بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من إتباع الشيطان، بل حذرنا من إتباع خطوات الشيطان في أربعة مواضع من كتابه العزيز، منها قول الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [النور: 21].
قال العلامة المفسر السعدي رحمه الله في ((تفسيره)): ((نهى عن الذنوب عموما فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرقه ووساوسه.
وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى، أن بين الحكم، وهو: النهي عن إتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال: { ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه } أي: الشيطان { يأمر بالفحشاء } أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه. { والمنكر } وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح)) اهـ.
من هنا جاءت الشريعة بالتحذير من التشبه بالشيطان، ومن صور التشبه به الخروج من المسجد عند الأذان.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس)) رواه مسلم.
قال العلامة الفوزان حفظه الله في ((الملخص الفقهي)): ((ويحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية رجوع، وإذا شرع المؤذن في الأذان والإنسان جالس؛ فلا ينبغي له أن يقوم، بل يصبر حتى فرغ؛ لئلا يتشبه بالشيطان)) اهـ.
وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله في ((شرح سنن أبي داود)): ((وقد سبق أن مر بنا في الحديث أن الشيطان يفر عندما يسمع الأذان، فالإنسان عندما يخرج من المسجد وهو غير مضطر لذلك يكون فيه مشابهة للشيطان في كونه يخرج بعد الأذان، حيث يخرج والناس يُدعون إلى أن يأتوا إلى المساجد، فإذا لم يكن خروجه لضرورة فإن ذلك معصية)) اهـ.
هذا ما تم جمعه والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة السبت 22 ربيع الأخر سنة 1438 هـ
الموافق لـ: 20 يناير سنة 2017 م