إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

قول الشيخين بازمول ومعبد عبد الكريم في مذهب المليباري الحديثي المبتدع !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قول الشيخين بازمول ومعبد عبد الكريم في مذهب المليباري الحديثي المبتدع !

    بسم الله الرحمن الرحيم

    سبق لي أن نقلت لكن أقوال العلماء عن المذهب الحديثي الخطير المبتدع، والذي يتزعمه حمزة المليباري وعبد الله السعد ومصطفى العدوي والطريفي وغيرهم، وتأثر بسمه جمع كبير من طلاب العلم المصريين والسعوديين وغيرهم، وإتماما لما سبق ... هذا قول للشيخ العلامة المحقق محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله، في المذهب الحديثي، الذي يدعو إليه حمزة المليباري وآخرون، الذي يفرق بين العلماء المتقدمين والمتأخرين في الحديث، وهو مقتطف من كتاب " روافد حديثية "، من صفحة 34 الطبعة الأولى سنة 1427 هـ :

    .. وقضية الاصطلاح في علم الحديث بُني عليها بعض المفاهيم، وجعلت منطلقا لقضايا فيها نظر، ومن ذلك:
    1- منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين.
    2- تطوير المصطلحات.
    والقضيتان متداخلتان ! فأقول مستعينا بالله:

    قضية منهج المتقدمين والمتأخرين:

    لفظة المتقدمين والمتأخرين ليست خاصة بعلم الحديث، ففي كل علم هناك علماء وأئمة متقدمون ومتأخرون، هذه واحدة !
    وهي كلمة نسبية تذكر لكل من تقدم بالنسبة لغيره ممن تأخر عنه، وإن لم يكن في عصر الأئمة الكبار، فابن حجر ( ت 852 هـ ) والسخاوي ( ت 902 هـ ) والسيوطي ( ت 911 هـ ) – رحمهم الله – من المتقدمين بالنسبة لنا، وهم متأخرون بالنسبة لمن قبلهم (1)، وهذه الثانية. [ 1: وقد رأيت العراقي ( 806 هـ ) رحمه الله في كتابه التقييد والإيضاح ( ص 183)، يتعقب قول ابن الصلاح ( ت 643 هـ ) رحمه الله، عن الإجازة لغير المعين بوصف العموم، فيقول العراقي: وإن المصنف ذكر أنه لم يَرَ ولم يسمع أن أحداً ممن يقتدى به روى بها، وقد أحسن من وقف عند ما انتهى إليه، ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح كالحافظ أبي بكر محمد بن خير بن عمر الأموي – بفتح الهمزة - ، الإشبيلي خال أبي القاسم السهيلي ... " اه .
    قلت: فانظر كيف ذكر أن ابن الخير من المتقدمين بالنسبة لابن الصلاح ! ]
    والمقصود بهذه اللفظة هنا أئمة علم الحديث كمالك ( ت 179 هـ ) وابن مهدي ( ت 198 هـ ) وابن معين ( ت 233 هـ ) وعلي بن المديني ( 234 هـ ) والشافعي ( ت 204 هـ ) وأحمد بن حنبل ( 241 هـ )، وغيرهم ممن هو من بابتهم !

    وقد اختلف المغالون في منهج المتقدمين ما هو الحد الزمني للمتقدمين !
    فقيل: الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين هو القرن الثالث، بناءً على كلمة أطلقها الذهبي ( ت 748 هـ ) رحمه الله في مقدمة كتابه " ميزان الاعتدال " ! ولا متمسك لهؤلاء في هذه الكلمة، إذ مراد الذهبي تحديد الحد الفاصل بين الرواة الذين عليهم تدور الأسانيد التي في الكتب الحديثية، مادة كتابه، ويُحتاج إلى بيان حالهم جرحا وتعديلا، وتوظيف هذه العبارة في قضية المتقدمين والمتأخرين توظيف لها في غير محلها.
    وقيل: الحد الفاصل بين المتقد والمتأخر هو الزمن الذي كانت تورد فيه الأسانيد في الكتب، وآخر هذا زمن الخطيب، ( ت 463 هـ ) رحمه الله.
    وقد تجد في قوة كلام من يتبنى منهج المتقدمين والمتأخرين أنه يعني بالمتقدمين العلماء الذين يستقلون في الكلام على الحديث وعلله مع سعة دائرتهم في معرفة الطرق والأسانيد والعلل.
    وعلى كل حال، فإن هذه القضية – أعني: قضية المتقدمين والمتأخرين – يقررها الواقع، إذ كل ممارس لعلم الحديث يلحظ أن بعض كلام المتقدمين لا ينطبق تماما مع ما هو مشهور مقرر في كتب علوم الحديث التي استقر فيها العلم على قواعد وأصول معروفة متداولة ! بل ويجد من أهل العلم من يصرح أن هذا الاصطلاح خلاف ما جرى عند بعض أئمة الحديث المتقدمين، خذ مثلاً:
    قال العراقي ( ت 806 هـ )رحمه الله ذاكراً اعتراض بعضهم على ابن الصلاح، بأنه لم يشر إلى الخلاف في الاصطلاح في مسألة، فقال حاكيا الاعتراض: ثم أجاب عليه، قال: " إن ما نقله – يعني ابن الصلاح – عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد، فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف. وقد ذكر المصنف هذا الخلاف في النوع الثاني في التاسع من التفريعات المذكورة فيه فقال: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في نوع ما يحتج به، قال: وهو الظاهر من كلام أبي عبد الله الحاكم ( ت 405 هـ ) في تصرفاته إلى آخر كلامه، فكان ينبغي الاحتراز عن الخلاف هنا !
    والجواب: أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله الخطابي عنهم في خطبة معالم السنن، فقال: اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم، ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك، وإن كان في كلام المتقدمين من ذكر الحسن، وهو موجود في كلام الشافعي ( ت 204 هـ ) رضي الله عنه، والبخاري ( ت 256 هـ ) وجماعة، ولكن الخطابي ( ت 388 هـ ) نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه المصنف على ذلك هنا، ثم حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف، والله أعلم " اهـ [ التقييد والإيضاح، ص 19].
    وقال ابن حجر ( ت 852 هـ ): والظاهر أن قوله – يعني ابن الصلاح في تعريفه للحديث الصحيح - : " عند أهل الحديث "، من العام الذي أريد به الخصوص، أي: الأكثر أو الذي استقر اتفاقهم عليه بعد الاختلاف. [ نقله في تدريب الراوي، 1/63].
    واعترض ابن كثير ( ت 773 هـ ) رحمه الله على تقسيم ابن الصلاح الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف، فقال: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح وضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفاً هو وغيره أيضاً. [ اختصار علوم الحديث ص 31 ].
    فتعقبه السيوطي ( ت 911 هـ ) بقوله: وجوابه أن المراد الثاني والكل راجع إلى هذه الثلاثة. [ تدريب الراوي 1/63 ].
    قلت: فنظر – رحمك الله – إلى هذا التحرير حول مصطلح الصحيح، والحسن، وتقسيم الحديث إلى الأقسام الثلاثة، كيف حرروا هل هو من تقسيم علماء الحديث أو لا ؟ وهل الحسن من اصطلاحهم أو لا ؟ وهل تحكم ابن الصلاح في ذلك أو لا .
    وهذا الواقع هو في حقيقته اختلاف في الاصطلاح بين المتقدمين والمتأخرين، ولا يحتاج إلى أكثر من التنبيه على ذلك عند تطبيق مسائل الحديث والجرح والتعديل، وعند التعامل مع عبارات الأئمة من أجل الوقوف على مرادهم وفهمه.
    وقد يغلو بعض الناس في فهم هذا الواقع، فيبني على ما يلحظه من خلاف بين المتقدمين والمتأخرين: وجوب طرح كلام المتأخرين، وقد يمعن في تقرير ذلك فيقول: بما أن المتقدمين هم أئمة الفن فالرجوع إلى عباراتهم والوقوف على تقريراتهم هو الأصل، إذ هم طريق هذا العلم وعلى ألفاظهم وعباراتهم يقوم هذا العلم ومنه يستمد أغلب قواعده وأصوله !
    وقد يزيد بعضهم الأمر فينادي بإعادة كتابة قواعد المصطلح بناء على كلام المتقدمين !
    وقد يزيد بعضهم غلوّاً فيقول: لا يحق لنا إذا صحح أحد من المتقدمين حديثاً أن نخالفه فنضعفه، وكذا إذا ضعف أحد من المتقدمين حديثاً أن نخالفه فنصححه، بل غاية ما نستطيعه الترجيح بين كلامهم عند الاختلاف، بل قد تجد من يقول: يسوغ عند اختلافهم الأخذ بالقولين، فيجوِّز الأخذ بالقول ونقيضه !!
    والواقع هو ما قدمته لك من أن المتأخرين حاولوا التقعيد للاصطلاح العام، ولم يخرجوا في ذلك عما قرره المتقدمون، مع تنبيههم على المصطلح الخاص إن وجد !
    وعلى هذا فإن ما يبنيه بعضهم على التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين من إهدار لكلام المتأخرين، أو غلق لباب الكلام على الأحاديث التي تكلموا عليها، هذا البناء غلو وأمر غير مرغوب فيه، وهو في حقيقته كلمة حق أريد بها باطل، إذ الدعوة إلى دراسة منهج المتقدمين في علوم الحديث دعوة صحيحة في أصلها، وينبغي أن تأخذ محلها من الاعتبار لدى الباحثين بلا إفراط أو تفريط.
    فلا محل لتوظيف هذه الدعوة لاطراح علم الحديث جملة وتفصيلاً بحسب تقعيدات المتأخرين ! أو طرح كلام ابن الصلاح أو كلام ابن حجر ! فإن هذا لا يرضاه من أنصف ! كما أنه لإنكار فائدة بل وأهمية دراسة مناهج المتقدمين في مسائل العلم عموماً، وفي مسائل الحديث خصوصاً!
    ولا ينكر هذا إلا من أشرب قلبه التعصب والتقليد المحض الذي قد يصل عند بعضهم إلى ما يشبه اعتقاد العصمة فيمن يقلده ! ولست أشك أن التوسط في القضية أن تكون قواعد علوم الحديث المقررة محل اعتماد، وأن يفتح الباب على مصراعيه للدرس والاستنباط والنظر المبني على الاستقراء التام، وآلة علمية صحيحة والاستفادة مما ينتج من ذلك في تقييد قواعد العلم وإيضاحها بل وإبطال ما قام الدليل على بطلانه من فُهومِنا غير المستقيمة على نتائج هذا الدرس والنظر !
    وقد سبقت كلمة الذهبي رحمه الله حيث قال: نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرْف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة. [ الموقظة ص 83 ].
    فالموقف الوسط بلا إفراط أو تفريط – وهو منهج البحث في علوم الحديث – يقوم على أساس:
    - اعتماد ما جاء في كتب علم الحديث مما قرره العلماء، والبناء عليه والاستفادة منه في فهم كلام الأئمة المتقدمين في علم الحديث !
    - تشجيع الدراسات المبنية على الاستقراء التام أو الأغلبي، مع صحة الآلة العلمية للاستنباط !
    دون أن نفصل إحداهما عن الأخرى ! فنبدأ من حيث انتهوا، ونبني على ما أصلوا، متممين في بنائهم ما يحتاج إلى تتميم !
    ولا أجدني قادراً على تجاوز هذا الموضع قبل تقرير وبيان أن الدعوة إلى منهج المتقدمين بمعنى عدم اعتماد تقريرات ابن الصلاح ومن بعده من العلماء في علوم الحديث، وإهمالها، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث، وأنها مليئة بتحكم وتطوير في مصطلح الأئمة، وأن علينا تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لعباراتهم، أقول: لا أجدني قادراً على تجاوز ذلك قبل التدليل على بطلانه.
    ومن الأدلة على بطلانه أن هذا الأمر يخالف المسلمات التالية:

    المسلمة الأولى: أن الاشتغال بالحاصل تحصيل حاصل !

    وتوضيح ذلك: أن العمل الذي قال به ابن الصلاح والعلماء من بعده، هو خلاصة استقرائهم وتتبعهم، وتقعيدهم مبني على أصول علمية صحيحة، فالدعوة إلى الاستقراء وتقعيد القواعد، هي عودة إلى تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل لا فائدة فيه ! بل هو إهدار للجهد، وإضاعة للوقت بما لا ينفع !
    فإن قيل: وماذا يمنع من أن نستقرئ كلام المتقدمين ونقعد القواعد من كلامهم مباشرة ؟
    فالجواب: يمنع من ذلك الأمور التالية:
    1- أنه تحصيل حاصل كما تقدم ! ودخول من باب لا تنتهي قضيته، فأنت تزعم أنك تستقرئ وتقعد، يأتي آخر لا يرضى ما قعدته ولا استقراءك فيعيد العملية لأنك متأخر، وهكذا بعد، وهذا كله جهد ضائع، لا مبرر له !
    2- أن استقراءنا مهما زعمنا ناقص، إذا هناك كتب ومصادر علمية يذكرها ابن الصلاح في كتابه ولم نقف عليها إلى اليوم ! فمن أين لنا الاستقراء التام المزعوم أو حتى الأغلبي !
    3- أننا لو خيرنا أدنى طلبة العلم بين قواعد يقعدها ناس في عصرنا هذا وبين قواعد قعدها العلماء وجروا عليها أجيالاً كثيرة مع التحرير والتدقيق، فإنهم بلا شك سيختارون الجري على القواعد المقررة ولا القواعد المحدثة !
    نعم، استقرئ وتتبع بحسب ما بين يديك، وابدأ من حيث انتهى غيرك، فعسى أن تكمل نقصاً وقع في كلامه، أو توضح مبهماً جاء في عباراته، أو تقيد مطلقاً جاء بيانه!

    المسلمة الثانية: ما كان لازمه باطل فهو باطل !
    ويوضح هذا هنا: أن هذه الدعوة إلى طرح ما قرره العلماء من ابن الصلاح إلى اليوم، جملة وتفصيلاً، والعودة إلى استقراء لكلام أئمة الحديث والتقعيد مرة ثانية، تستلزم إلغاء جميع أحكام العلماء على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، من بعد ابن الصلاح إلى يومنا، وهذا هدم للدين، وإضاعة للسنة ! [ وقد نقل لي أحد الفضلاء أنه قرأ على الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله شيئا مما قرره بعضهم حول هذا المعنى يدعو فيه إلى صياغة علوم الحديث، وتقعيدها على أساس كلام المتقدمين، فلما سمع الشيخ هذا قال: هذا هدم للسنة ! أو قال كلمة نحوها، وقد اشتهرت هذه الكلمة عن الشيخ حماد رحمه الله في حق هؤلاء ].

    المسلمة الثالثة: العبرة بالمآل، وعواقب الأمور وخواتيمها !

    وذلك أن هذا القول سيؤول إلى خلل كبير، إذ لا يعود أصحابه قادرين على الحكم على حديث ما بالتصحيح أو التضعيف، خاصة عندما يختلف كلام الأئمة المتقدمين في حديث ما، أو لم يضبط مصطلحا ما لهم، فما صححه فلان ضعيف عند فلان، وهذه العبارة من فلان بهذا المعنى عند فلان وبهذا المعنى عند الآخر ! فالذي عنده غير الذي عندك !
    ومعلوم أن شعب السفطسة، هي: العندية، والعنادية، واللا أدرية، ومآل هذا القول: إما إلى العناد في إثبات ما يظنونه من الحقائق، على سبيل " عنزة ولو طارت " ! وإما إلى العندية، فكل واحد منهم عنده من فهم الحقائق والمراد منها ما لي عند الآخر، وكلٌّ راضٍ بما عنده، فهذا الحق عندك وهذا الحق عندنا في المسألة الواحدة !
    وأما اللا أدرية فجواب كل شيء عندها: " لا أدري ممكن كذا وممكن كذا "! وكفى بهذا سفسطة ونفياً للحقائق!

    المسلمة الخامسة: أن الأمة لا تجتمع على ضلالة !

    وتوضيح ذلك: أن الحكم باختلال قواعد علم الحديث التي قعدها ابن الصلاح رحمه الله، مستقرئاً لها من كلام أئمة الحديث، متبعاً تقريراتهم وكلامهم على الرواة والأحاديث، مقتدياً بمن سبقه إلى هذا كأبي عبد الله الحاكم والخطيب البغدادي، وسار عليها العلماء إلى يومنا هذا، حكم باجتماع الأمة على ضلالة، واتّهام للعلماء بالقصور والتقصير، وكفى بهذا جهلاً !

    المسلمة السادسة: أن لا قدح فيما تبرئ منه !

    وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
    - تهمتهم بإدخال مسائل في علم الحديث هي ليست منه! كإدخالهم مبحث المتواتر في علوم الحديث، وهو ليس منها، لأن المتواتر لا يبحث عن رجاله!
    والواقع أنه لا محل للاعتراض أو القدح هنا، لأن ابن الصلاح ومن تبعه من العلماء تبرءوا من ذلك، ونبهوا إلى إدراكهم هذه الأمور.
    فبالنسبة إلى المتواتر نبَّه ابن الصلاح إلى أنه ليس مما تشمله صناعة الحديث، وذلك في كتابه علوم الحديث في النوع الموفي الثلاثين، حيث قال رحمه الله: ومن المشهور: المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره، ففي كلامه ما يُشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد رواياتهم، فإنه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه. [ علوم الحديث ص 267 ].
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وإنما أبهمت شروط المتواتر في الأصل – يعني: في متن نخبة الفكر – لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد، إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يُترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث. [ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر / العتر ( ص 41 - 42 ) ].
    قلت: فكيف يُجعل ذكر المتواتر في كتب علوم الحديث دليلاً على أنهم لم يلتزموا بكلام المتقدمين، والحال أنهم تبرءوا من عهدة نسبته إلى علوم الحديث، وإنما ذكروه من أجل بيان القسمة والصورة التي يقع عليها النقل، وتحرير النقل الذي هو موضوع علم الحديث.

    يتبع

  • #2
    تتمة
    المسلمة السابعة: ما بني على باطل فهو باطل.

    وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
    - تحكمهم في تعريف النوع الحديثي، باختيار معنى له، دون مراعاة ما عليه بعض الأئمة المتقدمين ! كما تراهـم
    في تعريف الشاذ حيث اعتمدوا تعريف الشافعي رحمه الله وأهملوا تعريف غيره ! ولو جئت إلى تعريف الشاذ، فهل سنرى هذه التهمة قائمة ؟ هل تحكم ابن الصلاح في تعريفه وأهمل تعريف غير الشافعي ؟
    قال ابن الصلاح رحمه الله: " النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ: روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي رضي الله عنه: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروى غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
    وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
    وذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة عن الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة، وذكر أنه يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة ذلك.
    قلت: أما ما حكم به الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول ! وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث " إنما الأعمال بالنيات " فإنه حديث تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
    وأوضح من ذلك في ذلك: حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته " ، تفرد به عبد الله بن دينار.

    وحديث مالك عن الزهري عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر " تفرد به مالك عن الزهري.
    فكل هذه مخرّجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد، تفر به ثقة، وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة، وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يشاركه في أحد بأسانيد جياد. والله أعلم.
    فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل الأمر في ذلك على تفصيل نُبَيّنُه، فنقول: إذا انفرد الراوي بشي نُظر فيه، فإذا انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذّاً مردوداً. وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلاً حافظاً موثقا ً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة. وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحاً له عن حيّز الصحيح.
    ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
    فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
    أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
    والثاني: الفرد الذي ليس له في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لِما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم. [ علوم الحديث / العتر ( 76 - 79 ) ].
    قلت: انتبه معي للأمور التالية:
    1- أن ابن الصلاح رحمه الله ذكر تعريف الشافعي والحاكم وأبي يعلى الخليلي رحمهم الله.
    2- أن تعريف الحاكم رحمه الله للشاذ فيه أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به الثقة وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. وتمام كلام الحاكم أبي عبد الله يفيد أنه يريد الحديث الذي ينفرد به الثقة، ولا يوقف له على علة من جهة السند أو المتن، إنما يكون ما يكشف عن ضعفه أمر خارج، وقوة كلام الحاكم تفيد أنه يحكم عليه بالضعف !
    3- أن تعريف الخليلي رحمه الله للشاذ فيه أن الحديث الغريب إذا كان عن غير ثقة متروك غير مقبول، وإذا كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به، والتطبيق العملي لهذا أن الحديث الغريب ضعيف !
    4- أن ابن الصلاح لم ير تعريف الحاكم والخليلي مطابقا للواقع، إذ لا يلزم من كون الحديث غريبا لم يروه إلا راوٍ واحد عن واحد أن يكون ضعيفاً ! بدليل تصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث لأحاديث هي من هذا القبيل، ومثل لذلك بالأحاديث الغرائب في الصحيحين، وأمام هذا الواقع فإن التعريف الذي ذكره الشافعي هو المعتمد، وهو المطابق لاشتراط عدمه في تعريف الحديث الصحيح ! وحرر أن الفرد الذي يحكم بضعفه هو الحديث الغريب السند الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.
    5- أن ابن الصلاح لم يتحكم في التعريف، بل ناقش التعاريف، واستدل لما يراه مطابقاً لما عليه تصرف أئمة الحديث.
    فهذه المسلمات تدل على بطلان الدعوة إلى عدم اعتماد المتأخرين – ابن الصلاح ومن بعده – في تقريراتهم وتقعيداتهم لعلوم الحديث، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث ( المتقدمين )، وأن علينا إعادة تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لكلام المتقدمين، لأن كلام المتأخرين – بزعم أصحاب هذه الدعوة – مليء بالتحكم وفكرة تطوير مصطلح الأئمة !!
    فإن قيل: هل يسوغ لنا مخالفة الأئمة المتقدمين على الأحاديث ؟

    فالجواب:
    أحكام الأئمة المتقدمين على الأحاديث هي مثل كلامهم على رواته سواء بسواء، وتوضيح ذلك من خلال تطبيقه على الحديث، فأقول:
    إن كلام أئمة الحديث على الأحاديث لا يخلو من أن يكون تصحيحاً منهم للحديث، أو تضعيفاً منهم للحديث، أو اختلافاً منهم في حكم درجة الحديث، فينتج من ذلك الأقسام التالية:
    القسم الأول: أحاديث اتفقوا على تصحيحها.
    القسم الثاني: أحاديث اتفقوا على تضعيفها.
    القسم الثالث: أحاديث اختلفوا فيها.
    القسم الرابع: أحاديث لم نقف إلا على كلام بعضهم فيها.
    القسم الخامس: أحاديث لم نقف لهم على كلام فيها.
    فالقسم الأول والثاني لا تسعنا مخالفتهم، إذ هذا إجماع منهم !
    وأما القسم الثالث فينظر ويرجح فيه بحسب القرائن !
    وأما القسم الرابع فإن انفرد إمام منهم بحكم على حديث، فلم نجد من يخالفه أو يوافقه، فلا يخلو الحال من أن يكون كلامه على طريق بعينه للحديث، أو مطلقاً ! ففي الحالة الأولى لا مخالفة بين كلامه وبين ما يسفر عنه الدرس لطرق ومخارج الحديث الأخرى، التي يشملها بكلامه ! وفي الحالة الثانية ينظر في القرائن، فإذا قوّت القرائن قبول كلامه قُبِل وإلا حكم على الحديث بحسب ما تدل عليه القرائن، وإلا فإن إعمال كلام الإمام والأخذ به أولى، وهذا مثل قضية الجرح المجمل في حق من لم يوثق.
    وأما القسم الخامس فإن البحث عن درجة الحديث عن طريق درس الطرق والمخارج هو الأصل، وذلك بحب ما تقرر في قواعد هذا العلم الشريف، والله الموفق.
    قال البيهقي رحمه الله: إن الأخبار الخاصة المروية على ثلاثة أنواع: نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته ... وأمّا النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها ... وأمّا النوع الثالث من الأحاديث فهو حديث قد اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته، فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته، خفي ذلك عن غيره، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره، وقد وقف عليه غيره، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحاً، أو وقف على انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه، أو دخول إسناد حديث في حديث خفي ذلك على غيره.
    فهذا الذي يجب على أهل العلم بالحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم، ويجتهدوا في معرفة معانيهم في القبول والرد، ثم يختاروا من أقاويلهم أصحها، وبالله التوفيق. [ دلائل النبوة للبيهقي ( 1/32-38 ) باختصار ].
    قال ابن تيمية رحمه الله: إن إجماع الفقهاء على الأحكام معصوم من الخطأ، ولو أجمع الفقهاء على حكم كان إجماعهم حجة، وإن كان مستند أحدهم خبر واحد أو قياس أو عموم، فكذلك، أهل العلم بالحديث إذا أجمعوا على صحة خبر أفاد العلم وإن كان الواحد منهم يجوز عليه الخطأ لكن إجماعهم معصوم من الخطأ. [ مجموع الفتاوى ( 18/49 ) ].
    قال ابن حجر رحمه الله: متى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث.
    وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرح بإثبات العلة، فأمّا إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما. وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح، والله أعلم. [ النكت على كتاب ابن الصلاح ( 2/711 ) ].

    وهذه إضاءات فيها تأكيد لما تقدم وزيادة بيان إن شاء الله تعالى :

    إضاءة:
    على كتاب ابن الصلاح دارت كتب المصطلح، مستفيدة من صور التدوين الأخرى – المشمولة في الطورين المكورين سابقا – في شرحه وتفسيره وبيانه، كما تراه في الكتب المختصرة لكتاب ابن الصلاح وشروحها، والكتب التي نكتت على ابن الصلاح مثل كتاب العراقي " التقييد والإيضاح " وكتاب ابن حجر " النكت على ابن الصلاح " رحمهما الله !
    وإن شئت فقل: إن كتاب علوم الحديث لابن الصلاح ما هو إلا استقراء وتقعيد لما دون من علوم الحديث في صور التدوين الأخرى، وتوضيح هذا هو التالي:

    إضاءة:
    كتاب ابن الصلاح استقراء لما دوّن قبله:
    اعتمد ابن الصلاح رحمه الله في تدوينه لمسائل المصطلح على كتب الخطيب البغدادي رحمه الله، و ما دوِّن من مسائل المصطلح على الصور الأربع الأخرى، وهذا ما جعل من بعده يعكفون على كتابه، وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من أول من صنف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل " ، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء للمتعقب. ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتاباً سماه " الكفاية "، وفي آدابها كتاباً سماه " الجامع لآداب الشيخ والسامع " ، وقلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه !
    ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض كتاباً لطيفاً سمّاه " الإلماع "، وأبو حفص الميانجي جزءاً سمّاه " ما لا يع المحدث جهله " ، وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها، واختصرت ليتيسر فهمها، إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئاً بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها خب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره. فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم من ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر. [ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ( ص 34-36 ) وانظر النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/232) ].
    وعكوف العلماء على هذا الكتاب أكسب كتابه من البعد والعمق العلمي في موضوعه ما لا تجده في كتاب آخر، فيكفي أن تراجع ما كتب حوله من اختصار ونظم وشروح ونكت على هذا جميعه في المسألة الواحدة لتقف على حصيلة ما جاء حول المسألة من كلام لأئمة الحديث، مع تنقيدات وتنبيهات وتنقيحات.
    وهنا أقول: إن كتاب ابن الصلاح مترابط متكامل، مرتبط تمام الارتباط بالمنهج المعرفي الإسلامي، بل وفيه عرضت قواعد علوم الحديث على هيئة نظرية متكاملة مترابطة، وكل ما في الأمر أن ابن الصلاح كما تقدم قبل قليل لم يتيسر له ترتيب كتابه، إذ أملاه على طلابه في المدرسة المشرفية !
    بل إن كتاب ابن الصلاح على ضوء الواقع في تصنيفه من ترابط بين موضوعاته وإن لم تكن على ترتيب متناسب، مع كونه ألقاه إملاء بغير ترتيب، دليل على أن علم الحديث متكامل مترابط له سمات النظرية المتكاملة المترابطة من قبل أن يصنف ابن الصلاح كتابه! وعرض علم الحديث على هيئة النظرية المترابطة المتكاملة هو ما تجده بوضوح عند الحافظ ابن حجر في كتابه " نخبة الفكر في مصطلح الأثر ".
    إضاءة:
    كتاب علوم الحديث لابن الصلاح راعى فيه ما يناسب تدريس هذا العلم، مما جعل لكتابه سمات خاصة، يحتاج إلى أن يعرفها من يتناول كتابه، من ذلك :
    ابن الصلاح في الأمثلة التي يوردها إنما جرى في إيرادها على سبيل المثال لفهم المسألة محل البحث، وليس باللازم أن يكون المثال في حقيقته سالماً من التعقيب ! وقد ذكر بعض المحققين أنه لا يشترط في المثال أن يكون صحيحاً بل يستحسن فقط، [ قضاء الوطر من نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر/ لإبراهيم اللقاني المالكي/ لوحة رقم ( 26 ) بترقيمي ] وذلك لأن مقصود ذكر المثال إيضاح القاعدة لا إثباتها ! بل لقد ألمح ابن الصلاح إلى ذلك في النوع التاسع: معرفة المرسل، حينما ذكر الصورة الثانية من صور المرسل، قال: " قول الزهري وابن حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكى ابن عبد البر أن قوماً لا يسمونه مرسلاً، بل منقطعاً، لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين ". اهـ.
    أملى ابن الصلاح رحمه الله حاشية على هذا المكان من كتابه منبهاً على المنهج في ضرب المثال، فقال: " قوله: - الواحد والاثنين – كالمثال، وإلا فالزهري قد قيل: إنه رأى عشرة من الصحابة، وسمع منهم: أنساً وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنيناً أبا جميلة وغيرهم، وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين، والله أعلم" اهـ. [ التقييد والإيضاح ( ص 72 ) ].
    وفائدة هذا التنبيه: وذلك في قوله: " كالمثال "، الاهتمام بفهم المراد، وأن الانتقاد والتعقب على المثال، ينبغي ألاّ يبطل ما يريد ابن الصلاح قوله وتوضيحه، إذ المثال يأتي لتوضيح القاعدة، لا لتثبيتها، والله أعلم !

    إضاءة:
    التعريف الذي يعتمده ابن الصلاح هو ما جرى عليه جمهور أهل الحديث، أو بحسب ما قيد به في محل آخر من كتابه، مع تنبيهه على ذلك في كل موضع: خذ مثلاً: تعريف العلة والشاذ، فهو قد عرفهما بحسب شرطه في الصحيح، بل وعرف الشاذ بحسب المشهور عند أهل الفن، ثم عطف عليه التنبيه على التعاريف الأخرى للشاذ التي جرى عليها بعض أهل العلم في الحديث !
    مثال آخر: قوله عند تعريف المرسل: " صورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم، وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا". اهـ.
    فانظر كيف نبه إلى الصورة التي لا خلاف فيها، ثم كيف نبه إلى التعريف المشهور، ثم كيف ذكر محل الخلاف ! وهذا تحرير بليغ منه رحمه الله !!
    مثال آخر: قوله عن المنقطع: " فيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم " اهـ .

    إضاءة:

    ابتعد ابن الصلاح رحمه الله عن قوانين المنطق في تعريف أنواع علوم الحديث، مراعياً لاصطلاح القوم، فكان تارة يعرف بالمثال، وهو ما يسمى في صناعة الحدود بالرسم الناقص، وتارة يعرف بالحد الجامع المانع، ويستعمل عبارات دقيقة في تبيين المراد، ولا يحسن فهمها إلا من استوعب النظر فيما سبق ابن الصلاح في المسألة بعينها، ثم عاد ونظر فيما قيده ابن الصلاح فإنه سيجده – إن شاء الله تعالى – قد أحسن التلخيص والتقعيد، فكان بحق من خصائص كتابه ما وصفه به بعض الأشياخ يقوله في تعداد خصائص كتاب ابن الصلاح:" وامتاز في منهجه على ما سبقه من التصانيف بمزايا جعلته عمدة هذا الفن، نذكر منها: الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من النصوص والروايات المنقولة عن أئمة الحديث في مسائل علوم الحديث، والاكتفاء بذكر حاصلها، ولم ينقل من تلك الأخبار إلا القدر المناسب للمقام " اهـ. [ مقدمة تحقيق كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، لنور الدين عتر ( ص 19 ) ]

    إضاءة:

    لم يقم ابن الصلاح ولا ابن حجر – رحمهما الله – بتغيير معاني مصطلحات أئمة الحديث، إذ دعوى ذلك لا برهان عليها، والذي حصل أنهما يرحمهما الله يعرِّفان بعض الأنواع الحديثية بحسب ما يغلب على ظنهما أنه ما جرى عليه جمهور علماء الحديث، أو ما يحصل به تسهيل الوصول إلى معرفة درجة الحديث، أو نحو ذلك ! وكيف يستقيم أنهم يتحكمون في المراد من المصطلح بخلاف ما جرى عليه الأئمة قبلهم ؟ هذه والله فرية عظيمة وتهمة خطيرة لعلماء أعلام بأمر لا يليق بهم ! ألا يحق هنا أن نتهم أنفسنا قبل أن نتهم أولئك الأعلام ؟ بدلاً من أن نتشنج ونرمي مخالفنا بأنه مقلد ولا يتبع طريق السلف ! وهل نحن إلا كما قال أبو عمرو بن العلاء: " ما نحن فيما مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال " ؟! وسبق ما يشهد لهذا من تصرفهم عند حكاية الحافظ العراقي رحمه الله، اعتراض بعضهم على ابن الصلاح في مسألة تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وسقيم !
    يتبع

    تعليق


    • #3
      تتمة
      إضاءة:

      ابن الصلاح في كتابه رحمه الله لم يكن سلبيا لا يناقش ولا يتعقب ما يورده من أقوال ومذاهب لأئمة الحديث في مسائل المصطلح بل كان من خصائص كتابه ومزاياه التي جعلته عمدة هذا الفن: ( التعقيب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاداته، ويصدر ذلك عادة بلفظ: " قلت "، ويشعر قارئ الكتاب أن مصنفه قد رصد مسائل العلم بدقة، وحققها تحقيقاً جعل شخصيته تتفوق على كل من سبقه، إذ لا يكاد يمر بصفحة إلا ويجد للمؤلف كلاماً واجتهاداً يبدؤه بعبارة: " قلت "، ويلاحظ أن التواضع والاحتياط غلب عليه، رحمه الله، فختم كل فقرة من كتابه بقوله: " والله أعلم ". [ مقدمة تحقيق كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، لنور الدين عتر ( ص 19 ) ]
      فلم يكن رحمه الله في تقعيده وتقريره بعيداً عن مناقشة ما يورده أو تطبيقه، وما دعا إليه من غلق باب التصحيح إنما محله عنده " إذا وجدنا فيما يروى من أجواء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصاً على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته " [ من كلام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ( ص 16 - 17 ) ].
      هذا محل هذا الغلق، وذلك وجه وجيه إذ الحكم على الحديث إنما يتأتى بعد النظر في طرقه ومخارجه، واعتبار لفظه، والحال أن الحديث إنما يروى في جزء حديثي بإسناد لم نجده في شيء من مصنفات أئمة الحديث !
      ومفهوم كلام ابن الصلاح أن ورود السند في مصنفات الأئمة المعتمدة يتيح لنا الاعتماد عليه، وبالتالي لا يمنع من الحكم بالتصحيح، وهذا ما يؤكده الواقع العملي الذي جرى عليه هو نفسه رحمه الله، وجرى عليه العلماء في عصره وقبله وبعده.
      فلم يكن ابن الصلاح مريدا لغلق باب المناقشة والتطبيق، كيف وهو لم يخل صفحة من كتابه من تعليق أو تعقيب أو تنبيه؟

      إضاءة:

      لم يهمل ابن الصلاح رحمه الله أعمال من سبقه من أئمة الأحاديث، وهذا يلمسه كل من نظر في كتابه، فهو ينقل كلام الأئمة، وله عناية بكتب الخطيب البغدادي، بل هو يعتبر كتابه جامعا لشتات علوم الحديث وفوائده، مقتنصاً لشوارد نكته وفرائده.

      إضاءة:


      ما جرى عليه ابن الصلاح رحمه الله من تقسيم الأنواع الحديثية، وعرضها في كتابه، لم يكن بدعاً فيه، بل هو مما جرى عليه الأئمة قبله، وفيه تقريب للعلم، وتسهيل للوصول إلى فوائده، وهذا الفصل بين مسائل العلم وجمع النظير إلى نظيره لا يؤدي أبداً إلى فصل حقيقي في ذهن المتعلم، بل يؤدي إلى حسن الفهم وتيسير التعليم، وهذا ما جرى عليه الحال في تقسيم القرآن العظيم إلى سور، فهل يقول قائل: إن الفصل على هذه الهيئة يفقد المتعلم النظرة الشمولية في معالجة قضية تخص علماً من العلوم ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم !!
      وقد تحدث ابن الصلاح رحمه الله عن ما من الله تعالى به عليه فقال: " فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقي به عارفاً، منَّ الله الكريم – تبارك وتعالى – وله الحمد أجمع بكتاب " معرفة أنواع علوم الحديث "، هذا الذي باح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعد قواعده، وأنار معالمه، وبين أحكامه، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفرائده " اهـ.

      إضاءة:

      ابن الصلاح رحمه الله لم يزعم لكتابه القداسة، ولم يقل هو ولا غيره من العلماء بعده أن كلامه لا يتطرق إليه الخطأ، أو أنه نهاية المطاف في هذا العلم الشريف، وعليه فإن الباحث إذا تيسر له من سبل النظر والبحث ما يستطيع سلوكه، ويقدر به على التوسع في الاستقراء والتتبع لقاعدة ما من قواعد المصطلح، في كلام أئمة الحديث كأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعبد الرحمن بن مهدي وابن معين والبخاري ومسلم وغيرهم – رحمهم الله – فجاء فيها بقيد أو إيضاح، أو تنكيت أو إفادة على قواعد المصطلح المعروفة، فلا تثريب عليه ما دام قد راعى في بحثه سنن العلماء، وأدب البحث، ولا يضره حينئذٍ أصاب أو أخطأ ! وهذا هو مسلك كل من اختصر أو نظم أو شرح هذه المختصرات حول كتاب ابن الصلاح – رحمهم الله - ! وبالمقابل لا تثريب على من سار على قواعد المصطلح واتبع مهيعاً مهده العلماء، وسلك سبيلاً مختصرة موصلة إلى المقصود ! ولا حاجة إلى إبطال أحد السبيلين، وإلزام الناس بأحدهما دون الآخر، فإن الناس تتفاوت أفهامهم وقدراتهم، ولسان حالهم يقول: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني !
      نعم، إذا لزم في مسألة ما بطلان القول الآخر، مع قيام الدليل ووضوح الحجة في ذلك فحيهلا، فليس بين أحد والحق مانع أو حابس ! ولست أشبه من يطالب باستقراء جميع قواعد المصطلح والرجوع إلى كلام الأئمة فيها وإعادة التقعيد على ضوء ذلك، أشبهه بغلام آل إليه إرث عظيم في قصر مبني على قواعد وأساس متين، فتشكك فيه، فدعا إلى نقض أساسه وهدم قواعده، ليعود هو إلى بنائه مرة ثانية، بحسب ما يعتقد أنه الصواب، وهيهات هيهات !

      قضية تطوير المصطلحات :

      أمّا الدعوة إلى نبذ ما قرره المتأخرون، والدعوة إلى إعادة كتابة وتقعيد قواعد المصطلح، والتسور إلى ذلك من خلال الفرق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، أو ما أسماه بعضهم: تطوير المصطلحات الذي وقع فيه ابن حجر – على حد زعم هذا القائل -، فهذا إبطال وإهدار لجهود العلماء وسوء ظن بهم !
      وقضية تطوير المصطلحات التي يرمي بها بعضهم الإمام ابن حجر رحمه الله يُعنى بها: " تغيير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، لأي غرض يظنه المُغير حسناً ". فهل يصح أن يقال: إن ابن حجر غير معاني المصطلحات الحديثية عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً لأي غرض ؟
      والحقيقة: إن هذه القضية فيها نظر كبير، وهي قضية غير واضحة عند من يثيرها، إذا لوحظ الأمور التالية: [ قد أفردت – بحمد الله ومنته – رسالة بعنوان " الاصطلاح في علوم الحديث " ناقشت فيها ما أورده من اعترض على ابن حجر في كتابه نزهة النظر، وأكتفي هنا بهذه بالإشارة ! ]
      أولاً: إن الاصطلاحات التي يذكرها ابن حجر إنما هي لمعانٍ معروفة، دون أدنى تغيير منه لمعنى مصطلح الأئمة أو إحداث معنى يحمله عليه !
      ثانياً: ليُعلم أن ابن حجر رحمه الله – حسب ما يظهر – إنما اصطلح في قضايا تتداخل بعضها في بعض وتتشابك فيها عبارات الأئمة، أو فيها أكثر من قول، فاختار رحمه الله أحد هذه الأقوال وجعله المراد بالمصطلح، ليحصل التمايز والتباين بين الأنواع، دون مساس لمعنى المصطلح عند الأئمة بل بمراعاته !
      ثالثاً: لما فهم العلماء هذا قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح ! ولم يتهموا ابن حجر بإغفاله مصطلح القوم وهجره له، أو حتى بتطوير المصطلح !
      رابعاً: كلمة " مصطلح أهل الأثر " عَلَم على مسائل الدراية والرواية المتعلقة بالأحاديث، تصحيحاً وتضعيفاً، وبرواية الحديث جرحاً وتعديلاً، وليس المراد بأن هناك مصطلحاً عامّاً مقرراً لدى العلماء المتقدمين وجاء ابن حجر ورمى به ولم يلتفت إليه وغيّر معاني مصطلحاته، بل الحال كما قدمت لك في أول هذا الفصل، ولعل هذا الواقع يلقي الضوء على سبب تسمية هذا العلم بمصطلح الحديث، وذلك لغلبة الاصطلاحات الخاصة عليه في كلام المتقدمين، ومحاولة وضع الاصطلاح العام في كلام المتأخرين ! فالقضية في النهاية تدور حول تحديد مصطلح ما وتحديد المراد منه ! لا أن هناك مصطلحاً عامّاً مستقرّاً فجاء ابن حجر وخرّج عليه !! [ ليلاحظ هنا أن تسمية هذا العلم بـ " مصطلح الحديث " لم أجدها في كلام الأئمة قبل ابن حجر رحمه الله، نعم البلقيني سمّى كتابه " محاسن الاصطلاح في تضمين كتاب ابن الصلاح "، لكنه لم يجعل هذا علماً على هذا العلم، فإذا انتبهت إلى أن الحافظ سمّى رسالته " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر " علمت أنه يريد أن يقدم فيها ما انتخبه من فكره من مصطلحات أهل الأثر يطلقها على معانٍ جاءت في كلامهم ! فهو في كتابه يقدم نخبة فكره في هذه المعاني والمصطلحات التي جاءت عن أئمة أهل الحديث، فهو لم يزعم من البداية أنه سيقدم كل مصطلحات هذا العلم كما هي، إنما هو من البداية ينبه على أن مراده أن يختار بحسب فكره من مصطلحاتهم ما يطلقه على معاني هذا العلم، تأمل ! وينبني على هذا دفع اللوم الذي يوجهه بعضهم على ابن حجر، ومحصلته: كيف يضع ابن حجر كتابه في بيان مصطلح أهل الأثر، ثم هو يحصر المصطلح في أحد الأقوال فيه ؟ ]
      خامساً:يؤكد ما تقدم: أننا لا نعلم أن المتقدمين اجتمعوا على وضع مصطلح خاص لمعنى معين ! كل ما في الأمر هو أن الأئمة كانوا يتكلمون على الرواة والأحاديث، كل إمام يتكلم بعبارته الخاصة وبلفظه الخاص على معنى يريد وصفه والتعبير عنه، وعليه فلم يحدث لديهم اصطلاح بمعنى اجتماعهم من أجل تحديد اسم لمعنى خاص ! إنما حصلت اصطلاحات خاصة ! حتى جاء أبو عبد الله الحاكم والخطيب البغدادي وحاولوا شيئا من ذلك، ومهدوا السبيل أمام ابن الصلاح – رحم الله الجميع - . وجاء ابن الصلاح ورسم السبيل ووضح معالمه، ووضع المصطلحات وحدد معانيها مستفيداً من تقريرات الخطيب وأبي عبد الله الحاكم وغيرهما من أهل العلم ! وواقع الحال هذا كما ترى، يصيح بقوة في نفي تهمة التحكم أو التطوير للمصطلحات عن ابن حجر ومن قبله ابن الصلاح – رحم الله الجميع - !
      يا سيدي: إن ابن حجر سمّى كتابه " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر " فهو من العنوان يقول لك: أنا أعطيك نخبة فكري في مصطلح أهل الأثر، فهو يعطيك اختياراته، فإذا ما اختار في محل من هذه الرسالة شيئاً على خلاف ما ظننته مصطلحاً لأهل الأثر فهل يلحقه لوم أو تعنيف أو تثريب لأنه أعطاك اختياره، الذي أرشد من عنوانه أنه محل قصده في تصنيفه ؟ ألا يصح عندها أن تقول كما قال من سبقك " لا مشاحة في الاصطلاح " ؟ أفي هذا ما يبرر وصف ابن حجر بأنه غير معاني المصطلحات ؟

      الحاصل: تحرر لديك يا طالب الحديث أن علوم الحديث تؤخذ من الكتب المؤلفة فيه، ويبنى عليها مع الاستفادة من ما ورد عن الأئمة من كلام في هذه المسائل، وتنقيح ما في الكتب التي حاولت التقعيد به، حيث إن الواقع في كتب هذا العلم أن فيها مصنفات تجمع كلام أئمة الحديث، تساق فيها عباراتهم في الجرح والتعديل ووصف الأحاديث، دون محاولة لتقعيد اصطلاح عام ! ومنها مصنفات استفادت من الكتب المصنفة على الطريقة السابقة، وانطلقت منها لتقعيد علم الحديث، فاستقرأت وقعدت، وجعلت أصولاً يبنى عليها في مسائل هذا العلم الشريف، مع التنبيه على ما خالفها من اصطلاحات خاصة !
      فأنت تبني على ما قعدته هذه الكتب مع الاستفادة في تبيين المذاهب الخاصة لبعض الأئمة وعباراتهم بالرجوع إلى المصنفات التي جمعت كلام الأئمة دون محاولة للتقعيد ! وعلمت مما سبق أنه ليس بمنهج في البحث في علوم الحديث: اطراح كتب الحديث من ابن الصلاح وما بعده، فإن هذه دعوى جوفاء منتفخة فارغة كالطبل، فلا تغرك !

      انتهى !
      وهذا مقال – ببعض التصرف - للشيخ الدكتور أ.د أحمد معبد عبد الكريم، عنوانه " علوم الحديث بين المتقدمين والمتأخرين " ، ردَّ فيه على المذهب الحديثي الجديد الذي يدعو للتفريق بين المتقدمين والمتأخرين من علماء الحديث، والشيخ معبد أستاذ لكثير من كبار من يدعو لهذه المذهب ويتبناه ، مثل عبد الله السعد وتركي الغميز !

      الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
      المقصود بعلوم الحديث أنواع المصطلحات والقواعد التي تعارف عليها المحدثون عليها في تناول الحديث الشريف ومصنفاته تعلماً وتعليماً وروايةً ودراية.
      والمتقدمون والمتأخرون من حيث المعنى اللغوي العام المتقدم: هو من يسبق غيره حسياً أو معنوياً، والمتأخر من يسبقه غيره حسياً أو معنوياً، وقد جاء الأمران في القرآن الكريم كما في سورة المدثر، قال تعالى: { نذيراً للبشر لمن شاء منكم أن يتقدّم أو يتأخر }، وفي سورة الحجر قال تعالى: {ما تسبق من أمّة أجلها وما يستأخرون }، وقال أيضاً في السورة نفسها: { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين }.
      وبهذين المعنيين للفظي المتقدمين والمتأخرين وقع استعمالهما في مؤلفات علوم الحديث حتى ممن أطلق عليهم اسم المتقدمين أنفسهم في وصف من يكون أقدم منهم، كما سيأتي ذكر مثال لذلك. لكن لمّا بدأ --- المعاصرون في إطلاق هذين اللفظين مضافين إلى الآراء أو المناهج مثل قولهم: رأي المتقدمين أو منهج المتقدمين كذا، أو آراء المتأخرين أو مناهج المتأخرين أو عند المتقدمين أو استعمالهم أو صنيعهم أو اصطلاحهم، أو عند المتأخرين أو صنيعهم أو استعمالهم، لوحظ في استعمالاتهم هذه اختلاف، فبعضهم تولى من نفسه بيان مراده بهذا لكي يرتب عليه ما يريد تقريره من آراء، أو انتقادات أو اقتراحات، وبعضهم طُلب منه بيان مراده بهذين اللفظين مع ما قرنهما به من عبارات أخرى كالآراء أو المناهج أو المصطلحات.
      والذي وقفت عليه مكتوباً كالتالي:

      1- الدكتور إبراهيم اللاحم، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم، ذكر ما يفيد أن المتقدمين هم: نقاد السنة في عصور الرواية وأنها عبارة عن القرون الثلاثة الأولى، وأن المتأخرين هم: نقاد السنة ممن بعد أهل القرون الثلاثة الأولى إلى وقتنا الحاضر.

      2- الدكتور بشار معروف، وهو معروف لدى الجميع، وتحقيقاته ومؤلفاته الحديثية، قال: أنا أقصد بالمتقدمين: علماء القرن الثالث الهجري مثل أصحاب الكتب الستة . . . وربما وضعت معهم من العلماء الذين ختم بهم العلم كالدارقطني (385هـ) (ص11). ثم قال: هل يعقل أن هؤلاء الأئمة يفوتهم حديث صحيح، ثم يأتي الحاكم بعد مائة سنة فيخرجه في مستدركه ؟ ما معنى هذا ؟ يعني أن الحاكم ذهب يبحث في الأحاديث التي تركوها، وهم إنما تركوها عن علم، ثم يضيف (ص13): هذه النظرية لا يقرني عليها كثير من العلماء.
      ثم يقول: المتأخرون: الحاكم (405هـ) ومن بعده.
      3- الشريف حاتم العوني في كتابه «المنهج المقترح لفهم المصطلح»، فيذكر تحديد الذهبي للحد الفاصل بين المتقدمين برأس 300 هـ ، ويعقب عليه بأن هذا اصطلاح منه خاص بكتابه «ميزان الاعتدال» الذي ذكر فيه هذا التحديد (ص52-53). ثم يقول: إن التقدم والتأخر أمر نسبي يختلف باختلاف الأزمان.
      يتبع

      تعليق


      • #4
        تتمة
        لكنه في استعراضه لنشأة وتطور علم مصطلحات الحديث وقواعد الجرح والتعديل وعلل الحديث وغيرها قرر أنها قد بلغت ذروة اكتمالها مع ذروة اكتمال تدوين السنة أيضاً، وأن ذلك على الأرجح عنده بغير منازع كان نهاية القرن الثالث الهجري (ص55-58، 61)، ثم ذكر في موضع متأخر عن هذا (ص174-176) أنه كان امتداداً لأهل القرن الثالث بعض أعيان أئمة القرن الرابع أيضاً، وأنه بناءً على ذلك يعتبر أن أهل الاصطلاح المعتبرين الذين لا تفهم علوم السنة إلا بفهم اصطلاحهم، ومعرفة قوانين علمهم هم أهل القرن الثالث فمن قبلهم وأعيان أئمة القرن الرابع، وأن هؤلاء هم أهل الاصطلاح الذين منهم بدأ وإليهم يعود، وهم الذين يجب علينا فهم اصطلاحهم، وأنهم لم يتركوا لمن بعدهم ممن يريد معرفة مقبول السنة من مردودها إلا أن يتبع نهجهم ويقتفي أثرهم.
        ومقتضى هذا أنه يعتبر نهاية القرن الرابع هي آخر المتقدمين، ومن بعدها هم المتأخرون وتفاصيل كلامه ومباحثه التي أوردها عن أهل القرن الخامس ونقده مناهج ومحتوى مؤلفاتهم في علوم المصطلح يؤيد هذا، ويلتقي في كثير من التفاصيل مع نقد من ألف في موازنة مناهج المتقدمين والمتأخرين.
        4- حمزة المليباري: تناول بيان مفهوم المتقدمين والمتأخرين والمقصود بكل منهما في كتابه المنشور عام 1995م سنة 1416هـ والذي عنونه بقوله " نظرات جديدة في علوم الحديث "، فقال: شاع استخدام كلمتي المتقدمين والمتأخرين في مواضع كثيرة من علوم الحديث دون بيان شاف عن مدلوليهما (1). إلا ما ذكره الذهبي في مقدمة ميزان الاعتدال (1/4) من أن الحد الفاصل بينهم رأس سنة ثلاثمائة (2). وتعقب هذا بأنه تحديد زمني قائم على أساس الفضل والشرف للقرون الأولى فلا يعتبر في المجالات العلمية والمنهجية كعلوم الحديث، لأن حفاظ القرن الرابع، بل النصف الأول من القرن الخامس أيضاً يشتركون مع سلفهم في الأعراف العلمية والمناهج التعليمية والأساليب النقدية وكيفية التعابير الفنية، دون اللاحقين بهم. وأن هذا الفاصل أيضاً لم يكن معمولاً به في الصناعات الحديثة عموماً.
        ثم يقول: إن من يتتبع السياق الذي وردت فيه هاتان الكلمتان ومناسبة إطلاقهما يجد أن المفهوم السائد لهذين المصطلحين هو المعنى النسبي، أي كل من سلف يعتبر متقدماً بالنسبة إلى من لحقه.
        ويتعقب هذا بقوله: وهذا المفهوم غير صالح أيضاً في المجالات العلمية التي يتوخى فيها المنهج والاصطلاح، نظراً إلى كونه تحديداً لغوياً، دون أدنى اعتبار للفاصل العلمي الحقيقي، وإلا فإنه يؤدي إلى الخلط بين أصحاب الرؤى المتباينة جوهرياً وفنياً ثم يضيف قائلاً: فحين يقع بين مجموعتين خلاف جوهري وتباين منهجي في كثير من مسائل علوم الحديث فإنه يصبح من الضروري فصلهما بما يميز كلاً منهما عن الأخرى، كي لا يشيع الزلل ويكثر حوله الجدل بسبب عدم التميز بين ذوي المناهج المختلفة (ص: 9-10).
        ومن يتأمل ما تقدم يجد أن المؤلف قد رد ما تعارف عليه كافة علماء الاصطلاح قديماً وحديثاً حتى عصره هو، سواء المدلول الزمني الذي حدده الإمام الذهبي، أو المدلول اللغوي النسبي الذي وصفه بنفسه بأنه هو السائد في كتب علوم الحديث مع تعليله هذا بأن كلا المدلولين المستعملين عند السابقين غير متوافقين مع ما يراه هو، من وجود مجموعتين من العلماء بينهما خلاف جوهري وتبيان منهجي وأن تمييز كل منهما عن الأخرى ضرورة علمية ملحة. وسيأتي عند مناقشة بعض الأمثلة أن التعليل المذكور ليس في محله.
        ولكننا نريد هنا أن نقول: إذا كان [ المليباري ] قد رأى بحكم اختصاصه وخبرته بعلوم الحديث أنه إذا ظهرت له ضرورة علمية تقتضي مخالفة مدلول اصطلاح معين لمن سبقوه ولو من المتقدمين، وتقريره مدلولاً اصطلاحياً آخر مع تعضيده بدليل معتبر في نظره، فلماذا ينكر مثل هذا على من سبقه من أئمة النقد والحفظ كالإمام ابن الصلاح ومن بعده، بل كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، الذين قالوا بإخراجهم من المتقدمين كما سيأتي لكونهم في نظرهم متساهلين مطلقاً في التصحيح وبعد رد المؤلف للمدلولين السابقين لمصطلحي المتقدمين والمتأخرين قرر المتداول الذي يراه هو من وجهة نظره متعينا.
        فقال: إن المسيرة التاريخية للسنة النبوية يتعين تقسيمها إلى مرحلتين زمنيتين كبيرتين لكل منهما معالمها وخصائصها المميزة، وآثارها المختلفة فأما الأولى فيمكن تسميتها بمرحلة الرواية، وهي ممتدة من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الخامس الهجري تقريباً وذكر أن أهم خصائص هذه المرحلة التعويل على الرواية المباشرة والإسناد.
        ثم قال: وأما المرحلة الثانية فيمكن تسميتها بمرحلة ما بعد الرواية، وذكر تميزها بالاعتماد بدلاً من الرواية على كتب السابقين.
        وتأمل قوله: " يمكن تسميتها " ، وتأمل التسمية التي ذكرها لكل من المرحلتين والمدلول الذي ذكره، فستجد بوضوح أن كلاً من الاسمين والمدلولين من ابتكار -- المؤلف، وحسب نظره المستند إلى خاصية مشتركة بين أهل كل مرحلة، وخلال باقي الكتاب صار يحيل عليهما كما لو كانا اصطلاحاً مقرراً، أو كما وصفه في البداية بأنه متعين. ولما كانت خاصية الرواية وعدمها التي ذكرت في تسمية المرحلتين لا تقتضي بمفردها ما يراد إثباته من التباين المنهجي والاختلاف الجوهري بينهما. فإن المؤلف قد أضاف ما رآه مؤيداً لمقصوده. فذكر: أن المواد العلمية التي تشكل المحاور الرئيسية في علوم الحديث بمصطلحاتها وقواعدها إنما انبثقت من جهود المحدثين النقاد في المرحلة الأولى (يعني مرحلة الرواية) وهي التي عنى بها المتقدمين. ثم يقرر أن أهل المرحلة الثانية- يعني ما بعد الرواية وهي التي عنى بها المتأخرين- كان لهم أنواع جديدة من الضوابط لتوثيق النسخ والمؤلفات. ثم يخلص من هذا إلى نتيجة إجمالية بقوله: إنه بناء على ما تقدم أصبح النقاد في المرحلة الأولى يعني المتقدمين هم العمدة والمصدر الرئيس لمباحث علوم الحديث ومصطلحاتها ثم يقول: وأما المتأخرون – يعني أهل المرحلة الثانية - فتبع لهم، يتمثل دورهم في النقل والتهذيب والاستخلاص، والاختصار، دون التأسيس والإبداع كما شهد بذلك الواقع.
        ثم يرتب على ذلك قائلاً: فمن الطبيعي إذن بروز تباين منهجي بين حفاظ المرحلة الأولى – يعني المتقدمين - ، وبين أئمة المرحلة الثانية- يعني المتأخرين- في علوم الحديث. ويضيف لإثبات القول بالتباين ما وجد في نتائج أهل المرحلة الثانية من التأثير القوي لعلم المنطق الذي لم يفلت منه علم من العلوم الشرعية وذلك في صياغة الحدود والتعريفات الاصطلاحية، ومراعاة كون التعريف جامعاً مانعاً موجزاً.
        في حين كان أكثر ما يُذكر للتعريف في المرحلة الأولى لا يخلو من غموض، أو تطويل، أو لا يكون جامعاً، أو لا يكون مانعاً، أو يكون بالإشارة والإلغاز، مع ترك توضيح كل ذلك لإدراك المخاطب للمناسبات والقرائن التي كانوا يرونها تساعد على ذلك.
        ثم يقول: إن مقتضى ذلك ضرورة الاعتبار بمناسبات كلام النقاد وتعابيرهم الفنية، كي تتضح مقاصدهم، ويعلل ذلك بأن العديد من تعاريف المصطلحات التي استقر عليها المتأخرون لا يصلح التقيد بها في كثير من المواضع؛ لأنها وقعت مضيقة لمدلولاتها التي كانت متسعة في إطلاق المتقدمين.
        ثم يقول: وفي ضوء هذه الحقائق العلمية فإننا نستخلص بأن المعنيين بالمتقدمين هم حفاظ مرحلة الرواية، وبالخصوص نقادهم وبالمتأخرين أهل مرحلة ما بعد الرواية، فإن كلاً من هاتين المجموعتين تنفصل عن الأخرى أصالة وتبعية في مجال الحديث وعلومه. فلا ينبغي الخلط بينهما؛ لأنه ظهر بينهما خلاف جوهري وتباين منهجي.
        ثم يحيل بالتفاصيل على باقي فقرات الكتاب (ص15). وسيأتي بمشيئة الله ذكر بعض نماذج منه ومناقشتها. ثم عرض في بقية الكتاب نماذج تفصيلية لما يراه من تباين منهجي وخلاف جوهري بين من اصطلح على تقسيمهم وجوبياً إلى متقدمين ومتأخرين. وقبل ذكر بعض ما يتسع له الوقت من نماذج التباين المنهجي والخلاف الجوهري في نظره مع مناقشته، أرى أن نتأمل قوله --- السابق، فإن من سماهم - اصطلاحاً - بالمتأخرين قد حدد بنفسه موقفهم من المتقدمين بأنهم ليسوا إلا تابعين لهم، ومقلدين، كما حدد بنفسه أيضاً دور المتأخرين العلمي بأنه: نقل وتهذيب واستخلاص واختصار، دون تأسيس ولا إبداع. فكيف يتأتى للتابع أو المقلد بوصفه تابعاً أو مقلداً أن يحدث مخالفة جوهرية لمتبوعه أو مقلده ؟ وكيف يقال: إن مجموعة المتأخرين منفصلة عن مجموعة المتقدمين أصالة وتبعية- حسب نص عبارة المؤلف السابقة، وما دام المتأخر قد شهد له الواقع حسب نص كلام المؤلف-بأنه لم يؤسس ولم يبدع ولكن فقط نقل عن المتقدمين، وهذب، واختصر، واستخلص من أصولهم فروعاً، فكيف والحالة هذه يكون منهجه مبايناً لما في أصوله المقدمة أو بعبارة أخرى كيف يكون منهجه مبايناً لمرجعيته ومنطلقة الأصلي.
        إن المباينة تعني أول ما تعني عدم التبعية وعدم المرجعية، وفي الحديث الشريف: «ما أبين من الحي فهو ميت». نعم يمكن للتابع أن يخالف متبوعه في بعض الأمور الجزئية أو الجوانب الشكلية أو التفريع على أصول المتبوع، ونحو ذلك. أما أن يخالف جوهرياً ويباين منهجياً، ويبقى مع ذلك موصوفاً بالتابع لمن خالفه وباينه فهذا ما لا أظن أحداً يقره.
        الأمر الثاني الذي يحتاج إلى تأمل، أن المؤلف حدد هنا منذ البداية أوصاف المتقدمين بأنهم حفاظ المرحلة الأولى، وبالخصوص نقادها (ص:15) فأصبح المتقدمون معروفون زمنياً واختصاصاً. أما المتأخرون فوصفهم فقط بأئمة المرحلة الثانية (ص:14) وهذا وصف لا يميزهم مثلما ميز وصفه للمتقدمين بأنهم حفاظ وبالخصوص نقاد، كما أنه لم يحدد فترة زمنية للمتأخرين. في حين سبق له أن رفض مدلولين مستعملين لكلمتي المتقدمين والمتأخرين لكونهما في نظره لا يحققان التميز بين أصحاب الرؤى المتباينة، فكان مقتضى هذا أن يحدد المراد بالمتأخرين زمناً واختصاصاً.
        فلذلك احتاج عند ذكر النماذج التفصيلية لقضايا علوم الحديث أن يذكر الأوصاف العلمية لأئمة مرحلة المتأخرين فقال: إن حركة التأليف في علوم الحديث شارك فيها فئات مختلفة في طليعتهم الأصوليون والفقهاء، وفيهم من اندفع إلى ذلك لا لغرض سوى الاندراج في سلك المؤلفين فيها (ص:16).
        كما ذكر من النماذج التفصيلية ما يشير إلى الامتداد الزمني للمتأخرين حتى عصرنا الحاضر وقد سبق أن ذكر ذلك صراحة الدكتور إبراهيم اللاحم. وقد كتب الدكتور المليباري بعد كتابه السابق بحثاًَ آخر في الموضوع نفسه وعول فيه على استعراض قدر كبير من المواضع والمناسبات المذكورة في كتب علوم الحديث لأجل ذكر شيء من الخلاف بين المتقدمين أو بعضهم وبين المتأخرين أو بعضهم فبدأ بذكر مجموعة من ذلك، وعقب عليها بقوله: [ (ص:24) (من البحث) ]: هذه النصوص تحمل إشارة واضحة إلى أن كلمة المتقدمين يقصدون بها نقاد الحديث باستثناء المعروفين منهم بالتساهل في التصحيح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم. بينما يعنون بالمتأخرين من ليسوا بنقاد ممن كان يقبل الأحاديث ويردها بعد الدارقطني (ت 385هـ) من الفقهاء وعلماء الأصول وعلماء الكلام وغيرهم ممن ينتهج منهجهم أو يلفق بينه وبين منهج المحدثين النقاد.
        ثم يقول: ولذلك ينبغي أن يكون الحد الفاصل بينهم منهجياً أكثر من كونه زمنياً.
        أقول وبمقارنة كلامه هذا بما تقدم عنه في كتابه السابق يلاحظ اختلاف ظاهر، فهو هناك حدد فاصلاً زمنياً بنهاية القرن الخاص الهجري على وجه التقريب ولم يستثن أحداً باعتبار التساهل أو التشدد، وهنا قرر استثناء كل من ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، باعتبار اتصافهم بالتساهل في التصحيح، مع أن أولهم وهو ابن خزيمة متوفى سنة 311هـ وآخرهم وهو الحاكم متوفى سنة 405هـ، وبذلك أنقص وضيق تحديده السابق للمتقدمين، ثم عند الأمثلة التطبيقية وسَّع فذكر ابن الجوزي المتوفى سنة 597هـ ضمن المتقدمين (ص19) كما جعل بداية المتأخرين هم من بَعد الدارقطني المتوفى سنة 385هـ وذكر فيهم صراحة الفقهاء والأصوليين والمتكلمين، ومن ينهج نهجهم- يعني في قبول ورد الأحاديث- أو من يلفق بين منهجهم ومنهج المحدثين النقاد، ويحدد منهج الفقهاء بأنه النظر في عدالة الرواة واتصال السند والتصحيح والتضعيف على ضوء ذلك لكنه ذكر طائفة ثانية من الأقوال وعقب عليها بأن مما تفيده: أن المتقدمين هم النقاد، وأن المتأخرين هم: الفقهاء وعلماء الكلام والأصول ومن تبعهم في النهج من أهل الحديث دون النظر إلى الفصل الزمني في التفريق (ص:29) وصرح في هذا الموضع أيضاً بما يدل على إدخاله المعاصرين في مصطلح المتأخرين.
        ثم ذكر طائفة ثالثة من الأقوال وعقب عليها بقوله: إن مصطلح المتأخرين هنا يشمل جميع علماء الطوائف الثلاث: أئمة الفقه وأئمة الأصول والكلام، وأهل الحديث، وأدخل في مصطلح المتأخرين هنا كلا من البيقهي والخطيب البغدادي (ص:32).
        أما الطائفة الرابعة من الأقوال التي ذكرها بعد ذلك فعقب عليها بقوله (ص:35) في ضوء ما تقدم من النصوص نستطيع أن نلخص أن الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين هو سنة 500هـ، ثم يقول: وإن البيقهي هو خاتمة المتقدمين.
        ثم ذكر أن قائمة المتأخرين حتى السيوطي المتوفى سنة 911هـ تضم أهل الحديث وأهل الفقه وأهل الأصول، وعدد من أهل هذه القائمة ابن المرابط والقاضي وعياض المغربيين وابن تيمية وابن كثير وعبد الغني المقدسي وابن الصلاح والذهبي وابن الحاجب والنووي وابن عبد الهادي والضياء المقدسي- صاحب المختارة- وابن القطان الفاسي والمنذري والدمياطي وتقي الدين السبكي وابن دقيق العبد والمزي وابن حجر العسقلاني.
        ثم إنه يعود مرة خامسة (ص:35-36) فيذكر أن العوامل التاريخية أدت إلى وقوع تباين منهجي بين المتقدمين والمتأخرين بحيث اقتضت أن نقسمها مرحلتين:-
        يتبع

        تعليق


        • #5
          تتمة
          الأولى: يمكن تسميتها بمرحلة الرواية- وتمتد من عصر الصحابة إلى نهاية القرن الخامس الهجري على وجه التقريب... ثم يقول:
          وأما المرحلة الثانية فيمكن تسميتها بمرحلة ما بعد الرواية، وذكر عنها نحواً مما ذكره عنها في كتاب النظرات كما تقدم ذكر ملامحه فيما سبق.
          5- أما تلميذي عبد الله السعد فذكر أنه لا فرق بين أن يقال: مذهب أو منهج المتقدمين، وأن يقال: مذهب أو مناهج أهل الحديث أو أئمة الحديث، أو المحدثين (ص:9-10)، ولا يخفى على فطنته أنه عند التأمل نجد فرقاً ظاهراً لا سيما في مجال تميز المناهج وأصحابها، لأجل الأخذ والاستفادة أو الرد، فإذا قلنا إنه لا فرق بين مفهوم كلمة «المتقدمين» ومفهوم كلمة «أهل الحديث» ومفهوم كلمة «أئمة الحديث» دخل في المتقدمين على هذا أمثال الحافظ العراقي (ت 806 هـ) والحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) والحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ وأمثالهم. في حين نجد الشيخ السعد يذكر الحافظ ابن كثير (ت 774هـ) أنموذجاً للمتأخرين الذين يستفاد منهم ويؤخذ بكلامهم. ثم يذكر أن أهل العلم المتقدمين ليس لهم منهج واحد في الصناعة الحديثية، بل هم على مناهج متعددة، فلا بد من معرفة طريقتهم ثم السير عليها.
          6- وأما تلميذي الدكتور تركي الغميز فقد وقعت له على ورقة عمل ذكر فيها أن المتقدمين هم أئمة الحديث في عصور الازدهار، ومثل بجماعة، أولهم شعبة، وأخرهم النسائي (ت 303هـ). وذكر أنهم كانوا على نهج واحد، وطريق متحد في عمومه في الأصول العامة التي يسيرون عليها، وإنما ينتج الاختلاف في التطبيقات الجزئية، بحسب تفاوت الإطلاع، والفهم والتشدد والتسامح، دون الخروج عن الأصل العام الذي يسيرون عليه.
          أقول: وبهذا التوجيه لم يحتج إلى إخراج من أخرجهم سابقاً لأجل التساهل في التصحيح كما مر.
          7- النتيجة: مما يتضح أن هؤلاء قد تنوعت أقوالهم وضوابطهم في تحديد مقصودهم بالمتقدمين والمتأخرين، بل نجد أن المليباري تعدد قوله من بحث إلى آخر. كما نجد في كلامهم إختلافاً في كون المتقدمين لهم منهج واحد مع الاختلاف في التطبيق، أو أن لكل واحد منهم منهجاً خاصاً به تقعيداً وتطبيقاً. هذا مع اتفاق جميعهم في الجملة على إطلاق القول بوجود تباين منهجي، وخلاف جوهري بين المتقدمين والمتأخرين.
          8- والذي يسمح به المقام الآن حيال ما اطلعت عليه في هذا الموضوع ما يلي:
          أولاً: أن عدداً ممن كتب في هذا الموضوع أعرفهم شخصياً وعلمياً، وأعرف أن دافعهم الأساسي إلى ما كتبوا هو الحماس المشكور والغيرة المحمودة على علوم السنة النبوية المطهرة التي لا يخفى عظيم أثرها في نفس المسلم وحياته الدنيا والآخرة. وكذلك أقدر قصدهم النبيل في خدمة هذه السنة وعلومها، وصيانتها من أي شوب أو دخيل. كما أن المعاصرين الذين يعملون في نشر تراث السنة وعلومها فيهم نماذج طيبة ومؤهلة لحمل مسؤولية هذه الأمانة الغالية على الجميع، وفيهم نماذج دون الأهلية المطلوبة، والأولون أصحاب الكفاءة والأهلية نتاجهم أقل من الطلب المتزايد للاستفادة بهذا التراث العظيم. ومن هنا وجد المتأخرون أصحاب الأهلية الأدنى فرصتهم في ملء الفراغ، فصار نتاجهم هو الظاهر والمتداول بما فيه من قصور، وهذا مما حرك حماس هؤلاء الأخوة لما كتبوه، كما يظهر من تفاصيله وأمثلته.
          ثانياً: لكن هذا الحماس والانفعال بما لمسوه من قصور وتجاوز جعل فيما كتبوه بعض الملحوظات في الاستنتاج وفي النتائج، بل حتى في صياغة الأفكار وتنسيقها، ولا تتسع مثل هذه العجالة إلا لبعض الأمثلة التي أرجو أن يعتبرها من يطلع عليها أنها من باب النصيحة الخالصة- شهد الله- وتلك الأمثلة على النحو التالي:-
          أ- جاء في شرح العلل لابن رجب- رحمه الله (1/377) ما يلي:-
          نقل عن يحيى بن معين (ت233هـ) أنه إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء، أهل العلم، فهو غير مجهول...، وإذا روى عنه مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق- يعني السبيعي- ونحوهما فمن يروون عنه مجهولين، فلا تزول جهالة المروي عنه، برواية واحد من أمثال هؤلاء.
          وعقَّب ابن رجب على ذلك بقوله: وهذا تفصيل حسن، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي (ت 258هـ) الذي تبعه عليه المتأخرون: أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين.
          فهذا المثال يوضح وجود اختلاف بين قول ابن معين وقول الذهلي فيما ترتفع به جهالة الراوي، ويلاحظ انه خلاف بين اثنين معدودين من المتقدمين، ولكن الذهلي متأخر الطبقة عن ابن معين كما يظهر من تاريخي وفاتهما ومراجعة ترجمتيهما في التقريب مثلاً.
          وقد استحسن الحافظ ابن رجب قول المتقدم منهما، وفي تطبيقات المتقدمين ما يؤيده، ولكن ابن رجب قرر أن المتأخرين تبعوا قول الذهلي المتأخر الطبقة، وإشارة ابن رجب إلى المتأخرين تنطبق على ما قرره الخطيب البغدادي (ت 463هـ) في الكفاية بشأن ما تزول به الجهالة ويؤيده غير قول الذهلي أدلة نقلية صحيحة ومعروفة ورغم مخالفة الذهلي لقول ابن معين فإن ابن معين جاء عنه انه كان يثني عليه ويشيد بجمعه لحديث الزهري. ويلاحظ أن الذهلي الذي يعتبر متأخرا عن ابن معين، يعتبر أيضاً متقدماً عن الخطيب.
          كما جاء عن الدارقطني (ت 385هـ) قوله: من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف فلينظر في علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى (يعني الذهلي) فاعتبر الدارقطني نفسه خلفاً متأخراً بالنسبة لسلفه المتقدم عليه وهو الذهلي.
          كما أن ابن رجب المعدود من المتأخرين قد اعتبر من بعد الذهلي ممن وافقه على قوله متأخراً حتى عصر ابن رجب، كما هو مقتضى إطلاقه.
          ثم إنه وصف المتأخر الآخذ بقول الذهلي متبعاً لقول من هو متقدم، ولم يصف قول المتقدم وهو ابن معين بالتفصيل في مواجهة المتأخر المخالف بالإطلاق إلا بكونه حسناً فقط، لم يصفه بأنه خلاف جوهري كما وصف بعض الإخوة مثل هذا الخلاف بالتقييد والإطلاق من المتأخرين لبعض ما جاء عن المتقدمين بأنه خلاف جوهري.
          فمثل هذا المثال وكثير غيره يوضح أن مفهوم المتقدم والمتأخر أمر نسبي يفسر في كل موضع يذكر فيه بحسبه وأن التحديد المطلق زمنياً أو منهجياً للمتقدمين والمتأخرين لا يطرد بحسب واقع تراث علوم السنة الذي بين أيدينا.
          كما يوضح هذا المثال أيضاً أن الاختلاف المعتبر بين المتقدمين والمتأخرين له ما يؤيده من صنيع المتقدمين أيضاً.
          ب- ذكر المليباري من أمثلة الخلاف الجوهري بين المتقدمين والمتأخرين مصطلح «المنكر» فقال: فإنه عند المتأخرين ما رواه الضعيف مخالفاً للثقات، غير أن المتقدمين لم يتقيدوا بذلك.
          وإنما عندهم كل حديث لم يعرف (إلا)(3) عن مصدره، ثقة كان روايه أم ضعيفأ، خالف غيره، أم تفرد، وهناك في كتب العلل والضعفاء أمثلة كثيرة توضح ذلك. فالمنكر في لغة (4) المتقدمين أعم منه عند المتأخرين، وهو أقرب إلى معناه اللغوي فإن المنكر لغة..... معناه «جهالة» وذكر آيتين كريمتين تأييداً لذلك ثانيتهما قوله تعالى: «يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها» (سورة النحل:83).
          ثم يقول: وعلى هذا فإن المتأخرين خالفوا المتقدمين في مصطلح المنكر، بتضييق ما وسعوا (النظرات ص:31).
          ومناقشة ما ذكره فضيلته هنا من وجوه:-
          1- التعريف الذي عزاه إلى المتأخرين مطلقاً هو تعرف الحافظ ابن حجر في شرح النزهة فقط، وغير الحافظ من المتأخرين كابن الصلاح والسيوطي تبعاً له- يذكر كل منهما أن المنكر قسمان:-
          أحدهما: الفرد الثقة المخالف للثقات،
          وثانيهما: الفرد الضعيف دون مخالفة.
          ثم يذكر السيوطي ثالثاً، وهو الذي اقتصر المؤلف عليه، وقد عزاه السيوطي للحافظ ابن حجر وحده(5).
          2- التعريف الذي نسب إلى المتأخرين عموماً في شخص الحافظ ابن حجر يرجع إلى المتقدمين ممثلين في الإمام مسلم حيث قال في مقدمة صحيحه: علامة المنكر في حديث المحدث، إذا عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإن كان الغالب من حديثه كذلك كان مجهول الحديث غير مقبولة ولا مستعملة (6). فعبارة الحافظ في تعريف المنكر مستقاة من عبارة مسلم هذه كما يلاحظ ذلك بأدنى تأمل. كما يلاحظ إشارة الأمام مسلم إلى المعنى المناسب لتعريفه، وهو المجهور وليس المجهول كما اختاره المؤلف. كما أن الآية الثانية التي ذكرها فضيلته تأييداً للمعنى اللغوي الذي اختاره، فسرت النكارة فيها بمعنى الجحود لا بمعنى الجهالة لذكر العلم قبلها في قوله عز وجل: «يعرفون نعمة الله». ثم يلاحظ أيضاً أن تعريف الإمام مسلم هذا للمنكر يعتبر حسب توصيف الأخوة تعريفاً نظرياً، حيث ذكره في مقدمة صحيحة، ولم يذكر من أمثلته شيئاً، كما هو معروف. ثم إن الحافظ لم يقتصر على التعريف النظري بل ذكر له مثالاً مطابقاً ومن كتب العلل التي أشار المؤلف إلى وجود المنكر فيها بما يخالف تعريف المتأخرين هذا. فقد مثل الحافظ للحديث المنكر بما رواه ابن أبي حاتم في (العلل 2/182) من طريق حبيب بن أبي حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام» عن أبي إسحاق موقوفاً.
          وحبيب الزيات -أكثر الأقوال فيه- بتضعيفه، وقال ابن عدي حدث بأحاديث عن الثقات لا يرويها غيره/ اللسان 2/ (ت2322هـ). فاتفق حكم ابن أبي حاتم بالنكارة مع تعريف مسلم الذي استفاد منه الحافظ تعريفه، كما أن قول ابن عدي السابق- وهو من المتقدمين- في وصف راوي الحديث يفيد أنه ينفرد مع ضعفه بما يخالف رواية الثقات.
          فهل تعريف المتأخرين ممثلين في الحافظ ابن حجر للمنكر بما تقدم يعتبر من عند أنفسهم أو مما اتفق عليه أكثر من واحد ممن هم بلا خلاف من أعمدة نقاد الحديث المتقدمين ؟.
          أما القول بأن هذا التعريف ضيق ما وسعه المتقدمون هكذا مطلقاً فهو أيضاً غير صحيح فلدينا من النقاد المتقدمين أحمد بن هارون البريديجي المتوفى سنة 301هـ جاء عنه تعريفه للمنكر بأنه الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، ثم قال السيوطي وكذا أطلقه كثيرون(7).
          فيلاحظ أن هذا التعريف قيد النكارة بالمتن فقط، في حين لم تقيد بذلك في عبارة الإمام مسلم ولا الحافظ ابن حجر، وجاءت النكارة في الحديث الذي مثل بها من عند ابن أبي حاتم متعلقة بالسند، حيث ذكر فيه الرفع، مخالفاً للوقف، وإن كان كلا الوصفين يرجعان إلى المتن أيضاً، فهذا توسيع لما ضيق في تعريف البريديجي وهو متقدم كما ترى.

          ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
          (1) كذا عبارته والصواب دون بيان محدد متفق عليه.
          (2) تحرفت في نقله إلى «ثلاثمائة سنة».
          (3) في الكتاب لم تذكر «إلا» والكلام لا يستقيم معناه بدونها، وأيضاً التعريف الذي يشير إليه يفيد ثبوتها.
          (4) كذا والأولى «في استعمال» فليس للمتقدمين أيضاً لغة تضاف إليهم خاصة.
          (5) ينظر التدريب (1/276-279).
          (6) ينظر «فتح المغيث» للسخاوي (1/236)، ومقدمة صحيح مسلم (1/7).
          (7) التدرب(1/276).

          انتهى

          تعليق


          • #6
            أحسنت ... أثابك الله

            لكن لا بأس أن أنبهك إلى ترك مثل هذا :

            ( للشيخ العلامة المحقق محمد بن عمر بن سالم بازمول )

            الشيخ معروف من هو في العلم و التحقيق

            لكن " قد جعل الله لكل شيء قدرا "

            أنت معي في ذلك ؟
            بارك الله فيك
            التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 09-Sep-2008, 10:33 PM.

            تعليق

            يعمل...
            X