إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

التقوى أساس التفاضل بين الناس-خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التقوى أساس التفاضل بين الناس-خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ

    التقوى أساس التفاضل بين الناس-خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ

    - الخطبة الأولى -

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

    عبادَ الله، دينُ الإسلام أقام العلاقةَ بين المجتمعِ المسلمِ العلاقةَ الوديةَ، ودعم هذه العلاقةَ بين الشعوب والقبائل، وجعلها قائمةً على أسسٍ من الدين والإيمان، وألغى النَّعَرات القبلية والعصبية الجاهلية، وأقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدليلَ القاطعَ على أهميَّة الأُخُوَّةِ الإسلامية، وأنها فوقَ كلِّ اعتبار، وهو صلى الله عليه وسلم سعى جُهدَه في تنمية هذه العلاقةِ بين مجتمع المسلم، هاجرَ إلى المدينة؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار، وألفَّ بينهم، وألفَّ بين الأوس والخزرج، فأصبح الناسُ به إخوانًا، صلواتُ الله وسلامُه عليه إلى يوم الدين، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنين في توَادِّهم وتراحمُهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحِمى والسهرِ»، أينعت هذه العلاقة وآتت ثمارَها كاملةً، وأصبح المجتمعُ المسلمُ أمةً واحدةً، تتكافأُ دماؤُهم، ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم، وهم يدٌ على من سواهم.

    ولما كان وحدةُ كلمة الأمة، والتحامُ صفوفها رمزَ قوَّتها، وهيبةِ أعدائها منها، سعى أعداءُ الأمة في تفكيك هذه الوحدة الإسلامية؛ فنشروا النَّعَراتِ القَبَلِيَّةَ والعصبيةَ الجاهليةَ، و استعانوا بكل وسيلةٍ ممكنةٍ، ثم استعانوا في هذا العصر في بوسائلِ الإعلامِ من صحافةٍ، وكتبٍ، ومواقعَ إلكترونيةٍ، وقنواتٍ فضائيةٍ.

    نجحوا في هذا المخططِ الماكرِ وانخَدَعَ بدعوتهم بعضُ ضعفاءِ الإيمان من المسلمين فنشرُوا النَّعَرات القَبَلِيَّةِ، والعَصَبية لجاهلية، وصارَ الفخرُ بالقبيلة التي ينتسبُ إليها وإلى اللون الذي يحمله وللحزب الذي ينتمي إليه، وهذا بلا شك يُنافي الأخوةَ الإيمانيةَ، ووظفوا لهذه المهمةِ أيضا قنواتٍ فضائيةً، تهتم هذه القنواتُ والمواقع الإكترونية، وتتخصص في نشر مفاخر الآباء والأسلاف، ورفعِ هذا ووضعِ هذا، وتطوَّرت حتى أصبحت عندَ بعضهم قضيَّةً مُسَلَّمَةً، فخرٌ على غير هدى، وافتخارٌ بغير هدى، وإنما هي النَّعَراتُ الجاهليَّةُ، التي جاء الإسلامُ بإلغائها وبيانِ أنّها ليست أهلا لأن تكونَ موضعًا للتفضيل والاعتبار عند الله، وهذا بلا شك يخالفُ تكريمَ الإنسانِ، ويخالفُ المعيارَ الحقَّ، الذي جاء به الإسلامُ بالتفاضل بين الناس، والله يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:٧٠]؛ فالإنسان مُكَرَّمٌ أيًّا كان جنسُه أو لونُه أو شكلُه، أو كانا غنيًا أو فقيرًا، أو كانا رفيعًا أو ليس كذالك.

    الإنسانُ في حدِّ ذاته مُكَرَّمٌ كما كرمه الله جلَّ وعلا مكرَّمٌ كما كرمه اللهُ، ومعيار التفضيل عند الله إنما هو التقوى يقول الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) [لحجرات:١٣]، فالتقوى موضعُ التفضيل عند الله، فمن ثَقُلت موازينُه بالتقوى والعمل الصالح، كان أقربَ الناس إلى الله.

    ومحمد صلى الله عليه وسلم المبعوثُ رحمةً للعالمين بيَّن هذه القضيةَ بيانا شافيا؛ فأعلن في إحدى خطبه، في حجة الوداع قائلا: "أيُّها الناسُ، إن ربَّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى، ألاَ هل بلغتُ؟ اللَّهم اشْهَدْ"، وسأله الصحابةُ قائلين: "أي الناس أكرم"؟ قال: "أتقاهم لله" قالوا: "لا عن هذا نسألك" قال: "إن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، نبيُّ الله يوسفُ، ابنُ نبيِّ الله يعقوبَ، ابنِ نبيِّ اللهِ إسحاقَ، ابنِ نبيِّ اللهِ، الخليل عليه السلام" قالوا ما عن هذا نسألُك قال: "تسألوني عن معادنِ العربِ؟ خيارُهم في الجاهلية، خيارُهم في الإسلام، إذا فَقٌهُوا خيارهم في الجاهلية" خيارُهم في الجاهلية، خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا، وهو صلى الله عليه وسلم أعلنها قائلا: "أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يَتركوهنَّ الفخرُ بالأحساب، والطعنُ في الأنساب والاستسقاءُ بالنجوم، والنياحةُ على الميت"، وقال: "ثنتان في أمتي هما بهم كفرٌ: الفخرُ بالأنساب، والنياحةُ على الميِّتِ"، وهو صلى الله عليه وسلم أرادَ من المسلم أن يكون فخرُه بإسلامه، وبإيمانه وعملِه الصالحِ، حتى أن الألفاظَ الإسلاميةَ، التي استعملها بعضُهم لمجرَّدِ الفخرِ ألغاها صلى الله عليه وسلم ؛ ففي أحد المواضع كَسَعَ رجلٌ من المهاجرين، -أي: ضرب- رجلا من الأنصار؛ فنادى المهاجريُ: "يا لَلْمهاجرين"، ونادى الأنصاري: "يا لَلْأنصار" فقال صلى الله عليه وسلم: "أبدعوى الجاهلية؟" قالوا: "يا رسول الله كَسَعَ رجلٌ من الأنصار، رجلاً من المهاجرين"، قال: «دَعُوها؛ فإنها مُنتِنَةٌ، دَعُوها؛ فإنها مُنْتِنَةٌ"، نعم إنها ممتنةٌ، وإنها لمؤذيةٌ، وإنها لخبيثةٌ، وإنها لَلدَّاءُ العُضال، والمرضُ الفتَّاكُ في المجتمع المسلم.

    أيُّها المسلمُ، إن بعضا من هؤلاء، يعدِّدُ مفاخرَ أسلافه وآبائه، ولكن يقارنُ ذلك لمزًا للآخَرين، واستهزاءً بالآخرين، واحتقارًا للآخرين، وحطًّا من قيمة الآخرين، إنها توغلُ الصدور، وتجعلُ العبدَ في كِبْرٍ وتِيهٍ واغتواءٍ بنفسه، ولا يعلمُ هذا المسكينُ، أن هذا من الأمور المنهيِّ عنها، قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: ١١].

    الإسلام عندما دعا الرجلَ المسلمَ إلى معرفةِ رحمهِ، وصلةِ رحمهِ، وأقاربه وجعل صلةَ الرحمِ، من واجبات الإسلامِ، لم يُرِدْ بها فخرًا، وعلوًا، وإنما أراد بها تعاونًا على الخير، وقال صلى الله عليه وسلم: "تَعَلَّمُوا من أنسابِكم، ما تَصِلُونَ به أرحامَكُم"، لكنَّ المسلمَ، لا يجعل ذلك وسيلةً للحطِّ من قيمةِ الآخَرين، ومهما يكن بينك وبين أحد من خصومةٍ، أو نزاعٍ أو اختلافٍ؛ فإياك أن تظهر أمرَ الجاهليةِ، التي أبطلَها الإسلامُ.

    أبو ذٍَّر الغِفَارِيِّ، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَيَّـرَ رجلاً بأمِّه؛ فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنك امرُؤٌ، فيك جاهليةٌ"، إنك امرُؤٌ، فيك جاهليةٌ؛ فجعل هذا اللمزَ والعيبَ وذكر معائب الناس أن ذلك من أخلاق الجاهلية، لا من أخلاق الإسلام لأن الإسلامَ دينُ وَحدةٍ، ودينُ محبةٍ، يقول الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:١٠]، ويقول: (وَالْمُؤْمِنُون َوَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:٧١]، فدينُ الإسلام دينُ القوة إلاسلامية، القائمة على هذا الدين، والمحبةِ في هذا الدين، وألاَّ تُسمعَ أخاك، ما يسوءُه وألاَّ تسمعه ما يـحُطُّ من قدره، يقول الله جل وعلا: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) [لإسراء:٥٣]، فالفاحشُ من القول، لا يجوز أن تخاطب به أخاك المسلمَ، تنصحُه إن رأيتَه مقصِّرًا، وتدعُوه إلى الخيرٍ، وتُـحذِّرَهُ ممَّا وقع فيه من الخطأِ والخَلَلِ، دونَ أن تَلْمِزَهُ، ودونَ أن تَعيبَهُ، ودون أن تَحُطَّ من قدره ودون أن تُسمِعَه ما يَدُلُّ على نقصه واحتقاره، و نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بحسب إمرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام ودمه وماله وعرضه"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لحجرات:١٣]، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم ولسائر المسلمين، من كلِّ ذنبٍ؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



    الخطبة الثانية- :

    الحمدُ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأِشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها الناسُ، اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.

    عبادَ الله، بعَثَ اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فأخرج به العبادَ من الكفرِ، والشركِ، و الضلالِ، إلى الإيمان، والتوحيد، والهدى، بَعَثَهُ اللهُ؛ ليخرجَ الناسَ من ظلمات الكفرِ، والشِّركِ، والضَّلالِ، إلى نورِ الإيمان، والتوحيدِ، والهدى، والعمل الصالح، بعثه رحمةً للعالمين، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:١٠٧]، بَعَثَهُ بشيرًا ونذيرًا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، بعثه برسالةٍ عامَّةٍ لكُّلِّ الخلقِ (كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ: ٢٨]، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف:١٥٨]، أقام الحضارةَ الإسلاميةَ على قواعدِ المحبَّةِ والإيمانِ والتوحيدِ الخالصِ لله، وقَطْعِ صِلَةِ المسلمِ بأيِّ أَثَـرٍ وَثَنِيٍّ قَبْلَ الإسلامِ، قَطَعَ صلةَ المسلم بالآثارِ الوثنيةِ و الآثار غير الإسلامية، وجَعَلَ اعتزازَ المسلمين، إنما هو بدِينِهم الذي شرَّفَهُم اللهُ به؛ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:١٦٤]؛ فبعثهُ اللهُ بهذه الشريعةِ العظيمةِ، التي جمعت القلوبَ على الحقِّ، على اختلافِ قبائلِ العربِ، ثمَّ عمتِ الرسالةُ في قبائل العربِ، ثم لما انتشرَ الإسلامُ في أرجاء المعمورة طَبَّقَ المسلمون هذا المبدأَ؛ فعاشوا على خيرٍ وعزٍّ ورفعةٍ، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجمعة:2-3]، خرجَ الصحابةُ بعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يفتحون القلوبَ بالإيمان، ويفتحون البلادَ شرقًا وغربًا؛ فأرسَوْوا دعائمَ العدلِ والإيمانِ، وبصَّروا الناسَ في دين الله، وهدَوا العبادَ إلى طريقٍ مُستقيمٍ؛ فدخلَ الناسُ في دين الله أفواجًا طائعين مختارين، لـمَّـا رَأَووا عدلَ الإسلامِ ورحمتَه وإحسانَه، وما جاء به من الخير؛ فانتشروا كتاب فقرؤُوا كتابَ الله وقرؤُوا سنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج من تِلكُم البلادِ المفتوحةِ، خرجَ منها رجالٌ حَـمَلُوا هذه الشريعةَ ما بين حُفَّاظِ السنة، وما بين كتاب الله وما بين فقهاء وما بين علماءَ في اللغةِ والأدبِ والطبِّ وغيرِ ذالك من العلومِ العظيمةِ، التي دَلَّ الكتابُ والسنةُ عليها، وصاروا من مفاخر المسلمين، وصار لهم مكانةٌ في الإسلام، ومقام عالٍ في شريعة الإسلام، وزَخَرَت دَوَاوينُ الإسلام، وتواريخُ الإسلام، بحياةِ أولئك، وفضائلهم وأعمالهم تصديقا لقوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجمعة:٣]، وصار منهم أئمةٌ يُقتَدَى بهم، ويُتَأَسَّى ب أقوالهم وأعمالهم؛ لكونهم متبعين لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

    عاش المسلمون أعزاءَ بدينهم، وبكتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وبما فقِهوا من الكتاب والسنة، وللأسف الشديد أن بعض عالَـمِنا الإسلاميِّ، تنكَّروا لهذه الفضيلة، وتنكروا لهذه المكانة الرفيعة، هذه المكانة الرفيعة التي كان لها أثرٌ في علماء الأمة العظيمة، الذين زّخِرَت دواوينُ الإسلام بـهم، وبحياتهم، وأماكنهم، وبلادهم؛ فصارت لبلادهم التي ينتسبون إليها، وصاروا رجالا يُقتَدَي بهم، ويُنسَبُ كلُّ واحد لبلده التي هو منها لِـمَا حـَمَلَه من فقه الكتاب والسنة، والعلوم النافعةِ العظيمةِ، لكن هؤلاء يحاولون أحيانا أن يَطْمِسوا هذا النورَ، وأن يَقْضَوا على هذه الفضائل، وأن يعودوا بمجتمعهم إلى ما قضى عليه الإسلامُ، من تلك العنصرية الجاهلية، التي أبطلها الإسلامُ، وتعلقوا بآثار الوثنية التي قضى الإسلامُ عليها، وحاربها، تعلقوا بها وأصبحوا يحوِّلون أسمائهم وأسماءَ بلادهم، ويحاولون عَزلـَها عن الإسلام، فما كأنَّ الإسلام مرَّ بها، وما كأنَّ الإسلامَ وضعَ قدمَه فيها، وما كأنّ الإسلامُ رفعَ شأنَهم ورفع قيمتَهم ومكانتَهم، لكن تنكروا لهذا المبدأ العظيم، ولهذا الخُلُقِ الكريمِ، ولهذا النور الذي أنارَ اللهُ به القلوبَ والبلادَ؛ فسعوا في طمسِ ذلك وتحويلِ أُمَّتِهم وشعوبِهم إلى انتساب إلى غير الإسلام، وإلى جاهليةٍ جهلاءَ، كلُّ ذلك انخداعا واغترارا بأمور وثنيةٍ، قضى الإسلامُ عليها.

    فَخْرُ الأمة إنما هو بهذا الدين الذي رفعَ اللهُ به قدرَهم، وأعلا به شأنهم، وأما تلك المآثرُ الجاهليةُ التي يحاوِلُ البعضُ أن يُعيدَها، ويَصبِغَ البلادَ بصبغةٍ غيرِ إسلاميةٍ، وينسِبَها إلى الجاهليةٍ التي حرَّرَ الإسلامُ العُقُولَ من أفكارها، وظُلْمِها وتلك المصيبةُ.

    نسألُ اللهَ الثباتَ على الحقِّ والاستقامةَ عليه، واعلموا رحمكم اللهُ أن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعة؛ ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلُّوا رحمكم اللهُ على عبدِ اللهِ ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك ربُّكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: ٥٦].

    اللهم صلِّ وسلِّم، وبارك على عبدك ورسولك، محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وجودِك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُر عبادَك الموحدين، واجعلْ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمرنا، اللَّهمَّ وفِّقهم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّق إمامَنا إمامَ المسلمين عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللَّهمَّ أمِدَّه بعونك، وتوفيقك، وتأييدك، اللَّهمَّ كُن له ناصراً ومؤيدًا، اللَّهمَّ أَرِهِ الحقَّ حقًا وارزُقه اتباعَه، وأرِهِ الباطلَ باطلاً، ورازقُه اجتنابَه، ودُلَّهُ على كلِّ عملِ تـُحِّبُّه وترضاه، واجعله بركةً على أمَّته، وعلى المسلمين جميعا، إنك على كل شيء قدير،اللّهمَّ شُدَّ عَضُدَهُ بوليِّ عهده سلطانَ بنِ عبدِ العزيز، وبارِك له في عُمُره وعمله، وأمِدَّهُ بصحةٍ وسلامةٍ وعافيةٍ، اللّهمَّ ووفِّق النائبَ الثانيَّ لكلِّ خيرٍ، واجعلهم جميعا دعاةَ خيرٍ، وأُمَّةَ هُدًى؛ إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:١٠]، (َّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: ٢٣].

    اللّهمّ أنت اللهُ، لا إله إلا أنت، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراءُ، أنزل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين، اللَّهمَّ أَغِثْنَا، اللهم أَغِثْنا، اللهم أغثتنا، اللهم أغثنا، اللهم سُقْيَا رحمةٍ، لا سُقْيا بلاءٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ اللهم اسقِنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سَحًّا غَدَقًا، طَبَقًا مُجَلِّلًا، نافعا غيرَ ضارٍّ، عاجلا غيرَ آجلٍ، يا أرحمَ الراحمين؛ إنك على كلِّ شيء قدير، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.

    عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] ؛ فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكُم واشكروه على عمومِ نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلمُ ما تصنعون.



    حفـظ
يعمل...
X