إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

" تدبر القرآن " مسائل ووسائل مستخرجة من الكتاب والسنة وآثار السلف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " تدبر القرآن " مسائل ووسائل مستخرجة من الكتاب والسنة وآثار السلف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

    فهذا بحث قيم قرأته ورغبتُ أن أنقله إليكم باختصار وتصرف يسير، عسى الله أن يفتح علينا وعليكم ويقربنا منه درجات. آمين.

    (سيكون بإذن الله على أجزاء في نفس المشاركة)
    *****

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
    فإن هذا البحث يتحدث عن الوسائل العملية التي تمكِّن - بعون الله تعالى - من الانتفاع بالقرآن الكريم، وهذه القواعد هي التي كان يسلكها سلفنا الصالح في تعاملهم مع القرآن الكريم ، التي بسبب غفلة الكثيرين عنها أو بعضها أصبحوا لا يتأثرون ولا ينتفعون بما فيه من الآيات والعظات ، والأمثال والحكم.
    ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة بسبب كثرة المعاني التي تفتح عليه ، وقد حصل هذا للسلف من قبلنا والأخبار في هذا كثيرة مشهورة.
    ولكن مما يتأكد التنبيه عليه هنا عدم قصر وحصر النجاح في تدبر القرآن على هذه المفاتيح ، فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء،وما أقوله إن هي إلا وسائل بحسب الاستقراء من النصوص وحال السلف ، وهي أسباب يسلكها كل مريد للانتفاع بالقرآن بشكل أكبر وأعمق وأشمل ، وهي أسباب نذكِّر بها من حرم من تدبر القرآن وهو يريده ؛ نقول له اسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعلم منك صدقك أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة.
    قال ثابت البناني: "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة "اهـ وما قاله ثابت البناني حق ، فقف عند الباب حتى يفتح لك ؛ إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فتح لك ستلحق بالركب بفضل الله وكرمه.
    أما إن استعجلت وانصرفت فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
    واعلم أن القرآن هو طوق النجاة في هذه الحياة ، وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه بيدك كما جاء عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال ( أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن القرآن جاء من عند الله ؟ ) قلنا نعم قال : ( فابشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ولا تهلكوا بعده أبد)) المعجم الكبير [ جزء 2 - صفحة 126 ]، والله تعالى يقول: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [ سورة النساء - الآية : 175 ] . فمتى أردت أن تدخل في رحمة الله وأن تهدى إلى الصراط المستقيم فجاهد نفسك في تدبر القرآن الكريم، وفرغ وقتك وجهدك، وركز اهتمامك على هذا الأمر العظيم .
    كم من أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر، وبعد اجتهادهم في تدبر القرآن صارت لهم مكانة ومنزلة رفيعة عند الله تعالى ، وصار لهم في الحياة أثر كبير وشأن عظيم.

  • #2
    مسائل في تدبر القرآن
    المسألة الأولى: معنى تدبر القرآن

    جاء في لسان العرب: (دَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته... والتَّدَبُّر: التفكر فيه)، ومعنى تدبُّر القرآن: التأمُّل في معانيه وتحديق الفكر فيه وفي مبادئِهِ وعواقبه ولوازم ذلك [تفسير السعدي، آية: 82 من سورة النساء]
    وقد يطلق التدبر على العمل لأنه ثمرته، وللتلازم القوي بينهما، كما يذكره كثير من المفسرين عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾ .
    قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ما يرُى له القرآن في خلق ولا عمل .[رواه ابن أبي حاتم] .

    تعليق


    • #3
      المسألة الثانية: مفهوم خاطئ لمعنى التدبر
      إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن ، والتفكر فيه ، وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة ؛ اعتقادهم صعوبة فهم القرآن ، وهذا خطأ في مفهوم تدبر القرآن ، وانصرافٌ عن الغاية التي من أجلها أنزل ، فالقرآن كتاب تربية وتعليم ، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس ، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين ، كتابٌ قد يسَّر الله تعالى فهمه وتدبره ،كما قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾[ (17) سورة القمر] .
      قال ابن هبيرة : " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن ، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر ، فيقول هذه مخاطرة ، حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا "[ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 3-273].
      وقال الشاطبي :" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء ، وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله ، فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ، ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى" [الموافقات 3-805].
      وقال ابن القيم : " من قال : إن له تأولاً لا نفهمه ، ولا نعلمه ، وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ، ففي قلبه منه حرج " [التبيان في أقسام القرآن : 144].
      ويقول الصنعاني : " فإن من قرع سمعه قوله تعالى : ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن ( ما ) : كلمة شرط، و (تقدموا) : مجزوم بها لأنه شرطها، و (تجدوه) :مجزوم بها لأنه جزاؤها ، ومثلها كثير ... فيا ليت شعري ! ما الذي خَصَّ الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها ، وفهم تراكيبها ، ومبانيها... حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلا ترديد ألفاظها وحروفها..."[إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ص 36].
      فالحق في هذه المسألة: أن القرآن معظمه واضح ، وبيِّن وظاهر لكل الناس ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : "التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله "[تفسير الطبري 1/75 ، مقدمة ابن تيمية 115 ]، ومعظم القرآن من القسمين الأولين.
      إن عدد آيات الأحكام في القرآن 500 آية ، وعدد آيات القرآن 6236 آية.
      وإن فهم الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، والعلم بالله واليوم الآخر ؛ لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة ، من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية. فمعظم القرآن بيِّنٌ واضح ظاهر، يدرك معناه الصغير والكبير ، والعالم والأميّ .
      فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى : ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [(23) سورة الذاريات] قال : من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم [التوابين لابن قدامة:279] .
      وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل ﴿ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [(26) سورة النحل ] قرأها: من تحتهم ، صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب.
      إن القرآن بيِّنٌ واضح ظاهر ، وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ، ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير ، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه.
      فإغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره ، والاكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الاهتداء به .
      وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها، لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة.

      تعليق


      • #4
        المسألة الثالثة: علامات التدبر
        ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك :
        1- ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [(83) سورة المائدة]
        2- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [ (2) سورة الأنفال ]
        3- ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [ (124) سورة التوبة]
        4- ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [107-109 :سورة الإسراء]
        5- ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [(5 سورة مريم]
        6- ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [(73) سورة الفرقان]
        7- ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [(53) سورة القصص ]
        8- ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [ (23) سورة الزمر] .
        فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
        1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، ودليله التوقف تعجبا وتعظيما.
        2- البكاء من خشية الله.
        3- زيادة لخشوع.
        4- زيادة الإيمان ، ودليله التكرار العفوي للآيات.
        5- الفرح والاستبشار.
        6-القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة .
        7- السجود تعظيما لله عز وجل .
        فمن وجد واحدة من هذه الصفات ، أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر ، أما من لم يحصل أياً من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره
        قال إبراهيم التيمي : "من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء فقال : ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [(107-109) سورة الإسراء] "[الزهد لابن المبارك : 41، حلية الأولياء : 5-88].
        وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم"[تفسيرالقرطبي: 15-149].
        إن كل يوم يمر بك ولا يكون لك نصيب ورزق من هذه العلامات ، فقد فاتك فيه ربح عظيم ، وهو يوم حري أن يبكى على خسارته.

        تعليق


        • #5
          مفاتيح تدبر القرآن

          المفتاح الأول: حب القرآن

          المسألة الأولى: القلب آلة الفهم والعقل
          قد دل على ذلك نصوص كثيرة ، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذه المسألة بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة، وهي:
          1-قول الله تعالى:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ [(57) سورة الكهف].
          2-وقوله تعالى : ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [(46) سورة الحـج ].
          3-وقوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾[(4) سورة الأحزاب] .
          وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها ، وإنما المقصود التذكير بأن القلب آلة الفهم والعقل والإدراك ، ومن ذلك فهم القرآن وتدبره.

          تعليق


          • #6
            المسألة الثانية : أن القلب بيد الله وحده
            القلب بيد الله وحده لا شريك له ، يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء ، بحكمته وعلمه سبحانه :
            1-قال الله تعالى : ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ﴾[(24) سورة الأنفال]
            2-وقال تعالى :﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ﴾[ (57) سورة الكهف ]
            3-وقال تعالى :﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ﴾ [ (164) سورة الأعراف ]
            وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل ، من سلكها وفق ، ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المسائل التالية .
            فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى ، وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، فليست العبرة بالطريقة والكيفية ؛ بل الفتح من الله وحده ، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر ، فمتى أعطاك الله فهم القرآن ، وفتح لك معانيه ، فاحمد الله تعالى واسأله المزيد ، وانسب هذه النعمة إليه وحده ، واعترف بها ظاهرا وباطنا .

            تعليق


            • #7
              المسألة الثالثة: علاقة حب القرآن بالتدبر
              من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ، واشتاق إليه ، وشغف به ، وانقطع عما سواه ، والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته ، واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ، والفهم العميق ، وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال القلب على القرآن يكون صعبا ، وانقياده إليه يكون شاقا لا يحصل إلا بمجاهدة ومغالبة ، وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر .

              تعليق


              • #8
                المسألة الرابعة: علامات حب القلب للقرآن
                حب القلب للقرآن له علامات منها :
                1-الفرح بلقائه .
                2-الجلوس معه أوقاتا طويلة دون ملل .
                3- الشوق إليه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك بعض الموانع ، وتمني لقاءه والتطلع إليه ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه.
                4- اتباع ما فيه من أوامر ونواهٍ.
                هذه أهم علامات حب القرآن وصحبته، فمتى وُجدت فإن الحب موجود ، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود ، ومتى تخلف شيء منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف .
                إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال: هل أنا أحب القرآن؟
                إنه سؤال مهم وخطير ، وإجابته أشد خطرا ،إنها إجابة تحمل معان كثيرة.
                وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلامات التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها الصواب من الخطأ .
                إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن ؟ يجيب : نعم أحب القرآن ، وكيف لا أحبه ؟ لكن هل هو صادق في هذا الجواب ؟
                كيف يحب القرآن وهو لا يستطيع الجلوس معه دقائق ، بينما تراه يجلس الساعات مع ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة.
                قال أبو عبيد : "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله"[مصنف ابن أبي شيبة 10-485]
                إننا ينبغي أن نعترف بالتقصير إذا لم توجد فينا العلامات السابقة ، ثم نسعى في التغيير ، وهو ما سيتم بيانه في المسألة التالية .

                تعليق


                • #9
                  المسألة الخامسة: وسائل تحصيل حب القرآن
                  • الوسيلة الأولى: التوكل على الله تعالى والاستعانة به
                  الدعاء بحب القرآن أمر عظيم، ومن استجيب له سعد في حياته سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، فإن من رزقه الله حب القرآن فقد رزقه الإيمان ،وسهل له طريق الجنان، وما دام الأمر بهذه الأهمية فإننا لم نُترَك فيه هملا فقد بينه الله ورسوله لنا أوضح بيان وهو في أربعة أمور:
                  الأول: الفاتحة
                  فقد تضمنت الفاتحة سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم ، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم ، ومن أهم نعم الله عليهم أن فتح لهم أبواب كتابه ويسر لهم العيش في رحابه، فعندما تقرأ الفاتحة فأنت تدعو الله تعالى أن يرزقك حب كتابه العظيم ليحصل لك بذلك الغوص في أعماقه والنجاة به في الحياة الدنيا والآخرة .
                  الثاني: الاستعاذة
                  فإن الشيطان قد قطع على نفسه العهد أن يقطع عليك طريق الوصول إلى القرآن الكريم الذي هو صراط الله المستقيم ، وقد أمرنا الله أن نستعيذ من الشيطان في كل مرة نريد قراءة القرآن الكريم : ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [ سورة النحل - الآية : 98 ].
                  الثالث: البسملة
                  البسملة حقيقتها تبرُّك ودعاء وتوسل إلى الله تعالى بثلاثة من أسمائه: الله ، الرحمن، الرحيم ، ليمدك بالعون والبركة فيما أنت مقبل عليه ، وما تريد أن تقوم به. [قلت: بل البسملة توسل بكل أسماء الله الحسنى؛ لِمَا ذكره السعدي رحمه الله: ({‏بِسْمِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ أبتدئ بكل اسم لله تعالى‏,‏ لأن لفظ ‏{‏اسم‏}‏ مفرد مضاف‏,‏ فيعم جميع الأسماء الحسنى) ]
                  الرابع: دعاء حب القرآن
                  عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن"[مسند أحمد بن حنبل ج1/ص391 (3712 ) ، صحيح ابن حبان ج3/ص253(972 ) ، وصحح إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة ج1/ص236 (199)].
                  وهذا الدعاء من الأدعية المستجابة لأنه تضمن ثلاثة أمور:
                  الأول: التوسل بالعبودية لله تعالى .
                  الثاني: التوسل بجميع أسماء الله وصفاته ومنها الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به استجاب كما ثبت في الحديث الصحيح
                  الثالث: الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم بأن من دعا به أن يذهب الله همه ويبدله مكان حزنه فرحا ، فماذا ننتظر بعد كل هذه التأكيدات؟
                  إن القرآن الكريم روح ونور ؛ كما قال الله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [ سورة الشورى - الآية : 52 ]
                  وقد جاء في الحديث وصف أقوام بأن القرآن لا يجاوز تراقيهم أو حناجرهم ،أي لم يصل نور القرآن وروحه إلى قلوبهم بل الطريق إليه مسدود فهو متوقف في الحناجر ولم يفتح له ليصل إلى القلب ، فالذي يدعو بهذا الدعاء فهو يسأل الله تعالى أن يزيل هذه العوائق ويفتح الطريق إلى القلب ليصل إليه نور القرآن .
                  فليس كل من قرأ القرآن قد وصل القرآن إلى روحه وقلبه ونفسه ، بل الكثير منهم محرومون من ذلك .
                  ولنتذكر أن الحاجة المطلوبة في هذا الدعاء عظيمة يتوقف عليها سعادة الإنسان الأبدية ؛ وهي أن يكون القرآن ربيع قلبه؛ أي الماء الذي يسقي قلبه فيحييه ويقويه بعد أن كان قاسيا مريضا ، وكذلك الدعاء بأن يكون القرآن نور صدره ، وما ظنكم بصدر دخله نور القرآن هل يبقى فيه شيء من القلق أو الهم أو المرض؟ وما ظنكم بقلب دخله روح القرآن كيف تكون قوته وثباته .
                  فهذا الدعاء حاجتنا إليه أشد من حاجتنا للطعام والشراب والنفس ، من استجيب له هذا الدعاء فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها ، ومن حرم منه فقد فاته كل شيء وإن حصل كل ملذات الدنيا وشهواتها.
                  إن بعض الناس لا يعرف الإلحاح في المسألة إلا في مطالبه الدنيوية المادية ، أما الأمور الدينية فتجد سؤاله لها باردا باهتا ، هذا إن دعا وسأل .
                  فعلى كل مسلم أن يكرر هذا الدعاء كل يوم ثلاثا ، خمسا ، سبعا ، ويتحرى مواطن الإجابة ، ويجتهد أن يكون سؤاله بصدق ، وبتضرع ، وإلحاح ، وشفقة ، وحرص شديد أن يجاب وأن يعطى.
                  وعليه بالصبر والاستمرار حتى يستجاب له ويحصل على مطلوبه ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء( صحيح مسلم )
                  ومن علامات استجابة هذا الدعاء أن يشرح صدرك لكثرة قراءته ، وكثرة القيام به في الليل والنهار ، وعندها عليك أن تحمد الله تعالى وتشكره على هذه النعمة العظيمة وتسأله دوامها وزيادتها.

                  تعليق


                  • #10
                    الوسيلة الثانية: القراءة
                    أي القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسنة وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له .
                    أقترح على كل راغب في تحصيل حب القرآن أن يضع له برنامجا يتضمن نصوصا من القرآن والسنة وأقوال السلف ، فيها بيان لعظمة القرآن ومكانته ، ويرتبها على مستويين : متن ، وشرح ، فالمتن يحفظ ويكرر ، والشرح يقرأ ويفهم ، ويتم ربط المعاني التي تضمنها الشرح بألفاظ المتن .
                    ويرجى بإذن الله تعالى لمن طبق هذا البرنامج أن يرزقه الله حب القرآن وتعظيمه ، الذي هو المفتاح الرئيس لتدبر القرآن وفهمه ، وكل كلام يقال في هذا الموضوع فهو متوقف عليه ، وهذا السر في أن الكثير منا يقرأ في هذا الموضوع ولا يخرج بأي نتائج إيجابية .

                    تعليق


                    • #11
                      المفتاح الثاني: استحضار أهداف قراءة القرآن
                      معظم الناس إذا سألته لماذا تقرأ القرآن ؟
                      يجيبك لأن تلاوته أفضل الأعمال ، ولأن الحرف بعشر حسنات ، والحسنة بعشر أمثالها ، فيقصر نفسه على هدف ومقصد الثواب فحسب ، أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها .
                      والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت الحفظ ، الهدف تثبيت الحروف وصور الكلمات ، فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فلا ينتبه لها ، ولا يحس ولا يشعر بها ؛ لأنه قصر همته وركز ذهنه على الحروف وانصرف عن المعاني ؛ فلهذا السبب تجد حافظا للقرآن غير عامل ولا متخلق به .
                      وجمع الذهن بين نيات ومقاصد متعددة في وقت واحد عملية تحتاج إلى انتباه وقصد وتركيز .
                      وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت كلما كان العمل أعظم أجرا وأكبر تأثيرا على العامل ، مثل الصدقة على ذي الرحم : صدقة وصلة ، ومثل النفقة على الأهل : نفقة وصدقة .
                      وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة ، وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم ليسارع إلى قراءة القرآن ، ويكثر الاشتغال به وصحبته. وهذه الأهداف المقاصد هي:
                      الثواب المترتب على التلاوة، المناجاة، المسألة، الشفاء، العلم، العمل.
                      فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظــم، وأجره أكبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" [صحيح البخاري ج1/ص3 (1) ، صحيح مسلم ج3/ص1515 (1907 )] ، فمن قرأ القرآن يريد العلم رزقه الله العلم ، ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب ، قال ابن تيمية : " من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق"[العقيدة الواسطية 103] ، وقال القرطبي : " فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يجب ، وجعل في قلبه نورا" [تفسير القرطبي 11-176].

                      تعليق


                      • #12
                        الهدف الأول : قراءة القرآن لأجل العلم
                        المسألة الأولى : أهمية هذا المقصد
                        هذا هو المقصد المهم ، والمقصود الأعظم من إنزال القرآن ، والأمر بقراءته ، بل ومن ترتيب الثواب على القراءة ، قال الله عز وجل : ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [(29) سورة ص ] ، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾ [(82) سورة النساء] ، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [(6 سورة المؤمنون] ، ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [ سورة محمد - الآية : 24 ] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [(37) سورة ق ] .
                        قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين "(مصنف ابن أبي شيبة 6-126 ، المعجم الكبير للطبراني : 9-136 ، شعب الإيمان للبيهقي : 2-332 ) ، وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما : " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ، ويتفقدونها في النهار "(التبيان للنووي: 2 ، وقال مسروق بن الأجدع - وهو من كبار تابعي الكوفة وأجمعهم لعلم الصحابة - : " ما نسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه "(شعب الإيمان للبيهقي : 5/231 ) ، وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " لقد عشنا دهراً طويلاً وإن أحدنا يؤتى الإيمان(أي ما تضمنته الآيات من العلم بالله واليوم الآخر) قبل القرآن (أي مجرد قراءة الألفاظ) فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها ، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف(المراد بالوقوف هنا هو التوقف عن القراءة لأجل التدبر والتفكير في معنى الآية ، وقد حمل بعضهم كلام ابن مسعود على معنى الوقف الإصطلاحي وهو: التوقف لأجل النفس ثم مواصلة القراءة) عنده منه ينثره نثر الدقل "(المستدرك على الصحيحين ج1/ص91 (101) ، سنن البيهقي الكبرى ج3/ص120(5073) ) ، وقال الحسن البصري : " ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وما أراد بها " (تفسير القرطبي : 1/26 ) ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " عليكم بالقرآن فتعلَّموه وعلِّموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون ، وبه تجزون ، وكفى به واعظاً لمن عقل "( كنز العمال : 23 ، مشكل الآثار للطحاوي : 1/171) ، وقال الحسن البصري رضي الله عنهما: " قراء القرآن ثلاثة أصناف : صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به ، وصنف أقاموا حروفه ، وضيعوا حدوده ، واستطالوا به على أهل بلادهم ، واستدروا به الولاة ، كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله ، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم ، فركدوا به في محاريبهم ، وحَنُّوا به في برانسهم( انظر لسان العرب - (ج 6 / ص 26) وفيه : " البُرْنُس كل ثوب رأْسه منه مُلْتَزِقٌ به دُرَّاعَةً كان أَو مِمْطَراً أَو جُبَّة وفي حديث عمر رضي اللَّه عنه سقط البُرْنُسُ عن رأْسي هو من ذلك الجوهري البُرْنُسُ قَلَنْسُوَة طويلة وكان النُّسَّاكُ يلبسونها في صدر الإِسلام وقد تَبَرْنَسَ الرجل إِذا لبسه قال وهو من البِرْس بكسر الباء القطن والنون زائدة وقيل إِنه غير عربي"اهـ وانظر : الصحاح في اللغة - (ج 1 / ص 41)) ، واستشعروا الخوف ، فارتدوا الحزن ، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء ، والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر " ( ابن الجوزي في العلل 1/110 ، والكبريت الأحمر : أي الذهب الخالص ، انظر : لسان العرب ( كبر ) 5/125)
                        قال أحمد بن أبي الحواري : "إني لأقرأ القرآن وأنظر في آيه ، فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنهم النوم ، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله ، أما إنهم لو فهموا ما يتلون ، وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحاً بما قد رزقوا "( لطائف المعارف 203).

                        تعليق


                        • #13
                          المسألة الثانية : العلم الذي نريده من القرآن
                          ما العلم الذي نريده من القرآن ؟
                          يجيب ابن القيم على هذه المسألة المهمة بأبيات جميلة يقول فيها:
                          والعلم أقسام ثلاث ما لهــــــــــــــــا
                          مــــن رابع والحق ذو تبيان
                          علم بأوصاف الإلـه وفعلــــــــــــــــه
                          وكذلك الأســــــماء للرحمن
                          والأمـــر والنهي الذي هو دينــــــــه
                          وجزاؤه يوم المعاد الثـــاني
                          والكل في القــــــرآن والسنن التي
                          جاءت عن المبعوث بالقـرآن

                          (القصيدة النونية : ص 189)
                          إننا نريد من القرآن العلم الذي به نحقق التوحيد لرب العبيد، نريد منه العلم الذي به تزكو النفوس وترق القلوب، العلم الذي ننجو به من النار وغضب الجبار، وننال به الهداية والأمن، والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
                          قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى:﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [(2 سورة فاطر ] -: هم الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير(تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 544) ).
                          وقال ابن مسعود رضي الله عنه :" كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا " (مفتاح دار السعادة : 1/51).

                          تعليق


                          • #14
                            المسألة الثالثة : كيفية تحقيق هذا المقصد
                            إن مما يعين على تحقيق هذا المقصد أن تقرأ القرآن قراءة مركزة واعية، قراءة من تستوقفه كل آية، يتأمل فيها ما أراده الله منها.
                            وتأمل في كتاب الله ما أشار إليه ابن القيم –رحمه الله- حيث قال:
                            "ليس شــيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته؛
                            فإنها تطلع الـعـبـد عـلـى معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل فـي يـده مـفـاتـيـح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتـشـهــده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصـــل إليه وقواطيع الطريق وآفاته، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة.
                            فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فـيـهــا، وتميز له بين الحق والباطل في كل ما يختلف فيه العالم، وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق به بـيـن الـهــــدى والـضـــلال، وتـعـطـيه قوة في قلبه وحياة واسعة وانشراحاً وبهجة وسروراً فيصير في شأن والناس في شأن آخر؛ فــلا تـزال مـعـانـيـه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديــه فـي ظـلـم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتناديه كلما فترت عــزمــاتــه: تقدمَ الركبُ، وفاتك الدليل، فاللحاقَ اللحاقَ، والرحيلَ الرحيلَ.
                            فاعتصم بالله واستعن به وقل: "حسبي الله ونعم الوكيل"[مدارج السالكين ، ج1 ، ص 485 ، 486.]

                            تعليق


                            • #15
                              المسألة الرابعة: الدعوة بالقرآن هي طريق النجاح في الدعوة
                              لو تأملنا في حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع المدعوين، وماذا كان يقول لهم، لوجدنا أنه في كثير من المواقف يكتفي بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ويحدث هذا أثرا عظيما في النفوس ، لقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لآية من القرآن تشد الكافر والمنافق والمشرك و تبين له الحق ، ولا يقل أحد إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بل هو ممكن لكل من سلك سبيله واقتدى به ، وهو بهذا مستجيب لربه سبحانه وتعالى الذي أمره بذلك إذ يقول : ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [(45) سورة ق] ، وبقوله سبحانه : ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ﴾ [(6) سورة التوبة]، ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ [(106) سورة الإسراء]،وقوله : ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [(92) سورة النمل] .
                              فلم لا يكون حوارنا ، وتكون خطبنا ، ومواعظنا تنطلق وتدور في فلك آيات القرآن الكريم ، نبدأ بالاستشهاد بها في كل ما نريد إيصاله إلى المدعوين من تربية وتعليم .
                              إن البعض قد يعتذر قائلا : إن ما تدعو إليه صعب ، ونحن نشاهد الناس يتأثرون بالقصص والأمثلة والنماذج الحية أكثر من تأثرهم بالقرآن والسنة .
                              فأقول : إن هذا هو أساس المشكلة التي نحاول علاجها في هذا البحث ، وهو لماذا نتأثر بالقصص والحكايات ، ولا نتأثر بالآيات والسنة؟
                              إن بعض الدعاة ممن يكثر القصص يتعلل بقوله : إن الناس لا يطيقون أو لا يفهمون ذلك ، فنحن نقرب لهم الأمر بالقصص والحكايات والأدبيات التي تؤثر في نفوسهم ، وهذا غير صحيح ، فالعيب في الداعية نفسه وليس في الطريقة أو المنهج -كيف وهو منهج السلف الصالح- وليس العيب في الناس ، بل إنه متى استشعر الداعية عظمة القرآن وكان معايشا له متعمقا فيه فإن أثر قراءته لبضع آيات لا يقارن بأثر قصة أو مشهد من هنا وهناك {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57].

                              تعليق

                              يعمل...
                              X