مَاالطُرُقُ التِي تُوصِلُ إِلَى العِلْمِ الشَّرْعِي؟

المبحث الخامس من محاضرة للشيخ العلاَّمة:

 عبيد بن عبد الله الجابري

 بعنوان: "كيف نطلب العلم الشرعي؟"


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:

اعلموا أيها المسلمين والمسلمات، أنَّه لا طريق إلى العلم الشرعي إلا بطريقين، فالعلم الشرعي يحصل عليه المسلم بواحد من طريقين:

1- الطريق الأولى: -وهي الطريقة الفضلى والأمثل-: "طريق العرض"، وإن شئت فقل: "التلقي"، وإن شئت فقل: "المشافهة"، الجلوس إلى أهل العلم الراسخين في العلم المعروفين بنصح الأمة من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح من الأئمة.

 وهذه الطريق هي طريق النبي -صلى الله عليه وسلَّم- التي كان يربي بها أصحابه -رضي الله عنهم- فإنهم يأخذون عنه القرآن والسنة مشافهةً، وتلقاها التابعون عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم، وأخذها أتباع التابعين عن التابعين.

 وكان الرجل يرحل أحياناً من أجل حديث واحد؛ فقد رحل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إلى جابر -رضي الله عنه- في مصر، وأخذ عنه حديثاً واحداً، سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وإذا نظرت في الأئمة الكبار بعد الصحابة مثل البخاري ومسلم، وجدت أنهم يقضون السنوات الطويلة راحلين في الأخذ من أفواه أهل العلم.

 وهذه الطريق الخطأ فيها قليل جداً، لأن طالب العلم يحذق أصول الدين وفروعه على أشياخه، ويعرف كيف كيف يستدل على الأحكام الشرعية، ويعلم -تعلماً منهم- استنباط الأحكام من النصوص، ويتعلم منهم القواعد والأصول في العلم والتعليم والعمل.

 وها أنتم أولاء يابَنِيَّ من المسلمين والمسلمات، تتصلون وأنتم في بيوتكم ومساجدكم ومراكزكم ومكتباتكم بمن تثقون بدينه وأمانته، خارج أمريكا، في السعودية وغيرها، لتأخذوا منه العلم، فأنتم تسمعون منه، وتفهمون منه، كأنكم جالسون بين يديه، فهذه رحلة عبر الهاتف، وهي غنيمة بارزة، فاغتنموها، اغتنموا هذه الفرصة، فإن الواحد منكم لو رحل بشخصه لتكلَّف الدولارات، أو الجنيهات الاسترلينية، أو غيرها من العمل، وتكلَّف الآلاف حت يحصل له إقامة عند أهل العلم، فإن هذه الطريق التي تسمعونها الآن وتسلكونها، هي إن شاء الله طريقٌ إلى الجنة، وهي إن شاء الله مكسب، مربح، تربحون خلالها المسائل، والقواعد والأصول في العلم الشرعي، فندائي إلى كل من يثق بنصيحتنا من أبنائنا وبناتنا في أمريكا، وغيرها ممن يسمع صوتي، الآن أو تبلغه هذه المحادثة لا حقاً أن يغتنم الفرصة، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إغتنم خمساً قبل خمس، اغتنم حياتك قبل مماتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))(1).

2- الطريق الثانية من طرق تحصيل العلم الشرعي: هي طريق التحصيل الذاتي، الشخصي، واعلموا يابني من المسلمين والمسلمات، أنَّ هذه الطريق قسمان:

   القسم الأول: من كان صاحبها حذق العلم الشرعي بالأخذ عن المشايخ، وتتلمذ عليهم سنوات طويلة، وصارت عنده قدرة على تقدير المسائل، وملكة على الاستدلال، فإن هذه الطريق ثمرتها عظيمة، وهي مثل الطريق الأولى لأنها ثمرةٌ من ثمراتها ومن فوائدها. بقي أن أقول لكم في معنى هذه الطريق ما هو هذه الطريق تتمثل في جمع الكتب النافعة وقرائتها وتعليمها الناس بعد أن يأخذ منها الفوائد، هذه الطريقة التحصيل الذاتي وقد عرفتم القسم الأول.

بقي القسم الثاني ما هو؟
هو النظر في كتب أهل العلم ومسائلهم وقواعدهم ابتداءً من غير تلمذة على علماءٍ محققين واستقلالاً بنفسه، فهذه الطريق قليلة النفع، قليلة الفائدة، وقديماً قاله: "من كان شيخه كتابه، فخطؤه أكثر من صوابه".

 وأقول: إذا كان هذا الصنف من الناس أصحاب القسم الثاني ينفعون أنفسهم، فإنهم لا [يستطيعون] تعليم الناس، وتفقيههم بدين الله وقواعده، لأنهم لم يعرفوا قواعد الإسلام وأصوله، ولم يتمرنوا على تحصيل المسائل والنظر فيها، على المشايخ.

 لكن، عند الضرورة، إذا لم يوجد في البلد إلا هذا الصنف من الناس، فلا مانع من الاستفادة منه، لكن ينبغي الرجوع إلى أهل العلم المحققين، لعرض ما استفاده الناس على أولئك العلماء المعروفين بسعة الاطلاع وجودة التحقيق والعلم، المشفقون في النصح للأمة، إلى هنا انتهت الكلمة، والمحاضرة المعدة لتحصيل العلم الشرعي.

تحميل ملف وورد

  


 


(1) صحيح الجامع الصغير 1077، صحيح الترغيب والترهيب 3355، اقتضاء العلم العمل، ومشكاة المصابيح 5174.