إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

اتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين

    اتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقـدمـة:
    إن الحمـــد للــه نحمــده ونستعينــه ، ونستغفــره ونتـــوب إليـه ، ونعوذ بالله مــن شــرور أنفسنا وسيئــات أعمالنــا ، مــن يهدي الله فهــو المتهـدي ومــن يضلل فلا هادي لـــــه ، وأشهــد أن لا إلــــــه إلا الله ، وحــده لاشريك لــه ، القائل في كتابه الكريم : { وأن هــذا صــراطي مـستقيما فاتبعــوه ولا تتبعـوا السبل ، فتفرق بكم عن سبيــله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } الأنعــام : 153 / ، وأشهــد أن محمدا عبده ورســــــوله ، بلغ الرسالــة ، وأدى الأمــانة ونصــح الأمــة ، وحــذرها من البدع والتشبــه بالكفــار فقال : << إياكم ومحدثات الأمــور ، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بــدعة وكل بدعــة ضــلالة ... } 1 / وقال :<< لتتبعن سنن مــن كان قبلكم شبرا بشبـر وذراعا بــذراع حتى لو دخــلوا جحــر ضب لدخلتمــوه . قالـوا يا رسول الله ، اليهود والنصـارى قال: فمــن >> 2 / وصلى الله عليه وعلى آلــه وأصحــابه ، ومن اهتــدى بهديه واقتفى أثـره إلى يوم الدين .
    إن مســـألـــة الأعياد ، والاحتفالات البـــدعية ، مــن أشــد وأخطـــر ما تساهــل فيه المسلمـــون ، بعــد القــرون الفاضلـة ، فقد ســارع كثيــر منهم إلى التشبه بالأمــم الأخـرى ، في أعيادها ، واحتفالاتهــا .
    --------------------
    1 ـ حديث صحيــح رواه بهذا اللفظ وأتم منه وأطول ابن ماجة ( ح 46 ) ورواه بألفاظ متقاربة كل من أبي داود ( 4607 ) وأحمد ( 4 / 126 ـ 127 ) والترمذي ( 2678 ) والحاكم ( 1 / 95 ـ 97 ) .
    2 ـ هذا الحديث من الأحاديث الصحيحـة المستفيضة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أخرجاه في الصحيحين من طرق وألفاظ متعددة .

    الصفحة [2]
    فأحــدث بعضهــــــم بـــدعة الاحتفــال بالمــــولد النبوي والاحتفال بليلــة الإســـراء والمعراج والنصف من شعبان ، ورأس العام ، وهــذه الأعياد الوطنيــة والقوميــة ، التي تزداد يوما بعد يوم بين المسلمين ، وغيرها ، من الأغــلال والآصـار ، التي ابتليت بها الأمــة الإســلامية وما أنزل الله بها من سلطــــان .
    ولقد هالني ما رأيت وقرأت مــن المنكــرات ، وقول الزور والبهتان على الله ، والانــتكاسات التي كانت سببا في هذا الانحطــاط الذي تعيشه الأمة ، والذل والهوان ، حتى أصبح البون شـاسعا ، والمسافـة بعيدة جــدا بين ما أراده الإســلام للمسلمين أن يكونـوا عليه ، وما أرادوه هــم لأنفسهـــــم ،بسبب الابتداع في الدين ، لذا أجريت القلـــم لأبين بعض الحقائق التي غشنا فيها بعض الأغــرار الأغمار من المتعالميــن وقلبوا وجـه الحــق فيها ، ومن أهمهــــا وأخطرها هذه المســألــة : << بدعـة المولــد النبوي >> التي تكلم فيها الكثير في هــذه الأيام وكتب فيها الكثير ممـن يهرفون بما لا يعرفون ، ويقولون ما لا يعلمــون ، وفي مقـدمتهــم صاحب القول الجلي في بيان حكم الإحتفـال بمولــد النبي صلى الله عليه وسلم . الذي نشــر مقالـه في جــريدة عالم السياســة ، العدد ( 92 ) .
    لقد حز في نفسي كثيرا أن يصــدر مثل هذا الخلــط ، والخبط في فهم النصوص وتحريفها من طالب علم ينتسب إلى العلوم الشرعية –زعم - وللأسف الشــديد ، وهذا من أكبر الدوافع التي حفزتني أن أكتب في الموضوع وأجليــه ، على قلة البضاعة وضعف الهمة ، والله أســال الإعــانة فيما توفيت من الإبانة ، إنه بالإجابة جــدير وهو على كل شيء قدير ، كما أسألــه سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله ذخرا لي يوم الورود على الحوض يوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : << ألا سحقا لمن بدل ألا سحقا لمن بدل>> وفي رواية: <<لمن أحدث >> (1 ) .
    --------------------
    1 ـ رواه البخاري (13 / ص 3/ فتح الباري ) .

    الصفحة [3]
    تمهيــــد :
    لقد بين لنا الشارع أنه لم يشـرّع للمسلمين إلا عيدين هما: عيد الأضحى ، وعيد الفطر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ الأعياد ســواء كانت أعيادا جـديدة ، أو أعيادا قديمة تُحيى ، كما بين لنا أن مسـألة الأعياد من المسـائل الشرعية التعبدية ، التي لا يجـوز الابتـداع فيها ، ولا الزيادة ، ولا النقـص في المشروع في حدود الاستطاعة، وعليه فلا يجـوز إحـداث أعياد غير ما شرعه الله ورسوله.
    وقد بين علماؤنا قديما وحديثا أن كل اجتماع عام يحدثه الناس ، ويعتادونه في زمان معين أو مكان معين ، أو هما معا ، فإنه عيد ، كما أن كل أثر من الآثار القديمة أو الجديدة يحييه النّاس ويرتادونه ، فإنه يكون عيدا ، وذلك كآثار الجاهلية ، وأوثانها . فقد كان للنّاس فبل الإســلام أعياد ، زمانية ومكانية كثيرة ، وكلها حرمها الإســلام ، وأماتـها ، وشرع للمسلميــن عيدين فقــط . فقد دلت السنة على ذلك بوضوح وصراحة ، كما دل عليه فعل المسلمين في صــدر الإســلام أتباع السلف الصالح، وإجماعهــم ، وما أثر عنهم من النهي عن ذلك والتحذير منه أكثر من أن يحصى .فإذا عرفنا ذلك ، وعرفنا أن ما شاع بين المسلميــن من أعياد واحتفالات لم يكن يفعلـــه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل نهى عنه ، ولم يكن الصحابة ولا التابعون خلال القرون الفاضلة ، يفعلون ذلك ، بل كانـوا ينهون ويحذرون من الوقــوع فيه ، فهذا يكفي للحكم على هــذه الأعياد والاحتفالات المحدثة ، بأنهـا دسيســة من دسائس المبطلين ، وغفلــة وجهل من أكثر المسلمين ، مهما بررها النّاس ورضوهــا ، والتمســوا لها الفتاوى والتأويلات التي لا تستنــد إلى كتاب الله وسنة رسولــه ، فأي عيد ، أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسولــه صلى الله عليه وسلم أصل ، ولم يعهد في عصر الصحابة ، والقرون الفاضلــة ، فإنما قام على الباطل ، وما بني على باطل فهو باطل ، والخير كل الخير في إتباع من سلف ، والشر كل الشـر في إتباع من خلف ، ويقال لمن فعلــه أو أحلــه بعد ذلك: هاتـوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجــدوا إلا قول من سبقوهم:{{ إنا وجـدنا آباءنا على أمـة،وإنا على آثارهــم مهتـدون }}[ الزخـرف : 22 ] .
    وإن أقوى حجـة يستنـد إليهـا المتشبثــون بهذه الأعياد والاحتفالات المبتــدعة ، قولهــم بأن ذلك ـ خاصة الاحتفال بالمولد النبوي ـ مما تعارف عليه المسلمــون ، وعمله ورضيه بعض العلماء والملوك المسلميــن ، وكذلك تمسكـوا ببعض الأحاديث والآثار منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو موضوع وقليل منها ثابت صحيح ، ولكن بعدما لوو رؤوسهــا نحو ما يوافـق أهواءهـم ، ليدلسـوا بها على الأمــة ويزينــوا بها باطلهــم .
    وبالرغم من أن عصرنا هذا، من أسوأ عصور المسلمين ، وأكثرها انحرافا بسبب هؤلاء الأئمة المضلين الذين تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته منهم ، إلا أننا نجـد طائفة من أهل العلم والعدل لا تزال تصدع بالحق ـ بحمد الله ـ وتحذر المسلميـن من الوقوع في البدع، والشركيات، وإقتداء بهم وجريا على منهاجهم لعلي أحشر في زمرتهم،أخذت قلمي لأكشف القناع عن دعاواهم الواهية وحججهـم المحرفة الباطلة ،ولكن بعد أن أعرف بمعنى الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدا وموسما وشعيرة تعبدية وبعدها أعرف بالعيد، وأبين الأعياد التي شرعها الله لنا ، وأذكر شيئا من الآثار التي فيها النهي عن التشبه بالكفار في أعيادهم، ثم أنقل بعض كلام الذين ألفـوا في هذه المسألة أو تكلموا فيها في هذه الأيام، وبعدها أخص صاحب القول الجلي بالرد والمناقشة العلمية البعيدة عن سوء الأدب لأن السلفيين مؤدبون ، والتحريف والتطفيف وتغليظ القول إلا ما لا بد منه عملا بقوله تعالى:{{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم }} [النساء:148 ] وقد ظلم صاحبنا أهل العلم واتهمهم بالجهل ، وسأنقل بعض كلامهــم رحمهم الله ليظهر للقارئ من الجهول من العدول ؟ في آخــر الرد ثم أختم بحثي بخلاصة أذكر فيها النتيجة التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذا الموضوع ،ومسك الختـام أذكر نبذة قصيرة عن سـيرة صاحب المولد العطرة ، كنسبه ، وأسمائه، وصفاته الخِلقية والخـُلقية و...الخ ، وذلك معنى الإيمان بشهادة أنّ محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أجعل فهرسا مفصلا للمراجع والمصادر التي استقيت منها، وآخر لمحتويات البحث والله أسأل التوفيق والسداد .

    الصفحة [4]
    تعريف كلمة الاحتفال بالمولد النبوي: كلمة احتفال تعطى في اللغـة معنى الاهتمام والكثرة والاجتماع، يقال : فلان لم يحفل أو لم يحتفل بكذا ، أي لم يبال ولم يهتم به ، ويقال العروس تكتحل وتحتفل ، أي تتزين وتحتشد للزينــة ، ويقال شاة حافل أي كثيرة اللبن ، والجمع حًـفل ، وبقرة محفلة ، أي جمع لبنها في ضرعها ولم يحلب أياما لترويج بيعها ، والمحفل مجتمع النّاس(1 ) .
    والاهتمام الفردي أو الجماعي بأمـر من الأمــور من طبيعة البشـر ، يدفع إليه جلب خير أو دفـع شـر ، والمحتفل به قد يكون أمرا واقعا حاضرا أو ماضيا ، أو منتظر وقوعـه ، فمن الاحتفال بالواقـع الحاضر ، الفرح بالمولــود عند ولادته أو ختانه ، وبالزواج عند العقد والتمليك أو الزفاف .
    ومن الاحتفال بالماضي، تذكر أحداث وقعت في أماكن أو أوقات محددة، تستعيدها الذاكرة لتجدد فرحها وسرورها ، أو لتأخـذ العبرة والموعظـة منها.
    وكلمة المولد :جمع مواليد، وموالد وهو: اليوم الذي يزداد فيــه المولود (2 ).وأن كلمة مولد مدلولها لا يختلف بين إقليم إسلامي وآخــر، إلا أنها لا تطرد بنفس اللفظ في كل البلاد الإسلامية،إذ أهل بلاد المغرب الأقصى (مراكش) يسمونها بالمواسم فيقال:موسم مولاي إدريس مثلا،وأهل المغرب الأوسط ( الجزائر ) يسمونها بالزِرد جمع زردة، فيقال زردة ( سيدي بالحملاوي ) مثلا، وأهـل مصر والشرق الأوسـط عامة يسمونها الموالد ، فيقولون مولد السيدة زينب ، ومولد السيد البدوي مثلا ، وسماها أهل المغرب بالمواسم لأنهم يفعلونها موسميا أي في العام مـرة ، وسماها أهل الجــزائر بالزردة باعتبار ما يقع فيها من ازدراد الأطعمة التي تطبخ على الذبائح التي تذبح للولي ، أو عليه بحسب نيات ومقاصد المتقربين .
    --------------------
    1 ـ لسان العرب لأبن منظـور (ج 2 / 932 ) .
    2 ـ ترتيب القاموس (ج 4 / 755 ).

    الصفحة [5]
    وسماها من سماها بالحضرة إما لحضور روح النبي والولي فيها ، ولو بالعناية والبركة ، أو لحضور المحتفلين لها وقيامهم عليها .
    هـذا بالنسبة إلى مجرد التسمية أما بالنسبة إلى ما يجري فيها من أعمال فإنها تختلف كيفا وكما بحسب وعي أهل الإقليــم ، وفقرهم ، وغناهم ، والقاسم المشترك بينهم فيها ما يلي :
    1 ـ ذبـح النـذور والقرابين لمن يقام له الموسم ، أو الزردة ، أو المولد ، أو الحضرة والتقرب له بذلك وهذا نوع من الشرك ..
    2 ـ اختلاط الرجـال الأجانب والنســاء الأجنبيات بعضهم ببعض ( بمعنى غير المحارم ) .
    3 ـ الشطــح والرقص ، والتغبير ، وضرب الدفوف والطبول والتزمير بالمزامير المختلفة .
    4 ـ إقامة الأسـواق للبيع والشـراء ، وخاصـة الأمـور التي يقام بها المولد أو الموسم أو الزردة .
    5 ـ دعـاء الولي أو السيـد والاستغاثة به ، وطلب الشفاعة والولد والشفاء منه ، وهذا شرك والعياذ بالله .
    6 ـ قد يحصل فيها من الفجــور وشرب الخمـور ، ولكن لا يطرد هـذا في كل البلاد ، ولا في كل الموالـد .
    7 ـ مساعدة الحكام والملوك على إقامة هــذه المواسم بنوع من التسهيلات ، بالترخيص لها والإنفاق عليها ، وتعطيل العمل ودفع أجور العمال لذلك اليوم (1 ).
    هــذا هو المولـد في عرف النّاس اليوم ، ومنــذ ابتداعــه على عهـد الملك المظفـر في بداية القرن السابع الهجري ، أوفي أواخر القرن السادس ، أما حكمـه في الشريعة الإسلامية فسأذكره في خلاصة البحـث.
    والنبــوي: إضافــة إلى المكان أو اليوم الذي ولــد فيه صاحب النبــوة . والاحتفال بهذا اليوم في كل عام ، يجعلــه عيدا ، فما هو العيد ؟
    --------------------
    1 ـ الإنصاف فيما قيل في المولـد مـن الغــلو والإجحاف ( 39 ـ 41 ).
    الصفحة [6]
    تعريف العيـد : هو كل يوم فيه جمـع ، واشتقاقه من عاد يعود ، كأنهـم عادوا إليه ، وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه ، والجمع أعياد ، وعيّد المسلمون : شهدوا عيدهم (1) .
    والعيد : اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد ، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، ونحو ذلك ( 2 ) .
    قال ابن القيم رحمه الله : العيد : ما يعتاد مجيئه وقصده ، من زمان ، ومكان . مأخوذ من المعودة والاعتياد < 3 > فإذا كان اسما للمكان ، فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع والإنتياب بالعبادة وبغيرها ، كما أن المسجد الحرام ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة ، والمشاعر ، جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء ، ومثابة للناس ، كما جعل أيام العيد منها عيدا .وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية ، فلما جاء الإســلام أبطلها ، وعوض الحنفاء منها عيد الفطــر ، وعيد النحــر ، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بدار الكعبة ، والمشاعـر( 4 ) .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالعيد : يجمع أمورا : منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ومنها: اجتماع فيه.ومنها أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات،وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا.
    -------------------
    1 ـ لسـان العرب لأبن منظور (ج 5 / 3159 ) .
    2 ـ الدين الخالـص لصديق حسن خان (ج 3 / ص 595 ) .
    3 ـ نفس المصدر ، وهو كلام لشيخ الإســلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ( ج 1 / 441 ) أخذه عنه تلميذه ، وعنه صديق حسن خان في كتابه الذكور .
    4 ـ نفس المصدر ( ج 1 / 441 ) .

    الصفحة [7]
    فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة : << إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا >> والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس : << شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم >> والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم : << لا تتخذوا قبري عيدا>> وقد يكون لفظ:العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم : << دعهما يا أبا بكـر فإن لكل قوم عيدا وإن هـذا عيدنا>> ( 1 ) . ونستخلص من هــذا : أن كلمة أعياد تطلق على ما يعود ويتكـرر ، ويغلب أن تكون على مستوى الجماعة أيا كانت هـذه الجماعة ، أسرة أو أهل قرية أو إقليم أو دولـة .
    والمناسبات التي تقام لها هذه الأعياد قد تكون ماضية تتجــدد ، وقد تكون واقعة متجـددة بنفسها يحتفل بها كلما وقعت ،فالأولى كذكرى تأسيس دولة أو وقـوع معركة ، والثانية كالمهرجانات التي توزع فيها الهدايا على النوابغ في ميدان العلم ،أو الإنتاج المثمر المتميز في أي ميدان آخــر .
    وهذه المناسبات التي يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة ، وقد تكون دينية أو عليها مسحـة دينية ، والإســلام بالنسبة لما هو دنيوي لا يمنع منه إلا ما كانت النية فيه غير طيبة ، وما كانت مظاهره خارجـة عن حــدود الشــرع ، مما ينتج عن النيــة السيئة ، أما ما هو ديني فقد يكون منصوصا على الاحتفال به ، وقد يكون غير منصوص عليه ،بل منهي عنه ، فما كان منصوصا فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجــه الذي شرع ، ولا يخرج عن حـدود الدين العامة ، أما ما لم يكن منصوصا عليه فللنّـاس قيه موقفان ، فموقف جمهــور علماء السلــف قديما وحديثا المنـع لأنـه بدعــة ، وذهب بعــض فقهــاء الخــلف إلى الجــواز لعــدم النص على منعـه ،وهذا ليس بشيء ، ولا يعد علما ، وقد عرفت أن القول بالتنصيص على كل مسألــة يجعلنا ندخــل كثيرا من البدع في الدين لأن الشارع لم ينص عليها بعينها ، والله سبحانه وتعالى لم يفرط في شيء من أمــور الدين مما يحتاج إليه عباده.
    --------------------
    1 ـ نفس المصدر السابق ( ج 1 / 441 -442 )والحديث رواه البخاري في صحيحـه .

    الصفحة [8]
    قال سبحانه :{{ا فرطنا في الكتاب من شيء}}وكلمة << شيء >> نكرة والنكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الاستثناء تعم كل شيء، صغيرا كان أو كبيرا، قال سبحانه وتعالى : {{ تبيانا لكل شيء }}.
    الأعياد التي شرعها الله لهذه الأمة عوضا عن أعياد الجاهلية :
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : << قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما . فقال : ( ما هذان اليومان ؟) قالــوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ويوم الفطــر ) >> (1 ) ،وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة : عيدا في غير موضع ،ونهى عن إفراده بالصوم . لما فيه من معنى العيد ، ففي سنـن ابن ماجـة ومسند أحمد من حديث أبي لبابة بن المنذر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<... وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطـر ... >> (2 ) .
    النهي عن التشبه بالكفار أو مشاركتهـم في أعيادهم :
    فوجه الدلالــة من الحديث الأول : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال : <<إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >>.الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه،إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ،ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما ، كقوله سبحانه:{{ أفـتـتـخذونه وذريــتـه أولياء من دوني وهم لكم عدو بئـس لـلـظـالمين بدلا }}[ الكهف :50 ] وقوله تعالى :{{ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}} [النساء : 2 ].
    -----------------
    1ـ رواه أبو داود في سننه ( ح /1134 ) . ورواه أحمد ، والنسائي من طريق موسى بن إسماعيل، وهذا إسناد على شرط مسلم. قاله أبن تيمية:اقـتضاء الصراط المستقيم (ج ا / 432).
    2 ـ أخرجـه ابن ماجـة ( ح / 1084 ) وأحمد في المسند (ج 3 / 430 ) وإسناده حسن.

    الصفحة [9]
    فقول النبي صلى الله عليه وسلم : << إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >> يقتضي ترك الجمع بينهما لاسيما وقوله : << خيرا منهما >> يقتضي الاعتياض بما شرع لنا ، عما كان في الجاهلية . وأيضا فقوله : >> إن الله قد أبدلكـم << لمّــا ســألـهـم عـن الـيـومـيـن فـأجـابوه : >> بأنهما يومان كانـوا يلعبون فيهما في الجاهلية << دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضا بيومي الإســلام ، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبا ، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية ( 1 ) .
    ووجـه الدليل من الحديث الثاني : أن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحــد ، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة ، فجعل الله ثلاثة أعياد الجمعة والسبت والأحـد ، ثم جعل كل واحد منها مختصا بما جعل فيه له ، ولا يشركه فيه غيره ، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت ، أو عيدهم يوم الأحـد ، خالفنا هذا الحديث ، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي ، فكذلك في العيد الحولي ( 2 ). فكذلك يقال في الأعياد المكانية لقولـه عليه الصلاة والسلام :>> فهل كان بها عيد من أعيادهم ؟<< وقد جعل الله لكل من هؤلاء شرعة ومنهجا فقال سبحانه : ) لكل جعلنا منكم شرعــة ومنهاجا { المائدة : 48 / .
    وقال عليه الصــــلاة والسلام:>> إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا << وهذا الاختصاص يقتضي النهي عن مشاركتهم ومشابهتهم في أعيادهم .

    --------------------
    1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيـم ( ج 1 / 433 ـ 434 ).
    2 ـ نفس المصدر .
    يتبع إن شاء الله ...

  • #2
    الجزء [2] من إتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين .

    الأدلــة التي فيها النهي عن مشابهة، ومشاركة الكفار والمشركين في أعبادهم :
    إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم ، فموافقتهم في أعيادهم لا تجــوز من طريقين :
    الطريق الأول : العام ـ لقوله عليه الصلاة والسلام : << مــن تـشبـه بقــوم فـــهو منهم >> [1] وقولـه في غير ما حديث : << خالفوا المشركين ، خالفوا اليهود خالفوا النصارى >> فإن موجب هذا : تحريم التشبه بهم مطلقا .
    الطريق الثاني الخاص : في نفس أعيادهم : فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار . أما الكتاب : فمما تأولـه غير واحــد من التابعيـن وغيرهم ، في قولـه تعالى :{{والذين لا يشهدون الزور ، وإذا مروا باللغــو مروا كراما}}[ الفرقان :72 ] روى الخلال عن محمد بن سرين في قوله تعالى :{{والذين لا يشهدون الزور }} قال : هو الشعانين ( 2 ) ، وهو عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحـد السابق لعيد الفصـيح يحتفلون به ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس، وكذلك ذكـر عن مجاهد قال : هو أعياد المشركيــن ، وكذلك قال الربيع بن أنس :هو أعياد المشركين ( 3 ).

    --------------------
    1ـ أخرجه أبو داود (ح / 4031 ) وأحمد في المسند (ج 2 / 50 ) وذكر ه ابن حجر في الفتح (ج 6 / 98 ) وذكر له شاهدا مرسلا بإسناد حسن ، وقال أبن تيمية في الفتاوى (ج 25 / 331 ) حديث جيد ، وأشار إلى تحسينه السيوطي في الجامع الصغير ( ح 8593) .وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح 6025 ) .
    2 ـ اقتضــاء الصــراط المستقيــم في مخالفة أصحاب الجحيم ( ج 1 / 426 ) .
    3 ـ تفسير ابن كثيــر (ج 3 / 328 ـ 329 ) .

    الصفحة [2]
    وذكره السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس( 1 ) ، وكذلك عن الضحاك وعمرو بن مرة وعطاء بن يسار وغيرهم ( 2 ) ووجه تفسير هؤلاء السلف المذكورين : أن الزور هو المحسن المموه ، حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ، وقال الله ) واجتنبوا قول الزور ( الحج :30 / ففاعل الزور كذلك . أما السنة فقد مرت معك قبل هذه الصفحة أحاديث كحديث<< هل كان بها عيد من أعياد الجاهلية >> وحديث<< لكل قوم عيد وهذا عيدنا >> الــخ .
    وقال عمر رضي الله عنه : >> إياكم ورطانة الأعاجــم أن تدخــلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهــم << ( 3 ) .
    وأما الإجماع : قال شيخ الإســلام ابن تيمية :( 4 ) في تقرير الإجماع ما ذكره علماء الإسلام من المتقدمين ، والأئمـة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار ، أو مخالفة النصارى ، أو مخالفة الأعاجــم ، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه ، وما من أحـد له أدنى نظـر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة ، وهذا بعد التأمل والنظر ، يورث علما ضروريا ، باتفاق الأئمـة ، على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم والأمـر بمخالفتهم . ثم نقل رحمه الله أشياء كثيرة عن الأئمة المتبوعين وأصحابهم من المذاهب الأربعة . وأذكر هنا أثرا واحــدا من مذهب مالك والشافعي، قال بعض أصحاب مالك:من ذبح بطيخـة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيرا، وكذلك ذكر أصحاب الشافعي هذا الأصل في غير موضع من مسائلهم( 5).
    --------------------
    1ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (ج 5 / 80 ) .
    2ـ تفسير ابن جرير الطبري (ج 19 / 31 ) .
    3 ـ أخرجه عبد الرزاق في المصنف بإسناده عن عمر ( ج 1 / 411 / ح 1608 ).
    4 ـ اقتضاء الصراط المستقيــم (ج 1 / 346 ) .
    5 ـ للزيادة من أقوالهــم أنظر نفس المصـــدر السابق .

    الصفحة [3]
    ولعل صاحبنا وغيره من المثقفين ثقافة غربية أو حزبية ، أو صوفية طرقية ، أو فكرية عصرانية عقلانية اعتزالية يقولون : إن هؤلاء الذين قالــوا هــذا وعلى رأسهــم مالك رحمه الله ، جهلــة ، لا يفقهــون شيئا من دين الله .
    نقل بعض شبه الذين ألفـوا في هذه المسألة أو تكلموا فيها هذه الأيام والرد عليهم :
    1ـ قولهــم : إن الاحتفــال بالمولــد النبوي مما تعارف عليه المسلمون وعمله ورضيه بعض العلماء المعتبرين ، وأجمعت عليه الأمة .
    2 ـ قولهم : كونها ذكرى سنوية يتذكـر فيها المسلمون نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فيزداد حبهم وتعظيمهم له .
    3 ـ سماع بعض الشمائل المحمدية ، ومعرفة النسب النبوي الشريف .
    4 ـ إظهار الفرح بولادة الرسول لما يدل ذلك على حب الرسول وكمال الإيمــان به .
    5 ـ إطعام الطعام وهو مأمور به ، وفيه أجر كبير لا سيما بنية الشكر لله تعالى .
    الرد عليهم : أولا : هـذه دعوة واهية لا تستنــد إلى دليل شرعي من كتاب الله وسنة رسول وإجماع سلف الأمــة من القرون المفضلــــة أهل الخيرية الذين أمرنا بإتباع سبيلهم وعدم مشاقتهم لأن مشاقتهم مشاقة للرسول ..
    ثانيا : لم يتعارف جميع المسلميــن على أن الاحتفال بالمولد عبادة شرعية نتقرب بها إلى الله ، ولم يرضـه أكثر العلمــاء المعتبريـن قديما وحديثا وهذه كتبهـم تشهــد على ذلك، ومازالت طائفة منهم تنكــر ذلك وتبينه للمسلمين ، وسيأتي - إن شاء الله - وأذكر طائفة من أقوالهــم رحمهــم الله .
    ثالثا : إن الأعياد من جملــة الشــرائع والمناسك ، كالصــلاة ، والصيام ، والقبلـة ، والحــج ... الخ فهي لا تشرع إلا عن توقيف ،وليست مجــرد عادات ، وهنا يكون أمر التشبه والتقليــد فيها للكافرين أشــد وأخــطر ، وكذلك تشريع أعياد لم يشرعها الله ، ويكون حكما بغير ما أنزل الله ، وقولا على الله بغير علم ، وافتراءا عليه ، وابتــداعا في دينه .
    إن الاحتفالات والأعياد البدعية ، من شرائع الكفار ، ومن شعائر أديانهـم الباطلــة المحرفة ، لأن الله أبدلنا بأعياد الجاهلية أعيادا محــددة في زمـن محــدد بضوابط محــددة ، فلا يجوز للمسلمين أن يتشبهــوا بما هو من خصائص الكفار وشعائرهم الباطلة .
    فإذا لم يتقيد المسلمون بالضوابط الشرعية ، فسيفتح الباب على مصراعيه ويؤدي ذلك إلى فعل الكثير من الأعياد ، ومن ثم تكثر الأعياد والاحتفالات وتشغل المسلمين عن المشــروع من العبادات .
    وهذا ما حــدث فعلا الآن ، فكل بلد من بلاد المسلمين اليوم له أعياد واحتفالات ، فعيد لميلاد الرسول ، وآخر للمسيح ، وثالث للرئيس ، ورابع للوطن ، وخامس للاستقلال ، وسادس للمرأة ، وسابع للطفل ، وثامن للأم ، وتاسع للشجــرة ، وعاشر للشبيبــة ، وحادي عشر للشيوخ وآخر للحب وهكــذا ... الخ مما لا يحصى من الأعياد التي أولها قطر وآخرها طوفان وطغيان..
    وينضاف إلى ذلك ما تستنزفــه هــذه الأعياد من الأمــوال والجهــود ، والطاقات والأوقات ، التي تضيع هــدرا على المسلميـن ، في سبيل الشيطان ، وتشغلهــم عن ذكر الله وعن الصــلاة ، وعن كثير من الفروض والواجبات التي شرعها الله ، وسنها رسولــه كما أنها مفتاح اللهو والعبث والمجــون والانحــلال في حياة الفرد والمجتمـع . فهل يفطن أولئك الذين لا يزالون يبيحــون للمسلميــن مثل هــذه الأعياد والاحتفالات ، ويشرعونها لهم ، ويزعمـون زورا أن الإسـلام لم يحرم هــذا ؟ فإذا عميت بصائرهم عن الدليل الحــق ، فهل عميت أبصارهـم عن الواقــع ؟ ومن لم يجعل الله له نورا ، فما لـه من نور .
    رابعـــــا : قولهم كون المولد ذكرى ..الخ . هــذه تصلــح أن تكون علة لو كان المســلم لا يذكـر النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشرات المرات ، فتقام له ذكرى سنوية أو شهرية يتذكر فيها نبيه ليزداد إيمانه به وحبه له . وعليه فإن الذي تقام له الذكرى خوفا من نسيانه هو من لا يذكر .

    الصفحة [4]

    خامـسـا : قولهم : أنهم يسمعون شيئا من الشمائل المحمدية ..الخ . سبحان ربي !! كيف يترك المؤمن سماع شمائله ونسبه طوال السنة ؟ ثم يأتي مرة في العام ليسمعها وهي جزء من عقيدتـه ودينه ، ولا تكتمل عقيدته إلا بمعرفتها ، لأن الواجب عليه أن يعرف نبيه بأسمائه وصفاته ونسبه ، كما يعرف ربه تعالى بأسمائه وصفاته ، وإلاّ كان يعبد مجهولا ، ويتبع مجهولا ، وإذا كان الأمر كذلك فلا محبة ولا طاعة ، ولا إتباع.
    ســادســا : قولهم : إعـلان الفرح.. الخ . وهذه علـة واهية ، إذ الفرح إما أن يكون بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بيوم ولد فيه ، فإن كان بالرسول فليكن دائما كلما ذكرناه ، ولا يختص بوقت دون وقت آخر ، وإن كان باليـوم الذي ولد فيه ، فإنه أيضا اليوم الذي مات فيه ، كما سنعرف ، ولا يوجد عاقل يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبـه ، والرسول أحب حبيب إلى نفس المسلم ، وموته أعظم مصيبة أصابت المسلمين .
    سـابــعا قولهم : إطعام الطعام ..الخ . فهذا كــلام ساقط من الأصل لأن إطعام الطعام مندوب إليه مرغب فيه كلما دعت الحاجــة إليه .
    يتبع إن شاء الله ...

    تعليق


    • #3
      تتمة الموضوع الجزء الثالث
      تخصيص صاحب القول الجلي بالرد .
      إن قولـــه : ( إن أول من أحـدث عمل الاحتفال بذكرى ولادة حبيب الله صلى الله عليه وسلم الملك المظفر صاحب إربل ) إلى آخـر كـلام ابن كثير رحمه الله لي عليه فيه ثلاث مؤاخــذات.
      الأولى :عدم الأمانة العلمية، بتدليسـه على الأمــة، وتحريفـه الكلم عن مواضعــه فإن ابن كثير قال :( 1) <<كان يعمل المولــد الشريف>> فجاء هو وغيرها بقولـه : إن << أول من أحدث عمل الاحتفال بذكرى ولادة حبيب الله صلى الله عليه وسلم... >> وفرق كبير بين قول ابن كثير : <<كان يعمل ، وبين: إن أول من أحدث ... >>
      --------------------
      1 ــ البداية والنهـــــاية لأبن كثيـــر( ج 13 / 147 ) .

      الصفحة [2]
      لأن المعروف أن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هـم المتصوفــة ، ولا يوجد في التحقـيق الدقيق على وجه التحديد إلا ما ذكره المقريزي في كتابه الخطط [1/ 490] والقلقشندي في صبح الأعشى [3/ 498] والسندوبي في تاريخ الاحتفال بالمولد [69] ومحمد بخيث المطيعي في أحسن الكلام [44/45] وعلي محفوظ في الإبداع [ص126]وإسماعيل الأنصاري في القول الفصل فحكم الاحتفال بمولد خير الرسل [ص64] أول من أحدث هذه البدعة هل الفاطميون ،وبالتحديد هو المعز لدين الله [سنة 362هـ ] بالقاهرة واستمر الاحتفال به إلى أن ألفاه الأفضل أبو القاسم أمير الجيوش ابن بدر الحَمالي ووزير الخليفة المستعلي بالله سنة [488هـ] ثم أعيد الاحتفال مرة ثانية بعد وفاة الخليفة سنة [490هـ] وذكر بعضهم ان اول من أحدثه صاحب إربل الملك المظفر ، ولا يبعد أن يكون عمل الاحتفال بالمولد تسرب إلى صاحب إربل من العبيديين فإنهم أخذوا الموصل سنة [347هـ] كما في البداية والنهاية [11/2323] والملك المظفر تولى الملك بعد وفاة أبيه سنة [563هـ] كما في سير أعلام النبلاء [22/ 335] . قال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري : [1] فاتخاذ مولــده موسما والاحتفال به بدعــة منكــرة ، وضلالــة لم يرد بها شرع ولا عقل ، ولو كان في هـذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة والتـابعيــن وتابعيهــم والأئمــة وأتباعهــم ؟ لاشك أن ما أحدثه إلا المتصوفــون الأكالــون البطالون أصحاب البدع وأتباعهــم ، وتبع النّاس بعضهــم فيه بعضا إلا مَـن عصمه الله ووفقــه لفهــم حقائق الإســلام .
      --------------------
      1 ــ السنــن والمبتدعــات لمحمد عبد السلام الشقيري ( ص 143 ) وعنه البليهي في كتابه عقيدة المسلمين (ج 1 / 316 ) .

      الصفحة [3]
      المؤاخـذة الثانيــة : حذف بعض الجمل حتى يأتي الكلام على نسق هواه وما ذهب إليه ، فعبارة ابن كثير هكــذا : << وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية ، وقد كان محاصرا ( عكــا ) والى هــذه السنة محمود السيرة والسريـرة >> فجاء هو وحذف جملــة << في زمان الدولـة الصلاحية >> وجعل مكانها جملــة << إلى أن مات >> كما حذف جملة : <<والى هـذه السنة >> وجعل مكانها جملة : << سنة ثلاثين وستمائة >> ولا توجـد هذه الجملة الأخيرة في نص ابن كثير ، وفعل ذلك لأمرين .
      الأول : ليدلل على أن هـذا الملك كان له آثار وسنة، وكان من الأمجــاد والكبراء إلى أن مات ، وهو ليس كذلك فقد كان صوفيا مسرفا للأمــوال ، يغني ويرقص من الظهر إلى صلاة الفجــر.
      قال الشيخ محمد رشيد رضا : والمشهور أن المحدث لهذه البدعة هو أبو سعيد كوكبوري الملقب الملك المعظم مظفر الدين . مقدمة لذكرى المولد النبوي ( ص1 ) فقـوله : والمشهور.. فيه دليل على أن هناك خلاف فيمن كان أول من أحدثها . وفي تاريخ ابن خلكان (ج 4/ 117) الذي لخص منه الشيخ محمد رشيد رضا كلامه لم يذكر ابن خلكان أنه هو الذي أحدث المولد ، وإنما وصف كيفية إقامته له ، وقال ابن خلكان: فيه شيء عجيب يطول شرحه . وهو شاهد عيان ، وليس الخبر كالمعاينة . وهذا عجيب من الشيخ رشيد رضا ، الذي حرف أيضا عبارة ابن خلكان وجعل الأمر مشهورا عن ذلك الملك... كما حرف صاحبنا عبارة ابن كثير ... وقد بسط ذلك العجب الذي أشار إليه ابن خلكان الحافظ ابن كثير غاية البسط فقال [1]:
      --------------------
      1 ـ البداية والنهـــاية لابن كثيــــر (ج13 / 147 ) . وكذلك وصفه كل من ترجــم له ، أنظر وفيات الأعيان لأبن خلكان (ج 4 / 117 ) وعنه محمد رشيد رضا في مقدمة رسالته ذكرى المولد النبوي .

      الصفحة [4]
      فقال: ... وكان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجــة ، ومائة زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى ، قال : وكان يحضر عنده أعيان علماء الصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجــر ، ويرقص بنفسه معهم ، إلى أن قال : وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار [ 1 ].
      الأمر الثاني : ليدلل على أن الاحتفال بالمولــد إنما أحدث في هــذه السنة وإنما هــذه السنة هي التي توفي فيها هذا الملك ، كما بوب لها ابن كثير. مع أن الاحتفال بالمولد أحدث قبل ذلك بكثير كما أشرت آنفا نقلا عن أولئك العلماء .
      والمؤاخـذة الثالثة هي: عزوه كلام ابن كثير إلى الجزء الثالث ( 3 ) صـفـحة (136) من البداية والنهاية .وهـذا وهـم ، والصحيح الجزء (13 / 147 ) وهـذه الملاحــظة ربما تكون خــطـأً مطبعيا ، أو من تصرف القائمين على الجريــدة ، وإذا كان الأمـر كذلك ، فهو مخالف للأمانة العلمية ، ولا يجــوز لهم أن ينشــروا كلامــه الذي تصرفــوا فيه إلا بعد أن يطلعوه عليه ، ويراجعـه ثم يأذن لهم فيه فلماذا سكت ؟ والسكوت علامة الرضا .
      وإذا تأملنا كلام ابن كثير وما كان عليه عمل المولد في زمـن ذلكم الملك ، ونظرنا بعين الحــق إلى ما عليه أصحاب هـذه البدعة في الزوايا والمحافل الرسمية ، نجدهم على نفس الشاكلــة ، لا يحتفلــون بهذا المولــد إلا من أجــل ( الزردة ، أو الحضرة ) فيأكلون ويشربون ، ويغنون ويرقصون ..و..و... ولا يذكــرون الله إلا قليلا.
      --------------------
      1ـ قال صاحب رسالة الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف (ص 51) فكيف تحيى أمـة ملوكها ـ أقول ـ : وحكامها ، دراويـش يرقصــون ويغنون في حفلات الباطل .

      الصفحة [5]
      قلت: فأي فائــدة تعــود وأي ثــواب في هــذه الأمــوال الباهظــة التي تعلــق بها هــذه التعاليــق ، وتنصب بها هــذه ( الِزِرد ) ؟ وأي رضا للـه في اجتماع الرقّاصين والرقّاصات ، والبطاليــن والزمارين والمحتاليــن ، والمشعــوذين ؟ وأي خير في اجتماع ذوي العمائم الحمــراء والخضــراء ، أهل الإلحــاد في أسماء الله ، والشخير والنخير والصفير والشهيق والنعيــق ، ما فائــدة هــذا كلــه ؟ فائدتــه سخرية الكفار بنا وبديننا ، وأخــذ صور هــذه الجماعات في هذه المحافل والموالد لأهل الكفر فيفهمــون أن محمـدا صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ، حاشاه ـ كان كذلك هو وأصحــابه ، فإنّا للـه وإنا إليه راجعـــون ، من أمة جعلت دينها الرقص والغناء والتغبير والتغيير ، وأخرى جعلت دينها اللطم والشق والنياحة .
      ثم هو خــراب ودمار فوق ما فيه النّاس من فقــر وجــوع وغلاء وجهــل ، وأمــراض ، وفتن ، فلماذا لا تنفــق هــذه الأمــوال الطائلــة فيما يعــود على الأمــة أفرادا وشعبا بالنفــع الخالــص ، حتى نقضي على هـذه الأمــراض والأزمات ولو نسبيا .
      وقـول صاحب القول الجلي :<< إن الاحتفــال بمـولــد رسول الله صلى الله عليه وسلم مــن البدع الحسنــة >> نقضــه بنفســه بقولــه : << فهذا العمل لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا فيما يليـه ، إنما أحدث في أوائل القرن السابع الهجري ...>> .
      وزيادة على ذلك أقـول لـه : أنه أخطأ في تحديد سنة إحداث المولد ،وتنازلا معه فرضيا أن الأمر كما قال ،فيقال له : أتــرى تلك القرون الستــة لم تهتد إلى هــذه البدعة الحسنــة والفضيلــة المستحسنــة ؟ وفاتت كل تلك الأجيال ؟ لو كان شيئا من الاختراعات الكونية لقلنا لك نعم ، ولكن أن يتركــوا شيئا تعبدنا الله به ، فهذا لا يقولــه عاقل فضلا عن طالب علـم عرف حال القوم وحرصهم على السبق إلى كل الفضائل والخير.

      الصحفة [6]
      وأقول لك أيضا أيها الدعي : أتراهــم لا يعلمــون تاريخ ولادتـه ؟ أو أنهـم لا يحبونه حتى تركوا الاحتفال به ؟ ألا تعلم أنهــم هم الذين دونــوا لنا تاريخ ولادته على اختلاف في ذلك ، كما سأبينه إن شاء الله ، وهم الذين كانوا يفدونه بآبائهم ،ويقدمون نفسهم على نفسه ، وإذا كان الأمــر كذلك فهــم أولى بالاحتفــال بمولــده منا لقرب عهدهم من تاريخ ولادتــه ، لأن الاحتفال بعيد الميلاد كلما كان أقرب إلى تاريخ ميلاد الشخــص كلما كان أدعى للاحتفال بــه ، وهذا موجــود في الواقــع . وكلما كان أبعد كان أدعى لترك الاحتفال به .
      فلما لم يثبت عنهم ، بل ورد عنهم التحذير منه في جملة البدع ، فهذا ابن عمر يقول : <<كل بدعة ضلالة ، وإن رآها النّاس حسنة>>(1) وقال حذيفـة بن اليمان رضي الله عنه : <<كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها ، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا >> [ 2 ] وقال ابن الماجشون : سمعت مالكا رحمه الله يقول : من ابتدع في الإســلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمـدا خان الرسالة ، لأن الله يقول :{{ اليوم أكملت لكم دينكم }} فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ( 3 ) وقال الشافعي رحمه الله : من استحســن فقد شرع ( 4 ) وقال رحمه الله : كل ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا فهو بدعة ( 5 ) .
      --------------------
      1- رواه الدارمي في سننـه والبيهقي في المدخل إلى السنن ( 191 ) وابن نصر في السنة (ص 24) .
      2 - رواه أبو داود في سننه .
      3 - أخرجهما الدارمي في سننه، أنظر السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري (ص 12 ) .
      4- نفس المصدر .
      5 - نفس المصدر .

      الصفحة [7]
      وزيادة بيان لهذه المسألة أقول له : إن البدع الحسنة لا تدخل في العبادات وإنما تدخل في المعاملات والعادات الدنيوية ويكمن أن تكون لها علاقة وارتباط من وجه ،وتكون من هذا الوجه مصلحة مرسلة على اختلاف في ذلك ، أما أمــور العبادات فإنها لا تشرع بالقياس والاستحسان لأنهـا توقيفية ،والأصل فيها الحظر حتى يأتي الدليل من الشرع المبيح ، ولأن فتح المجال لاختراع عبادات بالقياس والاستحسان يعتبر استدراكا على الشارع والشرع الكامـــــل . ويتبين ذلك مــن تعريف البــدعة .
      تعريف البدعة : البدعة لغة هي : إنشاء الشيء وابتداؤه أولا ، ومنه قوله تعالى:{{ بديع السموات والأرض }} [البقرة : 117 ] أي محدثهما على غير مثال سابق .
      وفي الشرع : هي الحـدث والاختراع في الدين بعد الإكمال.[ 1 ] وقيل كل ما أحـدث في الدين وليس منه ، من الأعمال والأهــواء ، وقيل ما أحدث على خــلاف الحــق المتلقى عن رسول الله ، وجعله دينا قويما وصراطا مستقيما ( 2 )وعرفها الشاطبي في الاعتصام بقوله : البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلـوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه (3 )وقسم علماء المسلمين البدعة إلى دينية ودنيوية، وكل منهما تنقسم إلى قسمين أصلية وإضافيـــة، ولا يعرف عند السلف وجمهور العلماء إلى عهد العز بن عبد الســلام من قسم البدعة الدينية إلى خمسة أقســام على الأحكام الشرعية ، وتقسيــم العــــز لها (4)رده جماهير العلمـــاء الذين جاؤوا من بعده، على رأسهــم أبو إسحاق الشاطبي في كتابه العظيم (( الاعتصام )) [ج1/ 197-211 ]فقد ناقشه
      --------------------
      1 ـ لسـان العرب لابن منظور (ج 1 / 230 ) .
      2 ـ السنـن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ( ص 21 ) والبدعة والمصالح المرسلة للدكتور توفيق يوسف الواعي ( ص 87 ) والبدعة لسليم الهلالي (ص 11 ) .
      3 ـ الاعتصام للشاطبي (ج 1 / 37 ) .
      4- وقال بعض أهل العلم إنما قصد العز بالتقسيم المذكور عنه التقسيم اللغوي، ورده طائفة بالأمثلة التي خرجها على أصوله تلميذه القرافي،ولا دليل البتة على هذا التقسيم وقد رده الطرطوشي ، أنظر البدعة والمصالح المرسلة (ص 96 ـ 102 ) .

      الصفحة [8]
      فقد ناقشه مناقشة رائعـة ، وانتهى إلى القول بأن هذا التقسيم لا يدل عليه دليل شرعي بل هو مخترع ، وهو من قبل المنهي عنه إما كراهة ، وإما تحريما .
      وكذلك شيخ الإســلام ابن تيمية في مواضع متعددة من كتبه ( 1 ) وغيرهما كثير(2 ) وإنما قسم العلماء البدعة الدينية إلى أقسام أربعة :( 3 ).
      1 ـ البدعة المكفرة : كدعاء غير الله والاستغاثة بغيره ، وطلب تفريج الكربات وقضاء الحاجات مما لا يقدر عليه إلا الله .
      2 ـ البدعة المحرمة : كالتوســل إلى الله بالأمــوات ، واتخــاذ القبور مســاجد .
      3ـ البدعة المكروهة تحريما: صلاة فريضـة الظهر بعد الجمعــة والاحتفـال بالمولـد .
      4ـ البدعة المكروهة تنزيها : كالمصافحــة في أدبار الصلوات المفروضة ، ودعاء عشوراء . وقد ذهب كثير من محققي العلماء إلى أن كل بدعـة في الدين صغيرة كانت أو كبيرة فهي محرمـة ،ضلالة حتى قال قائلهم : لا تنظر إلى صغر بدعتك وحسنها وأنظر إلى مكانها من الدين الكامل . واستدلوا لذلك بالأحاديث التي جاءت في ذم البدع بصيغة العموم كحديث : <<فإن كل محدثة بدعـة وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النّار >> ( 4 ) وحديث: <<من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد>> وفي رواية : <<من أحدث في أمرنا هــذا ما ليس منه فهو رد >> [ 5 ].
      --------------------
      1ـ أنظر اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم (ج2 / ص 578 ـ 583 ) .
      2 ـ أنظر السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري (ص 23 ) والبدعة للدكتور توفيق الواعي ( 95 ) والبدعة وأثرها السيء على الأمة لسليم الهلالي ( ص 13 ) فما بعدها .
      3ـ السنن والمبتدعات (ص 22 ) وهناك تقسيمات اصطلاحية أخرى أنظر البدعة لتوفيق الواعي (ص 173 / 205 ).
      4-مضى تخريجـه.
      5 ـ رواه مسلـم ( ح 1718 / ج 3 /ص 1343 ، 1344 ) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي والرواية الثانية متفق عليها .

      الصفحة [9]
      وهذه الأحاديث تشمل كل بدعة في الدين فلا تخصيص لها إلا بدليل من كتاب الله ، أو سنة رسولـه ، أو إجماع المسلمين ولا تخصيص لهذه الشعيرة البتة – الاحتفال بمولد النبي- بل هي محدثة في أوائل القرن السابع على حد قول صاحب القول الجلي ، وما هو بجلي ، أو قبل ذلك –وهو الحق - ، لأن قولــه : إن هــذه الأحاديث أي الناهية عن البدع هي من الأحاديث المخصوصة ، واستدل لذلك بكلام النووي ، وهذا جهل كبير منه ، فإن ذلك التخصيص الذي ذكره النووي هو من باب التخصيص العقلي عند الأصوليين ، ولا تخصيص للعقل في الأمــور التعبدية التوقيفية ، ولا دخل للعقل في الشرع ، فإذا ثبت الأثر بطل النظر ، وإذا جرى نهر الله بطل نهر معقل ،وقد أكــد ذلك العموم بصيغة من صيغـه وهي : لفظة ( كــل ) لذلك لا ينبغي استثناء شيء من البدع في الدين وأنها كلها ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا مكان لها ولو كانت صغيرة جدا ، فبنيان الدين كمُل بتراص دقيق وحكيم، فلم يترك الله شيئا تعبدنا به لمتكلم .
      وأما استدلاله بقولـه عليه الصلاة والسلام : << من سن* في الإســلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ... >> ( 2 ).
      أولا : هذا الحديث إن لم يحمل على المصالح الكونية ، كان معناه أن يخترع كل ضال زنديق في دين الله ما شاء ، فيزيد في ركعات الصــلاة وسجداتها وينقص منها ما شاء ، ويخترع أذكار وأدعية وعبادات وصلوات وصياما غير ما عليه المسلمون ، ويستدل بهذا الحديث ، وهل يقول هذا من عنده مسكة عقل فضلا عن طالب علم ، فضلا عن عالم ؟
      ثانيا : الصحيح حمله على سبب وروده ، فإن للحديث سبب ورود يرفع الإشكال ، فكما أن للقرآن سبب نزول فللحديث سبب ورود فإذا أردنا أن نعرف المعني المقصود من الحديث
      --------------------
      * ـ وقوله سن : بمعنى فتـح بابا للمسلميـن أدى بهـم إلى أن يفعـلوا أمرا مشـروعا في الدين كان متروكا .
      2 ـ رواه مسلم ( ج 7 /102 ـ 104 شرح النووي على مسلم ) .

      الصفحة [10]
      فعلينا أن ننظــر في سبب وروده ، والمناسبة التي قيل فيها الحديث حتى نفهم مراد الرسول منه وكيف فم الصحابة ذلك المراد ، وسبب وروده هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف ، فتمعر وجه رسول صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة وفيه فقام خطيبا وحث على الصدقة ، فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفه تعجــز عنها بل قد عجزت ثم تتابع النّاس ، حتى اجتمع كومان من الصدقة ، فتهلل وجه رسول الله ... وقال: << من سن* في الإســلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ...>> (1) فهل الرجل الأنصاري جاء بشيء جديد في الدين أم كان أول من قام بأمر أمر به الدين ، وفرق كبير بين أن تبادر إلى أمر شرعه الله فتكون أول من عمله في قريتك حيث يظهر لهم أنك جئت بشيء جديد ولكن عند التحقيق فهو أمر عليه دليل من الكتاب أو السنة ، وبين أن تقوم بعبادة لم يأمر بها الشرع ، ولم يأت بها دليل، فأنت أحدثت بدعة واستدركت على الشرع ، وجئت بأدلة عامة هي عليك أكثر مما هي لك ، وبيان ذلك أن الصحابة ، والتابعون لهم بإحسان لم يفهموا ما فهمتم أنتم أيها القائلون بهذه البدعة ..
      زيادة بيان لمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم :<< من سن* في الإســلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ...>> فهذا الحديث ينبغي حمله على سنن موجودة ومأمور بها في الدين ، إلا أنها ماتت ، أو لم يقم بها أحد بعدُ كفعل الأنصاري ، أو أنها مهجورة في الناس،ولعلك تقول : وهل هناك عبادة وسنة دينية لم يعمل بها بعدُ ، فيقال لك نعم ، ولك هذا المثال : أنتم في قريتكم لا يوجد مسجد عندكم ، فإذا قمت أنت ببناء مسجد ، فأنت أول من بدأ هذه العبادة العظيمة المأمور بها في كتاب الله وسنة ورسوله ، وهي من العبادات التي لم يقم بها أحد بعدُ في قريتكم ، فأنت سننت سنة حسنة ، وهذا المعنى يفهم من معنى السنة وورود الحديث ، فالسنة تطلق ويراد بها البيان ، قال اللحياني : وسنها الله للناس : أي بينها ، وسن الله سنة : أي بين طريقا قويما ، ومنه قوله تعالى:{{ سنة الله في الذين خلو من قبل }}[ الأحزاب/ 38-39].وتطلق ويراد بها السيرة حسنة كانت أو قبيحة ، وتطلق ويراد بها كل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده . لسان العرب لابن منظور (ج 4 / ص 2124 ـ 2125 ) .

      الصفحة [11]
      فإذا عرفتم هذا يقال لكم : إن كل ما فعله الأنصاري إنما هو ابتــداؤه بالصدقة في تلك الحــادثة ، والصــدقة مشروعة من قبلُ بالنص مأمور بها في كتاب الله وسنة رسوله ، فهل ترون هذا الصحابي أتى ببدعــة جــديدة في الدين أم أحيا أمرا مشروعا سبق إلى تطبيقه لم يسبقه أحد يومها ، ففي عصرنا الحاضر لو أن إنسانا أحيا سنة مهجــورة ؛ أو ماتت في الناس فيقال : أتى بسنة حسنة مشروعة ، ولا يقال : أتى ببدعة حسنة إلا بالنـسبة لابتدائه ذلك الفعل المشروع الذي يراه الناس شيئا جديدا ، ويطلق عليها بدعة حسنة لغويا وليس شرعا، وعليه فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعا بدليل خاص وترك النّاس العمل به ، أو عام فهم الصحابة أنه مراد لله فوجد فيهم من عمل به ، ثم جاء من يجــدده بين النّاس ، ومثال ذلك ما فعلــه عمر رضي الله عنه عندما أحيا سنة صلاة التراويح جماعـة، وسماها بقوله : << نعمت البدعة هذه>> باعتبار ظاهر الحال ، من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تفرض عليهم، واتفق أنها لم تقع في زمن الصديق ، فإحياء عمر لها يظهر من هذه الناحية شيئا جــديدا ، يطلق عليه من اللغة بدعة ، أما من حيث الشرع فعمر لم يأت إلا بشيء مشروع وعلى هذا يتنزل قول النبي صلى الله عليه وسلم : << من أحيا سنة ماتت في الناس فله أجرها وأجر من عمل بها>> (1 ) .
      أعــود فأقــول : إن التخصيص لذلك العام لا يخصص إلا بدليل ، وحمل الحديث على إحياء السنن المهجــورة ، أو على الأمور الكونية هو الذي تقتضيه الأدلة ، وتخصيص البدعة الحسنة بالبدعة الدنيوية هو الذي تقتضيه الأدلة فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يأبرون النخل ـ فقال لهم : لو تركتمـــوه فتركــوه فشيص النخل ، ولما مر عليهم رأى نخلهم شـيص فقال لهم : << مابال نخلكم ؟ >> فقالـوا : كنا نأبره فنهيتنا فتركناه فـشـيـص . فقال لهم : << أنتم أعلم بشــؤون دنياكم >> فهذا في الأمــور الكونية الدنــيوية ، وللعقل في هـذا مرتع واسع ، فمن استطـاع أن يخترع ويبدع من المنافــع والمصالح الكونية والدنيوية فليشمر على ساعد
      --------------------
      1 ـ رواه مسلم ( ج4 / ص 2060 / ح 2674 ) بلفظ << من دعا إلى هدي .. >> .

      الصفحة [12]
      الجــد ، ولكننا خلطنا أمــور ديننا بأمـور ما أنزل الله بها من سلطان ، وبقينا على الجمود الفكري نخبط خبطَ عشواء ، ونتبع ما وافق أهواءنا بالابتداع في الدين والاستدراك عليه تارة بالدروشة والشعوذة وأخرى بعبادات وطرق ما انزل الله بها من سلطان حتى نبرر عجزنا عن الاختراع في الأمور الكونية حتى نصل على الأقل بالركب الحضاري كما يزعم الكثير. وأقص هنا على صاحبنا قصة من أطرف ما سمعت : وهي : أن شابا متحمسا مر على شيخنا الشيخ محمد السبيل أحسن الله لنا وله الخاتمة وهو يدرس في الحرم المكي في حلقة من كتاب الروض المربع ( كتاب في الفقه الحنبلي) فجلس قليلا ثم قال للشيخ : يا شيخ النّاس طلعـوا إلى القمر وأنتم مازلتم في الوضوء والحيض والنفاس والطلاق ، فقال له الشيخ : يا بني أنت لاطلعت القمر ولا جلست تدرس معنا فقه الدين ، فأنت لا داخل الحلبة ولا خارجها . فكذلك نحن اليوم ، لا تعلمنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا على ما جاء به رسول رب العالمين ، ولا نافسنا الركب الحضاري .
      يتبع إن شاء الله ....

      تعليق


      • #4
        تتمة الموضوع الجزء الرابع .
        وكذلك استدل صاحب -القول الجلي في سنية الاحتفال بمولد النبي - بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : << ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن >>...
        فهذا الأثر لا يصح مرفوعا، وعلى فرض صحته، فإن (أل) في كلمة ( المسلمون )؛إن كانت للاستغراق أي: كل المسلمين فإجماع ، والإجماع حجة لا ريب فيه، والإجماع الأصولي المعتبر هو إجماع أهل العلم في كل عصر، وليس من شك أن المقلدين ليسوا من أهل العلم، وإن كانت للجنس؛ فيستحسـن بعض المسلمين هذا الأمر ؛ ويستقبحه آخرون كما هو الحال في أكثر البدع.وهنا ( أل) هي للعهد، وعليه فالمراد بهذا الأثر إجماع الصحابة واتفاقهــم على أمر كما يدل عليه سياق الحديث، أو يكون من قبل ما ذكرنا، فلا يعـقل أن يقصـد به الزيادة على المشروع فهو القائــل رضي الله عنه: << اتبعوا ولا تبتدعوا فقـد كفيتـم>> (1)وقد اشتهر رضي الله عنه بشدة محاربته لأهـل البدع.
        --------------------
        1- أخرجه الدارمي في مقدمة سننه(1/ 69 )والطبراني في المعجم الكبير(ج /9 /154 ) والبيهقي في المدخل إلى السنن (204 )واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (104).

        الصفحة [2]
        وأما استدلاله بقول الشافعي رحمه الله : (ما أحـدث من الخير لا خلاف فيه لواحـد من هــذا...) فأقول على فرض صحة هذا القول ، فهو وإن كان من إمام كبير ، إلا أنه يبقى من الكلام الذي يحتج له ولا يحتج به .
        ثانيا : المعروف عن الشافعي ذمه للبدع فقد قال رحمه الله : من أستحســـن فقد شرع ، لذلك وجب حمل كلامه هذا على ما ذكرنا لأنه قال ما أحدث من الخير وليس من العبادات والقرب لأن ذلك توقيفي لا يصح فيه الإحداث، ولم يصرح رحمه الله أن ما أحدث من الخير يعتبر بدعة حسنة، بل قال: إحداث الخير، وشرطه أن لا يكون فيه خلاف في مصلحته ومنفعتــه ، ولا يخالف الشرع بوجه من الوجه ، وهذا لا خلاف فيه بل هو شيء متفق عليه، فبناء فالأوقاف ، والمعاهد والمدارس ، وغيرها من أعظم الخير الذي تستفيد منه الأمة ، أما بدعة الاحتفال بالمولد فليس من الخير ، لأن ذلك من جنس العبادات كما بينته في المقدمة ، والعبادات لا يجوز القيام بها إلا عن توقيف فكيف بإحداها ، والبدع في الدين كلها شر، وإذا كان الأمر كذلك ، فهذه البدعة من قبيل الشر ،وليس الخير الذي قصده الشافعي .
        وأما قولــه : ما قول الجهلة، فيما فعله عبد الله بن عمر رضي الله عنه من أنه زاد في التشهـد : << وبركاته >>...
        أقول له وزاد أيضا : << وحـده لا شريك لـه >> وهـذا كلام خطير للغاية ، يتهم فيه الصحابي الجليل بالبدعة والزيادة على حد الشروع ، كما يتهم علماء الإسلام الذين استنكروا بدعة المولد بالجهل، ويسميهم الجهلة ، وفي الحقيقة هو الجاهــل لأنه ليس عنده أدنى إطلاع على كتب الحديث ولو كان عنده شيء من ذلك لوجد أن الزيادة الأولى : << وبركاته >> ثبتت في الصحيحين وغيرهما مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والزيادة الثانية : << وحـده لا شريك لـه >> ثبتت عند مسلم في صحيحـه من حديث أبي موسى الأشعري ، ومن حديث عائشة الموقوف في الموطأ ، وفي حديث ابن عمر نفسه عند الدارقطني إلا أن سـند هذا الأخير فيه ضعف.(1) فهذا قول الجهلة من أهل العلم.فإذا صحت الزيادتان مرفوعتان إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبين بذلك من الجاهل وعلى هذا أقول لـه : أيعقل أن يزيد صحابي جليل فقيه كابن عمـر شيئا في الدين لم يكن له فيه سنة وإتباع ، وهو يقرأ قول الله تعالى :{{ أم لهم شركاء شرعـوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}}؟ [الشورى :21 ] أيعقل عن صحابي عُرف بشدة إتباعـه للنبيصلى الله عليه وسلم حتى في الأمـور الجبلية ، حتى قال القائل : << إياكم وتشديد ابن عمـر ، وتساهل ابن عباس>>؟ ولنفرض جدلا أنه زاد ذلك ، فنقول: قد خالـف النبي eوسائر الصحابة ، هذا إذا لم تثبت الزيادتان أما وقد ثبتتا فلا وجه لهذا الجدال البتة ، ولا قول لابن عمر مع قول رسول الله كما قال ابن عبا س :توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون :قال أبو بكر وعمر. فمن أبو بكر وعمر في جنب الرسول المشرع، ثم أترى الصحابة الذين بلغتهم هذه الزيادة المزعومة عندك أن يسكتوا جميعهم عنه ولا ينكروا عليه ، هذا من أمحل المحال لمن عرف حال القوم ، وشدة حرصهم على رد البدع .
        أما قوله كفانا الله شره :وكون السلف الصالح لم يفعلوا المولد صحيح، ولكنه ليس بدليل...الخ.
        أقول : سبحان الله ، من هذا الجهل ،وأين الدليل إذا إن لم يكن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون لهم بإحسان دليلا ؟ ألم تقرأ قول الله تعالى:{{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهـدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}}[ النساء:115] فمن المؤمنين الذين حدد الله سبيلهم، وجعل المخالف لسبيلهم على غير هدى مشاقا للرسول غير الصحابة والتابعين لهم بإحسان ؟؟؟
        ثانيا / السلف الصالح لم يفعلوا المولد ولم يثبت عنهم أنهم احتفلـوا به؟ وأنت توافق وتقر بهذا ، وهذا يعتبر إجماعا منهم ، فماذا تحكم على من خالف إجماع السلف .
        --------------------
        1 ـ عون المعبود شرح سنن أب داود (ج 3 / 179 ) و التعليق المـغـني على سنـن الدارقطني ( ج 1 / 351 ) كلاهما لمحمد شمس الحق العظيم آبادي ، أنظر البدعة وأثرها السيئ في الأمة للهلالي .

        الصفحة [3]
        ثالثا : ألا تعلم أن الخير كل الخير في إتباع من سلف، والشر كل الشر في إتباع من خلف، وأنت تقر أن المولد حدث الاحتفال به في عهد الخلف ونحن لا نشك في ذلك أنه حدث من طائفة منحرفة عن منهج السلف، وهي العبيديون ، على قول جماهير العلماء ، أو الملك المظفر على قولك ، فكيف صاغ الكم أن تحتجوا بفعل هؤلاء ، وتتركون هدي السلف الصالح وأنتم تقرون أنهم ما فعلوا ذلك ؟
        أما قوله : ( ولكنه ليس بدليل ولو كان دليلا لنهى الله عنه في كتابه العزيز أو نهى عنه الرسول صلى الله عنه في سنته الصحيحـة ولم ينه عنه فيهما ) .
        وجوابا عليه أقول: هذا جهل كبير وتدليس على الأمـة ، فلقد أكمل الله الدين ، وهذا يقتضي النهي عن الإحداث فيه ،وإنما علينا العمل والتطبيق ، وقد قال الله تعالى :{{ ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهـوا}}[ الحشر: 7 } ومما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم نهيه العام عن جميع المحدثات ، ألا تعلم أن دلالة الكتاب العزيز على خصوص الأعمال وتفاصيلها ، إنما يقع بطريق الإجمال والعموم أو التضمين والإلزام، وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب وتدل عليه ، وتبينه عنه ، قال تعالى :{{ ... لتبين للناس ما أنزل إليهم... }} وهناك أيضا من السنة ما هو عام ، من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم : وهناك أحاديث كثيرة جعلها العلماء كقواعد أساسية يستنبطون منها الأحكام الموافق لمقاصد الشرع ،ولذلك جعل كثير من العلماء حديث عائشة المخرج في الصحيحين : << من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد >> ( 1 ) أحـد الأحاديث الأربعة التي يدور عليها الإســلام ، بمعنى أنه ربع الإسلام .ولو نظرنا إلى كثير من البدع التي نص عليها العلماء ولم يأتي النهي عنها بعينها لأدخلنا كثيرا من البدع التي ربما تصل إلى درجة الكفــر والعياذ بالله .
        وبهذا يعلم أن استدلاله بكل ما استدل به سقط وأنه ما استدل بما استدل به إلا إتباعا لهواه أو تعصبا لطريقة القوم الصوفية. وبهذا تبين للناس عواره ، وانكشف الغطاء عن غشه وتدليسه.
        --------------------
        1 ـ مقدمة جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي فقد أجاد وأفاد في المسالة.

        الصفحة [4]
        وأخيرا أقول له : إن الآيات والأحاديث في هذا الباب ـ النهي عن البدع ـ كثيرة ، وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملا بالأدلة المذكورة وغيرها ، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات ، كالغـلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الآلات الملاهي ، وغير ذلك مما يخالف الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه النّاس إلى كتاب الله وسنة رسولـه محمد صلى الله عليه وسلم .
        كما قال الله عز وجـل:{{ يا أيها الذين آمنـوا أطيعوا الله وأطيعـوا الرسول وأُولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}}[النساء: 59].
        وقال سبحانه وتعالى:{{ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله }}[الشورى: 10 ]
        يقول الشيخ ابن باز رحمه الله رحمة واسعة فيما قرأته له : وقد رددنا هذه المسألة وهي -الاحتفال بالموالـد- إلى كتاب الله سبحانه ، فوجدناه يأمرنا بإتباع الرسول فيما جاء به ، ويحذرنا عما نهى عنه ، ويخبرنا بأن الله قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وليس هـذا الاحتفال مما جاء به الرسول فيكون ليس من الدين الـذي أكملـه الله لـنا ، وأمرنا بإتباع الرسول فيه ، وقد رددنا ذلك –أيضا- إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجـد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود، والنصارى في أعيادهم .
        وما بقي إلا أن أنقل له بعض أقوال العلماء الذين رماهم بالجهل ، في بدعـة الاحتفال بالمولد .
        قال الشاطبي رحمه الله: ومن البدع التي تضاهي الطريقة الشرعية، اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا (1).
        --------------------
        1- الاعتصام للشاطبي (ج1/ 39 ) وعنه محمد رشيد رضا في رسالته ذكرى المولد النبوي(ص/ ح) .

        الصفحة [5]
        قال شيخ الإســلام ابن تيمية رحمه الله : (1) وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيما.والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع ـ من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا. مع اختلاف النّاس في مولـده ، فإن هذا لم يفعلــه السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع فيه لو كان خيرا، ولو كان هذا خيرا محضا ، أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحــق به منا، فإنهــم كانـوا أشد محبة لرسول الله وتعظيما له منا ، وهم على الخير أحرص وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته وإتباع أمره ، وإحياء سنته باطنا وظاهرا .
        وقال ناج الدين عمر بن علي اللخمي المعروف بالفاكهاني : (2 ) فإنه قد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعملـه بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد:هل له أصل في الشرع ، أو هو بدعة وحدث في الدين ؟؟ قال : فقلت وبالله التوفيق : لاأعلـم لهذا المولـد أصـلا في كتاب ولا سنة ، ولا ينقـل عمله عن أحـد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين المتمسكين بآثار المتقدميـن ، بل هو بدعة أحدثها المبطلــون ، وشهوة نفـس اعتنى بها الأكالـون بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسـة : قلنا إما أن يكون واجبا أو مندوبا ، أو مباحا أو مكروها أو محرما ، وليس هو واجب إجماعا ، ولا مندوبا ، لأن حقيقة المندوب : ما طلبه الشارع من غير ذم على تركه ، وهذا لم يأذن فيه الشارع ، ولا فعلـه الصحابة ، ولا التابعـون ، ولا العلماء المتدينون فيما علمت ، وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت ، ولا جائزا أن يكون مباحا لأن الابتـداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو محرما .
        -------------------
        1- اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيــم ( المجلد الثاني /ص 615 ) .
        2 ـ المورد في الكلام على المولد..
        يتبع إن شاء الله ...

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          السلام عليكم ورحمة الله
          بمناسبة قرب حلول المولد النبوي نجدد رفع هذا الموضوع في بيان حكم الاحتفال به ...

          تعليق

          يعمل...
          X