إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم | لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي [متجدد]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شرح متن] شرح كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح مسلم | لفضيلة الشيخ سليمان الرحيلي [متجدد]






    شرح كتاب
    الفتن وأشراط الساعة
    من صحيح مسلم


    لفضيلة الشيخ الدكتور
    سليمان بن سليم الله الرُّحيلي
    -حفظه الله-




    الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمةً للعالمين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
    فقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وحذّر منها تحذيرًا شديدًا، وبيّن أسباب الخروج منها،
    فاهتم بباب الفتن اهتمامًا عظيمًا، واهتم الصحابة -رضوان الله عليهم- بهذا الأمر، فكانوا يسألون
    الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته عنها، ثم بعد أن مات صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون الأعلم بها.

    وهذا يدل على أنّ المسلم ينبغي عليه أن يهتم بأمر الفتن ليَحذرها، ويُحذِّر منها، ويعرف الأسباب الجالبة للسلامة منها..
    ومن هذا المنطلق كان هذا التفريغ لهذا الشرح المبارك لكتاب "الفتن وأشراط الساعة" من صحيح الإمام مسلم -رحمه الله-،
    لفضيلة الشيخ سليمان بن سليم الله الرحيلي -حفظه الله-،
    والذي شرحه في المسجد المبارك؛ مسجد رسولنا صلى الله عليه وسلم.
    واللهَ نسأل أن ينفع به ويبارك فيه، ويتقبله منا بقبولٍ حسن.. إنه جواد كريم.

    [شارك في التفريغ مجموعة من الأخوات جزاهنَّ الله خيرًا]



    التفريغ كاملا في ملف واحد مفهرس

    ملف PDF ملف Word التصفح المباشر
    Calaméo
    رقم الدرس عنوان الدرس MP3 PDF DOC Flash
    1 مقدمة
    2 باب اقتران الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج
    3 باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت
    4 باب نزول الفتن كمواقع القطر
    5 باب إذا تواجها المسلمان بسيفيهما
    6 باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض
    7 باب إخبار النبي ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة
    8 باب في الفتنة التي تموج كموج البحر
    9 باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب
    10 باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم
    11 باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس
    12 باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال
    13 باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال
    14 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة
    15 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدخان
    16 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدجال
    17 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدجال
    18 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدابة
    19 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: طلوع الشمس من مغربها
    20 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: نزول عيسى بن مريم
    21 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: يأجوج ومأجوج
    22 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: الخسوفات الثلاث
    23 باب في الآيات التي تكون قبل الساعة: النار التي تخرج من اليمن
    24 ضوابط في الفتن يحتاجها كل مسلم
    25 أسئلة متنوعة


    :: الدرس الأول ::





    المـادة الصوتيـة:
    [الدرس الأول]


    تصفـح التفريـغ
    [Calaméo]



    الحمد لله الملك القدوس السلام، أكرمنا بدين الإسلام، وأكمل لنا الدين وأتمَّ علينا الإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده المعبود الحق على الدوام، وعد الموحدين بالجنة دار السلام، وتوعَّد العصاة بجهنم دار الانتقام، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام، ختم الله به الأنبياء فكان مسك الختام، من التزم سنته اهتدى واستقام، ومن أحدث في أمره ما ليس منه فهو رَدٌّ مع الآثام. صلى الله عليه وسلم أكمل صلاة وأتم سلام، ورضي الله عن آله الطيِّبين الأعلام وصحابته الخيار الكرام.

    أما بعد:
    فمعاشر الفضلاء؛ نجتمع في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتدارس العلم والخير، ونحن نرجو الله -عز وجل- أن يرزقنا بذلك فقهًا نافعًا، وأن يكتب لنا أجر حبس أنفسنا على التعلُّم، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم بشّر ببشارة عظيمة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «من دخل مسجدنا هذا يُعلِّم خيرًا أو يتعلَّمه كان كالمجاهد في سبيل الله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلَّم خيرًا أو يعلِّمه كان له كأجر حاجٍّ تامًّا حجته».

    ونحن -أيها الإخوة- في هذا اليوم وما بعده من الأيام سنقرأ في أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
    نسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وذلك من خلال القراءة في أمرٍ من الأهمية بمكان؛ ألا وهو:
    "كتاب الفتن وأشراط الساعة من صحيح الإمام مسلم -رحمه الله عز وجل-".

    والمعلوم -أيها الإخوة- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بيّن الفتن، وحذّر منها تحذيرًا شديدًا، وبيّن أسباب الخروج منها، فاهتم بباب الفتن اهتمامًا عظيمًا، واهتم الصحابة -رضوان الله عليهم- بهذا الأمر، فكانوا يسألون عن الفتن، كانوا يسألون الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته عنها، ثم بعد أن مات -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألون الأعلم بها؛ كما سيردنا -إن شاء الله عز وجل- فيما أورده الإمام مسلم رحمه الله.

    وهذا يدل على أنّ المسلم ينبغي عليه أن يهتم بأمر الفتن، لا ليقع فيها ولا ليكون من وَقودها؛ وإنما ليَحذرها، ويُحذِّر منها، ويعرف الأسباب الجالبة للسلامة منها.

    ونحن في هذا الزمن أشدُّ حاجة من غيرنا، لأنّا نعيش في زمن تموج فيه الفتن موجًا، فتنوّعتْ وتكاثرتْ وتولّدتْ، سواءً ما يتعلّق بفتن الشبهات التي تنوّعت، أو ما يتعلّق بفتن الشهوات التي كثرت وأصبحت سيلًا عارمًا، لا سيما ونحن في زمن تعددت فيه وسائل الاتصال، وأصبح ما يحدث في العالَم كلّه كأنه يحدث في حيٍّ واحد، فتُعرَض فتن الدنيا على الإنسان وهو في بيته، سواءً ما يتعلّق بالشبهات أو الشهوات، أصبح الإنسان يُلابِس الفتن في بيته، في شارعه، في وظيفته، في مدرسته، في كل مكان.

    فما أحوجنا إلى أن نعرف هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الفتن؛ لأنه والله لا سلامة للأفراد ولا للمجتمعات من الفتن إلا بسلوك هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- واتّباع محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما بيّنه في هذا الباب.

    ونحن -إن شاء الله- سنقرأ ما أورده الإمام مسلم -رحمه الله-، وستكون عنايتنا بالمتن، أمّا لطائف الأسانيد -وهي كثيرة جدًّا- فإنّا لن نعرِض لها في شرحنا هذا؛ لمقام الوقت وما يقتضيه المقام، ولذلك سنقرأ السند مختصرين على الصحابي الذي روى الحديث، مكتفِين بأنّ الحديث في صحيح مسلم؛ الذي تلقّته الأمة بالقَبول، واتفق علماء الأمّة على صحة ما فيه من حيث الجملة.

    ونبدأ مستعينين بالله في قراءة ما يتعلّق بهذا الكتاب.

    بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    يَقُولُ الإِمَامُ النوَوِيُّ -رَحِمَهُ الله-: [كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ]

    ((يَقُولُ الإِمَامُ النوَوِيُّ -رَحِمَهُ الله-))؛ لأنّ الذي بوّب صحيح مسلم هو الإمام النووي، فالإمام مسلم -رحمه الله- لم يبوّب الصحيح ولم يقسّمه عَنْوَنَةً وإنما قسَّمه بالموضوعات، إذا تأمّلنا صحيح مسلم وجدنا أنه قسّمه تقسيمًا على الموضوعات؛ فكتاب الإيمان، وكتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، كله في موضع واحد، لكنه -رحمه الله- لم يُسمّها، فجاء الإمام النووي وخدم هذا الكتاب؛ ومن خدمته له أنه بوّب له.

    قال: ((كِتَابُ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ))؛ الفتن -أيها الإخوة-: جمع فتنة، والفتنة لها في لغة العرب وجوه، فمنها العذاب، ومنها الإحراق، ومنها الحروب، ومنها الابتلاء والامتحان. وكل هذه وجوه لمعاني الفتنة عند العرب.

    وأصل الفتنة: الابتلاء، مأخوذة من قولك: فتنتُ الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتميّز الرديء من الجيّد. وفي الصحاح: إذا أدخلتَه النار لتنظر ما جودته.

    إذن الفتنة -أيها الإخوة- أصلها هو الابتلاء؛ ولذلك يقول الحافظ ابن عبد البر: "وجماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار".

    والفتن قد تكون في المحيا، وقد تكون في الممات، ولذلك أُمرنا بأن نستعيذ من فتنة المحيا ومن فتنة الممات.

    والاستعاذة من الفتن معناها -يا إخوة-:
    ·إما أنه طلب عدم إدراكها؛ كالاستعاذة من فتنة المسيح الدجال، تقول: أعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال؛ يعني تطلب من الله ألا تدركك هذه الفتنة.
    ·وقد تكون الاستعاذة طلبًا لعدم الوقوع فيها إن وقعتْ؛ كالاستعاذة من فتن المعاصي، المعاصي واقعة، وأنت عندما تستعيذ بالله من فتن المعاصي فأنت تسأل الله ألا تقع فيها. وكذلك الاستعاذة من فتن الحروب التي تقع بين طوائف المسلمين، فإنّ هذا معناه أنك تسأل الله ألا تقع فيها عند وقوعها.
    ·وقد تكون الاستعاذة من الفتن طلبًا لإصابة جادّة الصواب فيها؛ وذلك كالاستعاذة من فتن الطاعات، فالطاعة فيها فتنة -كما سنذكر إن شاء الله- والاستعاذة من فتنتها معناه: أنك تسأل الله أن يوفقك للصواب في الطاعات.
    فهذا معنى الاستعاذة الذي يشمل كل الفتن.

    وفتن المحيا كثيرةٌ جدًّا، في الأهل والمال والدين والدنيا؛

    فمن الفتن: الاختبار والمحنة.
    ومن ذلك -يا إخوة- الافتتان بالطاعات، الواحد منا قال: آمنتْ، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فلابد أن يُفتَن؛ (
    أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)
    [العنكبوت: 2] بلى والله سيُفتَن، سيُفتن الإنسان، ومن فتنة المسلم أن يُفتَن بالطاعات، فيؤمَر بالصلاة، ويؤمَر الرجل مثلا بإعفاء اللحية، فهذه فتنة وابتلاء يُختبَر بها المسلم، لأنّ بعض الناس إن أُمِرَ بما يُحب فعل، وإن أُمِرَ بما قد لا يحبه لم يفعل.
    يُبتلى المؤمن بالأمر بطاعة وليّ أمره ولو كان فاسقًا، فهذه فتنة، فتنة ابتلاء واختبار ليتبيّن المطيع من العاصي، ليتبيّن أهل الجنة من أهل النار.

    ومن الفتنة: المال. ومن الفتنة: الأولاد؛ (
    إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15]، فقد يُفتَن المسلم بأولاده، وقد يُفتَن من أولاده، وقد يُفتن في أولاده.
    قد يُفتن بأولاده فيلهوا بهم عن الطاعات؛ كما قال الله -عز وجل-: (
    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) [التكاثر: 1-2] فيلهوا بهم.
    وقد تكون فتنة الإنسان من أولاده، فكم من ولد فتن أباه، كم من أب مطيع على السنة ابتلي بابن على البدعة؛ جرّ رجله من السنة إلى البدعة.
    وقد يُفتَن في أولاده، بما يقع من الفتن للأولاد في الشارع والمدرسة والبيت؛ فهذه فتنة.
    وقد يُفتن الإنسان بماله، وقد يفتن في ماله، يفتن بماله فيلهوا بجمعه عن الطاعات، يسمع قول المؤذن "الله أكبر" فلا يسارع إلى المسجد، يعقد الصفقات، يعلم أنّ هذه المعاملة حرام فلا يتركها فتنة بالمال، وقد يُفتن في ماله، المال عنده، الأول في طلبه، والثاني يكون المال عنده لكنه لا يعرف حق الله فيه، فلا يصل به رحمه، ولا يُخرِج منه زكاة ولا غير ذلك، فمن الفتنة المال والأولاد.

    ومن الفتنة: الكفر -والعياذ بالله-؛ كما قال الله -عز وجل-: (
    وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)
    [البقرة: 191] أي أنّ الكفر أشد من القتل.

    ومن الفتنة: اختلاف الناس في الآراء؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا))؛ فهذه فتنة.

    ومن الفتنة: فتنة المسلم بالناس، نعم، قد يُفتن المسلم بالناس، إما بتشنيعهم، وإما بحمدهم.
    يُفتن بتشنيعهم؛ كتشنيع بعض الناس على الموحّدين، فإذا وحّد الله جاء إلى الحج مثلًا وسمع كلام أهل العلم المبني على قال الله قال رسوله -صلى الله عليه وسلم- وامتلأ قلبه بنور التوحيد ورجع إلى بلاده عازمًا على ألا يصرف العبادة إلا لله، فيأتيه المشنّعون ويقولون: جاء وهّابي، رجع من السعودية بإسلام سعودي! يُشنّعون عليه، يُفتن بهذا التشنيع.
    وكما لو تمسّك المسلم بالسنة فأعفى لحيته ورفع إزاره فيُشنّعون عليه ويقولون: متشدد، حنبلي! فيُفتن بالتشنيع فيترك الحق من أجل فتنة الناس.
    وهذه فتنة عظيمة، قال الله -عز وجل-: (
    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ)[العنكبوت: 10] فإذا أوذي في الله فشنّع عليه من حوله ترك الحق، فجعل فتنة الناس كعذاب الله، فأوقَع نفسه في عذاب الله من أجل الناس -والعياذ بالله-.
    وقد يُفتن بحمدهم، فيقولون مثلًا: فلان يصلي في المسجد، فلان يُكثر من الصلاة في المسجد، فلان يقوم الليل، فلان رجل صالح، فلان حسن الخلق، والأصل في هذا أنه من عاجل بشرى المؤمن ما لم يطلبه الإنسان، لكن قد يُفتَن به فيقع في الرياء بسببه، فإذا كان يحضر للصلاة عند الأذان يبدأ يحضر قبل الأذان من أجل أن يزيد الناس، وإذا كان يخشع في صلاته يكون في صدره أزيز من خوفه من الله يزيد فيُظهِر الصوت بالخشوع من أجل أن يزيد الناس، هذا يُفتَن بكلام الناس يُفتّن بحمد الناس، قد يكون الإنسان طالب علم نفع الله به في مجاله، فيُحمَد فيقال: أنت علامة، أنت عالم، أنت إمام المسلمين! فيُفتن بهذا فيُصبح يتكلم في كل شيء، ثم ينقلب من أن يتكلم بما يُصلح الناس إلى أن يتكلم بما يُصالِح الناس، فيُفتَن بالناس.
    فالمسلم قد يُفتن بالناس؛ سواء من جهة التشنيع أو من جهة الحمد.

    والمعاصي كلها فتنة، وكل من فُتن بشيء من المعاصي والشهوات المحظورة فهو مفتون. وقد يكون في هذا الباب من الفتنة ما هو أشدّ من مجرد المعصية -كما ذكره الحافظ ابن عبد البر-؛ ألا وهو الإصرار على المعصية والإقامة على الذنب، فالإصرار على المعصية أمره خطير حتى في الصغائر، ولذلك جاء عن السلف: "لا كبيرة مع الاستغفار، ولا كبيرة مع الإصرار" .

    ومن الفتن العظيمة شديدة الخطر عظيمة الأثر: البدع المحدَثة التي تُتّخذ دينًا وإيمانًا، ويُشهَد بها على الله افتراءً، ما شرعها الله لا في كتابه ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيُفترى على الله بها، ومن فُتِنَ بها أحبها ولا يحب أن يُقصّر فيها، وأهون عليه أن يُقصّر في السنة الثابتة من أن يُقصّر في البدعة المحدَثة، ولا ينتقل عنها ويودّ أن يقبضه الله عليها، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة؛ حتى يدعها» رواه الطبراني وصححه الألباني، فهذا أيضًا مفتون بفتنةٍ أشدَّ من فتنة المعاصي؛ لأنّ البدع أعلى المعاصي، هي فوق الكبائر، وقد تكون كفرًا وقد تكون دون الكفر، فهذا مفتون، زُيّن له سوء عمله، ويودّ لو أنّ كل الناس مثله في هذا الأمر.

    ومن الفتن: القتل -كما سيأتي إن شاء الله-.

    ومن الفتن: ما يُبتلى به الإنسان من زينة الدنيا وشهواتها ولو كانت مباحة، فقد يُفتن الإنسان بالزوجة، هي حلاله؛ لكن يُفتن بها بأن يُعجَب بها فتشغله عن آخرته، بعض الناس يُفتن بزوجته، لا يُعفي لحيته لأن الزوجة لا تريد اللحية؛ تقول: نحَّي عنك هذه اللحية، أنا أريد أن يكون خدك كخدي، فيحلق لحيته، وكم من سائل سألني بنفس هذا المعنى، وقد تطلب منه الحرام فيأتي به وهو يعلم أنه حرام؛ لأنه يحبها أعجبته فشغلته عن آخرته. ولذلك فسّر بعض السلف قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركتُ على أمتي فتنة أضرّ على الرجال من النساء بمثل هذا» قالوا معناه: أخاف أن تُعجبوا بهن فتنشغلوا بهن عن الآخرة.

    ومن الفتن -كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-: الحروب بين ملوك المسلمين وطوائفهم؛ مع أنّ كل واحدة من الطائفتين ملتزمةٌ لشرائع الإسلام، انتبه للقيود، الحروب بين طوائف المسلمين وملوكهم؛ مع أنّ كل طائفة ملتزمة لشرائع الإسلام، مثل ما كان من أهل الجَمل وصِفِّين من المسلمين، مع أنّ كل واحدة من الطائفتين ملتزمةٌ بشرائع الإسلام؛ لكنهم اقتتلوا لشُبَهٍ عرضتْ لهم.
    قال شيخ الإسلام: "وأما قتال الخوارج ومانِعي الزكاة فليس من حروب الفتن، بل هؤلاء يُقاتَلون حتى يَدخلوا في الشرائع الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-".
    وهذا أمر مهم ننبِّه عليه -أيها الإخوة- لأنّ بعض الناس يخلط بين حروب الفتن وبين غيرها، فلا يقف الموقف الشرعي.
    فمثلًا؛ ما وقع من شرور من الطوائف الضالة في بلدان المسلمين -ومنها ما وقع في هذا البلد المبارك- من اعتداءات من قوم يزعمون أنهم يجاهدون، وليسوا بمجاهدين، فقاتلتهم الدولة منعًا لشرهم، وجزاها الله خيرا، فظنّ بعض الناس أنّ هذا الأمر من الفتن؛ أعني من قتال الفتن، فقال: فتنة طهّر الله منها سيوفنا فنطهّر منها ألسنتنا، فلا يُنكر على أولئك ولا يُبغض أعمالهم ولا يصفهم بما يستحقون شرعًا، وهذا ليس موقفًا شرعيًّا.
    فيجب أن يُفرّق المسلم بين ما كان من قتال الفتن على الوصف الذي وصفه شيخ الإسلام وهو أنّ كل طائفة ملتزمة للشرائع وبين قتال البغاة والخوارج؛ فهذا ليس من الفتن بل ينبغي أن يكون للمسلم دور في إنكار منكر هؤلاء الذين جلبوا الشر على المسلمين من أول ظهور الخوارج إلى يومنا هذا.

    هذا شيء من فتن المحيا.

    وأما فتن الممات؛ فقد تكون عند الاحتضار، فإنّ الميت تحضره الملائكة، وقد تكون في القبر أيضًا، فإنّا نُفتن في قبورنا، والإنسان يُفتن في قبره بالسؤال عن ربه ونبيه ودينه، فمن الناس من ينجو ويوفّق للصواب فينادي منادٍ: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا من الجنة، فيأتيه له من روحها وطيبها، ويُفسّح له مدّ بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيّب الريح فيقول: أبشر هذا يومك الذي كنتَ توعَد، أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم، فيقول: وأنت بشرك الله بالخير من أنت؟ فيقول: "أنا عملك الصالح؛ فوالله ما علمتُُ إلا كنتََ سريعًا في طاعة الله، بطيئًا في معصية الله، فجزاك الله خيرًا". ولا يوفّق بعض الناس، فلا يوفق إلى الصواب، وقد يكون كان يقول الصواب في الدنيا لكنه لا يوفَّق للصواب في قبره فيكون جوابه: هاه هاه لا أدري سمعتُ الناس يقولون قولًا فقلته، فينادي منادٍ: أن كَذَب فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا من النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويُضيَّق عليه في قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب مُنتِن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنتَ توعَد، فيقول: من أنت بشرك الله بالشر فوجهك يجيء بالشر؟ فيقول: "أنا عملك السيء -وفي رواية: أنا عملك الخبيث- فوالله ما علمتُ إلا كنتََ بطيئًا في طاعة الله سريعًا في معصية الله". فتعوّذوا إخواني من فتنة المحيا، ومن فتنة الممات.

    وأما الساعة؛ وما أدراك ما الساعة! قال الله -عز وجل-: (
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1 – 2] الله -عز وجل- حذّرنا من زلزلة الساعة؛ (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وما الذي يُذهل المرضعة عما ترضع؟! والله لا يذهلها إلا زلزلة الساعة، (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) أخافهم فتمايلوا من شدة عذاب الله -سبحانه وتعالى-.
    ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله (
    يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً سورة الأعراف) [الأعراف: 187] ، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبيٌّ مرسل ولا ملك مقرب؛ إلا أنها قريبة، والله إنها لقريبة! يخبر الله -عز وجل- عن اقتراب الساعة بالفعل الماضي الدال على التحقيق والوقوع لا محالة؛ كقوله: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [ الأنبياء: 1] وقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، يشير بأصبعيه يمدهما» رواه البخاري.

    وحال أهل الإيمان أنهم مشفقون من الساعة خائفون وجلون (
    وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 49] خائفون ولا يعلمون متى تأتي، فهم على استعدادٍ لها، لأنّ الواحد منهم لا يدري متى تقوم ساعته، ومن حضرت منيّته قامت ساعته، فهم من الساعة خائفون وجلون ولها مستعدون.
    وأما من فرَّّط وأتبع نفسه هواها ولم يحسِب للساعة حسابها فإنه خاسر إذا جاءته الساعة بغتة، قال الله -عز وجل-: (
    حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) [الأنعام: 31]، فالساعة شأنها عظيم -أيها الإخوة-!

    وأما أشراط الساعة؛ فعلاماتها: علامات القيامة التي تسبقها وتدل على قرب وقوعها، وهي عند أهل العلم أيها الإخوة نوعان:
    ·كبرى: وهي العلامات العظام التي تظهر قرب الساعة ولم يقع منها شيء، ولكنها إن وقعت تتابعتْ.
    ·وصغرى: وهي دون الكبرى، ومنها ما وقع وانقضى، مضى؛ كانشقاق القمر، ومنها ما وقع ولا زال، ولا زال يكثر؛ كانتشار الجهل، فانتشار الجهل وقع ولا زال واقعًا ولا زال يتسع. وظهر اليوم من الجهل أنواع كانت قليلة في الماضي؛ كالجهل المركب، جهل الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل، يظن نفسه عالمًا أو واعظا أو مفتيًا وهو أجهل من الكرسي الذي يجلس عليه، وهذا من علامات الساعة الصغرى، ومنها ما سيقع إن شاء الله -عز وجل-.


    فإن قال قائل: ما الرابط بين الفتن وأشراط الساعة حتى يجمع الإمام مسلم بينهما في موضع واحد ويبوّب النووي بهذا التبويب؟

    الجامع -يا إخوة-: أنّ الفتن من علامات الساعة، وكلما كثرت الفتن كان ذلك دليلًا على قرب الساعة، فهذا هو الجامع بينهما.

    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فريد القبائلي; الساعة 07-Jan-2014, 01:43 PM.

  • #2
    الدرس الثاني :: باب اقتران الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج





    :: الدرس الثاني ::
    باب اقتران الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج






    المـادة الصوتيـة:
    [الدرس الثاني]


    تصفـح التفريـغ
    [Calaméo]






    قال الإمام مسلم -رحمه الله-:
    [بَابٌ اقْتِرَابِ الْفِتَنِ وَفَتْحِ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ].

    روى الإمام مسلم -رحمة الله عليه- بإسناده:
    [عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ عَشَرَةً، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»].

    عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ من نومه، وفي رواية -ستأتينا-: استقظ فزعًا خائفًا من هول هذا الأمر وهو يقول: لا إله إلا الله، قال العلماء: يؤخَذ من هذا:
    أنّ ذكر الله من أسباب السلامة من الفتن، وسيرد -إن شاء الله- في موطنه.
    فمن أسباب السلامة من الفتن: أن يداوم الإنسان على ذكر الله، وسنذكر -إن شاء الله- في موطنه أذكارًا بعينها فيها السلامة من الفتن -إن شاء الله عز وجل-.
    قالت: وَهُوَ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَب»؛
    «وَيْلٌ» هنا مقصودٌ به: حُلول الشر، وهو للتفجُّع، أي يتفجَّع عليهم من حُلول الشر.
    و"ويل" في أصل المعنى قيل: وادٍ في جهنم.
    وقيل: وادٍ من صديد أهل جهنم.
    وقيل: هو العذاب.
    والمقصود به هنا -كما قلنا-: حلول الشر، وقوع الشر.

    قال: « وَيْلٌ لِلْعَرَب»؛ هل العرب هم المختصون بفتنة يأجوج ومأجوج؟ الجواب: لا، لكن خصّ العرب بالذكر قال العلماء: لأمرين:
    · الأمر الأول: أنهم كانوا معظم من أسلم إذ ذاك؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- يهتم لأمر المسلمين.
    · والأمر الثاني: للإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع في العرب، قال العلماء: هذا يؤخَذ في الفتن كلِّها؛ أنّ الهلاك في العرب في الفتن أسرع من غيرهم.

    قال: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبْ»؛ أي أنّ قُرب ذلك الشر في غاية القُرب.
    فكأنّ سائلًا سأل: لماذا تقول ذلك يا رسول الله؟ فنبَّه على السبب فقال: « فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ».

    ردم يأجوج ومأجوج: هو السدّ الذي بناه ذو القرنين -الذي ورد في القرآن- بزبر الحديد وهي القطع من الحديد.

    ويأجوج ومأجوج: من البشر، من ذرية آدم وحواء، وليس صحيحًا أنهم من ذرية آدم فقط، بل من ذرية آدم وحواء.
    ورد في صفاتهم مالا يَثبُت؛ مِن قِصَرهم وصِغَرهم، وإنما المعلوم عنهم أنهم قومٌ أقوياء، لا طاقة لأحد في قتالهم، حتى عيسى -عليه السلام-، حتى عيسى -عليه السلام- الذي يقتل الدجال لا طاقة له بقتال يأجوج ومأجوج -كما سيأتي إن شاء الله-. وإذا أُرسِلوا على الناس أفسَدوا عليهم معايشهم.

    «مِثْلُ هَذِهِ» هذا نائب فاعل لقوله: «فُتِح»، وأشار إلى الحلْقة المبيِّنة بقوله: ((وَعَقَدَ عَشَرَةً)) هذه من أساليب العرب في عقد الأعداد. ما هو عَقْدُ العَشر؟ عقد العَشر: أن يجعل طرف السبابة اليمنى في باطن طيِّ عقدة إبهامه العليا، هكذا، هذه عشر، إذا أُشير هذه إشارة للعشر، فيجعل طرف السبابة اليمنى في طيِّ عُقدة الإبهام العليا، وهي إشارة إلى مثل هذه الفتحة، والمراد أنه لم يكن في الردم ثَقْبٌ إلا في ذلك اليوم.

    قال الحافظ ابن حجر: "وقد جاء في خبر مرفوع أنّ يأجوج ومأجوج يحفرون السدّ كل يوم، وهو فيما أخرجه الترمذي وحسّنه وابن حبان والحاكم وصححه، عن أبي هريرة رفعه: «في السد يحفرونه كلّ يوم، حتى إذا كادوا يَخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستَخرِقونه غدا، فيُعيده الله كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغ مدّتهم وأراد الله أن يَبعثهم قال الذي عليهم: ارجعوا فستَخرِقونه غدًا إن شاء الله» واستثنى، قال: «فيرجعون فيجدونه كهيأته حين تركوه، فيخرقونه، فيَخرجون على الناس... » الحديث.

    قال الإمام ابن العربي -رحمه الله-: "في هذا الحديث ثلاث آيات باهرات:
    الأولى: أنّ الله منعهم أن يوالوا الحفر ليلًا ونهارًا ".
    انظروا يا إخوة! يحفرون في الليل والنهار حتى إذا بقي قليل لا يُكملون، وإنما يقولون: ترجعون غدًا فتَخرقونه، فإذا عادوا وجدوه كهيأته، مَن الذي صَرَفهم عن أن يواصلوا الحفر ليلًا خاصة بعد التكرار؟ صرفهم الله، لأنّ الله جعل لخروجهم أجلًا.
    قال: "الثانية: منْعُهم أن يحاولوا الرُقيَّ على السد بسُلّم أو آلة فلم يُلهِمُهم ذلك ولا علَّمهم.
    الثالثة: أنه صدّهم أن يقولوا: إن شاء الله؛ حتى يجيء الوقت المحدود".

    قال الحافظ ابن حجر: "قلتُ: وفيه: أنّ فيهم أهل صناعة"، لماذا أهل صناعة؟ لأنهم يحفرون، ففيهم أهل صناعة. قال: "وأهل ولاية وسلاطة"؛ لأنه قال: فيقوم الذي عليهم؛ إذن لهم والي. قال: "ورعيّة تطيع من فوقها"؛ لأنه يقول لهم ارجعوا فيرجعون. "وأنّ فيهم مَن يعرف الله"؛ لأنه يقول: إن شاء الله. قال: "ويُحتمَل أن تكون تلك الكلمة تجري على لسانه من غير قصد للحكمة التي أرادها الله".

    قالت -رضي الله عنها-: ((أَفنُهْلَكْ)) أو ((أَفَنَهْلِكْ))؛ كلاهما ورد. فإذا قلنا ((أَفَنُهْلَكْ)) فهذا من الإهلاك، وإذا قلنا ((أفنَهلِك)) فهذا من الهلاك.

    ((وَفِينَا الصَّالِحُونْ؟!)) أي أنعذَّب فنهلِك نحن معشر الأمة والحال أنّ بعضنا مؤمنون وفينا الطيّبون الطاهرون؟! نعم، من أين عرفتْ أنه يبقى في الأمّة صالحون؟ من إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله».

    قال -صلى الله عليه وسلم-: «نَعَمْ» أي يَهلِك الطيّب أيضًا، أو يُهلَك الطيّب أيضًا.

    «إذا كَثُرَ الخَبَثْ»؛ فسّره العلماء: بالزنا، إذا كثر الزنا وفشا.
    وفسّره بعض أهل العلم: بأولاد الزنا.
    وفسّره بعض أهل العلم: بالفجور كلّه، أن يُعلَن الفجور؛ من التهتُّك في اللباس، فتكشف المرأة عن عوراتها، ويكشف الرجل عن عوراته، وينتشر هذا بين الناس، ويرضى الرجل لامرأته أن تجلس مع صديقه يُسلّيها وتسليه بخلوة أو بحضوره من غير حجاب، تضحك مع صديقه أشدّ ما تضحك مع زوجها، وهذا نوعٌ من أنواع الدِّياثة -والعياذ بالله- وهو فجور. والزنا واللواط وغير ذلك من أنواع الفجور، والعياذ بالله.
    قال الحافظ ابن عبد البَّر: "وجملة القول في معناه: أنه اسمٌ جامعٌ؛ يجمع الزنا وغيره من الشر والفساد، والمنكر في الدِّين".
    فإذا فشا المنكر في الدين وفشا الفساد وفشا الشر كانت الأمّة عُرْضةً للهلاك.

    قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "كان يُقال إنّ الله لا يُعذِّب العامّة بذنب الخاصة، ولكن إذا صُنِع المنكر جَهارًا استحقوا العقوبة". وهذا معناه: إذا قَدِروا على الإنكار فلم يُنكِروا.

    قال ابن العربي -رحمه الله-: "فيه البيان بأنّ الخَيِّر يُهلَك بهلاك الشرِّير؛ إذا لم يُغيِّر عليه خَبَثه أو خُبثَه، وكذلك إذا غيَّر عليه لكن حيث لا يُجدي، ويُصرُّ الشرير على عمله السيّئ ويَفشُوا ويَكثر حتى يَعُمّ الفساد؛ فيَهلَك حينئذ القليل والكثير، ثم يُحشَر كلُّ أحدٍ على نيّته".
    وكأنّ أم المؤمنين -رضي الله عنها- فهمتْ من فَتح القدر المذكور من الردم؛ أنّ الأمر إن تمادى على ذلك اتّسع الخَرق؛ بحيث يخرجون، وكان عندها علم في أنّ خروجهم فيه إهلاكٌ للأمّة، ولذلك سألت فقالت: ((أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونْ؟!)).

    وسيأتي -إن شاء الله- الكلام عن خروج يأجوج ومأجوج إن كتب الله وقتًا، وسنتكلم هناك عن حالهم وما يكون فيهم.

    وفي هذا الحديث الذي معنا؛ أنّ نار الفتنة إذا وقعتْ في موضع واشتدت ولم يُنكرها أهل الخير أكلت الرطب واليابس، وغلبت على الطاهر والنجس، وأخذتِ البَّرّ والفاجر.

    قال ابن بطَّال -رحمه الله-: "أنذر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقُرب قيام الساعة" لماذا؟ قال: "كي يتوبوا قبل أن تهجم عليهم، جاء في حديث أبي هريرة رفعه: «ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم» -فالموت أهون-، قال: وفي هذا غاية التحذير من الفتن والخوض فيها".

    ومن مراد الإمام مسلم -رحمه الله- من البَدء بهذا الحديث: بيان أنّ الفتنَ إذا نزلت لا تصيب الظالم فقط وإنما تصيب الجميع، وهذا يوجب على الجميع الحذر منها.
    فلا ينبغي للإنسان أن يقول: أنا مالي وهذه الفتنة؟ أنا الحمد لله بعيد عنها! بل الواجب أن يقوم بما يقدِر عليه؛ ولو أن يُحصِّن أبناءه وبناته ومن حوله، بأن يُعلِّمهم ويبيّن لهم.
    يقول الله -عز وجل-: "
    وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً"[الأنفال: 25 ].

    وهذه طريقة أهل العلم -يا إخوة-
    ؛ طريقة أهل العلم أنهم يبدؤون الكلام عن الفتن ببيان أنّ الحذر منها لازمٌ للجميع، لا يخرج من التحذير أحد.
    ولذلك؛ البخاري -رحمه الله- بدأ كتاب الفتن بالآية: "
    وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً".
    والإمام مسلم -رحمه الله- بدأ هذا الكتاب بهذا الحديث الذي ورد فيه أنّ الفتنة يَهلِك فيها الصالح وغيره، ليَحذر الجميع.
    فأراد -رحمه الله- أن يُبيّن أثر الفتن على الناس؛ ليُعطيها الناس ما تستحقه من اهتمام ويأخذوا بأسباب النجاة منها وينكروا ما يقع منها.

    [وَعَنْهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قالت: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ»].
    نعم، خرج يومًا فزعًا محمرًّا وجهه قد استيقظ من منامه، فإذا كان هذا -يا إخوة-، إذا كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا، فكيف بغيره؟! كيف بنا يرى الواحد منّا الفتن تموج موجًا ولا يخاف، ولا يَحذر، ولا يُحذِّر، ولا يُنكر، ولا يُبيّن؟ لاشك أنّ الغفلة فينا عظيمة.
    [يقول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ »، وحلّق بأصبعه الإبهام التي تليها]. كما قلنا في السابق.
    [قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»].
    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ»، وعَقَد وُهَيْبٌ بيده تسعين".
    نعم، هذا مثل ما مضى، لكنّ الجديد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ وُهَيْبًا -رضي الله عنه- أحد الرُّواة عَقَدَ بيده تسعين، فما عقد التسعين؟ عقد التسعين قالوا: أن يجعل طرف السبابة اليمنى في أصلها ويضمُّها فتكون كالحيَّة المنضمّة إلى بعضها، يعني هكذا، يضع طرف السبابة في أصلها -أصل السبابة- من أسفل ويضمُّها مُحكَمة حتى تكون كهيأة الحيَّة.
    طيّب؛ هنا ستَلحظون شيئًا: في الحديث السابق كان العَقْد هكذا فهذه حلْقة، وفي هذا الحديث الحلْقة هكذا، ففرقٌ بينهما، فهذا شيء يسير وذاك أكبر منه!
    ولذلك؛ قال بعض أهل العلم: لعل أبو هريرة -رضي الله عنه- روى الحديث في أوّل الأمر عندما كان الخَرق يسيرًا، ثم اتّسع.
    وقال بعض أهل العلم: لعل المراد من ذلك التقريب.
    لكنّ اختلاف الصفتين -حقيقةً- يُشعِر باختلاف المعنى، فيظهر -والله أعلم- أنّ في ذلك إشارة بأنّ الخَرق يتّسع بمرور الأيام، فهم في أوّل الأمر كانوا يَخرِقون مقدار هذا، ثم أصبحوا يَخرِقون مقدار هذا، ولا زال الخَرق يتّسع حتى يكتب الله -عز وجل- لهم الخروج.

    هذا ما يتعلّق بهذا الحديث الأوّل، فلعلّنا نكتفي به؛ لأنّ اليوم نقدّم للمسألة وغدًا -إن شاء الله عز وجل- نُكمل القراءة في هذا الكتاب المبارَك.

    وأهمّ ما ورد -يا إخوة- هي قضية أنه يُراد بهذا الحديث:
    التحذير من الفتن، ومن التهاون بها، ومن السكوت عنها عند وقوعها مع القدرة على إنكارها.
    فإذا وقعت الفتن سواء ما يتعلّق بالشبهات والبدع فمن الخطر العظيم أن يُسكَت عن البدع وأهلها.
    وإذا وقعت فتن الشهوات فمن الخطر ان يُسكَت عنها؛ لكن يُتكلّم بالأصول الشرعية؛ لأنّ من إنكار المنكر ما هو فتنة، من الناس من يكون إنكاره منكرًا يحتاج إلى إنكار،
    فالمسألة تحتاج إلى ضوابط شرعية ستردنا إن شاء الله، ونقرِّرها على أصولها من الأدلة الثابتة.
    والله أعلم.




    الملفات المرفقة

    تعليق


    • #3
      :: الدرس الثالث:: باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت




      :: الدرس الثالث::
      باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت






      المـادة الصوتيـة:
      [الدرس الثالث]


      تصفـح التفريـغ
      [Calaméo]




      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة
      ً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

      يقول الإمام النووي -رحمة الله عليه-:
      [بابٌ: الْخَسْفِ بِالْجَيْشِ الَّذِي يَؤُمُّ الْبَيْتَ.

      عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَسَأَلاَهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ»‏.‏ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
      ! فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ»‏ ‏.‏
      وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هِيَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ.‏
      قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ فَقُلْتُ: إِنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَلاَّ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَبَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ.

      وَعَنْ حَفْصَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ :‏ «لَيَؤُمَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ يَغْزُونَهُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوْسَطِهِمْ، وَيُنَادِي أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ، ثُمَّ يُخْسَفُ بِهِمْ فَلاَ يَبْقَى إِلاَّ الشَّرِيدُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْهُمْ»‏.‏ فَقَالَ رَجُلٌ: أَشْهَدُ عَلَيْكَ أَنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى حَفْصَةَ وَأَشْهَدُ عَلَى حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمْ-.

      وَعَنْهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:‏ «سَيَعُوذُ بِهَذَا الْبَيْتِ -يَعْنِي الْكَعْبَةَ- قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلاَ عَدَدٌ وَلاَ عُدَّةٌ، يُبْعَثُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ»‏‏.‏ قَالَ يُوسُفُ: وَأَهْلُ الشَّأْمِ يَوْمَئِذٍ يَسِيرُونَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهَذَا الْجَيْشِ.

      وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: عَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي مَنَامِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ‏.‏ فَقَالَ: ‏« الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ»‏.‏ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ‏.‏ قَالَ: «نَعَمْ، فِيهِمُ: الْمُسْتَبْصِرُ، وَالْمَجْبُورُ، وَابْنُ السَّبِيلِ، يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»]
      .

      نعم، هذا الحديث -أيها الإخوة- يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه عن أمرٍ يقع في المستقبل؛ وهو: الخسف بجيشٍ من أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- يؤمّ الكعبة فيُخسَف بهم كما ورد في الحديث.

      والحديث مستفيضٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوهٍ كثيرةٍ، ومخرَّجٌ في الصحيحين.

      وقوله: ((وكان ذلك في أيام الزبير))؛ استشكل هذا بعض أهل العلم، فقالوا: هذا ليس بصحيح، لماذا؟ قالوا: لأنّ أم سلمة -رضي الله عنها- توفيّت في خلافة معاوية قبل موته بسنتين سنة تسعٍ وخمسين؛ وعلى هذا فهي لم تدرك أيام الزبير، فكيف يقال إنّ ذلك كان في أيام الزبير؟!
      لكن قال بعض أهل العلم: إنها -رحمها الله ورضي عنها- توفيت في أيام يزيد بن معاوية، وعلى هذا يستقيم، لأنّ ابن الزبير نازع يزيدًا أوّل ما بلغتْه بيعته عند وفاة معاوية؛ ذكر ذلك الطبري وغيره من أهل العلم.
      وذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" أنّ أم سلمة -رضي الله عنها- توفيت زمن يزيد، وعلى هذا لا يكون في المسألة إشكال.
      على أنّ هذا الحديث روته عددٌ من أمهات المؤمنين؛ روته أم سلمة، وروته حفصة، وروته عائشة، رضي الله عنهن.

      قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يعوذ»، ما معنى يعوذ؟ معناه: يلتجئ إليه ويلوذ به طالِبًا العصمة، نحن نقول مثلًا: أعوذ بكلمات الله؛ أي ألتجئُ وأطلبُ العصمة، فمعنى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أعوذ» أي يلتجئ إليه ويعتصم به.

      قوله -صلى الله عليه وسلم-: «خُسِف بهم» أي ذُهِب بهم في الأرض، فالله -عز وجل- يعاقب بعض الظالمين بأن يَخسف بهم الأرض.
      وهذا وقع في الأزمان الماضية قبل بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ كما خُسِفَ بقارون، وسيقع بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- في أقوامٍ من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ومنهم قومٌ يجتمعون على الخمر، ويُضرَب على رؤوسهم بالمعازف، وتُغنّيهم القِيان؛ فيُخسف بهم -والعياذ بالله-.
      ومنهم هذا الجيش الذي يقصد الكعبة فيُخسَف بهم.

      والبيداء: هي الصحراء، الصحراء تسمى بالبيداء، لماذا تسمى بالبيداء؟ قالوا: كأنها تُبيد مَن دخلها، فهي مَظِنَّة الهلاك، الصحراء الأصل فيها أنه لا ماء فيها ولا شجر، ومَن دخلها كان عُرْضَة لأن يهلك؛ فسميّت بالبيداء؛ لأنها مظنة أن تُبيد من دخل فيها.
      والبيداء المذكورة في الحديث إمّا أنها صحراء لم تُعيَّن؛ لكنها جهة مكة، وإمّا أنها بيداء المدينة التي أهلَّ منها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وبيداء المدينة هي المكان المشرِف الممتد بعد الميقات، فأنت إذا صعدتَ من الميقات إلى طريق مكة القديم -وليس الطريق الجديد- فإنك أوّل ما تصعد من الميقات ترى مكانًا مشرفًا مرتفعًا، عليه الآن مستشفى -أحسب أنه يسمى بمستشفى الميقات- هذا المكان هو البيداء.
      قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: البيداء كل أرض ملساء لا شيء بها" فهي بيداء.
      إذن البيداء: هي الأرض الصحراء التي ليس فيها بناء ولا شجر.

      قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليؤمّن هذا البيت جيش»؛ أي يقصدونه، أي يقصد هذا البيت جيش.

      وقوله: «إلا الشَّريد»؛ الشريد: معناه البقيّة، يعني يبقى منهم بقيّةً تُخبِر عن حالهم.
      والشريد كما قال أهل اللغة: هو البقيّة من الشيء، يقال: في الإناء شَريدٌ من الماء؛ أي بقية من الماء.

      والمقصود أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخبر أنه يبقى منهم شريد، لا لسلامته -هو-؛ وإنما لحكمة، ما هي الحكمة؟ أنه يُخبر عنهم مَن وراءهم.

      وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليست لهم مَنَعة»؛ أي ليس لهم مَن يَجمعهم ويَمنعهم.

      وقول أمّنا عائشة -رضي الله عنها-: ((عَبِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في منامه)) ما المراد بعبث؟ معناه: اضطرب جسمه وحَرّك أطرافه، قال بعض أهل العلم: حرّك يده كمن يأخذ شيئًا في منامه، وليس هذا من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه يكون ساكنًا لا يَتحرك ولا يَضطرب -صلى الله عليه وسلم- لكنه في هذه المرة اضطرب وتحركت أعضاؤه ومدّ يده كأنه يريد أن يأخذ شيئًا وهو نائم، ولذلك سألتْه أمّنا عائشة -رضي الله عنها- عن هذا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرها.

      ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ فيهم: المستبصر، والمجبور، وابن السبيل.

      فمَن هو المستبصر؟ المستبصِر: هو المستَبين الأمر، القاصد له، هو ذاهِب يريد البيت، عارِفٌ بهذا، بيِّنٌ له الأمر.

      وأمّا المجبور: فهو المكرَه، يؤخَذ مكرَهًا، هو لا يريد، لكنه يُكرَه على أن يذهب مع هذا الجيش.

      وأمّا ابن السبيل: فهو سالك الطريق معهم يريد مكة، هو لا يريد ما يريدون ولكنه يسير معهم يريد مكة.

      ومع ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم يُهلَكون مَهلَكًا واحدًا»، أو «يَهلِكون مهلِكًا واحدًا» أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم، فلا ينجو المكرَه، ولا ينجو ابن السبيل؛ كلهم يُهلَكون، ثم يوم القيامة يَصدُرون مصادِر شتَّى بحسب نياتهم.
      فالأمر بين يدي الله على النيات، فيُجازَوْن بحسب القصد وبحسب الغرض من المسير.
      فأمّنا -رضي الله عنها- استشكلتْ وقوع العذاب على من لم يُشارِك، فإنّ فيهم من ليس منهم! فأخبرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم يُهلَكون جميعًا؛ ولكنهم يُبعثون على نياتهم، فالطائع يُجازى بنيته، والعاصي يُجازى بنيته.

      المراد من هذا الحديث -يا إخوة-:

      ¨
      بيان أنّ من الفقه التباعد عن أهل الظلم، فلا يكون الإنسان مع الظَلَمة وإن كان عدلًا، يبتعد عن أهل الظلم ويَحذر مجالسهم ويَحذر مجالستهم؛ لأنهم عُرْضة لنزول العقاب، وإذا نزل العقاب -والعياذ بالله- أصابه معهم.
      ومن هنا -يا إخوة- كان السَّلف يُحذِّرون من مجالسة أهل البدع؛ لأنّ مجالسة أهل البدع شر، إمّا أن يوقِعوا في قلب المسلم الشُّبهة، فلعله أن يَغترَّ بهم، يذهب إليهم في زاويتهم وهو على سنَّة وخير، فقد يسمع شيخهم يقول شيئًا فيقع في قلبه، فمجالستهم شرٌّ من هذه الجهة.
      ومجالستهم شرٌّ من جهة أخرى؛ وهي: أنهم عُرْضة لأن ينزل بهم العقاب، وإذا نزل بهم العقاب كان الإنسان معرّضًا لأن يكون معهم.

      ¨
      وفيه: أنّ من الفقه العظيم أن يكون المسلم مع أهل السنة، أن يكون منهم ومعهم، يبحث عنهم، يبحث عن مساجدهم، فيكون معهم في مساجدهم، يحرص على أن يكون منهم في معتقده، في أعماله، في أقواله؛ لأنهم موعودون بالسلامة؛ «لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله».

      ¨
      وفيه: من الفقه أنّ المسلم ينبغي أن يَتَّخذ له مُجالسين صُلحاء من أهل الاصلاح من أهل التُّقى، فهم الأمَنَة، وليس الأمر كما يفعل بعض المسلمين؛ يبحثون عن أهل المعاصي وعن أهل التساهل؛ يقول: نوسّع عن صدورنا، نفرح معهم، كما يقولون بالعامية: المطاوعة معقَّدون أجلس معهم يُذكّروني بالجنة والنار وبذكر الله، أنا أريد أن أنشرح! فيُجالس -والعياذ بالله- أهل الغيبة الذين لا يأنسون في المجلس إلا بأكل أجساد المسلمين، ويجالس أهل الكذب، ويجالس أهل البهتان.. إلى غير ذلك، هذا -أيها الإخوة- من الخذلان.
      المسلم ينبغي عليه أن يكون حريصًا على مجالسة أهل الصلاح، على مجالسة أهل الطاعة، ففي مجالستهم النجاة والفلاح له.

      ¨
      وفيه: أنّ المسلم ينبغي أن يتباعد عن الفتن، لأنه إن اقترب من الفتنة إمّا أن يكون من أهلها، وإمّا أن يُجبَر عليها.
      إذا اقترب من الفتن إمّا أن يكون من أهلها -والعياذ بالله- وإمّا أن يُجبَر عليها ويَتسلّط عليه أهلُها، فإذا نزل عقاب كان معَّرضًا لأن يكون معهم، فالمسلم يَتباعد عن الفتن.


      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        :: الدرس الرابع :: باب نزول الفتن كمواقع القطر



        :: الدرس الرابع ::
        باب نزول الفتن كمواقع القطر






        المـادة الصوتيـة:
        [
        الدرس الرابع]



        تصفـح التفريـغ
        [Calaméo]



        قال:
        [بَابٌ: نُزُولِ الْفِتَنِ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ.
        عَنْ أُسَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ:‏ « هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ»].

        النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف؛ أي اطَّلع من علو، نظر من علو، ارتفع على شيء فنظر إلى بيوت المدينة.
        والأُطُم: هي القصور والحُصُن، وهي مفرد، أُطُم مفرد وهي قصر وحِصن، وجمعها آطام.
        فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف وعلا وارتفع، أين يا إخوة؟ في مدينته -صلى الله عليه وسلم-، في هذه المدينة،
        وأخبرهم عن أمرٍ فقال: «إنِّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم»، يعني يا أهل المدينة.
        والمراد بمواقع الفتن: مواضع سقوطها.
        والخلال: هي النواحي.
        والرؤية: أي بالنظر، أي أنّ الله كشف للنبي -صلى الله عليه وسلم- الحال؛ فرأى مواقع الفتن بين بيوت أهل المدينة.

        والتشبيه بمواقع القطر المراد به: الكثرة؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخبر الأمَّة أنَّ الفتن ستكون كثيرة، وفي هذا تحذير من هذا.
        وفي هذا أيضًا إشارة إلى انّ الفتن لن تكون خاصة بطائفة؛ بل تكون عامّة؛ لأنّ مواقع المطر تعني أنّ المطر يَعمُّها، وفي هذا تحذير من الفتن.
        قال العلماء: في هذا إشارة إلى الحروب التي وقعت بين المسلمين، كوقعة الجمل، وصفّين، والحرَّة، ومقتل عثمان، ومقتل الحسين، رضي الله عنهما.

        ولماذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمواقع الفتن؟ أخبرهم ليتأهبوا لها، وليستعدوا لها فلا يخوضوا فيها، ويسألوا الله السلامة منها ويأخذوا بمجامع أسباب النجاة.

        ومقصود الإمام مسلم -رحمه الله- أن يُبيّن أنّ الفتن في هذه الأمّة كثيرة، فلا يغتر المسلم بأنه مسلم، بل يَعلم أنّ الفتن في الأمّة كثيرة فيحذر هذه الفتن حتى لا يقع، فإنّ بعض الناس لا يَحذر مِن الفتن ويَظن أنّ الأمر ليس مَحذورًا فيقع فيه.
        بعض الناس مثلًا يقول: أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يقع فيها الشرك، وهذا -إن شاء الله- سيرد وسنبيّن أنّ الشرك يقع في أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكنّ بعض الناس لا يحذرون هذا؛ فماذا وقع؟ وقعوا في الشرك.

        تجد أنّ الواحد منهم مُكِبٌّ على عبادة غير الله، مُكِبٌّ على عبادة القبر؛ ومع ذلك يقول: الشرك لا يقع في أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، والشرك واقعٌ في عمله.
        وبعض الناس يقولون: نحن آمنون مِن الفتن، فلا يحذر؛ فيقع في الفتن -والعياذ بالله-.فعلى المسلم أن يَحذر الفتن، وأن يسأل الله -عز وجل- السلامة منها.

        [وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:‏ «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ»].

        قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون فتنٌ» أي ستقع فتن، وهذه الفتن عظيمة.

        قال -صلى الله عليه وسلم-: «القاعد فيها خيرٌ من القائم»؛ فمَن هو القاعد؟
        1. القاعد: هو الذي يثبت في مكانه ولا يتحرك للفتنة، قاعدٌ ثابتٌ، هو خيرٌ من القائم.
        2. وقال بعض العلماء: إنّ القاعد هو الثابت.

        «القاعد فيها خيرٌ من القائم»؛ مَن هو القائم؟
        1. قال بعض أهل العلم: القائم هو الواقف الذي ينظر. فلماذا كان القاعد خيرًا منه؟ قالوا: لأنَّ القائم يرى ما لا يراه القاعد، فيرى من الفتن ما لا يشاهده القاعد.
        2. وقالوا: هو الذي تكون في قلبه؛ لكنه يتردد في الفعل، هذا معنى آخر للقائم، يعني تكون الفتنة -والعياذ بالله- في قلبه؛ يحبها؛ كما يقولون في لسان العامة اليوم: "مقتنع بها"؛ لكنه يتردد في الفعل، يتردّد في إثارة الفتنة، فالقاعد الثابت خيرٌ منه.

        والمعلوم -والعياذ بالله- يا إخوة؛ أنّ الفتن تُقبِل كالمرأة الحسناء وتُدبر كالعجوز الشمطاء، فأهل البصيرة يَعرفونها إذا أقبلتْ، وأمَّا الدَّهماء فلا يَعرفونها إلا إذا أدبرتْ.

        فالذي يقوم ويَنظر إلى الفتنة يُعرِّض نفسه لأن يُفتَن بها، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «القاعد فيها خيرٌ من القائم».

        «والقائم فيها خيرٌ من الماشي»؛الماشي هو:
        1. الذاهب على رجله إليها، يعني لم يقف فقط؛ بل مشى.
        2. وقال بعض أهل العلم: الماشي هو الذي يمشي في الفتنة لأسباب أخرى، فيمشي في الفتنة ليس من أجل الفتنة وإنما لأسباب أخرى، فقد يقوده ذلك إلى الوقوع فيها؛ مثلا: تاجرٌ يَذهب إلى خيمة المولد لا ليشارك في المولد وإنما ليبيع، يبيع الحمص وما يُعمَل في الموالد، فقد يقوده ذلك إلى أن يشارِك.
        فالمقصود بالماشي عند بعض أهل العلم: هو الذي يمشي في الفتنة لأسبابٍ غير الفتنة؛ فيُعرّض نفسه للوقوع فيها.

        «والماشي فيها خيرٌ من الساعي»؛ والساعي هو: الذي يُسرع إليها ماشيًا أو راكبًا.

        وهذه السرعة -يا إخوة- قد تكون حسّية وقد تكون معنوية.

        ¨قد تكون حسية: بأن يَعلم الإنسان بأهل فتنة فيُسرع إليهم.
        ¨وقد تكون معنوية: بأن يَعلم الإنسان بأهل فتنة فيقرأ كتبهم؛ مما يعرّضه للوقوع فيها.

        والمراد -يا إخوة-؛ أنّ المباشرة للفتنة كلما كانت أقرب كانت أعظم.
        فكلما اقترب الإنسان من الفتنة كان ذلك أشد.

        وقد قال بعض أهل العلم: إنّ الناس في الفتنة:
        1. نائـــم.

        2. ومضطجع.
        3.وقاعــد.

        4. و
        قائــم.

        5. ومـاشي.
        6. وسـاعي.

        7. وواقـع.


        ¨
        نائم: مُعرِض عنها تمامًا، لا يدري عنها شيئًا، أَغلق بابه دونها.
        ¨ومضطجع: هو يقظان؛ لكنه مضطجع، لا يريد أن يرى شيئًا.
        ¨وقاعد: فهو أقرب إلى الرؤية؛ لكنه ثابت.
        ¨وقائم: يَتطلّع؛ فهو يرى في الفتنة أكثر؛ وقد يقوده ذلك إلى أن يقع في حبائلها.
        ¨وماشي: يمشي.
        ¨وساعي: يجري، مسرع.
        ¨وواقع: أي أنه من أهلها -عياذا بالله من الفتن-.

        والمقصود -أيها الإخوة-؛ بيان عظيم خطر الفتن، والحث على تجنُّبها والهرب منها والبعد عن المقاربة لها، فإنّ قربانها خطر، وأنّ شرها يكون بحسب القُرب منها.

        وفيه: ما أخذه أهل العلم مِن قاعدة عظيمة -يا إخوة- ينبغي على المسلمين جميعًا وعلى طلاب العلم أن يَعلموها؛
        وهي:
        أنّ الفتـــن تُجتَنـــبُ ولا تُجتَـــلب.
        فمَن سَلِمَ من الفتنة فلا يَجلبها لنفسه، البلد الذي سَلِمَ من فتنة لا يَجلبها لنفسه، ولا يلزم -يا إخوة- إذا كانت الفتنة في بلد أن تُجلَب إلى بلد آخر ولو باللسان، فمَن عُوفيَ فليحمَد الله، فإذا ظهرت فتنة فإنه يُتباعَد عنها.

        طيب؛ كيف نَتباعد عن الفتنة؟ كيف لا أكون قائمًا ولا ماشيًا ولا ساعيًا ولا واقعًا في الفتنة؟
        لذلك أمورٌ ستأتي، منها:

        1.ملازمة أهل السنّة، فإنّ ملازمة أهل السنة فيها مباعَدة للفتن، ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
        قال: «فإنّه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا»؛ ماذا نصنع إذا وقع الاختلاف؟
        «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، تمسّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ».

        2.
        ومنها أيضًا: أن تَحذر البدع وأهلها، فتكون بعيدًا عنهم، ففي ذلك السلامة من الفتن، ولذلك ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكرناه قبل قليل؟
        قال: «وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة».

        فإذا ظهرت فتنة من جماعة، من فئة، من شخص، كيف أتباعد عن الفتنة؟

        أن ألزم أهل السنة، لا أسوّي بين أهل السنة وصاحب الفتنة،
        أبدًا!
        بل ألزم أهل السنة وأعرف لصاحب الفتنة فتنته، فأتباعَد عنه، وأتباعَد عن كلامه، وأتباعَد عن نصرته.

        3.
        منها أيضًا: أن نَلزم جماعة المسلمين وإمامهم، كما سيأتي -إن شاء الله- ونعلّق عليه.

        4.
        وقبل هذا ومعه: الاستعاذة بالله من الفتن، وسؤال الله أن يسلِّمك من الفتن.

        وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن تشرّف لها»؛ تشرّف لها: أي تَطلّع لها وتَصدّى لها.

        قوله -صلى اله عليه وسلم- : «تستشرفه» أي تُهلِكه، بأنْ يُشرِفَ منها على الهلاك، وهو مِن الإشراف بمعنى القُرْب من الهلاك، يقال: أَشرَف المريض على الموت: أي كان قريبًا من الموت.
        أو المعنى: أنَّها تُهلِكه فعلًا، فإنها مهلِكة.
        إذن يا إخوة؛ مَن يتطلّع إلى الفتن -ليس مَن يخوض في الفتن- مَن يتطلّع إلى الفتن ويستشرِف لها يكون عُرضةً لأن يكون قريبا من الهلاك، ومن اقترب من الشيء أوشك أن يقع فيه أو يكونُ عُرضة للهلاك فعلًا، لأنّ الغالب أنّ مَن اقترب من الفتنة غرّته فوقع فيها.

        وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن وجد منها ملجأً»؛ أي عاصمًا وموضعًا يلتجئ إليه.
        «فليَعذْ به» أي فليعتصم به وليعتزل فيه.

        وفي هذا الحديث أيها الإخوة؛ التحذير من الفتنة، والحث على اجتنابها والبعد عنها.

        [قال: زاد أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «مِنَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»].

        أي أنّ أبا بكر -يعني ابن عبد الرحمن شيخ الزُّهري- زاد: «مِنَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»، يُحتمَل أن يكون أبو بكر زاد هذا مرسَلًا مِن كلامه، ويُحتمل أن يكون زاده بالإسناد المذكور فيكون مرفوعًا.
        قال العلماء: المراد بهذه الصلاة: صلاة العصر، فصلاة العصر مَن فاتته في وقتها فكأنما فَقَدَ أهله وماله.وقد جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «هي صلاة العصر». وقد ثبت في الصحيحين أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله».
        قال ابن عبد البر: "وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أنَّ حديث نوفل بْن مُعاوية أعم وأولى بصحيح المعنى من حديث ابن عمر، وقالوا فيه: قَوْله: «من فاتته الصلاة»، يريد كل صلاة".
        من فاتته الصلاة -كل صلاة - عن وقتها فكأنما فقد أهله وماله.
        قالوا: وتخصيص ابن عمر لصلاة العصر هو من باب إجابة السؤال، لأنه سُئل عن صلاة العصر، ولو سُئل عن غيرها لأجاب بمثل جوابه.وهذا قول قوي لبعض أهل العلم، لكن لا يَمنع أيضًا أنّ لصلاة العصر خاصّية في هذا؛ لثبوت هذا في الصحيحين.

        وفي هذا الحديث -يا إخوة-؛ تعظيمٌ لعمل الصلاة في وقتها، وهي خير أعمالنا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة»، وقد سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أيّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة في وقتها» ورُوِيَ: «الصلاة في أوّل وقتها».

        وفي هذا الحديث -أيها الإخوة-؛ تحقير الدنيا، فالدنيا حقيرة لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنّ القليل من عمل الخير خيرٌ من الدنيا.

        ألا ترَون يا إخوة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل فَوتَ صلاة العصر عن وقتها كفقد الأهل والمال؟! وما الدنيا إلا أهل ومال، فهذا في فوت صلاة، فقليل الخير خير من الدنيا وما فيها، فالإنسان ينبغي عليه أن يَقدُر الدنيا قدرها وأن يَعرف للخير فضله، فإذا تعارضت الدنيا والخير؛ قدَّم الخير.

        ولذلك نحن نقول لإخواننا الذين يقولون: نحن في أوروبا أو في غير أوروبا يقتضي منا العمل ألا نصلي الصلاة في وقتها فيُطلَب منا ألا نصلي حتى يخرج وقت الصلاة؟ نقول: مَن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها فكأنما فَقَدَ أهله وماله، فكيف تُقدّم العمل على هذا الأمر؟! إذا كان العمل يقتضي منك أن تترك الصلاة عن وقتها من غير مصلحة ظاهرة؛ فإنك تترك العمل.
        قلتُ: "من غير مصلحةٍ ظاهرة"؛ لأن المصلحة قد تقتضي تأخير الصلاة عن وقتها إلى وقت أختها التي تُجمَع معها، كما لو كنتً طبيبًا مثلًا وستُجري عملية وهذه العملية تقتضي منك وقتا طويلًا حتى يخرج وقت الصلاة الأولى، فهنا تَجمع؛ لأنها مصلحة ظاهرة، ولأنّ هذا الأمر ليس دائمًا.
        أمّا أن تُخرِج الصلاة عن وقتها من أجل العمل! فاحذر من هذا؛ فإنّ العمل القليل من الخير خيرٌ لك من هذه الدنيا.

        فالشاهد أيها الإخوة؛ أنه ينبغي على المسلم أن يحرص على الخير وأن يجتنب الشر.

        [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:‏ «تَكُونُ فِتْنَةٌ؛ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ بِهِ».
        عَنْ عُثْمَانُ الشَّحَّامُ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ فِي أَرْضِهِ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ فِي الْفِتَنِ حَدِيثًا، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:‏ «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ؛ أَلاَ ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلاَ فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ»‏.‏ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلاَ غَنَمٌ وَلاَ أَرْضٌ، قَالَ:‏ «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ»‏.‏ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي، قَالَ:‏ «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ].

        نعم، هذا الحديث فيه ما تقدّم وزيادة.

        قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنها ستكون» أي ستوجَد، وتقع، وتحدث.

        وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي»،
        تقدّم معنا -أيها الأخوة- أن في هذا بيان أحوال الناس في الفتن، فالناس في الفتن: إمّا نائم، وإمّا مضطجع يقظان، وإمّا قاعد، وإمّا قائم، وإمّا ماشي، وإمّا ساعي، وبينهما مستبصرٌ وواقع.

        ¨
        أمّا النائم: فهو الذي لا يقع منه شيء في الفتنة؛ بل هو بعيد عنها، ليس له فيها شيء، بعيد عن الفتنة، كالنائم لا يدري ما حوله.
        وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع منه شيء في الفتنة ولكنه راضٍ بها، قال بعض أهل العلم هذا هو النائم.
        ومن أهل العلم من يقول: النائم هو الذي لا يدري عن الفتنة شيئًا، فهو كالنائم لا يدري بما حوله.

        ¨
        وأمّا المضطجع: فهو العارف بالفتنة المنصت لها، لكنه لا يَنظر إليها، يَسمع ويَعرف الفتنة لكنه لا يَنظر إليها، مضطجع يقظان.

        ¨
        وأمّا القاعد: فهو العارف بالفتنة الناظر إليها في حال الجلوس، فهو يرى منها أشياء قد تغرُّه.
        وقال بعض أهل العلم: إنّ القاعد هو الثابت في مكانه إذا نزلت الفتنة.

        ¨
        والقائم: هو العارف بالفتنة الناظر إليها من حال القيام؛ فهو يرى ما لا يراه القاعد فقد تغرُّه الفتنة، والعياذ بالله.
        وقيل: إنّ القائم: هو الذي يكون في قلبه باعث على الفتنة؛ لكنه يتردّد في إثارة الفتنة، في قلبه يوجد ما يَبعثه على الفتنة، لكنه يتردد عن الفعل، فهو قائم.

        ¨
        والماشي: هو العارف بالفتنة الذاهب إليها من غير إسراع؛ كأنه يتردد، يعني هو عارف، يعرف الفتنة، في قلبه باعث، يتحرّك إلى الفتنة؛ لكنه لا يَتحرك مسرعًا.
        وقيل في الماشي -كما قدّمنا بالأمس-: هو الذي يسير في الفتنة لأسباب أخرى غير الفتنة؛ كتجارة أو نحوها، أو يريد الملك، أو يريد الكرسي، أو يريد منصبًا، فهو يسير في الفتنة، ليس من أهل الفتنة لكنه يريد سببا آخر؛ وهذا يُعرِّض نفسه للوقوع في الفتنة.

        ¨
        والساعي: هو العارف بالفتنة المتحرّك إليها سريعًا، يسعى إليها، والعياذ بالله.

        وأمّا ما بينهما: مستبصرٌ وواقع.

        ¨
        أمّا الواقع: فهو أسوأ الناس في الفتنة وهو الذي يخوض فيها ويقع فيها وتصيبه بما فيها.

        ¨
        وأمّا المستبصر: فهو الذي يَعلم السنة عند وقوع الفتنة، وهذا أعلى الناس منزلة، يعرف السنة عند وقوع الفتنة؛ فيَلزَم السنة، وهذا هو المستبصِر، وهو أعلى الناس عند وقوع الفتنة.

        هذا هو الذي يدلّ عليه ما جاء في الحديث.

        قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فمن كانت له إبل» المقصود: من كانت له إبل في البريّة، لأن الغالب أنّ الإبل لا تكون في المدن وإنما تكون في البرية؛ فيلحق بها ليَعتزل، يعني أنه يَذهب إلى البرية.

        «ومن كانت له أرضٌ» أي عِقار ومزرعة بعيدة عن المدينة، بعيدة في ناحية.
        «فليلحق بها» أي فليعتزل بها عن الفتنة.

        والمقصود -يا إخوة-؛ أن يَشتغل الإنسان بخُويصَة نفسه من ماله وأهله.

        قال رجل -وجاء في رواية مفسَّرًا: أنه أبو بكرة- : فمَن لم يكن له شيء من ذلك؟ فماذا يفعل؟ يعني مَن لم تكن له إبل ولا أرض ولا غنم ماذا يفعل؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «فليَعمِد على سيفه فيدقَّ على حدِّه بحجر» أي فليضرب بجانب سيفه على حجر، للسيف جانبٌ حادٌّ يقع به القتل، فماذا يصنع من اضطر للبقاء في المدينة والفتنة فيها فليس عنده شيء يذهب إليه؟ قال: يقصد إلى سيفه فيدقُّ حدَّه بحجر.

        قال العلماء: المقصود أن يفعل هذا حقيقةً؛ حتى إذا جاءت الفتنة وتزخرفتْ لا يجد سبيلًا ليكون من أهلها.

        وهذا يدل على أنّ المقصود بالفتنة هنا -يا إخوة-: القتال، نقول: يدل على الفتنة العظيمة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-: القتال؛ لأنه طَلَبَ منه أن يدقَّ سيفه بحجر حتى لا يخوض في الفتنة.

        وقال بعض العلماء: معناه: أن يعتزل الفتنة، وليس المعنى أن يكسر حدّ السيف.

        لكنّ الأوّل أظهر؛ لِما عُهِدَ عن الشارِع من الحث على المبالغة في البعد عن الفتنة، فالشارع يحث على البعد عن أسباب الفتنة.

        قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ثم لِيَنجُ إن استطاع النجاء»؛ النجاء: أي الإسراع، يعني: ثم ليُسرِع إن استطاع الإسراع.
        وقيل إنّ النجاء: هو الخلاص، يعني إن استطاع الخلاص من الفتنة ليَخرجْ من الفتنة.

        فقوله: ((قال رجل: يا رسول الله! أرأيتَ إن أُكرِهتُ حتى يُنطَلَق بي إلى أحد الصفَّين أو إلى إحدى الفئتين؟)) يعني: يا رسول الله أرأيتَ إن بقيتُ فأُكرِهتُ على الفتنة
        -والعياذ بالله- فانطُلِق بي مُكرَهًا إلى أحد الصفّين أو إلى إحدى الفئتَين؟!
        قال: ((فضربني رجل بسيفه)) لأنني أنا قد كسرتُ سيفي ((فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهمٌ فيقتلني؟)) قال: «يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار».
        معنى: «يبوء بإثمه وإثمك»؛ قال بعض أهل العلم معناه: أي أنه يرجع بإثمه وإثمك، يرجع بإثمه في الفتنة وإثمك في الفتنة.
        لكنّ الأقرب -والله أعلم- أنّ المعنى: أنه يبوء ويرجع بإثمه في الفتنة وبإثمك لأنه تسبب في قتلك.
        المكرَه لا إثم عليه، فهو يرجع بإثمه يعني بإثم قتله؛ لأنه تسبب في قتله.

        «ويكون من أصحاب النار» أي يكون مستحقًا لها، فهذا من نصوص الوعيد.
        قال العلماء: تدل هذه الجملة على رفع الإثم عن المكرَه -المكرَه لا إثم عليه-؛ لكن لا يُباح له القتال.فمَن أُكرِه على الفتنة ودخل مع الصف لا إثم عليه؛ لكن لا يجوز له أن يقاتِل، بل الواجب عليه أن يبقى بلا قتال؛ ولو قُتِل.هذا معنى الحديث، وهو الذي فَهِمَه أبو بكرة -رضي الله عنه-، ويشهد له: أنّ العلماء مُجمِعون على أنّ مَن أُكرِه بالقتل على القتل: لا يجوز له القتل.

        لو أنّ ظالمًا -والعياذ بالله- جاء إلى مسلمٍ فوضع السلاح على رأسه وقال: إمّا أن تقتل محمدًا من الناس أو أقتلك الآن؟ أجمع العلماء على أنه لا يجوز له أن يقتل محمّدًا؛ وإن قتله مَن أَكرَهه، يعني حتى لو عَلِمَ علم اليقين أنّ من أَكرهه إن لم يقتل محمَدًا سيقتُله؛ لا يجوز له أن يَقتل محمدًا، فلا يُحي الإنسان نفسه بقتل مسلم، وهذا محل إجماعٍ من أهل العلم.

        وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المكرَه في القتال في الفتنة بكسر سيفه وليس له أن يقاتل وإن قُتل.

        ففي هذا الحديث: النهي عن القتال في قتال الفتنة.

        وسنذكر الحُكم -إن شاء الله- في هذا الأمر.
        وبَيَّن الحديث: أنّ المكرَه إذا قُتل يكون الإثم على القاتل، وعلى المكرَه أن يفسد سلاحه وأن يصبر حتى يُقتَل مظلومًا.

        قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "هذا فيمن أُكرِهَ في قتال الفتنة، فكيف بمَن أُكرِهَ على قتال المسلمين؟! كمَن أكرهه الخوارج"،
        لو أنّ الخوارج أكرهوا مسلمًا على أن يقاتِل معهم، هذا ليس قتال فتنة، هذا قتال للمسلمين، لا شك أنه لا يجوز له أن يقاتِل؛ وإن قتلوه، بل الواجب عليه أن يصبر كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله عز وجل-.

        وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة؛ هل يقاتِل فيه المسلم أو لا يقاتل؟

        1. فقالت طائفة من العلماء: لا يُقاتَل في فتن المسلمين، وإن دخلوا على المسلم بيتَه، فإنه لا يقاتِل بل يصبر وإن قتلوه.
        وعلى هذا بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- وهو مذهب أبي بكرة؛ فهِمه من هذا الحديث الذي معنا.

        2. وقال بعض أهل العلم: لا يُقاتَل في قتال فتن المسلمين، لكن إن اعتزل المسلم فدخل عليه أهل الفتنة بيته فإنه يقاتلهم؛
        لأنه ها هنا ليس من باب القتال في الفتنة وإنما من باب دفع الصائل.
        ودفع الصائل مشروع ولو بقتل من يصول على الإنسان؛ وهذا مذهب ابن عمر وعمران بن الحصين، رضي الله عنهم.

        3. وقال بعض أهل العلم: يجب نصر المُحِقّ في قتال الفتنة؛ فيقاتل المسلم مع من ظهر له أن ّالحق معه.

        وذهب المحقّقون من أهل الحديث إلى أنّ القتال بين المسلمين نوعان:

        1.
        قتــال فتنــة.

        2.وقتال للخارجين عن الأحكام الشرعية.

        ¨أمّا قتال الفتنة: فيجب اعتزاله.
        ما هو قتال الفتنة؟ قتال الفتنة: أن تقتتل طائفتان من المسلمين لكلٍّ منهما تأويل له وجه. كما وقع في موقعة الجمل وموقعة صفّين، -وإن كتب الله لنا عمرًا سنُعرِّج عليها إن شاء الله عز وجل-، فقتال الفتنة يجب اعتزاله.

        ¨
        والنوع الثاني: قتال الخارجين عن أحكام الشرع، وضابطه: أن لا يكون لإحدى الفئتَين تأويلٌ معتَبرٌ شرعًا، كقتال الخوارج للمسلمين وإمامهم، وهذا لا يجوز اعتزاله.


        انتبهوا؛

        قتال الفتنة يجب اعتزاله.

        قتال الخارجين لا يجوز اعتزاله إن نُدِبَ إليه المسلم
        ؛
        فإذا دعا ولي الأمر إلى قتال الخوارج المارقِين الذين فيهم صفات الخوارج فإنه لا يجوز لأحد أن يَعتزل ويقول هذا قتال فتنة، بل يَتعيّن عليه أن يقاتل مع إمام المسلمين.
        ومَن قُتل في مثل هذا القتال ممن قاتل مع الطائفة التي معها الحق مع إمام المسلمين فهو شهيد معركة.
        ولذلك؛ الجنود من المسلمين الذين يُقتَلون في قتال الخوارج في كل زمان هم من شهداء المعارك.
        لا نجزم لأحد بالشهادة لكن نقول: حالهم أنهم من شهداء المعارك، لأنهم في قتالٍ شرعيٍّ قُتلوا.

        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أهل المدينة -وأهل المدينة أهل أثر، ما خلتِ المدينة مِن فقه الأثر، من زمن الصحابة إلى يومنا هذا بحمد الله، أهل حديث، أهل سنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الحديث وأهل السنة-
        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أهل المدينة يرَون قتال من خرج عن الشريعة؛ كالحرورية وغيرهم -أي الخوارج- ويفرّقون بين هذا وبين القتال في الفتنة، وهو مذهب فقهاء الحديث، وهذا هو الموافق لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين".
        .. إلى قوله -رحمه الله- عن الخوارج:
        "وقد ثبت اتّفاق الصحابة على قتالهم، وقاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذكر فيهم سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتضمنة لقتالهم، وفَرِحَ بقتلهم".

        انظروا لحال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في قتال الخوارج: قاتلهم، وذكر في قتالهم سنّة، وفَرِحَ بقتلهم، وسجد لله شكرًا لقتلهم.

        قال: "بخلاف ما جرى يوم الجمل وصفّين؛ فإنّ عليًّا -رضي الله عنه- لم يَفرَح بذلك؛ بل ظهر عليه التألُّم ولم يذكر في ذلك سنّة وإنما ذكر أنه قاتل باجتهاده"، فانظروا كيف! فرق بين قتال الخوارج الذين مرَقوا وخالفوا الأحكام الشرعية فاستحقوا القتال.

        علي -رضي الله عنه وأرضاه- قاتلهم وذكر أنّ قتالهم سنّة وفرح بقتلهم؛ بل سجد لله شكرًا، أما في قتال الفتنة فإنه -رضي الله عنه- لم يَفرَح؛ بل حَزِن، ولم يَذكر سنَّة؛ بل ذكر اجتهادًا.

        قال شيخ الإسلام: "فأهل المدينة اتّبعوا السنّة في قتال المارقين من الشريعة، وترك القتال في الفتنة، وعلى ذلك أئمة أهل الحديث بخلاف مَن سوّى بين قتال هؤلاء وهؤلاء".
        وقِس على هذا سائر الفتن، سواء فيما يتعلّق بفتن الأشخاص أو فتن الأقوال، فإنه يُفرَّق في الأمور.
        وبهذا يَستبصِر طالب العلم.

        قال العلماء: في الحديث: التحذير من الفتن وبيان كثرتها وأنّ من اقترب منها اكتوى بنارها، ولو ظنّ أنه يسلم منها، لو ظنّ أنّ عنده ما يسلم به، فإن شر الفتنة عظيم.


        الملفات المرفقة

        تعليق


        • #5
          :: الدرس الخامس :: الشريط الخامس والسادس




          :: الدرس الخامس ::
          ¨باب إذا تواجها المسلمان بسيفيهما
          ¨باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض






          المـادة الصوتيـة:
          [باب إذا تواجها المسلمان بسيفيهما]

          [باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض]


          تصفـح التفريـغ
          [Calaméo]



          1. باب إذا تواجها المسلمان بسيفيهما

          [بابٌ: إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا.عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ -يَعْنِي عَلِيًّا -رضي الله عنه- قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا أَحْنَفُ؛ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَقُولُ:‏ «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا؛ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»،‏ قَالَ: فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» ].

          إذا تقاتل المسلمان فضرب كل واحدٍ منهما بسيفه فالقاتل والمقتول في النار، قال العلماء: إذا لم يكن لهما تأويلٌ معتبَر. أمّا إذا كان لهما تأويل فلا يَدخلان في الوعيد.
          ولهذا قال أهل السنة قاطبةً بلا نزاعٍ بينهم: إنّ الدماء التي جرت بين الصحابة -رضوان الله عليهم- لا تَدخل في هذا الوعيد؛ بإجماع أهل السنة.
          ومذهب أهل السنة: إحسان الظنّ بالصحابة واعتقاد أنهم عدول، وأنهم ما قاتلوا لدنيا ولا لشهوة، وإنما قاتلوا عن تأويل؛ إذا اعتقد كل واحدٍ من الطرفين أنّ مخالِفه باغٍ يجب قتاله ليرجع، فهم متأوِّلون.
          قال بعض أهل العلم: بعضهم مصيب وبعضهم مخطئ، المصيب له أجران، والمخطئ له أجر؛ لأنهم عن اجتهادٍ قد اقتَتلوا.
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن الصحابة: "نقول في هؤلاء ونحوهم فيما شجر بينهم: إمّا أن يكون عمل أحدهم سعيًا مشكورًا، أو ذنبًا مغفورًا، أو اجتهادًا قد عُفِيَ لصاحبه عن الخطأ؛ فلهذا من أصول أهل العلم: أنه لا يُمكَّن أحدٌ من الكلام في هؤلاء بقدح؛ في عدالتهم وديانتهم؛ بل يُعلَم أنهم عدولٌ مرضيُّون"، هذا منهج أهل السنة والجماعة، لا يُقدَح فيهم، ولا يُمكَّن أحدٌ من أن يقدح فيهم، بل هم عدولٌ مرضيُّون، رضي الله عنهم وأرضاهم.
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أهل السنة متّفقون على عدالة القوم" -يعني على عدالة الصحابة الذين تقاتَلوا في الفتنة- قال: " ثم لهم في التصويب والتخطئة مذاهب -يعني لأهل السنة-:
          1.أحدها: أنّ المصيب عليّ فقط -رضي الله عنه وأرضاه-.
          2.والثاني: الجميع مصيبون.
          3.والثالث: المصيب واحدٌ؛ لا بعينه. -واحد لكنه غير معيَّن-.
          4.والرابع -وعليه جَمْهَرَة أهل السنة-: الإمساك عمّا شَجر بينهم مطلقًا، مع العلم بأنّ عليًّا وأصحابه هم أولى الطائفتَين بالحق"[1].
          هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله.

          قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ القاتل والمقتول في النار» فلمّا قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه أراد قتل صاحبه»، مِن هنا قال بعض أهل العلم: إنّ مَن نوى المعصية جازمًا بقلبه؛ يكون آثمًا وإن لم يفعلها ولا تكلم، لماذا؟ قالوا: لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل القاتل والمقتول في النار، في عذابٍ واحد.طيب؛ استشكل الصحابة، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل عرفنا ذنبه؛ في النار، فما بال المقتول؟ قال: «إنه أراد قتل صاحبه»، إذن بماذا علَّل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذاب المقتول؟ علَّله بالإرادة، قالوا: فدلّ ذلك على أنّ من أراد المعصية إرادةً جازمة يُعاقَب عليها ويَأثم.

          ويَشهد لهذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٌ رزقه الله مالًا وعلمًا»
          انتبهوا يا إخوة، وأنتم لن تَخرجوا عن هؤلاء الأربعة؛ فانتبهوا!
          «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبدٌ رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه ويَصلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًّا؛ فهذا بأفضل المنازل» هذا الأول. «وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا؛ فهو صادق النية يقول: لو أنّ لي مالًا لعملتُ بعمل فلان؛ فهو بنيته؛ فأجرهما سواء» هذا الثاني، لم يرزقه الله مالًا لكن رزقه علمًا نافعًا فهو صادق النية محسنٌ بنيته؛ يقول: لو أنّ لي مثل مال فلان لعملتُ بمثل عمله؛ فهو بنيته، فأجرهما سواء. «وعبدٌ رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا؛ فهو يَخبِط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه ولا يَصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقًّا؛ فهذا بأخبث المنازل» هذا الثالث. «وعبدٌ لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا؛ فهو يقول: لو أنّ لي مالًا لعملتُ فيه بعمل فلان؛ فهو بنيته، فوزرهما سواء» رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. والشاهد منه: الرابع، إذن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عبدٌ لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا؛ فهو يقول: لو أنّ لي مالًا لعملتُ بعمل فلان» فهذا يؤاخَذ بنيته؛ فوزرهما سواء.

          وقال بعض أهل العلم: إنه لا يؤاخَذ على النية في المعصية، لا يؤاخذ بمجرد إرادة القلب الجازمة، وقال بهذا بعض السلف؛ قالوا: لأنه يدخل في حديث النفس ويدخل في الهم؛ وقد دلّت الأحاديث على أنّ من همّ بسيئةٍ فلم يفعلها لا يُكتب له شيء.

          وحقّق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- المسألة تحقيقًا عظيمًا جليًّا؛ فبيّن أنّ الإرادة الجازمة: تقتضي الفعل مع القدرة؛ فإن لم يفعل شيئًا مع قدرته فإنه لم يجزم.وأعطيكم مثالًا يُقرِّب المسألة: رجلٌ عزم على طلاق امرأته، في قلبه عزم، وهي طاهر، في طهر لم يمسّها فيه، فلم يطلقها! نقول: هذا إرادته ليست جازمة، لماذا؟ لأنه لو كان جازمًا لفعل، لأنه قادر، لا يوجد ما يمنعه، فما دام أنه لم يفعل علمنا أنه لم يُرِدْ إرادةً جازمة، ولذلك ذهب جماهير العلماء إلى أنّ من نوى الطلاق بقلبه لا يقع طلاقه؛ لأنه لا يكون إرادة جازمة.

          إذن يا إخوة؛ الإرداة الجازمة تقتضي الفعل مع القدرة، ولا يتخلّف عنها الفعل إلا لعجز، إذن يا إخوة؛ مَن نوى الزنا -والعياذ بالله- مُريدًا للزنا إرادةً جازمةً لابد أن يفعل ما يقدر عليه؛ مِن النظر، من المشي، من البحث، لابد أن يفعل ما يقدر عليه؛ فإن لم يفعل شيئًا مع القدرة؛ علِمنا أنه لم يُرِدْ إرادةً جازمة.

          إذن ما الحكم؟ الحكم: أنَّ من أراد المعصية إرادةً جازمةً ففعل ما يقدر عليه ولم يمنعه من المعصية إلا العجز؛ يؤاخَذ عليها.

          كهذا الرجل الذي معنا في الحديث؛ أراد أن يقتل أخاه إرادةً جازمةً، ولذلك ماذا فعل؟ قاتله؟ لماذا قاتله؟ ليقتله، ما الذي منعه من قتله؟ العجز؛ هذا يؤاخَذ.أمّا لو أراد وكان قادرًا فلم يفعل شيئًا؛ فإنه لا يؤاخَذ، ولذلك نقول: من نوى السرقة، عزم على السرقة، وكان قادرًا لكنه لم يحرّك ساكنًا؛ لا يؤاخَذ بهذا؛ لماذا؟ لأنه لم يعزم، ولو عزم لتحرّك، لأنّ هذا القلب ملِك والأعضاء جنوده، وقد جاء هذا اللفظ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "القلب مَلِكٌ والأعضاء جنوده"، فإذا جزم المَلك تحركت الأعضاء، ولا يمنعها إلا العجز.لكن لو أنه أراد السرقة فنظر في بيت جاره فوجد السور عاليًا؛ ما سرق، لكنه فعل ما يستطيع، نظر، فمَنَعَه العجز؛ هذا يؤاخَذ بإرادته.

          وبهذا يُحَلّ الإشكال ويُجمَع بين النصوص جميعها.فالإرادة الجازمة تقتضي فعل المقدور عليه، ولا يتخلف عنها الفعل إلا للعجز، فإذا تخلف عنها مع القدرة لم تكن إرادةً جازمة.لكن تبقى مسألة: مَن أراد المعصية بقلبه إرادةً غير جازمة، بمعنى لم يفعل شيئًا مع القدرة، تركها إذن، هل يثاب أو لا يثاب؟ نقول: إن تركها لله أُثيب.

          رجلٌ حدّث نفسه بالزنا -والعياذ بالله- ولم يحرّك ساكنًا، وترك هذا الأمر، لكن لماذا تركه؟ قال: أعوذ بالله، لذة لشيءٍ يسير من الزمن تُغضب الله -سبحانه وتعالى- اُقدِم عليها؟! عقابها تُنُّور في النار يوم القيامة، أعوذ بالله؛ فتركها؛ هذا يُكتَب له حسنة.

          آخر هَمّ، نوى، لكنه لم يفعل شيئًا ولم يحرّك ساكنًا مع القدرة، وقال: سبحان الله! لذة ساعة تجلب لي العار عند الناس، يعيبني الناس بالزنا، قد يراني جاري، قد يراني العسكر، قد يراني الناس! فتركها من أجل الناس، هذا لا يُكتَب له ولا عليه.بل نقول أيضًا يا إخوة، من نوى المعصية إرادةً جازمةً، وفعل ما يمكن، ثم ترك ذلك لله؛ فإنه يثاب، يثاب على ماذا؟ يثاب على التوبة، هذه توبة.
          إنسان أراد الزنا -والعياذ بالله- إرادة جازمة -نسأل الله أن يعيذ المسلمين-، فذهب إلى مكان الزنا، مشى، لكن ما وجد امرأة، هذا يستحق العقاب! فلما جاء فما وجد المرأة قال: أعوذ بالله، ماذا سأفعل بنفسي أنا؟ أُغضِب الله بالزنا؟ أعوذ بالله، أتوب إلى الله، أستغفر الله، أرجع إلى الله. يُثاب على توبته.

          بل لو أنّ مسلمًا أراد الزنا إرادةً جازمة -والعياذ بالله- وذهب إليه فوقع له حادث في الطريق فأصيب بعجز وأصبح لا يستطيع أن يزني أصلًا؛ فتاب إلى الله ورجع إلى الله وتحققت فيه شروط التوبة، ندم، وبالتالي لا شك أنه أقلع لأنه لن يفعل، وعزم أنه لا يرجع ولا يفعل؛ يقبل الله توبته عند أهل السنة والجماعة، وهو ما يسمى بــ: تـوبة العاجز، كالمجبوب، والمشلول. رجل كان لصًا يسرق بيوت الناس فوقع يومًا من السور فشُلّ؛ أصبح لا يستطيع السرقة، عاجز؛ فتاب توبةً صادقة؛ تُقبل توبته عند أهل السنة والجماعة، قال أهل السنة والجماعة: تُقبل توبة العاجز.

          إذن؛ انتبهوا يا إخوة، نعود فنقول:
          ¨من أراد الشر إرادةً جازمة ففعل المقدور؛ كان مستحقًا للعقوبة ولو لم يفعل نفس المعصية.
          ¨ومن لم يُرِد إرادةً جازمة لا يستحق العقوبة.

          وبهذا تنحَلّ المسألة وتجتمع الأدلة ويظهر الحق. والحمد لله.

          في هذا الحديث من الفقه:

          1.أنّ من الناس من يخوض في الفتنة بفعله، فيبوء بالإثم.
          من الناس من يخوض في الفتنة بفعله؛ يوزّع أشرطة تحث على الفتنة، يزرع الفتنة بين المسلمين، يوزّع أشرطة تفرّق بين قلوب الراعي والرعية، تجعل الناس وقودًا للخوارج، هذا يخوض في الفتنة بالفعل؛ فيبوء بإثمه.

          2.ومن الناس من يخوض فيها بلسانه؛ فيبوء بإثمه، نعم قد لايفعل ولا يقوم مع أهل الفتنة؛ ولكنه بلسانه خائض؛ فيبوء بالإثم.

          3.ومنهم من يخوض فيها بنيته؛ فيبوء بالإثم، نعم -والله-، واللهِ إنا نقول: إنّ من المسلمين من يكون في بلد آخر فتقع فتنة في بلد آخر فيبوء بالإثم؛ لأنه يحب أن يكون مع أهل الفتنة. فالعياذ بالله مثلًا: الذين يسمعون بما يفعله هؤلاء المارقون في هذا البلد المبارك في أي بلدٍ من البلدان؛ فيتمنَّون أن لو كانوا معهم وفعلوا مثل أفعالهم؛ يبوؤون بإثم الفتنة.

          4.والذين يُثنون على أهل الفتنة؛ يبوؤون بالإثم، الذين يقولون: هؤلاء شجعان، مجاهدون، قاموا في وجه الظَّلمة؛ يبوؤون بإثم الفتنة.

          5.الذين يجمعون لهم دعمًا ماديًا أو معنويًا؛ يبوؤون بإثم الفتنة.

          فالناس في الفتنة درجات كما دلّ عليه هذا الحديث.


          [عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:‏ «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا؛ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ».‏وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:‏ «إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السِّلاَحَ فَهُمَا فِي جُرُفِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلاَهَا جَمِيعًا»].


          قوله -صلى الله عليه وسلم-: «على جُرُف جهنم» أي على حافة جهنم، ومعناه: أنهما اقتربا من جهنم بهذا القتال.وهذا يا إخواني -كما قلنا- إنما هو في قتال الفتنة، فيجب أن يُتنبَّه.
          أمّا القتال الشرعي الذي يُقاتَل فيه مَن يستحق القتال؛ من أهل الرِّدة، من الخوارج؛ فهذا لا يدخل في الحديث.
          كما أنه لا يدخل في الوعيد: مَن كان متأوِّلًا؛ أي أنّ قتاله كان لله بتأويلٍ له وجه؛ كما حدث من الصحابة، ليس للدنيا وإنما لله، بتأويلٍ له وجهٌ في الشريعة؛ فهذا أيضًا لا يدخل في الحديث.

          إذن؛ يخرج عن الحديث أمران:

          1.الأمر الأول: قتال مَن يكون قتالهم شرعيًّا؛ كقتال الخوارج؛ فهذا لا يدخل في الحديث، نقول هذا لأنّ بعض الناس يأتي إلى الجنود الذين يدافعون عن المسلمين ويقومون بالواجب في مثل هذا الأمر فيذكرون لهم هذا الحديث تخذيلًا لهم؛ وهذا باطل، فإنّ هذا لا يدخل في الحديث، بل هو نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام.

          2.والأمر الثاني: ما يقع من قتالٍ بين المسلمين لله لتأويلٍ له وجه؛ فهذا أيضًا لا يدخل في الحديث. وعلى هذا إجماع أهل السنة والجماعة.

          روى الإمام مسلم -رحمة الله عليه- بإسناده
          [عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: ‏«لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ»].

          هذا الحديث العظيم الذي أورده الإمام مسلم جاء فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان»، هذا الخبر -يا إخوة- من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة؛ منها: إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن أمورٍ تقع بعده، وقد وقع بعضها، وسيقع الآخر؛ إن شاء الله عز وجل.
          وهذه معجزةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أمّيًّا لا يقرأ ولا يكتب ولم يأخذ عن أهل الكتاب ولم يتلقَّ عن أحد؛ ومع ذلك وهو الأمّيُّ أخبر عن أمورٍ غيبيةٍ تقع في المستقبل، ثم جاء الواقع فوقع كثيرٌ مما أخبر به -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا من نبيٍّ أوحى إليه رب العالمين، فهذه من معجزات محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان»، فئتان: تثنية فئة؛ وهي الجماعة، ووَصَفَهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعِظَم؛ أي: بالكثرة؛ يعني تقتتلان فئتان كثيرتا العدد، فهذه الفئة كثيرة وتلك الفئة كثيرة.

          والمراد بالفئتَين عند أهل التحقيق: هم من كانوا مع علي -رضي الله عنه-، ومن كان مع معاوية -رضي الله عنه- لمّا تحاربا بصفّين، وذلك في سنة ستٍّ وثلاثين من هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

          قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعواهما واحدة»، ما المراد بدعواهما واحدة؟ المراد أنّ دينهما واحد ومقصِدهما واحد، فدينهما واحد؛ هو الإسلام، فكلا الطائفتين مسلمة، ومقصدهما واحد؛ هو الحق، فكلٌّ منهما يقصد الحق عن اجتهادٍ منه، ولا يريد باطلًا، ولا يريد الدنيا، فدعواهما واحدة من هذا الباب.

          وموقعة صفّين سيأتي الكلام عليها -إن شاء الله-، لكن نورد شيئا مختَصرًا الآن، وهو أنّ عليًّا -رضي الله عنه- بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- كان أفضل الصحابة باتفاق أهل السنة والجماعة، وبايعه جماعة من الصحابة بالخلافة، وهو -رضي الله عنه- أولى الناس بالخلافة إذ ذاك، لكنّ بعض الصحابة لم يبايع تأوُّلًا لأمرٍ يرى أنه من الدين، فتخلّف معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- عن مبايعته، ودعا الناس إلى طلب قَتَلَة عثمان -رضي الله عنه-، باعتباره وليًّا لدمه، وراسل عليًّا -رضي الله عنه- في ذلك، لكنّ عليًّا -رضي الله عنه وأرضاه- أبى أن يَدفع القَتَلَة إلى معاوية ومن معه إلا بعد قيام دعوى مِن وليِّ الدم وثبوت ذلك على مَن باشره، وهذه من واجبات ولي الأمر؛ ألا يُسلِّم أحدًا إلى أحد حتى تَثْبت الدعوى عليه، فعليّ -رضي الله عنه- كان محقًّا، ومعاوية -رضي الله عنه- كان متأوِّلًا طالبًا لدم عثمان -رضي الله عنه-.
          ورحل عليّ -رضي الله عنه- بالعساكر طالبًا الشام داعيًا معاوية -رضي الله عنه- ومن معه إلى الدخول في طاعته، فالتقى معاوية -رضي الله عنه- ومَن معه، وعليّ -رضي الله عنه- ومَن معه بصفّين، وهي بين الشام والعراق، فكانت بينهم المَقتلة العظيمة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقُتل فيها جمعٌ كبير من المسلمين، قال بعض المؤرخين إنه يزيد على سبعين ألفًا.

          ولم يكن مقصود الصحابة -رضوان الله عليهم- القتال؛ بل كانوا حريصين على الاجتماع، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون عليًّا ولا معاوية"؛ وإنما كانوا من أهل الأهواء الذين يختارون القتال، أمّا الصحابة -رضوان الله عليهم- ومَن وفّقهم الله للسنة فكانوا يقصدون الحق.يقول الشيخ -رحمه الله-: "لم يكونوا يطيعون عليًّا ولا معاوية -رضي الله عنهما-، وكان عليٌّ ومعاوية أطلَب لكفِّ الدماء مِن أكثر المقتتلين لكن غُلِبا فيما وقع".
          ثم قال شيخ الإسلام كلمة عظيمة -الكلمة هذه ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا لها!- قال رحمه الله: "والفتنة إذا ثارتْ عجَز الحكماء عن إطفاء نارها"[2].
          ولذلك ينبغي أن يوجّه الحكماء جهدهم إلى منع الفتنة قبل أن تثور، ولن يكون ذلك إلا بنشر السنة وتعليم الناس السنة.
          أمّا الفتنة إذا ثارت فنسأل الله أن يكفينا شرها.

          قوله -صلى الله عليه وسم-: «حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة»، هذا الحديث -يا إخوة- فيه ردٌّ على مَن كفَّر الطائفتين أو كفَّر إحدى الطائفتين، فإنه جاء في بعض الروايات: «لن تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان مسلمتان»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «دعواهما واحدة» ردٌّ على أولئك القوم.

          [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ»‏.‏ قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:‏ «الْقَتْلُ الْقَتْلُ»].

          هذا الحديث حديثٌ عظيمٌ، يُبيِّن فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- كثرة القتل في آخر الزمان، وليس المراد كثرة القتل للكفار؛ وإنما المراد كثرة القتل بين المسلمين.

          قال الحافظ ابن عبد البَّر: "قد ثبت عن النبي عليه السلام من وجوه: أنّ الهرْج لا يزال إلى يوم القيامة، والهرْج بتسكين الراء: القتل، وكذلك الرواية في هذا الحديث وغيره"[3].

          أصل الهرْج -أيها الإخوة- في لغة العرب هو: اختلاف الناس، واختلاطهم، وكونهم بلا رئيس، وإذا اختلط الناس وكَثُروا وليس لهم رئيس اختلفوا ولا بُدّ، وبغا القوي على الضعيف؛ وهذا يقود إلى القتل، ولذلك؛ يقول الحكماء: "ستُّون سنة بإمامٍ جائر -ظالم- خيرٌ مِن ساعةٍ بلا سلطان".
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والتجربة تُبيّن ذلك"، فالتجربة قديمًا وحديثًا تبيّن ذلك، فالناس بلا رئيس يَتهارَجون، يَختلفون، ويَتقاتلون.

          "قال في النهاية: الهرْج: الاختلاط، وقد هَرَج الناس إذ اختلفوا، وأصل الهرْج: الكثرة والاتساع في الشي[4].
          والهرْج: القتل، بلسان الحبشة.
          الهرْج -يا إخوة- يطلق على القتل بلغة العرب، ويطلق على القتل بلغة الحبشة.
          وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه- أنّ الهرج هو: القتل بلغة الحبشة.

          لكن ما الفرق بين إطلاق الهرج على القتل عند العرب وإطلاق الهرج على القتل عند الحبشة؟

          بينهما فرق؛ الفرق: أنّ الهرْج يطلق على القتل في لغة العرب باعتبار المآل، ليس مباشرة، لا يسمى الهرْج قتلًا مباشرة، وإنما الهرج يؤول إلى القتال؛ لأن الهرج كما قلنا: الاختلاط والاختلاف بلا رئيس، هذا سيؤدّي إلى ماذا؟ سيؤدّي إلى القتل، فهذا يسميه العرب: تسمية الشيء بما يؤول إليه.

          يقال عن الطفل الذكر أحيانًا: هذا رجل؛ أي باعتبار ما يؤول إليه إن شاء الله، أي أنه يؤول إلى أن يكون رجلًا، ويُقال عن الطفلة الأنثى الصغيرة: هذه امرأة؛ باعتبار ما تؤول إليه منكونها تكون امرأة.

          أما الهرْج بمعنى القتل في لغة الحبشة فهو يطلق مباشرة، فالحبشة يقولون: الهرْج؛ بمعنى القتل.

          فالهرج يُطلق على القتل عند العرب لكن باعتبار المآل، ويطلق على القتل عند الحبشة مباشرة.

          فهو في لسان العرب كذلك، وفي لسان الحبشة كذلك.

          وقوله: قال: «القتل القتل» هذا صريح في أنّ تفسير القتل من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- فسّر ذلك.

          فإن قال قائل: ما مناسبة الحديثين الأخيرين للفتن؟
          المناسبة: بيان أنّ الفتن العظيمة بين المسلمين تكون في باب القتال، ولذلك ينبغي على المسلمين أن يتنبّهوا لموضوع الدماء، فإنّ أكثر الفتن العظيمة بين المسلمين إنما تكون في هذا الباب.




          2.باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض

          قال الإمام النووي -رحمة الله عليه-:
          [بَابٌ: هَلاَكُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.عَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بعَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا -أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا».

          وعنه -رضي الله عنه- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: ‏إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَى لِيَ الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ».وَعن عَامِر بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ-:‏ «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً؛ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا».

          وَعَنْهُ -رضي الله عنه- أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَمَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ‏.‏ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ].

          هذا الحديث حديثٌ عظيم، فيه بيان أمور عظيمة أُعطيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته.
          قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله زوى لي الأرض» أي جمع لي الأرض.
          يقال: زويتُ الشيء: جمعتُه وقبضتُه، أي أنّ الله -عز وجل- قرّب البعيد منها؛ حتى اطلّع عليه -صلى الله عليه وسلم-.
          قال -صلى الله عليه وسلم-: «فرأيتُ مشارقها ومغاربها»، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- المشارق والمغارب؛ أي رأى جميع الأرض.
          وقال بعض العلماء: رأى جهة المشرق والمغرب أكثر؛ قالوا: ولذا نرى أنّ الفتوحات الإسلامية تتّسع ناحية المشرق والمغرب أكثر.
          وبعض العلماء قال: لا؛ بل رأى جميع الأرض، وأنّ الإسلام سيدخل الأرض كلها.
          ولا شك أنّ الإسلام سيدخل كل بيتٍ على وجه الأرض، أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
          فالمعنى: أنّ الأرض جُمِعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- فرآها، وهي تُفتَح لأمّته جزءًا فجزء؛ حتى يصل ملك أمته إلى أجزائها.
          قال -صلى الله عليه وسلم-: «وأُعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض» أي أُعطِيتُ كنز الذهب؛ وهو الأحمر، وكنز الفضة؛ وهو الأبيض.
          فالأحمر: هو مُلك الشام، لماذا سمي بالأحمر؟ لأنّ الغالب على أموال أهل الشام الذهب، ولأنّ الغالب على ألوان أهل الشام الحُمرة.
          الأبيض: قيل لفارس، ولماذا سمي الكنز الأبيض؟ قالوا: لأنّ الغالب على أموالهم الفضة، ولأنّ الغالب على ألوانهم البياض.
          فقيل: للشام الأحمر، ولفارس الأبيض.
          قال: «بسنةٍ عامّة» أي بقحطٍ عامٍّ يعمُّ أراضي المسلمين.
          قال: «وألا يسلّط عليهم عدوا» أي ألا يسلّط عليهم الكفار، ولذلك قال: «مِن سوى أنفسهم» أي كائنًا من سوى أنفسهم.
          «فيستبيح» أي يستأصل.«بيضتهم» ما المقصود بالبيضة؟ المقصود بالبيضة: الجماعة ومكان العِزّ.
          لماذا قال عن الجماعة ومكان العِزّ "البيضة"؟ قال بعض أهل العلم: لأنّ البيضة إذا أُهلِكَت ذهب كلُّ ما فيها مِن طعمٍ وفَرْخ، إذا كُسرت البيضة واستُؤصِلت البيضة مِن الأصل لا يبقى منها شيء، أمّا إذا لم تذهب من أصلها فقد يبقى بعضها.
          وقال بعض أهل العلم: المقصود بالبيضة: الخوذة، فكأنه شبَّه مكان اجتماعهم ببيضة الحديد التي يضعها الفارس على رأسه.قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله -عز وجل- قال: يا محمد! إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُردّ» أي إني إذا حكمتُ حُكمًا مبرَمًا فإنه لا يَردُّه شيء؛ بل لابد من وقوعه.

          وهنا ننبّه يا إخوة إلى أنّ العلماء -أخذًا من النصوص- قالوا: القضاءُ نوعان:
          1.نوعٌ علّقه الله بسبب، فيدور مع سببه؛ كالبركة في العمر، والبركة في الرزق؛ يُعلّقها الله -عز وجل- بصلة الرَّحم، فمَن وصل رَحِمَه بورك له في عمره، ونسأ الله له في أجله، وبورك له في رزقه، ومَن لم يصل رَحِمَه لا يحصل له هذا.
          ومنها أنّ بعض القضاء قد يُربَط بالدعاء، فإن دعا المسلم رُدّ، وإن لم يدعُ وقع، وكلُّه بقدر الله.
          ولذلك جاء في بعض الآثار: لا يردّ القضاء إلا الدعاء.
          وجاء في بعض الأحاديث أنّ الدعاء والبلاء يعتلجان، هذا إذا كان الدعاء مربوطًا بالدعاء.
          2.والنوع الثاني: أن يكون القضاء غير مربوطٍ بشيء، وهذا لابد أن يقع، ومنه هذا الذي طلبه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الله، فإنّ الله-عز وجل- لم يُعطِه هذا؛ لانّ الله -عز وجل- قضا بهذا الأمر.
          النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه لهذه الأمّة ألا يهلكها بقحطٍ عام، وألا يسلّط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم؛ فأعطاه الله لأمته: ألا يهلكهم بسنةٍ عامّة، فلا يهلكهم بقحط عام.
          ولذلك قال العلماء: يؤخذ من هذا: أنّ القحط لا يعمّ ديار أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، إن وقع سيقع في بعض النواحي.
          والله -عز وجل- أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يسلِّط عليهم عدوًا كافرًا يستأصلهم.

          ______________
          ([1]) مجموع الفتاوى: (35/51)
          ([2]) منهاج السنة النبوية: (4/ 467).

          ([3]) التمهيد لابن عبد البر: (19/199).
          ([4]) تحفة الأحوذي للمباركفوري.

          الملفات المرفقة

          تعليق


          • #6
            :: الدرس السابع :: باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة




            :: الدرس السابع ::
            باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم
            فيما يكون إلى قيام الساعة






            المـادة الصوتيـة:
            [
            الدرس السابع]

            تصفـح التفريـغ
            [Calaméo]





            المتــن:

            (( قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِي إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ- عَنِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم، وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ:‏ «مِنْهُنَّ ثَلاَثٌ لاَ يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ، مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ»‏.‏ قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي )).
            في الحديث: بيان كثرة الفتن في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنها متفاوتة؛ فمنها: فتنٌ عامة، لا تختص بقطر. ومنها: فتنٌ سريعة. ومنها: فتنٌ صغيرة. ومنها: فتنٌ كبيرة.

            (( عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ )).
            في الحديث:
            ¨أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن الأمور العظيمة ذات الشأن، ومنها أحوال الفتن.
            ¨أنّ الحفظ علمٌ
            ¨قال الإمام الذهبي رحمه الله -تعليقاً على الحديث-: "قد كان صلى الله عليه وسلم يُرتِّل كلامه ويفسره، فلعله قال في مجلسه ذلك ما يُكتب في جزءٍ، فذكر أكبر الكوائن، ولو ذكر أكثر ما هو كائن في الوجود لَما تهيّأ أن يقوله في سَنة؛ بل ولا في أعوام".

            (( عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ قَدْ سَأَلْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ )).


            (( وَعَنْ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ-، قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ؛ فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا" )).
            في الحديث:
            ¨أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان أحرص ما يكون على البلاغ والبيان.
            ¨أنه ينبغي على العلماء وطلاب العلم أن يُبيِّنوا للناس الخير بالخير؛ ليتَّبعه الناس. وأن يُحذِّروا الناس من الشر بالخير؛ ليَحْذره الناس.
            ¨أنه ينبغي على طلاب العلم أن يحرصوا على تحذير الأمة من الفتن. ولا يحصل هذا إلا بأمرين:
            الأمر الأول: أن نُبيّن للناس أنّ الفتن قريبة، كثيرة، لنَحذر ويَحذر الناس.
            الأمر الثاني: أن نُبيّن للناس السُّنة، وما كان عليه الصحابة.


            الملفات المرفقة

            تعليق


            • #7
              :: الدرس الثامن :: باب في الفتنة التي تموج كموج البحر




              :: الدرس الثامن ::
              باب في الفتنة التي تموج كموج البحر






              المـادة الصوتيـة:
              [
              الدرس الثامن]


              تصفـح التفريـغ
              [Calaméo]



              (( عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا‏،‏ قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ! وَكَيْفَ قَالَ؟ قَالَ: قُلْتُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَقُولُ:‏ «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَنَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ، يُكَفِّرُهَا: الصِّيَامُ وَالصَّلاَةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ»‏.‏ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ؛ إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا؛ بَلْ يُكْسَرُ‏.‏ قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا‏.‏ قَالَ: فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ‏.‏ قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: عُمَرُ"))

              ¨في الحديث:
              أنّ عمر رضي الله عنه أَمَنَة للمسلمين من الفتنة، وكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عله وسلم- فإنهم أَمَنَة للناس من الفتنة.

              فمَن أراد اليوم الأَمنة من الفتنة: فعليه بالسنة وبمنهج الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنّ صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَمنَة للأُمَّة.
              فإذا أرادَت الأمَّة السلامة والأَمنَة والعزَّة: فعليها أن تتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فَهم الصحابة رضي الله عنهم ؛ فهذا فيه الأَمنَة لهذه الأمة.


              (( وعن جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ الْجَرَعَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، فَقُلْتُ: لَيُهَرَاقَنَّ الْيَوْمَ هَا هُنَا دِمَاءٌ.‏ فَقَالَ ذَاكَ الرَّجُلُ: كَلاَّ وَاللَّهِ.‏ قُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ.‏ قَال:َ كَلاَّ وَاللَّهِ.‏ قُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ‏.‏ قَالَ: كَلاَّ وَاللَّهِ، إِنَّهُ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ حَدَّثَنِيهِ‏.‏ قُلْتُ: بِئْسَ الْجَلِيسُ لِي أَنْتَ، مُنْذُ الْيَوْم تَسْمَعُنِي أُخَالِفُكَ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فَلاَ تَنْهَانِي؟! ثُمَّ قُلْتُ: مَا هَذَا الْغَضَبُ؟ فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ؛ فَإِذَا الرَّجُلُ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه)).‏

              ¨في الأثر:
              بيان أنّ السلف كانوا وقَّافين عند النصوص، فلم يكونوا يقدِّمون العواطف ولا الأهواء ولا الآراء؛ بل كانوا يرجعون عن آرائهم إلى النصوص، وهذا هو طريق السلامة. أمّا إذا أخذتْ الأمة طريقًا آخر فكان تقديم الآراء على النصوص فإنّ ذلك سبب فرقةٍ وذلٍّ.

              قال فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله:
              "المؤمن وقَّافٌ عند النصوص؛ إذا جاءت العاطفة تخالف النص:
              ذبح العاطفة ذبحًا، وسلَّم زمامه لقال الله قال رسوله -صلى الله عليه وسلم-".

              الملفات المرفقة

              تعليق


              • #8
                :: الدرس التاسع :: باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب




                :: الدرس التاسع ::
                باب لا تقوم الساعة
                حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب






                المـادة الصوتيـة:
                [
                الدرس التاسع]



                تصفـح التفريـغ
                [Calaméo]




                (( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةً أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا.‏ قُلْتُ: أَجَلْ‏.‏ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ:‏ «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ، فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ»، قَالَ: «فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ»‏.‏ قَالَ أَبُو كَامِلٍ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: وَقَفْتُ أَنَا وَأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فِي ظِلِّ أُجُمِ حَسَّانَ )).

                ¨
                تحصل للمسلمين هذه المقتلة، فيما يظهر لي -والله أعلم- قبل نزول عيسى عليه السلام.

                (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ‏».‏ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ))‏.‏

                ¨
                هذا الحديث علامة من علامات قيام الساعة الصغرى.
                ¨في الحديث بِشارة ونِذارة:
                فيه بشارة: بفتح العراق، والشام، ومصر، وأنّ الخير سيخرج منها للمسلمين، وقد خرج الخير منها للمسلمين.
                وفيه نذارة: بأنّ هذا الخير سيُمنع، والأغلب أنّ هذا الخير يُمنع بسبب استيلاء الكفار على هذه الديار.
                ¨وبعض أهل العلم قال: هذا الحديث فيه بيانُ أنّ حقوق المسلمين ستُمنع من غير بيان السبب. وهي اليوم تُمنع كثيرا من قِبَل تسلط أعدائهم على خيرات المسلمين.


                الملفات المرفقة

                تعليق


                • #9
                  :: الدرس العاشر والحادي عشر :: ¨باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم ¨ باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس




                  :: الدرس العاشر والحادي عشر ::
                  ¨باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم
                  ¨ باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس





                  المـادة الصوتيـة:
                  [
                  الدرس العــاشر]


                  تصفـح التفريـغ
                  [Calaméo]




                  1.باب في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى بن مريم

                  (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ‏.‏ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا‏.‏ فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لاَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ؛ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لاَ يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّةَ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ؛ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ.‏ فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ. فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَة، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ؛ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ» ))‏.‏

                  ¨إذا التقى الصفَّان تَعيَّن الجهاد وأصبح فرض عين.
                  ¨الفرار من الزحف عند التقاء الصفين كبيرة من كبائر الذنوب؛ إلا في أحوالٍ ثلاث:
                  1. أن يتحيَّز الإنسان إلى فئة أخرى من الجيش.
                  2. أن يُظهر الفرار؛ مكيدةً للكفار.
                  3. أن يُخشى على المسلمين الاستئصال، فيفرَّ البقية من أجل الإبقاء على المسلمين.
                  ¨ ستعود قُسطنطينية إلى أيدي الروم مرة أخرى، ثم يفتحها المسلمون؛ ومن الأدلة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عِمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة (أي القتال مع الروم)، وخروج الملحمة فتح قُسطنطينية، وفتح قُسْطنطينية خروج الدجال».




                  2. باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس

                  (( قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَقُولُ:‏ »تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ«.‏ فَقَالَ لَهُ عَمْرو أَبْصِرْ مَا تَقُولُ‏، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ".‏

                  وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يَقُولُ:‏ «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ»‏.‏ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: قُلْتُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ: فَقَالَ عَمْرو: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّهُمْ لأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَجْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ )).


                  ¨من علامات قرب الساعة: كثرة الروم.
                  ¨
                  السبب في بقائهم وكثرتهم؛ خمسة خصال:
                  1. أنهم أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة؛ فإذا نزلت بهم مصيبة يُسرعون إلى الإفاقة.
                  2. وأنهم أبطأ الناس عند الفتنة؛ الفتن تُهلِك الناس، والبُطء عند الفتنة سلامة، والروم كانوا على هذا، إذا حلَّت فتنة لا يُسارعون إليها.
                  3. وأوشكهم كرَّةً بعد فرَّة؛ يعني إذا حصل أن انكسرَ جيْشهم يُسارعون إلى العودة إلى القتال.
                  4. وأنهم من أحسن الناس إحسانًا للضعفاء؛ من الأيتام وأبناء السبيل والأرامل وغير ذلك، والإحسان إلى الضعفاء بركةٌ على أهله.
                  5. تحرِّي ملوكهم للعدل؛ والعدل سببٌ للأمن، والحاكم العادل يُمكَّن له ولو كان كافرًا.

                  الملفات المرفقة

                  تعليق


                  • #10
                    :: الدرس الثاني عشر والثالث عشر :: ¨باب: إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال ¨ باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال




                    :: الدرس الثاني عشر والثالث عشر::
                    ¨
                    باب: إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال
                    ¨باب: ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال





                    المـادة الصوتيـة:
                    [الدرس الثاني عشر]


                    تصفـح التفريـغ
                    [Calaméo]



                    1. باب: إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال


                    ((عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلاَّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، جَاءَتِ السَّاعَةُ‏!‏ قَالَ: فَقَعَدَ -وَكَانَ مُتَّكِئًا-، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى لاَ يُقْسَمَ مِيرَاثٌ وَلاَ يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ‏.‏ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا -وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّامِ-، فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ، قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا، فَيَفِيءُ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ؛ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبَرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً -إِمَّا قَالَ: لاَ يُرَى مِثْلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا-، حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ كَانُوا مائَةً فَلاَ يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلاَّ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ؛ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ؛ فَيَرْفِضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ، فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً‏.‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمْ-‏: «‏إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ»، أَوْ «مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ»‏)).





                    2.
                    باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال

                    (( عَنْ نَافِع بْن عتْبَة قَال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي غَزْوَةٍ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، فَوَافَقُوهُ عِنْدَ أَكمَةٍ، فَإِنَّهُمْ لَقِيَامٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَاعِدٌ، قَالَ: فَقَالَتْ لِي نَفْسِي: ائْتِهِمْ فَقُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ؛ لاَ يَغْتَالُونَهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: لَعَلَّهُ نَجِيٌّ مَعَهُمْ‏.‏ فَأَتَيْتُهُمْ فَقُمْتُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، قَالَ: فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُّهُنَّ فِي يَدِي؛ قَالَ: «تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ»‏.‏ قَالَ: فَقَالَ نَافِعٌ: يَا جَابِرُ، لاَ نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ"))‏.‏
                    الملفات المرفقة

                    تعليق


                    • #11
                      :: الدرس الرابع عشر :: بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة





                      :: الدرس الرابع عشر ::
                      بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة





                      المـادة الصوتيـة:
                      [
                      الدرس الرابع عشر]


                      تصفـح التفريـغ
                      [Calaméo]



                      (( عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ‏.‏ قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ»، فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ-، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ؛ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ‏.

                      وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ فِي غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: ‏«مَا تَذْكُرُونَ‏؟»‏ قُلْنَا: السَّاعَةَ‏.‏ قَالَ: «إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تُرَحِّلُ النَّاسَ» )).


                      في الحديث علامات الساعة الكبرى؛ وهي: -مرتبة-
                      1. خروج الدجال.
                      2.ثم ينزل عيسى عليه السلام.
                      3.ثم يخرج يأجوج ومأجوج.
                      4.ثم الخسوفات الثلاث.
                      5.ثم تظهر العلامات الدالة على حصول الساعة؛ فيأتي الدخان.
                      6.ثم تطلع الشمس من مغربها.
                      7.ثم تظهر الدابة.
                      8.ثم تخرج النار.
                      وهذا الترتيب وإن كان لا يُجزَم به (لأنه لا يُجزم في الغيب إلا بنص)، لكنه اجتهادٌ حسنٌ في الباب.


                      الملفات المرفقة

                      تعليق


                      • #12
                        :: الدرس الخامس عشر :: بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدخان




                        :: الدرس الخامس عشر ::
                        بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة:
                        الدخـــــان





                        المـادة الصوتيـة:
                        [
                        الدرس الخامس عشر]


                        تصفـح التفريـغ
                        [Calaméo]



                        الآية الأولى (التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث): الدخان
                        ¨الدخان: دخانٌ واضحٌ يَعُمُّ الناس جميعًا، وهو كما في قول الله -تعالى-: (‏فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
                        ¨ذهب ابن مسعود رضي الله عنه (وتبعه بعض العلماء، واختاره ابن جرير الطبري) إلى أنّ الدخان قد وقع وسبق ومضى؛ وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
                        وذهب بعض العلماء (ومنهم ابن عباس رضي الله عنه) إلى أنّ آية الدخان لم تقع وأنها ستقع في آخر الزمان. ولا شك في هذا؛ بدليل هذا الحديث الذي معنا.
                        ¨قاعدة سلفية مهمة: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَن علم شيئًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنّ من العلم أن يقول لِما لا يعلم: الله أعلم".
                        الملفات المرفقة

                        تعليق


                        • #13
                          :: الدرس السادس عشر والسابع عشر:: بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة: الدجـــــال




                          :: الدرس السادس عشر والسابع عشر::
                          بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة:
                          الدجـــــال






                          المـادة الصوتيـة:
                          [الدرس السادس عشر]


                          تصفـح التفريـغ
                          [Calaméo]




                          الآية الثانية: خروج الدجال

                          ¨المسيح مسيحان: مسيح مِحنة، ومسيح مِنحة ورحمة. أما الدجال: فمسيح مِحنة، وأما مسيح الرحمة: فهو عيسى عليه السلام.

                          ¨أوصاف الدجال الواردة في الأحاديث الصحاح:
                          الدجال من بني آدم، وهو شاب، أحمر، جسيم؛ يعني كبير الخلقة، متباعدُ ما بين الساقين والفخذَين، منكسِر الشَّعر، شديد تَجعُد الشعر، مَعيب العينَين؛ فعينه اليمنى عوراء قد ذهب ضوؤها، وعينه اليسرى ممسوحة لم يذهب ضوؤها، مكتوبٌ بين عينيه: كافر.

                          ¨وتعظم فتنة الدجال -والعياذ بالله- للنساء؛ فإنّ النساء أسرع تأثرًا بالخوارق.

                          ¨ويَفتن الأعراب أيضًا.

                          ¨ويتبعه اليهود؛ لأنّ اليهود عبّاد المال، وهو صاحب أموال، تتبعه الكنوز.

                          ¨ما يقي من فتنته:
                          1. التمسك بالإسلام والثبات عليه (وهذا يكون بـ: الحرص على موافقة الباطن الظاهر، العلم، العمل، سؤال الله –عز وجل- التثبيت).
                          2. حفظ عشر آيات من سورة الكهف.
                          3. اللُّجوء إلى المدينة، والحرص على سكنى المدينة.
                          4. البُعد عنه.
                          5. الاستعاذة الصادقة من الفتنة.

                          ¨فائدة فقهية (من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اُقدُروا له قَدره» حين سأله الصحابة عن اليوم الذي كسَنَة): المسلمون في البلدان التي لا تطلُع عليهم الشمس في بعض أيام السنة كبعض بلدان أوروبا؛ ينظرون إلى أقرب بلد لهم فيه نهار، ويقَدرون قَدْرَ اليوم، في الصيام وفي الصلاة.

                          قال فضيلة الشيخ سليمان الرّحيلي حفظه الله:
                          "الإيمان عصمةٌ لصاحبه -بفضل الله-، فالمؤمن يُبصِرُ الحقّ ولا سيما عند الفتن، فإنّ الله يرزقه بصيرة يَعْلَمُ بها الفتن، ومِن بصيرته أنه يَعْلَمُ السُّنة، ومَن عَلِمَ السُّنة كانت له جُنَّة؛ بفضل الله -سبحانه وتعالى-".
                          الملفات المرفقة
                          التعديل الأخير تم بواسطة أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي; الساعة 29-Nov-2013, 10:44 AM.

                          تعليق


                          • #14
                            :: الدرس الثامن عشر والتاسع عشر :: بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة: ¨الدابة ¨طلوع الشمس من مغربها




                            :: الدرس الثامن عشر والتاسع عشر ::
                            بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة:
                            ¨
                            الـــــدابة
                            ¨
                            طلوع الشمس من مغربها







                            المـادة الصوتيـة:
                            [
                            الدرس الثامن عشر]




                            تصفـح التفريـغ
                            [Calaméo]





                            الآية الثالثة: الدابة
                            ¨الدليل عليها قوله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ) ( النمل : 82).
                            ¨لم يصح في تحديد مكان الدابة أثرٌ يُعتمَد عليه، وما يُذكَر من تحديد مكان خروجها في كتب التفسير أو في كتب شروح الأحاديث لا يُركَن إليه.
                            ¨لم يصح في وصف الدابة خَبَرٌ ولا أَثَرٌ.
                            ¨الدابة تكلِّم الناس وأيضًا تَسِمُهم.
                            ¨وهي قريبة من طلوع الشمس من مغربها، وعلامة على قُرْبِ إغلاق باب التوبة.

                            الآية الرابعة: طلوع الشمس من مغربها
                            قال الله عز وجل: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) [الأنعام: 158].
                            1. قيل إنّ تلك الآية التي أخبر الله -عز وجل- عنها: هي طلوع الشمس من مغربها؛ وعليه الأكثر من العلماء.
                            2. وقيل: إنها واحدة من ثلاث: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها.
                            3. وقيل: وهي أنّ هذه الآية المذكورة هي أُولى الآيات الكبرى؛ فأوّل آية من الآيات الكبرى يُغلَق معها باب التوبة.

                            الملفات المرفقة

                            تعليق


                            • #15
                              :: الدرس العشرون، الحادي والعشرون، الثاني والعشرون :: بابٌ في الآيات التي تكون قبل الساعة: ¨نزول عيسى بن مريم ¨يأجوج ومأجوج ¨ الخسوفات الثلاث




                              :: الدرس العشرون، الحادي والعشرون، الثاني والعشرون ::
                              بابٌ في الآيات التي تكـون قبل الساعـة:
                              ¨
                              نزول عيسى بن مريم -عليه السلام-
                              ¨
                              يأجـــوج ومأجـــوج
                              ¨الخسـوفات الثـلاث







                              المـادة الصوتيـة:
                              [
                              الدرس العشـــرون]


                              الآية الخامسة: نزول عيسى بن مريم عليه السلام

                              ¨اسمه: عيسى. لقبه: المسيح.
                              ¨صفاته -عليه السلام-:
                              1. رجلٌ مَربوعٌ (متوسّط لا بالطويل ولا بالقصير).
                              2. أسمر، سمرة صافية تضرب إلى الحمرة، محمرَّة وجنتاه.
                              3. شعره يضرب إلى منكبيه، مسترسل، يُرجّله.
                              4. جَعْدُ الجسم؛ فهو مجتمع الجسم ممتلئ.
                              5. شديد النضارة وصفاء اللون.
                              ¨عيسى -عليه السلام- لا يَنزل نبيًّا وإنما ينزل آية، مع بقاء صفة النبوَّة له، فلا نبي بعد محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

                              الآية السادسة: خروج يأجوج ومأجوج
                              ¨يأجوج ومأجوج قومٌ مفسدون، من بني آدم (من نسل نوح، من أولاد يافث بن نوح)، يَتناكحون ويتناسلون، أقوياء، معهم سلاحٌ كثير -لكثرتهم-، يُحارِبون بالقِسيِّ والرِّماح.
                              ¨ذَكر الله قصتهم في سورة الكهف.
                              ¨خروجهم يكون بعد نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- وقتله الدجال.
                              ¨يرسل الله عليهم النَّغف (وهو دودٌ يكون في أنوف الدواب)، فيموتون موت الجراد.

                              الآية السابعة والثامنة والتاسعة: الخسوفات الثلاث (خسف بالمشرق، خسف بالمغرب، خسف بجزيرة العرب)
                              ¨الخسف: هو الذهاب في الأرض والغيبوبة فيها.
                              ¨قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قد وُجِد الخسف في مواضع؛ لكن يُحتمَل أن يكون المراد بالخسوفات الثلاث قدرًا زائدًا على ما وُجِد؛ كأن يكون أعظم منه مكانًا أو قدرًا".
                              الملفات المرفقة

                              تعليق

                              يعمل...
                              X