القواعد المنهجية في العقيدة والعمل (القاعدة الأولى)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين .

أما بعد فهذه قواعد يحتاج إليها الشباب المسلم في منهاج أهل السنة و الجماعة شاملة لكل ما يتعلق بطريقتهم في العقيدة و العمل  نقرأها و ما يتيسر منها على صاحب الفضيلة الشيخ : صالح بن فوزان الفوزان.

  

القاعدة الأولى: أن الدين مبني على أصلين عظيمين :

 

الأول: الإخلاص لقوله (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125).

 

و قوله (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)

 

و قوله (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (الزمر:11)

 

و لقوله صلى الله عليه و سلم : (إنما الأعمال بالنيات ) رواه البخاري و مسلم .

 

 الثاني: متابعة النبي صلى الله عليه و سلم .

قال الشارح - حفظه الله :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و بعد :

 فإن الخلاف موجود بين الناس من قديم [الزمان] و المذاهب مختلفة كما قال تعالى:

 (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213) .

 و قال تعالى : (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19).

 فالاختلاف حصل من قديم بين البشر , و لكن رحمة للناس أرسل الله سبحانه و تعالى الرسل و أنزل الكتب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.

 فالمنهاج الموصل إلى الله جل و علا صراط المستقيم واحد لا اختلاف فيه كما قال تعالى:

 (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153).

 و أما المذاهب و الآراء و المناهج  الكثيرة التي هي من وضع البشر و من رأي البشر ليس لها عدد لأن كل فرد أو طائفة يحدث طريقة و له منهج يتبعه و لكن الطريق واحد إلى الله جل و على  و هو طريق الرسل من أولهم إلى أخرهم طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.

قال تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6) .

و هذا الطريق و هذا الصراط يحتاج إلى توضيح و بيان للناس لأجل ألا تلتبس عليهم المذاهب و الطرق و المناهج و الآراء  فلا بد من بيان الطريق الصحيح و المنهاج المستقيم حتى يسير عليه من أراد الله له الهداية ، فالناس في كل زمان بحاجة إلى هداية ، و بحاجة إلى بيان هذا الطريق الموصل إلى الله جل و علا وهذا الطريق و هذا المنهاج الرباني أصله و قاعدته أمران الإخلاص لله و المتابعة للرسول صلى الله عليه و سلم من اتصف بهاتين الصفتين بأن كان مخلصاً لله في عبادته و أقواله و أفعاله  و مقاصده و كان متبعا للرسول في سلوكه و منهجه و عبادته فقد سار على هذا الصراط المستقيم .

يدل على هذا آيات و أحاديث  من الآيات قوله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112) .

 و قوله تعالى :( بَلَى) هذا رد على اليهود و النصارى لقولهم : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى)(البقرة: من الآية111), نفوا أن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا فرد الله عليهم جل و على بقوله: (بَلَى) و في هذا رد لحصرهم و نفيهم ، يدخلها من أسٍلم وجهه لله و هو محسن ، فهذا هو الذي يدخل إلى الجنة ، أما من كان على غير ذلك فإنه لا يدخل الجنة و  إن ادعى أنه يدخلها  أو أدعى أنه لا يدخلها إلا هو .

(أَسْلَمَ وَجْهَه) :ُ أي أخلص لله .

و الوجه المراد به هنا الإخلاص ، الإخلاص لله عز و جل و معنى وجهه قصده و نيته ، أخلص قصده و نيته و توجهه و اتجاهه إلى الله هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني (وَهُوَ مُحْسِن)ٌ:  أي متبع للنبي صلى الله عليه وسلم.

لأنه ليس كل من عمل عملاً حتى و لو أخلص فيه يقبل منه ما لم يكن موافقا لسنة النبي صلى الله عليه و سلم فإنه لا يقبل عند الله  سبحانه و تعالى  بل لابد أن يكون متبعا للنبي صلى الله عليه و سلم في ذلك قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) .

 هذا أيضا فيه الشرطان فقوله : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ) (الآية) , هذا دليل على أن الدين بالأمر و الشرع  لا بالرأي الذي يحدثه الناس أو يختارونه من  أنفسهم ، الدين بالأمر و هو أمر الله سبحانه و تعالى و أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فكل عباد ة  لم يأمر الله جل و على بها و لم يأمر  بها الرسول  صلى الله عليه وسلم ,فإنها باطلة ، لأنها بدعة و النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم.

و يقول ( و كل بدعة ضلالة) (الحديث) .

(مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(الآية), هذا هو الشرط الثاني و هو الإخلاص بأن لا يكون في نيته و قصده و اتجاهه أحد غير الله سبحانه و تعالى بل يكون قصده خالصا لله فإن في كان  قصده شيء لغير الله فإن عمله مردود و لو كان موافقا للسنة و لو كان موافقاً في عمله لما جاء في الشرع ,فلو صلى الصلاة لا شك أنها من صميم الدين و لكن لو صلى و هو يريد الرياء و السمعة أو تصدق و هو يريد المدح و الثناء من الناس أو قاتل للشجاعة هذه أمور مشروعة و جاءت بها الشريعة و لكن قصده لمّا كان فيه شرك  بالله عز  و جل كان عمله باطلا و كان من أهل النار .

فهذه هي القاعدة الأولى التي يجب السير عليها و هي الإخلاص لله عز و جل و المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

و النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لامرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .

 فالعبرة ليست بصورة العمل و إنما العبرة بمقصد فاعله فإن كان خالصا لله عز  مع صلاح العمل و مطابقته للسنة فهذا هو العمل النافع أما من كان  له قصد غير الله سبحانه فإن عمله لا  يكو ن صالحا و لا مقبولا لذلكم قال (فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله)(الحديث),  يعني من كانت هجرته .. و الهجرة من أفضل الأعمال و هي الانتقال من بلد الشرك إلي بلد التوحيد بلد  الإسلام فالناس ينتقلون من بلد الشرك إلى بلد الإسلام و لكن يختلفون في مقاصدهم فمن انتقل فراراً بدينه و قصدا لوجه الله عز و جل فهجرته هجرة صحيحة و مقبولة عند الله عز و جل أما من  هاجر من أجل الدنيا من أجل الحصول على الثروة والمال فهو و إن كانت صورته أنه مهاجر إلى الله و رسوله فإن هجرته إلى ما هاجر إليه أو هاجر ليتزوج امرأة فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه هجرته إلى المرأة و إن كان انتقل هو مع المهاجرين و لكن لما كانت نيته لغير الله عز و جل صارت هجرته إلى ما هاجر إليه فلا يكون مهاجر إلى الله و رسوله و إنما  إلى ما قصد و لو ادعى و تظاهر أنه مهاجر إلى الله و رسوله لأن الله يعلم المقاصد و النيات و هو الذي يجازي على الأعمال فيجازي كلا  بما يعلم من قلبه من إخلاص أو شرك.

قال القارئ على الشيخ :

الثاني:  متابعة للنبي صلى الله عليه و على آله و سلم بأن يكون العمل موافقا لما شرعه صلى الله عليه و سلم لقوله تعالى :

)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)

 قال الفضيل بن عياض : أحسن عملاً أي أخلصه و أصوبه  قيل ما أخلصه و ما أصوبه قال : أخلصه ما كان خالصا لله و أصوبه ما كان على السنة و قوله تعالى : ()قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)

 و قوله صلى الله عليه و سلم :

 ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم .

 

شرح الشيخ الفوزان:

 

 و هذا من تمام القاعدة التي مرت وهو المتابعة للرسول صلى الله عليه و سلم بأن يكون عمله موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم  فما أمر به فعله  وما نهى عنه اجتنبه ففعله يدور على الأمر و النهي لا يدور مع الهوى أو تقليد الناس أو الآباء و الأجداد و إنما يدور مع الأوامر و النواهي التي جاءت من عند الله سبحانه و تعالى  فيترك البدع و المحدثات  و العوائد المخالفة  للشرع و يترك هواه و شهوة نفسه إذا كانت مخالفة للشرع كما قال النبي صلى الله عليه و سلم_( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) , هذا أمر عظيم و مما يدل على هذا قوله تعالى:

( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)

و قوله تعالى : )إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف:7)

 

  لم يقل أيهم أكثر عملا لأن العبرة ليست بالكثرة و إنما العبرة بإلإخلاص ، و لهذا لما سئل الفضيل بن عياض  رحمه الله و كان من أكابر العباد في زمانه و الزهاد لما سئل عن معنى هذه الآية (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )(الآية) , قال: أخلصه و أصوبه.

 ما اجتمع فيه شرطان , الإخلاص و الموافقة مع السنة و هذا من فقهه رحمه الله قالوا: يا أبا علي و ما أخلصه و ما أًصوبه قال: أخلصه أن يكون لله و أصوبه أن يكون على سنة النبي –صلى الله عليه وسلم ,فإن كان العمل خالصا و لم يكن صوابا لم يقبل  و إن كان العمل صوابا و لم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا .

 

انتهت القاعدة الأولى من القواعد المنهجية في العقيدة والعمل.

مفرغ من سلسلة القواعد المنهجية في العقيدة والعمل للشيخ صالح بن فوزان الفوزان