إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

::: الاستحلال - لفضيلة الشيخ (طلعت زهران) :::

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [بحث] ::: الاستحلال - لفضيلة الشيخ (طلعت زهران) :::

    ::: الاسْتِحْلَالُ - لفضيلة الشيخ (طلعت زهران) :::

    رسالة في الْاسْتِحْلَالُ
    لفضيلة الشيخ الدكتور:
    طَلْعَتْ زَهْرَان
    -حَفِظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ-
    قال المُصَنفُ:
    · الاستحلال هو: اعتقاد حـِـلِّ الشيء.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ الله-: والاستِحلالُ: اعتِقادُ أنها حلالٌ له (الصارم المسلول 3/971).
    وقال ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-: فإنَّ المُستحلَّ للشيء هو: الذي يفعله مُعتقِدا حِلَّه (إغاثة اللهفان 1/382).
    وقال ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ-: الاستحلال هو: أن يعتقد الإنسان حلَّ ما حرَّمَهُ الله ( الباب المفتوح 3/97، لقاء: 50، سؤال: 119.
    · بم يعرَفُ الاستحلال؟
    يُعرَفُ الاستحلال بإقرار المرء على نفسه بأنه يعتقد الحِلِّيّة؛ وذلك إما بالتصريح بـ اللسان، أو بـ الكتابة؛ لأن الاعتقاد محلُّه القلب، ولا سبيل لمعرفة ما في القلب: إلا بالإقرار الصريح.
    وبرهان ذلك كله:
    حديث الرجل الذي قتل في المسلمين، ولما تَمَكَّن منه أسامة بن زيد -رَضي اللهُ عَنْهُ-، نطق بالشهادة، فقتله أسامة -رَضي اللهُ عَنْهُ- فلما بلغ ذلك رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال له: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ (البخاري 4269، 6872).
    [وفي رواية ثانية:] أفلا شققتَ عن قلبه لتعلم أقالها أم لا؟ (مسلم/273).
    [وفي رواية ثالثة:] فكيف تصنع بـ لا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ (مسلم/275).
    قال أسامة: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيتُ أني أسلمتُ يومئذٍ (البخاري4269، مسلم 273).
    قال الخطابي-رَحِمَهُ اللهُ-: وفي قوله: ((هلا شققتَ عن قلبه)) دليل على أن الحكم إنما يجري على الظاهر، وأن السرائر موكولة إلى الله سبحانه (معالم السنن 2/243).
    ففي هذا الحديث ثلاث فوائد:
    1. أن الاعتقاد محلُّه القلب.
    2. عدم جواز الأخذ بالقرائن للحكم على ما في قلوب الناس.
    3. عدم جواز الاجتهاد للكشف على ما في قلوب الناس.
    قال الشيخ ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- جوابا على سؤال:
    فضيلة الشيخ ما هو ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد؟
    الجواب: الاستحلال: هو أن يعتقد حِلَّ ما حرمه الله.
    وأما الاستحلال الفعلي فينظر: إن كان هذا الاستحلال مما يكفِّر فهو كافر مرتد، فمثلًا: لو أن الإنسان تعامل بالربا، ولا يعتقد أنه حلال لكنه يصر عليه، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا يستحلُّه، ولكن لو قال: إن الربا حلال، ويعني بذلك الربا الذي حرمه الله فإنه يكفر؛ لأنه مكذب لله ورسوله. الاستحلال إذَن: استحلالٌ فعليٌّ، واستحلالٌ عقديٌّ بقلبه.
    فالاستحلال الفعلي: ينظر فيه للفعل نفسه، هل يكفر أم لا؟ ومعلوم أن أكل الربا لا يكفر به الإنسان، لكنه من كبائر الذنوب، أما لو سجد لصنم فهذا يكفر لماذا؟ لأن الفعل يكفر؛ هذا هو الضابط؛ ولكن لابد من شرط آخر وهو: ألَّا يكون هذا المستحلُّ معذورًا بجهله، فإن كان معذورًا بجهله؛ فإنه لا يكفر، مثل أن يكون إنسانٌ حديث عهد بالإسلام، لا يدري أن الخمر حرام، فإن هذا -وإن استحله- فإنه لا يكفر، حتى يعلم أنه حرام؛ فإذا أصرَّ بعد تعليمه، صار كافرًا. (لقاءات الباب المفتوح/الشريط50).

    · الاعتقاد محلـُّـه القلب:
    وهذا يعني: أن ما يرجع التكفير به للاعتقاد فيشترط فيه معرفة الاعتقاد بالتصريح لا بالاجتهاد، فلا يُكَفَّر صاحب الكبيرة إلا بعد أن يُصَرِّح هو بلسانه أنه يعتقد الحل في قرارة قلبه.
    وهناك مكفرات يكفر صاحبها بمجرد قيامها بالجوارح دون اعتقاد [القلب]: كـ (سَبِّ الله -تعالى- والاستهزاءِ بالنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، والسجود للصنم...)، فالكفر في هذه الأمثلة يتعلق بالجوارح لا بالقلب.
    · وبطريقة أخرى:
    أهل السُّنَّةِ يرون: أنه لا كفر في الظاهر -يعني: في الجوارح- إلا ومعه كفر في الباطن -يعني: في القلب-، لكنَّهم عندما يكفرون بالأمور المكفرة؛ فإنهم يعلقون التكفير بالجوارح لا بالاعتقاد، فقولهم بالتلازم بين الظاهر والباطن؛ إنما هو تفسير لحال الرجل وليس لتعليق التكفير بالاعتقاد، أما الجهمية فترى: أنه لم يكفر إلا لاعتقاده، لا لعمل جوارحه.
    [فـ] الخلاف ليس في وجود الفساد في الباطن، فهذا أمر تتفق فيه الجهمية مع أهل السُّنَّة، الخلاف في تعليق الكفر بالباطن [بـ] الأمور المكفرة بالجوارح، مثلا:
    سَابَّ الله تعالى كافرٌ عند أهل السُّنَّة، وعند الجهمية، وهو فاسد الظاهر، والباطن عند الجميع،
    لكنَّ أهل السُّنَّة يُعلِّقون التكفير بالظاهر -الجوارح- فيقولون: مع أنَّ سبه لله تعالى يدل على استهانته بالذات الإلهية؛ إلا أنَّه كافر بمجرد صدور السب منه ولو لم يستحل ذلك.
    -والجهمية تعلق التكفير بالاعتقاد فتقول: هو كافر؛ لأن سبه لله تعالى قرينة على أنه مستهين بالذات الإلهية في قرارة قلبه.
    -فسبب كفره عند أهل السُّنَّة: السَّبُّ.
    -وسبب كفره عند الجهمية: قرينة الاعتقاد الباطن، فالسب عندهم ليس كفرًا لكنه دليل على كفر الباطن.
    رواية من عرَّسَ [أي: تزوج] بامرأة أبيه
    روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، بسند صحيح على شرط مسلمٍ، ولفظ الحديث هو: عن يزيد بن البراء عن أبيه قال: لقيت عمِّي، ومعه رايةٌ، فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسولُ الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إلى رجلٍ نكحَ امرأةَ أبيه، فأمرني أن أضربَ عُنُقَه وآخذَ مالَهُ. (صححه الألباني ـ صحيح سنن أبي دواد).
    كما أخرجه ابن ماجه، والبيهقي في السنن، والطحاوي في شرح الآثار؛ من طريقُ معاويةَ بنِ قرَّة عن أبيه قال: بعثني رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إلى رجلٍ تزوَّج امرأةَ أبيهِ؛ أنْ أضرِبَ عُنُقَهُ وأُصفِّيَ مالَهُ.
    ولفظ البيهقي هو: أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بعثَ أباه؛ جدَّ معاويةَ إلى رجلٍ عرَّس بامرأة أبيهِ، فأمرَه فضَرَب عُنُقَهُ وخمَّس مالَه.
    قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/116): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وقال الإمام البيهقي: قال أصحابنا: ضربُ الرقبةِ وتخميسُ المالِ لا يكونُ إلا على المرتدِّ، فكأنَّه استحلَّهُ مع عِلمهِ بتحريمهِ. [والحديث] (حسنه الألباني ـ صحيح سنن ابن ماجه).

    · أقوال العلماء في حكم من وطئ أمه أو امرأة أبيه، وهل ينفسخ نكاح أبيه.
    http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...Option=FatwaId
    ما الحكم في من وطئ امرأة أبيه؟، وهل ينفسخ نكاح الأب؟، وما سبب ذلك؟، وهل يختلف الحكم فيما إذا وطئ أمه -والعياذ بالله-؟، أرجو ذكر أقوال الفقهاء إن أمكن في ذلك؟
    الفتوى:
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
    فإن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء:32].
    ويزداد الأمر سوءا إذا كان بذات محْرَم، وقد قال الله -تعالى- في نكاح زوجة الأب: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء:22].
    قال الشوكاني في فتح القدير: هذه الصفات الثلاث تدل على أنه من أشد المحرمات وأقبحها، وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت.أ هـ.
    فالزنا بامرأة الأب، أو بذات محرم؛ أشد جرمًا وقبحًا من الزنا بغير ذات المحرم، وقد اختلف أهل العلم في من وطئ امرأة أبيه هل يُقْتَل أو يُحدُّ حدَّ الزاني؟ قولان لأهل العلم:
    فقال بعضهم يقتل بكل حال، وهذا قول الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-، ورجحه ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-.
    وقال آخرون: حدُّهُ حدُّ الزاني، إن كان محصنًا رُجِم وإن كان بِكْرًا جُلِد، وهذا قول الحسن، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة؛ إلا أنه قال: إن وَطِئَها بعقدٍ عُذِّرَ، ولا حَدَّ عَلَيْه، والقول الأول هو الذي تدل عليه الأدلة، فقد روى أبو داود، وغيره عن البراء بن عازب -رَضي اللهُ عَنْهُ- قال: لقيت عمي ومعه الراية؛ فقلت: إلى أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إلى رجل نَكَحَ امرأةَ أبيه من بعده؛ أن أضرب عنقَه وآخذَ مالَه.
    وعن ابن عباس -رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا- مرفوعًا: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. (رواه ابن ماجه).
    قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-: وهذا القول هو الصحيح، وهو مقتضى حكم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وقضاؤه أحق وأوفى. انتهى -مختصرًا- من زاد المعاد (5/13).
    وقول السائل: هل ينفسخ نكاح الأب؟
    قد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من قال: ينفسخ، ومنهم من قال: لا ينفسخ، وهذا قول الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ-، قال في الأم (5/362):أما الرجل يزني بامرأة أبيه أو امرأة ابنه، فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها.
    وأما وطء الأم فهو أشدُّ، وأقبح، وأطمُّ، ومن فعل ذلك يُقتل من باب أولى كما تقدم، قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-، فيمن زنى بأمه: فإن جريمتَه أعظمُ من جريمة مَن زنى بامرأة أبيه.أهـ.
    وعلى ذلك فلا يُستفاد من هذه الحادثة (التكفير)، وقد حرَّر العلماء هذه المسالة تحريرًا محكمًا, ولم يقل أحدٌ منهم: إن مَن وَقَعَ على ذاتِ محرمٍ فإنه يقتل كفرًا. اللهمَّ إلَّا إن كان مستحلًا؛ ولم يتطرقوا إلى مناقشة كيفية إثبات استحلاله في هذه الحالة.
    وجمهور أهل العلم يختارون أن القتل هنا إنما يكون حدًا؛ لحديث -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: ((من وقع على ذات محرم، فاقتلوه)).
    قال ابن قدامة في المغني (10/14: وإن تزوج ذات محرمه؛ فالنكاح باطل بالإجماع، فان وطئها؛ فعليه الحد، في قول أكثر أهل العلم؛ منهم: الحسن، وجابر بن زيد، ومالك، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد، وإسحاق، وأبي أيوب، وابن أبي خيثمة.
    وقال أبو حنيفة والثوري: لا حد عليه؛ لأنه وطء تمكنت الشبهة منه، فلم يوجب الحد كما لو اشترى أخته من الرضاع، ثم وطئها، وبيان الشبهة أنه: قد وجدت صورة المبيح وهو عقد النكاح الذي هو سبب للإباحة، فإذا لم يثبت حكمه وهو الإباحة بقيت صورته شبهة دارئة للحد الذي يندرئُ بالشبهات.
    إذا ثبت هذا فاختلف في الحد:
    فقال أحمد: ((يقتل على كل حال))، وبهذا قال جابر بن زيد، وإسحاق وأبي أيوب وابن خيثمة, وروى إسماعيل بن سعيد عن أحمد في رجل تزوج امرأة أبيه أو بذات محرم فقال: ((يُقتل ويؤخذ ماله إلى بيت المال)).
    والرواية الثانية: ((حده حد الزاني))، وبه قال الحسن ومالك والشافعي لعموم الآية والخبر.
    ووجه الأولى ما روى البراء -رَضي اللهُ عَنْهُ- قال: لقيت عمي ومعه الراية فقلت: إلى أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله، رواه أبو داود، والجوزجاني، وابن ماجه، والترمذي وقال: حديث حسن، وسمى الجوزجاني عمه الحارث بن عمرو.
    وروى الجوزجاني وابن ماجه باسنادهما عن ابن عباس -رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: ((من وقع على ذات محرم فاقتلوه)) ورُفع إلى الحجاج رجل اغتصب أخته على نفسها فقال: احبسوه، وسلوا مَنْ هَاهُنا من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فسألوا عبد الله بن أبي مطرف (ض) فقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يقول: ((من تخطى المؤمنين فخطوا وسطه بالسيف)).
    فعقوبة من نكح ذوات المحارم هي: القتل حدًا لا ردةً, وهو قول الأكثر من أهل العلم، والأقلون قالوا: لا يقتل حدا, فبعضهم مال إلى التعزير؛ على اعتبار أنه وطئ بشبهة, وغيرهم قال أنه يعامل معاملة الزاني, لكن لم يقل أحد منهم إنه يقتل كفرا وردة بمجرد وطئه.
    يقول ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- جوابًا عن السؤال التالي في الفتاوى الثلاثية: هل الذي يتزوج امرأة أبيه يُخمس مالُه؟.
    الجواب: ما هذا الكلام، الذي يتزوج امرأة أبيه؛ وهو عالم بأنه حرام! يرجم؛ حتى وإن كان بكرا، كما ثبت به الحديث، لأن امرأة أبيه من المحارم، ونكاح المحارم باطل بالإجماع، ولا يخمس ماله؛ لأن هذا حدٌ وليس بكفرٍ.
    وجواب الشيخ محمول على أن: من وقع على امرأة أبيه يقتل سواءً كان محصنًا أو لا؛ إن لم يكن مستحلًا، وهذا هو مذهب جماهير العلماء كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن قدامة.
    وأما لو كان مستحلًا فيقتل كفرًا كما قال شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- (في مجموع الفتاوى 20/9192) وأيضا لحديث تخميس المال؛ الذي دل على أن الرجل كان كافرًا لا فاسقًا.
    وعليه: من وقع على ذوات محارمه فيحتمل وقوعه أنه:
    · أولًا: ليس مستحلًا فلا يكفر مع أنه يُقتل حدًا.
    · ثانيًا: إنه مستحلٌ له فيقتل، ويخمس ماله؛ لأجل الكفر.
    فالفعل الواحد إن كان مترددًا بين أكثرِ من مقصد، لا سبيل للقطع بأحدهما إلا بما يرجح أحدُ الأمرين. فالذي يأتي المعصية لا يكفر ولو فعلها ألف مرة، وناكح المحارم لو أعرس، ودعا الملايين [لشهود العُرس]، وعقد عقودًا شرعيةً أو مدنيةً، وأشهد الأمة كلها، لَـمَا كفر حتى يستحل ذلك، ووقوع الرجل على امرأة أبيه، على وجه الزنا، كبيرة من الكبائر لا يرقى بصاحبه إلى درجة الكفر البواح.
    ولا أعرف أحدًا من أهل العلم المعتبرين من قال بكفره.
    أما ما ذكره شيخ الاسلام -رَحِمَهُ اللهُ- في مجموع الفتاوى (20/9192) قال: ((فإن تخميس المال دلَّ على أنه كان كافرًا لا فاسقًا، و كفره بأنه لم يُحرِّم ما حرَّم الله ورسوله)). أ. هـ.
    وما قاله ابن جرير: ((فكان فعله -أي نكاحه زوجة أبيه- من أول الدليل على تكذيبه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فيما أتاه عن الله تعالى ذكره وجحوده آية محكمة في تنزيله … فكان بذلك من فعله؛ حكم القتل وضرب العنق، فلذلك أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بقتله وضرب عنقه؛ لأن ذلك كان سنته في المرتد عن الإسلام)).
    وكذلك ما قاله الطحاوي في شرح هذا الحديث: ((إن ذلك المتزوج فعل ما فعل على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية، فصار بذلك مرتدًا، فأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أن يُفعل به ما يُفعل بالمرتد)).
    فواضح من كلامهم أنها حادثة عين، تخص ذلك الرجل بعينه، ولا يمكن أن تكون غير ذلك.
    لأنه لا توجد رواية تدل على تكفير النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لذلك الرجل إلا رواية تخميس المال؛ لأنه لا يخمَّـسُ إلا المالُ الذي يؤخذ من الكفار.
    ولا دلالة فيها على معرفة الاستحلال من العمل المجرَّد.
    وتخميسُ المال يدل على أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- اعتبره فـَـيـْـئًا.
    والفَيْءُ هو: كل مال أُخِذَ من الكفار بغير قتال.
    قاله الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيره (4/396)، تحت الآية السابعة من سورة الحشر، وهذا يدل على أنه قـُـتـِـلَ مـُـرتدَّا.
    أفاده الإمام الطحاوي -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح معاني الآثار (3/150).
    لأن الحديث محمول على أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قد علم أن ذلك الرجلَ بعينه يستحل ذلك العمل في قرارة قلبه.
    وبرهان هذا التوجيه من ثلاثة أوجه:
    · الوجه الأول:
    أن أهل الجاهلية كانوا يستحلـُّـونَ نكاحَ امرأة الأب، ويعتبرونها من الإرث، فالرجلُ الذي في الحديث قد فعل ما كان أهل الجاهلية يفعلون؛ فأقـْـدَمَ عليه مـُـعتقدا حله.
    قال العلامة السـِّـنـْـدي -رَحِمَهُ اللهُ-: ((نكح امرأة أبيه على قواعد أهل الجاهلية؛ فإنهم كانوا يتزوَّجون بأزواج آبائهم، يعدون ذلك من باب الإرث، ولذلك ذكر الله تعالى النهيَ عن ذلك بخصوصه بقوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22]؛ مبالغةً في الزجر عن ذلك، فالرجلُ سلكَ مسلكهم في عـَـدِّ ذلك حلالا؛ فصارَ مرتدَّا، فقُتل لذلك، وهذا تأويلُ الحديث عند من لا يقول بظاهرِهِ)). شرح السندي على سنن النسائي تحت الحديث رقم: (3332).
    · الوجه الثاني:
    أن الأئمة -رحمهم الله- نصُّوا على أن ذلك الرجل كان يستحلُّ ذلك العمل.
    قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-:
    نرَى -والله أعلم- أن ذلكَ منه على الاستحلال. (مسائل ابنه عبد الله3/1085/149.
    وقال الإمام الطحاوي -رَحِمَهُ اللهُ-:
    ذلك المتزوج فعل ما فعل مِن ذلك على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية؛ فصار بذلك مرتدًّا، فأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أن يفعل به ما يفعل بالمرتد (شرح معاني الآثار 3/149).
    وقال العلامة الشوكاني -رَحِمَهُ اللهُ-:
    لا بُدَّ من حمل الحديث على أن ذلك الرجل، الذي أمر صلى الله عليه وآله وسلم بقتله، عالمٌ التحريم، وفـَـعـَـلَه مستحلًا؛ وذلك من موجبات الكفر (نيل الأوطار 7/131).
    · الوجه الثالث:
    عدم تكفير أهل العلم لمن زنا بامرأة أبيه، ولو زنا بها ألف مرَّة.
    ولو كان كَفَرَ مَن تَزَوَّجَ امرأةَ أبيه لمجرد استِباحته فرجها استباحةً عمليةً، من دون التصريح بالاستحلال القلبي؛ لكفـَّـروا مـَـن زنا بامرأة أبيه.
    يتلخـَّـص مما سبق:
    · أولًا: عدم كفر من زنا بامرأة أبيه ما لم يستحل ذلك.
    · ثانيًا: عدم كفر من تزوج امرأة أبيه ما لم يستحل ذلك.
    · ثالثًا: من عمل أهل الجاهلية أنهم كانوا يعتقدون أن امرأة الأب من الإرث الذي يحصل عليه الابن بعد موت أبيه، وأنهم كانوا يعتقدون حلَّ نكاح امرأة الأب للابن بعد موت أبيه.
    · رابعًا: أن الرجل المذكور في الحديث تزوج امرأة أبيه مستحلًا لذلك، موافقة لأهل الجاهلية، ولا شك أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، اطـَّـلع على استحلاله فحكم عليه بالردة؛ ولم يبنِ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الاستحلالَ على مجرد النكاح؛ وإنَّما علم منه الاستحلال صراحة ولم ينقل إلينا إلا قتله وتخميس ماله، لا ينبغي إلا القول بهذا.
    ويجب أن نعلم أن حادثة العين لا يستدل بها، وقد لا يُنقلُ لنا منها إلا الحكم دون باقي تفاصيله وعلله.
    وفي هذه القصة:
    نُقلَ إلينا قتله وتخميس ماله، ولم ينقل إلينا كيف عرف النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- استحلاله.
    كما يجب أن نعلم أن أهل السُّنَّة يحملون النصَّ المتشابه على النص المحكم، بينما أهل البدع يستدلون بالنص المتشابه قبل ردِّه للمحكم.
    وفي هذه القصة:
    استدل البعض على معرفة الاستحلال من الفعل المجرد، فـ على فرض صحة الاستدلال فإنه يلزمنا عرض هذا الحديث المشتبه في معناه؛ على حديث أسامة بن زيد المحكم الواضح، الذي دل على إلغاء القرائن والاجتهادات في معرفة ما في القلب؛ إذ لو لم نحمل المتشابه على المحكم لما فهمنا السنن.
    ولذلك فقد حمل الإمام أحمد، والطحاوي الحديثَ على معرفة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أمرُ استحلال الرجل، ولو لم تنقل إلينا طريقة تلك المعرفة هل هي بالكتابة أو بالتصريح؛ فإنه يوحى إليه.
    بل صرَّح الشوكاني بأنه لا بد من حمل الحديث على ذلك.
    قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: نرَى -والله أعلم– أن ذلكَ منه على الاستحلال.
    _الخلاصة_
    أن هذا الرجل بعينه كان يستحل، وأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- علم منه أنه يستحل؛ إما بالكتابة، أو بالتصريح باللسان؛ لا بالقرائن والاجتهادات.
    ومن لم يقل بهذا فقد زعم تعارض الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-؛ فقد نهى أسامة بن زيد عن الاجتهاد واستخدام القرائن في الحكم على إسلام ذلك الرجل المقاتل بالبطلان.
    ومن المحال أن يبطل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- شيئا؛ ثم يأخذ به.
    الاستحلال استحلالان: عملي واعتقادي.
    إن كان عقد الزواج استحلالًا مكفرًا.
    فلماذا لا يكون عقد الربا استحلالا مكفرًا ؟!
    الجواب: أن الاستحلال العملي لا يُكَفِّر.
    والفرق بين الاستحلالين:
    · الاعتقادي: أن يعتقد صاحبه الحلَّ.
    · العملي: أن يقع في الفعل مع اعتقاده أنه محرم.
    ضابط سهل، واضح، لا يجرك لرأي الخوارج. تمامًا كالتفضيل والتقديم، فالعاصي قد قدم طاعة هواه على طاعة ربه، وهذا التقديم لا يُكَفِّر؛ لأنه تقديمٌ عملي لا اعتقادي، لإجماع أهل السُّنَّة على عدم كفر أهل الذنوب ما لم يستحلوها، مع إجماعهم على كفر من اعتقد أن هواه أفضل من أمر مولاه.
    فليس لك من سبيل للجمع بين هاتين الصورتين إلا بأن تقول:
    التقديم العملي لا يُكَفِّر، والاعتقادي يُكَفِّر.
    والاستحلال العملي لا يكفر، والاعتقادي يكفر.
    هذا منهج أهل السُّنَّة، ومن لم تسعه السُّنَّة، فلا وسـَّـع الله له.
    ونسأل المخالف: هل كل أحوال لسان الحال دالة على الاستحلال؟
    إن قال: نعم؛ لزمه تكفيرجميع العصاة!!، وقائل هذا أشد غلوًا من الخوارج؛ لأن الخوارج يكفرون بالكبيرة، ومن قال هذا لزمه التكفير بالصغائر أيضا.
    وإن قال: لا؛ فيلزمه أن يذكر الضابط الدقيق في: متى يدل لسان الحال على الاستحلال؟ومتى لا يدل عليه؟
    أما مجرد الجواب هكذا بدون ضابط:
    فهو تَحَكُّمٌ في دين الله؛ ما أنزل الله به من سلطان!.
    وهو من صور الحكم بغير ما أنزل الله.
    ملاحظة:
    مسائل التكفير مزلة أقدام؛ سِرْعلى دليل واضح كالشمس، وإلا فلا تكفر مسلمًا له لسان يحاجك به عند الله يوم القيامة، أو تكفر بمسألة سيسألك الله عن الدليل الذي كفرتَ لأجله بها.
    وإن شككتَ في دليل التكفير، فالزم أصل بقاء الإسلام الذي ثبت باليقين.
    قال الشيخ ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ-: أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنّها، فإذا سن قانونًا يتضمنُ أنه: لا حد على الزاني، أو لا حد على السارق، أو لا حد على شارب الخمر، فهذا قانونٌ باطل، وإذا استحله الوالي؛ كفر لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع، وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك. (مجموع فتاوى ومقالات 7/119).
    قال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله-: جوابا على السؤال: ما هي الضوابط التي ينبغي لطالب العلم أن يعرفها لكي يحكم على فلان من الناس بأنه مستحلٌّ للمعصية المـُـجـْـمـَـع على تحريمها، بحيث يكفر المستحل لهذه المعصية؟
    الجواب: الضوابط التي تدل على استحلال المعصية:
    أن يصرح الشخص بأنها حلالٌ؛ إما بلسانه، وإما بقلمه، بأن يكتب بأنها حلال، أو يقول: إنها حلال، أو يشهد عليه شاهدان عدلان فأكثر بأنه يقول: بحلِّ الزنا، أو بحلِّ الخمر، أو حلِّ الربا، أو ما أشبه ذلك؛ حينئذ يُحكم عليه بالاستحلال؛ إما بإقراره كلاميًا، أو كتابيًا، و إما بالشهادة عليه. (مجلد 3 صفحة 413).
    الفتوى الثانية:
    السؤال: هل يَكْفُر المستخِفُّ بهذه المعاصي -أي: الغناء، والزنا، والربا- بحيث لم يصرح باستحلالها، إنما استخف بها، و يقع فيها مع علمه بحرمتها؟
    الجواب: إذا كان يعتقد حرمتها فإنه لا يكفر، وأما استخفافه بها فهذا دليل على ضعف إيمانه،
    ولا يدل على كفره ما دام أنه يعتقد أنها حرام (مجلد 3 صفحة 412).
    الفتوى الثالثة:
    السؤال: هل الإصرار على الكبيرة وعدم التوبة منها يجعلها كفرًا مخرجًا من الملة؟، أم أن صاحبها يشمله الوعيد؟، أو يدخل تحت الوعيد-إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له-؟
    الجواب: الإصرار على الكبيرة، التي هي دون الشرك، لا يُصَيّرُ المصر عليها كافرًا؛ لأنها ما دامت دون الشرك والكفر، فإنه يعتبر فاسقا، ولا يخرج من الملة ولو أصر عليها. (مجلد 3 صفحة 413). المصدر: كتاب محاضرات في العقيدة والدعوة للشيخ صالح الفوزان، طبعة دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية سنة 1422 هـ.، وأصل الإجابة كانت بعد محاضرة له بعنوان: ظاهرة التبديع والتفسيق والتكفير وضوابطها، وقد حضرها وعلق عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رَحِمَهُ اللهُ-.

    شبهةٌ ورَدُّها
    في السُّنَّة لعبد الله بن أحمد (1/382)، والإبانة لابن بطة (2/809)، وشرح أصول الاعتقاد للالكائي (1/953)، وتهذيب الآثار للطبري، وقد أورده شيخ الإسلام في مقام الرد على غلاة المرجئة (الفتاوى:7/205).
    أسندوا عن معقل بن عبيد الله العبسي، أنه ذكر قدوم سالم الأفطس عليهم بالإرجاء، فعرضه، فنفر منه أصحابنا نفارًا شديدًا، وكان أشدهم ميمون بن مهران وعبد الكريم بن مالك، فأما عبد الكريم فإنه عاهد الله لا يأويه وإياه سقف بيت إلا في المسجد.
    قال معقل: فحججت، فدخلت على عطاء بن أبي رباح في نفر من أصحابي، قال: فإذا هو يقرأ سورة يوسف، قال: فسمعته قرأ هذا الحرف {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110] مخففة.
    قال: قلت: إن لنا إليك حاجة فاخل لنا، ففعل، فأخبرته أن قومًا قبلنا قد أحدثوا وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قال: فقال: أوليس يقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} [البينة:5].
    فالصلاة والزكاة من الدين.
    قال: فقلت له: إنهم يقولون: ليس في الإيمان زيادة!، قال: أوليس قد قال الله فيما أنزله: {فَزَادَهُمْ إِيمَانا} [آل عمران:173] فما هذا الإيمان الذي زادهم؟!
    قال: قلت: فإنهم قد انتحلوك، وبلغني أن ذَرًا دخل عليك وأصحابه، فعرضوا عليك قولهم فقبلته وقلت هذا الأمر، فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو، ما كان هذا -مرتين أو ثلاثا-.
    قال: ثم قدمت المدينة، فجلست إلى نافع، فقلت له: يا أبا عبد الله، إن لي إليك حاجة، قال: أَسِرٌ أم علانيةٌ؟ فقلت: لا، بل سر، قال: رُبّ سر لا خير فيه!، فقلت له: ليس من ذلك، فلما صلينا العصر قام وأخذ بيدي، وخرج من الخوخة، ولم ينتظر القاصّ، فقال: ما حاجتك؟ قال: قلت: أخلني من هذا، قال: تنح يا عمرو، قال: فذكرت له بدو قولهم، فقال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: ((أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقه، وحسابهم على الله))، قال: قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل، قال: فنتر يده من يدي، وقال: من فعل هذا فهو كافر.
    قال معقل: ثم لقيت الزهري، فأخبرته بقولهم: فقال: سبحان الله!! أوقد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)). رواه البخاري، قال: ثم لقيت الحكم بن عتيبة، قال: فقلت: إن ميمونًا وعبد الكريم بلغهما أنه دخل عليك ناس، فعرضوا عليك قولهم، فقبلت قوله، قال: فقيل ذلك على ميمون وعبد الكريم؟ قـلـتُ: لا.
    قال: ثم جلست إلى ميمون بن مهران، فقيل له: يا أبا أيوب: لو قرأت لنا سورة نـفسرها، قال: فـقرأ، أو قرأت:{إذا الشمس كورت}، حتى إذا بلغ:{مطاع ثم أمين}، قال: ذاك جبريل والخيبة لمن يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل.
    هذه بعض مواقف علماء السلف من أهل الإجاء، وما ذاك إلا للتحذير من فساد منهجهم، وعظم خطرهم وجليل شرهم على الأمة؛ فدعواهم مدعاةٌ لترك العمل والتكاسل عن الطاعات، فما ضر أحدهم -وفق مذهب المرجئة- لو ترك الفرائض ما دام إيمانه محفوظًا ودينه موفورًا، وهو مع ذلك بمنزلة جبريل وميكائيل.
    إن هذا المنهج يورث في النفس اتكالًا وخمولًا، ويولد التفريط والتقصير في الطاعات؛ اتكالا على سلامة الإيمان وصحته، وقد كان الصحابة والهداة من السلف على خلاف ذلك، فقد كانوا يربطون ربطًا مباشرًا بين عمل الجوارح وإيمان القلب، فهذا التابعي الجليل ابن أبي مليكة -رَحِمَهُ اللهُ-، يذكر أنه أدرك ثلاثين من أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: ((كلهم كان يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحدٌ يقول إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل)) رواه البخاري.
    وهذا ابن مسعود -رَضي اللهُ عَنْهُ- ينقل رأي الصحابة في ارتباط العمل بالإيمان فيقول: ((ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) رواه مسلم.
    فانظر كيف ربط -رَضي اللهُ عَنْهُ- النفاق بترك العِشاء.
    وقال إبراهيم التيمي: ((ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن يكون مكذبًا)) ذكره البخاري.
    ولهذا قال إبراهيم النخعي -رَحِمَهُ اللهُ-: ((لَفِتنتهم –يعني المرجئة– أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة)).
    وقال الإمام الزهري -رَحِمَهُ اللهُ-: ((ما ابتدعت في الإسلام بدعة هي أضر على أهله من هذه -يعني: الإرجاء– )) رواه ابن بطة في (الإبانة).
    و قال الأوزاعي -رَحِمَهُ اللهُ-: ((كان يحيى بن كثير و قتادة يقولان: ليس شيء من الأهواء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء )).
    و قال شريك القاضي -رَحِمَهُ اللهُ-: ((هم أخبث قوم, حسبك بالرفض خبثا, و لكن المرجئة يكذبون على الله)).
    وقال سفيان الثوري -رَحِمَهُ اللهُ-: ((تَرَكَتِ المرجئةُ الإسلام أرق من ثوب سابري)) [الفتاوى: 7/394-395]
    و عن سعيد بن جبير -رَحِمَهُ اللهُ-: ((أن المرجئة يهود أهل القبلة, و صابئة هذه الأمة)) [رواه ابن بطة وغيره].
    و إنما عَظُمَتْ أقوال السلف في الإرجاء؛ لجرم آثاره, ولوازمه الباطلة, و قد تتابع علماء السلف على كشف آثاره السيئة على الإسلام والمسلمين.
    قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- في الرد على المرجئة: ((ويلزمه أن يقول: هو مؤمن بإقراره, وإن أقر بالزكاة في الجملة ولم يجد في كل مائتي درهم خمسة: أنه مؤمن , فيلزمه أن يقول: إذا أقرَّ ثم شد الزنار في وسطه, وصلى للصليب, وأتى الكنائس والبيع, و عمل الكبائر كلها, إلا أنه في ذلك مقر بالله, فيلزمه أن يكون عنده مؤمنا! وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم)) انتهى.
    ثم قال بعده شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: ((قلت: هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم, جمع في ذلك جملًا يقول غيره بعضها، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه..)) أ.هـ [الفتاوى 7/401].
    ثم إن هذه اللوازم السيئة على قول المرجئة؛ التي ذكرها الإمام أحمد , بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في)) (الفتاوى: 7/188-190).
    ثم قال الإمام ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- في: (النونية ) ناظما لآثار الإرجاء ولوازمه الباطلة هذه:
    وكذلك الإرجاء حين تقر بال
    معبود تصبح كامل الإيمان
    فارم المصاحف في الحشوش وخَرِّب ال
    بيت العتيق وجد في العصيان
    واقتل إذا ما استطعت كل موحد
    وتمسحن بالقس والصلبان
    واشتم جميع المرسلين ومن أتوا
    من عنده جهرا بلا كتمان
    وإذا رأيت حجارة فاسجد لها
    بل خر للأصنام والأوثان
    وأقر أن رسوله حقا أتى من
    عنده بالوحي والقرآن
    فتكون حقا مؤمنا وجميع ذا وزر
    عليك وليس بالكفران
    هذا هو الإرجاء عند غلاتهم من
    كل جهمي أخي شيطان

    المجاهرة بالمعصية ليست كفرًا:
    عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة -رَضي اللهُ عَنْهُ- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، يقول: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يُصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا!؛ وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)). (رواه البخاري5721، ومسلم2990).
    قال الحافظ ابن حجر: وورد في الأمر بالستر حديث -ليس على شرط البخاري- وهو حديث ابن عمر رفعه: ((اجتنبوا هذه القاذورات، التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيءٍ منها، فليستتر بستر الله)). (أخرجه الحاكم، وهو في الموطأ من مراسيل زيد بن أسلم).
    قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدًّا، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا، لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك.
    والحديث مصرح بذم من جاهر بالمعصية، فيستلزم مدح من يستتر، وأيضا فإن سِتر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه. فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها، أغضب ربه؛ فلم يستره. ومن قصد التستر بها؛ حياء من ربه ومن الناس، منّ الله عليه بستره لله.
    ( فتح الباري 10 / 487و 48.
    وقال المناوي: والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضًا بالتحدث بالمعاصي، وجعل منه ابن جماعة إفشاء ما يكون بين الزوجين من المباح، ويؤيده الخبر المشهور في الوعيد عليه: ((وإن من الجهار أي: الإظهار والإذاعة- أن يعمل الرجل بالليل عملًا مسيئًا، ثم يصبح أي يدخل في الصباح وقد ستره الله فيقول عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)) بإشهار ذنبه في الملأ، وذلك خيانة منه على ستر الله الذي أسدله عليه وتحريك لرغبة الشر فيمن أسمعه أو أشهده. فهما جنايتان انضمتا إلى جنايته فتغلظت به.
    فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه صارت جناية رابعة وتفاحش الأمر!! والتقدير لا ذنب لهم إلا المجاهرون، ثم فسر المجاهر بأنه الذي يعمل العمل بالليل فيستره ربه ثم يصبح فيقول: يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا، فيكشف ستر الله عز وجل عنه؛ فيؤاخذ به في الدنيا بإقامة الحد.
    وهذا لأن من صفات الله ونعمه إظهار الجميل وستر القبيح، فالإظهار كفرانٌ لهذه النعمة وتهاون بستر الله.
    قال النووي: فيكره لمن ابتلي بمعصية؛ أن يخبر غيره بها، بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخه أو نحوه ممن يرجو بإخباره أن يُعَلِّمَهُ مخرجًا منها، أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له، أو نحو ذلك، فهو حسن، وإنما يكره لانتفاء المصلحة.
    وقال الغزالي: الكشف المذموم؛ إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء، لا على السؤال والاستفتاء؛ بدليل خبر من واقع امرأته في رمضان فجاء فأخبر المصطفى فلم ينكر عليه.(فيض القدير:5/11-12).
    المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر واجبة، وشرط لصحة الصلاة، وأن من صلى بغير طهارة عامدًا أو ناسيًا فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، ثم إن كان عامدًا فقد ارتكب إثمًا كبيرًا ومعصيةً عظيمةً.
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-:
    فالمسلم لا يصلي إلى غير القبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب انتهى (منهاج السُّنَّة النبوية 5/204).
    اتفق أهل العلم على أن من صلى بغير طهارة مستحلًا ذلك أو مستهزئا، فقد كفر، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
    وأما إذا صلى بغير وضوء تهاونًا! لا على وجه الاستحلال، ولا الاستهزاء، فقد ذهب الإمام أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللهُ- إلى أنه يكفر أيضًا، وجمهور العلماء على أنه لا يكفر، ويكون فعل كبيرة من الكبائر.
    يقول النووي -رَحِمَهُ اللهُ-: إن كان عالمًا بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصيةً عظيمةً، ولا يكفر عندنا بذلك، إلا أن يستحله، وقال أبو حنيفة: يكفر لاستهزائه، دليلنا: أنه معصية فأشبهت الزنا وأشباهه. أ هـ.
    المجموع (2/84)، وبنحوه في روضة الطالبين (10/67).
    وانظر مذهب الأحناف في: البحر الرائق (1/151،302، 5/132)، حاشية ابن عابدين (3/719).
    فالواجب على من صلى بغير طهارة؛ التوبة والاستغفار، والعزم على عدم العود إلى مثل ذلك، ثم يعيد الصلاة التي صلاها بغير طهارة، والله تعالى يتوب على من تاب، ولا يجب عليه تجديد إسلامه. والله أعلم.


    وقال -رَحِمَهُ اللهُ- في: إعلام الموقعين: في بيان تناقض الأَرْئَتِيَّة: ((ومن العجب إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان, و أنه مجرد التصديق, والناس فيه سواء, وتكفير من يقول: مُسَيْجِدْ, أو فُقَيْه, أو يصلي بلا وضوء، أو يلتذ بآلات الملاهي , ونحو ذلك)) أ هـ.
    وكشف عن آثار الإرجاء ولوازمه الباطلة الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- [فتح الباري11/270]، وانظر فيض القدير: (6/159)، و أصله في شرح المشكاة للطيبي(2/477): ((قال الطِّيبي: قال بعض المحققين: وقد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة؛ ذريعة إلى طرح التكاليف، و إبطال العمل, ظنًا أن ترك الشرك كاف!! و هذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود, وأن الترغيب في الطاعة و التحذير من المعصية لا تأثير له, بل يقتضي الانخلاع عن الدين, والانحلال عن قيد الشريعة, و الخروج عن الضبط, والولوج في الخبط, وترك الناس سدى مهملين, وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى, مع أن قوله في بعض طرق الحديث: ((أن يعبدوه)) يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية, وقوله: ((ولا يشركوا به شيئًا)) يشمل مسمى الشرك الجلي والخفي, فلا راحة للتمسك به في ترك العمل, لأن الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض, فإنها في حكم الحديث الواحد , فيحمل مطلقها على مقيدها ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها، وبالله التوفيق)) أ هـ.
    وفي كتاب (صفوة الآثار و المفاهيم) في فوائد قول الله تعالى:{إياك نعبد و إياك نستعين} قال مبينًا أن القول بالإرجاء دسيسة يهودية وغاية ماسونية [1/187] للشيخ عبدالرحمن الدوسري -رَحِمَهُ اللهُ-:
    ((التاسع و الثمانون بعد المائة: تعليم الله لعباده الضراعة إليه بـ{إياك نعبد و إياك نستعين} إعلام صريح بوجوب الصلة بين الإيمان والعمل, وأنه لا يستقيم الإيمان بالله ولا تصح دعواه إلا بتحقيق مقتضيات عبوديته, التي هي العمل بطاعته, وتنفيذ شريعته, وإخلاص القصد لوجهه الكريم, والانشغال بمرضاته, والعمل المتواصل لنصرة دينه, والدفع به إلى الأمام بجميع القوى المطلوبة؛ ليرتفع بدين الله عن الصورة إلى الحقيقة, وأن المسلم لا يجوز له الإخلال بذلك, ولا لحظة واحدة.
    وإن الدعوات لمجرد إيمان خالٍ من العمل هي إفك وخداع وتلبيس, بل هي من دسِّ اليهود على أيدي الجهمية, وفروعها من المرجئة كالماسونية, وغيرهم, إذ متى انفصمت الصلة بين الإيمان والعمل، فلن نستطيع أن نبني قوة روحية نقدر على نشرها والدفع بمدها في أنحاء المعمورة, بل إذا انفصمت الصلة بين الإيمان و العمل؛ فَقَدَ المسلم قوته الروحية, وصار وجوده مهددًا بالخطر , الذي يزيل شخصيته أو يذيبها في بوتقة غيره, لأنه لا يستطيع أن ينمي قوة روحية يصمد بها أمام أعدائه, فضلًا عن أن يزحف بها عليهم)) أ هـ.
    وبالجملة فهذان المذهبان: مذهب الخوارج ومذهب المرجئة, باطلان, مُردِيَان، أثَّرا ضلالًا في الاعتقاد, وظلمًا للعباد، وخرابًا للديار, وإشعالًا للفتن, ووهاءً في المد الإسلامي, وهتكًا لحرماته وضرورياته, إلى غير ذلك من المفاسد والأضرار التي يجمعها الخروج على ما دلت عليه نصوص الوحيين الشريفين، والجهل بدلائلها تارة، وسوء الفهم لها تارة أخرى وتوظيفها في غير ما دلت عليه, وبتر كلام العالِم تارة, والأخذ بمتشابه قوله تارة أخرى.
    وقد هدى الله (جماعة المسلمين) أهل السُّنَّة والجماعة -الذين مَحَّضُوا الإسلام ولم يشوبوه بغيره- إلى القول الحق, والمذهب العدل, والمعتقد الوسط بين الإفراط والتفريط مما قامت عليه دلائل الكتاب والسُّنَّة، ومضى عليه سلف الأمة من الصحابة -رَضيَ اللهُ عَنْهُم- والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا , وقد بينه علماء الاسلام في كتب الاعتقاد, وفي (باب حكم المرتد) من كتب فقه الشريعة المطهرة, من أن الإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالقلب, وعمل بالجوارح, يزيد بالطاعة, وينقص بالمعصية ولا يزول بها.
    فجمعوا بين نصوص الوعد والوعيد ونزلوها منزلتها, وأن الكفر يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالفعل، وبالشك، وبالترك, وليس محصورًا بالتكذيب بالقلب كما تقوله المرجئة, ولا يلزم من زوال بعض الإيمان زوال كله كما تقوله الخوارج.
    و أختم هذا الفصل بكلام جامع لابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- في كتاب (الفوائد) بيَّن فيه آراء من ضل في معرفة حقيقة الإيمان, ثم ختمه ببيان الحق في ذلك , فقال -رَحِمَهُ اللهُ-:
    ((و أما الإيمان: فأكثر الناس أو كلهم يَدَّعونه {و ما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف:103]، وأكثر المؤمنين إنما عندهم إيمان مجمل, وأما الإيمان المفصل بما جاء به الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- معرفةً وعلمًا و إقرارًا و محبةً, ومعرفة بضده وكراهيته وبغضه, فهذا إيمان خواص الأمة وخاصة الرسول, وهو إيمان الصديق وحزبه.
    وكثير من الناس حظهم من الإيمان: الإقرار بوجود الصانع, وأنه وحده هو الذي خلق السماوات و الأرض وما بينهما, و هذا لم يكن ينكره عباد الأصنام من قريش ونحوهم.
    و آخرون الإيمان: عندهم التكلم بالشهادتين سواء كان معه عمل أو لم يكن, وسواء رافق تصديق القلب أو خالفه.
    وآخرون عندهم الإيمان: مجرد تصديق القلب بأن الله سبحانه خالق السماوات والأرض، وأن محمدا عبده ورسوله, و إن لم يقر بلسانه ولم يعمل شيئًا, بل ولو سب الله ورسوله وأتى بكل عظيمة, وهو يعتقد وحدانية الله ونبوة رسوله فهو مؤمن!!.
    وآخرون عندهم الإيمان هو: جحد صفات الرب تعالى من علوه على عرشه, وتكلمه بكلماته وكتبه, وسمعه وبصره ومشيئته وقدرته و إرادته وحبه وبغضه, وغير ذلك مما وصف به نفسه, ووصف به رسوله, فالإيمان عندهم إنكار حقائق ذلك كله وجحده, والوقوف مع ما تقتضيه آراء المتهوكين، وأفكار المخرصين، الذين يَرُدُّ بعضهم على بعض, وينقض بعضهم قول بعض, الذين هم كما قال عمر بن الخطاب -رَضي اللهُ عَنْهُ- والإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: مختلفون في الكتاب, مخالفون للكتاب، متفقون على مفارقة الكتاب.
    و آخرون عندهم الإيمان: عبادة الله بحكم أذواقهم، ومواجيدهم، وما تهواه نفوسهم؛ من غير تقييد بما جاء به الرسول.
    و آخرون الإيمان عندهم: ما وجدوا عليه آباءهم، وأسلافهم بحكم الاتفاق كائنا ما كان, بل إيمانهم مبني على مقدمتين:
    إحداهما: أن هذا قول أسلافنا و آبائنا
    والثانية: أن ما قالوه فهو الحق.
    و آخرون عندهم الإيمان: مكارم الأخلاق، وحسن المعاملة، وطلاقة الوجه، وإحسان الظن بكل أحد, وتخلية الناس وغفلاتهم.
    و آخرون عندهم الإيمان: التجرد من الدنيا، وعلائقها، وتفريغ القلب منها، والزهد فيها, فإذا رأوا رجلا هكذا جعلوه من سادات أهل الإيمان! و إن كان منسلخًا من الإيمان علمًا وعملًا.
    و أعلى من هؤلاء من جعل الإيمان هو: مجرد العلم وإن لم يقارنه عمل.
    وكل هؤلاء: لم يعرفوا حقيقة الإيمان، ولا قاموا به، ولا قام بهم, وهم أنواع:
    منهم من جعل الإيمان ما يضاد الإيمان!.
    ومنهم من جعل الإيمان ما لا يعتبر في الإيمان!.
    ومنهم من جعله ما هو شرط فيه و لا يكفي في حصوله!.
    ومنهم من اشترط في ثبوته ما يناقضه ويضاده!.
    ومنهم من اشترط فيه ما ليس منه بوجه!.
    و الإيمان وراء ذلك كله, وهو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- علمًا، والتصديق به عقدًا، والإقرار به نطقًا، والانقياد له محبةً وخضوعًا, والعمل به باطنًا وظاهرًا, وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان, وكماله في الحب في الله والبغض في الله, والعطاء لله والمنع لله, و أن يكون الله وحده إلهه ومعبوده, والطريق إليه: تجريد متابعة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ظاهرا وباطنا, وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله. وبالله التوفيق)) أ هـ.

  • #2
    رد: ::: الاستحلال - لفضيلة الشيخ (طلعت زهران) :::

    لتحميل الملف [من هنا]

    تعليق

    يعمل...
    X