إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تفسير معنى الإحصار في قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} للعلامة الشنقيطي ( أضواء البيان )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] تفسير معنى الإحصار في قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} للعلامة الشنقيطي ( أضواء البيان )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على رسول الله
    تفسير معنى الإحصار في

    قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .



    اختلف العلماء في المراد بالإحصار في هذه الآية الكريمة فقال قوم: هو صد العدو المحرم ومنعه إياه من الطواف بالبيت.
    وقال قوم: المراد به حبس المحرم بسبب مرض ونحوه.
    وقال قوم: المراد به ما يشمل الجميع من عدو ومرض ونحو ذلك.
    ولكن قوله تعالى بعد هذا: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [2/196]، يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو المحرم؛ لأن الأمن إذا أطلق في لغة العرب انصرف إلى الأمن من الخوف لا إلى الشفاء من المرض، ونحو ذلك، ويؤيده أنه لم يذكر الشيء الذي منه الأمن، فدل على أن المراد به ما تقدم من الإحصار، فثبت أنه الخوف من العدو، فما أجاب به بعض العلماء من أن الأمن يطلق على الأمن من المرض، كما في حديث "من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص، واللوص، والعلوص" ، أخرجه ابن ماجه في سننه فهو ظاهر السقوط، لأن الأمن فيه مقيد بكونه من المرض، فلو أطلق لانصرف إلى الأمن من الخوف.
    وقد يجاب أيضا بأنه يخاف وقوع المذكور من الشوص الذي هو وجع السن، واللوص الذي هو وجه الأذن، والعلوص الذي هو وجع البطن؛ لأنه قبل وقوعها به يطلق عليه أنه خائف من وقوعها؛ فإذا أمن من وقوعها به فقد أمن من خوف.
    أما لو كانت وقعت به بالفعل فلا يحسن أن يقال أمن منها؛ لأن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر مستقبل، لا واقع بالفعل، فدل هذا على أن زعم إمكان إطلاق الأمن على الشفاء من المرض خلاف الظاهر. وحاصل تحرير هذه المسألة في مبحثين:
    الأول: في معنى الإحصار في اللغة العربية.
    الثاني: في تحقيق المراد به في الآية الكريمة وأقوال العلماء وأدلتها في ذلك، ونحن نبين ذلك كله إن شاء الله تعالى.
    اعلم أن أكثر علماء العربية يقولون: إن الإحصار هو ما كان عن مرض أو نحوه، قالوا: تقول العرب: أحصره المرض يحصره بضم الياء وكسر الصاد إحصارا، وأما ما كان من العدو فهو الحصر، تقول العرب حصر العدو يحصره بفتح الياء وضم الصاد حصرا بفتح فسكون، ومن إطلاق الحصر في القرآن على ما كان من العدو قوله تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [9/5]، ومن إطلاق الإحصار على غير العدو كما ذكرنا عن علماء العربية.
    قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [2/273]. وقول ابن ميادة: [الطويل]
    وما هجر ليلى أن تكون تباعدت ... عليك ولا أن أحصرتك شغول
    وعكس بعض علماء العربية. فقال: الإحصار من العدو، والحصر من المرض، قاله ابن فارس في "المجمل"، نقله عنه القرطبي. ونقل البغوي نحوه عن ثعلب.
    وقال جماعة من علماء العربية: إن الإحصار يستعمل في الجميع، وكذلك الحصر، وممن قال باستعمال الإحصار في الجميع الفراء، وممن قال: بأن الحصر والإحصار يستعملان في الجميع أبو نصر القشيري.
    قال مقيده عفا الله عنه لا شك في جواز إطلاق الإحصار على ما كان من العدو كما سترى تحقيقه إن شاء الله، هذا حاصل كلام أهل العربية في معنى الإحصار. وأما المراد به في الآية الكريمة فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال:
    الأول: أن المراد به حصر العدو خاصة دون المرض ونحوه، وهذا قول ابن عباس وابن عمر وأنس وابن الزبير وهو قول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير رضي الله عنهم وبه قال مروان وإسحاق وهو الرواية المشهورة الصحيحة عن أحمد بن حنبل، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم الله.
    وعلى هذا القول أن المراد بالإحصار ما كان من العدو خاصة، فمن أحصر بمرض ونحوه لا يجوز له التحلل حتى يبرأ من مرضه، ويطوف بالبيت ويسعى، فيكون متحللا بعمرة، وحجة هذا القول متركبة من أمرين:
    الأول: أن الآية الكريمة التي هي قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [2/196]، نزلت في صد المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست بإطباق العلماء.
    وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص، فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو، الذي هو سبب نزولها قطعي فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه؛ وروي عن مالك رحمه الله أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعيته، وهو خلاف قول الجمهور وإليه أشار في "مراقي السعود" بقوله: [الرجز]
    واجزم بإدخال ذوات السبب ... وارو عن الإمام ظنا تصب
    وبهذا تعلم أن إطلاق الإحصار بصيغة الرباعي على ما كان من عدو صحيح في اللغة العربية بلا شك كما ترى، وأنه نزل به القرآن العظيم الذي هو في أعلى درجات الفصاحة والإعجاز.
    الأمر الثاني: ما ورد من الآثار في أن المحصر بمرض ونحوه لا يتحلل إلا بالطواف والسعي، فمن ذلك ما رواه الشافعي في "مسنده"، والبيهقي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو.

    قال النووي في "شرح المهذب": إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه أيضا ابن حجر، ومن ذلك ما رواه البخاري والنسائي عن ابن عمر أنه كان يقول:" أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا" ومن ذلك ما رواه مالك في "الموطأ"، والبيهقي عن ابن عمر أنه قال:"المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى" ومن ذلك ما رواه مالك في "الموطأ". والبيهقي أيضا عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة. والرجل البصري المذكور الذي أبهمه مالك. قال ابن عبد البر: هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، شيخ أيوب ومعلمه كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة،
    ورواه ابن جرير من طرق، وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير.
    ومن ذلك ما رواه مالك في "الموطأ" والبيهقي أيضا عن سليمان بن يسار:" أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم، فسأل، على الماء الذي كان عليه، عن العلماء، فوجد عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، فذكر لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه، ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه، ثم عليه حج قابل ويهدي ما استيسر من الهدي".
    قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو، وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري، وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالا، ثم يحجان عاما قابلا ويهديان، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
    ومن ذلك ما رواه مالك في "الموطأ"، والبيهقي أيضا عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول:" المحرم لا يحله إلا البيت" والظاهر أنها تعني غير المحصر بعدو، كما جزم به الزرقاني في "شرح الموطأ"، هذا هو حاصل أدلة القول بأن المراد بالإحصار في الآية هو ما كان من خصوص العدو دون ما كان من مرض ونحوه.



    القول الثاني: في المراد بالإحصار أنه يشمل ما كان من عدو ونحوه، وما كان من مرض ونحوه، من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم. وممن قال بهذا القول ابن مسعود، ومجاهد، وعطاء، وقتادة، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي، وعلقمة، والثوري، والحسن، وأبو ثور، وداود وهو مذهب أبي حنيفة. وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله.
    وأما من جهة شموله للإحصار بمرض فهي ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي عن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول : "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق.
    وفي رواية لأبي داود وابن ماجه : "من عرج، أو كسر، أو مرض" ، فذكر معناه.
    وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي: "من حبس بكسر أو مرض" ، هذا الحديث سكت عليه أبو داود، والمنذري، وحسنه الترمذي.
    وقال النووي في "شرح المهذب"، بعد أن ساق حديث عكرمة هذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم بأسانيد صحيحة، وبهذا تعلم قوة حجة أهل هذا القول، ورد المخالفون الاحتجاج بحديث عكرمة هذا من وجهين:
    الأول: ما ذكره البيهقي في "السنن الكبرى"، قال: وقد حمله بعض أهل العلم إن صح على أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض. فقد روينا عن ابن عباس ثابتا عنه، قال: لا حصر إلا حصر عدو والله أعلم. انتهى منه بلفظه.
    الوجه الثاني: هو حمل حله المذكور في الحديث على ما إذا اشترط في إحرامه أنه يحل حيث حبسه الله بالعذر، والتحقيق: جواز الاشتراط في الحج بأن يحرم ويشترط أن محله حيث حبسه الله، ولا عبرة بقول من منع الاشتراط؛ لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير. فقال لها: " لعلك أردت الحج" ؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة. فقال لها: "حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني" . وكانت تحت المقداد بن الأسود. وقد أخرج مسلم في "صحيحه"، وأحمد وأصحاب السنن الأربعة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
    أن ضباعة بنت الزبير قالت: يا رسول الله إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج فكيف تأمرني أأهل ؟ قال: "أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني" ، قال: فأدركت.
    وللنسائي في رواية: وقال: "فإن لك على ربك ما استثنيت" .
    القول الثالث: في المراد بالإحصار أنه ما كان من المرض ونحوه خاصة، دون ما كان من العدو.
    وقد قدمنا أنه المنقول عن أكثر أهل اللغة، وإنما جاز التحلل من إحصار العدو عند من قال بهذا القول؛ لأنه من إلغاء الفارق وأخذ حكم المسكوت عنه من المنطوق به، فإحصار العدو عندهم ملحق بإحصار المرض بنفي الفارق.
    ولا يخفى سقوط هذا القول لما قدمنا من أن الآية الكريمة نزلت في إحصار العدو عام الحديبية، وأن

    صورة سبب النزول قطعية الدخول، كما عليه الجمهور وهو الحق.
    قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو، وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة؛ لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية ودل عليه قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [2/196].
    ولا سيما على قول من قال من العلماء: إن الرخصة لا تتعدى محلها، وهو قول جماعة من أهل العلم.
    وأما حديث عكرمة الذي رواه عن الحجاج بن عمرو وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، فلا تنهض به حجة؛ لتعين حمله على ما إذا اشترط ذلك عند الإحرام؛ بدليل ما قدمنا من حديث عائشة عند الشيخين، وحديث ابن عباس عند مسلم، وأصحاب السنن، وغيرهم من أنه صلى الله عليه وسلم قال لضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: "حجي واشترطي" ولو كان التحلل جائزا دون شرط كما يفهم من حديث الحجاج بن عمرو لما كان للاشتراط فائدة، وحديث عائشة وابن عباس بالاشتراط أصح من حديث عكرمة عن الحجاج بن عمرو، والجمع بين الأدلة واجب إذا أمكن، وإليه أشار في "مراقي السعود"، بقوله: [ الرجز]

    والجمع واجب متى ما أمكنا ... إلا فللأخير نسخ بينا
    وهو ممكن في الحديثين بحمل حديث الحجاج بن عمرو على ما إذا اشترط ذلك في الإحرام، فيتفق مع الحديثين الثابتين في الصحيح، فإن قيل: يمكن الجمع بين الأحاديث بغير هذا، وهو حمل أحاديث الاشتراط على أنه يحل من غير أن تلزمه حجة أخرى، وحمل حديث عكرمة عن الحجاج بن عمرو وغيره على أنه يحل، وعليه حجة أخرى، ويدل لهذا الجمع أن أحاديث الاشتراط ليس فيها ذكر حجة أخرى.
    وحديث الحجاج بن عمرو، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "فقد حل وعليه حجة أخرى" .
    فالجواب أن وجوب البدل بحجة أخرى أو عمرة أخرى لو كان يلزم، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقضوا عمرتهم التي صدهم عنها المشركون.
    قال البخاري في "صحيحه"، في باب "من قال ليس على المحصر بدل" ما نصه: وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان، ولا قضاء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا، وحلوا من كل شيء قبل الطواف، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا، ولا يعودوا له، والحديبية خارج من الحرم. انتهى منه بلفظه.
    وقد قال مالك في "الموطأ"، إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي، وحلقوا رءوسهم، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي،
    ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا، ولا يعودوا لشيء. انتهى بلفظه من "الموطأ". ولا يعارض ما ذكرنا بما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما، قالوا: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر، أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهدوا الحديبية، وكانت عدتهم ألفين"؛ لأن الشافعي رحمه الله، قال: والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت؛ لأنا علمنا من متواطىء أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمر عمرة القضية، فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال اهـ.
    فهذا الشافعي رحمه الله جزم بأنهم تخلف منهم رجال معروفون من غير ضرورة، في نفس، ولا مال. وقد تقرر في الأصول أن المثبت مقدم على النافي.
    وقال ابن حجر في "الفتح": ويمكن الجمع بين هذا إن صح، وبين الذي قبله، بأن الأمر كان على طريق الاستحباب؛ لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر.
    وقال الشافعي في عمرة القضاء: إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة اهـ.
    وروى الواقدي نحو هذا من حديث ابن عمر قاله ابن حجر.
    وقال البخاري في "صحيحه" في الباب المذكور، ما نصه: "وقال روح عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، إنما البدل على من نقض حجه بالتلذذ، فأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع". انتهى محل الغرض منه بلفظه.
    وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا بإسناد آخر أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وفيه: فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه اهـ. فإذا علمت هذا وعلمت أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن روي عنه عكرمة الحديث الذي روي عن الحجاج بن عمرو وأن راوي الحديث من أعلم الناس به، ولا سيما إن كان ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه التأويل، وهو مصرح بأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحجاج بن عمرو وعليه حجة أخرى، محله فيما إذا كانت عليه حجة الإسلام، تعلم أن الجمع الأول الذي ذكرنا هو المتعين، واختاره النووي وغيره من علماء الشافعية، وأن الجمع الأخير لا يصح؛ لتعين حمل الحجة المذكورة على حجة الإسلام اهـ.
    وأما على قول من قال إنه لا إحصار إلا بالعدو خاصة وأن المحصر بمرض لا يحل حتى يبرأ ويطوف بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا، فيهدي أو يصوم، إن لم يجد هديا كما ثبت في "صحيح البخاري"، من حديث ابن عمر كما تقدم.
    فهو من حيث أن المريض عندهم غير محصر، فهو كمن أحرم وفاته وقوف عرفة، يطوف ويسعى ويحج من قابل ويهدي، أو يصوم إن لم يجد هديا اهـ.
    وفي المسألة قول رابع: وهو أنه لا إحصار بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعذر كائنا ما كان وهو ضعيف جدا، ولا معول عليه عند العلماء؛ لأن حكم الإحصار منصوص عليه .اهــ




    من تفسير أضواء البيان للشنقيطي رحمه الله تعالى
    سورة البقرة
يعمل...
X