مَّا هِيَ الصِّفَاتُ التي يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا المُعَلِّمُ وَالمُتَعَلِّمُ

لفضيلة الشيخ العلاَّمة

زيد بن محمد بن هادي المَدخلي

 تحميل ملف وورد

مواضيع ذات علاقة

 

      الحمد لله الذي رفع  قدر العلم والعلماء في آيات كريمات من كتابه العزيز حيث قال -عزَّ من قائل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الرعد:19].

وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: من الآية9].

وقال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} [المجادلة: من الآية11]. و غيرها في هذا المعنى كثير.

 

كما ثبت رفع قدر العلم و العلماء في السُنَّة المطهرة وأقوال العلماء الفضلاء والحكماء والعقلاء -رحمهم الله ورضي عنهم- فمن السنة المطهرة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري  -رضي الله عنه- ­عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:  ((مثل ما بعثني الله -عزَّ وجل- من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقهه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم و علم و مثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) ([1]).

 

ومن أقوال السلف قول ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه قال: ((وعليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده)) ([2]).

 ومن أقوال الحكماء العقلاء قول الشاعر:

العلم زين وكنز لا نفاذ له

 

 

نعم القرين إذا ما عاقلاً صحبا  

 

قد يجمع المرء مالاً ثم يسلبه

 

 

عما قليل فيلقى الذل و الحربا

 

وجامع العلم مغبوط به أبداً

 

 

فلا يحاذر فوتاً لا ولا هربا

 

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه

 

 

فلا تعدلن به داراً ولا ذهبا

 

 

ألا وإنه ليكفي في رفع قدر العلماء أنهم ورثة الأنبياء: ((وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)). فهنيئاً ثم هنيئاً لك أيها المعلم -و مثلك المتعلم- إن سرت على الجادة منهج النبوة الذي عرفه سلفك الصالح وأخذوا به عاضِّين عليه بالنواجذ ولم يُبَّدلوا تبديلاً.

 وبعد ففيما يلي رؤوس أقلام سأرقمها لتكون جواباً على السؤال المذكور، فأقول:

إن مما ينبغي أن يتحلى به المعلم الصفات التالية:

الصفة الأولى: النية الصالحة الخالصة في التعلم والتعليم وغيرهما من كل قربة يتقرب بها المكلف إلى الله من الأفعال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولا بد من مجاهدة النفس حتى تتحقق فيها هذه الصفة الجليلة.

 

 الصفة الثانية: خشية الله في السر و العلن، فنعم العلم والعمل الخشية؛ إذ أن من حققها فقد فاز بالمطلوب، ونجا من المكروه، وسلم من عواقب الذنوب.

 

 الصفة الثالثة: طلب الأجر على تعليم الخلق من الله، والصدق في ذلك بحيث لا يكون الباعث على التعليم هو التوصل إلى غرض دنيوي؛ بل أسوة المعلم رسل الله الكرام، وأنبياؤه العظام، الذين أخبر الله عنهم بقوله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 109].

 

الصفة الرابعة: مُلازمة تقوى الله بفهم معنى كلمة تقوى و التي تتجلى في امتثال أوامر الله، واجتناب محارمه، ومتابعة رسوله في الاعتقاد والشعائر التعبدية والمعاملات والسلوك والخلق والآداب، وفي منهج الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنهج الولاء والبراء، وغير ذلك من التكاليف الشرعية الظاهرة والباطنة ولعظم شأنها فكم من آية كريمة قد جاء فيها النداء من الله يعقبه الوصية بالتقوى، أو الترغيب فيما يترتب عليها من خيري الدنيا و الآخرة، قال -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

 وقال سبحانه: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].

و قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70].

و قال -عزَّ وجل-: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2-3].

 

الصفة الخامسة: دوام الاستقامة على الطاعة لله والمتابعة لرسول الله، فكم فيهما من الخير الكثير والفضل الكبير كما قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13].

 

الصفة السادسة: الصدق مع الوفاء معه امتثالاً لأمره حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } [المائدة: من الآية 1].

ولا شك أن المسلم متاجر مع ربه -عزَّ وجل- إذ قد باع نفسه من ربه وربه قد اشتراها منه، فمن وفى من المكلفين فله الجزاء الأوفى من الله الذي يعلم السر وأخفى، و من نكث فإنما ينكث على نفسه ولن يضر الله شيئاً قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

الصفة السابعة: الصبر الذي هو حبس النفس على فعل الطاعة، وكفها عن فعل المعصية وشرطه أن يكون الصابر يبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، لا يصبر تجملاً من البشر، أو رغبة في مدحهم أو اتقاءً للومهم والصبر خير معين على قضاء الحاجات وتحقيق المطالب من جلب خير أو دفع شر، قال -عزَّ وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

 

الصفة الثامنة: حسن الخلق، وانبساط الوجه وطلاقته في كل حال مع من يستحقه من البشر وكم من ورائه مصلحة تتحقق وشر يندفع وقد وصف الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بمكارم الأخلاق وأعلاها حيث قال -عزَّ وجل-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

وهو أسوتنا الحسنة وقدوتنا الرشيدة قال -تبارك اسمه-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

 

الصفة التاسعة: أداء الأمانة، وهي كل ما ائتمن عليه المكلف من حقوق الله -عزَّ وجل- وحقوق النفس وحقوق الخلق ولعظم شأنها فقد عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان،كما قال -عزَّ وجل-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب 72].

 

الصفة العاشرة: الإحسان في كل ما يأتي المكلف ويذر فقد أمر الله به وكتبه على كل شيء كما قال تعالى: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: من الآية 195].

و قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)) ([3]). الحديث؛ فما أسمى درجته وما أعلى مرتبته سواء كان إحساناً إلى النفس بفعل ما يزينها و ترك ما يشينها أو كان إحساناً على الغير على اختلاف طبقاتهم وتعدد منازلهم منك قرباً أو بعداً وذلك بالسعي الحثيث في إيصال الخير إليهم وصرف الشر عنهم رجاء رحمة الله وخشية عذابه.

 

الصفة الحادية عشرة: صلة الأرحام وعدم قطيعتهم، فكم من أجر وفير رتبه الله على صلة الرحم وكم من إثم كبير رتبه الله على قطيعة الرحم كما قال الله تعالى في شأن الواصلين: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [الرعد: 21].

وقال في شأن القاطعين: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد 25]. وغيرهما من النصوص كثير.

 فكن يا أخي واصلاً لا قاطعاً في حدود ما تستطيع ولن يكلف الله نفساً إلا وسعها

الصفة الثانية عشرة: الحلم والأناة إذ هما من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة النبيلة وثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال لأشج عبد القيس: ((إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله))، فقال تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ قال: بل جبلك الله عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله)) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

 

الصفة الثالثة عشرة: محبة التفقه في الدين، لأنَّ التفقه في الدين علامة على سعادة الدارين لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ([4]).

و حيث إن مراتب الدين ثلاث: مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان،

وكل مرتبة لها أركان؛ فالواجب فهم هذه المراتب وفهم أركان كل مرتبة والعمل بمقتضى ذلك بدون تهاون ولا تكاسل ولا تسويف ولا إيثار لشؤون العاجلة على ذلك الواجب العظيم الذي بفهمه والعمل به تنعم البشرية وتسعد وبفقده وإهماله تضل البشرية وتشقى.

 الصفة الرابعة عشرة: التواضع ولين الجانب؛ فذلك خلق كريم أرشد إليه البر الرحيم، حيث قال سبحانه:  {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215]. وفي الحديث: ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) ([5]).

 ورحم الله القائل:

تواضع تكن كالبحر لاح لناظر

 

 

على صفحات الماء وهو رفيع  

 

 ولا تك كالدخان يعلو بنفسه

 

 

إلى طبقات الجو وهو وضيع

 

 

الصفة الخامسة عشرة: الحرص على تطبيق الولاء و البراء وما والاهما من الحب في الله والبغض فيه والمولاة فيه والمعاداة فيه سبحانه لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)) ([6]) .

 

 الصفة السادسة عشرة: القيام بحقوق ذوي الحقوق وعلى رأسها طاعة الله وطاعة وولي الأمر المسلم في المعروف على طريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة الذين يعطون كل ذي حق حقه بدون إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفاء بل وسط بين ذلك وهذه هي الوسطية الشرعية بخلاف الوسطية الخلفية التي فيها غمط ذوي الحقوق حقوقهم بمجرد تأويلات مذمومة أو مفاهيم رديئة محمومة.

الصفة السابعة عشرة: النصيحة الشرعية المنضبطة بضوابط إصلاحية تكون تارة جهرية وأخرى سرية وتارة جماعية وأخرى فردية ويكون القصد من ورائها نشر الخير والسنة والفضيلة وقمع الشر والبدعة والرذيلة.

 

 الصفة الثامنة عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولك بعد معرفة معنى المعروف وفضله ومعنى المنكر وقبح فعله وما في إقامتهما من فوائد جليلة ودفع نقم وبيلة كما جاء في النصوص الكريمة والوصايا النبيلة واقرأ أيها القارئ ما جاء في سورة المائدة وسورة ا لتوبة وسورة لقمان ونظائرها تدرك أهمية إقامة هذا الفرض من جانب وخطر إهماله وإغفاله من جانب آخر.  

 

الصفة التاسعة عشرة: تذكير النفس بالجهاد الشرعي في سبيل الله، متى توفرت شروطه وانتفت موانعه، و بالأخص جهاد النفس كالتفقه في دين الله وتعمل به، وتعلمه وتصبر على الأذى الذي قد يواجه معلمي الناس الخير وقس على ذلك جهاد الغير.

 

الصفة العشرون: الدعوة إلى الله ولله كم فيها من الأجر والفضل إذا كانت على منهج كتاب الله وهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن والاه، لا على نهج أحزاب تعددت وجماعات تنوعت وفرق انشقت وتفرقت تجمع مع الصافي كدراً، وتخلط مع الصالح طالحاً وخطراً وبعضها تزعم أنَّها تأمر بالمعروف ولم تُغير منكراً، قد خالفت نصوص الشرع باطناً و ظاهرا ً فأي خير يُرجى من دعوة تخالف أصول دعوة الحق مظهراً و مخبراً.

 

الصفة الحادية والعشرون: الجمع بين القول والعمل وعدم مخالفة أحدهما للآخر في حدود الاستطاعة الشرعية إذ بذلك يحصل التأسي والإقتداء بالرسول المصطفى ويرتفع الخطر وينكشف البلاء.

الصفة الثانية والعشرون: التحلي بأدب الزهد والورع اللذين يتضحان في إيثار الآجلة على العاجلة، والقناعة النفسية التي تتجلى في الثقة بما في يد الله من جلب المصالح ودفع المضار والاقتصار على الحلال ونبذ الحرام ومجانبة ما اشتبه بينهما استحياء من الملك العلاَّم الذي أحلَّ الحلال وحرَّم الحرام وفرض الفرائض وأوجب الواجبات وشرع سائر الأحكام تبصرة وذكرى للمكلَّفين من الأنام.

 

الصفة الثالثة والعشرون: مراقبة الله في السر والعلن وفي كل حال من الأحوال وفي كل لحظة من لحظات العمر؛ فإن المراقبة الشرعية تبعث على إعداد العدة لصالح العمل وتلجم النفس عن اقتراف السيئات وكثرة الزلل.

 

الصفة الرابعة و العشرون: علو الهمة بالسعي الحثيث الذي تتحقق بها الحياة المباركة الطيبة بفضل الله في دار العمل وتتحقق برحمة الله وجوده، وإحسانه السعادة الكاملة الأبدية في دار الجزاء على العمل.

 

الصفة الخامسة والعشرون: العناية الفائقة بالكتاب العزيز والسنة المطهرة إذ هما مصدر كل بر وصلاح من تمسك بهما على بصيرة نجى ومن أعرض عنهما شقي وهلك.

 

الصفة السادسة والعشرون: محبة الله -عزَّ وجل- ظاهراً و باطناً وإضافة كل نعمة دينية أو دنيوية إليه إذ هو الذي أسبغ علينا جميع النعم ودفع عنا ما شاء من الشرور والنقم فله الحمد كله وله الشكر كله لأن بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله، لا إله غيره ولا رب سواه لا نستعين إلا به ولا نعبد إلا إياه.

ألا وإن محبة المؤمنين لربهم لهي من أجلى خصائصهم التي أثنى بها عليهم فقال -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}[البقرة: من الآية 165].

ألا وإن من لوازمها ومقتضاها أن يُطاع سبحانه فلا يُعصى وأن يُشكر فلا يُكفر وأن يُذكر فلا ينسى.

الصفة السابعة والعشرون: محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محبةً شرعية تتجلى فيها طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بشرعه المطهر امتثالا لأمر الله لنا بذلك في قول الحق: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31].

وامتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) ([7]).

 

 الصفة الثامنة والعشرون: الرجوع عند مسائل الخلاف إلى كتاب الله -عزَّ وجل- وإلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح، فإنَّ ذلك هو الطريق الوحيد لحل المشكلات وفض النزاعات لقول الله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: من الآية 159].

 

الصفة التاسعة والعشرون: التعاون على البر والتقوى واستجابة لأمر الله تعالى لنا بذلك بقوله -عزَّ شأنه-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: من الآية 2].

 

الصفة الثلاثون: الرضا بالقدر والقضاء وهما متلازمان ولا ينفك أحدهما عن الآخر إذ القضاء يطلق ويُراد به الحكم، ويطلق ويُراد به الخلق، وقد يُراد به غير ذلك، والقدر يُراد به التقدير خيراً كان أو شراً.

وقضاء الله نوعان: أحدهما كوني، والثاني: ديني.

·       فالديني: يجب الرضا به وهو من لوازم الإسلام.

·   والكوني نوعان: نوع يجب الرضا به كالنعم التي يجب شكرها، ومن تمام شكرها الرضا بها، ونوع لا يجوز الرضا به كالمعاصي والذنوب التي يسخطها الله، وإن كانت بقضاءٍ وقدر.

هذه الثلاثون صفة من صفات أهل الإسلام والإيمان والإحسان، وعلى رأسهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء الذين استودعهم الله العلم النافع الذي يثمر العمل الصالح، وكلَّفهم بتربية الصغار والكبار من الناس، فليحسنوا كما أحسن الله إليهم، ألا وإن معظم هذه الصفات عامة وشاملة تندرج تحتها أحكام لا تُحصى، وأمور لا تستقصى في مثل هذه العُجالة. ([8]) اهـ

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

 


 


([1]) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب فضل من علم وعلَّم رقم (89) ومسلم في كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بُعث به النبي -صلى الله عليه وسلَّم- من الهدى والعلم رقم (2282).

([2])  أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/129).

([3])  أخرجه مسلم (3/1548) وغيره.

([4])  أخرجه البخاري (1/39) ومسلم (2/718)

([5]) أخرجه مسلم (4/2001).

([6])  أحرجه بهذا اللفظ أحمد (3/438 و 440) وأبو داود (4/220) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (3915) والطبراني في المُعجم الكبير (8/134, 177).

([7])  أخرجه البُخاري (1/14) ومسام (1/67).

([8]) أعدّ هذه المادَّة: أبو عبد الله الآجُّري، ويليها إن يسَّر الله: الصفات الذميمة التي يجب التخلي عنها.