قال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "فقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: "سدِّدوا وقاربوا" المراد بالتسديد: العمل بالسِّداد، وهو القصد، والتوسط في العبادة فلا يقصِّر فيما أُمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه.
قَالَ النضر بن شميل: السداد القصد في الدين والسبيل.
وكذلك المقاربة المرادُ بها التوسط بين التفريط والإِفراط فهما كلمتان بمعنى واحدٍ أو متقارب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "وعليكم هديًا قاصدًا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأبشروا" يعني أن من مشى في طاعة الله عَلَى التسديد والمقاربة فليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال.
فإن طريقَ الاقتصاد والمقاربة أفضلُ من غيرها، فمن سلكها فليبشر بالوصول فإنَّ الاقتصادَ في سنة خيرٌ من الاجتهاد في غيرها، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن سلك طريقه كان أقرب إِلَى الله من غيره.
وليست الفضائلُ بكثرة، الأعمال البدنية، لكن بكونها خالصةً لله عز وجل، صوابًا عَلَى متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها.
فمن كان بالله أعرف وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحبَّ وأرجى فهو أفضلُ ممن ليس كذلك، وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح.
وإلى هذا المعنى الإِشارة في حديث عائشة رضي الله عنها بقول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: "سدِّدوا وقاربوا واعلموا أنّه لن يُدْخِل أحدًا منكم عملُه الجنةَ، وإن أَحَبَّ الأعمال إِلَى الله أدومها وإنْ قل" (1)؛ فأمر بالاقتصاد في العمل وأن يضم إِلَى ذلك العِلْم بأحبِّ الأعمال إِلَى الله، وبأن العمل وحده لا يدخل الجنة". المصدر: مجموع رسائل ابن رجب الجنبلي - المحجة في سير الدجلة - معنى سدِّدوا وقاربوا (412)
(1) أخرجه البخاري (6464).