إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شرح متن] صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


    http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18090.shtml



    بَابُ صِفَةِ الحَجِّ والعُمْرَةِ

    يُسَنُّ لِلْمُحلِّينَ بِمَكَّةَ الإِحْرَامُ بالحَجِّ يَومَ التَّرْويَةِ قَبْلَ الزَّوالِ مِنْهَا،....
    قوله: «باب صفة الحج والعمرة» ، هذا هو المقصود في المناسك.
    وقوله: «صفة الحج والعمرة» ، أي: الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة، واعلم أن لصحة العبادة شرطين:
    الأول: الإخلاص، والثاني: المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يمكن تحقق المتابعة إلا بمعرفة صفتها الثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
    قوله: «يسن للمحلين بمكة الإحرام بالحج يوم التروية» .
    المحل هو المتمتع؛ لأنه حل من إحرامه، أو من كان من أهل مكة فإنه محل؛ لأنه باق في مكة حلالاً، فيسن لهم الإحرام بالحج يوم التروية، لا قبله ولا بعده، ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة.
    واستثنى بعض العلماء المتمتع إذا لم يجد الهدي، فقالوا: ينبغي أن يحرم في اليوم السابع؛ بناء على أنه يصوم الأيام الثلاثة من اليوم السابع؛ ليكون صوم الثلاثة كلها في الحج، ومقتضى هذا التعليل أن يحرم قبل طلوع الفجر من اليوم السابع، ولكن هذا قول ضعيف.
    والصحيح أنه لا يتقدم بالإحرام عن اليوم الثامن، وما ذكروه من التعليل مقابل بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»[(274)]، فمن صام اليوم السابع قبل إحرامه بالحج فقد صام الثلاثة في الحج، ولهذا فإنهم يجوزون أن يصوم من حين أن يحرم بالعمرة، وعليه فلا وجه لتقديم الإحرام بالحج على اليوم الثامن، لأنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أصحابه مع أن الذين حلوا هم الذين لم يسوقوا الهدي، وأكثرهم فقراء، ولم يحرم أحد منهم قبل يوم التروية.
    وقوله: «يوم التروية» ، هو اليوم الثامن، وسمي بذلك؛ لأن الناس كانوا فيما سبق يتروون الماء فيه؛ لأن منى في ذلك الوقت لم يكن فيها ماء، وكذلك مزدلفة وعرفة، فهم يتأهبون بسقي الماء للحج في المشاعر في هذا اليوم الثامن.
    ومن اليوم الثامن إلى الثالث عشر كلها لها أسماء، فالثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني.
    قوله: «قبل الزوال منها» ، أي: يسن أن يحرم قبل الزوال من مكة، وعُلم من كلامه أنه لا يسن قبل طلوع الشمس، إلا من مر بالميقات وكان قارناً أو مفرداً، فمتى مر به أحرم من الميقات، لكن كلام المؤلف هنا في المحِلِّين أنهم لا يتقدمون على يوم التروية، بل في ضحى يوم التروية، وعُلم منه أيضاً أنه لا ينبغي أن يؤخر الإحرام عن الزوال، بل يحرم قبل الزوال؛ ليشغل الوقت في طاعة الله؛ لأنه إذا أخر الإحرام إلى وقت العصر فاته ما بين الضحى إلى العصر، ولو أخره إلى الغد كما يفعله بعض الناس يقول: أحرم يوم عرفة وأمشي إلى عرفة، فهذا أشد حِرْماناً.
    والصواب أنه لا يحرم من مكة بل يحرم من مكانه الذي هو نازل فيه، فإن كانوا في البيوت فمن البيوت، وإن كانوا في الخيام فمن الخيام.
    ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما فرغ من الطواف والسعي: خرج إلى ظاهر مكة (الأبطح) ونزل هناك، وأحرم الناس من هذا المكان[(275)]، وعلى هذا فنقول: يسن أن يحرم من المكان الذي هو فيه، سواء في مكة أو في غيرها.
    والعجيب أن بعض العلماء قال: يسن أن يحرم من تحت ميزاب الكعبة أي في الحِجْر لأنه مصب الميزاب وهذا مخالف لظاهر السنة، لأن الصحابة أحرموا من الأبطح من مكانهم وفي هذا القول من الحرج ما لا يخفى، والقائل بهذا القول مجتهد.

    وَيُجْزِئُ مِنْ بَقيَّةِ الحَرَمِ وَيبيتُ بِمِنَى،...........
    قوله: «ويجزئ من بقية الحرم» ، أي: ويجزئ الإحرام بالحج من بقية الحرم، وهل هنا فرق بين مكة والحرم؟
    الجواب: نعم هناك فرق بينهما، فمكة القرية أي: البيوت، والحرم كل ما دخل في حدود الحرم فهو حرم، لكن في وقتنا الآن صار بعض مكة خارج الحرم حيث امتدت البيوت من جهة التنعيم؛ إلى الحل.
    وفُهِمَ من كلامه أنه لا يجزئ الإحرام بالحج من الحل، فالحرم ميقات مَنْ في مكة في الحج، والحل ميقات من في مكة في العمرة.
    فكما أنه لا يجوز أن يحرم بالعمرة من الحرم، فكذلك لا يجوز أن يحرم بالحج من الحل، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
    وقيل: يجوز أن يحرم من في مكة بالحج من الحل، وعلى هذا فإذا كان نازلاً في مكة وأحرم من عرفة، فإنه يجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب، والماتن مشى في هذا على خلاف المذهب.
    والراجح أنه لا ينبغي أن يخرج من الحرم، وأن يحرم من الحرم، ولكن لو أحرم من الحل فلا بأس؛ لأنه سوف يدخل إلى الحرم.
    قوله: «ويبيت بمنى» ، أي: يبيت بمنى ليلة التاسع، وعلى هذا فيصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كلها في منى قصراً بلا جمع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يجمع في منى وإنما جمع في عرفة، وفي مزدلفة.
    مسألة: هل هذا الحكم ـ القصر والجمع ـ خاص بأهل الآفاق أو لهم ولأهل مكة؟
    المذهب ليس لأهل مكة قصر ولا جمع، لأنهم ليسوا مسافرين، إذ أن السفر ما بلغ ستة عشر فرسخاً، ومقداره بالكيلو نحو ثلاثة وثمانين كيلو، ومعلوم أن عرفة لا تبلغ ثلاثة وثمانين كيلو، ولذلك يقولون: لا يجوز لأهل مكة أن يجمعوا في مزدلفة وفي عرفة، ولا أن يقصروا في منى.
    والصحيح أن أهل مكة كغيرهم من الحجاج، ولكن بشرط أن يكونوا مسافرين، أي خارجين عن مكة، وفي يومنا هذا إذا تأمل المتأمل يجد أن منى حي من أحياء مكة، وحينئذٍ يقوى القول بأنهم لا يقصرون في منى، وفي مزدلفة وفي عرفة لهم الترخص برخص السفر؛ لأنهم مسافرون، فهم يتأهبون لسفر الحج بالطعام والرحل والماء، ولذلك كان أهل مكة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقصرون في منى وعرفة ومزدلفة، ويجمعون في مزدلفة وعرفة، ولم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتموا، لكن اختلف الوضع الآن.
    وقال بعض أهل العلم: إن القصر والجمع في الحج ليس سببه السفر وإنما سببه النسك، وعلى هذا القول الحجاج من أهل مكة يقصرون، ويجمعون في موضع الجمع، لكن هذا القول ضعيف؛ إذ لو كان سببه النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني، ـ وهذا يمكن أن يكون يوم العيد ـ لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر، فالقول بأنه هو النسك ضعيف جداً، ولا ينطبق على القواعد الشرعية.



  • #2
    رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-

    فَإِذَا طَلَعَت الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عُرَنَة
    قوله: «فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة» ، أي: من اليوم التاسع فيسير إلى عرفة، وينزل أولاً بنمرة.
    ونمرة قرية قرب عرفة، وليست من عرفة لا شك لأنه إذا كان بطن عرفة ليس من عرفة فهي أبعد من بطن عرنة.
    فإن قال قائل: بماذا تجيبون عن حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: ثم سار النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ يعني من منى ـ حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة [(276)]، فإن ظاهره أن نمرة جزء من عرفة؟
    فالجواب: أن مراد جابر ـ رضي الله عنه ـ أنه لم ينزل بمزدلفة كما كانت قريش تنزل في مزدلفة، فيقفون في مزدلفة، فقول جابر: حتى أتى عرفة، يعني أنه لم يقف في مزدلفة، ولذلك قال في نفس الحديث: «ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت تصنع في الجاهلية فأجاز حتى أتى عرفة» ، فيكون هذا بياناً لمنتهى سيره، وأن منتهى سيره إلى عرفة.
    وهل هذا النزول نزول نسك أو نزول راحة؟
    الجواب: المعروف عند العلماء أنه نزول نسك ويحتمل أنه نزول راحة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ضربت له القبة في نمرة»، «ولما طلب منه أن يضرب له قبة في منى»[(277)] قال: «منى مناخ من سبق»[(27] ، لأن منى مشعر، فإقراره ضرب القبة له بنمرة ومنعه ذلك في منى يشعر بأن نمرة ليست بمشعر وأن نزوله بها للراحة فقط.
    لكن المعروف أن النزول بها سنة وليس من أجل الراحة، فينزل بها إن تيسر، وهي معروفة الآن، وبعض الحجاج ينزلون فيها، ويحدثوننا أنهم يجدون راحة بالغة، ولا سيما فيما سبق، لما كان الناس يحجون على الإبل، فإنهم يحتاجون إلى الراحة.
    وينزل إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ركب من نمرة إلى عرفة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ركب من نمرة حتى أتى بطن الوادي، بطن عرنة، فنزل في بطن الوادي» ، والظاهر عندي والله أعلم أن نزوله في بطن الوادي؛ لأن بطن الوادي في الغالب يكون رملياً، فيكون فيه لين وسهولة على الناس للجلوس وللصلاة ثم خطب الناس خطبة بليغة قرر فيها قواعد الإسلام، وشيئاً كثيراً من أحكامه، وأعلن في تلك الخطبة، أن ربا الجاهلية موضوع، وأن أول رباً يضعه ربا العباس بن عبد المطلب؛ لأنه عمه، وفي هذا دليل على أن الربا الثابت في ذمم الناس يجب وضعه، ولا يجوز أخذه حتى وإن عقد قبل إسلام العاقد، أما ما قبض من قبل من ربا، وأتى الإنسان موعظة من الله فإنه له، لكن ما بقي في ذمم الناس فإنه لا تتم التوبة منه إلا إذا تركه ولم يقبضه، وتأمل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في هذا الموقف العظيم: «أول رباً أضع ربا العباس» [(279)]؛ لأنه قريبه، والحاكم لا يحابي أقاربه في حكم الله، بل يبدأ بهم قبل الناس، حتى يعلم أنه ليس عنده محاباة في دين الله.
    وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إذا منع الناس من شيء جمع أهل بيته وقال لهم: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر[(280)].
    والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال في هذا الموقف العظيم والمجمع الكبير: «أول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب» ، وقال في موضع آخر: «وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»[(281)]، فأقسم ـ وهو الصادق البار بلا قسم ـ أنه لو سرقت فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة، وأشرف النساء نسباً لقطع يدها.
    وقوله: «لقطعت» ، يحتمل لقطعت يدها مباشرة، ويحتمل أمرت بقطع يدها، والأول أبلغ في كونه يقطع يد ابنته إذا سرقت.
    فالحاصل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يضع للحكام منهجاً لو ساروا عليه لأفلحوا، وهو أن يكون أقاربهم وحاشيتهم عندهم كسائر الناس. وبعد أن خطب الناس هذه الخطبة أمر بلالاً، فأذن وأقام وصلى الظهر، ثم أقام وصلى العصر، ولم يسبح بينهما شيئاً[(282)]، وفي تقديمه الخطبة على الأذان، والجمع بين الظهر والعصر دليل على أنه لم يقصد بذلك صلاة الجمعة؛ لأن صلاة الجمعة تكون الخطبة فيها بعد الأذان، وإلا فإن ذلك اليوم كان هو يوم الجمعة في حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم مما يدل على أن المسافر لا يقيم الجمعة حتى لو كان معه أهل الأرض جميعاً، ثم ركب حتى أتى آخر عرفة من الناحية الشرقية، فوقف هناك، وكان عادته أن يكون في أخريات قومه لا يكون في المتقدمين؛ لأجل أن يتفقد من كان محتاجاً، ولو كان موقفه في أدنى عرفة مما يلي مكة لدفع قبل الناس، وهذا من تواضعه صلّى الله عليه وسلّم وحسن سياسته.
    وقف هناك وقال: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف»[(283)]، فكأنه صلّى الله عليه وسلّم يشير إلى الأمة ألا تكلف نفسها هذا الموقف الذي وقفه الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بل كل إنسان في مكانه؛ لئلا يحصل الزحام والأذى، فيؤذي الناس بعضهم بعضاً.
    قوله: «وكلها موقف إلا بطن عرنة» ، أي كل عرفة مكان للوقوف، وعرفات معروفة لها حدود معروفة تكلم عليها الأولون، والحكومة السعودية ـ وفقها الله ـ جعلت أعلاماً بعد التحري والضبط لحدودها، وفي السنوات الأخيرة لما كثر مخالفة الناس في الموقف ووقوفهم خارج حدود عرفة، جعلت العلامات واضحة بينة كبيرة.
    وقوله: «وكلها موقف إلا بطن عرنة» ، دليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل عرفة موقف، وارفعوا عن بطن عرنة»[(284)].
    وانتبه لكلمة «بطن عرنة» دون الحافتين اللتين لا يأتيهما السيل إلا إذا كان قوياً، فالبطن هو الممنوع، والحكمة من ذلك، هل لأنه خارج عرفة، أو لأن السنة ألا ينزل الإنسان في الأودية؟ فيه احتمال أنه من عرفة، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ارفعوا عنه» ؛ لأنه وادٍ ولا ينبغي للمسافر أن ينزل في الأودية، ويؤيد هذا أنه لولا أنه منها لم يقل: «ارفعوا عن بطن عرنة» ، ولكان قد عرف أن بطن عرنة خارج عرفة، وينبني على هذا لو أن إنساناً وقف في بطن عرنة ولم يدخل عرفة وخرج كمَّل حجه.
    فإن قلنا: إن الوادي منها ولكن أمرنا بأن نرتفع عنه؛ لأنه وادٍ فحجه صحيح، وإن قلنا إنه ليس منها فحجه غير صحيح، وهذا يحتاج إلى تحرير بالغ؛ لأنه مهم ينبني عليه أن الإنسان أدى فريضته، أو لم يؤد فريضته، فتحريره مهم جداً.
    وظاهر كلام المؤلف أن بطن عرنة، وهو بطن الوادي من عرفة، ووجه ذلك استثناؤه منها؛ لأنه لو لم يكن من عرفة ما احتاج إلى استثنائه، وعليه فنقول: بطن عرنة من عرفة، ولكن مع ذلك لا يجوز الوقوف فيه، ولهذا قال: «وكلها موقف إلا بطن عرنة» .
    ولو وقف في الوادي ودفع منه، فحجه غير صحيح؛ لأن هذا ليس من عرفة شرعاً، وإن كان منها مكاناً.

    وَيُسَنُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، وَيَقِفُ رَاكِباً عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَل الرَّحْمَةِ وَيُكْثِرُ الدُّعَاء، ممَّا وَرَدَ ..........
    قوله: «ويسن أن يجمع بين الظهر والعصر» ، أي: تقديماً، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم[(285)]، والحكمة من هذا أمران:
    الأول: أن يطول وقت الدعاء.
    الثاني: أن يجتمع الناس على الصلاة، لأنهم لم يتفرقوا في المواقف، ثم يتسع الوقت لاختيار كل إنسان موقفه، والأفضل أن يُصلي الحاج خلف الإمام إذا تيسر، وأن يسمع خطبة الإمام، وسماع الخطبة الآن متيسر وإن لم تكن مع الإمام عن طريق الإذاعة، ولهذا ينبغي للناس أن يستمعوا إلى خطبة الإمام يوم عرفة، لأنها خطبة مشروعة، ثم إذا انتهت الخطبة يؤذنون في خيامهم ويصلون الظهر والعصر جمع تقديم، وإذا لم يتمكنوا من سماع الخطبة في الخيام، فيشرع لهم أن يخطب لهم أحدهم إن كان طالب علم حتى يعلِّم الناس.
    وعلم من قوله: «ويسن» أنه لو لم يجمع بينهما فلا حرج فهما صحيحتان، ولكن السنة الجمع، ولماذا كانت السنة الجمع، مع أن الناس نازلون، والمسافر النازل لا يسن له أن يجمع؟
    الجواب: على هذا أن يقال: إنما جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم بين الظهر والعصر لاجتماع الناس، واجتماع الناس على العبادة له شأن كبير في الشريعة؛ لأنهم لو تفرقوا بعد صلاة الظهر ما اجتمعوا هذا الجمع الكبير، والجمع لأجل تحصيل الجماعة مشروع، كما يشرع في أيام المطر المؤذي الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من أجل تحصيل الجماعة، وإلا فبالإمكان أن يصلي الظهر، ويقال للناس: صلوا العصر في رحالكم، أو يصلي المغرب، ويقال للناس: صلوا العشاء في رحالكم.
    قوله: «ويقف راكباً» . «ويقف» يحتمل أن تكون منصوبة عطفاً على قوله: «أن يجمع»، ويحتمل أن تكون مرفوعة على الاستئناف، دليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وقف على بعيره راكباً، رافعاً يديه يدعو الله ـ عزّ وجل ـ، ولما سقط الزمام أخذه بإحدى يديه، وهو رافع الأخرى»[(286)].
    والمراد بالوقوف المكث لا الوقوف على القدمين، فالقاعد يعتبر واقفاً، والوقوف قد يراد به السكون لا القيام، ومعلوم أن الراكب على البعير جالس عليها ليس واقفاً عليها.
    وهل الأفضل أن يقف راكباً، أو أن يقف غير راكب؟
    قال بعض العلماء: الأفضل أن يقف راكباً؛ لأن ذلك فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبناء على هذا يسن لنا أن نقف من بعد صلاة الظهر والعصر بعد جمعهما تقديماً، إلى الغروب في السيارات فنركب ونبقى فيها إلى الانصراف، لأن هذا هو الركوب.
    ومنهم من قال: الأفضل أن يكون ماشياً لا راكباً، والذي ينبغي أن يقال إنه يفعل ما هو أصلح لقلبه، وهذا يختلف، قد يكون بقاؤه على الراحلة وهي السيارة في الوقت الحاضر سبباً لانشغاله وإشغاله، ويكون انفراده في مكان تحت شجرة أو في أي مكان أراد أولى وأخشع، فهنا نقول: الأفضل ألا يكون في السيارة وقد يكون في السيارة أخشع له وأقل تشويشاً؛ لأنه يكون متهيئاً متأهباً، فهنا نقول: انظر ما هو أصلح لقلبك.
    وهذا لا ينافي القواعد الشرعية؛ لأن من القواعد أن مراعاة الكمال الذاتي للعبادة أولى بالمراعاة من الكمال في المكان والزمان.
    قوله: «عند الصخرات» ، وهي صخرات معروفة لا تزال حتى الآن موجودة.
    قوله: «وجبل الرحمة» ويقال له: جبل الدعاء، والمناسبة ظاهرة أن هذا المكان أعني عرفة كلها موطن رحمة وموطن دعاء، ولكن لم يكن هذا الاسم في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم معروفاً لهذا الجبل، لكن العلماء ـ رحمهم الله ـ جعلوا له هذا الاسم جبل الرحمة أو جبل الدعاء، لهذه المناسبة، ويسمى أيضاً إلال، وهذا اسمه الأول في الجاهلية، ويسمى جبل عرفة أو جبل الموقف.
    وقوله: «ويقف راكباً عند الصخرات وجبل الرحمة» لم يبين المؤلف أين يكون اتجاهه، ولكن نقول يكون اتجاهه إلى القبلة كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلّم[(287)] ولأن كل العبادات الأفضل أن تستقبل فيها القبلة، إلا ما قام الدليل على خلافه، كما قال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في الفروع لما ذكر عن بعض العلماء أنه يشرع استقبال القبلة حال الوضوء، قال: «وهو متوجه في كل طاعة إلا لدليل»، ولا شك أنه في الدعاء ينبغي أن يستقبل القبلة، أما في الوضوء وشبهه ففي النفس من هذا شيء، فيحتاج إلى دليل خاص؛ لأن الظاهر من حال الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يتعمد ذلك.
    وتستقبل القبلة حتى ولو كان الجبل خلف ظهرك؛ لأن الكعبة أفضل من الجبل، وعند العامة تستقبل الجبل، ولكن هذا ناتج عن الجهل، وعلى طلبة العلم أن يبينوا للناس أن المشروع استقبال القبلة.
    مسألة: هل صعود الجبل مشروع؟
    الجواب: أما من صعده تعبداً فصعوده ممنوع؛ لأنه يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة.
    وأما من صعده تفرجاً، فهذا جائز ما لم يكن قدوة يقتدى به الناس، فيكون ممنوعاً.
    وأما من صعده إرشاداً للجهال عما يفعلونه أو يقولونه فوق الجبل فصعوده مشروع، أو واجب حسب الحال؛ لأننا نسمع أن بعض الجهال إذا صعد الجبل يكتب كتابات، ويضع فيه خرقاً وأشياء منكرة، فإذا ذهب طالب علم يرشد الناس، ويبين أن هذا ابتداع، وأنه لا ينبغي، فنقول إنه مشروع، إما وجوباً، وإما استحباباً.
    قوله: «ويكثر الدعاء مما ورد» ، «من» هنا للجنس، أي يكون دعاؤه مما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو يكثر الدعاء بما يريد ومما ورد وعلى هذا تكون «من» للتبعيض فخص الوارد، وهكذا ينبغي للإنسان أن يختار الأدعية الواردة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم سواء وردت في هذا المكان أو وردت في مكان آخر؛ لأن الأدعية النبوية أجمع الأدعية وأنفعها وهي صادرة من أعرف الناس بالله ـ عزّ وجل ـ وأعلمهم بما يحبه الله تعالى، فينبغي أن نحافظ على الأدعية النبوية حتى وإن وجدنا أدعية مسجعة ربما تلين القلب، ومنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار[(28].
    والمهم أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الدعاء، ومن الذكر، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له»[(289)].
    فإن قال قائل: الوقت طويل لا سيما في أيام الصيف، وربما يلحق الإنسان ملل، لأنه لو بقي يدعو من صلاة الظهر والعصر المجموعة إليها إلى الغروب لحقه الملل، فهل اشتغاله بغير الدعاء والذكر مما هو مباح جائز؟
    الجواب : نعم وربما يكون مطلوباً إذا كان وسيلة للنشاط والإنسان بشر يلحقه الملل، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا» [(290)]، وقال لأصحابه حين رفعوا أصواتهم بالتكبير: «اربعوا على أنفسكم» [(291)].
    على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم خطب بعد الزوال وليس بعد الزوال مباشرة؛ لأنه لما زالت الشمس كان في نمرة، فأمر بناقته فرحلت له ثم سار على الإبل حتى أتى بطن الوادي، ونزل وخطب الناس خطبة طويلة مفيدة، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم ركب حتى أتى الموقف، والموقف من بطن عرنة بعيد وإذا لحق الإنسان ملل؛ فلا حرج أن يستريح إما بنوم، أو بقراءة قرآن، أو بمذاكرة مع إخوانه، أو بمدارسة القرآن، أو في أحاديث تتعلق بالرحمة، والرجاء، والبعث والنشور وأحوال الآخرة حتى يلين ويرق قلبه، والإنسان طبيب نفسه في هذا المكان.
    لكن ينبغي أن يغتنم آخر النهار بالدعاء، ويتفرغ له تفرغاً كاملاً.
    وهنا نسأل: هل الأفضل أن يدعو كل واحد لنفسه، أو أن نجعل إماماً يدعو بنا؟
    الجواب: الأفضل أن كل إنسان يدعو لنفسه، لكن لو جاءك إنسان، وقال: ادع الله بنا، ورأيت منه التشوف إلى أن تدعو وهو يؤمِّن فإنه لا بأس في هذه الحال أن تدعو تطييباً لقلبه، وربما يكون في ذلك خشوع أيضاً، وإذا شعر الإنسان أن الناس كلهم يلتفون حوله ويؤمِّنون، وربما يكون بعضهم قريب الخشوع فيخشع ويبكي فيخشع الناس، فهذا لا بأس به فيما يظهر لي.
    والدليل أنه لم يرد منع من ذلك، وهذا يحصل أحياناً من الصحابة يطلبون من الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يدعو لهم، ولكن في هذا الموقف لا أعلم أنه دعا بالناس، ولهذا نقول: الأفضل أن يدعو كل إنسان لنفسه لا سيما إن كان يخشى أن يكون في الدعاء بصحبه فتح باب للتلبية الجماعية ونحوها.

    تعليق


    • #3
      رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


      وَمَنْ وَقَفَ وَلَو لَحْظَةً مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُو أَهْلٌ لَهُ صَحَّ حَجُّهُ وَإِلاَّ فَلاَ،.........
      قوله: «ومن وقف» ، «من» اسم شرط فيعم كل من كان محرماً بالحج، ولهذا لو وقف بعرفة ولم يحرم إلا بعد أن غادرها لم ينفعه الوقوف.
      قوله: «ولو لحظة» ، يحتمل أنه إشارة خلاف، ويحتمل أنه للمبالغة، وأنه لو وقف ولو أدنى وقفة، وهذا هو الأقرب.
      قوله: «من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر» ، أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أن وقت الوقوف يبدأ من فجر يوم عرفة، وهذا من مفردات مذهب الإمام أحمد، وجمهور العلماء على أن وقت الوقوف يبدأ من الزوال فقط هو رواية عن الإمام أحمد.
      وحُجة الإمام أحمد في المشهور عنه ـ رحمه الله ـ: حديث عروة بن مضرس ـ رضي الله عنه ـ أنه وافى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مزدلفة لصلاة الصبح، وأخبره ما صنع، وأنه أتعب نفسه، وأكلَّ راحلته ولم يدع جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه»[(292)].
      الشاهد قوله: «ليلاً أو نهاراً» ، ولم يقيده بما بعد الزوال. ومن المعلوم أن المراد بالليل هنا ليلة العيد، لأنه وافاه في صلاة الفجر، وأما نهاراً فمن المعلوم أنه التاسع، وإذا أخذنا بعموم الليل أخذنا بعموم النهار، فيكون وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة، وخصه بطلوع الفجر؛ لأن اليوم الشرعي يبتدئ من طلوع الفجر.
      وحجة الجمهور أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقف قبل الزوال[(293)]، وقال: «خذوا عني مناسككم»[(294)]، وعليه فيحمل قوله لعروة بن مضرس: «وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً» على كونه مطلقاً يقيد بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما أن قوله فقد تم حجه مقيد بما إذا فعل ما بقي من أركان الحج وواجباته، فصار الحديث ليس على ظاهره وإطلاقه وهذا قوي جداً.
      ولا شك أن هذا القول أحوط من القول بأن النهار في هذا الحديث يشمل ما قبل الزوال.
      قوله: «وهو أهل له صح حجّه» ، أي: للحج، وجملة «وهو أهل له» حال من فاعل «وقف» ، أي: والحال أنه أهل للحج، والذي هو أهل للحج هو من يلي:
      أولاً : المسلم، فلا بد أن يكون مسلماً، فغير المسلم ليس أهلاً للحج، وعلى هذا فلو كان لا يصلي ووقف بعرفة وبعد الدفع منها وهو حاج، مَنَّ الله عليه فصلى فلا يصح حجه؛ لأنه حين الوقوف ليس أهلاً للحج ما لم يجدد إحرامه ويرجع فيقف قبل فوات الوقوف.
      ثانياً : أن يكون محرماً، لأن غير المحرم ليس أهلاً للحج، ولم يكن في إحرام حتى يصح منه الوقوف.
      ثالثاً : أن يكون عاقلاً، فإن كان مجنوناً لم يصح وقوفه.
      رابعاً : أن لا يكون سكراناً.
      خامساً : أن لا يكون مغمًى عليه.
      فلا بد من خمسة أوصاف: ثلاثة ثبوتية، واثنان سلبيان.
      مثال المغمى عليه: أن يحصل له حادث وهو متجه إلى عرفة، فأغمي عليه، قبل أن يصل إلى عرفة، وبقي مغمى عليه حتى انصرف الناس وانصرفوا به.
      فنقول: هذا الرجل لم يصح وقوفه؛ لأنه مغمى عليه، ونقول: إنه فاته الحج، فإذا أفاق تحلل بعمرة، ثم قضاه إذا كان فرضاً من العام القادم، هذا هو المشهور من المذهب، والقول الثاني أن وقوفه صحيح؛ لأن عقله باق لم يزل وهذا هو الراجح.
      قوله: «وإلا فلا» أصلها إن لا «إن» هذه شرطية، و «لا» نافية، وفعل الشرط محذوف وليست إلا استثنائية، بل هي مركبة من حرفين «إن» و«لا» لكن أدغم أحدهما في الآخر، والتقدير وإن لا يكن الأمر كذلك فلا، أي: فلا يصح حجه.
      وفي قوله: «وإلا» ثلاثة أشياء وهي:
      الأول : ألاَّ يقف.
      الثاني : ألاَّ يقف في زمن الوقوف.
      الثالث : أن يقف وهو غير أهل للحج؛ لأنه قال: «وهو أهل له» .

      وَمَنْ وَقَفَ نَهَاراً وَدَفَع قَبلَ الغُروب وَلَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَمَنْ وَقَفَ لَيْلاً فَقَطْ فَلاَ،.
      قوله: «ومن وقف نهاراً ودفع قبل الغروب ولم يعد قبله فعليه دم» ، أفادنا ـ رحمه الله ـ أنه إذا وقف نهاراً ثم دفع قبل الغروب نظرت، فإن عاد إليها قبل الغروب إما ندماً أو علم بعد جهله أو ذكر بعد نسيانه فلا دم عليه، وإن غابت الشمس قبل أن يعود فعليه دم؛ لأنه ترك الواجب، وهو الوقوف بعرفة إلى الغروب لمخالفة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «خذوا عني مناسككم» ، ولموافقته هدي المشركين إن دفع قبل الغروب.
      وقوله: «ولم يعد قبله» ، ظاهره أنه لو عاد بعد الغروب فعليه دم، مع أن ما بعد الغروب وقت للوقوف، وهذا أحد القولين في المذهب، لكن فيه شيء من مخالفة القواعد؛ لأنه إذا عاد بعد الغروب فقد عاد في وقت الوقوف، فمقتضى القياس أنه لا شيء عليه، كما لو عاد قبل الغروب.
      والمشهور من المذهب طرد هذه المسألة، أي: أن من رجع قبل أن يطلع الفجر، فليس عليه شيء؛ لأنه رجع في وقت الوقوف.
      وذهب بعض العلماء: أنه يلزمه الدم بمجرد الدفع قبل الغروب، سواء رجع أم لم يرجع، لأنه دفع منهي عنه فحصلت المخالفة بذلك، فيلزمه الدم.
      ولا شك أن هذا القول، أو المذهب هو المطرد، وكلام المؤلف فيه شيء من التناقض؛ لأنه إذا رجع بعد الغروب فقد رجع في وقت الوقوف، فأي فرق بينه وبين من رجع قبل الغروب؟!
      ولو قيل بالقول الثالث الذي يلزمه الدم إذا دفع قبل الغروب مطلقاً، إلا إذا كان جاهلاً ثم نبه فرجع ولو بعد الغروب فلا دم عليه، لكان له وجه؛ وذلك لأنه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمد المخالفة فيلزمه الدم بالمخالفة، ورجوعه بعد أن لزمه الدم بالمخالفة لا يؤثر شيئاً، أما إذا كان جاهلاً ودفع قبل الغروب، ثم قيل له: إن هذا لا يجوز فرجع ولو بعد الغروب، فإنه ليس عليه دم، وهذا أقرب إلى القواعد مما ذهب إليه المؤلف.
      قوله: «ومن وقف ليلاً فقط فلا» أي دون النهار، بأن لم يأت إلى عرفة إلا بعد غروب الشمس، فإنه يجزئه؛ ولا دم عليه لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه»[(295)].

      ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الغُرُوبِ إِلَى مُزْدَلفَةَ بِسَكِيْنةٍ وَيُسْرِعُ فِي الفَجْوَةِ، وَيَجْمَعُ بِهَا بَيْنَ العِشَاءَين وَيَبيِتُ بِهَا،...........
      قوله: «ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة بسكينة» ، بعد أن يتأكد من غروب الشمس، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «دفع بعد الغروب وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع صلّى الله عليه وسلّم بسكينة، وقد شنق الزمام لناقته حتى إن رأسها من شدة الشنق ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة»[(296)]، «فإن البر ليس بالإيضاع» [(297)]، ومن عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وربما من قبل، كان الناس إذا نفروا أسرعوا، وللإسراع في ذلك الوقت وجه؛ لأن الدروب وعرة، والليل قد أسدل ظلامه، فكانوا يحرصون على السرعة من أجل مبادرة الوقت، بل قد كانوا في الجاهلية يدفعون قبل أن تغرب الشمس إذا صارت الشمس على الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال دفعوا اغتناماً لضوء النهار.
      ومزدلفة هي المشعر الحرام بين عرفة ومنى، سميت بذلك لأنها أقرب المشعرين إلى الكعبة، ولقبت بالمشعر الحرام لإخراج المشعر الحلال وهو عرفة، وتسمى «جمعاً» لاجتماع الناس فيها، ففي الجاهلية لا يجتمع الحجاج جميعاً، إلا في مزدلفة؛ لأن عرفة يتخلف عنها قريش، والسكينة هنا الهدوء والرفق.
      قوله: «ويسرع في الفجوة» ، أي: إذا أتى متسعاً أسرع؛ لأن ذلك أرفق به حتى يصل إلى مزدلفة مبكراً، وكان من هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في دفعه أنه إذا وجد فجوة نص، أي: أسرع كما أنه إذا أتى حبلاً من الحبال أرخى لناقته قليلاً من أجل أن تصعد، لأن الناقة إذا شُدَّ زمامها شق عليها الصعود، فإذا أرخى لها سهل عليها الصعود، وفي مراعاة النبي صلّى الله عليه وسلّم ناقته في السير دليل على حسن رعايته حتى للبهائم وأنه ينبغي الاقتداء به في ذلك.
      قوله: «ويجمع بها بين العشاءين» ، أي: إذا وصل إلى مزدلفة، ولا يصل إلى مزدلفة إذا دفع بصفة دفع الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلا بعد دخول وقت العشاء.
      ولهذا كان جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم في مزدلفة جمع تأخير؛ لأنه في أقصى عرفة من جهة الشرق، وسيمر بجميع عرفة وهي واسعة، ويمر بالطريق الذي بينها وبين مزدلفة، ثم إنه صلّى الله عليه وسلّم نزل في الشعب شعب المأزمين، وبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، وقال له أسامة: الصلاة يا رسول الله، قال: «الصلاة أمامك» ، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً، فلهذا كان وصوله إلى مزدلفة بعد دخول صلاة العشاء[(29].
      فإن قال قائل: هل يسن أن ينزل الإنسان في أثناء الطريق وفي المكان الذي نزل فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إن كان سار فيه ويبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً أو لا؟
      فالجواب: لا؛ لأن هذا وقع اتفاقاً بمقتضى الطبيعة، والظاهر أنه لو احتاج إلى أن يبول في غير هذا المكان لنزل فيه، ولو لم يحتج لم ينزل.
      والدليل على هذا: أنه صلّى الله عليه وسلّم لما وصل إلى مزدلفة ووقف صلى المغرب قبل حط الرحال ثم بعد صلاة المغرب حطوا رحالهم، ثم صلوا العشاء[(299)]، فهذا دليل على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم ينزل هناك تعبداً ولكن اتفاقاً.
      مسألة: لو صلى المغرب والعشاء في الطريق فما الحكم؟
      الجواب: ذهب ابن حزم إلى أنه لو صلى في الطريق لم يجزئه لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأسامة: «الصلاة أمامك»[(300)].
      وذهب الجمهور: إلى أنه لو صلى في الطريق لأجزأه.
      لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»[(301)].
      وأما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأسامة: «الصلاة أمامك» ، فوجهه أنه لو وقف ليصلي وقف الناس، ولو أوقفهم في هذا المكان وهم مشرئبون إلى أن يصلوا إلى مزدلفة، لكان في ذلك مشقة عليهم ربما لا تحتمل؛ فكان هديه ـ عليه الصلاة والسلام ـ هدي رفق وتيسير، لكن لو أن أحداً صلى، فإن صلاته تصح؛ لعموم الحديث: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ، وهذا هو الصحيح.
      مسألة: لو خشي خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإنه يجب عليه أن يصلي في الطريق، فينزل ويصلي، فإن لم يمكنه النزول للصلاة، فإنه يصلي ولو على السيارة؛ لأنه ربما يكون السير ضعيفاً لا يمكنه أن يصل معه إلى مزدلفة قبل منتصف الليل، ولا يمكن أن ينزل ويصلي، لأن السير غير واقف، ففي هذه الحال إذا اضطر أن يصلي في السيارة فليصل، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى على راحلته[(302)] في يوم من الأيام حينما كانت السماء تمطر والأرض تسيل للضرورة، وعليه أن يأتي بما يمكنه من الشروط والأركان والواجبات.
      مسألة: هل نقول الآن: إنك إذا وصلت مبكراً قبل دخول العشاء فصل المغرب ثم صل العشاء في وقتها؟ نقول: نعم، إذا تيسر هذا فهو أولى، لكن في الوقت الحاضر لا يتيسر ذلك للزحام الشديد، واشتباه الأماكن، فالإنسان ربما ينطلق أمتاراً قليلة عن مقره ثم يضيع، فإذا ضاع تعب هو وتعب أصحابه، فالذي أري من باب الرفق بالناس ـ والله يريد بنا اليسر ـ أنه متى وصلوا إلى مزدلفة صلوا المغرب والعشاء جمعاً، وإن كنت قد ذكرت في المنهج[(303)] التفصيل، أنهم إن وصلوا مبكرين صلوا المغرب في وقتها والعشاء في وقتها، استناداً إلى حديث عبد الله بن مسعود[(304)] ـ رضي الله عنه ـ وإلى المعنى الذي من أجله جاز الجمع.
      قوله: «ويبيت بها» ظاهر كلام المؤلف أنه يبيت بها وجوباً بدليل ما يأتي، وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في حكم المبيت في مزدلفة.
      فقال بعض العلماء: هو سنة.
      وقال بعض العلماء: واجب يجبر بدم[(305)].
      وقال بعض العلماء: ركن كالوقوف بعرفة؛ لأن الله نص عليه وقال: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم سوّاها بعرفة حينما قال: «وقفت هاهنا وجمع كلها موقف»[(306)].
      ولكن القول الوسط أحسن الأقوال أنه واجب يجبر بدم وهو المذهب.

      وَلَهُ الدَّفْعُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيلِ وَقَبْلَهُ فِيْهِ دَمٌ، كَوْصُولِهِ إِلَيْهَا بَعْدَ الفَجْرِ، لاَ قَبْلَه ...
      قوله: «وله الدفع بعد نصف الليل» «له» الضمير يعود على الحاج مطلقاً، قوياً كان أو ضعيفاً، رجلاً كان أو امرأة له الدفع بعد نصف الليل، والمراد نصف الليل الشرعي وهو نصف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر.
      والدليل: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة ليلاً[(307)]، قالوا: فإذا انتصف الليل فقد أمضى أكثر الليل في مزدلفة والمعظم ملحق بالكل في كثير من مسائل العلم، وإذا أمضى أكثر الليل أجزأه، ولكن في هذا الحكم نظراً؛ لأنه لا يطابق الدليل.
      فالدليل هو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعث الضعفة من أهله بليل، وفي بعض الروايات: سحراً[(30]، وكلمة «ليل» تصدق على النصف الأول، وعلى النصف الثاني والسحر، وتعيينها بما بعد النصف يحتاج إلى دليل.
      ومن المعلوم أننا لو أخذنا بظاهر اللفظ لقلنا: يجوز الدفع قبل منتصف الليل؛ لأنه دفع بليل، وهذا لا يقول به المؤلف رحمه الله.
      ثم إذا قلنا: الواجب المبيت معظم الليل، فإن نصف الليل ليس هو معظم الليل؛ لأن الناس دفعوا من عرفة بعد غروب الشمس، والمسير من عرفة إلى مزدلفة يحتاج إلى ساعة ونصف أو ساعتين، ومن ثم كان من فقه أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أنها كانت تنتظر حتى إذا غاب القمر دفعت[(309)] وغروب القمر يكون في الليلة العاشرة بعد مضي ثلثي الليل تقريباً وقد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً، وكأنها ـ رضي الله عنها ـ اعتبرت نصف الليل، لكن اعتبرت النصف من نزول الناس في مزدلفة، ونزول الناس في مزدلفة إذا اعتبرنا النصف، فإنه يزيد على النصف الحقيقي الذي هو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، بنحو هذا المقدار الذي اعتبرته أسماء وهو غروب القمر، وهذا هو الصحيح أن المعتبر غروب القمر، وإن شئت فقل: إن المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر الليل، ولكن يؤخذ من الليل المسافة ما بين الدفع من عرفة إلى وصول مزدلفة، فيكون ما ذهبت إليه أسماء ـ رضي الله عنها ـ هو المطابق لمعظم الليل.
      قوله: «وقبله فيه دم» ، قال في الروض: «سواء كان عالماً بالحكم، أو جاهلاً، عامداً أو ناسياً» .
      أي: إذا دفع قبل منتصف الليل فعليه دم بكل حال؛ لأنه ترك واجباً، وهذا الدم دم جبران، يتصدق به جميعه على الفقراء في مكة.
      وقوله: «وقبله فيه دم» خلافاً لمن قال إنه يكفي أن يصلي المغرب والعشاء وينصرف؛ لأنه صدق عليه أنه ذكر اسم الله ـ عزّ وجل ـ عند المشعر الحرام، والله ـ عزّ وجل ـ يقول {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، وقد حصل فإن الصلاة من أعظم الذكر، ولكن الصواب ما تقدم.
      قوله: «كوصوله إليها بعد الفجر، لا قبله» ، أي: كوصوله إلى مزدلفة بعد الفجر، فإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر ولو بلحظة لزمه دم؛ لأنه لم يبت بها.
      ولكن ظاهر حديث عروة بن مضرس ـ رضي الله عنه ـ، أن من أدرك صلاة الفجر في مزدلفة على الوقت الذي صلى فيه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقتضي أنه لا شيء عليه؛ لقوله: «من شهد صلاتنا هذه»[(310)]، والإشارة «هذه» تفيد أنه لا بد أن تكون الصلاة في أول الوقت؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صلى الفجر في أول وقتها.
      وقوله: «لا قبله» ، أي: لا إن وصل إليها قبل الفجر، ولو بعد نصف الليل، فإنه لا شيء عليه.
      والخلاصة على المذهب:
      أنه إذا دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل فعليه دم.
      وإذا دفع بعد منتصف الليل فلا شيء عليه.
      وإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم.
      وإذا وصل إليها بعد منتصف الليل فلا شيء عليه.
      ولكن قلنا: إن ظاهر حديث عروة بن مضرس يقتضي أن من أدرك صلاة الفجر في أول وقتها فإنه يجزئه ولا دم عليه.
      مسائل : ـ
      الأولى : بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وبعد صلاة الفجر أيضاً حصرهم الزحام، فما الحكم؟
      الجواب: على المذهب يجب عليهم دم، لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة، وهو من الواجبات، والقاعدة عندهم أن من ترك واجباً فعليه دم.
      وقال بعض العلماء: إن هؤلاء أحصروا إكراهاً، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر، لذلك إذا أحصروا في هذه الحال، ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر وذهاب وقت الصلاة، فإنهم يكونون كالذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها، فيقضونها بعد الوقت، وهذا القول أقرب إلى الصواب.
      فيقال: من حصر عن الوصول إليها، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر ومضي قدر الصلاة، أو بعد طلوع الشمس، فإنه يقف ولو قليلاً ثم يستمر؛ وذلك لأنه يشبه الصلاة إذا فاتت لعذر فإنه يقضيها.
      ولو قيل أيضاً: بأنه يسقط الوقوف؛ لأنه فات وقته لم يكن بعيداً، فالراجح أنه لا يلزم بدم؛ لأنه ترك هذا الواجب عجزاً عنه.
      الثانية: هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر والصلاة أم السنة النوم؟
      الجواب: السنة النوم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم اضطجع حتى طلع الصبح[(311)].
      وهل يصلي الوتر في تلك الليلة؟
      الجواب: لم يذكر في حديث جابر[(312)] ولا غيره فيما نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوتر تلك الليلة، لكن الأصل أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، فنقول: إنه يوتر تلك الليلة، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم، ولو تركه تلك الليلة لنقل؛ لأنه لو تركه لكان شرعاً، والشرع لا بد أن يحفظ وينقل، وكذلك يقال في سنة الفجر في مزدلفة، فجابر ـ رضي الله عنه ـ يقول: فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ولم يذكر سنة الفجر مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدعها حضراً ولا سفراً.
      الثالثة: إذا لم يستطع الإنسان أن ينام في مزدلفة ليلة العيد بسبب إزعاج السيارات ـ مثلاً ـ هل له أن يشتغل بالذكر والدعاء والصلاة؟
      نقول له: اذكر الله وأنت على فراشك، وأما الصلاة فإن كان لا يراه أحد فلا بأس، وإن كان يرى فلا؛ لأنه لو رآه أحد وهي ليلة مباركة اقتدى به، ولا يعلم أنه معذور ولا سيما إذا كان طالب علم ومحل اقتداء.
      الرابعة: الدفع في آخر الليل، هل يختص بأهل الأعذار أو هو عام؟
      الجواب: قال بعض العلماء: إنه يختص بأهل الأعذار من الضعفاء كالنساء ونحوهن.
      وقال بعضهم: هو جائز مطلقاً لأهل الأعذار وغيرهم.
      حجة الأول:
      أولاً : أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أقام في مزدلفة حتى صلى الفجر، وأسفر جداً، وقال: «خذوا عني مناسككم»[(313)].
      ثانياً : أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ تمنت أنها استأذنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن تدفع قبل الفجر كما استأذنت سودة، وأنها لو استأذنت لكان أشد من مفروح به[(314)]، أي: تبالغ في أنها لو فعلت لأحبت ذلك.
      ولم نعلم للثاني حجة مستقيمة.
      الخامسة: لو قائل قائل: لماذا لم يؤخر النبي صلّى الله عليه وسلّم أهله معه، وإذا وصلوا إلى منى انتظروا إلى أن يخف الزحام؟
      فالجواب: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك لأجل أن ينال هؤلاء الذين انصرفوا من قبل فرحهم بالعيد والتحلل من أول النهار؛ لأننا إذا قلنا اذهبوا إلى منى وانتظروا حتى يخف الزحام ربما لا يخف حتى الظهر فيتأخر حلهم، ولا يتم فرحهم بالعيد، فهذه هي الحكمة.

      تعليق


      • #4
        رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


        فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَتَى المَشْعَر الحَرام فَيَرْقَاه، أَوْ يَقِفُ عَنْدَه، وَيَحْمَدُ اللهَ، وَيُكَبِّرهُ، وَيَقْرَأُ: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}} الآيَتَيْنِ ويَدْعُو حَتَّى يُسْفِرَ،...........
        قوله: «فإذا صلى الصبح» ، لم يبين متى تكون هذه الصلاة، لكن قد ثبت في السنة أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صلاها حين تبين له الصبح، ولم يتأخر، فصلاها بغلس[(315)].
        قوله: «أتى المشعر الحرام» ، والمشعر الحرام جبل صغير معروف في مزدلفة، وعليه المسجد المبني الآن، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ركب ناقته، ووقف عند المشعر الحرام راكباً، لكنه قال: «وقفت هاهنا وجمع كلها موقف»[(316)]، جمع أي: مزدلفة، وسميت جمعاً؛ لأن الناس في الجاهلية يجتمعون فيها كلهم، وفي عرفات لا تجتمع قريش مع غيرهم؛ لأنهم يقفون في مزدلفة لا يخرجون إلى عرفة؛ لأن عرفة من الحل، فمن أجل هذا سميت جمعاً؛ لأنها تجمع الناس كلهم.
        وقوله: «المشعر الحرام» وصف بالحرام؛ لأن هناك مشعراً حلالاً وهو عرفات، ففي الحج مشعران: حلال، وحرام.
        فالمشعر الحرام مزدلفة، والمشعر الحلال عرفة.
        ووصف بالحرام؛ لأنه داخل حدود الحرم.
        قوله: «فيرقاه» ، أي: يرقى هذا المشعر، وهو جبل صغير كما قلنا.
        قوله: «أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره» ، لقوله تعالى: {{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ويحمد الله، ويكبره، ويدعو الله ـ عزّ وجل ـ رافعاً يديه إلى أن يسفر جداً، ويكون مستقبل القبلة.
        قوله: «ويقرأ: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}} الآيتين» . وقراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سنة، لكنها مناسبة؛ لأن الإنسان يذكر نفسه بما أمر الله به في كتابه.
        وكأن الفقهاء قاسوا هذه المسألة على مسألة {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصفا عند ابتداء السعي قرأ: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}}، وحين تقدم إلى مقام إبراهيم قرأ: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}}[(317)].
        قوله: «ويدعو حتى يسفر» ، يعني يدخل في سفر الصبح بحيث يتبين الضوء، ويرى الناس بعضهم بعضاً، ثم ينطلق قبل أن تطلع الشمس، لحديث جابر ـ رضي الله عنه ـ حتى أسفر جداً فيدفع قبل أن تطلع الشمس، فإذا أسفر سار قبل طلوع الشمس بسكينة[(31] خلافاً لأهل الجاهلية، فأهل الجاهلية لا يدفعون من مزدلفة إلا إذا طلعت الشمس، وكان من عباراتهم الموروثة: أشرِقْ ثبير كيما نغير.
        وثبير: جبل معروف هناك؛ كان رفيعاً تتبين به الشمس قبل غيره مما حوله من الجبال، وكانوا يرقبون هذا الجبل فإذا أشرق دفعوا[(319)].
        فأهل الجاهلية يبادرون الإسفار في أول الليل، وفي آخره؛ لأنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ويدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس، أما الرسول صلّى الله عليه وسلّم فخالفهم في الوقتين، فبقي في عرفة حتى غربت الشمس ودفع من مزدلفة قبل طلوعها.
        مسألة: من انصرف من مزدلفة قبل الفجر، فهل يشرع له أن يدعو عند المشعر الحرام؟
        الجواب: نعم، فقد كان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ يرسل أهله فيذكرون الله عند المشعر الحرام، ثم يأمرهم بالانصراف قبل الفجر[(320)].

        فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّراً أَسَرَعَ رَمْيَةَ حَجَرٍ وَأَخَذَ الحَصَى وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ بَيْنَ الحمَّصِ والبُنْدُقِ،
        قوله: «فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر» .
        ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرك ناقته حين بلغ محسراً فيسرع[(321)]؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيه، وقد قال الله تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}} [الأحزاب: 21] ومحسر بطن واد عظيم سُمي بذلك؛ لأنه يحسر سالكه، أي: يعيقه، لأن الوادي الذي هو مجرى السيل يكون في الغالب رملياً ويعيق سالكه؛ ولهذا سمي مُحسِّراً، وبهذا نعرف أن بين المشاعر أودية.
        فبين المشعر الحرام والمشعر الحلال واد، وهو وادي عرنة، وبين المشعرين الحرامين منى ومزدلفة واد، وهو وادي محسر.
        واختلف العلماء في سبب الإسراع، فقال بعضهم: أسرع؛ لأن بطن الوادي يكون ليناً يحتاج أن يحرك الإنسان بعيره؛ لأن مشي البعير على الأرض الصلبة، أسرع من مشيه على الأرض الرخوة، فحرك من أجل أن يتساوى سيرها في الأرض الصلبة وسيرها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحظ هنا هو مصلحة السير فقط.
        وقيل: أسرع؛ لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، فينبغي أن يسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مر بأراضي العذاب أن يسرع، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم: حين مر بديار ثمود في غزوة تبوك زجر الناقة ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقنّع رأسه وأسرع، وبعض الناس يتخذ اليوم هذه الأماكن أعني ديار ثمود سياحة ونزهة ـ والعياذ بالله ـ مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيها، وقال: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم»[(322)]، ففي عملهم خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا دخل على هؤلاء بهذه الصفة فقلبه يكون غير لين خاشع، فيكون قاسياً مع مشاهدته آثار العذاب، وحينئذٍ يصيبه ما أصابهم من التكذيب والتولي، هذا معنى الحديث، وليس المراد أن يصيبكم العذاب الرجز الحسي، فقد يراد به العذاب والرجز المعنوي، وهو أن يقسو قلب الإنسان، فيكذب بالخبر، ويتولى عن الأمر.
        والذين يذهبون إلى النزهة أو للتفرج، الظاهر أنهم للضحك أقرب منهم للبكاء، فنسأل الله لنا ولهم العبرة والهداية.
        وتعليل إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم في وادي محسر بذلك؛ فيه نظر لأن أصحاب الفيل لم يهلكوا هنا، بل في مكان يقال له المُغَمَّسُ حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:
        حبس الفيل بالمُغَمَّسِ حتى
        ظل يحبو كأنه مكسور
        وقال بعض العلماء: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم.
        فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة وفي الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقرب التعاليل، ولهذا قال الله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ}} [البقرة: 198] ، ثم قال: {{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}}.
        وقوله: «أسرع رمية حجر» ، رمية حجر كيف قياسها؟ لأن الحجر قد يكون كبيراً، فإذا رميت به لم يذهب بعيداً، وقد يكون الرامي ضعيفاً، فإذا رمى بالحجر الصغير لم يذهب بعيداً؛ ولكن قال بعضهم: مقدار خمسمائة ذراع، والذراع نصف المتر تقريباً.
        والظاهر أنه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأن الإنسان محبوس بالسيارات فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، وربما ينحبس في نفس المكان يحبس فيعجز أن يمشي، ولكن نقول: هذا شيء بغير اختيار الإنسان، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يثيبه على ما فاته من الأجر والثواب.
        قوله: «وأخذ الحصى» ، ظاهر كلام المؤلف: أنه يأخذه من وادي محسر أو من بعده، لأنه قال: «فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر وأخذ» ، فعلى هذا يأخذه بعد أن يتجاوز محسراً في طريقه.
        والذي يظهر لي من السنة أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخذ الحصى من عند الجمرة، لأنه «أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى، وهو واقف يقول للناس: بأمثال هؤلاء فارموا»[(323)]، وأما أخذه من مزدلفة، فليس بمستحب، وإنما استحبه بعض المتقدمين من التابعين؛ لأجل أن يبدأ برمي جمرة العقبة من حين أن يصل إلى منى؛ لأن رمي جمرة العقبة هو تحية منى، ويُفعل قبل كل شيء حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم رمى وهو على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله، وينزل رحله، والناس لا يتيسر لهم أن يقولوا لأحد منهم القط لنا الحصى، وهم على إبلهم، ولكن كثيراً من الخلق يظنون أنه يجب أن يكون الحَصَى من مزدلفة وجوباً.
        وظاهر كلام المؤلف أنه لا يغسل الحصا، وقال بعض العلماء: إنه يغسله تطهيراً له إن كانت قد أصابته نجاسة، أو تنظيفاً له إن لم تكن أصابته نجاسة.
        والصحيح أن غسله بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يغسله.
        قوله: «وعدده سبعون» بناءً على أنه يتأخر لليوم الثالث من أيام التشريق، فإن لم يتأخر، فأسقط من السبعين واحدة وعشرين تكن تسعاً وأربعين.
        والصحيح أنه لا يأخذ السبعين، ولا تسعاً وأربعين، وإنما يأخذ الحصى كل يوم في يومه من طريقه، وهو ذاهب إلى الجمرة؛ لأن الشيء الذي ليس عليه دليل يكون عدم فعله لا سيما في العبادة هو الدليل، بل لو قال قائل: يأخذ في اليوم الثاني سبع حصيات للجمرة الأولى، وفي طريقه منها إلى الثانية يأخذ سبعاً وفي طريقه من الثانية إلى الثالثة يأخذ سبعاً، لم يكن هذا بعيداً، وأما أن يجمع سبعين حصاة من أول الأمر فهذا ليس بسنة.
        قوله: «بين الحمص والبندق» ، بيَّن المؤلف حجمه، الحمص معروف، والبندق هو بالقدر الذي تضعه بين الإبهام والوسطى من الحصا، ثم ترمي به بالسبابة.

        وَصَلَ إِلى مِنَى، وَهِيَ مِنْ وَادي مُحَسِّرٍ إِلَى جَمْرَةِ العَقَبةِ رَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتَعَاقِبَاتٍ يَرْفَعُ يَدَهُ حَتَى يُرى بَيَاض إِبْطِهِ ويُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَلاَ يُجْزِئ الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا وَلاَ بِهَا ثَانِياً وَلاَ يَقِفُ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهَا، ............
        قوله: «فإذا وصل إلى منى، وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة» ، أي: إذا وصل الحاج إلى منى، ومنى اسم مكان معروف، وسميت بهذا الاسم لكثرة ما يمنى فيها من الدماء، أي: يراق من الدماء، وهي من حيث الإعراب مصروفة، فنقول: إلى منًى بالتنوين، وحدها شرقاً وغرباً من وادي محسر إلى جمرة العقبة.
        وظاهر كلام المؤلف حسب دلالة «مِن» أن الوادي منها، وليس كذلك.
        أما جمرة العقبة فليست منها؛ لأنه قال: «إلى جمرة العقبة» والمعروف في معاني الحروف أن ابتداء الغاية داخل، لا انتهاءها، لكن إذا كانت المسألة من باب الحد، فإن ابتداء الغاية، وانتهاءها لا يدخلان.
        فإذا قلت: لك من هذه الأرض من كذا إلى كذا، فالحد لا يدخل في المحدود لا ابتداء ولا انتهاء، وبهذا يتقرر أن وادي محسر ليس من منى، وأن جمرة العقبة ليست من منى.
        ومن الشمال والجنوب قال العلماء: كل سفوح الجبال الكبيرة ووجوهها التي تتجه إلى منى من منى، وبناءً على هذا تكون منى واسعة جداً، وتسع الحجاج لو أنها نظمت تنظيماً تاماً مبنياً على العدل، لكن يحصل فيها الظلم، فتجد بعض الناس يتخذ مكاناً واسعاً يسع أكثر من حاجته.

        وتوجد مشكلة في الوقت الحاضر، يقول بعض الناس أنا لا أجد أرضاً بمنى إلا بأجرة، فهل يجوز أن يستأجر أرضاً في منى؟
        الجواب: نعم يجوز، والإثم على المؤجر الذي أخذ المال بغير حق، أما المستأجر فلا إثم عليه، ولهذا قال فقهاء الحنابلة ـ رحمهم الله ـ: لا يجوز تأجير بيوت مكة، ولكن إذا لم يجد بيتاً إلا بأجرة دفع الأجرة، والإثم على المؤجر، وبيوت منى وأرضها من باب أولى؛ لأن منى مشعر محدود محصور، فأين يذهب الناس إذا استولى عليها من يقول: أنا لا أنزل فيها الناس إلا بأجرة؟!
        أما مكة فيمكن أن ينزل الإنسان بعيداً، ولكن منى، وعرفة، ومزدلفة مشاعر كالمساجد، لا يجوز لأحد إطلاقاً أن يبني فيها بناء ويؤجره، ولا أن يختط أرضاً ويؤجرها، فإن فُعِلَ فالناس معذورون يبذلون الأجرة، والإثم على الذي أخذها.
        قوله: «رماها بسبع حصيات» اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(324)]؛ لأنه رماها بسبع حصيات، أما لماذا لم تكن خمساً، أو ثلاثاً، أو تسعاً، أو إحدى عشرة حصاة؟
        فالجواب: أن هذا ليس لنا الحق في أن نتكلم فيه، كما أنه ليس لنا الحق أن نقول لماذا كانت الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة؟ ولماذا لم تكن الظهر ستاً، والعصر ستاً، والعشاء ستاً مثلاً؟
        لأن هذا لا تدركه عقولنا، وليس لنا فيه إلا مجرد التعبد.
        قوله: «متعاقبات» ، أي: واحدة بعد الأخرى، فلو رمى السبع جميعاً من شدة الزحام لم تجزه إلا عن واحدة، أما لو رماها جميعاً غير مبال بتعاقبها فإنها لا تجزئ ولا عن واحدة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [(325)]، أي مردود.
        وقوله: «رماها» يفهم منه أنه لو وضع الحصا وضعاً فإنه لا يجزئ، فلا بد من الرمي لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «بأمثال هؤلاء فارموا» [(326)].
        وقوله: «متعاقبات» هل يشترط أن تكون متوالية أو يجوز أن تكون متفرقة؟
        كلام المؤلف يحتمل الوجهين، لكن هي عبادة واحدة والأصل في العبادة المكونة من أجزاء أن تكون أجزاؤها متوالية كالوضوء، إلا أنه إذا تعذرت الموالاة لشدة الزحام فينبغي أن يسقط وجوب الموالاة لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] .
        وقوله: «رماها بسبع حصيات» قد يفهم منه أنه لا بد أن يرمي الشاخص «العمود القائم»، ولكنه غير مراد، بل المقصود أن تقع الحصاة في الحوض، سواءٌ ضربت العمود أم لم تضربه.
        قوله: «يرفع يده حتى يرى بياض إبطه» ، علل صاحب الروض هذا بأنه أعون له على الرمي، وهذا إذا كان الإنسان بعيداً، لكن إذا كان قريباً فلا حاجة إلى الرفع، إذ المقصود هو الرمي، فالإنسان البعيد يحتاج إلى رفع يده حتى يصل الحصا إلى مكانه.
        قوله: «ويكبر مع كل حصاة» ، أي: كلما رمى قال: الله أكبر مع كل حصاة[(327)]، وبهذا تُعرف الحكمة من رمي الجمرات، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»[(32]، فالحكمة إقامة ذكر الله، وتعظيم الله ـ عزّ وجل ـ، وتمام التعبد؛ لأن كون الإنسان يأخذ حصى يرمي به هذا المكان يدل على تمام انقياده، إذ إن النفوس قد لا تنقاد إلى الشيء إلا بعد أن تعرف المعنى الذي من أجله شرع، وأما ما يذكر من أن الرمي هنا إنما هو لإغاظة الشيطان، فإن هذا لا أصل له، إلا أن يكون من حيث عموم العبادة لأن الشيطان يغيظه أن يقوم العبد بطاعة الله، وعلى هذا المفهوم الذي لا أصل له صار بعض العامة إذا أقبل على الجمرة أقبل بانفعال شديد، وغضب شديد محمر العينين يضرب بأكبر حصاة يجدها، وبالنعال، والخشب وربما قال أقوالاً منكرة من السب واللعن لهذه الشعائر.
        قوله: «ولا يجزئ الرمي بغيرها» أي: بغير الحصى، حتى ولو كان ثميناً، قال في الروض: «كجوهر، وذهب، ومعادن» ، لأن المسألة تعبدية، فلو رميت بجوهر، أو بألماس، أو بحديد، أو بخشب أو طين، أو إسمنت، فلا يجزئ، لكن لو كان في كسر الإسمنت حصا لأجزأ الرمي بها.
        قوله: «ولا بها ثانياً» ، أي: لا يجزئ الرمي بها ثانياً بأن ترمى بحصاة رُمِيَ بها، وعللوا بما يلي:
        أولاً : أن الماء المستعمل في الطهارة الواجبة لا يرفع الحدث، وهذه حصاة مستعملة في عبادة واجبة وهي الرمي فلا يجوز أن يرمى بها ثانية، كما لا يجوز أن تتوضأ بالماء المستعمل في طهارة واجبة.
        ثانياً : أن العبد إذا أعتق في كفارة لم يجزئ إعتاقه مرة أخرى، فكذلك الحصاة المرمى بها لا يجزئ الرمي بها مرة أخرى.
        وكلا التعليلين عليل:
        أما الأول فإنه قياس مختلف فيه على مختلف فيه؛ لأن بعض العلماء قال: إن الماء المستعمل في رفع الحدث يجوز استعماله مرة أخرى في رفع الحدث، فكذلك الحصاة المرمي بها وهذا مذهب الشافعي ـ رحمه الله ـ.
        والقياس لا بد فيه أن يتفق الطرفان على حكم الأصل، لأجل أن يلزم أحدهما الآخر بما يقتضيه القياس، أما إذا قال: أنا لا أسلم أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث، بل يرفع الحدث، وحينئذٍ إذا بطل الأصل المقيس عليه بطل المقيس.
        وأما الثاني فنقول: إن العبد إذا أعتق صار حراً، أي: زال عنه وصف العبودية، ولهذا لو قدر أن هذا العبد ارتد ثم ذهب إلى الكفار، ثم حارَبَنَا ثم سبيناه مرة ثانية، عاد رقيقاً وجاز أن يعتق في الكفارة، وأما الحصاة فلم تتغير ذاتاً ولا صفةً بعد الرمي بها فيكون هذا القياس قياساً مع الفارق.
        إذاً القول الراجح أن الحصاة المرمي بها مجزئة، وهذا مع كونه هو الصحيح أرفق بالناس؛ لأنه أحياناً تسقط منك الحصاة، وأنت عند الحوض وتتحرج أن تأخذ مما تحت قدمك، فإذا قلنا بالقول الراجح أمكن الإنسان أن يأخذ من تحت قدمه ويرمي بها.
        وأورد على هذا القول أنه يلزم منه أن يرمي الحجاج كلهم بحصاة واحدة وتجزئ عنهم؟
        وأجيب: أن هذا إيراد غير وارد لتعذر إمكانه، فمن الذي يجلس ينتظر الآخر فالثاني ينتظر الأول، والثالث ينتظر الثاني وهكذا إلى آخر الحجاج؟! فيسقط هذا الإيراد.
        قوله: «ولا يقف» ، أي: بعد رمي الجمرة للدعاء بل ينصرف إلى المنحر، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم[(329)].
        مسألة: من أين يرمي جمرة العقبة؟
        الجواب: يقول الفقهاء: يرمي جمرة العقبة مستقبل القبلة والجمرة عن يمينه وهذا لا يمكن خصوصاً في وقتنا الحاضر، ولا يمكن أن نتصور أن يفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم هكذا، والصواب أن يرميها من بطن الوادي؛ وكانت الجمرة ـ وقد أدركتها ـ في ظهر جبل لاصقة به، لكنه جبل ليس بالرفيع في عقبة، ولهذا تسمى جمرة العقبة يصعد الناس إليها، وكان تحتها واد يمشي معه المطر، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم رمى من بطن الوادي[(330)]، ولم يصعد على الجبل ليرمي من فوقه، وإذا رمى من بطن الوادي، تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه، وقد فعل ذلك عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وقال: «هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة» [(331)]. وهذا في الوقت الحاضر قد يكون صعباً، وقد ذكرنا قاعدة نافعة: أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة مكانها، فإذا أتاها من الشمال، كان أيسر؛ لعدم المانع من جبل أو عقبة، المهم أن ترميها من مكان يكون أيسر لك وأن يقع الحصا في المرمى، فإذا وقعت في المرمى ثم تدحرجت تجزئ؛ لأن الاستقرار ليس بشرط، وإذا وقعت خارج المرمى ثم تدحرجت فيه بغير فعل أحد تجزئ، وإذا ضرب العمود ـ الذي جعل علامة ـ فرجعت الحصاة خارج المرمى لا تجزئ، ولذلك ينبغي للإنسان ألا يشتد في الرمي ويكفي غلبة الظن في أن تقع في المرمى؛ لأن غالب العبادات مبناها على غلبة الظن، ولأن اليقين في عصرنا صعب وهذا من التيسير، والمهم أن تؤديها بخشوع، واستحضار أنك في عبادة، وتكبر الله ـ عزّ وجل ـ.
        قوله: «ويقطع التلبية قبلها» ، يعني التلبية بالحج أو بالحج والعمرة إن كان قارناً، فيقطع قبل الرمي لقول الفضل بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة»[(332)]. وعلى هذا فلا يزال يلبي في الدفع من منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى.
        ويقطع التلبية عند البدء في الرمي؛ لأنه إذا بدأ شرع له ذكر آخر، وهو التكبير.

        تعليق


        • #5
          رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


          وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُجْزِئ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْياً إِنْ كَانَ مَعَهُ، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ وَتُقَصِّرُ مِنْهُ المَرْأَةُ قَدْرَ أنْمُلَةٍ، ...
          قوله: «ويرمي بعد طلوع الشمس» الفاعل الحاج، يرمي بعد طلوع الشمس هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «رمى بعد طلوع الشمس»[(333)].
          مسائل:
          الأولى: من توكل عن غيره في الرمي، فلا بد أن يرمي أولاً سبعاً عن نفسه ثم عن واحد ممن وكله ثم الثاني ثم الثالث، بمعنى أن يميز كل واحد بالسبع، وكان بعض الفقهاء يقولون: لا بد أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه، ثم يعود ويرمي الثلاث عن موكله الأول، ثم يعود ويرمي الثلاث عن موكله الثاني، وهذا ليس عليه دليل واضح فلا نلزم الناس به إذ لو ألزمنا الناس به لحصل مشقة عظيمة.
          الثانية: قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: إذا أراد أن يرمي عن الصبي، فالأفضل أن يجعلها في يد الصبي، ثم يأخذها ويرمي عنه، يعني يحملونهم معهم.
          الثالثة: هل يجوز أن يوكل في الرمي من لم يحج؟
          قال فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ: لا بد أن يكون الوكيل قد حج هذا العام.
          قوله: «ويجزئ بعد نصف الليل» ، أي: يجزئ الرمي بعد نصف ليلة النحر، وظاهر كلام المؤلف أنه يجزئ مطلقاً للقوي والضعيف والذكر والأنثى، وسبق بيان ذلك، وأما من قال: إن العاجز يدفع من مزدلفة في آخر الليل ولكنه لا يرمي حتى تطلع الشمس، فقوله ضعيف لأنه ليس عليه دليل، ولأن أكبر فائدة لمن دفع آخر الليل أن يرمي، ولهذا كان النساء اللاتي يبعث بهن الصحابة في آخر الليل يرمين مع الفجر أو قريباً من الفجر متى وصلوا، فمتى وصل الإنسان فإنه يرمي سواء وصل قبل طلوع الشمس أو بعد طلوعها.
          قوله: «ثم ينحر هدياً إن كان معه» ، عبَّر بالنحر من باب التغليب، أو من باب مراعاة لفظ الحديث حيث قال جابر ـ رضي الله عنه ـ: «ثم انصرف إلى المنحر فنحر»[(334)]، ومن المعلوم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهدى إبلاً[(335)] فمن كان أهدى إبلاً فإننا نقول له: انحر، ومن أهدى بقراً أو أهدى غنماً فإننا نقول له: اذبح، فإن لم يكن معه هدي ذهب واشترى من السوق، ونحره.
          وقوله: «إن كان معه» ، هل كلام المؤلف على ظاهره؟ بمعنى أنه إن كان يحتاج إلى شراء وطلب فإنه يحلق أولاً أو نقول هذا بناء على الغالب؟
          الثاني هو الظاهر وأنه حتى الذي يحتاج إلى شراء، نقول: الأفضل أن تنحر بعد الرمي ثم تحلق، وقد انصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم لما رمى جمرة العقبة إلى رحله فنحر هديه ثم حلق[(336)].
          قوله: «ويحلق أو يقصر من جميع شعره» ، لو قال المؤلف: «ثم يحلق...» لكان أولى حتى نعرف أنه مرتب، ويحلق جميع الشعر وذلك بالموسى وليس بالماكينة حتى ولو كانت على أدنى درجة، فإن ذلك لا يعتبر حلقاً، فالحلق لا بد أن يكون بموسى، والحكمة من حلق الرأس أنه ذل لله ـ عزّ وجل ـ لا للتنظيف؛ ولهذا لم يؤمر به في غير الإحرام، فلم نؤمر بحلق رؤوسنا، وأمرنا بحلق العانة ونتف الإبط للتنظيف، وعليه فيكون حلق الرأس عبادة لله نتقرب به إلى الله ـ عزّ وجل ـ.
          وقوله: «أو يقصر» هنا للتخيير، ولكنه تخيير بين فاضل ومفضول، والفاضل الحلق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة[(337)]، وأتى بحرف العطف دون أن يقول: «اللهم ارحم المقصرين» للدلالة على أن مرتبة التقصير نازلة جداً.
          ولأن الله قدمه في الذكر، فقال تعالى: {{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ}} [الفتح: 27] .
          ويحلق هو بيده، أو يكلف من يحلقه خلافاً لما قاله بعض العلماء: إنه إذا حلق نفسه بنفسه فعل محظوراً، فنقول لم يفعل محظوراً، بل حلق للنسك.
          وأشار المؤلف بقوله: «من جميع شعره» ، إلى أن التقصير لا بد أن يكون شاملاً لرأسه بحيث يظهر لمن رآه أنه مقصر، لا من كل شعرة بعينها، وذكر ذلك خلافاً لما قاله بعض أهل العلم: إنه يكفي أن يقصر من ثلاث شعرات، أو من ربع الرأس، أو ما أشبه ذلك، بل الصواب ما ذكره المؤلف، وهو أنه لا بد أن يقصر من جميع شعره.
          قوله: «وتقصر منه المرأة قدر أنملة» ، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح.
          وإنما كان المشروع للمرأة التقصير؛ لأنها محتاجة إلى التجمل والتزين، والشعر جمال وزينة، وإنما كان الواجب بقدر الأنملة لئلا يجحف برأسها، وهذا يدل على أن الشريعة الإسلامية تراعي حوائج الناس وميولهم، وأنها لا تأتي أبداً بما فيه العسر والحرج ـ والحمد لله ـ.

          ثُم قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ إِلاَّ النِّسَاءَ والحِلاَقُ والتَّقْصِيرُ نُسُكٌ لاَ يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ، وَلاَ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الرَّمْي والنَّحْرِ.
          قوله: «ثم قد حل له كل شيء إلا النساء» ، أي: بعد الحلق المسبوق بالرمي والنحر، حل له كل شيء إلا النساء، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء» [(33]، فعندنا ثلاثة أشياء:
          الرمي، والنحر، والحلق أو التقصير، إذا فعل هذه حلّ من كل شيء إلا النساء وطأً، ومباشرةً، وعقداً، وهذا هو المشهور من المذهب.
          وقيل: وطأ، ومباشرة، لا عقداً وخطبة، وأنه يجوز العقد والخطبة بعد التحلل الأول؛ لأن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إلا النساء» ، فيه احتمال قوي أن المراد الاستمتاع بجماع أو غيره، خاصة وأن من تحلل التحلل الأول لا يطلق عليه أنه محرم إحراماً كاملاً.
          فعلى المذهب لو أن أحداً من الناس رمى، ونحر، وحلق، ثم تزوج قبل أن يطوف بالبيت، فالنكاح محرم وغير صحيح، وهذا ربما يقع في غير هذه الصورة التي ذكرت، فربما يطوف الإنسان طواف الإفاضة على وجه لا يجزئه، ثم يرجع إلى بلده، ويتزوج في هذه المدة، قبل أن يصحح خطأه في الطواف فعلى المذهب لا يصح نكاحه.
          وعلى القول الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الصحيح، أنه يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح.
          وهذا من الأمور التي ينبغي أن يسلك الإنسان فيها الاحتياط، فإذا جاءنا رجل ابتلي وعقد النكاح قبل أن يطوف طواف الإفاضة أو خطب امرأة قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فنقول: لا تعد؛ لأن التحريم وإبطال العقد بعد أن وقع فيه صعوبة، ولكن لو جاءنا يستشير ويقول: هل تفتونني بأن أخطب أو أعقد النكاح وقد حللت التحلل الأول؟
          فنقول له: لا.
          وقوله: «ثم قد حل له كل شيء» ، ظاهره أنه لا يحل هذا الحل إلا بعد الرمي والنحر والحلق أو التقصير؛ أي: فعل الثلاثة، والظاهر أن اشتراط النحر غير مراد وأنه يحل التحلل الأول بدونه والحكمة من ذلك، والله أعلم، أن النحر لا يجب على كل حاج، فلا يجب على المفرد ولا على القارن والمتمتع إذا عدماه، وظاهر كلامه ـ أيضاً ـ أنه لا يحل بمجرد الرمي، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
          فقال بعض العلماء: إنه يحل بالرمي، أي رمي جمرة العقبة، سواء حلق أم لم يحلق وهذا رواية عن الإمام أحمد.
          واستدلوا لذلك بأن الإنسان يقطع التلبية إذا شرع في الرمي، وهذا يعني أن نسكه انتهى، ولكن هذا التعليل فيه نظر لأننا نقول إن المعتمر يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، ومع ذلك لم يشرع في التحلل، وبأنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعليق الحل بالرمي فقط[(339)].
          ولكن الذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد لحديث: «إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء»[(340)]، ولكن الزيادة هذه «حلقتم» في ثبوتها نظر؛ لأن فيها الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف عندهم، ولحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «كنت أطيب النبي صلّى الله عليه وسلّم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» [(341)]، ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي ـ رضي الله عنها&#146>;ـ جعلت الحل ما بين الطواف والذي قبله، والذي قبله هو الرمي والنحر والحلق، لا سيما وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر»[(342)].
          فالاستدلال بحديث عائشة على ظاهره صحيح، ولكن إذا علمنا أن السبب في ذلك أنه حصل خلاف، هل يجوز للمحرم إذا حل التحلل الأول أن يتطيب قبل أن يطوف؟ فأرادت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تبين جواز التطيب قبل الطواف فيكون سبب اقتصارها على الطواف أنه محل الخلاف؛ وذلك أن الطيب مما يعطي النفس نشوة ورغبة في النكاح، والنكاح ممنوع بعد التحلل الأول، فكره بعض السلف أن يتطيب الإنسان قبل أن يطوف بالبيت، فأرادت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تبين أن هذه الكراهة لا وجود لها لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتطيب قبل أن يطوف.
          تنبيه: من لم يتبين له في هذه المسألة الدليل الذي يحصل به رجحان أحد القولين على الآخر، فأيهما أحوط أن نقول: إنه لا يحل حتى يرمي ويحلق، أو نقول إن الأحوط أن يحل بالرمي؟
          قد يكون الأحوط أن نقول بالأول وهو أنه يحل برمي جمرة العقبة، وقد نقول: إن الأحوط الثاني فإذا جامع رجل امرأته بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق، فإن قلنا إنه يحل بالرمي لم يفسد نسكه لأن الوطء وقع بعد التحلل الأول، والوطء لا يفسد النسك إلا إذا كان قبل التحلل الأول، وأيضاً لا نوجب عليه فدية إلا شاة، وإذا قلنا إنه لم يحل ألزمناه ببدنة، فأيهما الأحوط الآن؟
          الجواب: الأحوط أن يتحلل بالرمي، وألا نلزمه بشيء لم يتبين لنا لزومه، ولكن إذا قلنا: إنه لا يتحلل إلا بالرمي والحلق صار أحوط من جهة أننا نمنعه من محظورات الإحرام حتى يحلق.
          ولعلنا نقول: ما دامت المسألة لم تتبين فلنتبع الأسهل، فإن جاءنا رجل يسأل أنه جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق نقول له حجك لم يفسد؛ لأنه ليس عندنا ما نستطيع به أن نجشمه المصاعب بأن نقول: حجك فاسد وعليك أن تمضي فيه وأن تقضيه من العام القادم وأن تفدي فعلك ببدنة، وأما إذا جاء يسأل هل يجوز أن يلبس ويتطيب قبل الحلق؟ قلنا: لا؛ لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة.
          والفقهاء ـ رحمهم الله ـ توسعوا في ذلك، فقالوا: إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول، فلو رمى وحلق، أو رمى وطاف، أو حلق وطاف حل التحلل الأول، مع أن الذي ورد في السنة أنه يحل بالرمي، أو بالرمي مع الحلق، لكنهم قالوا: لما كان طواف الإفاضة مؤثراً في التحلل الثاني فليكن مؤثراً في التحلل الأول، وذلك أنه إذا رمى وحلق وطاف حل التحلل الثاني.
          ولو قال قائل: بأن سائق الهدي يتوقف إحلاله على نحره أيضاً؛ لكان له وجه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر» [(343)].
          قوله: «والحلاق والتقصير نسك» ، أي: أن الحلق والتقصير نسك، وإنما نص على هذا دفعاً لقول من يقول: إنه إطلاق من محظور، وليس نسكاً، وبناءً على هذا ينوب مناب الحلق فعل أي محظور؛ لأن المقصود أن يعلم أنه تحلل من إحرامه، كما قال بعضهم في التسليم في الصلاة: إن المراد فعل ما ينافي الصلاة، وأنه إذا فعل ما ينافي الصلاة فإنه يغني عن التسليم.
          وهذا قول ضعيف، يقول شيخ الإسلام: لو كان الأمر كذلك لكان لا فرق بين حلق الرأس وحلق العانة، على القول بأن محظورات الإحرام تشمل جميع شعور البدن، وصدق رحمه الله تعالى، وعلى القول بأنه إطلاق من محظور، قالوا: يجزئ لو يقص شعرتين أو ثلاثاً فيكفي، وهذه كلها أقوال لا أصل لها يعني ليس لها دليل، والصواب أنه نسك، وعبادة وقربة لله.
          والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلقين، وللمقصرين[(344)] ولا يدعو إلا لشيء مطلوب شرعاً.
          قوله: «لا يلزم بتأخيره دم ولا بتقديمه على الرمي والنحر» أي: لو أخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق، أو عن شهر ذي الحجة، أو أخره إلى ربيع، أو إلى رمضان أو إلى السنة الثانية فليس عليه شيء لكن يبقى عليه التحلل الثاني؛ لأنه لا يمكن أن يتحلل التحلل الثاني حتى يحلق أو يقصر.
          ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسك، وقد قال الله تعالى: {{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}} [البقرة: 197] .
          لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق، أو التقصير، ثم علم فإننا نقول احلق، أو قصر، ولا شيء عليك فيما فعلت من محظورات.
          وقوله: «ولا بتقديمه على الرمي والنحر» ، يعني أنه لو قدم الحلق والتقصير على الرمي والنحر كان جائزاً، فإن قيل: أو ليس الله تعالى قال: {{وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}} [البقرة:196] ؟ فالجواب: بلى، ولكن الآية ليست صريحة في تحريم تقديم الحلق على النحر؛ لأن الله تعالى قال: {{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}} [البقرة:196] ولم يقل حتى تنحروا، وقد بينت السنة جواز تقديمه على النحر.
          فالسنة إذا وصل إلى منى أن يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي، فإن قدم بعضها على بعض فالصحيح أن ذلك جائز، سواء كان لعذر كالجهل والنسيان، أو لغير عذر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كان يسأل في ذلك اليوم عن التقديم والتأخير فيقول: «افعل ولا حرج»[(345)].
          وتأمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «افعل ولا حرج» ، ولم يقل: «لا حرج» فقط، بل قال: «افعل» فعل أمر للمستقبل، أي: أنك إذا فعلت في المستقبل، فلا حرج.
          وقال بعض العلماء المحققين كابن دقيق العيد وغيره: إن هذا إنما يكون لمن كان معذوراً؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: «لم أشعر فظننت أن كذا قبل كذا»، فقال: «افعل ولا حرج»[(346)]، ولكن لما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «افعل ولا حرج» وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: «لا حرج» علم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل وبين الذاكر والعالم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكرة حين أسرع وركع قبل الصف: «زادك الله حرصاً ولا تعد» [(347)]، فلو كان الترتيب بين هذه الأنساك واجباً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم للسائل: لا حرج ولا تعد وهذا الذي قررناه، كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في إرادة اليسر على العباد لا سيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس.
          وأما السعي قبل الطواف، فإن من العلماء من قال: لا يجزئ السعي قبل الطواف؛ لأن الله تعالى قال: {{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}} [الحج] ، فذكر الطواف بالبيت بعد قضاء التفث وإيفاء النذور.
          وأما قوله في الحديث: «سعيت قبل أن أطوف» [(34]، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا حرج، فطعنوا فيه، أو أوَّلوه، وقالوا: المراد بذلك سعي الحج لمن كان قارناً أو مفرداً.
          والصحيح جواز تقديم سعي الحج على طواف الإفاضة والجواب عن المعارض.
          أولاً: بالنسبة للحديث فالحديث صحيح، ولا مطعن فيه، وبالنسبة لتأويله: فإن هذا الرجل لم يسأل عن سعي سبق منذ أيام وإنما سأل عن سعي حصل في ذلك اليوم كما تقتضيه حال السائل.
          وأيضاً فقد علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان سعى بعد طواف القدوم فالسؤال عنه ضرب من اللغو.
          ثانياً: وأما بالنسبة للآية فإن السعي لم يذكر فيها لأنه لا يلزم جميع الناس، فالقارن والمفرد لا سعي عليهما بعد طواف الإفاضة إن كانا فعلاه بعد طواف القدوم، والمتمتع في وجوب السعي عليه في الحج قولان للعلماء وقد سبق.


          تعليق


          • #6
            رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


            فَصْلٌ

            ثُمَّ يُفِيضُ إِلى مَكَّةَ، ويَطُوفُ القَارِنُ والمُفْرِدُ بنِيَّةِ الفَريضَةِ طَوافَ الزِّيارَةِ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيُسَنُّ فِي يَوْمِهِ، وَلَهُ تَأخِيْرُهُ.......
            قوله: «ثم يفيض إلى مكة» ، يفيض مأخوذ من فاض الماء إذا ساح، أي: يفيض الحاج إلى مكة، أي: ينزل الحجاج من منى إلى مكة، في ضحى يوم النحر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أفاض إليها في الضحى[(349)].
            قوله: «ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة» أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أن هذا طواف فرض؛ لقوله: «بنية الفريضة» ، وأنه لا بد من نيته وأنه فرض، وسبق الخلاف في هذه المسألة، وبينا أن الطواف، والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها.
            وقوله: «ويطوف القارن والمفرد» ، أفاد أن المتمتع لا يطوف وليس كذلك، وإنما أراد ـ رحمه الله ـ بالنص على المفرد والقارن دفع ما قيل من أن المفرد والقارن يطوفان للقدوم أولاً إذا لم يكونا دخلا مكة من قبل، ثم يطوفان للزيارة، فيطوفان طوافين:
            الأول للقدوم، والثاني للزيارة، فيلزمهما على هذا طوافان إذا لم يكونا دخلاها من قبل؛ لأنه من الجائز لهما شرعاً أن يذهبا من الميقات رأساً، إلى منى أو إلى عرفة دون أن يطوفا للقدوم بخلاف المتمتع، فالمتمتع لا يتأتى في حقه ذلك؛ لأنه لا بد أن يدخل مكة، ويتم عمرته.
            وما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ هو الصواب، بل المتعين؛ وذلك أنه اجتمع عند المفرد والقارن اللذين لم يدخلا مكة من قبل طواف قدوم وطواف فرض، فاكتفي بطواف الفرض عن طواف القدوم، كما لو دخل الإنسان المسجد وقد أقيمت الصلاة، أو لم تقم وأراد أن يصلي الفريضة، فإن ذلك يجزئ عن تحية المسجد.
            والقياس هنا قياس جلي واضح، ثم إنه لم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه أن أحداً منهم طاف مرتين في يوم العيد، مع أن بعض أصحابه لم يكن دخل مكة، مثل عروة بن مضرس رضي الله عنه[(350)].
            والمذهب أن المتمتع أيضاً يطوف طواف القدوم، لكن يطوف للقدوم بلا رمل، ولا يقال بلا اضطباع؛ لأنه قد حل ولبس ثيابه.
            والصواب خلاف ذلك، وأنه لا طواف للقدوم، لا في حق المفرد والقارن مطلقاً، ولا في حق المتمتع كذلك.
            وقوله: «طواف الزيارة» ، سمي بذلك لأنه يقع بعد رجوع الحجاج من عرفة، وهي من الحل فكان القادم منها كالزائر ويسمى أيضاً طواف الإفاضة لأن الناس يفيضون إليه بعد وقوفهم في عرفة، قال الله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ}} [البقرة: 198] .
            قوله: «وأول وقته بعد نصف ليلة النحر» ، الضمير يعود على طواف الزيارة، أي: أول وقته بعد نصف ليلة النحر، ولكن بشرط أن يسبقه الوقوف بعرفة وبمزدلفة، فلو طاف بعد منتصف ليلة النحر، ثم خرج إلى عرفة ومزدلفة، فإنه لا يجزئه، ولو أن المؤلف ـ رحمه الله ـ قيد ذلك لكان أوضح، على أنه ربما يقال: إن هذا معلوم من قوله في أول الفصل «ثم يفيض» لكن لا بد من ذكره.
            والدليل قول الله تبارك وتعالى: {{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}} [الحج] ، ولا يمكن قضاء التفث، ووفاء النذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة.
            قوله: «ويسن في يومه» ، أي: ويسن طواف الزيارة في يوم العيد اتباعاً لسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: فإنه طاف في يوم العيد[(351)].
            قوله: «وله تأخيره» ، أي: تأخير طواف الإفاضة عن أيام منى، وعن شهر ذي الحجة، وله تأخيره إلى ربيع، وإلى رمضان وإلى عشر سنوات وأكثر؛ لأن المؤلف لم يقيده بزمن فلم يقل له تأخيره إلى كذا.
            ولكن يبقى عليه التحلل الثاني، حتى يطوف، وما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ من أن له تأخيره إلى ما لا نهاية له ضعيف.
            والصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة، إلا إذا كان هناك عذر، كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً، ولا محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة، فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر.
            أما إذا كان لغير عذر، فإنه لا يحل له أن يؤخره، بل يجب أن يبادر به قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة.
            وعُلم من كلام المؤلف أنه لا يجب أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد؛ لقوله: «ويسن في يومه، وله تأخيره» .
            وعُلم منه أيضاً أنه يبقى على حله الأول إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم العيد، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، بل حكي إجماعاً أنه لا يعود حراماً، لو أخره حتى تغرب الشمس من يوم العيد.
            ولكن ذكر في هذا خلاف عن بعض التابعين لحديث ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك: «إن هذا اليوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به» [(352)]. ولكنه لا يعوّل عليه لشذوذه، وعدم عمل الأمة به وقد قيل: إن أول من عمل به عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة، فحكم شرعي لم يعمل به إلا واحد من التابعين، لا يمكن أن يقال: إنه حديث صحيح؛ وذلك أن الأمة لا يمكن أن تخالف مثل هذا الحديث الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله والعمل به، لأنه من المعلوم أنه ليس كل الحجيج يطوفون طواف الإفاضة في يوم العيد.
            ثم إنه إذا انتهى من إحرامه فقد حل، ولا يعود لكونه محرماً إلا إذا عقد إحراماً جديداً، أما مجرد عدم المبادرة بطواف الإفاضة، فإنه لا يمكن أن يكون سبباً لعود التحريم بلا نية؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»[(353)].

            ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ إِنْ كَان مُتَمَتِّعاً، أَوْ غَيْرهُ، وَلَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ القُدُومِ ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ،.........
            قوله: «ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً» ، أي: يسعى بين الصفا والمروة على صفة ما سبق يبدأ بالصفا أولاً، ويختم بالمروة إن كان متمتعاً، والمتمتع هو الذي أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم حلَّ منها، وأحرم بالحج من عامه.
            فيلزمه أن يسعى مطلقاً؛ وذلك لأنه يلزمه طوافان، وسعيان، طواف للعمرة، وطواف للحج، وسعي للعمرة وسعي للحج.
            قوله: «أو غيره» ، أي: غير متمتع، وهو المفرد والقارن.
            قوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، أي: فإن سعى فلا يعيد السعي، لقول جابر ـ رضي الله عنه ـ: «لم يطف النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه بالصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول»[(354)]. ولأنه لا يجب في الحج سعيان، فإن قال قائل: قد أوجبتم طوافين، طواف القدوم وطواف الإفاضة؟ فالجواب: أننا لم نوجب طواف القدوم، بل هو سنة؛ وذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم، وظاهر هذا الحديث أن المتمتع لا يسعى؛ لأن كثيراً من الصحابة تمتعوا؛ لأنهم لم يسوقوا الهدي، وقد أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتمتع، ولكن هذا الظاهر يجب حمله على أن المراد بأصحابه الذين بقوا على إحرامهم لسوقهم الهدي، فهو عام أريد به الخاص، ويدل على هذا ما رواه البخاري من حديثي عائشة[(355)] وابن عباس[(356)] ـ رضي الله عنهم&#146>;ـ، ثم إن نسك العمرة انفصل عن نسك الحج فبينهما حل تام، فكيف يقال: إن السعي الذي قام به المتمتع أولاً يكفي عن سعي الحج، هذا لا يمكن أن يقال به، ثم يقال: لو قلتم إنه سعيُ الحج قُدِّمَ فلا يَصح كيف يقدم سعي الحج قبل الإحرام بالحج؟ وهل يمكن أن يركع الإنسان قبل أن يدخل في الصلاة؟ لا يمكن، وليس لمن قال: إن المتمتع يكفيه سعي واحد إلا ما يفيده ظاهر حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ: «لم يطف النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً الطواف الأول» [(357)]، والإجابة عن هذا سهلة جداً بأن يقال المراد بأصحابه الذي لم يحلوا وكانوا مثله.
            وهذا هو الصحيح أن المتمتع يلزمه سعي للحج، كما يلزمه سعي للعمرة.
            وقوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، يفهم من كلام المؤلف أن القارن والمفرد، يجوز لهما أن يقدما سعي الحج بعد طواف القدوم، ويجوز أن يؤخراه، وكل هذا جائز، ولكن الأفضل ـ والله أعلم ـ أن يقدماه بعد طواف القدوم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدمه.
            على أنه قد يقول قائل: أنا أنازع في هذا الاستدلال؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدمه ليعلم أصحابه كيف يسعون، وعامة أصحابه يحتاجون إلى معرفة السعي؛ لأنهم تمتعوا، فلا يدل تقديمه إياه على وجه قطعي أن الأفضل تقديم السعي للمفرد والقارن بعد طواف القدوم، لكن نجيب عن هذا الإيراد بأن الأصل، في فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سنة، واحتمال أن يكون ذلك من أجل أن يعلم أصحابه وارد، لكن إبقاء النص على ظاهره أولى، ولأنه في الغالب إذا سعى بعد طواف القدوم يكون أسهل؛ لأن الزحام حينئذٍ يكون أخف من الزحام في يوم العيد، وأيام التشريق.
            وقوله: «ولم يكن سعى مع طواف القدوم» ، يفيد بأن تقديم سعي الحج للقارن والمفرد لا يكون إلا إذا وقع بعد طواف القدوم، أريد بهذا لو قدم السعي على طواف القدوم لا يجزئ؛ لأنه لم يكن بعد طواف نسك، وبه نعرف خطأ من أفتى أهل مكة الذين يحرمون بالحج من مكة أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة بنية سعي الحج؛ ووجه الخطأ أن هؤلاء لا قدوم لهم؛ لأن طواف القدوم يشرع لمن يأتي من خارج مكة، وأهل مكة طوافهم ليس طواف قدوم، فلا يجزئهم تقديم السعي وهذه الفتوى وهم لا أساس لها من الأدلة.
            قوله: «ثم قد حل له كل شيء» ، أي: حلَّ للحاج كل شيء، وهذا عام أريد به الخاص، أي: كل شيء حرم عليه بالإحرام، فإنه يحل له إذا طاف طواف الإفاضة، وسعى سعي الحج، إذا كان متمتعاً، أو كان مفرداً، أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم.
            وفي هذا دليل على أن العام ولو كان بلفظ «كل» قد يراد به الخاص، والذي يعين أن المراد به الخاص السياق أو القرينة.
            ومن ذلك قوله تعالى: {{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}} [الأحقاف: 25] ، أي: ريح عاد، فهل دمرت السموات والأرض؟
            الجواب: لا، بل ولا المساكن لم تدمرها، قال تعالى: {{فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}} [الأحقاف: 25] ، فالمراد بـ «كل شيء» ، أي: مما أمرت أن تدمره، أو «كل شيء» مما يتعلق بهؤلاء القوم الذين كذبوا هوداً عليه السلام.
            وقوله: «ثم قد حل له كل شيء» ، أي: حتى النساء، فيمكن للرجل إذا كان أهله معه أن يستمتع بأهله في آخر يوم العيد، بعد أن يرمي، ويحلق أو يقصر، ويطوف ويسعى.
            وهل يمكن أن يستمتع بأهله ليلة العيد؟
            الجواب: على كلام المؤلف، إذا كان يجوز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل فدفع ورمى، وذهب إلى مكة وطاف وسعى، قبل الفجر فيمكن، وخصوصاً في أيامنا هذه حيث المواصلات سهلة، لكن على الذي اخترناه من أنه لا يدفع إلا في آخر الليل فقد يكون هذا متعذراً.

            ثُمَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْرَمَ لِمَا أَحَبَّ وَيَتَضلَّعُ مِنْهُ وَيَدْعُو بِمَا وَرَد،..
            قوله: «ثم يشرب من ماء زمزم» ، ظاهر كلامه أنه يشرب من ماء زمزم بعد السعي، وليس مراداً بل يشرب من ماء زمزم بعد الطواف؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شرب من ماء زمزم بعد الطواف كما يدل عليه حديث جابر[(35]، إذ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسع للحج؛ لأنه سعى مع طواف القدوم.
            مسألة: هل الشرب من ماء زمزم بعد الطواف سنة مقصودة؟
            الجواب : عندي في هذا تردد يعني كونه يقع بعد الطواف، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، ولكن كونه بعد الطواف، يحتمل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعل هذا لأنه أيسر له أو أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عطش بعد الطواف، أو ليستعد للسعي، لكن اشرب فهو خير.
            مسألة: القول بأن يشرع شرب ماء زمزم واقفاً ليس بصواب لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما شرب واقفاً لضيق المكان، فإن الدلو إذا رفع للنبي صلّى الله عليه وسلّم فالمكان واسع ولكنه لو جلس لضاق المكان.
            قوله: «لما أحب» اللام للتعليل، أي: أن ينويه لما أحب، فإذا كان مريضاً وشرب من أجل أن يذهب مرضه فليفعل ويشفى بإذن الله، وإذا كان عطشان وشرب لأجل الري فليفعل ويروى بإذن الله، وإذا كان كثير النسيان فشرب ليقوى حفظه فليفعل، وقد فعل ذلك بعض المحدثين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ماء زمزم لما شرب له»[(359)] ، والحديث حسن، وهذا فيه تردد، أما شربه لإزالة العطش فواضح، ولرفع الجوع واضح، وللمرض واضح، لأن المرض علة بدنية عضوية يمكن أن يزول بشرب زمزم كما يزول العطش والجوع، لكن المسائل المعنوية العقلية، الإنسان يشك في هذا، إلا أن نقول: لا يضرك، انوِ ما تريد، إن كان الحديث يتناوله حصل المقصود، وإلا لم تأثم، لو شربه الفقير للغنى؟ نقول: إذا كنا نتردد في شربه للحفظ فمن باب أولى للغنى، ولو شربه إنسان خطب امرأة وهو بين الرد والإجابة، وشربه لأجل أن يجيبوه إذا أخذنا بالعموم قلنا: «لما شرب له» ، ولكن مثل هذا لا يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراده؛ لأن هذه لا علاقة لها بالبدن الذي يستفيد بالشرب.
            قوله: «ويتضلع منه» ، أي: يملأ بطنه حتى يمتلئ ما بين أضلاعه؛ لأن هذا الماء خير، وقد ورد حديث في ذلك لكن فيه نظر وهو: «أن آية ما بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلعون من ماء زمزم»[(360)] ، لأن المؤمن يؤمن بأنه شفاء، ونافع، والمنافق لا يؤمن بهذا، فالمنافق لا يشرب منه إلا عند الضرورة لدفعها فقط، والمؤمن يتضلع رجاء بركته التي جاءت في الحديث: «ماء زمزم لما شرب له» ، وذلك لأن ماء زمزم ليس عذباً حلواً، بل يميل إلى الملوحة، والإنسان المؤمن لا يشرب من هذا الماء الذي يميل إلى الملوحة إلا إيماناً بما فيه من البركة، فيكون التضلع منه دليلاً على الإيمان.
            قال بعضهم: ويستقبل القبلة، ولكن هذا ضعيف لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم شرب من زمزم ولم يرد عنه أنه استقبل القبلة ولا أنه رفع يديه يدعو بعد ذلك.
            فإن قال قائل: هل يفعل شيئاً آخر كالرش على البدن وعلى الثوب، أو أن يغسل به أثواباً يجعلها لكفنه، كما كان الناس يفعلون ذلك من قبل؟
            فالجواب: لا، فنحن لا نتجاوز في التبرك ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا نتجاوز إليه، فما ثبت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذنا به وإلا فلا.
            قوله: «ويدعو بما ورد» ، أي: إذا شرب من ماء زمزم دعا بما ورد.
            قال في الروض: «يقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورياً، وشبعاً، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك»[(361)]، وقال أيضاً: «يرش على ثوبه، ويستقبل القبلة ويتنفس ثلاثاً»[(362)] ، وهذا أيضاً يحتاج إلى إثبات، لكن التنفس ثلاثاً في الشرب ثبتت به السنة[(363)].

            ثُمَّ يَرْجعُ فيبيتُ بِمِنَى ثَلاَثَ ليالي، فَيرمي الجَمْرَةَ الأولى، وَتَلِي مَسْجِدَ الخِيفِ بِسَبعِ حَصَيَاتٍ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ، وَيَتَأخر قَلِيلاً، ويَدْعُو طَويلاً، ثُمَّ الوُسْطَى مِثْلَهَا،..
            قوله: «ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليالي» ، أي: ثم يرجع من مكة بعد أن يطوف ويسعى فيبيت ثلاث ليالي، هذا إن تأخر، وإن تعجل فليلتين، فيبيت الحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة إن تأخر، وإن تعجل فالحادية عشرة والثانية عشرة.
            قوله: «فيرمي الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف بسبع حصيات ويجعلها عن يساره» .
            صفة الرمي على المذهب: أن يرمي الجمرة الأولى، وتلي مسجد الخيف، وتسمى الجمرة الصغرى، ويجعلها عن يساره حال الرمي بسبع حصيات متعاقبات ويستقبل القبلة، ولا يرمي تلقاء وجهه.
            قوله: «ويتأخر قليلاً ويدعو طويلاً» ، أي: يبعد إلى موضع لا يناله فيه الحصا، ولا يتأذى بالزحام، ويدعو طويلاً مستقبل القبلة، وقد ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه بقدر ما يقرأ سورة البقرة[(364)]، رافعاً يديه.
            قوله: «ثم الوسطى مثلها» لكن يجعلها عن يمينه، والقبلة أمامه على كلام الأصحاب ـ رحمهم الله ـ فيرميها بسبع حصيات متعاقبات.

            تعليق


            • #7
              رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


              ثُمَّ جَمَرَةَ العَقَبَة، وَيَجْعَلُهَا عَن يَمِيِنِه، وَيَستَبْطِنُ الوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا،..
              قوله: «ثم جمرة العقبة، ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي» ، أي: يرميها بسبع حصيات متعاقبات، ويستقبل القبلة، ويرمي من بطن الوادي، ويجعلها عن يمينه كالوسطى.
              ولكن الصحيح خلاف ما ذكره المؤلف، والصحيح أنه يرمي مستقبل القبلة في الأولى والوسطى، ويجعل الجمرة بين يديه، وما ذكره من الصفات مردود بأنه لا دليل عليه.
              أما الثالثة فيرميها من بطن الوادي مستقبل الجمرة، وتكون الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه؛ لأن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ رماها كذلك وقال: «هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة»[(365)] ، يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحينئذ يستثنى من استقبال القبلة في رمي الجمرات جمرة العقبة، وإنما كان الأمر كذلك؛ لأنه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن أن تستقبل القبلة، وترمي جمرة العقبة بحيث تكون بين يديك، لأجل الجبل، لأنها ملاصقة للجبل، وفي هذا دليل واضح على أن المقصود هو استقبال الجمرة، سواء استقبلت القبلة أم لم تستقبلها، لكن في الجمرة الأولى والوسطى يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، أما في العقبة فلا يمكن أن تجمع بين استقبال القبلة واستقبال الجمرة، ولذلك فُضِّل استقبال الجمرة.
              قوله: «ولا يقف عندها» ، أي: لا يقف عند جمرة العقبة فإذا رماها انصرف، وإنما يقف بعد الأولى والوسطى.
              قال بعض العلماء: لأن المكان ضيق، فلو وقف لحصل منه تضييق على الناس وتعب في نفسه.
              وقال بعض العلماء: لأن الدعاء التابع للعبادة يكون في جوف العبادة ولا يكون بعدها، ولذلك دعا بعد الأولى ودعا بعد الوسطى وهذه انتهت بها العبادة؛ وهذا على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية واضح، ولهذا يرى أن الإنسان إذا أراد أن يدعو في الصلاة، فليدع قبل أن يسلم؛ لا بعد أن يسلم، لا في الفريضة، ولا في النافلة.
              وبه نعرف أيضاً أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، وأن آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط كما كان التكبير أيضاً في الطواف في مقدمة الشوط، وعليه فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، وإذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة، والذي نعلل به دون أن يعترض معترض أن نقول هكذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم.

              يَفْعَلُ هَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ مُرَتِّباً فَإِن رَمَاهُ كُلَّهُ فِي الثَّالثِ أجْزَأه، وَيُرتِّبهُ بِنِيَّتِهِ فَإِن أخَّرَهُ عَنْهُ، أَوْ لَمْ يَبِتْ بِهَا، فَعَلَيهِ دَمٌ.
              قوله: «يفعل هذا في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال» يفعل هذا، أي: رمي الجمرات الثلاث، على ما وصف في كل يوم من أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد العيد سميت أيام التشريق لأن الناس يشرقون فيها اللحم أي ينشرونه إذا طلعت الشمس، فتشرق عليه الشمس وييبس ولا يُعفِّن، وقيل: إنها تسمَّى أيام التشريح أيضاً؛ لأن الناس يشرحون فيها اللحم.
              قوله: «بعد الزوال»، أي زوال الشمس ويكون الزوال عند منتصف النهار، وعليه يكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى غروبها، فلا يجزئ الرمي قبل الزوال، ولا يجزئ بعد الغروب؛ لأن ذلك خارج عن اليوم، والدليل على أنه لا يجزئ قبل الزوال ما يلي:
              أولاً : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رمى بعد الزوال»[(366)]، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم»[(367)].
              ثانياً : ولأنه لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما فيه من فعل العبادة في أول وقتها من وجه، ولما فيه من التيسير على العباد من وجه آخر، لأن الرمي في الصباح قبل الزوال أيسر على الأمة من الرمي بعد الزوال؛ لأنه بعد الزوال يشتد الحر ويشق على الناس أن يأتوا من مخيمهم إلى الجمرات، ومع شدة الحر يكون الغم مع الضيق والزحام، فلا يمكن أن يختار النبي صلّى الله عليه وسلّم الأشد ويدع الأخف، فإنه ما خيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً[(36]، فنعلم من هذا أنه لو رمى قبل الزوال صار ذلك إثماً، ولذلك تجنبه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولعل هناك فائدة وهي ابتلاء العباد هل يرمون مع المشقة أو يتقدمون خوف المشقة؟ وليس هذا ببعيد أن يبتلي الله عباده بمثل هذا، ولما فيه من تطويل الوقت من وجه ثالث، فلما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتعمد أن يؤخر حتى تزول الشمس مع أنه أشق على الناس، دل هذا على أنه قبل الزوال لا يجزئ.
              ثالثاً : أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يبادر بالرمي حين تزول الشمس فيرمي قبل أن يصلي الظهر[(369)]، وكأنه يترقب زوال الشمس ليرمي ثم ليصلي الظهر، ولو جاز قبل الزوال لفعله صلّى الله عليه وسلّم، ولو مرة بياناً للجواز، أو فعله بعض الصحابة وأقره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو القول الراجح، أعني القول بمنع الرمي قبل الزوال.
              وقد رخص بعض العلماء في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن يتعجل أن يرمي قبل الزوال، ولكن لا يتعجل إلا بعد الزوال وبعضهم أطلق جواز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ولكن لا وجه لهذا إطلاقاً مع وجود السنة النبوية، فلو قال قائل إن الله يقول: {{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}} [البقرة: 203] ، والأيام تكون في أول النهار وآخر النهار؟
              فالجواب: أن هذا المطلق في القرآن بينته السنة، وليس هذا أول مطلق تبينه السنة، فما دام النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر الله برمي الجمرات في هذا الوقت فإنه لا يجزئ قبله.
              وأما الرمي بعد غروب الشمس فلا يجزئ على المشهور من المذهب، لأنها عبادة نهارية فلا تجزئ في الليل كالصيام.
              وذهب بعض العلماء إلى إجزاء الرمي ليلاً، وقال: إنه لا دليل على التحديد بالغروب؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: حدد أوله بفعله ولم يحدد آخره.
              وقد سئل الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح البخاري فقيل: «رميت بعدما أمسيت ، قال: «لا حرج»[(370)] والمساء يكون آخر النهار، وأول الليل[(371)]، ولما لم يستفصل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل بعدما أمسيت في آخر النهار، أو في أول الليل، علم أن الأمر واسع في هذا.
              ثم إنه لا مانع أن يكون الليل تابعاً للنهار، فالوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، والليل فيه تابع للنهار، فإن وقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر.
              ولهذا نرى أنه إذا كان لا يتيسر للإنسان الرمي في النهار، فله أن يرمي في الليل، وإذا تيسر لكن مع الأذى والمشقة، وفي الليل يكون أيسر له وأكثر طمأنينة، فإنه يرمي في الليل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من المتعلق بزمن العبادة، وما دام أنه ليس هناك دليل صحيح صريح يحدد آخر وقت الرمي، فالأصل عدم ذلك.
              قوله: «مستقبل القبلة مرتباً» ، سبق القول في قوله مستقبل القبلة، والمراد بالترتيب هنا الترتيب في الجمرات أن يرمي الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، ودليله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا عني مناسككم»[(372)]، فإن نكس ورمى العقبة، ثم الوسطى، ثم الأولى صحت الأولى فقط، ووجب عليه أن يرمي الثانية، والثالثة[(373)].
              وقال بعض أهل العلم: إن الترتيب ليس بشرط، لكنه ندب وقال: إن هذا ليس أولى من عدم الترتيب في أنساك يوم العيد، وأنساك يوم العيد لا يشترط فيها الترتيب، وعورض هذا بأن الرمي عبادة واحدة فلا بد أن تفعل كما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، بخلاف أنساك يوم العيد، فإنها عبادات متنوعة، كل عبادة مستقلة عن الأخرى.
              ولكن نقول: ما دام الإنسان في سعة فيجب الترتيب، وأنه لو سألنا في أيام التشريق، فقال: إنه رمى منكساً لسهل علينا أن نقول: اذهب وارم مرتباً، لكن إذا كان الأمر قد فات بفوات أيام التشريق، وجاء وسأل فقال: إني رميت من غير أن أعلم فبدأت بجمرة العقبة، فلا بأس بإفتائه بأن رميه صحيح؛ لأنه ليس هناك قول عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوجوب الترتيب بينها، وليس هناك إلا مجرد الفعل، وعموم: «لتأخذوا عني مناسككم».
              ولا سيما أن كثيراً من العلماء قالوا: يسقط الترتيب بين أعضاء الوضوء بالجهل والنسيان، وبين الفوائت بالجهل والنسيان، وبين الصلاتين المجموعتين بالجهل، فهذا يدل على أنه إذا اختل الترتيب لعذر من الأعذار، فإنه يسقط عن الإنسان؛ لأنه أتى بالعبادة لكن على وجه غير مرتب.
              قوله: «فإن رَمَاهُ كله في الثالث أجزأه» ، الضمير يعود على حصى الجمار، أي: رماه كله في اليوم الثالث، وهو الثالث عشر أجزأه، وظاهر كلام المؤلف أنه لا شيء عليه.
              قوله: «ويرتبه بنيته» ، أي يرتب الأيام بنيته، فمثلاً يبدأ برمي أول يوم بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، ثم يعود فيرمي لليوم الثاني يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، ثم يعود فيرمي للثالث يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فلا بد أن يأتي بعبادة اليوم الأول قبل عبادة اليوم الثاني.
              ولا يجزئ أن يرمي الأولى عن ثلاثة أيام، ثم الوسطى عن ثلاثة أيام، ثم العقبة عن ثلاثة؛ لأن ذلك يفضي إلى تداخل العبادات، أي: إدخال جزء من عبادة يوم في عبادة يوم آخر.
              وما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ من جواز جمع الرمي في آخر يوم ضعيف؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رمى كل يوم في يومه، وقال: «لتأخذوا عني مناسككم»[(374)]، لأنه «رخص للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً»[(375)].
              وكلمة «رخص» تدل على أن من سواهم، لا رخصة له، وعلى هذا فالقول الصحيح، أنه لا يجوز أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم إلا في حال واحدة مثل أن يكون منزله بعيداً، ويصعب عليه أن يتردد كل يوم، لا سيما في أيام الحر والزحام، فهنا لا بأس أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم ويرميه مرة واحدة؛ لأن هذا أولى بالعذر من الرعاة الذين رخص لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجمعوا الرمي في يوم.
              وأما من كان قادراً، والرمي عليه سهل لقربه من الجمرات، أو لكونه يستطيع أن يركب السيارات حتى يقرب من الجمرات، فإنه يجب أن يرمي كل يوم في يومه.
              قوله: «فإن أخره عنه» ، أي: عن آخر يوم من أيام التشريق فعليه دم، أي: ولو لعذر، لكن إذا كان لعذر يسقط عنه الإثم، وأما جبره بالدم فلا بد منه.
              فلو فرض أن رجلاً من الناس ظن أن رمي الجمرات غير واجب، أو ظن أن الترتيب فيها غير واجب، وجاء يسألنا بعد أن مضت أيام التشريق، فعلى ما مشى عليه المؤلف يجب عليه دم.
              فإذا قال: أنا جاهل؟ قلنا: نعم أنت جاهل ويسقط عنك الإثم، لكن هذا العمل الذي فات بجهلك له بدل، وهو الدم، فيجب عليك أن تذبح فدية توزعها على الفقراء في مكة.
              تنبيه: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا أخره عن اليوم الثالث رماه وعليه دم، وهذا غير مراد لأنه إذا مضت الأيام انتهى وقت الرمي فيسقط.
              قوله: «أو لم يبت بها فعليه دم» ، الضمير يعود على منى، أي: لم يبت بها ليلتين إن تعجل أو ثلاث ليالٍ إن تأخر فعليه دم وسبق ما يراد بالدم عند الإطلاق في قول المؤلف «والدم شاة» إلخ.
              وقوله: «أو لم يبت بها» ، عُلم منه أنه لو ترك ليلة من الليالي، فإنه ليس عليه دم، وهو كذلك[(376)]، بل عليه إطعام مسكين إن ترك ليلة، وإطعام مسكينين إن ترك ليلتين، وعليه دم إن ترك ثلاث ليالي.
              وقيل: إن ترك المبيت، ليس فيه دم مطلقاً، وهذا مبني على أن المبيت سنة، وليس بواجب.
              واستدل لهذا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «رخص لعمه العباس في السقاية أن يبيت بمكة من أجل سقي الناس ماء زمزم»[(377)] ، وهذا ليس بضرورة إذ من الجائز أن تترك زمزم، وكل من جاء شرب منها، ولكن كون الرسول صلّى الله عليه وسلّم يرخص للعباس يدل على أن المبيت سنة.
              والصحيح أنه واجب، لأن كلمة «رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقايته» ، يدل على أن ما يقابل الرخصة عزيمة لا بد منه.
              ولكن لا نفعل كما يفعل بعض المفتين اليوم، يأتيه السائل، ويقول أنا لم أدرك الليل كله في منى، فات علي بعض الليل وأنا في مكة؛ لأنني نزلت إلى مكة أقضي الحج، وأطوف ثم تأخر بي السير، ولم أصل إلى منى إلا بعد الفجر.
              فيقول عليك دم، فهذا غلط؛ لأن إلزام المسلمين بما لم يلزمهم الله به قول على الله بلا علم.
              مسألة: لو أن مفتياً أفتى بغير علم، وقال للحاج: عليك دم، فذهب الحاج واشترى دماً بخمسمائة ريال، وتصدق به على الفقراء، هل يمكن أن نقول بتضمين المفتي؟
              الجواب: نعم نقول بتضمينه؛ لأنه هو الذي أفتاه بغير علم، وألزمه بما لم يلزمه الله به، ونحن نستفيد من هذا التضمين أن هذا الذي أفتى بغير علم اليوم لا يفتي بمثله أبداً، ولا يفتي بمسألة إلا وقد علمها أو غلب على ظنه أن هذا حكمها.

              وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَينِ خَرجَ قَبْلَ الغُروب، وإِلاَّ لَزِمَه المَبِيتُ والرَّميُ مِن الغَدِ فَإِذَا أرادَ الخُرُوج مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَخْرُج حَتَى يَطُوف لِلوَدَاعِ .
              قوله: «ومن تعجل في يومين» ، أتى بلفظ الآية ونعم ما صنع، لأنه متى أمكن الإنسان أن يأتي بلفظ الدليل فهو أولى؛ لأنه يجمع بين المسألة ودليلها مثل قول الماتن ـ رحمه الله ـ: «وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ، فهذا لفظ المتن وهو أيضاً لفظ الحديث[(37]، فمتى أمكنك الإتيان بالألفاظ الشرعية فهو خير وأسلم لذمتك، ويفهم الناس منها ما يفهمون من الدليل، والمراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر؛ لقول الله تعالى: {{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}} [البقرة: 203] . أي: من هذه الأيام المعدودات، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
              وبعض العوام يظنون أن المراد بقوله: {{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}} يوم العيد والحادي عشر، فيتعجلون في الحادي عشر، ولكن هذا غلط، لم يقل به أحد من أهل العلم، وإنما المراد من تعجل في يومين من هذه الأيام الثلاثة أيام التشريق.
              قوله: «خرج قبل الغروب» ، أي: خرج من منى قبل أن تغرب الشمس، وذلك ليصدق عليه أنه تعجل في يومين؛ إذ لو أخر الخروج إلى ما بعد الغروب لم يكن تعجل في يومين؛ لأن اليومين قد فاتا.
              قوله: «وإلا لزمه المبيت والرمي من الغد» ، أي: وإلا يخرج قبل غروب الشمس لزمه المبيت ليلة الثالث عشر، والرمي من الغد، بعد الزوال، كاليومين قبله.
              والدليل أن الله قال: {{فِي يَوْمَيْنِ}} [البقرة: 203] وفي للظرفية، والظرف لا بد أن يكون أوسع من المظروف، وعليه فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين.
              وقد روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ: أَنَّ مَنْ أدركه المساء فإنه يلزمه البقاء[(379)].
              مسألة: لو أن جماعة حلوا الخيام وحملوا العفش وركبوا، ولكن حبسهم المسير؛ لكثرة السيارات فغربت عليهم الشمس قبل الخروج من منى، فلهم أن يستمروا في الخروج، لأن هؤلاء حبسوا بغير اختيار منهم.
              قوله: «فإذا أراد الخروج من مكة لم يخرج حتى يطوف للوداع» ، قوله: «لم يخرج» تحريماً، لحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض» [(380)]، فقوله: «إلا أنه خفف عن الحائض» يدل على الوجوب على غيرها؛ لأنه لو كان غير واجب على غيرها لكان خفيفاً على كل الناس؛ لأن ما لا يجب ليس الإنسان ملزماً به فله تركه، فالصواب أن طواف الوداع واجب، وقد عكس بعض الأئمة ـ رحمهم الله ـ فقال: إن طواف الوداع سنة وطواف القدوم واجب، مع أن السنة تدل على العكس، بدليل حديث عروة بن المضرس ـ رضي الله عنه ـ[(381)] أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: «هل طفت للقدوم».
              وظاهر كلام المؤلف أنه إذا أراد الخروج من مكة إلى أي بلد كان فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع.
              وصرح بعض الأصحاب أنه إذا أراد الخروج من مكة إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع.
              ووجه التقييد بالبلد أنه إذا أراد الخروج إلى بلد آخر فإنه لم يزل في سفر، ولم يرجع.
              مثاله: لو كان في مكة وبعد انتهاء الحج خرج إلى جدة، وليس من أهل جدة، أو خرج إلى الطائف وليس من أهل الطائف، فإنه على هذا التقييد لا يطوف للوداع؛ لأنه لم يرد الخروج إلى بلده، وهو في حكم المسافر، وهذا التقييد تقييد حسن.
              والدليل على هذا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: لم يأمر أصحابه أن يطوفوا للوداع حين خرجوا من مكة إلى المشاعر، وإن كان قد يقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يأمرهم بذلك؛ لأنهم لم يتموا حجهم حتى يلزمهم بالوداع، والذي يظهر أن التقييد أصح من الإطلاق لكن بشرط أن يكون خرج إلى البلد الذي أراده بنية الرجوع إلى مكة لينشئ السفر منها إلى بلده.
              ولكن لو أن الإنسان عمل بالأمرين فطاف إذا أراد الخروج من مكة إلى بلد آخر، وإذا رجع إلى مكة طاف إذا أراد الخروج إلى بلده لكان خيراً.
              لكن إذا كان الأمر فيه مشقة أن يطوف مرتين، فلا يظهر الإلزام بالطواف إذا أراد الخروج إلى غير بلده؛ لأنه في الواقع لم يغادر مكة فسوف يرجع إليها.
              أما لو أراد الخروج إلى بلد آخر عبر سفره إلى بلده فهنا يطوف، كما لو أراد الخروج إلى بلده عن طريق المدينة فاتجه إلى المدينة، وهو يريد السفر إلى بلده فإن هذا يلزمه الطواف؛ لأنه حقيقة غادر مكة.
              وقوله: «لم يخرج حتى يطوف للوداع» يستثنى من ذلك الحائض فإنها لا تطوف للوداع، ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أخبر أن صفية ـ رضي الله عنها ـ قد حاضت وكانت قد طافت طواف الإفاضة، قال: «انفروا» [(382)]، فأسقط عنها طواف الوداع، ويدل لهذا أيضاً حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «إلا أنه خفف عن الحائض»[(383)]؛ ولأن طواف الوداع ليس من النسك بل هو تابع له، فسقط بتعذره شرعاً بخلاف طواف الإفاضة فلا يمكن أن يسقط عن الحائض والنفساء.
              فإن قال قائل: هل تجعلون العجز الحسي كالعجز الشرعي؟
              يعني لو كان الإنسان مريضاً لا يستطيع أن يطوف لا بنفسه ولا بغيره هل يسقط عنه طواف الوداع؟
              الجواب: لا؛ لأن إحدى أمهات المؤمنين استأذنت النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تدع طواف الوداع لكونها مريضة، قال لها: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» [(384)]، فهذا المريض نقول له: الأمر ميسر ـ والحمد لله ـ هناك عربات يمكن أن يركبها يطوف أو يطوف على المحمل.
              إذاً فلا يسقط طواف الوداع إلا عن الحائض والنفساء فقط.


              تعليق


              • #8
                رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


                فَإِن أَقَامَ، أَوْ اتَّجَرَ بعْدَهُ أَعَادَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ غَيْرُ حَائِضٍ رَجَعَ إِليهِ، فَإِن شَقَّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ،..
                قوله: «فإن أقام» ، أي: أقام في مكة بعد طواف الوداع.
                أفادنا المؤلف بهذا أنه لا بد أن يكون هذا الطواف آخر أموره، وهو كذلك؛ لقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض»[(385)] ، وبه تعرف أن ما يفعله بعض الحجاج من كونهم يطوفون للوداع، ثم يخرجون إلى منى، ويرمون الجمرات، ثم يغادرون فإن فعلهم خطأ؛ لأن آخر عهدهم يكون بالجمار، وليس بالبيت، والنبي صلّى الله عليه وسلّم إنما طاف بالبيت للوداع بعد انتهاء النسك كله.
                وقوله: «فإن أقام» ظاهره أنه إذا أقام بعد طواف الوداع وجبت عليه إعادته سواء كانت الإقامة طويلة أو قصيرة، إلا أنهم استثنوا من ذلك إذا أقام لانتظار الرفقة فإنه لا يلزمه إعادة الطواف ولو طال الوقت؛ لأن إيجاب الإعادة عليهم يلزم منه التسلسل، أو أنه لما انتهى من الطواف أُذِّن للصلاة فلا بأس أن يصلي، لأنه ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه لما طاف للوداع صلى الفجر ثم سافر متجهاً إلى المدينة[(386)].
                وكذلك لو فرض أنه تبين له عطل في سيارته بعد الطواف فجلس في مكة من أجل إصلاحه، فإنه لا يلزمه إعادة هذا الطواف لأنه إنما أقام لسبب متى زال واصل سفره.
                قوله: «أو اتجر بعده أعاده» ، أي: اشترى شيئاً للتجارة، أو باع شيئاً للتجارة، فإنه يعيده، وعلم من ذلك أنه لو اشترى حاجة، أو باع حاجة في طريقه، أو هدايا لأهله، لا تجارة فإنه لا بأس به، على أننا نرغب أن يكون شراؤه قبل طوافه.
                مسألة: ما الذي يوجب إعادة طواف الوداع إذا تأخر الإنسان بعده؟
                الجواب: الذي يوجب إعادة طواف الوداع فيما لو تأخر بنية الإقامة ولو ساعة لغير ما استثنى.
                وعلم من كلام المؤلف: أنه إذا طاف للوداع، فإنه لا يرجع القهقرى إذا أراد أن يخرج من المسجد، والقهقرى أي: الرجوع على الخلف، ولا يقف عند الباب فيكبر ثلاثاً ويقول: السلام عليك يا بيت الله، فإن هذا كله من البدع، فإذا طفت للوداع فامض في سبيلك، واستدبر الكعبة ولا شيء عليك؛ لأن تعظيم الكعبة إنما يكون باتباع ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن يرجع القهقرى إذا أراد الخروج، ولم يكن إذا انتهى إلى باب المسجد وقف، ونظر إلى الكعبة وودعها.
                قوله: «وإن تركه غير حائض رجع إليه» ، أي: لزمه أن يرجع فيطوف، فإن تركته الحائض فإنه لا يلزمها الرجوع، إلا إذا طهرت قبل مفارقة بنيان مكة فإنه يلزمها الرجوع، أما إذا طهرت بعد مفارقة البنيان ولو بيسير، ولو داخل الحرم، فإنه لا يلزمها أن ترجع.
                والدليل على هذا: قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «إلا أنه خفف عن الحائض»[(387)]، والنفساء مثلها.
                قوله: «فإن شق أو لم يرجع فعليه دم» ، أي: إن شق الرجوع ولم يرجع فعليه دم، وكذلك إذا لم يرجع بلا مشقة فعليه دم، لكن الفرق أنه إذا تركه للمشقة لزمه الدم ولا إثم، وإذا تركه لغير مشقة لزمه الدم مع الإثم؛ لأنه تعمد ترك واجب.
                وقوله: «وإن تركه غير حائض رجع إليه» ، ظاهره وجوب الرجوع قرب أم بَعُدَ ما لم يشق، وأنه إذا رجع ولو من بعيد سقط عنه الدم، لكن المذهب أنه إذا جاوز مسافة القصر استقر عليه الدم، سواء رجع أو لم يرجع، وكذلك لو وصل إلى بلده، فإن الدم يستقر عليه، سواء رجع أم لم يرجع، وعلى هذا فأهل جدة لو خرجوا إلى جدة قبل طواف الوداع، ثم رجعوا بعد أن خف الزحام وطافوا فإن الدم لا يسقط عنهم؛ لأنه استقر بمسافة القصر، أو بوصوله إلى بلده، حتى ولو فرض أن أناساً من بلد دون جدة كأهل بحرة، وصلوا إلى بلدهم استقر عليهم الدم.
                وقوله: «فعليه دم» . الدليل على وجوب الدم الأثر المشهور عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: «من ترك شيئاً من نسكه، أو نسيه فليهرق دماً» [(38]، وهذا نسك واجب أمر به النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيكون في تركه دم، وهذا الأثر مشهور عند العلماء واستدلوا به، وبنوا عليه وجوب الفدية بترك الواجب، وقالوا في تقرير هذا الدليل: إن هذا قول صحابي ليس للرأي فيه مجال فوجب العمل به؛ لأن قول الصحابي الذي ليس للرأي فيه مجال يكون له حكم الرفع.
                وقال بعض العلماء: يمكن أن يكون صادراً عن اجتهاد، ويكون للرأي فيه مجال، وجهه أن يقيس ترك الواجب على فعل المحرم، أي فعل محظورات الإحرام التي فيها دم؛ لأن في الأمرين معاً انتهاكاً لحرمة النسك، فترك الواجب انتهاك لحرمة النسك، وفعل المحظور انتهاك لحرمة النسك، فيكون ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بنى هذا الحكم على اجتهاد، وإذا بناه على اجتهاد، فإنه يكون قول صحابي وليس مرفوعاً.
                ويبقى النظر، هل قول الصحابي حجة؟
                الجواب: فيه خلاف بين العلماء مشهور في أصول الفقه، وهو عند الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ حجة ما لم يخالف نصاً أو قول صحابي، فإن خالف نصاً فلا عبرة به، العبرة بالنص، وإن خالف قول صحابي طلب الترجيح بين القولين.
                إذاً المسألة على هذا التقرير تكون من باب الاجتهاد، ونحن نفتي الناس بالدم، وإن كان في النفس شيء من ذلك، لكن من أجل انضباط الناس، وحملهم على فعل المناسك الواجبة بإلزامهم بهذا الشيء؛ لأن العامي إذا قلت له: ليس عليك إلا أن تستغفر الله وتتوب إليه، سهل الأمر عليه، مع أن التوبة النصوح أمرها صعب.
                وفهم من قوله: «فإن شق أو لم يرجع فعليه دم» ، أن الإنسان ليس مخيراً بين أن يقوم بالواجب أو يذبح عنه فدية كما يظنه بعض الجهال، فبعض الجهال يقول: وقفت بعرفة ونزلت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة وسعيت وبقي المبيت بمزدلفة وبمنى ورمي الجمار وطواف الوداع، أو أذبح عشرة ذبائح وليس أربعة، فهذا ليس بجائز؛ لأن المسألة ليست مسألة تخيير لكن المسألة أنه إذا فات الواجب ولم يمكن تداركه فإنه يفدي بدم، وبعض الجهال يظن أنه مخير، ولهذا تجده يقول: أنا لا يهمني أتجاوز الميقات بلا إحرام، متى شئت أحرمت، والمسألة سهلة أذبح فدية، فهذا ليس بصحيح، ولكن إذا فات الواجب ولم يمكن تداركه فحينئذٍ نلزمه بالفدية، وهكذا بقية كفارات المعاصي ليس معناها أن الإنسان مخير بين فعل المعصية والكفارة، أو تركها، فهذا ليس بجائز، ولذلك يجب أن ننبه العوام وبعض طلبة العلم الذين علمهم قاصر، أن هذه الكفارات والفداءات ليس معناها أن الإنسان مخير بين أن يفعل المعصية أو يترك الواجب ويفعل هذه الفدية، بل إذا فات الأمر ولم يمكن تداركه فالفدية.

                وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَة فَطَافَهُ عِنْدَ الخُرُوجِ أَجْزَأ عَن الوَدَاعِ ...
                قوله: «وإن أخر طواف الزيارة، فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع» . طواف الزيارة هو طواف الإفاضة، أي: طواف الحج.
                فإن قيل: كيف يجزئه عن طواف الوداع الذي هو واجب، وطواف الإفاضة ركن؟
                فالجواب: أن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل بطواف الإفاضة، فيكون مجزئاً عن طواف الوداع، وهذا واضح فيما إذا كان من قارن، أو مفرد سعى بعد طواف القدوم؛ لأنه في هذه الحال ليس عليه إلا الطواف وينصرف، لكنه مشكل فيما إذا كان من متمتع؛ لأن المتمتع لا بد أن يطوف ويسعى؟
                فقيل: إنه يقدم السعي على الطواف؛ لأن تقديم السعي على الطواف في الحج جائز؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا حرج»[(389)].
                وقال بعض العلماء: بل لا حاجة إلى ذلك، بل يقدم الطواف ويأتي بالسعي بعده، والسعي تابع للطواف فلا يضر أن يفصل بين الطواف وبين الخروج، واستدل البخاري ـ رحمه الله ـ على ذلك بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أذن لعائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تأتي بعمرة بعد تمام النسك، فأتت بعمرة فطافت وسعت وسافرت[(390)]، فحال السعي بين الطواف والخروج، وبأن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف للوداع ثم صلى صلاة الفجر وقرأ بالطور[(391)] ثم خرج، فهذا يدل على أن مثل هذا الفصل لا يضر، وهذا عندي أقرب من القول بتقديم السعي؛ لأن هذا يحصل فيه الترتيب المشروع، وهو أن يقدم الطواف على السعي.
                مسألة: جمع طواف الإفاضة وطواف الوداع لا يخلو من ثلاث حالات:
                الأولى: أن ينوي طواف الإفاضة فقط.
                الثانية: أن ينويهما جميعاً.
                الثالثة: أن ينوي طواف الوداع فقط.
                والصورة التي ذكرها المؤلف هي الصورة الأولى فقط.
                فعلى هذا نقول: الصورة الأولى إذا نوى طواف الإفاضة ولم يكن عنده نية طواف الوداع، فيجزئ كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد.
                وهذه أحسن الصور، لأن بعض العلماء قال: «إذا نواهما جميعاً لم يصح».
                والصورة الثانية: إذا نواهما جميعاً فيجزئ أيضاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»[(392)].
                والصورة الثالثة: إذا نوى طواف الوداع فقط ولم ينو طواف الإفاضة، فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة ولا عن طواف الوداع.
                وهذه مسألة يجب أن ينبه الناس عليها؛ لأن أكثرهم إذا أخر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج نوى الوداع فقط، ولا طرأ على باله طواف الإفاضة، فنقول في هذه الحال: إنه لا يجزئه؛ لأن طواف الإفاضة ركن وطواف الوداع واجب فهو أعلى منه، ولا يجزئ الأدنى من الأعلى ولأنه لم ينو طواف الإفاضة، ولا يجزئه عن طواف الوداع، لأن من شرط طواف الوداع أن يكون بعد استكمال النسك، والنسك لم يتم.
                لكن لو قال قائل: ألستم تقولون إن الرجل إذا حج عن نفسه قبل الفريضة ونواها نافلة فإنها تقع عن الفريضة؟
                فالجواب: بلى نقول ذلك، وكذلك لو حج عن غيره ولم يحج عن نفسه مع وجوب الحج عليه فإن الحج يقع عن نفسه، والفرق أن مسألتنا جزء من حج بخلاف الحج كاملاً، فالحج كاملاً تكون الذمة فيه مشغولة بالفريضة، فإذا أدى ما دون الفريضة صار للفريضة، وأما هذا فهو جزء من عبادة، فإن طواف الوداع إن قلنا إنه من الحج فهو جزء منه، وإن قلنا: إنه مستقل فإنه لا يمكن أن يجزئ واجب عن ركن.

                وَيَقفُ غَيْرُ الحَائِضِ بَيْنَ الرُّكْنِ والبَابِ دَاعِياً بِمَا وَرَدَ وَتَقِفُ الحائِضُ ببَابِه وَتَدْعُو بِالدُّعَاء...
                قوله: «ويقف غير الحائض بين الركن والباب داعياً بما ورد» ، أي: الحاج إذا ودع يقف بين الركن، أي: الحجر الأسود والباب، أي: باب الكعبة، ومسافته قليلة.
                قال في الروض: «يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين» ، وهذا يسمى «الالتزام» عند أهل العلم، والمكان هذا يسمى «الملتزم»، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(393)]، وإنما جاءت عن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ[(394)].
                فهل الالتزام سنة، ومتى وقته، وهل هو عند القدوم، أو عند المغادرة، أو في كل وقت؟
                وسبب الخلاف بين العلماء في هذا أنه لم ترد فيه سنة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يفعلون ذلك عند القدوم.
                والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة فيلتزم في الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب، على الصفة التي ذكرها في الروض ويقول ما ورد، ثم ذكر صاحب الروض ـ رحمه الله ـ دعاءً طويلاً ومنه: «اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي إن أنت أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير» ، ويدعو بما أحب، ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعلى هذا فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق.
                قوله: «وتقف الحائض ببابه» ، أي: باب المسجد.
                قوله: «وتدعو بالدعاء» هكذا قال، ولا دليل لما قال إن الحائض تأتي وتقف بباب المسجد تدعو بهذا، والنبي صلّى الله عليه وسلّم، لما قيل له: إن صفية قد أفاضت قال: «فلتنفر»[(395)] ، ولم يقل فلتأت إلى المسجد وتقف ببابه، مع دعاء الحاجة إلى بيانه لو كان مشروعاً، وعلى هذا فيكون هذا القول ضعيفاً لا يعمل به.
                وبهذا انتهى الكلام على صفة الحج والعمرة، واعلم أن كل ما ذكرناه فإنه مبني على ما نعلمه من الأدلة، ومع هذا لو أن إنساناً اطلع على دليل يخالف ما قررناه فالواجب اتباع الدليل، لكن هذا جهد المقل ـ نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا ـ.

                تعليق


                • #9
                  رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


                  وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَقَبْرَيْ صَاحِبيه
                  قوله: «وتستحب زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبري صاحبيه» .
                  والدليل أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بزيارة القبور، وهو عام يشمل قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبر غيره، وأما ما استدل به بعضهم من حديث: «من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي» ، رواه الدارقطني[(396)]، فالحديث ضعيف بل موضوع[(397)] مكذوب على النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم كله حق وهذا الحديث باطل.
                  فهل الذي يزور قبره بعد وفاته كالذي يزوره في حياته؟!
                  أبداً ولا يشبهه بأي حال من الأحوال.
                  وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ: أن الحاج إذا انتهى من الحج يشد الرحل إلى المدينة ليزور قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبري صاحبيه، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء:
                  فمنهم من قال: إن شد الرحل إلى القبور لا بأس به؛ لأنه شد لعمل صالح، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر بزيارة القبور، ولم ينه عن شد الرحل إليها بل قال: «زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة»[(39]، وخير قبور يشد إليها الرحل قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبرا صاحبيه.
                  ومنهم من قال: إن شد الرحال لزيارة القبور مكروه.
                  ومنهم من قال: إنه محرم، وهو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وقرره بأدلة إذا طالعها الإنسان تبين له أن ما ذهب إليه هو الحق.

                  وَصِفَةُ العُمْرَةِ: أنْ يُحْرِمَ بِهَا مِن المِيقَاتِ، أوْ مِن أدنْىَ الحِلّ مِن مَكِّي وَنَحْوِهِ.
                  قوله: «وصفة العمرة أن يحرم بها من الميقات أو من أدنى الحل من مكي ونحوه» فهي إحرام وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير أربعة أشياء.
                  وقوله: «أن يحرم بها من الميقات» يعني إن مر به أو من محاذاته إن لم يمر به، أو مما دونه إن كان دون الميقات فيحرم بها على حسب ما مر في المواقيت.
                  وقوله: «أو من أدنى الحل، من مكي ونحوه» ، وأدنى الحل بالنسبة إلى الكعبة التنعيم، أما بالنسبة لمن أراد العمرة، فقد يكون التنعيم، وقد يكون غير التنعيم، فالذي في مزدلفة مثلاً أدنى الحل إليه عرفة، والذي في الجهة الغربية من مكة أدنى الحل إليه الحديبية، ولا يلزمه أن يقصد التنعيم، الذي عينه الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعائشة ـ رضي الله عنها ـ، أو الجعرانة التي أحرم منها النبي صلّى الله عليه وسلّم حين رجع من غزوة حنين؛ لأن أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة أن تحرم من التنعيم[(399)] لكونه أقرب الحل إليها، وإحرامه من الجعرانة[(400)] لكونه نازلاً بها.
                  وقوله: «من مكي ونحوه» المكي هو ساكن مكة، ونحوه: هو الآفاقي المقيم بمكة، فكلاهما يحرم من أدنى الحل، وقد سبق تقرير ذلك، وبيان شبهة من قال من أهل العلم: إن المكي يحرم من مكة لعموم الحديث، وهو قوله: «حتى أهل مكة من مكة» [(401)].

                  لاَ مِن الحَرَمِ، فَإِذا طَافَ وسَعَى وَقَصَّرَ حَلَّ، وَتُبَاحُ كَلَّ وَقْتٍ، وَتُجْزئ عَن الفَرْضِ.
                  قوله: «لا من الحرم» ، أي: لا يحرم للعمرة من الحرم، فإن فعل انعقد إحرامه، ولكن يلزمه دم؛ لتركه الواجب، وهو الإحرام من الحل.
                  قوله: «فإذا طاف وسعى وقصر حل» ، لأن العمرة مكونة من إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير، وأسقط المؤلف ذكر الحلق بناء على أن مراده عمرة المتمتع.
                  قوله: «وتباح كل وقت» العمرة تباح في كل وقت حتى في يوم عيد النحر، وفي يوم عرفة، وفي أيام التشريق، فمثلاً لو أن أحداً قدم إلى مكة في يوم عرفة للعمرة صحت منه؛ لكن إن كان يريد الحج قلنا له: اذهب إلى عرفة ولا تتمتع؛ لأن وقت التمتع قد فات، ولكن أدخل الحج على العمرة لتكون قارناً.
                  وقوله: «تباح كل وقت» ، وأما الحج فله وقت مخصوص قال الله تعالى: {{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}} [البقرة: 197] ، وأما العمرة فتباح كل وقت، ولكن على المشهور من المذهب بشرط ألا يحرم بها على الحج، ولذلك قالوا ـ رحمهم الله ـ: القران أن يدخل الحج على العمرة لا أن يدخل العمرة على الحج، وخالف في ذلك أصحاب الشافعي فقالوا: يجوز أن يدخل العمرة على الحج ويصير قارناً.
                  لم يذكر ـ رحمه الله ـ هل يسن أن يعتمر كل وقت، أو في السنة مرة، أو في الشهر مرة؟
                  لكن ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الفتاوى اتفاق السلف على أنه يكره تكرار العمرة.
                  وقال الإمام أحمد: «لا يعتمر إلا إذا حمَّمَ رأسُه» حمم أي: اسود من الشعر، وبناء على هذا يكون ما يفعله العامة الآن من تكرار العمرة، ولا سيما في رمضان كل يوم، إن لم يكن بعضهم يعتمر في النهار عمرة وفي الليل عمرة، خلاف ما عليه السلف.
                  قال في الروض: «ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف قاله في المبتدع» لابن مفلح.
                  وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما»[(402)] ، فهو مطلق مقيد بعمل السلف رضوان الله عليهم.
                  قال في الروض: «ويستحب تكرارها في رمضان؛ لأنها تعدل حجة» هذا ليس بصحيح؛ لأن كراهة السلف لتكرارها عام في رمضان وفي غيره.
                  ولكن هل لها أوقات فاضلة؟ نعم، وفي رمضان تعدل حجة كما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(403)]، والصحيح أنها عامة خلافاً لمن قال: إن هذا الحديث ورد في المرأة التي تخلفت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحج فقال لها: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي»[(404)]، فإن بعض العلماء قال: إن هذا خاص بهذه المرأة يريد أن يطيب قلبها، ولكن الصواب أنها عامة، وتسن أيضاً في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خصها بالعمرة، وقد تردد ابن القيم ـ رحمه الله ـ أيهما أفضل: العمرة في أشهر الحج أو العمرة في رمضان؟ ولكن الظاهر أن العمرة في رمضان أفضل لقوله: «تعدل حجة» وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كرر العمرة في أشهر الحج؛ لتزول عقيدة أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ويقولون: إذا عفا الأثر وبرأ الدبر ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر، حتى يأتي الناس في غير أشهر الحج إلى مكة فيحصل ارتفاع اقتصادي.
                  مسألة: هل تباح يوم العيد؟
                  أما غير الحاج فيجوز في عيد الأضحى أن يأتي بعمرة، أما الحاج فلا إلا إذا تحلل التحلل الأول، فإنه يجوز أن يأتي بعمرة لأن إحرامه بالحج حينئذٍ ناقص، فقد تحلل من أكثر المحظورات، ولذلك عبر صاحب الفروع لما ذكر نص الإمام أحمد فيمن جامع بعد التحلل الأول، أنه يأتي بعمرة أو كلاماً نحو هذا، قال: فدل على أنه لو أحرم بعد تحلله الأول صح.
                  ولكن هل يشرع هذا؟
                  الجواب: لا يشرع بل يمنع.
                  قوله: «وتجزئ عن الفرض» ، أي: العمرة تجزئ عن الفرض في أي وقت أدّاها، فعمرة المتمتع تجزئ عن الفرض، وعمرة القارن تجزئ عن الفرض؛ لأن القارن أتى بعمرة وحج؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك»[(405)] ، فأثبت النبي صلّى الله عليه وسلّم لها حجاً وعمرةً.
                  مسألة: لو جعل القارن عمرته لشخص، وحجه لآخر؛ فقال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: يجوز؛ لأن القران وإن كان فعلاً واحداً لكنه نسكان، وإذا كان نسكين أجزأ أن يجعل نسكاً عن شخص، ونسكاً عن شخص آخر.
                  وأميل إلى أنه لا ينبغي، لكن لو فعل فلا أقول بالتحريم؛ لأن النبي جعلهما نسكين.
                  وأما المتمتع فواضح أنه يجوز؛ لأن كل نسك منفصل عن الآخر.

                  وَأَرْكَانُ الحَجِّ: الإِحْرام، والوُقُوفُ، وَطَوافُ الزِّيَارةِ والسَّعْيُ وَوَاجِبَاتُهُ: الإِحْرَامُ مِن المِيقَاتِ المُعْتَبَرِ لَهُ، والوقُوفُ بِعَرفَةَ إِلَى الغُرُوبِ وَالمَبِيتُ لِغَيرِ أهْلِ السِّقَايَةِ والرّعَايَة بِمِنَى ومُزدَلِفَةَ إِلَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ والرَّميُ، وَالحِلاَقُ، والوَدَاعُ، ...
                  قوله: «وأركان الحج» ، سبق في أول المناسك شروط الحج: شروط وجوبه، وشروط صحته، وشروط إجزائه، وقد اعترض بعض الناس على هذا التقسيم: على الشروط، وعلى الأركان، وعلى الواجبات، والسنن، وقال أين هذا في كتاب الله، أو في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وإذا لم نجد ذلك في كتاب الله أو في سنة رسوله فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(406)] ، فيرد على صاحبه، فيقال:
                  الأمور قسمان:
                  أمور غائية، وأمور وسيلة.
                  فأما الأمور الغائية فهي التي هي غاية ومقصودة لذاتها، فإنها لا تفعل إلا بإذن من الشرع، ولا يمكن لأحد أن يشرعها أو يتعبد لله بها.
                  وأما الأمور التي هي وسيلة فيقصد بها الوصول إلى الغاية، فهذه ليس لها حد شرعي، بل لها قاعدة شرعية وهي أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل تختلف باختلاف الأزمان، واختلاف الأحوال، واختلاف الأماكن، واختلاف الأمم، وإذا كان كذلك فالوسائل بابها مفتوح، فالعلماء ـ رحمهم الله ـ رأوا أن من وسائل تقريب العلم إلى الأذهان، وإلى الحصر أن يقولوا: هذه شروط، وهذه أركان، وهذه واجبات، وهذه سنن، وقالوا: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد فعل هذا المبدأ فنجده أحياناً يقول: «ثلاثة لا يكلمهم الله»[(407)]، «سبعة يظلهم الله في ظله»[(40] ، مع أنهم لا ينحصرون في سبعة، ولا ينحصرون في ثلاثة، ولكن هذا من باب تقريب العلم للأفهام.
                  يبقى النظر فيما إذا قال: هذا شرط، أو هذا واجب، فهنا يطالب بالدليل فيقال له: من أين لك أن هذا شرط، وأن هذا واجب، وأن هذا ركن، وأن هذه سنة؟ هذا هو الذي يطالب فيه الإنسان بالدليل، أما تقسيم الأشياء إلى أقسام تقريباً للأفهام فإنه من باب الوسائل، ولو أردنا أن نسلك هذا المسلك لقلنا أيضاً تقسيم العلم إلى توحيد، وطهارة، وصلاة وزكاة وصيام وحج وبيوع ورهان وما أشبه ذلك، أيضاً هذا بدعة، أين في السنة أنها قسمت هكذا؟ فينبغي للإنسان أن يكون فهمه واسعاً، وأن يعرف مقاصد الشريعة، وأن لا يجعل الوسائل مقاصد، فإنه بذلك يضل، ويبدع أناساً كثيرين من أهل العلم المحققين.
                  حينئذٍ نقول: تقسيم العلم إلى أبواب ليس به بأس، وتقسيم الأبواب إلى شروط، وأركان، وواجبات، ومستحبات ليس به بأس؛ لأننا نريد أن نقرب العلم كما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يستعمل تقريب العلم، لكن بأساليب مختلفة.
                  وقوله: «وأركان» : جمع ركن، والركن هو جانب البيت الأقوى، وهي التي تسمى عندنا بالزاوية، وهي أقوى ما في الجدار، وسمي ركناً؛ لأن بعضه يسند بعضاً حيث يتلاقى به طرفا الجدار لأن جانب الشيء الأقوى يسمى ركناً.
                  قوله: «الإحرام» هذا هو الركن الأول، سبق لنا أن الإحرام هو نية النسك، وليس لبس ثوب الإحرام؛ لأن الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرماً ولو كان عليه قميصه وإزاره، ولا يكون محرماً ولو لبس الإزار والرداء إذا لم ينو.
                  والنية محلها القلب فيكون داخلاً في النسك إذا نوى أنه داخل فيه، لكن يجب أن تعرف الفرق بين من نوى أن يحج، ومن نوى الدخول في الحج، فالثاني هو الركن، أما من نوى أن يحج فلم يحرم، فلا صلة له بالركن ولهذا ينوي الإنسان الحج من رمضان ومن رجب ومن قبل ذلك، ولا نقول إن الرجل تلبس بالنسك أو دخل في النسك أو أحرم.
                  وهل يشترط مع النية لفظ؟ الصحيح أنه لا يشترط.
                  ومن العلماء من قال: إنه لا بد من التلبية مع النية، وجعل التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة.
                  والدليل على أن الإحرام ركن، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»[(409)].
                  قوله: «والوقوف» هذا هو الركن الثاني، أي: بعرفة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة»[(410)] ، ولقوله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، فقوله: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ}} يدل على أن الوقوف بعرفة لا بد منه، وأنه أمر مسلم وأن الوقوف بالمزدلفة بعد الوقوف بعرفة.
                  قوله: «وطواف الزيارة» ، هذا هو الركن الثالث.
                  ويقال له: طواف الإفاضة، وهو الطواف الذي يقع في يوم العيد أو ما بعده ومراده الطواف بالبيت.
                  ويشترط أن يقع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، فلا يصح أن يطوف قبل عرفة ولا مزدلفة، لا بد أن يطوف بعدهما لقول الله تعالى: {{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}} [البقرة: 198] ، فمزدلفة تلي عرفة، وقال لما ذكر ذكر النحر والذبح: {{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}} [الحج] ، فجعل الطواف بعد الوصول إلى منى هو كذلك، وعليه فيشترط لصحة طواف الإفاضة أن يكون بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وعليه فلو أن الإنسان انطلق من عرفة ليطوف طواف الإفاضة، ثم عاد إلى مزدلفة وبات بها، فطوافه لا يصح ويكون نفلاً.
                  ودليل ذلك قوله تعالى: {{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *}} [الحج] الشاهد قوله: {{وَلْيَطَّوَّفُوا}}؛ لأن الجملة هذه فعل مضارع مقرون بلام الأمر فيكون أمراً.
                  قوله: «والسعي» هذا هو الركن الرابع، وهو المذهب، وقيل: إنه واجب يجبر بدم، وقيل: إنه سنة، وهذا أضعف الأقوال، وأصح الأقوال أنه ركن لا يتم الحج إلا به، والدليل على ذلك ما يلي:
                  أولاً: قوله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} [البقرة: 158] .
                  ثانياً : قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»[(411)].
                  ثالثاً : قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «والله ما أتم الله حج رجل ولا عمرته لم يطف بهما»[(412)] ، أي: بالصفا والمروة.
                  فإن قال قائل: كيف تقولون: إن السعي بين الصفا والمروة ركن، وقد قال الله تعالى: {{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}} ونفي الجناح لا يدل على الوجوب، بل يدل على رفع الإثم فقط، فكيف تجعلونه ركناً لا يصح الحج إلا به؟! هذا إيراد وارد.
                  قلنا: إن قول الله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} يكفي دليلاً في مشروعية السعي حيث جعلهما من شعائر الله، وقد قال الله تعالى: {{ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}} والطواف بهما تعظيم لهما، فيكون قوله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} دليلاً على أن من طاف بهما فقد عظم شعائر الله وأنه لا جناح عليه.
                  وأما قوله: {{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}}، فهذا رفع توهم وقع من بعض الناس حين نزول الآية، وذلك أنه كان على الصفا والمروة صنمان يعبدان من دون الله، فتحرج المسلمون من أن يطوفوا بالصفا والمروة، وعليهما صنمان قبل الإسلام، فنفى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذلك الجناح؛ ليرتفع الحرج عن صدورهم، فكان الغرض من نفي الجناح رفع الحرج عن صدورهم، حتى لا يبقى فيها قلق.
                  هذه أربعة أركان.
                  مسألة: زاد بعض العلماء المبيت بالمزدلفة، واستدلوا بقوله تعالى: {{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}} [البقرة: 198، 199] ، ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث عروة بن المضرس ـ رضي الله عنه ـ: «من شهد صلاتنا هذه ـ يعني الفجر ـ ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه»[(413)] ، ففهم منه أن من لم يقف بالمزدلفة لم يتم حجه، وإلى هذا ذهب بعض السلف والخلف، وهو بلا شك قول قوي وقد مال إليه ابن القيم.
                  لكن الذين قالوا: إنه ليس بركن، قالوا: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الحج عرفة، من جاء قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك»[(414)].
                  وأجابوا عن حديث عروة ـ رضي الله عنه ـ بأن الإتمام يكون على وجوه: تارة يكون إتماماً لا يصح الشيء إلا به، وتارة يكون إتماماً يصح الشيء بدونه مع التحريم، وتارة يكون إتماماً يصح الشيء بدونه مع نفي التحريم، والمراد بالإتمام في حديث عروة بالنسبة للمزدلفة إتمام الواجب الذي تصح العبادة بدونه، وهذا هو رأي الجمهور.
                  ومن العلماء من قال: إن الوقوف بالمزدلفة سنة وليس بركن ولا واجب؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة».
                  لكن أعدل الأقوال وأصوبها أنه واجب، وليس بركن والإنسان يتحرج أن يقول لشخص وقف بعرفة وطاف وسعى ولكنه يقف بالمزدلفة: إنه لا حج لك، ولكن يقول له: حجك صحيح وعليك دم، كما سيأتي في الواجبات.
                  قوله: «وواجباته» ، أي: واجبات الحج. والفرق بين الواجب والركن أن الواجب يصح الحج بدونه، والركن لا يصح إلا به.
                  قوله: «الإحرام من الميقات المعتبر له» ، هذا هو الأول من واجبات الحج، الإحرام من الميقات المعتبر له، أما أصل الإحرام فهو ركن.
                  ولو قال المؤلف: أن يكون الإحرام من الميقات لكان أوضح؛ لأنه إذا قال: الإحرام من الميقات، فقد يظن الظان أن الإحرام من الميقات ـ أيضاً ـ من الواجبات، وقد سبق أن المواقيت خمسة، وأن من مر بها يريد النسك وجب عليه الإحرام، ومن كان دونها فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة يحرمون من مكة إلا في العمرة، فيحرمون من أدنى الحل، وقد سبق بيان ما هو الميقات المعتبر، فالميقات المعتبر هي المواقيت الخمسة.
                  والدليل على الوجوب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يهل أهل المدينة....»[(415)] ، وهذا خبر بمعنى الأمر، والدليل على أنه بمعنى الأمر قوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأهل المدينة ذا الحليفة» [(416)].
                  قوله: «والوقوف بعرفة إلى الغروب» ، هذا هو الثاني من واجبات الحج، الوقوف بعرفة إلى الغروب، أي: أن يستمر في عرفة إذا وقف نهاراً إلى أن تغرب الشمس، وعلى هذا فلا يحل أن يخرج الإنسان من عرفة قبل غروب الشمس؛ لأن البقاء فيها حتى تغيب الشمس أمر واجب.
                  وزعم بعض العلماء أنه لا يجب الوقوف إلى الغروب، لحديث عروة بن المضرس ـ رضي الله عنه ـ حين قال صلّى الله عليه وسلّم: «وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه»[(417)] ، فمن وقف نهاراً، ودفع قبل الغروب صدق عليه هذا الحكم الذي نطق به النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أنه قد تم حجه وقضى تفثه، ولكن الصحيح أن الوقوف بعرفة إلى الغروب واجب للأدلة الآتية:
                  أولاً: مكث النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها إلى الغروب[(41] مع أنه لو دفع بالنهار لكان أرفق بالناس؛ لأنه لو دفع بالنهار كان ضوء النهار معيناً للناس على السير، وإذا دفع بعد الغروب حل الظلام، ولا سيما في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والناس يمشون على الإبل والأقدام فينتشر الظلام قبل الوصول إلى مزدلفة.
                  فإن قال قائل: في تلك الليلة يكون القمر مضيئاً فلا يحصل بالسير بعد الغروب مشقة؟
                  فالجواب أن نقول: أفلا يمكن في تلك الليلة أن يوجد سحاب؟
                  الجواب: بلى يمكن أن يكون هناك سحاب، إما في السنة التي حج فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإما في غيرها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن مفاتيح السماء بيد الله ـ عزّ وجل ـ هو الذي ينشئ السحاب، وإذا لم يكن سحاب في تلك السنة، فيمكن أن يكون في السنوات الأخرى، إذاً فتأخير الرسول صلّى الله عليه وسلّم الدفع من عرفة إلى ما بعد الغروب، وتركه للأيسر يدل على أن الأيسر ممتنع، ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً»[(419)].
                  ثانياً: أن الدفع قبل الغروب فيه مشابهة لأهل الجاهلية حيث يدفعون قبل غروب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كعمائم الرجال على رؤوس الرجال، فلو دفع إنسان في مثل هذا الوقت لشابههم، ومشابهة الكفار في عباداتهم محرمة.
                  ثالثاً: أن تأخير الرسول صلّى الله عليه وسلّم الدفع إلى ما بعد غروب الشمس، ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب ـ مع أن وقت المغرب قد دخل ـ يدل على أنه لا بد من البقاء إلى هذا الوقت، وأنه صلّى الله عليه وسلّم ممنوع من الدفع حتى تغرب الشمس، ولذلك بادر، فلو كان الدفع قبل غروب الشمس جائزاً لدفع قبل غروب الشمس، ووصل إلى مزدلفة في وقت المغرب، وصلى فيها المغرب مطمئناً.
                  وعلى هذا فإن قيل: ما الجواب عن حديث عروة؟
                  قلنا: الجواب عن حديث عروة ـ رضي الله عنه ـ: ما أسلفنا أن تمام الشيء قد يكون تمام واجب، أو ركن، أو سنة.
                  وأيضاً حديث عروة مطلق: «وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً» ، فقيد بفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أنه وقف إلى الغروب، والمقيد يحكم على المطلق.
                  قوله: «والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى ومزدلفة إلى بعد نصف الليل» ، هذا هو الركن الثالث والرابع من واجبات الإحرام.
                  فقوله: «والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى...» ، المراد المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق دون المبيت في ليلة التاسع، فإن المبيت في منى ليلة التاسع ليس بواجب، بل هو سنة، أما المبيت ليالي أيام التشريق بمنى فواجب، والدليل ما يلي:
                  أولاً : ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «رخص لعمه العباس أن يبيت في مكة ليالي التشريق من أجل السقاية»[(420)]، والرخصة تقابلها عزيمة؛ لأن السقاية كانت بيد العباس، فكان ـ رضي الله عنه ـ يسقي الحجاج ماء زمزم مجاناً تعبداً لله ـ عزّ وجل ـ، وإظهاراً لكرم الضيافة، وفي الجاهلية استجلاباً للناس أن يحجوا لأن أهل مكة ينتفعون اقتصادياً من الحجاج، فيسهلون لهم الأمور، ويخدمونهم من أجل تشجيعهم على الحج.
                  ثانياً : قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا عني مناسككم»[(421)] ، وقد بات في منى.
                  وقيل: إنه سنة وليس بواجب، والإمام أحمد لما قيل له إن فلاناً يقول في تركه دم ضحك ـ رحمه الله ـ وقال: هذا شديد، وهذا يدل على أنه يرى أن المبيت بمنى سنة.
                  أما المبيت بمزدلفة فقوله ـ رحمه الله ـ أنه واجب من واجبات الحج قول وسط بين قولين:
                  أحدهما: أن المبيت بها ركن من أركان الحج والآخر أنه سنّة، وقد سبق بيان ذلك[(422)].
                  وقوله: «لغير أهل السقاية والرعاية» ، أهل السقاية أي: سقاية الحجاج من زمزم، والرعاية رعاية إبل الحجاج، وذلك أن الناس فيما سبق يحجون على الإبل، فإذا نزلوا في منى احتاجوا إلى من يرعى إبلهم؛ لأن بقاءها في منى فيه تضييق، وربما لا يتوفر لها العلف الكافي؛ لهذا يذهب بها الرعاة إلى محلات أخرى من أجل الرعي، وقد رخص النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ للرعاة أن يدعوا المبيت بمنى ليالي منى لاشتغالهم برعاية الإبل[(423)].
                  مسألة: هل يلحق بهؤلاء من يماثلهم ممن يشتغلون بمصالح الحجيج العامة كرجال المرور، وصيانة أنابيب المياه، والمستشفيات وغيرها أو لا؟
                  الجواب: نعم يلحقون بهؤلاء لتمام أركان القياس، فإن القياس إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وهذا موجود تماماً فيمن يشتغلون بمصالح الحجيج، وعليه فيقاس على الرعاة والسقاة من يشتغلون بمصالح الناس في هذه الأيام، فيرخص لهم أن يبيتوا خارج منى.
                  ومن له عذر خاص كمريض ينقل للمستشفى خارج منى، هل يقاس على هؤلاء أو لا يقاس؟
                  قال بعض أهل العلم: إنه يقاس بجامع العذر في كل منهم.
                  وقال بعض العلماء: إنه لا يقاس على هؤلاء؛ لأن هذا عذره خاص، والسقاة والرعاة عذرهم عام للمصلحة العامة، فهو لا يشبه الرعاية والولاية، والذي عذره خاص فهذا ينظر في أمره هل يرخص له في ترك المبيت ويقال: إن عليك فدية لترك المبيت، أو يقال لا فدية عليك؟ ولكن قياسه على الرعاة والسقاة قياس مع الفارق.
                  ولكن ليعلم أن المبيت في منى ليس بذاك المؤكد كالرمي مثلاً، والدليل على هذا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يسقط الرمي عن الرعاة، وأسقط المبيت عنهم[(424)]، فدل هذا على أن المبيت في منى ـ وإن عددناه من الواجبات ـ أهون من الرمي؛ ولهذا يخطئ بعض الناس ـ فيما نرى ـ أنه إذا قيل له: رجل لم يبت في منى ليلة واحدة قال: عليه دم، وهو لو قال: عليه دم إذا ترك ليلتين لكان له شيء من الوجه؛ لأنه ترك جنساً من الواجبات، أما إذا ترك ليلة من الليالي فنقول: عليه دم، مع أن الوجوب فيه نظر، ثم الوجوب إنما يكون إذا ترك هذا الجنس من الواجب، أما إذا ترك جزءاً منه فإيجاب الدم عليه فيه نظر واضح، ولهذا كان الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أحياناً يقول: عليه قبضة من طعام، أي: ملئ اليد. وبعض العلماء يقول: درهم وما أشبه ذلك.
                  وقوله: «لغير أهل السقاية والرعاية» .
                  يفهم منه أن أهل السقاية والرعاية يجوز لهم ترك المبيت بالمزدلفة، ولا أعلم لهذا دليلاً من السنة أن الناس يسقون ليلة المزدلفة، ولا أن الرعاة يذهبون بالإبل ليلة المزدلفة لما يلي:
                  أولاً: الرعاة لا حاجة لهم إلى الرعي في ليلة المزدلفة، بل الرواحل عند الناس؛ لأنهم سيرتحلون، فكيف تذهب ترعى في الليل وهم جاؤوا بها من عرفة وأناخوها في مزدلفة وستبقى تنتظر ارتحالهم في صباح تلك الليلة، هل في هذا حاجة للرعاة؟ لا والسقاة أيضاً، فإن الناس لن يذهبوا إلى مكة يشربون ماء زمزم قبل أن يستوطنوا في منى، فاستثناء السقاة والرعاة من وجوب المبيت بالمزدلفة فيه نظر ظاهر.
                  ثانياً: لعدم ورود السنة به.
                  ولكن قد يقول قائل: ما رأيكم في جنود المرور، وجنود الإطفاء، والأطباء، والممرضين، هل ترخصون لهم؟
                  الجواب نقول: لا نرخص لهم؛ لأن المبيت في المزدلفة أوكد من المبيت في منى بكثير، فإن منى لم يقل أحد من العلماء إن المبيت بها ركن من أركان الحج، والمزدلفة قال به بعض العلماء، وهو قول قوي كما سبق، إلا أن الأقوى منه أنه واجب وليس بركن، وعلى هذا فلا بد من المبيت في المزدلفة، ثم يفرق أيضاً بينه وبين ليالي منى أنه ليلة واحدة، أو بعض ليلة للإنسان الذي يريد أن يدفع مبكراً في آخر الليل، أي: لا يقضي ليله كله، فلا يصح قياسه على ليالي منى.
                  مسألة: يشكل على بعض الإخوة أنه يقول: لا بد أن أبيت وأضطجع، وهذا ليس بلازم، وأن المراد بالمبيت المكث في المزدلفة ليلة العيد، سواء أنام أم لم ينم، لكن المبيت بمعنى النوم أفضل من إحيائها بقراءة أو بحث في علم أو تهجد اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد تعرضنا في أثناء الحديث على صفة الحج إلى بحث مسألة الوتر في تلك الليلة، وقلنا: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يدع الوتر حضراً أو سفراً، وهذا عام يشمل حتى ليلة العيد في المزدلفة، وأوردنا على أنفسنا حديث جابر: «ثم اضطجع حتى طلع الفجر» [(425)]، وقلنا: إن هذا مبلغ علم جابر، وإلا فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «بعث أهله من المزدلفة بليل»[(426)] ، هذا يقتضي أن يكون في آخر الليل مستيقظاً، فعلى هذا نقول إن الوتر في تلك الليلة كغيرها من الليالي، لكن التهجد وإحياء الليلة غير مشروع.
                  مسألة: في هذه العصور الأخيرة نشأ إشكال بالنسبة للمبيت بمنى؛ وهو أن الناس لا يجدون مكاناً، فماذا يصنعون؟
                  الجواب: نقول: ينزلون عند آخر خيمة من خيام أهل منى، استدلالاً بقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}} [البقرة: 286] .
                  فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون هذا من جنس الحصر، والحصر عن الواجب فيه دم كما قاله الفقهاء؟
                  قلنا: لأن المكان هنا ممتلئ فلا مكان أصلاً، أما الحصر فالمكان باقٍ لكن يُمْنَعُ منه، أما هنا فلا مكان فهو مثل قطع اليد يسقط غسلها في الوضوء، فيسقط المبيت في هذه الحال، وأن الإنسان يجب أن يكون عند آخر خيمة، أما فعل بعض الناس إذا لم يجد مكاناً في منى ذهب إلى مكة إو إلى الطائف أو ما أشبه ذلك، وقال: ما دام لم نجد مكاناً في منى فلنبت حيث شئنا، فإن هذا ليس بصحيح؛ لأننا نقول: إن المسجد إذا امتلأ وجب اتصال الصفوف ولا تصح الصلاة من بعيد، وهذا كذلك نقول: يجب عليك أن تكون عند آخر خيمة في منى، وإذا سألنا سائل هل يجب أن أكون عند آخر خيمة في الجهة البعدى من مكة أو في أي جهة؟
                  فالجواب: في أي جهة، وعلى هذا فيصح أن تكون في الجهة التي تلي مكة من وراء جمرة العقبة، ولا حرج ما دامت الخيام متصلة.
                  وقوله: «إلى بعد نصف الليل» ، هذا منتهى وجوب المبيت على المشهور من المذهب، فإذا انتصف الليل في المزدلفة انتهى الوجوب فلك أن تدفع، ولا فرق بين العاجز والقادر، ونصف الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، أو إلى طلوع الشمس أيهما أحوط؟ الأحوط إلى طلوع الشمس؛ لأنه أطول فيزيد ساعة ونصفاً تقريباً فنقول: انتظر زيادة ساعة إلا ربعاً على انتصاف الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وبعد ذلك لك الدفع.
                  ولكن القول الصحيح أن الدفع إنما يكون في آخر الليل كما سبق، وكانت أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ تنتظر غروب القمر فإذا غاب دفعت، ثم ذهبت إلى منى ورمت، ثم عادت إلى مكانها في منى وصلت الفجر[(427)].
                  ولعدم ورود نص في ليالي منى خاصة فإن المعتبر البقاء فيها معظم الليل، من أوله أو وسطه أو آخره، فإذا قدرنا أن الليل اثنتا عشرة ساعة فمعظمه سبع ساعات، من أوله أو وسطه أو آخره.
                  قوله: «والرمي» ، هذا هو الواجب الخامس، أي رمي الجمار في يوم العيد جمرة واحدة، وفي الأيام الثلاثة التي بعد العيد ثلاث جمرات، ولا بد أن تكون مرتبة، وسبق ذلك في صفة الحج، لكن الرمي من الواجبات. والدليل على ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الرمي: «إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»[(42] ، وقوله: «لتأخذوا عني مناسككم»[(429)] ، وقال: «بأمثال هؤلاء فارموا» [(430)]، وكونه يحافظ عليه ويأمر أن نرمي بمثل هذه الحصيات يدل على أنه واجب، ولأنه عمل يترتب عليه الحل فكان واجباً، ليكون فاصلاً بين الحل والإحرام.
                  ولا بد أن يكون الرمي مرتباً، وأن يكون بحجر، وأن يكون بسبع حصيات، وسبق الكلام على هذا مفصلاً في صفة الحج فلا حاجة لإعادته.
                  قوله: «والحلاق» ، هذا هو الواجب السادس، الحلاق أي: الحلق وينوب عنه التقصير، ولهذا قال المؤلف في الشرح: «أو التقصير» ، ودليل الحلق فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم[(431)]، وأن الله تعالى جعله وصفاً في الحج والعمرة فقال: {{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ}} [الفتح: 27] ، قال العلماء: وإذا عبر بجزء من العبادة عن العبادة كان دليلاً على وجوبه فيها.
                  قوله: «والوداع» ، وهذا هو الواجب السابع، أي: طواف الوداع، وهو الطواف بالبيت فقط بدون سعي ولا إحرام، وهو من واجبات الحج، هكذا عده المؤلف، وكثير من العلماء؛ لأن حكمه حكم الواجبات في وجوب فعله، ومن لم يفعله فعليه دم.
                  والصحيح أنه ليس من واجبات الحج؛ لأنه لو كان من واجبات الحج لوجب على المقيم والمسافر، وهو لا يجب على المقيم في مكة، وإنما يجب على من سافر، وعلى هذا فلا يتوجه عده في واجبات الحج، إذ إن واجبات الحج لا بد أن تكون واجبة على كل من حج، لكنه واجب على من أراد الخروج من مكة، ودليل هذا حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما&#146>;ـ قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض»[(432)] ، وهذا الأمر للوجوب، ودليل كونه للوجوب قوله: «إلا أنه خفف عن الحائض» ، لأنه لو كان للاستحباب لكان مخففاً على كل أحد؛ لأن المستحب يجوز تركه، ولقوله ـ أيضاً ـ في اللفظ الآخر: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»[(433)].


                  تعليق


                  • #10
                    رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


                    والبَاقِي سُنَن، وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ: إِحْرَامٌ، وَطَوَافٌ، وَسَعْيٌ، وَوَاجِبَاتُها: الحِلاَقُ وَالإِحْرَامُ مِن مِيقَاتها.
                    قوله: «والباقي سنن» ، أي: الباقي من أقوال الحج وأفعاله سنن، وسيأتي حكم كل من الركن والواجب والسنة.
                    قوله: «وأركان العمرة: إحرام، وطواف، وسعي» ، الإحرام نية الدخول في العمرة، والطواف، والسعي معروفان.
                    قوله: «وواجباتها الحلاق، والإحرام من ميقاتها» ، فصارت أركان العمرة ثلاثة، وواجباتها اثنين، أما الطواف والسعي فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تطوف وتسعى وقال: «طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك» [(434)].
                    وأما الإحرام من الميقات فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقّت المواقيت وقال: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة» [(435)]، وأما الحلق فلما تقدم.
                    ولم يذكر طواف الوداع، فظاهر كلامه أنه لا يجب لها طواف وداع؛ لأن عدم الذكر في سياق البيان يدل على أنه لا عبرة به، وعلى هذا فيكون طواف الوداع في العمرة ليس بواجب على المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ، وهذه المسألة فيها قولان:
                    الأول: أنه واجب.
                    الثاني: أنه سنة.
                    والراجح عندي أنه واجب على المعتمر أن يطوف للوداع كما هو واجب على الحاج لما يلي:
                    أولاً : عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»[(436)].
                    فإن قال قائل: هذا القول قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع في الحج ولم يقله في العمرة؟
                    قلنا: نعم نسلم ذلك، ولكن لأنه لم يوجبه الله إلا في ذلك الوقت وما قبل ذلك لم يجب أصلاً، والشرع كما نعلم يتجدد، فقد يجب في هذا الوقت ما لم يكن واجباً من قبل.
                    ثانياً : قوله صلّى الله عليه وسلّم ليعلى بن أمية ـ رضي الله عنه ـ: «اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك»[(437)].
                    وهذا العموم يفيد أن كل ما يفعل في الحج يفعل في العمرة إلا ما قام النص أو الإجماع على أنه مستثنى، كالوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، أو بمنى، ورمي الجمار، فهذا مستثنى بالإجماع، وإلا فالأصل مشاركة العمرة الحج في أفعاله.
                    ثالثاً : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سماها في حديث عمرو بن حزم الذي تلقته الأمة بالقبول الحج الأصغر فقال: «العمرة الحج الأصغر»[(43] فسماها حجاً، وإذا سميت باسمه كان الأصل موافقتها له في الأحكام إلا ما استثني.
                    رابعاً : أنه لا فرق بين الحج والعمرة من حيث المعنى، بل لو قيل: إيجاب طواف الوداع في العمرة أولى من إيجابه في الحج؛ لأن أفعالها أقل وأخف.
                    خامساً : أن هذا الرجل دخل إلى البيت بطواف فليخرج منه بطواف. فإن قيل: ما الجواب على من قال: إنه لم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه طاف للوداع في عُمَـره؟
                    فالجواب: أما عمرة الجعرانة فهو قد طاف وسعى وخرج في ليلته ولهذا كثير من الصحابة لم يعلم بها، وهذا لا إشكال فيه، وأما عمرة القضاء فيقال: إن أصل إيجاب طواف الوداع كان متأخراً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكره إلا في حجة الوداع، نعم لو فرض أنه قاله قبل عمرة القضاء ثم اعتمر ولم يطف للوداع قلنا: العمرة لا طواف لها، لكن أصل الإيجاب لم يجب إلا متأخراً.
                    ولكن لو أن أحداً قدم مكة وطاف وسعى وقصر وانصرف وخرج، فإن هذا يجزئه عن طواف الوداع، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه[(439)] بأن المعتمر إذا طاف وسعى فإنه يكفيه عن طواف الوداع، واستدل بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ لما اعتمرت من التنعيم، فلا يقال: إن هذا لم يجعل آخر عهده بالبيت، نقول في الجواب: لأن السعي تابع للطواف؛ ولهذا ذكر الفقهاء أنه لو أخر طواف الإفاضة فطافه عند الوداع وسعى فإنه يجزئه ولم يعتبروا السعي فاصلاً؛ لأنه يثبت في التابع ما لا يثبت في المستقل، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف للوداع في حجة الوداع، وبعد أن طاف صلى الفجر ثم انصرف[(440)]، ولأن الفصل يسير، وإن كانت فإن هذه الصلاة فيما يظهر ليست تابعة للطواف بمعنى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم ينو كونها نائبة عن صلاة ركعتين بعد الطواف، وعلى كل حال إذا طاف الإنسان فإنه مثاب على القولين جميعاً، لكن إذا تركه فهل يأثم أو لا؟ ينبني على القول بالوجوب أو عدمه؟ إن قلنا بالوجوب فهو آثم وإلا فليس بآثم.

                    فَمَنْ تَرَكَ الإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ وَمَنْ تَرَكَ رُكْناً غَيْرَهُ، أَوْ نِيَّتَه لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلاَّ بِهِ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِباً فَعَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ سُنَّةً فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ.
                    قوله: «فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه» ، «فمن ترك الإحرام » يعني النية، أي: الدخول في النسك، فإنه لا ينعقد نسكه حتى لو طاف وسعى، فإن هذا العمل ملغى، كما لو ترك تكبيرة الإحرام في الصلاة، وأتم الصلاة بالقراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، فصلاته ملغاة لم تنعقد أصلاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»[(441)] ، وهذا الرجل لم ينو الدخول في النسك فلا يكون داخلاً فيه، ولكن تصوير هذه المسألة قد يكون صعباً، كيف نقول لرجل اغتسل في الميقات، ولبس ثياب الإحرام، ولبى: إنه لم ينو، هذا من أبعد ما يكون، لكن إذا قدر أن شخصاً فعل جميع ما يتعلق بالنسك إلا أنه لم ينو فإنه لا ينعقد نسكه، وكل أفعاله ذهبت هدراً، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان إذا فعل أفعال العبادة لا بد أن يكون قد نواها، وذكر عن ابن عقيل من أتباع الإمام أحمد «أن رجلاً جاءه وقال له: يا سيدي تصيبني الجنابة فأذهب إلى دجلة فأغتسل أنغمس فيها، ثم أخرج وأرى أنه لم يرتفع حدثي، فقال له ابن عقيل: لا تصل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق»[(442)] ، وأنت مجنون تذهب وتخلع ثيابك وتنغمس في الماء، ثم تقول: لم أنو، هذا ليس بمعقول»، فالظاهر أن الرجل انتقد نفسه وعرف أنه أخطأ خطأً كبيراً، ولهذا قال الموفق ـ رحمه الله ـ في كتابه «ذم الموسوسين»: إن بعض العلماء قال: «لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق»، وهذا صحيح، فلو قيل لك: توضأ لكن لا تنو الوضوء، وصل، ولكن لا تنو الصلاة، فهذا لا يمكن، صحيح أن الإنسان قد يغيب عنه التعيين فهو ينوي الفعل لكن يغيب عنه التعيين، فيأتي إلى المسجد لصلاة الظهر، ثم يكبر ويصلي، لكن يغيب عن ذهنه أنه نوى الظهر مثلاً، لكن في نيته أنه نوى فرض الوقت، فهل يجزئ أو لا؟
                    الجواب: قال بعض العلماء: إنه لا تجزئ الصلاة؛ لأنه لا بد من التعيين، وقال بعض أصحاب الإمام أحمد وهو ابن شاقلا ـ رحمه الله ـ: إنه يكفيه أن ينوي فرض الوقت، وهذا ـ والحمد لله ـ فيه سعة للناس؛ لأنه كثيراً ما يأتي الإنسان ويحرم بالصلاة لا سيما إذا كان الإمام راكعاً، فإنه يأتي بسرعة وقد لا ينوي التعيين، ولكن لو سألته ماذا نويت قال: نويت أداء الفرض.
                    قوله: «ومن ترك ركناً غيره» ، أي: غير الإحرام لم يتم نسكه إلا به، فلو ترك الطواف، نسياناً فلم يطف طواف الإفاضة نقول: لم يتم حجه فلا بد أن يطوف، فإن كان الركن مما يفوت، فالحج ملغى، كما لو ترك الوقوف بعرفة حتى خرج فجر يوم العيد، فإن الحج انتهى ولا يمكنه الوقوف، فلو قال: أقف يوم العيد، أقضي، وأنا أسعد بالدليل منكم؛ لأنني ناسٍ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»[(443)] ، وأيهما أوكد الصلاة أو الحج؟ نقول له: الصلاة، قال: إذاً أنا نسيت أن اليوم هو التاسع فأقف اليوم العاشر، قلنا: لا يجوز، قال: هذا قياس صحيح أنتم الآن أقررتم بأن الصلاة أوكد، فإذا كان يصح قضاء الصلاة فليصح قضاء الوقوف بعرفة.
                    فيقال: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى ليلة جمع قبل الصبح فقد أدرك»[(444)] ، مفهومه أن من أتى بعد الصبح فإنه لم يدرك، وهذا نص ولا يقاس مع وجود النص.
                    إذاً من ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به، لكن إن كان الركن يفوت ـ ولا يصح التمثيل إلا بالوقوف فقط ـ فإنه في هذه الحال يفوته الحج.
                    قوله: «أو نيته لم يتم نسكه إلا به» ، لو أن المؤلف قال: أو شرطه لكان أعم، مثل لو أنه طاف بالبيت من غير طهارة بناء على القول باشتراط الطهارة للطواف لم يصح طوافه.
                    وقوله: «لم يتم نسكه إلا به» ، أي: لا بد أن يأتي به، وظاهر كلام المؤلف حتى ولو كان ذلك للضرورة، فإن عجز عن ذلك فسوف يأتي في باب الفوات والإحصار حكمه.
                    وقوله: «أو نيته» .
                    الركن الذي يشترط له النية هو الطواف والسعي، أما الوقوف عند الفقهاء فإنه لا يشترط له النية.
                    والصحيح أن الطواف والسعي لا تشترط لهما النية؛ لأن الطواف والسعي جزء من عبادة مكونة من أجزاء فتكفي النية في أولها كالصلاة، بدليل أن المصلي لا يشترط أن ينوي الركوع ولا السجود، ولا القيام ولا القعود، فليس الطواف شيئاً مستقلاً، ويقال: أيضاً إذا كنتم لا تشترطون النية في الوقوف، وهو أعظم أركان الحج حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة»[(445)] ، فما مثله أو دونه من باب أولى، وهذا القول هو الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره، وهو الصواب وفيه مصلحة للناس؛ لأن كثيراً من الناس عند الطواف لو سألته ماذا نويت في الطواف؟ قال: نويت الطواف، وليس على باله أنه للحج أو للعمرة، لكنه متلبس بالحج، وعلى رأي من يشترط النية طوافه غير صحيح، على القول الثاني طوافه صحيح، إذاً نحذف كلمة «أو نيته» لأنه ليس هناك ركن تشترط فيه النية، والإحرام هو نية النسك، وسبق أنه لا ينعقد النسك بفواته، والوقوف لا يشترط له نية.
                    وعليه فلا تشترط نية التعيين أي: أنه طواف للحج، أما نية الطواف فلا بد منها؛ لأنه لا بد أن ينوي الطواف لكن كونه للحج ليس شرطاً، فلو طاف من غير نية أنه للحج أو للعمرة فطوافه صحيح، أما لو أنه حُمِلَ كرهاً وطيف به، وهو لا ينوي فلا يصح طوافه؛ لأنه ما نوى.
                    والدليل على أن تارك الركن لا يصح حجه، أن الركن هو الماهية التي تنبني عليها العبادة، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم في الوقوف: «من أتى ليلة جمع قبل الصبح فقد أدرك»[(446)] ، يدل على أنه إذا فاته الوقوف بعرفة فاته الحج.
                    قوله: «ومن ترك واجباً فعليه دم» ، الواجبات ذكرنا أنها سبعة، وإذا أطلق الدم في لسان الفقهاء فهو: سبع بدنة، أو سبع بقرة، أو واحدة من الضأن أو المعز، ولا بد فيها من شروط الأضحية، وهي أن تكون قد بلغت السن المعتبر وهو في الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن نصف سنة ستة أشهر، ولا بد أيضاً أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء كالعور البين ونحوه.
                    وهذا الدم دم جبران لا دم شكران، وعليه فيجب في الحرم أن يتصدق به جميعه على فقراء الحرم، ويوزع في الحرم، فإن ذبحه خارج الحرم لم يجزئ، ولو ذبح هدي المتعة والقران في عرفة لم يجزئ؛ لأنه في غير المكان المعتبر شرعاً، فإذا ذبحه في عرفة فكأنما ذبحه في الصين، ولو ذبح في الصين مثلاً وجاء به إلى عرفة لم يجزئ، فالحل واحد من عرفة إلى أبعد الدنيا.
                    وقال بعض الشافعية: إذا ذبحه في الحل وفرقه في الحرم فلا بأس؛ لأن أهله هم أهل الحرم، وقد أداه إليهم، ولكن قد يقال: إن هذا غير صحيح؛ لأنه يفرق بين ذبحه في الحرم وذبحه في الحل، حيث إنه عبادة والعبادة في الحرم أفضل منها في الحل، فإذا ذبح في الحل فاتته الأفضلية، وحينئذٍ لا يصح، وإن كان المقصود التصدق على فقراء الحرم أن يصل إليهم لكن ـ أيضاً ـ الذبح نفسه عبادة، فكونه ينقل من محل فاضل إلى محل مفضول يقتضي عدم الإجزاء، كما لو نذر أن يصلي ركعتين بالمسجد الحرام فإنه لا يصح أن يصلي الركعتين في المسجد النبوي؛ لأن المسجد الحرام أفضل، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ما عذر الصحابي الذي ذبح أضحيته في غير الوقت، فالقول بعدم الإجزاء هو الراجح نظراً، لكن إذا سألنا أناس وليس في المسألة دليل واضح ينهى عن الذبح في الحل، فينبغي أن يقال: لا تعيدوا ولا تعودوا، لا تعيدوا أي: لا تذبحوا مرة ثانية، ولا تعودوا أي: لا تعودوا لمثله، خصوصاً إذا كانوا أناساً يغلب عليهم الجهل وسلامة القلب، وأنهم ما تعمدوا المخالفة، والمقصود حصل بإعطاء اللحم إلى أهله، فإن قيل: أفلا نقول: إن من ذبحها في المكان الذي لا يذبح فيه ـ وإن كان معذوراً بجهل ـ نلزمه بالإعادة؟
                    هذا لا شك إيراد قوي؛ لأن المخالفة في المكان كالمخالفة في الزمان، ولكن الذي يمنع من إلحاق هذه بهذه أنه ليس هناك نص أن الذبح لا بد أن يكون في الحرم، أما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل منى منحر»[(447)]، «وكل فجاج مكة طريق ومنحر» [(44]، فلا يدل على أن غيرها ليس بمنحر إلا بالمفهوم، ومثل هذه الأمور التي ليس فيها نص، والأمر قد انقضى وانتهى، لا حرج على الإنسان أن يراعي أحوال المستفتي، فلا يشق عليه في أمر لم يجد فيه نصاً، لكن يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة لأنها مهمة.
                    وقوله: «فعليه دم» ما الدليل على أن تارك الواجب عليه دم؟
                    هذا ـ أيضاً ـ يحتاج إلى دليل واضح يستطيع أن يواجه الإنسان ربه به، إذا أوجب على عباد الله ما لم يوجبه الله عليهم؛ لأن إيجاب ما لم يجب كإسقاط ما وجب أو أشد؛ لأن إسقاط ما يجب تخفيف، وإيجاب ما لم يجب تشديد، والموافق للإسلام التخفيف، فإيجاب ما لم يجب أشد من إسقاط ما يجب؛ لأنه أعظم، وفيه قول على الله بلا علم، وإشقاق على العباد، وإسقاط ما وجب بمقتضى الاجتهاد ليس فيه إلا شيء واحد، وهو إسقاط ما عسى أن يكون واجباً، لكن هل فيه تكليف على العباد؟
                    الجواب: لا، وكذلك نقول في التحريم والتحليل، فتحريم ما كان مباحاً أشد من إباحة ما عسى أن يكون حراماً.
                    والدليل على هذا قول صحابي جليل وهو ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حيث قال: «من ترك شيئاً من نسكه، أو نسيه فليهرق دماً»[(449)] ، ومبنى هذا الاستدلال على أن مثل هذا القول لا يقال بالرأي، فيكون له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال قولاً أو فعل فعلاً لا يقال بالرأي ولا يفعل بالرأي حمل على أنه مرفوع حكماً، ولا يرد على هذا القول الشبهة التي أثيرت حول ما يخبر به عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن بني إسرائيل، وأنه ممن عرف بالتساهل في النقل عنهم، مع أن الأمر ليس بصحيح، بل يشدد في النقل عنهم، كما سبق، كما أن هذا حكم وليس خبراً، فعليه نقول ما يلي:
                    أولاً: هذا الحكم صدر من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي.
                    ثانياً: على فرض أن مثله يقال بالرأي وأن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ اجتهد فأداه اجتهاده إلى وجوب الدم، فإنه قول صحابي لم يظهر له مخالف فكان أولى بالقبول من قول غيره، وهذا الاحتمال على تقدير أنه لم يثبت له حكم الرفع، وأنه قاله بالاجتهاد.
                    وكيف يكون بالاجتهاد؟
                    الجواب: لأنه ـ رضي الله عنه ـ رأى أنَّ تركَ ما يجب كفعل ما يحرم، كلاهما انتهاك للنسك، وفعل ما يحرم ثبت بالنص القرآني أن فيه نسكاً، قال الله تعالى: {{وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}} [البقرة: 196] ، وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ اختار أكمل الثلاثة فقال: «من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً» ، فيكون هذا الرأي مبنياً على اجتهاد، وهو قياس انتهاك النسك بترك الواجب على انتهاكه بفعل المحظور، فوجب الدم.
                    ونحن نقول: إن ثبت هذا من جهة النظر، أي إن سُلِّمَ الدليل من جهة النظر، وأن في ترك الواجب دماً فذاك، وإن لم يسلم، وقيل: الأصل براءة الذمة، وقول الصحابي المبني على الاجتهاد كقول غيره من الناس فيقال: في إيجاب الدم بترك الواجب مصلحة، وهي حفظ الناس عن التلاعب، فلو قيل: ليس في ترك الواجب دم، وأن في تركه الاستغفار والتوبة، فأكثر الناس لا يهتمون، يقول: أملأ لك أجواء مكة كلها إلى المدينة استغفاراً وتوبة ولا مانع عندي، لكن لا تجعلني أخسر، ولو خمسين ريالاً، فكثير من الناس يهمه المال أكثر من انتهاك النسك.
                    فلو قيل: إن هذا واجب، ومن تركه فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، فهل يحترم الناس هذا النسك، كما لو قلنا إن فيه الدم تذبحه في مكة، وتوزعه على الفقراء؟
                    الجواب: لا، لا يكون نظر الناس إلى الواجب سواء؛ لهذا نرى إلزام الناس بذلك، وإن كان ثبوته من حيث النظر والاستدلال فيه مناقشة واعتراض، فنقول: إن هذا من باب تربية المسلمين على التزامهم بالواجب، وما دمنا مستندين إلى قول صحابي جليل دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم «أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل»[(450)] ، فإننا نرجو أن نكون قد أبرأنا ذمتنا بذلك، والله يعلم المفسد من المصلح.
                    ولهذا نحن نفتي بأنه يجب على من ترك واجباً أن يذبح فدية يوزعها على الفقراء في مكة لهذا النظر الذي ذكرناه، لكن إذا لم يجد دماً، فالمذهب الواجب عليه أن يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يتمكن من صيامها في الحج صامها في بلده.
                    لكن هذا القول لا دليل عليه لا من أقوال الصحابة ولا من القياس.
                    وليس هناك دليل على أن من عدم الدم في ترك الواجب يجب عليه أن يصوم عشرة أيام؛ لأن قياس ذلك على دم المتعة قياس مع الفارق؛ فدم المتعة شكران، وأما الدم لترك الواجب فدم جبران، لذلك نرى أن القياس غير صحيح، وحينئذٍ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك، أو وَكِّلْ من تثق به من الوكلاء، فإن كنت غير قادر فتوبتك تجزئ عن الصيام لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وهذا هو الذي نراه في هذه المسألة.

                    -----------------------------

                    تعليق


                    • #11
                      رد: صفة الحج والعمرة للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-


                      [274] سبق تخريجه، ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [275] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه ـ في الحج/ باب الإهلال من البطحاء، ووصله الإمام أحمد (3/37 وصححه ابن خزيمة (2794)؛ وابن حبان (3796).
                      [276]ـ[277] سبق تخريجه ص(76).
                      [278] أخرجه أحمد (6/187، 207)؛ وأبو داود في المناسك/ باب تحريم مكة (2019)؛ والترمذي في الحج/ باب ما جاء أن منى مناخ من سبق (881)؛ وابن ماجه في المناسك/ باب النزول بمنى (3006)؛ وابن خزيمة (2891)؛ والحاكم (1/467) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ وصححه ابن خزيمة، وقال الحاكم: «على شرط مسلم» ووافقه الذهبي.
                      [279] سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [280] رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (30640)، (6/199).
                      [281] أخرجه البخاري في الحدود/ باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع... (678؛ ومسلم في الحدود/ باب قطع يد السارق الشريف وغيره (168 عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
                      [282] سبق تخريجه من حديث جابر ص(76).
                      [283] أخرجه مسلم في الحج/ باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (121، (149) عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ.
                      [284] أخرجه الإمام أحمد (4/82) عن جبير بن مطعم وفي إسناده انقطاع، وأخرجه ابن حبان (3854) إحسانه؛ والبزار (1126) «كشف الأستار»، وابن عدي (3/111؛ والبيهقي (9/295) وهو منقطع أيضاً كما في «نصب الراية» (3/61).
                      وأخرجه الطبراني في «الكبير» (1583) وفيه ضعف كما في «نصب الراية» (3/61)، وأخرجه الحاكم (1/426)؛ والبيهقي (5/115)؛ والطحاوي في «مشكل الآثار» (1194) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فلعل الحديث يتقوى بهذه الطرق والمتابعات، وانظر: «التلخيص» (104؛ و«التعليق على صحيح ابن حبان» و«مشكل الآثار» طبعة الرسالة.
                      [285] كما في حديث جابر ص(76).
                      [286] أخرجه الإمام أحمد (5/209)؛ والنسائي في المناسك/ باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة (5/254) وصححه ابن خزيمة (2824) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
                      [287] سبق تخريجه ص(76).
                      [288] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء/ باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة... (2690) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
                      [289] أخرجه الترمذي في الدعوات/ باب في دعاء يوم عرفة (3585) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ والإمام أحمد (2/210) عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ولفظه: كان أكثر دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة لا إله إلا الله... وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، ورواه مالـك (1/421) عن طلحة بن عبيد الله مرسلاً وصحح إسناده الألباني في «المشكاة» (2/797) وجعله شاهداً للمرفوع، وانظر: «التلخيص» (1042).
                      [290] أخرجه البخاري في الإيمان/ باب أحب الدين إلى الله أدومه (43)؛ ومسلم في الصلاة/ باب فضيلة العمل الدائم (785) (221) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
                      [291] أخرجه البخاري في الجهاد والسير/ باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992)؛ ومسلم في الذكر والدعاء/ باب استحباب خفض الصوت بالذكر (2704) عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ.
                      [292] سبق تخريجه ص(231).
                      [293] كما في حديث جابر ص(76).
                      [294] سبق تخريجه، ص(240).
                      [295] سبق تخريجه، ص(231).
                      [296] كما في حديث جابر، ص(76).
                      [297] أخرجه البخاري في الحج/ باب أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسكينة عند الإفاضة (1671) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
                      [298] أخرجه البخاري في الحج/ باب النزول بين عرفة وجمع (1669)، ومسلم في الحج/ باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة (1280) عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما.
                      [299]ـ[300] كما في حديث أسامة بن زيد، ص(303).
                      [301] أخرجه البخاري في التيمم (335)؛ ومسلم في الصلاة/ باب المساجد ومواضع الصلاة (521).
                      [302] أخرجه الإمام أحمد (4/173) والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر (411) عن يعلى بن مرة ـ رضي الله عنه ـ قال الترمذي: غريب، وقال النووي في الخلاصة (283): إسناده جيد.
                      [303] «المنهج لمريد العمرة والحج» ص(27).
                      [304] وفيه: «أن ابن مسعود أتى المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريباً من ذلك، فأمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلى العشاء ركعتين»، أخرجه البخاري في الحج/ باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما (1675).
                      [305] وهو المذهب.
                      [306] أخرجه مسلم في الحج/ باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (121 (149) عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما.
                      [307] أخرجه البخاري في الحج/ باب من قدم ضعفة أهله بليل (167؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب تقديم دفع الضعفة (1293) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
                      [308] أخرجه مسلم في الحج/ باب استحباب تقديم الضعفة من النساء وغيرهم من مزدلفة إلى منى (1294) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
                      [309] أخرجه البخاري في الحج/ باب من قدم ضعفة أهله بليل (1679)؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب تقديم الضعفة (1291).
                      [310] سبق تخريجه ص(231).
                      [311]ـ[312] سبق من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ص(76).
                      [313] سبق تخريجه ص(240).
                      [314] أخرجه البخاري في الحج/ باب من قدم ضعفة أهله بليل (1681)؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب تقديم دفع الضعفة... (1290).
                      [315] كما سبق في حديث جابر، ص(76).
                      [316] سبق تخريجه ص(306).
                      [317]ـ[318] سبق تخريجه ص(76).
                      [319] أخرجه البخاري في الحج/ باب متى يدفع من جمع (1684) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [320] أخرجه البخاري في الحج/ باب من قدم ضعفة أهله بليل... (1676)؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب تقديم دفع الضعفة (1295).
                      [321] كما سبق في حديث جابر ص(76).
                      [322] أخرجه البخاري في الصلاة/ باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب (433)؛ ومسلم في الزهد/ باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكياً (2980) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما.
                      [323] أخرجه الإمام أحمد (1/215، 347)؛ والنسائي في المناسك/ باب التقاط الحصى (5/26؛ وابن ماجه في المناسك/ باب قدر حصى الرمي (3029) وصححه ابن خزيمة (2867)؛ وابن حبان (3871)؛ والحاكم (1/466) وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
                      [324] كما سبق في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ص(76).
                      [325] سبق تخريجه ص(15.
                      [326] سبق تخريجه ص(31.
                      [327] سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [328] أخرجه أحمد (6/64) وأبو داود في المناسك/ باب في الرمل (188 والترمذي في الحج/ باب ما جاء كيف ترمى الجمار؟ (902) وابن خزيمة (2970) والحاكم (1/459) عن عائشة رضي الله عنها وصححه ابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي.
                      [329] كما سبق في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ص(76).
                      [330] كما سبق في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ص(76).
                      [331] أخرجه البخاري في الحج/ باب رمي الجمار من بطن الوادي (1747)؛ ومسلم في الحج/ باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي (1296).
                      [332] سبق تخريجه ص(280).
                      [333] لحديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرمي يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس».
                      أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في الحج/ باب رمي الجمار؛ ووصله مسلم في الحج/ باب بيان وقت استحباب الرمي (1299) (314).
                      [334]ـ[335] سبق تخريجه ص(76).
                      [336] سبق تخريجه من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ص(76).
                      [337] أخرجه البخاري في الحج/ باب الحلق والتقصير (1727)، (172؛ ومسلم في الحج/ باب تفضيل الحلق على التقصير (1301)، (1302) عن ابن عمر وأبي هريرة ـ رضي الله عنهم ـ.
                      [338] أخرجه الإمام أحمد (6/143)؛ وابن خزيمة (2937) والدارقطني (2/276)؛ وزاد: «وذبحتم» والبيهقي (5/136) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ انظر: نصب الراية (3/81) والتلخيص (1057).
                      [339] فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء». أخرجه الإمام أحمد (1/234).
                      وقال أحمد شاكر في تحقيق «المسند» (3090): إسناده منقطع.
                      وأخرج أبو داود في المناسك/ باب رمي الجمار (197؛ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء».
                      قال أبو داود: هذا حديث ضعيف.
                      انظر: «نصب الراية» (3/81)؛ و«التلخيص» (2/260)؛ و«الإرواء» (4/235).
                      [340] سبق تخريجه ص(330).
                      [341] سبق تخريجه ص(64).
                      [342] أخرجه البخاري في الحج/ باب التمتع والقران والإفراد بالحج (1566)؛ ومسلم في الحج/ باب بيان أن القارن لا يتحلل... (1229) عن حفصة ـ رضي الله عنها ـ.
                      [343] سبق تخريجه ص(332).
                      [344] سبق تخريجه ص(32.
                      [345]ـ[346] أخرجه البخاري في الحج/ باب الفتيا على الدابة (1736)، (1737)؛ ومسلم في الحج/ باب من حلق قبل النحر (1306) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما.
                      [347] أخرجه البخاري في الأذان/ باب إذا ركع دون الصف (783).
                      [348] سبق تخريجه ص(273).
                      [349] سبق تخريجه ص(76).
                      [350] سبق تخريجه ص(231).
                      [351] كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص(76).
                      [352] أخرجه الإمام أحمد (6/295)، (303)؛ وأبو داود في المناسك/ باب الإفاضة في الحج (1999)؛ وابن خزيمة (295؛ والبيهقي (5/136، 137) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قال البيهقي: لا أعلم أحداً من الفقهاء يقول بذلك.
                      [353] سبق تخريجه ص(70).
                      [354] أخرجه مسلم في الحج/ باب بيان وجوه الإحرام (1215).
                      [355] أخرجه البخاري في الحج/ باب طواف القارن (163 ولفظه: «فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحداً»؛ ومسلم في الحج/ باب بيان وجوه الإحرام (1211)؛ ولفظه: «فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا إلى منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً».
                      [356] أخرجه البخاري في الحج/ باب قوله تعالى: «ذلك لمن لم يكن أهله حاضري...» (1572) ولفظه: «أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا، وعلينا الهدي».
                      [357] سبق تخريجه ص(343).
                      [358] في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد سبق ص(76).
                      [359] سبق تخريجه ص(270).
                      [360] أخرجه ابن ماجه في المناسك/ باب الشرب من زمزم (3061)؛ والدارقطني (2/28؛ والبيهقي (5/146) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما، وضعفه الألباني في «الإرواء» (4/325).
                      [361] لما رواه عكرمة قال: كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال: «اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء».
                      أخرجه الدارقطني (2/28؛ والحاكم (1/473) وقال: «صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي وقد سبق الكلام على رواية الحاكم عند الكلام على حديث: «ماء زمزم لما شرب له»، وأما رواية الدارقطني فقد ضعف إسنادها في «الإرواء» (4/333).
                      [362] هذا من فعل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقد سبق في حديث إن آية ما بيننا وبين المنافقين التضلع من زمزم وليس فيه الرسن على الثوب.
                      [363] أخرجه البخاري في الأشربة/ باب الشرب بنفسين أو ثلاثة (5631) ومسلم في الأشربة/ باب كراهة التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء (202 عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
                      [364] سبق تخريجه ص(325).
                      [365] أخرجه ابن أبي شيبة (321) الجزء المفقود موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنهما وإسناده صحيح كما قال الحافظ في الفتح (3/683) ط/الريان.
                      [366] سبق تخريجه ص(326).
                      [367] سبق تخريجه ص(240).
                      [368] أخرجه البخاري في «المناقب»/ باب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (3560)؛ ومسلم في «الفضائل»/ باب مباعدته صلّى الله عليه وسلّم للآثام (2327) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
                      [369] لما روى وبرة قال: سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما: «متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة، قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا»، أخرجه البخاري في الحج/ باب رمي الجمار (1746).
                      [370] أخرجه البخاري في الحج/ باب إذا رمى بعدما أمسى (1735) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما.
                      [371] انظر: «لسان العرب» مادة «مسا».
                      [372] سبق تخريجه ص(240).
                      [373] وهذا هو المذهب.
                      [374] سبق تخريجه ص(240).
                      [375] أخرجه الإمام أحمد (5/450)؛ وأبو داود في الحج/ باب في رمي الجمار (1976)؛ والترمذي في الحج/ باب ما جاء في الرخصة للرعاة أن يرموا يوماً... (954)؛ والنسائي في المناسك/ باب رمي الرعاة (5/273)؛ وابن ماجه في المناسك/ باب تأخير رمي الجمار من عذر (3036) وصححه ابن خزيمة (2976)، (2977)؛ وابن حبان (388 عن عاصم بن عدي ـ رضي الله عنه ـ وأخرجه الإمام أحمد (5/450)؛ وأبو داود (1975)؛ والترمذي (955)؛ والنسائي (5/273)؛ وابن ماجه (3037)؛ وصححه ابن خزيمة (1979) عن عاصم بن عدي ـ رضي الله عنه ـ بلفظ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رخص لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر فيرمونه في أحدهما»، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال: إنه أصح من اللفظ الأول.
                      [376] وهذا هو المذهب.
                      [377] أخرجه البخاري في الحج/ باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم ليالي منى (1743)؛ ومسلم في الحج/ باب وجوب المبيت بمنى (1315) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ واللفظ للبخاري.
                      [378] سبق تخريجه ص(276).
                      [379] أخرجه البيهقي (5/152)؛ وأخرجه مالك في «الموطأ» (1/407)؛ ومن طريق البيهقي (5/152) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما.
                      وصححهما النووي في «المجموع» (8/283) وروى مرفوعاً ولا يثبت، كما قال البيهقي.
                      [380] أخرجه البخاري في الحج/ باب طواف الوداع (1755)؛ ومسلم في الحج/ باب وجوب طواف الوداع (132.
                      [381] سبق تخريجه ص(231).
                      [382] أخرجه البخاري في الحج/ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت (1757)؛ ومسلم في الحج/ باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض (1211) (382) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
                      [383] سبق تخريجه ص(361).
                      [384] سبق تخريجه ص(22).
                      [385] سبق تخريجه ص(361).
                      [386] كما يفهم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عند البخاري في الحج/ باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج (178، ومسلم في الحج/ باب وجوه الإحرام (1211) (123)، وحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ عند البخاري في الصلاة/ باب إدخال البعير في المسجد للعلة (464)؛ ومسلم في الحج/ باب جواز الطواف على بعير وغيره (1276).
                      [387] سبق تخريجه ص(361).
                      [388] سبق تخريجه ص(187).
                      [389] سبق تخريجه ص(336).
                      [390] سبق تخريجه ص(51).
                      [391] سبق تخريجه ص(22).
                      [392] سبق تخريجه ص(70).
                      [393] أخرجه أبو داود في المناسك/ باب الملتزم (189؛ والبيهقي (5/92) عن عبد الرحمن بن صفوان ـ رضي الله عنه ـ وضعفه المنذري في «تهذيب السنن» (181؛ وأخرجه أيضاً أبو داود في المناسك/ باب الملتزم (1899)؛ وابن ماجه في الناسك/ باب الملتزم (2962)؛ وعبد الرزاق (9043، 9044)؛ والدارقطني (2/289)؛ والبيهقي (5/93) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما، وضعفه المنذري في «تهذيب السنن» (1819)؛ والبيهقي وابن التركماني في «الجوهر النقي».
                      [394] صح ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كما عند عبد الرزاق (9047) بسند صحيح كما قال الحافظ في «الدراية» (2/30، 31).
                      [395] سبق تخريجه ص(363).
                      [396] أخرجه الدارقطني (2/27؛ والطبراني في «الكبير» (13497)؛ وابن عدي (2/790)؛ والبيهقي (5/246) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما.
                      [397] انظر كلام شيخ الإسلام على هذا الحديث في التوسل والوسيلة ص(143) حيث حكم عليه بالوضع، وأيضاً الصارم المنكي لابن عبد الهادي ص(62)، وضعفه الحافظ في «التلخيص» (1075).
                      [398] أخرجه مسلم في الجنائز/ باب استئذان النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه ـ عزّ وجل ـ في زيارة قبر أمه (976) (10 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
                      [399]ـ[400] سبق تخريجه ص(51).
                      [401] سبق تخريجه ص(4.
                      [402] سبق تخريجه ص(54).
                      [403] أخرجه البخاري في العمرة/ باب عمرة في رمضان (1782)؛ ومسلم في الحج/ باب فضل العمرة في رمضان (1256) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
                      [404] أخرجه البخاري في جزاء الصيد/ باب حج النساء (1863)؛ ومسلم من الكتاب السابق (1256)، (222) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما.
                      [405] سبق تخريجه ص(84).
                      [406] سبق تخريجه ص(15.
                      [407] انظر على سبيل المثال: «صحيح مسلم» (106)، (107)، (10.
                      [408] أخرجه البخاري في الأذان/ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة... (660)؛ ومسلم في الزكاة/ باب فضل إخفاء الصدقة (1031) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
                      [409] سبق تخريجه ص(6.
                      [410] سبق تخريجه ص(19).
                      [411] سبق تخريجه ص(269).
                      [412] أخرجه مسلم في الحج/ باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن... (1277).
                      [413] سبق تخريجه ص(231).
                      [414] سبق تخريجه ص(19).
                      [415] سبق تخريجه ص(52).
                      [416] أخرجه البخاري في الحج/ باب فرض مواقيت الحج والعمرة (1522).
                      [417] سبق تخريجه ص(231).
                      [418] سبق تخريجه ص(76).
                      [419] سبق تخريجه ص(352).
                      [420] سبق تخريجه ص(199).
                      [421] سبق تخريجه ص(204).
                      [422] انظر ص(384).
                      [423] سبق تخريجه ص(357).
                      [424] سبق تخريجه ص(357).
                      [425] سبق تخريجه ص(76).
                      [426] سبق تخريجه ص(306) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
                      [427] سبق تخريجه ص(307).
                      [428] سبق تخريجه ص(322).
                      [429] سبق تخريجه ص(240).
                      [430] سبق تخريجه ص(31.
                      [431] سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [432] سبق تخريجه ص(361).
                      [433] أخرجه مسلم في الحج/ باب وجوب طواف الوداع (1327) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
                      [434] سبق تخريجه ص(84).
                      [435] سبق تخريجه ص(397).
                      [436] سبق تخريجه ص(4.
                      [437] أخرجه البخاري في العمرة/ باب يفعل في العمرة ما يفعل بالحج (1789)؛ ومسلم في الحج/ باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة (1180).
                      [438] سبق تخريجه ص(76).
                      [439] في كتاب الحج/ باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع.
                      [440] سبق تخريجه ص(364).
                      [441] سبق تخريجه ص(70).
                      [442] أخرجه أبو داود في الحدود/ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً (439 والنسائي في الطلاق/ باب من لا يقع طلاقه من الأزواج (6/156) وابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041) وصححه ابن حبان (142) والحاكم (2/59) ووافقه الذهبي عن عائشة رضي الله عنها.
                      [443] سبق تخريجه ص(202).
                      [444] سبق تخريجه ص(19).
                      [445] سبق تخريجه ص(19).
                      [446] سبق تخريجه ص(19).
                      [447] أخرجه مسلم في الحج/ باب ما جاء أن عرفة كلها موقف (121 (149) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
                      [448] أخرجه أبو داود في المناسك/ باب الصلاة بجمع (1937) وابن ماجه في المناسك/ باب الذبح (304 والحاكم (1/460) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
                      [449] سبق تخريجه ص(187).
                      [450] أخرجه أحمد (1/266)؛ والطبراني في الكبير (10614)؛ والحاكم (3/534) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X