إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

خطورة إهدار ما كتبه علماء الحديث المتأخرون زماناً للشيخ محمد بن عمر بازمول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقتطف] خطورة إهدار ما كتبه علماء الحديث المتأخرون زماناً للشيخ محمد بن عمر بازمول



    إن بعض الناس يتشدد في تعصبه للمتقدمين حتى يطرح كل ما جاء في كتب المصطلح جملة وتفصيلاً، فمن كتاب معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح إلى كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر لابن حجر، بله ما كتب بعدهما، كل ذلك لا عبرة به، و لا يمثل علم الحديث الذي قرره المتقدمون و لا بد من إعادة كتابة المصطلح على أساس الاستقراء والتقعيد من كلام الأئمة المتقدمين!
    ولست أشك أن هذا من التشدد المذموم، فقد تحجر صاحبه واسعاً.
    وقوله هذا من الحرمان من خير يسره الله تعالى للناس على أيدي هؤلاء العلماء.
    وفيه إنكار لجهودهم وعلمهم، وفي ذلك خروج عن سبيل المؤمنين، الذين أقروا وأجمعوا على فضلهم وفضل جهودهم وعلى علمهم.
    ويلزم من هذا القول لوازم شديدة، كل واحد منها يكفي في نقض هذا القول ورده، وهي مسلمات علمية، وهي التالية:
    المسلمة الأولى : أن الاشتغال بالحاصل تحصيل حاصل!
    وتوضيح ذلك : أن العمل الذي قام به ابن الصـلاح والعلماء من بعده، هو خلاصة استقرائهم وتتبعهم لكلام المتقدمين. وتقعيدهم مبني على أصول علمية صحيحة؛ فالدعوة إلى الاستقراء وتقعيد القواعد، هي عودة إلى تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل لا فائدة فيه! بل هو إهدار للجهد، وإضاعة للوقت بما لا ينفع، (بل وقد يضر)([1])!
    فإن قيل: وماذا يمنع من أن نستقري كلام المتقدمين ونقعد القواعد من كلامهم مباشرة؟
    فالجواب : يمنع من ذلك الأمور التالية:
    1ـ أنه تحصيل حاصل كما تقدم! ودخول من باب لا تنتهي قضيته، فأنت تزعم أنك تستقري وتقعد، يأت آخر لا يرضى ما قعدته و لا استقراءك فيعيد العملية لأنك متأخر، وهكذا بعد، وهذا كله جهد ضائع، لا مبرر له!
    2ـ أن استقراءنا مهما زعمنا ناقص، إذ هناك كتب ومصادر علمية يذكرها ابن الصـلاح وغيره من المتأخرين لم نقف عليها إلى اليوم! فمن أين لنا الاستقراء التام المزعوم أو حتى الأغلبي!
    3ـ أننا لو خيرنا أدنى طلبة العلم بين قواعد يقعدها أناس في عصرنا هذا وبين قواعد قعدها العلماء وجروا عليها أجيالاً كثيرة مع التحرير والتدقيق، فإنهم بلا شك سيختارون الجري على القواعد المقررة لا القواعد المحدثة!
    نعم؛ استقري وتتبع بحسب ما بين يديك، وابدأ من حيث انتهى غيرك، فعسى أن تكمل نقصاً وقع في كلامه، أو توضح مبهماً جاء في عبارته، أو تقيد مطلقاً جاء بيانه!
    (وهل هؤلاء الذين ينادون بوضع مصطلحات جديدة ، وبإهدار جهود المتأخرين؛ موضع لثقة الأمة علماً و عقيدة ومنهجاً، بل وصدقاًً وأمانة)؟([2]) ‍‍.
    المسلمة الثانية : ما كان لازمه باطلاً فهو باطل!
    ويوضح هذا هنا : أن هذه الدعوة إلى طرح ما قرره العلماء من ابن الصلاح (ت643هـ) إلى اليوم ، جملة وتفصيلاً، والعودة إلى الاستقراء لكلام أئمة الحديث والتقعيد مرة ثانية، تستلزم إلغاء جميع أحكام العلماء على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً، من بعد ابن الصـلاح إلى يومنا، وهذا هدم للدين، وإضاعة للسنة([3]).
    المسلمة الثالثة : العبرة بالمآل، وعواقب الأمور وخواتيمها!
    وذلك أن هذا القول سيؤول إلى خلل كبير، إذ لا يعود أصحابه قادرين على الحكم على حديث ما بالتصحيح أو التضعيف، خاصة عندما يختلف كلام الأئمة المتقدمين في حديث ما، أو لم يضبط مصطلح ما لهم، فما صححه فلان ضعيف عند فلان، وهذه العبارة من فلان بهذا المعنى عند فلان وبهذا المعنى عند الآخر! فالذي عنده غير الذي عندك!
    ومعلوم أن شعب السفسطة، هي: العندية، والعنادية، واللا أدرية! ومآل أصحاب هذا القول؛
    إما إلى العناد في إثبات ما يظنونه من الحقائق، على سبيل: "عـنـز ولو طارت"!
    وإما إلى العندية، فكل واحد منهم عنده من فهم الحقائق والمراد منها ما ليس عند الآخر، وكل راضٍ بما عنده، فهذا الحق عندك وهذا الحق عندنا في المسألة الواحدة!
    وأما اللا أدرية فجواب كل شيء عندها: لا أدري ممكن كذا وممكن كذا!
    وكفى بهذا سفسطة ونفياً للحقائق!
    المسلمة الرابعة : أن لا معصوم إلا الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم!
    وبيان ذلك : أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون، وكل واحد من العلماء يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب القبر صلوات ربي وسلامه عليه، فادعاء لزوم الأخذ بكلام أفراد المتقدمين وترك مخالفته، حتى ولو قام الدليل على خلافه، هو حكم لهم بالعصمة، وهذا يخالف بدهية شرعية أن لا معصوم إلا من عصمه الله!
    المسلمة الخامسة : أن الأمة لا تجتمع على ضلالة!
    وتوضيح ذلك : أن الحكم باختلال قواعد علم الحديث التي قعدها ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله، مستقرئاً لها من كلام أئمة الحديث، متبعاً تقريراتهم وكلامهم على الرواة والأحاديث، مقتدياً بمن سبقه إلى هذا كأبي عبدالله الحاكم (ت405هـ)، والخطيب البغدادي (ت463هـ)، وسار عليها العلماء إلى يومنا هذا، حكم باجتماع الأمة على ضلالة، واتهام للعلماء بالقصور والتقصير، وكفى بهذا جهلاً!
    المسلمة السادسة : أن لا قدح فيما تبرئ منه !
    وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصـلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
    ـ تهمتهم بإدخال مسائل في علم الحديث هي ليست منه! كإدخالهم مبحث المتواتر في علوم الحديث، وهو ليس منها، لأن المتواتر لا يبحث عن رجاله!
    والواقع أنه لا محل للاعتراض أو القدح هنا، لأن ابن الصـلاح ومن تبعه من العلماء تبرؤا من ذلك، ونبهوا إلى إدراكهم هذه الأمور؛ وقد سبق نقل كلام ابن الصلاح وابن حجر في ذلك، عند مناقشة الدليل الثاني.
    فكيف يُجعل ذكر المتواتر في كتب علوم الحديث، دليلاً على أنهم لم يلتزموا بكلام المتقدمين، والحال أنهم تبرؤا من عهدة نسبته إلى علوم الحديث، وإنما ذكروه من أجل بيان القسمة والصورة التي يقع عليها النقل، وتحرير النقل الذي هو موضوع علم الحديث؟!
    المسلمة السابعة : ما بني على باطل فهو باطل!
    وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصـلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
    تحكمهم في تعريف النوع الحديثي، باختيار معنى له، دون مراعاة ما عليه بعض الأئمة المتقدمين! كما تراهم في تعريف الشاذ حيث اعتمدوا تعريف الشافعي (ت204هـ) رحمه الله وأهملوا تعريف غيره!
    و لو جئت إلى تعريف الشاذ، فهل سنرى هذه التهمة قائمة؟ هل تحكم ابن الصـلاح في تعريفه وأهمل تعريف غير الشافـعي؟! وسبق توضيح ذلك عند مناقشة الدليل الثالث.
    المسلمة الثامنة : الخطأ في التطبيق لا يلزم منه خطأ القاعدة.
    من الأمور التي أخذها القائلون بمنهج المتقدمين ما لاحظه بعضهم من [كثرة ما صحح من أحاديث قد حكم عليها الأولون بالنكارة والضعف، وربما صرحوا ببطلانها، أو بكونها موضوعة، وقد يقول المتقدم : هذا الباب – أي: هذا الموضوع- لا يثبت، أو لا يصح فيه حديث، فيأتي المتأخر فيقول: بل صح فيه الحديث الفلاني، أو الأحاديث الفلانية. وهكذا يقال في التصحيح، ربما يصحح المتقدم حديثاً فيأبى ذلك المتأخر ، وربما - في الحالتين - توارد الأولون وتتابعت كلماتهم على شيء، ومع ذلك لا يلتفت المتأخر إلى هذا الإجماع، أو شبه الإجماع.
    والأمر راجع في حقيقته إلى اختلاف في القواعد، إما عن عمد، كما صرح به بعضهم، فيقول: ذهب المحدثون إلى كذا، والصواب خلافه، وإما عن غير عمد، بحيث يسير على قاعدة يظن أن المتقدم يسير عليها أيضاً.
    ويضيف بعض هؤلاء فيقول: على أن جانباً من الموضوع لا يتعلق بالقواعد، إذ هو يتعلق أساساً بشخص الناقد في الوقت الأول، وشخص الناقد في الوقت المتأخر، فالناقد في ذلك الوقت تهيأ له من العوامل النفسية، والمادية ما يجعل أحكامه أقرب إلى الصواب].
    هكذا يقول هذا القائل؛ والذي يظهر لي – والله اعلم – أن ما لاحظه هو من باب الخطأ في التطبيق لا من باب المخالفة في أصل القاعدة، ومعلوم أن الخطأ في التطبيق لا يعني رد القاعدة أو عدم قبولها أو نسبة الخطأ إليها؛ فهذا الواقع لا يعني أن القواعد التي قررها المتأخرون في علوم الحديث خطأ أو لا تمثل ما عليه المتقدمون.
    خذ مثلاً:
    [تجزئة حال الراوي؛ فالمتقدم قد يكون الراوي عنده ثقة في جانب، كبعض شيوخه، أو روايته عن أهل بلد، أو إذا حدث من كتابه، ضعيف في جانب آخر، فيضعف المتقدم ما يرويه في الجانب الذي هو ضعيف.
    على حين يميل المتأخر إلى طرد حال الراوي، إما نصاً فيأبى تجزئة حال الراوي، وإما تطبيقاً، كأن يضعف الأولون ما يرويه معمر بن راشد عن ثابت البناني، ويقولون إنها نسخة فيها مناكير، أو ما يرويه عبد العزيز الداروردي عن عبيد الله بن عمر، بينما لا يلتفت المتأخر إلى ذلك، فهذه كتبهم وتحقيقاتهم يصححون أمثال هذين الطريقين ،وربما ذكروا أنهما على شرط الشيخين أو أحدهما].
    أقول: فترك بعض المتأخرين مراعاة الفرق بين الحكم الخاص والحكم العام من إمام الجرح والتعديل على الراوي؛ يوقع في هذا الخطأ، حيث يقوم المتأخر بحمل كلام الإمام في الراوي الخاص ببيان حاله في رواية معينة ويجعله حكماً عاماً، وسبب ذلك عدم الانتباه لمخرج كلام الإمام، وهذا أمر نبه عليه المعلمي رحمه الله، وهو من أسباب الخطأ في معرفة درجة الراوي في الجرح أو التعديل، وهو في حقيقته خطأ في التطبيق لا خطأ في القاعدة، فالمتأخر يتفق على أن هناك فرقاً بين حكم الإمام على الراوي الخاص برواية معينة وبين حكمه العام لبيان حال الراوي على العموم، ومن هذا الباب أحكام الدارقطني والبيهقي على الرواة خلال كتاب السنن هو من باب الحكم الخاص لا الحكم العام.
    وقد نبه ابن تيمية على هذه القاعدة فهي ملحوظة عند المتأخرين، وذلك حيث يقول رحمه الله: "الراوي إما أن تقبل روايته مطلقا أو مقيدا فأما المقبول إطلاقا فلا بد أن يكون مأمون الكذب بالمظنة وشرط ذلك العدالة وخلوه عن الأغراض والعقائد الفاسدة التي يظن معها جواز الوضع وأن يكون مأمون السهو بالحفظ والضبط والإتقان وأما المقيد يختلف باختلاف القرائن ولكل حديث ذوق ويختص بنظر ليس للآخر"اهـ([4]).
    وعليه ؛ فإنه لا ينبغي اتخاذ وقوع الخطأ في تطبيق بعض القواعد عند بعض المتأخرين ذريعة للطعن فيما كتبه المتأخرون من علوم الحديث بزعم أنها لا تمثل ما عليه الحال عند المتقدمين.
    وسبق عند مناقشة الدليل الأول في الفصل الثاني – ولله الحمد والمنة - التنبيه على أحوال أحكام الأئمة على الأحاديث والرواة.
    المسلمة التاسعة : مراعاة النسبية في كلام المتقدمين.
    بيان ذلك : أن كثيراً مما يتخذ ذريعة للطعن في ما قرره المتأخرون من علوم الحديث، هو في حقيقته كلام من الإمام المتقدم بالنظر إلى خصوص حديث بعينه، وكلامه من هذه الحيثية قد يقع مخالفاً للقاعدة، وذلك ليس طرحاً للقاعدة المتقررة، بل لأن لكل حديث نظراً خاصاً به.
    فالقاعدة الكلية عند المتأخرين هي نفسها عند المتقدمين، ولكنهم عند تطبيقهم للقاعدة يخصون كل حديث بما يحتاجه من النظر، إذ لكل حديث ذوق ونظر ليس للآخر؛ فإذا وقفت على كلام لأحد المتقدمين على حديث يخالف القاعدة التي تراها في كتب علوم الحديث التي صنفها المتأخرون، فإن مرد ذلك إلى هذه الخصوصية في النظر لكل حديث، ولا يضرب كلام العلماء بعضه ببعض، و لا يقال هناك اختلاف قي قواعد علوم الحديث بين المتقدمين والمتأخرين.
    خذ مثلاً : تقوية الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً بتعدد الطرق، هذه قاعدة قررها المتأخرون، وعليها المتقدمون، فإذا وقفت على كلام لأحد المتقدمين يمنع فيه تصحيح حديث بعينه مع تعدد طرقه وكونها يسيرة الضعف، فهذا ليس طرحاً للقاعدة ورداً لها، وإنما من منطلق خصوصية النظر في هذا الحديث بعينه؛ و لا يصح أن نتخذ ذلك ذريعة للطعن في أصل القاعدة التي قررها المتأخرون، ودعوى أن القواعد التي يقررها المتأخرون تخالف ما عليه المتقدمون.
    فهذا حديث التسمية في الوضوء ورد من طريق أبي هريرة، ومن حديث سعيد بن زيد، ومن حديث أبي سعيد، ومن حديث سهل بن سعد، ومن حديث أبي سبرة، ومع ذلك قال أحمد فيه لما سئل عنه: "أحسن ما فيها حديث كثير بن زيد، و لا أعلم فيها حديثاً ثابتاً، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛ لأنه ليس فيه حديث أحكم به" اهـ([5]).
    هنا أحمد بن حنبل رحمه الله لم يقو الحديث مع تعدد طرقه، فهل يقال: إن القاعدة في تقوية الحديث باطلة، وأن ما قرره المتأخرون هو على خلاف ما قرره المتقدمون؛ الجواب : لا، بل هذا الكلام من الإمام هو كلام خاص بهذا الحديث بعينه، لخصوصية النظر في هذا الحديث بعينه. بدليل ما جاء عن الإمام أحمد نفسه من تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق؛
    عن أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول:"أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها"([6]).
    وهذا يقرر أننا إذا وجدنا للمتقدمين كلاماً على بعض الأحاديث لا ينسجم في ظاهره مع بعض القواعد التي قررت عند المتأخرين في علوم الحديث فمخرج كلام الإمام أنه خاص بهذا الحديث لخصوصية النظر المتعلقة به، إذ لكل حديث نظر خاص به.
    المسلمة العاشرة: التفريق بين منهج الفقهاء والمحدثين، وعدم تحميل المتأخرين من المحدثين بتصرفات من تأثر بمنهج الفقهاء.
    وهذا أمر مسلم، أعني أن للفقهاء منهجاً في الحديث يخالف ما عليه منهج أهل الحديث، وقد نبه على ذلك أهل العلم، وبأدنى نظرة في كتب أصول الفقه فيما يتعلق بوصف الحديث الصحيح عندهم، وبما يرد به الحديث إذا رواه الثقة عن الثقة، تجد الفرق واضحاً والبون شاسعاً بين المحدثين والفقهاء، وكذا قضية وجود من تأثر أو له اختيارات جرى فيها على طريقة الفقهاء، فإن هذا من المسلمات، وعليه فلا يحمّل أهل الحديث من المتأخرين ما عليه هؤلاء!
    والواقع أنه وجد من تأثر بمنهج الفقهاء في الحديث في بعض اختياره ونظره في الحديث من أمثال الطحاوي (ت321هـ)، والنووي (ت676هـ)، والزركشي (ت794هـ)([7]) في مواضع من كتبهم، فلا ينبغي أن يُحمّل أهل الحديث من المتأخرين بصنيع هؤلاء وينسبوا فيه إلى الخروج عما عليه المتقدمون، ويدعى إلى ترك كتبهم وأنها لا تمثل ما عليه أهل الحديث من المتقدمين.
    مع ملاحظة أن الاجتهاد والاختيار والترجيح في محله باب مفتوح لمن تأهل منهم وبلغ حد النظر والبحث، وأن ترجيحه لقول قامت عليه حجة وبرهان لا يخرجه عن وصف أهل الحديث، و لا يذهب به عن منهج المتقدمين، لأن حالهم كان كذلك. خاصة إذا عُلِم أن بعض ما ينسب إلى الفقهاء والأصوليين هو في حقيقة أمره قول لبعض أهل الحديث غير القول المشهور أو غير القول المعتمد، فالأخذ به أخذ بقول بعض أهل الحديث، و لا ينبغي أن يُعد هذا خروجاً عن نهج أهل الحديث إلى نهج الفقهاء والأصوليين.
    فهذه المسلمات تدل على بطلان الدعوة إلى عدم اعتماد المتأخرين - ابن الصلاح ومن بعده - في تقريراتهم وتقعيداتهم لعلوم الحديث، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث (المتقدمين)، وأن علينا إعادة تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لكلام المتقدمين؛ لأن كلام المتأخرين ـ بزعم أصحاب هذه الدعوة ـ مليء بالتحكم وفكرة تطوير مصطلح الأئمة!!
    وبعد: فما ثمرة الخلاف بين منهج الفقهاء والمحدثين؟ أو بعبارة أخرى ما ثمرة الخلاف بين المتقدمين والمتأخرين؟
    إن الوقوف على ثمرة هذا الخلاف يضع النقاط على الحروف كما يقولون، في هذه المسألة التي ظلت تتجاذبها العبارات والأفكار، من كل جانب؛ وأستطيع أن أقول: إن ثمرة الخلاف هي التالية:
    - الوقوف على سبب من أسباب الاختلاف بين العلماء .
    - فهم عبارات أهل العلم ومخارجها ومرادهم بها.
    - معرفة السبيل الأمثل للوصول إلى الحق؛ فإن تعاور منهجين في النظر في ثبوت الحديث ينبلج منه النور، وتتضح به الرؤية، والله اعلم.
    - يعطي للمتفقه مجالاً أرحب للترجيح بحسب ما يراه راجحاً في المسألة، بحسب النظرين بالمنهجين.
    - التحقق من ثبوت صحة أو ضعف الأحاديث وذلك باتساع الرؤية بمعرفة المنهجين.
    والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




    ([1]) ما بين قوسين من تعليق الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله.

    ([2]) ما بين قوسين علقه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله.

    ([3]) وقد نقل لي أحد الأخوة الفضلاء أنه قرأ على الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله، شيئاً مما قرره بعضهم حول هذا المعنى يدعو فيه إلى إعادة صياغة علوم الحديث، وتقعيدها على أساس كلام المتقدمين، فلما سمع الشيخ هذا قال: هذا هدم للسنة! أو قال كلمة نحوها، وقد اشتهرت هذه الكلمة عن الشيخ حماد رحمه الله في حق هؤلاء!

    ([4]) مجموع الفتاوى (18/47).

    ([5]) نصب الراية (1/4).

    ([6]) الكامل في ضعفاء الرجال (/266).

    ([7]) انظر الدراسة التي عملها فضيلة الشيخ الدكتور زين العابدين بن محمد بلا فريج، في كتابه "الزركشي وكتابه النكت على مقدمة ابن الصلاح" حيث عقد عنواناً بـ (اختيارات الاتجاه الفقهي في علوم الحديث لدى المؤلف).
    الملفات المرفقة
يعمل...
X