إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

فصل هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق هل قرآن مخلوق أو غير مخلوق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فصل هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق هل قرآن مخلوق أو غير مخلوق

    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فَصْلٌ : وَأَمَّا الْإِيمَانُ : هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ نَشَأَ النِّزَاعُ فِيهَا لَمَّا ظَهَرَتْ مِحْنَةُ الجهمية فِي الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؟ وَهِيَ مِحْنَةُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ جَرَتْ فِيهَا أُمُورٌ يَطُولُ وَصْفُهَا هُنَا لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَطْفَأَ اللَّهُ نَارَ الجهمية الْمُعَطِّلَةِ صَارَتْ طَائِفَةٌ يَقُولُونَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ مَخْلُوقٌ وَيُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ فَصَارُوا يَقُولُونَ أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ أَوْ تِلَاوَتُنَا أَوْ قِرَاءَتُنَا مَخْلُوقَةٌ وَلَيْسَ مَقْصُودُهُمْ مُجَرَّدَ كَلَامِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ بَلْ يُدْخِلُونَ فِي كَلَامِهِمْ نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي نَقْرَأُ بِأَصْوَاتِنَا وَحَرَكَاتِنَا وَعَارَضَهُمْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَقَالُوا : أَلْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ فَرَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَالَ : مَنْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جهمي وَمَنْ قَالَ : غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ . وَتَكَلَّمَ النَّاسُ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ وَأَدْرَجُوا فِي ذَلِكَ مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْلَ : قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَخْلُوقَةٌ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ اللَّهُ بِهَا فَبَدَّعَ الْإِمَامُ أَحْمَد هَؤُلَاءِ وَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } أَفَيَكُونُ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَخْلُوقًا . وَمُرَادُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ : هِيَ مَخْلُوقَةٌ مُطْلَقًا كَانَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّ أَلْفَاظَنَا وَتِلَاوَتَنَا وَقِرَاءَتَنَا لِلْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَأَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ وَأَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ نَزَلَ بِمَخْلُوقِ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَقْرَءُونَ قُرْآنًا مَخْلُوقًا لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ سُمِعَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى بِلَا وَاسِطَةٍ وَهَذَا سَمَاعٌ مُطْلَقٌ - كَمَا يَرَى الشَّيْءَ رُؤْيَةً مُطْلَقَةً وَقَدْ يَسْمَعُهُ مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ فَيَكُونُ قَدْ سَمِعَهُ سَمْعًا مُقَيَّدًا - كَمَا يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمَاءِ وَالْمِرْآةِ رُؤْيَةً مُقَيَّدَةً لَا مُطْلَقَةً أَوْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ خُوطِبَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ يَسْمَعُ سَمَاعًا مُقَيَّدًا مِنْ الْمُبَلِّغِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ اللَّهِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَسْمَعُ صَوْتَ الْقَارِئِ مِنْ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ صَوْتَ الرَّبِّ حَلَّ فِي الْعَبْدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ظَهَرَ فِيهِ - وَلَمْ يَحِلَّ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا أَقُولُ ظَهَرَ وَلَا حَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الصَّوْتُ الْمَسْمُوعُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَوْ قَدِيمٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَسْمَعُ مِنْهُ صَوْتَانِ : مَخْلُوقٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ مَسْمُوعٌ مِنْ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ : بِأَنَّهُ يَسْمَعُ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ الْقَائِمَ بِذَاتِ الرَّبِّ مَعَ سَمَاعِ الصَّوْتِ الْمُحْدَثِ ؛ قَالَ هَؤُلَاءِ يَسْمَعُ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ كَمَا قَالَ أُولَئِكَ يَسْمَعُ صَوْتَيْنِ قَدِيمًا وَمُحْدَثًا ؛ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَالَتْ : لَمْ يَسْمَعْ النَّاسُ كَلَامَ اللَّهِ ؛ لَا مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ؛ قَالُوا : لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُسْمَعُ إلَّا مِنْ الْمُتَكَلِّمِ ؛ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ : تُسْمَعُ حِكَايَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : تُسْمَعُ عِبَارَتُهُ لَا حِكَايَتُهُ ؛ وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مَنْ قَالَ : يُسْمَعُ شَيْئَانِ : الْكَلَامُ الْمَخْلُوقُ ؛ وَاَلَّذِي خَلَقَهُ ؛ وَالصَّوْتُ الَّذِي لِلْعَبْدِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُبْتَدَعَةٌ مُخْتَرَعَةٌ لَمْ يَقُلْ السَّلَفُ شَيْئًا مِنْهَا ؛ وَكُلُّهَا بَاطِلَةٌ شَرْعًا وَعَقْلًا وَلَكِنْ أَلْجَأَ أَصْحَابَهَا إلَيْهَا اشْتِرَاكٌ فِي الْأَلْفَاظِ ؛ وَاشْتِبَاهٌ فِي الْمَعَانِي ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ سَمِعْت كَلَامَ زَيْدٍ أَوْ قِيلَ هَذَا كَلَامُ زَيْدٍ فَإِنَّ هَذَا يُقَالُ : عَلَى كَلَامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَأَنَّهُ إذَا سُمِعَ مِنْهُ سُمِعَ بِصَوْتِهِ وَإِذَا سُمِعَ مِنْ غَيْرِهِ سُمِعَ بِصَوْتِ ذَلِكَ الْمُبَلِّغِ لَا بِصَوْتِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ لَفْظَ الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ يُقَالُ مَعَ الْقَرِينَةِ هَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَإِنْ تَرْجَمَ عَنْهُ بِلَفْظِ آخَرَ كَمَا يَحْكِي اللَّهُ كَلَامَ مَنْ يَحْكِي قَوْلَهُ مِنْ الْأُمَمِ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَإِنْ كَانُوا إنَّمَا قَالُوهُ بِلَفْظِ عِبْرِيٍّ أَوْ سُرْيَانِيٍّ أَوْ قِبْطِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ . وَ ( الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ نَشَأَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ النِّزَاعِ فِي " مَسْأَلَتَيْ : الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ " بِسَبَبِ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمَعَانِي مُتَشَابِهَةٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ : كَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ المروزي وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ ؛ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ . وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ : مَا زِلْت أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ : أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ . وَصَارَ بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَهَؤُلَاءِ خَالَفُوا أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَجَرَتْ لِلْبُخَارِيِّ مِحْنَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَّا مَاتَ أَمَرَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ أَلَّا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَاتَ بَعْدَ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ بِنَحْوِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنَّ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ الْبُخَارِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يُحِبُّ الْبُخَارِيَّ وَيُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وَأَمَّا تَعْظِيمُ الْبُخَارِيِّ وَأَمْثَالِهِ لِلْإِمَامِ أَحْمَد فَهُوَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ وَلَمَّا صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَهُ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَبْوَابًا فِي هَذَا الْمَعْنَى ؛ ذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْقَائِلِينَ : بِأَنَّ لَفْظَنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ يُنْسَبُونَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ لَمْ تَفْهَمْ دِقَّةَ كَلَامِ أَحْمَد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . وَطَائِفَةٌ أُخْرَى : كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُونَ إنَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ قَالُوا : أَحْمَد وَغَيْرُهُ كَرِهُوا أَنْ يُقَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ هُوَ الطَّرْحُ وَالنَّبْذُ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ أَيْضًا : إنَّهُ مُتَّبِعٌ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ وَمَذْهَبُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ إنَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا كَانَ يَقُولُهُ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ ؛ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ وَقَدْ بَسَطْنَا أَقْوَالَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ : أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَعْرَفِ النَّاسِ بِقَوْلِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ؛ وَقَدْ رَأَيْت طَائِفَةً تَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ : كَأَبِي نَصْرٍ السجزي وَأَمْثَالِهِ مِمَّنْ يَرُدُّونَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ يَقُولُونَ . إنَّ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَقُولُ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؛ وَذَكَرُوا رِوَايَاتٍ كَاذِبَةٍ لَا رَيْبَ فِيهَا ؛ وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ مِنْ رِوَايَةِ بَنِيهِ : صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ والمروذي ؛ وقوزان وَمَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ أَحْمَد كَانَ يُنْكِرُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو بَكْرٍ المروذي فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ ؛ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَلَّالُ - فِي كِتَابِ " السُّنَّةِ " وَذَكَرَ بَعْضَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ فِي كِتَابِ " الْإِبَانَةِ " وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ منده فِيمَا صَنَّفَهُ فِي " مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ " . وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ : لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ ؛ ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظًا ؛ وَيُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فَعَلَ الْعَبْدِ وَصَوْتُهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ وَأَمَّا نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ الْعِبَادُ فَلَيْسَ مَخْلُوقًا وَكَذَلِكَ " مَسْأَلَةُ الْإِيمَانِ " لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؛ وَلَا قَالَ أَحْمَد وَلَا غَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ ؛ وَإِنَّمَا قَالُوا : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَأَفْعَالِهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَلَا صَوْتِهِ بِالْقُرْآنِ وَلَا لَفْظِهِ بِالْقُرْآنِ ؛ وَلَا إيمَانِهِ وَلَا صَلَاتِهِ وَلَا شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . لَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ انْقَسَمُوا فِي هَذَا الْبَابِ انْقِسَامًا كَثِيرًا ؛ فَاَلَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ لَفْظُنَا بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؛ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَدِيمٌ فِي هَذَا وَهَذَا ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْأَفْعَالِ فَيَقُولُونَ : الْأَقْوَالُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَقَدِيمَةٌ ؛ وَأَفْعَالُ الْإِيمَانِ مَخْلُوقَةٌ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي أَفْعَالِ الْإِيمَانِ إنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهَا مَخْلُوقٌ وَأَمَّا الطَّاعَاتُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هِيَ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يُمْسِكْ فَلَا يَقُولُ : هِيَ مَخْلُوقَةٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُمْسِكْ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ كُلُّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ أَوْ قَدِيمَةٌ ؛ وَيَقُولُ لَيْسَ مُرَادِي بِالْأَفْعَالِ الْحَرَكَاتِ ؛ بَلْ مُرَادِي الثَّوَابُ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَحْتَجُّ هَذَا بِأَنَّ الْقَدَرَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالشَّرْعَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَيَجْعَلُ أَفْعَالَ الْعِبَادِ هِيَ : الْقَدَرُ وَالشَّرْعُ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْقَدَرِ وَالْمَقْدُورِ وَالشَّرْعِ وَالْمَشْرُوعِ ؛ فَإِنَّ الشَّرْعَ الَّذِي هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَالْمَنْهِيُّ عَنْهَا فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ ؛ وَكَذَلِكَ الْقَدَرُ الَّذِي هُوَ عِلْمُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ : الْآجَالُ وَالْأَرْزَاقُ وَالْأَعْمَالُ فَكُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَائِلِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَد وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ كُلُّهُمْ بَرِيئُونَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ لَا مَعْنَى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَلَا إنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْقَدِيمِ بِحَرْفِ قَدِيمٍ ؛ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَإِنَّ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَلَامُهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ . كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } وَهُوَ قَدِيمٌ بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ ؛ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى : مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلْهُ فَيْضًا مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عَلَى النُّفُوسِ . كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّابِئَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ أَفْسَدُ الْأَقْوَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ بَائِنًا عَنْهُ : كَقَوْلِ الجهمية والنجارية وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مَعْنًى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ : كَقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ : كَقَوْلِ ابْنِ سَالِمٍ وَطَائِفَة وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا : كَقَوْلِ ابْنِ كَرَّامٍ وَطَائِفَةٍ . وَالصَّوَابُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ : كَمَا قَدْ بَسَطْت أَلْفَاظَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَلَمَّا ظَهَرَتْ الْمِحْنَةُ كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ : كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَكَانَتْ " الجهمية " مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ . يَقُولُونَ : إنَّهُ مَخْلُوقٌ وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ الْقَطَّانُ لَهُ فَضِيلَةٌ وَمَعْرِفَةٌ رَدَّ بِهَا عَلَى الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ نفاة الصِّفَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ؛ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ شُبْهَةِ الجهمية كُلَّ التَّخَلُّصِ ؛ بَلْ ظَنَّ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَتَّصِفُ بِالْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يُحِبُّ الْعَبْدَ وَيَرْضَى عَنْهُ بَعْدَ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ وَلَا يَغْضَبُ عَلَيْهِ وَيَسْخَطُ بَعْدَ كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ ؛ بَلْ مُحِبًّا رَاضِيًا أَوْ غَضْبَانَ سَاخِطًا عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا . وَلَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ بَعْدَ كَلَامٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَآخِذِ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ " هَذِهِ الْمَسَائِلِ " وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ نُثْبِتَ مَا أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَنَنْفِيَ مَا نَفَى الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَاللَّفْظُ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يُطْلَقُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ الْقَائِلُ : الرَّبُّ مُتَحَيِّزٌ أَوْ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ أَوْ هُوَ فِي جِهَةٍ أَوْ لَيْسَ فِي جِهَةٍ قِيلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُجْمَلَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَلَمْ يَنْطِقْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ بِإِثْبَاتِهَا وَلَا نَفْيِهَا . فَإِنْ كَانَ مُرَادُك بِقَوْلِك إنَّهُ يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ بِقُدْرَتِهِ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَحَمَلَتَهُ وَلَيْسَ هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى الْكَبِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَيْسَ هُوَ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُك أَنَّهُ بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَالٍ عَلَيْهَا فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ مِثْلُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَعْلَامِ الْإِسْلَامِ وَكَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحُ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحُ الْمَعْقُولِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجِهَةِ " إنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا مَوْجُودًا يُحِيطُ بِالْخَالِقِ أَوْ يَفْتَقِرُ إلَيْهِ فَكُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ . وَاَللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ فَقِيرٌ إلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا سِوَاهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ فَهَذَا صَحِيحٌ . سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجِهَةِ أَوْ بِغَيْرِ لَفْظِ الْجِهَةِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْجَبْرِ " إذَا قَالَ : هَلْ الْعَبْدُ مَجْبُورٌ أَوْ غَيْرُ مَجْبُورٍ ؟ قِيلَ : إنْ أَرَادَ بِالْجَبْرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَشِيئَةٌ ؛ أَوْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ ؛ أَوْ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِأَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَهُوَ يَفْعَلُهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِالْجَبْرِ أَنَّهُ خَالِقُ مَشِيئَتَهُ وَقُدْرَتَهُ وَفِعْلَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ . وَإِذَا قَالَ : الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؟ قِيلَ لَهُ : مَا تُرِيدُ " بِالْإِيمَانِ " ؟ أَتُرِيدُ بِهِ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ كَقَوْلِهِ ( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَ " إيمَانُهُ " الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمُؤْمِنُ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَوْ تُرِيدُ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَصِفَاتِهِمْ فَالْعِبَادُ كُلُّهُمْ مَخْلُوقُونَ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ مَخْلُوقَةٌ وَلَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَلَا يَقُولُ هَذَا مَنْ يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ فَإِذَا حَصَلَ الِاسْتِفْسَارُ وَالتَّفْصِيلُ ظَهَرَ الْهُدَى وَبَانَ السَّبِيلُ وَقَدْ قِيلَ أَكْثَرُ اخْتِلَافِ الْعُقَلَاءِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا كَثُرَ فِيهِ تَنَازُعُ النَّاسِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إذَا فُصِلَ فِيهَا الْخِطَابُ ظَهَرَ الْخَطَأُ مِنْ الصَّوَابِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَنَّ مَا أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَثْبَتُوهُ وَمَا نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ نَفَوْهُ وَمَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ اسْتَفْصَلُوا فِيهِ قَوْلَ الْقَائِلِ ؛ فَمَنْ أَثْبَتَ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ نَفَى مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ اللَّهُ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ فَقَدْ لَبَّسَ دِينَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ فَيَجِبُ أَنْ يَفْصِلَ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ فَيَتَّبِعَ الْحَقَّ وَيَتْرُكَ الْبَاطِلَ وَكُلَّمَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ لَا يُخَالِفُ النَّقْلَ الصَّحِيحَ كَمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ تَنَاقُضَ ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا .

    اسأل الله ان تستفيدون من الموضوع
    نقلاً من مجموع فتاوى ابن تيمية > العقيدة > كتاب الإيمان > فصل هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق


    من رأى مني خطأ فـ لـ ينصحني
يعمل...
X