- خاف على نفسه من ضرر :
قوله: «أو على نفسه من ضرر» هذا نوع سادس مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة، وهو: أن يخشى على نفسه من الأمور التي ذكرها المؤلف، من ضرر بأن كان عند بيته كلب عقور، وخاف إن خرج أن يعقره الكلب، فله أن يصلي في بيته ولا حرج عليه.
وكذلك لو فرض أن في طريقه إلى المسجد ما يضره، مثل: ألا يكون عنده حذاء، والطريق كله شوك أو كله قطع زجاج، فهذا يضره، فهو معذور بترك الجماعة والجمعة.
وكذلك لو كان فيه جروح وخاف على نفسه من رائحة يزيد بها جرحه فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة.
وقوله: «أو سلطان» يعني: إذا خاف على نفسه من سلطان مثل: أن يطلبه ويبحث عنه أمير ظالم له، وخاف إن خرج أن يمسكه ويحبسه أو يغرمه مالا أو يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يعذر بترك الجمعة والجماعة؛ لأن في ذلك ضررا عليه، أما إذا كان السلطان يأخذه بحق فليس له أن يتخلف عن الجماعة ولا الجمعة، لأنه إذا تخلف أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، والحق الذي يطلبه به السلطان.
- ملازمة غريم ولا شيء معه:
قوله: «أو ملازمة غريم ولا شيء معه» هذا نوع سابع مما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة: بأن كان له غريم يطالبه ويلازمه، وليس عنده فلوس، فهذا عذر؛ وذلك لما يلحقه من الأذية لملازمة الغريم له، فإن كان معه شيء يستطيع أن يوفي به فليس له الحق في ترك الجمعة والجماعة؛ لأنه إذا تركهما في هذه الحال أسقط حقين: حق الله في الجماعة والجمعة، وحق الآدمي في الوفاء.
مسألة: إذا كان عليه دين مؤجل، لكن غريمه لازمه فهل له أن يتخلف؟
الجواب: ينظر؛ فإن كانت السلطة قوية بحيث لو اشتكاه على السلطة لمنعته منه، فهو غير معذور؛ لأن له الحق أن يقدم الشكوى إلى السلطة، أما إذا كانت السلطة ليست قوية، أو أنها تحابي الرجل فلا تمنعه من ملازمة غريمه، فهذا عذر بلا شك.
- خوف من فوات رفقة :
قوله: «أو من فوات رفقة» هذا نوع ثامن من أعذار ترك الجمعة والجماعة، إذا كان يخشى من فوات الرفقة وهذا عذر لوجهين :
الوجه الأول : أنه يفوت مقصده من الرفقة إذا انتظر الصلاة مع الجماعة أو الجمعة.
الوجه الثاني: أنه ينشغل قلبه كثيرا، إذا سمع رفقته يتهيأون للسير وهو يصلي فإنه يقلق كثيرا، فإذا خفت فوات الرفقة فإنك معذور بترك الجمعة والجماعة، ولا فرق بين أن يكون السفر سفر طاعة أو سفرا مباحا، وسفر الطاعة كالسفر لعمرة أو حج أو طلب علم، والمباح كالسفر للتجارة ونحوها.
- غـلبة نعــاس
قوله: «أو غلبة نعاس» هذا نوع تاسع من أعذار ترك الجمعة والجماعة؛ إذا غلبه النعاس فإنه يعذر بترك الجمعة والجماعة. مثال ذلك: رجل متعب بسبب عمل أو سفر فأخذه النعاس فهو بين أمرين:
إما أن يذهب ويصلي مع الجماعة، وهو في غلبة النعاس لا يدري ما يقول.
وإما أن ينام حتى يأخذ ما يزول به النعاس ثم يصلي براحة. فنقول: افعل الثاني؛ لأنك معذور.
- خوف أذى بمطر أو وحل :
قوله: «أو أذى بمطر أو وحل» هذا نوع عاشر من أعذار ترك الجمعة والجماعة.
فإذا خاف الأذى بمطر أو وحل، أي: إذا كانت السماء تمطر، وإذا خرج للجمعة أو الجماعة تأذى بالمطر فهو معذور.
والأذية بالمطر أن يتأذى في بل ثيابه أو ببرودة الجو، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذي بوحل، وكان الناس في الأول يعانون من الوحل؛ لأن الأسواق طين تربص مع المطر فيحصل فيها الوحل والزلق، فيتعب الإنسان في الحضور إلى المسجد، فإذا حصل هذا فهو معذور، وأما في وقتنا الحاضر فإن الوحل لا يحصل به تأذ لأن الأسواق مزفتة، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجد في بعض المواضع المنخفضة مطرا متجمعا، وهذا لا يتأذى به الإنسان لا بثيابه ولا بقدميه، فالعذر في مثل هذه الحال إنما يكون بنزول المطر فإذا توقف المطر فلا عذر، لكن في بعض القرى التي لم تزفت يكون العذر موجودا، ولهذا كان منادي الرسول صلى الله عليه وسلم ينادي في الليلة الباردة أو المطيرة: ألا صلوا في الرحال» . [ صحيح مسلم: 697]
وفهم من قوله: «أو أذى بمطر» أنه إذا لم يتأذ به بأن كان مطرا خفيفا فإنه لا عذر له، بل يجب عليه الحضور، وما أصابه من المشقة اليسيرة فإنه يثاب عليها.
- ريح باردة شديدة في ليلة مظلمة :
قوله : «وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة» هذا نوع حادي عشر من أعذار ترك الجمعة والجماعة، وهو الريح، بشروط:
الأول : أن تكون الريح باردة؛ لأن الريح الساخنة ليس فيها أذى ولا مشقة، والرياح الباردة بالنسبة لنا في هذه المنطقة هي التي تأتي من الشمال، لأننا نحن الآن إلى القطب الشمالي أقرب منا إلى القطب الجنوبي، وفي الجهة الجنوبية من الأرض تكون الرياح الباردة هي التي تأتي من الجنوب.
الثاني : كونها شديدة؛ لأن الريح الخفيفة لا مشقة فيها ولا أذى، ولو كانت باردة، فإذا كانت الرياح باردة وشديدة فهي عذر بلا شك؛ لأنها تؤلم أشد من ألم المطر.
الثالث : أن تكون في ليلة مظلمة: وهذا الشرط ليس عليه دليل؛ لأن الحديث الذي استدلوا به وهو حديث ابن عمر «في الليلة الباردة أو المطيرة» ليس فيه اشتراط أن تكون الليلة مظلمة، ولأنه لا أثر للظلمة أو النور في هذا الأمر، فالظلمة لا تزيد من برودة الجو، والصحو لا يزيد من سخونة الجو في الليل.
فالصحيح : أنه إذا وجدت ريح باردة شديدة تشق على الناس فإنه عذر في ترك الجمعة والجماعة، وهو أولى من العذر للتأذي من المطر، ويعرف ذلك من قاساه، ومع هذا فإن المشقة في البرد يلحقها مشقة أخرى، وهي: أن الغالب في البرد كثرة نزول البول فيتعب الإنسان منه، فإذا توضأ شق عليه الوضوء مع البرودة، ولا سيما في الزمن السابق فليس هناك سخانات تسخن الماء، وأحيانا يكون الماء شديد البرودة جدا، فلهذا نقول: ما دامت العلة هي المشقة، فإن المشقة تحصل في الريح الباردة الشديدة، أما الريح الخفيفة العادية أو الساخنة فليس فيها مشقة.
تنبيه : قوله: «في ليلة مظلمة» لا يتأتى هذا الشرط في الجمعة، وهو يؤيد ما ذكرناه من عدم اشتراط الليلة المظلمة. والله أعلم
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
شرح " زاد المستقنع في اختصار المقنع "
ص (239-.. (4/245
* * *
اترك تعليق: