإن علما لا يخرج ككنز لا ينفق منه، وإنما مثل المعلم كرجل حمل سراجا في طريق مظلم يستضيئ به من مرَّ به وكل يدعو إلى الخير)) (6) .
حقا إنها نصوص وحكم فيها أعظم باعث، وخير حافز، على التنافس في تعليم الخلق الدين الذي خلقوا من أجل معرفته والعمل بمقتضاه؛ لاسيما أولئك القوم الذين يسكنون البوادي والهجر فإن حاجتهم إلى نشر العلم فيهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وذلك لبعدهم عن مواطن العلم والعلماء ، ولقلة من يوجد بين ظهورهم يتخولهم بالتعليم والموعظة بين وقت وآخر ،فانحصرت هممهم في الاشتغال بمتطلبات الجسد من مأكل ومشرب، وملبس ومنكح، ومسكن ومركب، إلا من شاء ربك ممن أدرك حاجته إلى الفقه في الدين فسدد وقارب بمشورة الصالحين الذين لا تخلو الأرض منهم .
وإذا كان الامر كما علمت أيها القارئ من حال الناس في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه الشرور، وشاعت فيه الفتن على اختلاف أصنافها، وتحققت فيه غربة الدين، وانتشرت فيه وسائل الفساد، وتعددت فيه طرق الشيطان وتنوعت فيه ألوان الإنحراف عن الصراط المستقيم ومراد رب العالمين وهدي سيد المرسلين الصادق المصدوق عليه من ربي أزكى الصلاة وأتم التسليم، وإذا كان الأمر كذاك وأخطر من ذلك في دنيا البشر فإنه يجب على علماء أمة الإسلام ورثة الرسل الكرام والأنبياء العظام زينة الأرض ونجومها أن يجندوا أنفسهم لنشر هدى الله الذي يهدي به من يشاء من عباده في جميع أهل الأرض بطولها والعرض؛ وأن لا يدخروا وسعا يستطيعونه في سبيل ذلك، وأن يحرصوا تمام الحرص على ايصال الخير إلى الغير لتحيا الأمة جماعات وأفرادا حياة طيبة مباركة فيسلم الكافر ، ويستيقض الغافل، ويعلم الجاهل ، ويبصر الحائر، ويستحيي من الله المجاهر، وما أكثر هذه الأصناف المصابة بهذه الأدواء وما أقل الأطباء الذين يضمدون الجراحات ويعالجون تلك الأمراض من شهوات وشبهات ابتغاء مرضات الله والجنات.
وحيث إن لكل غاية وسيلة، ولكل حاجة سببا، فإن علينا معشر الدعاة المصلحين أن نستعمل في دعوتنا أنجح الطرق، وخير الوسائل، وأنفع الأساليب التي تكون عونا لنا على انتشال أهل الجهل والغواية إلى نور العلم والفقه في الدين والهداية، فإن نحن فعلنا ذلك رجاء ثواب الله وخشية عقابه وسلمنا من الكتمان فقد سلكنا طريق الهداية والرشاد، وترسمنا خطى من أرسل رحمة للعباد والبلاد ، وإن هذا الصنيع يسير على من يسره الله عليه من أهل العلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين الذين يحرصون على ايصال الخير للناس أجمعين، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، بخلاف من اتخذ العلم حرفة كغيره من الحرف التي يتخذها أصحابها وسيلة لكسب المال وإحراز الجاه ووصولا إلى كرسي الرئاسة والسلطان فإن هذا من شأنه، وتلك غايته ومقاصده، فإنه لن يهتم بنشر العلم بين محتاجيه –وما أكثرهم في هذا الزمان- كما أسلفت مرارا وتكرارا ، ولن يفكر أبدا أن عليه لله واجبا فيه، وسوف يحتمل مسؤولية عظمى اؤتمن عليها فأضاعها وسوف يسأل كل ذي علم عما عمل فيه ...

يتبع مع تنبيه هام (1)!!

____________________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/181(344) وقال هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وبن ماجة 1/98(266) ، والترمذي 5/29(2649) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/1077(6284)
(2) أخرجه أحمد 5/196(21763)، وأبو داوود 3/317(223)، والترمذي5/84(2682)، وبن ماجة1/81(223)، والدارمي1/110(342)، وبن حبان في صحيحه 1/289(8. من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/1079(62097).
(3) أخرجه الترمذي 5/50(2685) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/376(1739).
(4) أخرجه أحمد 3/225(13383)، وبن ماجة1/86(236)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
ورواه أحمد 4/82(16800)، وبن ماجة 1/85(231) والدارمي 1/86(227)، والحاكم في المستدرك 1/162-164(295و296) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .
ورواه بنحوه أحمد 5/183(21630)، وأبو داوود 3/322(3660)، والترمذي5/33(2656)، والدارمي 1/86(229)، وبن حبان (67) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. أنظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1/21،برقم 89،92)، وصحيح الجامع (6763،6766).
(5) عند الترمذي؛ رقم (2657)، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح ))، والبزار برقم (2014) ؛ وبن حبان ؛ رقم (69،68،66)، وأخرجه أحمد نحوه (1/436)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وقال الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص(43)- بعد روايته ؛ برقم (22)- : ((حدثني من سمع عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ، يقول : أصح حديث يروى في هذا الباب حديث عبيدة بن الأسود هذا ))، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(403).
وانظر: "حديث : نضر الله امرءا" تخريج ودراسة للشيخ العلامة عبد المحسن العباد البدر.
(6) أخرجه الدارمي 1/148(557) وبن أبي شيبة في مصنفه7/121(34666).