عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي، سمعت نداء، وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر، قالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل ذلك بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر، وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرت خديجة له، فقالت: "يا عتيق، اذهب مع محمد إلى ورقة"، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ أبو بكر بيده وقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك ؟ قال: خديجة، فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء من خلفي: يا محمد ، يا محمد ، فأنطلق هاربا في الأرض.
فقال له: لا تفعل، إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، ثم ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه: يا محمد ، يا محمد ، قل: {بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2)سورة الفاتحة آية 1-2 حتى بلغ: {ولا الضالين} سورة الفاتحة آية 7 قل: لا إله إلا الله، فأتى ورقة، فذكر له ذلك، فقال له ورقة: اثبت، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وإنك على مثل ناموس موس، وإنك نبي مرسل، وإنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك، فلما توفي ورقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت القس في الجنة، وعليه ثياب الحرير ، لأنه آمن بي وصدقني ". يعني ورقة.
الحديث أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (360)، والبيهقى في الدلائل (2-15)، والواحدي في التفسير الوسيط (1-5)، وزاد السيوطى في الدر (1-10) نسبته إلى أبى نعيم والثعلبي.
وهذا الحديث يعارضه ماهو أصح منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أول مانزل عليه جبريل ب{اقرأ باسم ربك الذي خلق}.
قد روى البخاري بسنده عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ. فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ، (وَهُوَ التَّعَبُّدُ) اللَّيَالِيَ أُولاَتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُفَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ" قَالَ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. قَالَ قُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ"، قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍفَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ. ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]، الحديث.
الحديث أخرجه: البخاري - باب كيف كان بدء الوحي (89)، كتاب التفسير 68، ورواه البيهقى في السنن الكبرى (6-9).
والقول أن أول ما نزل هو الفاتحة أورده ابن الجزي في تفسيره (1-6) والزمخشري المعتزلي في الكشاف (4-223)، ونسبه لأكثر المفسرين، وقال: "ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت (اقرأ)، وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب".
قال ابن حجر رحمه الله: والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول. وأما الذي نسبه (أي: الزمخشري) إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول. وحجته: ما أخرجه البيهقى في الدلائل، والواحدي من طريق يونس، عن يونس بن عمرو، عن أبيه، عن أبي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : " إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا...إلى آخر الحديث". المصدر: الإتقان في علوم القرآن - النوع السابع - معرفة أول ما نزل - صفحة 43.
وهذا الحديث مرسل.
قال البيهقى في دلائل النبوة (2-15): "هذا منقطع ، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه: اقرأ باسم ربك سورة العلق، و يأيها المدثر سورة المدثر، والله أعلم" .
قال ابن كثير رحمه الله بعد أن أورده من طريق البيهقى في البداية والنهاية (3-10): "هو مرسل، وفيه غرابة، وهو كون الفاتحة أول مانزل".
وقال ابن حجر رحمه الله في العجاب (1-224): "هو مرسل، ورجاله ثقات، فإن ثبت حمل على أن ذلك كان بعد قصة غار حراء، ولعله كان بعد فترة الوحي".