إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

شرح الاصول الثلاثة لشيخنا عبيد الجابري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح الاصول الثلاثة لشيخنا عبيد الجابري حفظه الله

    [align=justify:5513214026]أعد هذه المادة : أخت لكم في الله ترجو الدعاء منكم.
    وقد صححها وعدلها أخٌ لكم في الله يرجو الدعاء هو أيضاً.


    



    بسم الله الرحمن الرحيم.

    اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:
    الأولى: العلم؛ وهو: معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
    الثانية: العمل به.
    الثالثة: الدعوة إليه.
    الرابعة: الصبر على الأذى فيه.
    والدليل قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}.

    [الشـرح]:
    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قيوم السماوات والأراضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين… أما بعد:
    فقول الشيخ رحمه الله:" اعلم رحمك الله" إلى آخره؛ هذه الجملة تعوَّد كثيرٌ من أهل العلم تصدير كتبهم بها لما تشتمل عليه من لفت النظر- أعني في قوله " اعلم"- فهو أمر وتنبيه- تنبيه السامع لما يلقى إليه من الكلام لأهميته- كما أن الجملة تشتمل على الدعاء بالرحمة للمخاطَب؛ "رحمك الله".
    وهذه المسائل تتعلق بالعمل؛أربع مسائل عملية في الدين.
    وقوله: " الأولى: العلم" العلم ضد الجهل، وهو: أدراك حقيقة الشيء على ما هو عليه إدراكا جازماً.
    ثم فسر فقال: " العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة".
    "معرفة الله" هي: الإيمان به؛ والإيمان به يقتضي الإيمان بوجوده؛ والإيمان بربوبيته والإيمان بأسمائه وصفاته.
    "ومعرفة نبينا محمد" : الإيمان بأنه رسول من الله.
    "ومعرفة دين الإسلام بالأدلـة" هذه الجملة تنبيه إلى القاعدة التي استنبطها العلـماء من الكتاب والسـنة؛ وتلكم القاعدة: الاصل فى العبادة التوقف. فالتدين والتقرب والتعبد لله لا يكون إلا بالنص الصحيح الصـريح؛ فليس للاجـتهاد مجال في إثبات شيء من التعبد، وهذا الدليل إما: كتـابٌ وإما سنة وإما إجماع عن سلف الأمة على أن الله أمـر بكذا .
    "ومعرفة دين الإسلام بالأدلة"..يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  أنه قال : " لو كان الـدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه"، وهذا ما اتفقت عليه كلمة الأئمة- أئمة الإسلام - من أصحاب المذاهب الأربعة وغـيرهم على أن: الـديـن بالـدليـل؛ وكان الإمام مالك رحمه الله يقول بعد درسه "كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلام صاحب هذا القبر" يعني النبي . ولهذا فإن أهل السنة والجـماعة -أهل السـلفية- يزنون أقوال الناس وأعمالهم بمـيزانين - لا ثالث لهما- وذانكم الميزانان هما: النص والإجماع؛ فالنص يشمل الكتاب والسنة ؛ فمن وافق نصاً أو إجماعاً قُـبل منه،ومن خالف نصاً أو إجماعاً رُدَّ عليه قوله وفعله.
    "ومعرفة دين الإسلام بالأدلة" الوقوف عند الدليل في التعبد هذا هو شرط المتابعة، لأن كل عبادة لابد لها من شرطين حتى تنال عند الله القَبول؛ فما ذانكم الشرطان؟ تجريد الإخلاص لله وحده وتجريد المتابعة لرسول الله .
    هذه المسألة الأولى. وهي الثلاثة الأصول التي ستأتي بعد، وهي: معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام .

    والمسألة الثانية: العمل بهذا الدين: العمل به أي بدين الله، فإن ثمرة العلم العمل؛ فالعلم دون عمل كشجرة لا ثمرة لها، قال عبد الله بن مسعود  " كنا لا نجاوز عشر آيات من فم رسول الله  حتى نتعلم معناها والعمل بها، قال: فكنا نتعلم العلم والعمل" فإن العلم مع العمل الصحيح -بشروطه- حجةٌ للعبد عند الله عز وجل.
    اجتمع علم وعمل صحيح بشرطيه السابقين كان ذالكم العلم حجة للعبد عند ربه، وإذا تخلف عن العلم العمل كان العلم حجة على العبد، وكان الإنسان من المغضوب عليهم وهم: اليهود، سموا مغضوباً عليهم لأنهم لم يعملوا بعلمهم.
    وإن كان عملٌ بدون علم كان الجهل والتخبط في العبادة، فأصبح الإنسان شبيهاً بالنصارى لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال. وفي الحديث الصحيح:{ أنه يؤتى برجل يجتمع أهل النار عليه، تندلق أقتاب بطنه - أي أمعاؤه- فيقولون: يا فلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيهْ}.
    و قديماً قالوا:
    وعـالمٌ بعـلـمه لم يعـملن
    معذبٌ من قبل عـباد الوثـن.
    هذه المسألة الثانية؛ بعد العلم كان العمل به.

    "والمسألة الثالثة الدعوة إليه" عَلِمَ فعمل، فكان عليه أن يدعو إلى الدين الذي منَّ الله عليه بمعرفته والعمل به.
    ومن هنا نقول: ما واجب الداعية؟ أو ما آداب الداعية. للداعية إلى الله آداب كثيرة.. ولعلنا نذكر أهمها:
    أولاً: الحرص على هداية الناس وتبليغهم دين الله.
    ثانياً: الرفق؛ فإن الرفق لم يكن في شيء إلا زانة ولم ينـزع من شيء إلا شانه.
    ثالثاً: الحكمة.
    رابعاً: الموعظة الحسنة.
    خامساً: المجادلة بالتي هي أحسن.
    والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه.
    والموعظة الحسنة: الترغيب والترهيب؛ يستعمل كلاً منهما في موضعه.
    والمجادلة بالتي هي أحسن: إذا كان المدعو يحتاج إلى مجادلة يزيل عنه الشبه ويسلك أقرب طريق لوصول الحق إليه.
    سادساً: الفقه؛ وهو علمه بالمأمورات والمنهيات.
    سابعاً: بيان الحق للناس وحثهم عليه بالأدلة وبيان الباطل -أيضاً- وتحذير الناس منه بالأدلة.
    ثامناً: لا يُذهب نفسه حسرات على من لم يقبل هدى الله؛ فذالكم مما نهى الله نبيه  عنه لأنه قضت حكمة الله وسنة الله أنه يحيا من حيّ عن بينه ويهلك من هلك عن بينه.
    تاسعاً: التصدي لشبه المبطلين وأهل الأهواء وردها بالقوة وتحذير الناس منها؛ فالنبي  فعل ذلك؛ ولنأخذ مثالاً واحداً؛ فإنه حين خرج إلى حنين -بعد الفتح- ومر الناس على شجرة يقال لها: ذات أنواط - يعلق المشركون بها أسلحتهم تبركاً؛ قال حدثاء العهد بالإسلام: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط! فماذا قال النبي ؟ لم يكتفِ بقول هذا حرام وأنتم مسلمون وهذا من عمل المشركين، بل قال كلمات كان لها أبلغ الوقع على نفوس الناس وأبلغ الأثر في زجرهم واجتثاث هذه النية من قلوبهم؛ لأن هذا العمل شــــرك.
    قال:{ الله أكبر!! إنها السنن لتتبعن سُنن من كان قبلكم، لقد قلتم والذي نفسي بيده كما قال أصحاب موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لكم آلهة } وهكذا سيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فإنه حينما ترُوج بدعة وتنتشر يواجهونها بشدة؛ من ذالكم: أنه لما أظهر معبد بن خالد الجُهني مقالة القدر بالبصرة استنكرها الناس وجاء بعض التابعين إلى عبد الله بن عمر  وكان في آخر من بقي من أصحاب رسول الله  وأخبروه الخبر فقالوا: يا أبا عبد الرحمن: ظهر عندنا أناس يقولون لا قدر والأمر أُنُف! قال لهم:" أخبروهم أني بريء منهم وأنهم برءاءُ مني، والله لو كان لأحدهم مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما تقبل منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره". زجر شديد جداً قوي.
    هذه من آداب الداعية إلى الله عز وجل. هذه المسألة الثالثة.

    "الرابعة: الصبر على الأذى فيه "يعني في دين الله؛ فإنه في كل مكان وفي كل زمان يلحق الدعاة إلى الله على بصيرة أذى، لكنه يختلف باختلاف الزمان والمكان؛ فإذا كانت السنة قوية والعقيدة قوية -العقيدة السلفية قوية- الأذى يقل، وإذا ضعفت في النفوس العقيدة وضعف التمسك بالسنة استغرب الداعية إلى السنة وإلى تصحيح المعتقد، فيكثر الأذى.
    والذي يريد أن يقيم حجة الله على العباد يجب أن يصبر؛ تأسياً برسول الله وبالمصلحين من أئمة الهدى.
    من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولهذا تجد أكثر الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل من أتباعهم ؛ الدعاة إلى الله على بصيرة، والإنسان حينما يتجند داعيةً إلى الله -إلى الهدى ودين الحق- قد يستشعر الغربة وتنتابه الوحشة لقلة السالكين معه أو كثرة المخالفين له، ولكن هذا لا يضره؛ فإنه لا يجوز الاغترار بالكثرة ولا الزهد في القلة، هذه إحدى المسائل التي استنبطها الشيخ -رحمه الله- في كتاب التوحيد في مسائلة على باب: " من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب".

    نأتي إلى السورة الكريمة وهي قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ} هذا الأسلوب ماذا يسمى في العربية؟ والعصر، والشمس، والليل ؟ أسلوب قسم، والقسم من الله عز وجل بمخلوقاته كثير في القرآن، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تشريفاً للمقَسم به، أو تنبيهاً على عِظم شأنه، أما المخلوق فلا يحل له القسم بغير الله عز وجل لقوله  {من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك}.
    وحروف القسم ثلاثة: وهي: (الواو ، التاء ، الباء)
    والباء يجب اقترانها بالفعل متقدماً عليها أو متأخراً عنها؛ أُقسم بالله أو بالله أقسم، أحلف بالله أو بالله، وأما الواو والتاء فإنه لا يشترط لها ذلك..تالله، هذا ورد في القرآن كثير، والله.
    والـمُقسَمُ به في هذه السورة الكريمة ما هو ؟ العصر، وما العصر الذي اقسم الله به هنا؟ هل هو الوقت المعروف من نهاية وقت الظهر حتى المغرب ، أو هو الدهر كله؟ يجوز هذا وهذا، وبكلٍ من القولين قال طائفة من أهل العلم، فلننظر ما سر القسم -والعلم عند الله- فإن كان العصر ها هنا هو الوقت المعروف فإن فيه صلاة العصر وهي أحدى البردين، وهي الصلاة الوسطى، والحلِفُ بعد صلاة العصر خطير وعظيم فهو من أشرف الأوقات.
    وفي صلاة العصر جاء الحث عليها ببيان فضلها والتحذير من تركها أو تفويتها.
    فمن الأول:- وهو بيان فضلها-عن جرير بن عبد الله البجلي قال:كنا عند رسول الله فنظر إلى القمر ليلية بدر فقال:{ إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر؛فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا}.ما الشاهد؟صلاة قبل غروب الشمس، وهي: العصر.هذا يدل على فضلها.
    هذا الحديث يدل على أمرين:-
    - أولاً: إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
    - والثاني: فضل صلاة الصبح وصلاة العصر. والشاهد عندنا.
    ومن ذلكم ما جاء في الحديث الصحيح أنه لما شغل المشركين النبي  عن صلاة العصر يوم الخندق قال:{ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر} .
    ومن الثاني:-وهو التحذير من تركها- قوله {من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله}.
    وحذر من التهاون بها حتى يفوت وقتها فقال: { من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله}أو{ أهله وماله} وجهان.
    وإن كان المقسم به الدهر: فإنه فيه من عجائب صنع الله وعظيم تقديره ما يبهر العقول؛ فإنه فيه - أي في العصر الذي هو الزمن كله أو الدهر كله- يحيي الله ويميت، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل ويعطي ويمنع، وفيه تتابع النبوات على البشر وذلك خير عظيم.
    {والْعَصْرِ} والقسم لا بد له من جواب، إما ظاهر وإما مقدر، فما جواب القسم هنا في هذه السورة؟ جوابه:
    {ِإِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} حكم الله سبحانه وتعالى بخسر جميع الإنسان إلا من يستثني بعد.
    {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} والإنسان يراد به الجنس {إِنَّ الْإِنسَانَ} أي العموم؛ عموم الإنسان {لَفِي خُسْرٍ} وهو ضد الربح، هذا العموم استثنى الله منه سبحانه وتعالى من اتصف بأربع صفات ، فما تلكم الصفات الأربع؟
    الأولى: الإيمان. الثانية: العمل الصالح.
    الثالثة: التواصي بالحق. الرابعة: التواصي بالصبر.
    هؤلاء الموصفون بالصفات الأربع هم الناجون من الخسران ؛ والمراد تطبيق وجه الدلالة من السورة على المسائل الأربع فالشيخ ذكر أربع مسائل واستدل عليها بهذه السورة، فما وجه الاستشهاد؟
    عندنا العلم والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه.
    فما شاهد العلم -الذي هو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة الدين- شاهده هو: الإيمان، ووجه ذلك:
    أن الإيمان في اللغة: التصديق.
    وفي الاصطلاح: هو قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا هو تمام العلم بالله وبنبيه وبدينه.


    والمسألة الثانية: العمل، وما دليلها؟ {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} كل مسلم يحب العمل الصالح، لكن ما ضابط العمل الصالح؟
    هو ما توفر فيه الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليس كل عمل صالح، العمل الصالح هذا هو.

    والمسألة الثالثة ما شاهدها؟ {وَتَوَاصَوْاْ بِاْلحَقِّ} أي يوصي بعضهم بعضاً بالحق، والحق من أين يُعرف؟ من الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح؛ من الصحابة وأئمة التابعين ومن بعدهم؛ هو الحق، ليس الحق في أفكار البشر ومناهج البشر؛ لأن كل فرقة من الثلاث والسبعين تدعي أن عملها حق، والتي قام الدليل على أحقية عملها فرقة واحدة فقط، أما اثنتان وسبعون فرقة فعملها باطل -في الجملة- وإن كان يوجد عندها شيء من الحق- ما من فرقة من الثنتين وسبعين فرقة إلا وعملها فيه شيء، لكن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة عملها كله حق -في الجملة- أما بقية الفرق فإنها ضالة كما أخبر النبي  في حديث افتراق الأمم قال:{ وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة} قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: {الجماعة} هذه الرواية الصحيحة، هذه الجماعة ناجية ومنصورة، وأما اثنتان وسبعون فرقة فهي خاسرة.
    هذه المسألة الثالثة: التواصي بالحق، والحق -كما قلنا- ما قام الدليل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع من سلف الأمة.

    المسألة الرابعة شاهدها: { وَتَوَاصَوْاْ بَالصَّبْرِ} يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، هذه لفتة إلى أن أهل السنة وأهل السلف لا يستعجلون ولا يأخذهم الطيش ولا الشطط، يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، ينالهم ما ينالهم من الأذى ومع هذا يصبرون ويصابرون.
    {وَتَوَاصَوْاْ بِالصَبْرِ} والصبر لغة: الحبس و المنع.
    واصطلاحاً: هو حبس اللسان عن التشكي والتسخط، والنفس عن الجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب.. ونحو ذلك من القبائح المنافية للصبر.
    وهو عند أهل الشرع ثلاثة أقسام:-
    • صبر على طاعة الله: حتى يؤديها كاملة، أو قريبة من الكمال، لقول الله تعالى: {فََاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. [التغابن 16]. يجب أن يؤدي الطاعة كاملة، وإذا عجز يسدد ويقارب.
    • والثاني: صبر عن معصية الله؛ حتى يتجنبها.
    • والثالث : الصبر على أقدار الله.
    والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وقد ذكره الله عز وجل أكثر من ثمانين مرة في القرآن.
    وإذا نظرت في حال الأنبياء والمصلحين وجدت أنهم أصبر الناس على تبليغ الدين وتعليمه الناس على الوجه الصحيح.
    وهذه المسائل الأربع هي جهاد النفس؛ فالإنسان يجاهد نفسه أولاً: على معرفة الهدى ودين الحق، وأنه سبب السعادة في الدنيا والآخرة، وبقدر ما يفوت النفس من معرفة الهدى ودين الحق بقدر ما يفوتها من السعادة في الدنيا والآخرة.
    والمرتبة الثانية: العمل بما علَّمه الله من الهدى ودين الحق؛ حتى لا يكون العلم حجة عليه.
    والثالثة: دعوة الناس إلى ما منَّ الله به عليه من الهدى ودين الحق؛ لأن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور تابعيه ولا ينقص من أجورهم شيء.
    والرابعة: صبره على ما يصيبه في هذا السبيل؛ تأسياً برسول الله  ومن مضى قبله من النبيين والمرسلين ومن جاء بعد نبينا من الصحابة وأئمة الهدى إلى اليوم. وليس المسلم قاصراً همه على هداية الناس على يديه بل يهتم بتبليغ حجة الله؛ أنَّ الله مظهراً دينه على يديه أو على يدي من يأتي بعده، أما أن يقصر همه على هداية الناس على يديه دون أن يفكر في العواقب فهذا خطأ وقصور في الفهم.

    " قال الشافعي رحمه الله تعالى:" لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ".
    [ الشرح]:
    هذا القول بعض مشائخنا يرى في نسبته إلى الشافعي نظر، ولم أقف عليه في كتاب من كتب الشافعي -مع أن البحث قليل- وحجة الله قامت على الخلق بغير هذه السورة، وعلى فرض صحة هذا القول عن الشافعي رحمه الله فإن هذه السورة على قصر لفظها فقد اشتملت على المعاني الواسعة؛ ومن تلكم المعاني ما تضمنته من حسن العاقبة لأهل الإيمان والتحذير من سوء العاقبة لغيرهم، كما أن فيها التنويه بالدعاة إلى الله على بصيرة وأنهم متميزون عن غيرهم؛ وذلكم أنهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، وليس عندهم شطط كالفرق الضالة؛ سماتهم الرفق في موضعه والقوة في موضعها، فهم يتميزون بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وهذا واضح في سيرة الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الهدى.

    "وقال البخاري رحمه الله تعالى: باب: العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
    [ الشرح]
    بابٌ/ التقدير: هذا باب ٌ " العلم قبل القول والعمل " قبل أن يدعو يجب عليه أن يتعلم دين الله الذي يدعو إليه.
    وهنا نقول: إن الدعاة أو المنتسبين للدعوة ثلاثة أصناف:-
    o الصنف الأول: هم أهل البصيرة أي الفقه في دين الله والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وبالحجج والبراهين، وهؤلاء هم أسعد الناس، وهم الذين أثنى الله عليهم في قوله لنبيه  { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إَلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اْتَّبَعَنيَ } [يوسف:108].
    o الثاني: دعاة الجهل؛ وهم الذين يتصدرون ميدان الدعوة ولا فقه عندهم في دين الله، أو عندهم فقه لا يؤهلهم، وهؤلاء يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وهم -في الحقيقة- سلم لأهل الأهواء.
    o الصنف الثالث: دعاة الفتنة والضلال- دعاة الانحراف- وأول فرقة خاضت هذه الميدان هم السبأية أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي اليمني الذي أسلم نفاقاً، فأول حدث أحدثوه في الإسلام: تحريض الناس على أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين" عثمان بن عفان"  حتى قتلوه، تحريض وتهييج حتى قتل الخليفة وهؤلاء - أي السبأية- هم سلف الثوريين ؛ لأن من أصول أهل السنة والجماعة اجتماع الكلمة على من ولاه الله أمر المسلمين وعدم شق العصا وعدم تفريق الكلمة، فالثوريون من بني جلدتنا أخذوا هذا الجانب عن السبأيين، وأحداثهم في الإسلام كثيرة: الزندقة ،الرفض.. وغير ذلك.
    والفرقة الثانية: فرقة الخوارج الذين خرجوا على "علي بن أبي طالب" " الحرُورِيَّة" أصحاب النهرَوان؛ وهم التكفيريون ضلوا وأضلوا؛ كفَّروا عصاة الموحدين وفساق المسلمين بالكبائر، وسيأتي لهذا تفصيل لاحق إن شاء الله تعالى.
    فهذه أصناف المنتسبين إلى الدعوة ثلاثة أصناف.
    وأسعدهم هم الصنف الأول؛ دعاة البصيرة والبينة والفقه في دين الله، وقد قال رسول الله : {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين}.
    {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} الشيخ رحمه الله بيَّن الشاهد؛ فقال: "فبدأ بالعلم قبل القول والعمل".
    {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} أولاً: العلم، اعلم، قبل أن تدعو الناس إلى دين الله أن تتعلم، وقد ذكر الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية ثمانية أسباب لحصول العلم بـ " لا إله إلا الله" ثمانية أسباب -فارجعوا إليها تتمة للفائدة- منها: ما أقامه الله سبحانه وتعالى من الأدلة والبراهين على استحقاقه العبادة، ومنها: ما يشَاهد من النعم على العباد، ومنها: اتفاق كلمة الرسل والكتب وتواطؤها على ذلك -على الدعوة إلى عبادة الله وحده- إلى آخر ما ذكره من الأسباب رحمه الله.
    وتكملة الآية قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} في الآية -غير ما تقدم من العلم بـلا إله إلا الله، وهو: العلم بمعناها والعمل بمقتضاها؛ أي ما تدل عليه وما تتطلبه من العباد- أمران آخران:
    ففي قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} دليل على أن الفاسق المِلِّي -عاصي أهل القبلة- لا يخرج من مسمى الإيمان، وهذا ما أجمع عليه أهل السنة والجماعة فقالوا في الفاسق الملي أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو يقولون: مؤمن ناقص الإيمان، خلافاً للخوارج والمعتزلة، عرفنا مذهب أهل السنة والجماعة وعقيدتهم في الفاسق الملي، وهذا خلاف الخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة في الدنيا ويستحلون دمه وماله، وإن مات دون توبة فهو عندهم خالدٌ مخلدٌ في النار، ومذهب المعتزلة يخرجون الفاسق الملي من الإسلام ولا يكفرونه!! بل يجعلونه في منزلة بين المنزلتين -لا مؤمن ولا كافر!!- وأما في الآخرة فيقولون: إن مات دون توبة فهو خالدٌ مخلدٌ في النار!! فوافقوا الخوارج في حكمه في الآخرة واختلقوا معهم في حكمه في الدنيا، وكلتا الطائفتين قد ضلت وأضلت.
    وهدى الله سبحانه وتعالى أهل السنة والجماعة إلى القول الحق والمعتقد الصحيح والمنهج السديد؛ إذ كان عملهم وفق النصوص من القران وسنة رسول الله  فجمعوا بين الوعد والوعيد فقالوا -أي أهل السنة والجماعة- إن مرتكب الكبيرة في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وأما في الآخرة فهو تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له ورحمه وأدخله الجنة وإن شاء عذبه -تحت مشيئة الله- وسيأتي -كما قدمنا- لهذا مزيد بيان وتفصيل لاحق إن شاء الله تعالى.

    والأمر الثاني الذي تضمنته الآية في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلََّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} فيه دليل على إحاطة علم الله سبحانه وتعالى بأعمال العباد ومجازاتهم عليها، وهذا يقتضي من العبد مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية.


    
    " اعلم -رحمك الله- أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث مسائل والعمل بهن.
    الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
    والدليل قوله تعالى:{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا " [سورة المزمل آية: 15-16]
    [ الشرح]
    فإن هذه المسائل التي ذكرها الشيخ هي مسائل إعتقادية، والتي مضت مسائل عملية.
    المسألة الأولى: ما ذكره من أن الله سبحانه وتعالى:
    "خلقنا " أي: أوجدنا من العدم، نعمة الإيجاد.
    "ورزقنا": وهذه نعمة الإمداد.
    " ولم يتركنا هملا ": لم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا هملا،لم يجعلنا سُدا مضيَّعين.
    " بل أرسل إلينا رسولاً " هو محمد  ، فبعد نعمة الخلق ونعمة الرزق تأتي نعمة الإعداد للحكمة التي خلق الله الخلق من أجلها وهي عبادته، وعبادته -هذه- لا يدركها الناس تمام الإدراك ويؤدونها حق الأداء كما يريد الله منهم إلا بإرسال الرسول.
    والرسول في اللغة: من بُعث برسالة، فعول بمعنى مُفعل؛ رسول بمعنى مرسل.
    وفي الاصطلاح: رجل من بنى آدم، أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه.
    ولابد قبل بيان معنى الآية ووجه دلالتها على هذه المسألة أن نبين مهام النبي  كما دل عليها الكتاب الكريم وسنة نبينا 
    أولى المهمات: أنه شاهد؛ شاهدٌ للخلق وشاهد عليهم، شاهد لهم بما عملوا به من سنته -شرْع الله الذي جاء به- وشاهد عليهم.
    المهمة الثانية: البشارة والنذارة: وهي البشارة بالجنة للمطيع، والنِذارة وهي التخويف بالعقاب للعاصين.
    الثالثة: الحكم بين الناس والفصل في خصوماتهم.
    الرابعة: تعليم الناس شرع الله.
    هذه أهم وظائف الرسول  ، فالآية دليل على هذه المسألة دليل واضح.
    {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} ومَن الرسول الذي أرسله الله إلى فرعون؟ موسى  { فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذَاً وَبِيلاً}وجه الدلالة على أن من أطاع النبي محمداً  دخل الجنة ومن عصاه دخل النار: في ذكر ما ناله فرعون على معصيته موسى  فإن الله سبحانه وتعالى يحذر هذه الأمة من معصية نبيها  وأن العاصي منها سيلقى ما لقيه العصاة المكذبون لرسلهم؛ فهو يقول: من عصى محمداً منكم فإنه عرضة لأخذ الله -الأخذ الوبيل- كما أخذ فرعون على معصيته موسى  .
    فهذه الآية تدل على وجوب طاعة النبي  فيما يأمر به والتحذير من معصيته.
    ويدل على وجوب طاعة النبي  والحذر من معصيته من السنة ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: { كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى } قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: {من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى }.
    

    الثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل
    والدليل قوله تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً } [سورة الجن، آية:18 ].

    [ الشرح]
    هذه المسألة الثانية، وهي تدل على المنهج الصحيح والقاعدة السديدة في العبادة، وذالكم أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملَك مقرب ولا نبي مرسل، هذا ما اتفقت عليه كلمة الرسل من لدن نوح إلى محمد -عليهم الصلاة والسلام- فكل الرسل دعوا قومهم إلى إخلاص العبادة لله ولم يدعوا الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى عبادة الله هكذا مطلقة، بل مقيدة بالإخلاص، ولنأخذ أمثلة على ذلك:
    المثال الأول: قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [النحل 36] فقد دلت هذه الآية على اتفاق الرسل على دعوة الناس إلى التوحيد الخالص؛ العبادة الخالصة؛ فإن الله لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصاً له سبحانه وتعالى.
    ثانيا: ما قصه الله سبحانه وتعالى عن صالح وهود وقبلهما نوح عليهم الصلاة والسلام؛ فكلهم قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [الأعراف 59] وهذا هو توحيد الألوهية الذي كان فيه النزاع والخصومة بين النبيين وأممهم، وتوحيد الألوهية هو: توحيد الله بأفعال العباد الذي شرعها لهم وأمرهم أن يعبدوه بها.
    ومن أجل هذا التوحيد كانت المفاصلة والعداوة والبغضاء وحز الرؤوس.
    قوله: " لا ملك مقرب": الملك واحد الملائكة، مأخوذ من "الأَلوكة" وهي: الرسالة.
    والملائكة: عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ومادة خلقهم النور كما صح بذالكم الخبر عن رسول الله  فالإنس مخلوقون من التراب، والجان مخلوقون من النار والملائكة من النور، وهم مقربون إلى الله سبحانه وتعالى مكاناً ومكانة؛ فمن حيث المكان: فهم في السماوات، ومن حيث المكانة: اصطفاء الله لهم وجعلهم رسلا ومكلفين بوظائف، ومنهم جبريل  أمين الله على وحيه وسفيره إلى أنبيائه ورسله.
    والنبي: مأخوذ من النباوة؛ بمعنى المكان المرتفع، أو من النبأ؛ وهو الخبر العظيم.
    واصطلاحاً: رجل من بني آدم أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه، أو جاء بتقرير شريعة سابقة.
    وهذا هو غير التعريف المشهور، فالتعريف المشهور خطأ ، التعريف الذي كان مشهوراً عندنا: أن النبي -اصطلاحاً- رجل أوحي الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه، وهذا قاصر، والصواب -إن شاء الله- ما قررته آنفاً : رجل من بني آدم أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه، مثل أولي العزم وصالح وشعيب وهود، أو جاء بتقرير شريعة سابقة :كأنبياء بني إسرائيل بين موسى وعيسى؛ فإنهم جاءوا بتقرير شريعة موسى، مثل: يوشع بن نون . والدليل على أن النبي مرسل مثل الرسول قول الحق جل جلاله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج:52 ].
    فالآية نصٌ على أن النبي مرسل مثل الرسول، ولا يُعرف أن الله أوحى إلى رجل وأمره بالقعود في بيته، ولعله يزيد هذا توضيحاً قوله  {كانت سياسة بني إسرائيل في الأنبياء؛ فكلما هلك نبي جاء نبي، ولا نبي بعدي، فقد جعل الله سياسة هذه الأمة في العلماء} فالأنبياء دعاة ومعلمون ومرشدون، لكن منهم من هو رسول نبي وهو: من كانت شريعته مستقلة. ومنهم من هو نبي وهو: من جاء مقرراً لشريعة من قبله.
    {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً} المساجد: مواضع الصلاة، وسواءً كانت مبنية، أو أرضاً لا بناء فيها، وسميت مساجد لأنها مواضع السجود، والسجود أشرف أركان الصلاة وأعظمها.
    {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَداً } نهيٌ عن الشرك عامة وللدعاء خاصة؛ لأن {الدعاء هو العبادة} كما قال  والشرك في اللغة: التسوية.
    وفي الاصطلاح: تسوية غير الله بالله. وهو أنواع يأتي تفصيلها لاحقاً إن شاء الله.
    

    الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب.
    والدليل قوله تعالى: { َلا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة آية: 22].

    [ الشرح]
    وهذه المسألة من أعظم قواعد الدين؛ لتضمنها قاعدة: "الـولاء والبـراء".
    فالولاء هو: الحب في الله والمناصرة فيه. والبراء هو: البغض في الله والمعاداة فيه.
    قال الشيخ المصنف رحمه الله في بعض رسائله: " وأصل الدين وقاعدته أمران؛ الأول: الأمر بعبادة الله وحده والتحريض على ذلك والمولاة فيه وتكفير من تركه ( أي من ترك العبادة، ترك هذا الأصل) والأمر الثاني: النهي عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله".
    قوله: " أن من أطاع الرسول ووحد الله" العبادة لا تسمى عبادة على الوجه الصحيح حتى يجتمع فيها هذان الأمران؛ طاعة رسول الله  وتعني ماذا؟ تجريد المتابعة له  وتوحيد الله يعني الإخلاص .
    " لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله" الموالاة هي: المحبة والنصرة -هي الموادة- لأن الحب في الله والبغض في الله كما قال  { من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان} وفي الصحيحين عن أنس  أن رسول الله  قال: { ثلاثٌ من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار} فالشاهد من الحديث: { أن يحب المرء لا يحبه إلا لله} فالبغض في الله يجب وإن كان مع أقرب الناس؛ ما دام محاداً لله معانداً شرع الله وإن كان أقرب الناس، واستدل الشيخ بهذه الآية من سورة المجادِلة أو المجادَلة { َلا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }.
    {َلا تَجِدُ} الخطاب أولاً لرسول الله ، وأمته تبعٌ له في هذا الخطاب .
    { َلا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } قال: { يُوَادُّونَ } لا يَمْحَضُون أهل الكفر وأهل الفسق والفجور، لا يمحضونهم المودة، قد يتعاملون معهم ولكن لا مودة بينهم؛ لأن المودة لأعداء الله تنقض قاعدة الولاء والبراء.
    { َلا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } عامة؛ كائناً من كان وإن كان أقرب الناس كالآباء والأبناء والإخوة والعشيرة.. وهذا الأصل الأصيل -أعني قاعدة الولاء والبراء- لا يفقهها حق الفقه إلا أهل السنة و الجماعة- جعلنا الله وإياكم منهم في الحياة وبعد الممات- فالموادة غير التعامل.
    هنا سؤال! هذه الآية من أعظم الأدلة على مفاصلة البدع وإنكارها والتنكر لها.
    بقي المبتدعة، فكيف يكون تعاملهم؟ أو كيف يكون التعامل معهم؟
    أولاً: البدعة ثلاثة أصناف:
    1- مكفرة: كبدعة الرفض والتجهم والحلول ووحدة الوجود.
    2- مفسقة: كبدعة الاعتزال والأشاعرة.
    3- ودون ذلك.
    هذا هو فقه البدعة الذي بيَّنه السلف؛ فالبدعة المكفرة الأمر فيها واضح؛ أنها مكفرة، وهذه -أظنها- لا تحتاج إلى وقفة ما دامت مكفرة فالكل متفق على إنكارها، وإنما الخلاف اليوم في البدع المفسقة، وما دون ذلك.
    نقول: السلف مجمعون على إنكار البدع -حتى المفسقة، وما دونها- فقد ثبت عنهم بالتواتر زجر المبتدعة وإنكار البدع دون تفريق، فلم ينقل عنهم أن الإنكار مقصور على البدع المكفرة.
    والأصل هو هجر المبتدع -هذا هو الأصل- هجره وزجره إن كان مظهراً لبدعته داعياً إليها؛ ومن ذلك أنهم قرروا عدم قَبول رواية المبتدع إذا روى ما يقوي بدعته، أما إذا كان المبتدع لم يدعُ إلى بدعته أو لم يروي ما يدعو إلى بدعته فإنهم يقبلون روايته؛ قال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب:" شيعيٌ جَلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته" ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره هذا -أعني- هجر المبتدع وزجره إذا كان داعياً إلى بدعته مظهراً لها مقرراً لها، إلا إذا ترتب على هجره مفسدة أكبر من هجره، فإنه لا يهجر لأن الهجر ليس أمراً شخصياً غايته التشفي، بل هو عقوبة شرعية.
    فإذا كانت الغلبة والقوة لأهل السنة نفع هجر المبتدع وزجره، وإذا كانت الغلبة لأهل البدع والشوكة لهم لم يهجر المبتدع خشية المفسدة؛ لأن المدار على تحقيق المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، وهذا فقه عظيم، وأدلته متضافرة ومن السنة مستفيضة.
    روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنه استأذن رجل على رسول الله  فقال:{ائذنوا له بئس أخو العشيرة - أو قال- {ابن العشيرة} فلما دخل عليه ألان له القول -تطلق في وجه- فلما خرج قالوا له: يا رسول الله، قلت ما قلت وألنت له القول! قال: {إن شر الناس مَنْ ودعه الناس اتقاء فحشه} فليفقه الدعاة هذا الجانب! هجر المبتدع ضمن قاعدة "الولاء" وهو واجب، ولكن متى؟ حينما يحقق الغرض ولا يُخشى بالهجر مفسدة أكبر منه.
    وفي الصحيحين وغيرهما من رواة المبتدعة وهم معروفون بين الناس بالبدعة لأن الهجر أحياناً تترتب عليه مفاسد عظيمة إذا كان المبتدع أو راكب البدعة له شوكة وله قوة وله مكانة، فهل ترون أنَّ هجره وزجره يحقق غرضك أيها الداعية؟
    لو دخلت بلداً من البلدان شيخه قدري أو جبري أو صوفي فأغلظت له القول ووقعت فيه وشنعت عليه! فهل تتمكن من الدعوة ؟ أبداً إن سلمت حياتك لن تتمكن من الدعوة -هذا إن سلمت حياتك- .
    فإذا ًليفقه طلاب العلم والدعاة هذا الجانب. ولعل الله ييسر جلسة نبسط القول في هذا الجانب أكثر.
    الآية الكريمة -وهي قول الحق جل وعلا- { َلا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} إذا كانوا يبغضون هذه الأصناف الأربعة؛ الآباء والأبناء والإخوان والعشيرة فمن دونهم أولى بالمفاصلة والمباغضة إذا كانوا محادين لله ولرسوله.
    ثم بين الله سبحانه وتعالى ما أثابهم به من الأجر أو ثمرة هذه الموالاة في ذات الله والمعاداة في ذاته
    قال: { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ } هذه ثمرة،
    وماذا؟ { وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } تأييد ونُصرة وحفظ، وماذا أيضاً ؟
    { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } هذه المثوبة الثالثة، وماذا أيضا؟
    { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} أثبت عنهم الرضا؛ فالآية دليل على صفة الرضا لله عز وجل.
    { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ } رضي عنهم بما قاموا به وما أدوه من حقوقه عز وجل، ومنها الولاء و البراء .
    { وَرَضُوا عَنْهُ} بما نالهم منه من الجزاء العظيم.
    { أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ } الناس حزبان لا ثالث لهما؛ حزب الله وحزب الشيطان؛ فأهل طاعة الله هم حزب الله، حزبه وخاصة أهل الطاعة هم أهل السنة الجماعة .
    { أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فلاح في الدنيا بما مسكهم به من كتابه وإتباع سنة رسوله  وما مكنهم فيه وما هداهم إليه من صحة العقيدة والفقه في دين الله والفلاح في الآخرة؛ ومنه ما في الحديث القدسي { أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر } .
    







    قال الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
    "اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها؛ كما قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [سورة الذاريات، الآية: 56]
    ومعنى يعبدون: يوحدون، وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو: إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه الشرك، وهو: دعوة غيره معه، والدليل قوله تعالى:{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} [سورة النساء الآية: 36].

    [ الشرح]:
    فقول الشيخ: " اعلم أرشدك الله لطاعته" أي: هداك الله، ودلك على الطريق الصحيح.
    والطاعة هي: موافقة الأمر بفعله وموافقة النهي بتركه.
    وقوله: " الحنيفية ملة إبراهيم" الحنيفية نسبة إلى الحنيف، من الحنف وهو الميل، ومنه الأحنف: مائل القدم، وسمي إبراهيم  حنيفاً لأنه مائل عن الشرك بالله إلى توحيده- إلى توحيد الله عز وجل- وقد أمر الله سبحانه وتعالى محمداً  بإتباع إبراهيم في مواضع كثيرة من كتابه، منها قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفَاً} [سورة النحل الآية: 123]. وأثنى الله سبحانه وتعالى على خليله إبراهيم  بوصف الحنيف في مواضع كثيرة من كتابه؛ منها قوله تعالى: { ِإنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتَاً لِلّهِ حَنِيفَاً }[سورة النحل الآية: 120].
    وفسر الشيخ الحنيفية -التي هي ملة إبراهيم وأُمر النبي  كما قدمنا بإتباعها- بقوله:
    " أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين" قال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة الآية: 5]. فقد نص الله جل وعلا في هذه الآية على أنه أمر الناس في جميع الشرائع التي جاءت بها الرسل أن يعبدوه مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وأخبر أن ذلك -أي المأمور به من عبادة الله الخالصة وعلى الحنيفية وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة- هو:
    { دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: الدين المستقيمة التي لا عوج فيها؛ سبيل الله القويم وصراطه المستقيم.
    قال الشيخ: " وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها" الإشارة في قوله: "ذلك" إلى ما تقدم من تعريف الحنيفية؛ فإن العبد لم يخلق إلا لعبادة الله عز وجل، بل جميع الثقلين الجن الإنس.
    واستدل الشيخ بقول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} في هذه الآية من الفوائد والأحكام:-
    أولاً: بيان الحكمة التي من أجلها خلق الله الثقلين، فما هي؟ عبادته جل وعلا. وما معنى العبادة؟
    في اللغة: من التعبيد وهو التذليل والتسخير؛ ومن ذلك: طريق معبد أي مذلَّل للمشي.
    هذه الحقيقة اللغوية للعبادة يشترك فيها جميع الخلق -حتى إبليس عليه لعنة الله عبدٌ لله- بمعنى أنه مسخَّر مقهور، لو أراد الله أن يذيبه لأذابه، ولكن أبقاه إلى يوم البعث أو إلى يوم الميقات المعلوم لحكمة.
    وشرعاً: اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
    واعلموا -أيها الإخوة والأخوات- أن للعبادة ثلاث مقامات يجب جمعها حتى تكون العبادة صحيحة، وتلكم المقامات هي: الخوف والرجاء والمحبة.
    فالخوف: يردع عن مغاضب الله، والرجاء: يُطمِع في رحمته، والمحبة: تجعل الصدور منشرحة لأوامر الله ونواهيه؛ لأوامر الله بالفعل ونواهيه بالترك.
    والعبادة مع هذه الأركان لها شرطان:-
    تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة لرسوله  ، هذان الشرطان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
    الفائدة الثانية: الإيمان بوجود الجن وأنهم مكلفون مثل الإنس فلمطيعهم الثواب وعلى عاصيهم العقاب؛ أي عرضة للعقاب.
    الأمر الثالث: بلوغ رسالة محمد  الجن والإنس؛ وقد دل الدليل الصحيح من القرآن والسنة على ذلك؛ فمن القرآن: سورة الجن { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } [سورة الجن آية:1-2].
    وفي الحديث الصحيح أن رسول الله  اجتمع بوفد الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الإسلام فالرسالة بلغتهم.
    الرابعة: الرد على من يقول من العقلانيين والفلسفيين -أتباع المدرسة الفلسفية العقلية المعاصرة- أن الجن ميكروبات جراثيم!عجيب!يراهم بالمجهر يعني! وهذا يكذبه الشرع والحس والعقل، فالشرع: ما تقدم من الآيات وما مضت الإشارة إليه من الحديث، والعقل: لا يُعرف أن الرسالة بلغت الميكروبات والحشرات، فمن هو رسول الحشرات؟! الله سبحانه وتعالى لم يشرع الشرائع إلا للعقلاء من خلقه. وأما الحس: فقد تواتر في أخبار الناس وبنقلة العدول رؤية الجن؛ يعني ثبت بنقل العدول من الناس رؤية الجن. ومن ذلكم أيضاً أبو هريرة  رآه؛ في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في كتاب الوكالة وغيره -الحديث الطويل- وفيه أن أبا هريرة أمسك به لما جاء يحثو من الصدقة، ثلاثة أيام وأبو هريرة يهدده برفعه إلى النبي  ويتعلل وأنه ذو عيال وصاحب حاجة، في المرة الأخيرة لما رأى -عدو الله- ما رأى من الجد. قال: يا أبا هريرة: دعني وأعلمك آية إذا قرأتها لا يقربك شيطان،قال:ما هي؟.قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، إذا أويت إلى فراشك فأقرها فلن يقربك شيطان،فقال له النبي : {صدقك وهو كذوب،أتعلم من تخاطب يا أبا هريرة منذ ثلاث؟} قال: لا،قال: {ذلك شيطان}. وإلى اليوم تبلغنا أخبار مشاهدات الجن من العدول.
    قال الشيخ رحمه الله " ومعنى يعبدون: يوحدون" والتوحيد هو: إفراد الله بالعبادة. هذا هو توحيد الألوهية.
    والاهتمام به أكثر لأن أكثر الناس منكرون له، فهو أعظم ما أمر الله به، وهو الذي وقع فيه النزاع والخصومة بين الأنبياء وأممهم.
    "وأعظم ما نهى الله عنه الشرك" وقد مضى تعريفه.
    واستدل الشيخ على هذين الأمرين أعني: أن أعظم ما أمر الله به التوحيد وأعظم ما نهى عنه الشرك بقول الله تعالى:
    {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} ،{ وَاعْبُدُواْ اللّهَ} هذا أمر { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئَاً} هذا نهي، وهذا ما تعودناه من الله سبحانه وتعالى؛ يأمر بعبادته وينهى عن الشرك به، وفي ذلك رد على بعض المنتسبين إلى الدعوة الذين يقولون يؤمر الإنسان بالإيمان -يعلم الإيمان- و يُترك فإن الإيمان ينهاه عن المعاصي! سبحان الله! أنتم أعلم أم الله ورسوله؟ الله أعلم بما يجب له وبما يكره، ورسوله أعلم الخلق بشرع الله قال :{ فإنه لم يكن نبي قبلي إلا دل أمته على خير ما يعلمه لها ، وحذرها شر ما يعلمه لها} هكذا الدعوة؛ فدعوة الله على بصيرة تأسياً برسوله  تتضمن الأمر بالطاعات؛ وأعظمها التوحيد، والنهي عن المعاصي وأعظمها الشرك بالله . وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله أي الذنب أعظم؟قال:{أن تجعل لله نداً و هو خلقك} قلت:ثم ماذا؟قال:{أن تقتل ولدك خشية أن يطعَمَ معك} قلت ثم ماذا؟قال:{أن تزاني حليلة جارك} فأنزل الله تصديق نبيه بهذه الآيات: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [سورة الفرقان آية:68] فانظروا: تضمن الحديث مناهي وأعظمها الشرك بالله، فإذاً هذا القائل الذي يدعو الناس إلى الإيمان ويدعو إلى تركهم بعد ذلك إما جاهل بفقه دعوة النبي وإما ضال مضل صاحب بدعة.

    قال رحمه الله "فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل : معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
    [الشرح]
    الأصول جمع أصل، وهو في اللغة: ما ينبني عليه غيره ويتولد منه؛ كالأساس أصل البناء والجذع أصل الشجرة.
    قال تعالى:{َأصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } [سورة إبراهيم آية:24] فما أصلها؟ جذعها.
    وفي الاصطلاح: أصول الدين، قواعده وأسسه التي ينبني عليها.
    وهذه الثلاثة هي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً  وهي مسائل القبر الثلاث؛ فإن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أهله أتاه الملكان فأقعداه وسألاه هذه الأسئلة؛ من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فإن كان مؤمناً قال: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد، وإن كان غير ذلك يقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.الحديث فهي مسائل القبر الثلاث.

    











    الأصل الأول: معرفة الرب
    فإذا قيل لك: من ربك ؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه وهو معبودي ليس لي معبود سواه؛ والدليل قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [ سورة الفاتحة، الآية: 2] وكل ما سوى الله عالم، وأنا واحدٌ من ذلك العالم.
    [الشرح]
    معرفة الرب، معرفة الرب تقتضي الإيمان به والإيمان بما يستحقه من العبادة الخالصة والأسماء الحسنى والصفات العلى، وبدأ الشيخ به لأنه أصل الأصول- معرفة الله أصل الأصول- .
    والرب يطلق على المالك والسيد والمعبود، ولا تجتمع كلها إلا في الله عز وجل، المخلوق قد يكون رباً بمعنى سيداً أو بمعنى مالك أو بمعنى مالك وسيد، لكن لا تجتمع مع المعبود إلا لله سبحانه وتعالى؛ فهو المالك السيد المعبود الذي له الخلق والأمر شرعاً وقدراً وملكاً واستحقاقاً وتدبيراً وتصريفاً.
    وقوله: " ربي الله " أي: معبودي؛ لأنه كما روي عن ابن عباس تفسير "الله: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين".
    فلفظ الله والإله من الأُلوهة -بمعنى العبادة- فالله مألوه، الله والإله مألوه بمعنى معبود .
    "الذي رباني" تربية الله للمكلفين على نوعين:-
     أحدهما: تربيةٌ بالنعم المادية -أو نقول- تربية التغذية والإمداد بأصناف النعم، نعم المعاش.
     النوع الثاني: تربية الله لعباده بما أنزله على رسله من وحيه. هذه التربية الدينية.
    إذاً يمكن أن نقول: أن تربية الله عباده منها ما هو دنيوي ومنها ما هو ديني، والنعم جمع نعمة.
    وقوله: " وهو معبودي ليس لي معبود سواه" هذا هو تحقيق معنى لا إله إلا الله، وصحته: " لا معبود بحق سواه" أو " لا معبود حق إلا الله" هذا هو تحقيق معنى " لا إله إلا الله".
    الآية الكريمة: { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى، وموجب الحمد: نعمه الظاهرة والباطنة والحمد يـفـرق بينه وبين الشكر:
    فالحمد يكون على النعمة والمصيبة والشكر على النعمة، والحمد يكون باللسان فقط والشكر يكون باللسان والقلب و الجوارح.
    قال الشاعر:
    أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً
    يدي و لساني والضمير َالمحجبَ.
    يدي: من الجوارح، اللسان: القول، الضمير المحجب: القلب.
    فالإنسان يقول للمنعم عليه شكر الله لك، جزاك الله خيراً هذا باللسان، وقد يمد يده عليه ويصافحه، وكذلك يستشعر بقلبه أنه أنعم عليه. وبدأ الله سبحانه وتعالى أربع سور -غير الفاتحة- من كتابه مُتبِعاً ذلك بموجب الحمد، هذه الآية موجب الحمد: ربوبية الله لعباده { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ربوبيته لعباده،فما السور الأخر الأربع؟ الأولى: سورة الأنعام {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} فما موجب الحمد؟ خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . السورة الثانية: الكهف، ماذا قال فيها؟ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} ما موجب الحمد هنا؟ إنزال الكتاب على رسوله  الكتاب الهادي المستقيم القويم. والسورة الثالثة: سبأ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} ما موجب الحمد؟ ملكه للسماوات والأرض وما فيها. الرابعة والأخيرة: فاطر { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} موجب الحمد: كونه فطر السماوات والأرض وجعل الملائكة رسلا.
    وأما ذكر الحمد في ثنايا القرآن فإنه يزيد على الأربعين موضعاً.
    وتفسير الشيخ للعالمين بعالم هذا صحيح، جمع عالم، والعَالم أو العالمين لا مفرد له من لفظه مثل الأهلين؛ لا مفرد له من لفظه، والعوالم: هي جميع المخلوقات من سماوات وأرض وملائكة وإنس وجن ودواب؛ كلها عوالم فهي مدينة لله سبحانه وتعالى خاضعة لسلطانه، وهو مليكها ومصرفها وإلهها.
    

    "فإذا قيل لك بم عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما، والدليل قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [سورة فصلت، الآية: 37] .

    [الشرح]
    " بم عرفت ربك؟" بأي شيء تعرفت عليه واستدللت عليه أنه إلهك وخالقك وسيدك وربك، لابد من أدلة وبراهين، وقد نصب الله سبحانه وتعالى في كتابه من البراهين ما قامت به الحجة على العباد وأنه المستحق وحده للعبادة، وجاءت بهذه البراهين الرسل عليهم والسلام وأبانوها للعباد حق البيان.
    "فقل بآياته" الآيات جمع آية وهي في اللغة: العلامة، وآيات الله ثلاثة أصناف:-
    • آيات منزلة على الرسل: وهي وحيه الذي أوحاه الله إلى كل رسول وأمره أن يبلغه قومه.
    • الثاني :آيات أفاقية أو أفقية، -مخلوقة- منها مثل السماوات والأرض والشمس والقمر.. ما يشاهد في الكون. والآيات المنزلة: مثالها مثل القران والتوراة والزبور والإنجيل وصحف موسى وصحف إبراهيم.. وغير ذلك ما لم يسم الله عز وجل. مضى صنفان من آيات الرب الدالة على وحدانيته؛ ربوبيته، وألوهيته وأسمائه وصفاته.
    • والصنف الثالث: آيات نفسية وهي ما يلحظه الإنسان في نفسه من عجيب صنع الله عز وجل { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [سورة الذاريات آية:21] {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ } [سورة فصلت آية:53] فعرفتم آيات الرب الدالة على وحدانيته،كم صنفاً هي؟ ثلاثة أصناف، ما هي؟ منزلة، هذه غير مخلوقة لأنها كلامه، والثاني: أفقية أو أفاقية -لا بأس قل هذا وهذا- والثالث:آيات نفسية، وهذان الصنفان مخلوقان أم لا؟ مخلوقة.
    " فقل عرفته بآياته ومخلوقاته" الحقيقة أن المخلوقات داخلة ضمن الآيات ولكن هذا من باب التكرار وليس المغايرة لأن كل مخلوق آية وليس كل آية مخلوق، فبينهما عموم وخصوص .
    " بآياته ومخلوقاته " من عطف الخاص على العام؛ لأن كل مخلوق هو آية وليست كل آية من المخلوقات ،كما قدمنا.
    ثم ذكر الشيخ من الآيات التي هي مخلوقة الشمس والقمر والليل والنهار، واستدل عليها بآية "فصلت" وهي قوله تعالى:
    {وَمِنْ آيَاتِهِ } أي من العلامات الدالة على وحدانيته.
    { اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} تخصيص هذه الأربع لعظمها، وهي أبرز الآيات المخلوقة المشاهَدة، فالليل والنهار بينهما اختلاف؛ طولاً وقصراً ظلمةً ونورًا؛ عبرة؛ كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [سورة الفرقان آية:62] يطول هذا ويقصر هذا ويأتي هذا ويذهب هذا ، والشمس ضياء النهار وسلطانه، والقمر ضياء الليل وسلطانه .
    وفي قوله تعالى: { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ } تخصيص النهي عن السجود للشمس والقمر لأن بعض الكفار كانوا يسجدون لهما لما يرونه من عظمهما ، وخصائص كلٌ منهما، ومن خصائص الشمس والقمر ما له دخل حتى في النبات، حتى في المد والجزر.. فبعض المشركين كانوا يسجدون لهما.
    { لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } السجود يجب أن يكون لله والسجود ينصرف أكثر ما ينصرف إلى الهيئة المعروفة في الصلاة؛ وهو وضع السبعة الأعضاء في الأرض كما قال : { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم} فبيَّنها قال: أولا: الجبهة والأنف -واحد- والكفان والركبتان وأطراف القدمين.
    ويعبر به عن الصلاة لأنه أشرفها، أشرف أركانها، ولهذا قال في السجود{ وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم } أي حريٌ أن يستجاب لكم.
    وقوله: { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إذا كنتم صادقين في عبادة الله فـ{ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ}.
    {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} هما مخلوقان مسخران ليس لهما من العبادة شيء .
    وفي الآية ملحظ آخر: وهو أن المشركين لهم عبادات؛ مثل الصدقة والحج والعتق- لهم عبادات- لكن هل عباداتهم خالصة أو مشتركة؟
    مشتركة، والله ما يقبل من العبادة إلا ما كان خالصاً .
    { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فاسجدوا له هو، لا تسجدوا لغيره.


    




    وقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف آية:54]

    [ الشرح]
    {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ} بينا معنى الرب -قبل قليل- لكن في الآية أمور جدت علينا لم نبينها سلفاً، وتلكم هي ما نصبه الله في هذه الآية من الأدلة على وحدانيته، فأرجو من الإخوة والأبناء تأمل هذه الأدلة:
    الأول:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} إذن الأول:خلْق السماوات والأرض في كم؟ في ستة أيام، هذه الستة مبينة أو مجملة؟ هل بُينت؟ بينت في موضع آخر وهو سورة فصلت {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [سورة فصلت آية:9-12] يومان خلق فيهما الأرض ويومان خلق فيهما السماء ويومان خلق فيهما بقية المخلوقات،والله قادر على أن يخلقها جميعاً بكن فتكون، قال أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يعود عباده بهذا الطريق إلى التأني والحكمة لأنه لا يعجز سبحانه وتعالى، وقال أهل العلم: مقدار ستة أيام لأن ليس في ذلك الوقت علامة ليل ولا علامة نهار (مقدار) لكن نحن نقول ستة أيام لأن الله لا يحتاج إلى مقدار، نقول ستة أيام كما قال الله تعالى، وهو يعرف، يعلم سبحانه وتعالى أن الليل ينتهي بحد والنهار ينتهي بحد، ستة أيام كما قال، هذا الدليل الأول، هذا الخلق العظيم العجيب المتقَن أُوجد في هذه الستة أيام، وهو قادر أن يوجده في: كاللمح بالبصر { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [سورة القمر آية:50] واحدة لا يكرره؛ ما يحتاج إلى تكرار؛ كُوني سماء وأرض خلاص تكون.
    الثاني: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} متى كان الاستواء على العرش؟ استواءه على العرش بعد خلق السماوات والأرض، لكن خلقه العرش قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
    { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بمعنى علا وارتفع، وهذا هو أحد معانٍ ثلاثة جاءت في القرآن بمعنى الاستواء، هذا ومواضع أخرى شبيهة { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } { عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه آية:5] بمعنى علا وارتفع، والمعنيان الآخران قصَد واستقر؛ فقصد في مثل قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [سورة البقرة آية:29] أي قصد إليها وعمد إليها والاستقرار في قوله تعالى: { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [سورة الزخرف آية:13] أي إذا استقررتم، فالآية فيها دليل على اتصاف الرب سبحانه وتعالى بصفة الاستواء، وهل هي ذاتية أم فعلية؟
    فعلية؛ لأنه قال: { ثُمَّ اسْتَوَى} يعني خلق السماوات والأرض { ثُمَّ اسْتَوَى} فهي صفة فعلية، هذا هو الدليل الثاني.
    الدليل الثالث: { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} وفي آيات أخرى { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ } الليل يغشى النهار فتصير الدنيا مظلمة، والنهار يغشى الليل فتصير الدنيا منيرة، هذا الدليل الثالث.
    الرابع: { يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } سريعاً؛ كل واحد يطلب الآخر ولا يدركه، الليل لا يدرك النهار والنهار لا يدرك الليل.
    والدليل الخامس: { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} عرفنا بعض الحِكم من الشمس والقمر، لكن النجوم لأي شيء خلقها الله سبحانه وتعالى؟ علامات يُهتدى بها، وزينة للسماء، ورجوماً للشياطين.
    { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} له الخلق لا يشاركه فيه أحد؛ هو المالك له، وله الأمر قدراً وشرعاً؛ الأمر القدري والأمر الشرعي، الأمر الشرعي: هو التكليف ؛ الرسالات. والأمر القدري: قضاؤه وقدره في الكون.
    { تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أثنى على نفسه سبحانه وتعالى بهذه الجملة، والبركة في اللغة:الزيادة، زيادة الشيء ونماؤه. { تَبَارَكَ اللّهُ} كمُل سبحانه وتعالى، حاز الكمال كله من جميع الوجوه، وهذه الكلمة: {تبارك} لا تأتي إلا بلفظ الماضي ولا تستعمل إلا في حق الله جل جلاله، وهل يدعى بالبركة للإنسان ؟ وكيف ذلك؟
    فالجواب: الدعاء بالبركة للإنسان جائز، والكيفية هكذا :بارك الله لك، أو بارك عليك، وهذا الأمر مبارك.. واللفظة الشائعة بين عامة الناس وهي "مبروك على فلان كذا" خاطئة، ومخالفة للاستعمال الصحيح لغةً؛ فمبروك فعلها بَرَكَ، أما مبارك ففعلها باركَ فلا تستعملوا مبروكاً استعملوا مباركاً لأن فعل مبارك -كما قدمنا- بارك؛ أما فعل مبروك فهو بَرَكَ، والعامة لا يريدون بقولهم مبروك عليه أي بورك عليه لا، لكن خطأ في التعبير، فهم يريدون الدعاء له بالبركة لا يريدون الدعاء عليه بالبروك، لا يريدون هذا أبداً، لكن التعبير خطأ، فيقال: بارك الله عليك، وهذا عليه مبارك، النجاح مبارك، الزواج، مبارك إن شاء الله، أما الزواج مبروك والنجاح مبروك فخطأ لما قدمنا.
    وهو { رَبُّ الْعَالَمِينَ} سبحانه وتعالى، فلا يخرج عن ربوبيته شيء من خلقه.
    

    والرب هو المعبود، والدليل قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة آية:20-21].
    [ الشرح]
    في هاتين الآيتين أدلة أخرى أقامها الله سبحانه وتعالى على استحقاقه العبادة، فلنستعرض هذه الأدلة، لكن قبل ذكر الأدلة ننبه إلى معنى قوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} يقول المفسرون: هذا أول أمر جاء في القرآن، وأقول: لفظ الناس دليل على عموم رسالة محمداً  لأنه معرفٌ بأل لغير العهد، وهذه الصيغة من صيغ العموم كما هو مقرر في علم الأصول وثمة سؤال: هل يدخل الجن في عموم هذه الآية؛ أعني: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وما دل عليه من عموم رسالة محمد ؟
    فالجواب: الجن داخلون في عموم هذه الآية من جهتين: أحدهما لغوي، والآخر نصي شرعي، أما اللغوي: فلأن لفظ الناس مأخوذ من النوْس أو النَوَسْ وهو كثرة الحركة، ومنه قول العامة: " مكان ينوس" أي تكثر فيه الحركة.
    وأما الشرعي فلِما رواه البخاري عن ابن مسعود في نزول قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} قال:"كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجنيون وبقي أولئك على عبادتهم" الحديث .

    بقي استخراج الأدلة التي أقامها الله على استحقاقه العبادة في هاتين الآيتين:-
    الله دعا الخلق إلى عبادته { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} ثم بين ما يدل على استحقاقه العبادة، وكانت هذه الأدلة مما يقر به المشركون ولا ينازعون فيه لأنهم مقرون بتوحيد الربوبية . فإلى استنباط تلكم الأدلة:-
    الأول: { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} خلْقكم وخلْق من قبلكم، ولا ينازع أحد من قريش ولا ممن حولهم في الإقرار بهذا الدليل.
    الدليل الثاني:{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً} جعْل الأرض فراشاً؛ مفروشة، ومع فرشها مسخرة مُسهلة مذللة ينال الناس منها منافعهم ومعايشهم، منها ما هو ظاهر ومنها ما يستخرَج.
    وثالثاً: بناء السماء {وَالسَّمَاء بِنَاءً}.
    ورابعاً: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً} إنزال الماء من السماء؛ يشرب الناس من هذا الماء ويسقون أنعامهم وزروعهم.
    الدليل الخامس: {فَأَخْرَجَ} إخراج الثمرات بذلكم الماء النازل من السماء.
    كم دليلاً جاء في هذه الأدلة على استحقاق الله العبادة دون سواه؟ خمسة أدلة. بقي في الآية أمران آخران!
    أحدهما: قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}ما معنى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؟ أي لتتقوا، فلعل هنا للتعليل -كما قدمت لكم مرات- والتقوى في اللغة: من الوقاية وهي الحذر من المكروه.
    واصطلاحا:" فعل طاعة الله على نورٍ من الله طلباً لثوابه، وترك معصية الله على نورٍ من الله خوفاً من عقابه".
    والتقوى هذه التي أمر الله بها وهي -في الحقيقة- عبادته وطاعته وفعل أوامره واجتناب نواهيه في العبادة والمعاملة والسلوك لها ثلاث مراتب وهي:
    • فعل المأمورات.
    • ترك المنهيات.
    • اجتناب المتشابهات أو الشبهات " اجتناب ما تشابه".
    وثاني الأمرين: قوله جل وعلا: { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} أمر أولاً بعبادته، بدأ الآيتين بالأمر بعبادته وختمهما بالنهي عن الشرك به {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً } أي شركاء؛ فالند هو النظير والمثيل.
    { فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وأنتم تعلمون أنه أمدكم بهذه النعم ولا شريك له فيها فأخلصوا له العبادة إذاً، لأن الأمر بالعبادة مطلقاً لا يكفي، فلو قال رسول الله  اعبدوا الله، ما نازعه القوم؛ يقولون -لا بأس- نعبد الله، لكن قاصمة الظهر والمفرِّقة: اعبدوا الله وحده أو اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وهذا ما لا يريده القوم لتمكن الآلهة من قلوبهم خلفاً عن سلف، فكانت النزاعات والخصومة بل والمفاصلة والقتل والقتال.

    قال ابن كثير – رحمه الله تعالى: "الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ".
    وهذا الكلام واضح بين.
    
    وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الإسلام، والإيمان، والإحسان؛ ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى، والدليل قوله تعالى:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [سورة الجن الآية:18].
    [ الشرح]
    المساجد جمع مسجد، وهو موضع الصلاة ومكانها، وسمي مسجداً إضافةً إلى السجود أو من السجود، والسجود هو أشرف أنواع الصلاة، وسواءً كان المكان بناءً أو أرض فضاء، مادام يصلَّى فيه وتقام الصلاة فيه فهو مسجد. {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} نهي عن دعاء غير الله سبحانه وتعالى.
    وهذه صيغة عموم: {أَحَدًا} نكرة في سياق النهي، وهي إحدى صيغ العموم، والمعنى: فإنه لا حق لأحد في الدعاء مع الله أو دونه، وسواء كان المدعو نبياً أو ملكاً أو رجلاً صالحاً أو أنسياً أو جنياً أو أي شيء.
    " فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر".
    [الشرح ]
    صرف ماذا؟ صرف شيئاً من أنواع العبادة، ما ذكره الشيخ وما ثبت أنه عبادة، فالعبادة يجب أن تكون خالصة لله تعالى.
    والدليل قوله تعالى:{ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [سورة المؤمنون الآية:117]
    [الشرح ]
    سمى الله سبحانه وتعالى من دعا معه غيره سماه كافراً لقوله: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}. {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} هل هناك إله عليه برهان مع الله؟! قال أهل العلم: هذا إخبار عن الواقع، الواقع أن كل معبود مع الله عز وجل أو دونه لا برهان يدل على أحقيته العبادة، وإنما هذا إخبار بالواقع.
    "وفي الحديث:{الدعاء مخ العبادة}".
    [الشرح ]
    هذا ضعيف؛ في إسناده ابن لهيعة، والصحيح قوله: {الدعاء هو العبادة}.
    والدليل قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سورة غافر الآية 60].
    [الشرح ]
    في هذه الآيات:-
    • أولا: حث العباد على الدعاء.
    • ثانياً: وعدهم على الدعاء بالإجابة.
    • ثالثاً: تسمية الدعاء عبادة { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } سمى الدعاء عبادة لما مضى في الحديث {الدعاء هو العبادة} ولبها.
    • رابعاً: النهي عن دعاء غيره سبحانه وتعالى. ومن أين؟ هل عندنا فعل مضارع مسبوق بلا الناهية؟ وأنا قلت: النهي عن دعاء غير الله! الجواب لا. من أين استفدنا النهي من الوعيد؟ الوعيد على الفعل صيغة من صيغ النهي الفرعية، والنهي هنا للتحريم قولاً واحداً عند أهل الحق ولا صارف له أبداً.
    بقي في الدعاء أمور لا بد من التنبيه عليها:-
    أولها : أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة.
    فدعاء المسألة هو سؤال العبد ربه جلب الخير ودفع الشر؛ ومن أمثلة دعاء المسألة المأثور؛ ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله  يقول عند الكرب:{ لا إله إلا الله الحليم العظيم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم} وقوله { ألِظُّوا بياذا الجلال والإكرام} والدعاء يجب أن يكون بإسم من أسماء الله أو صفة من صفاته؛ فمن الأسماء الحديث السابق، ومن الصفات: {أعوذ بعزة الله وقدرته}{أعوذ بكلمات الله التامات} { أسألك اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء } ودعاء الاستخارة المعروف:{اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك} الحديث.. اختصرت على الشاهد.
    والتوسل -وهو في الحقيقة من دعاء المسألة- له ثلاث أقسام:
    أولها: التوسل إلى الله بأسمائه أو صفاته.
    وثانيها: التوسل إلى الله بصالح الأعمال؛ فإذا وقع المسلم في كربة أو ضاقت به ضائقة أو أصابته شده ويعرف له أعمالاً صالحة لجأ إلى الله داعياً إياه بتلكم الأعمال، كقوله: اللهم إني فعلت في يوم كذا من الأعمال كذا فإن كان خالصاً لوجهك ففرج عني هذه الكربة، وهذا النوع من التوسل دليله حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار -أُغلق عليهم الغار- سدته صخرة- وهو معروف؛ فإنهم قالوا: إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فكلٌ دعا الله وتوسل إليه بعمله الصالح.
    والثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالحين: وهذا الصالح يجب أن يكون حياً قادراً على الدعاء، وإمكان الاتصال به إما مشافهة شخصية، ومن المشافهة ما منَّ الله به هذه الأيام؛ الهاتف؛ يمكن أن تتصل بإنسان عرفت عنه حسن الاستقامة والتقوى والصلاح تهاتفه قائلاً: يا فلان أخوك في الله فلان يريد أن تدعو له؛ وقع في كذا وقع في شدة وقع في كربة -لا يلزم لك أن تصرح له وتفصح له عن كُربتك- هو في ضائقة وشدة فسْـألِ الله أن يفرج عنه. هذا الأمر الأول.
    النوع الثاني من الدعاء: دعاء العبادة : وهو يشمل أمرين:-
    أحدهما: التقرب إلى الله بالمسألة؛ تسأل الله وتتعبد، أنت تدعو الله أن يفرج عنك الضائقة ألست كذلك؟ تدعو الله أن يفرج عنك تلك الضائقة تقرَّب إلى الله بهذا الدعاء، اجعله مسألة وتعبد لله به.
    الثاني: التقرب إلى الله بما شرعه من الأذكار، من تسبيح وتهليل وتكبير وتحميد، مما ليس فيه مسألة مثل: { لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}. هذا هو الأمر الأول.
    الأمر الثاني : ليعلم المسلم أنه إذا دعا الله عز وجل نال إحدى ثلاث:-
    - تعجيل ما دعا به في الدنيا.
    - أو ادخار له ذلك في الآخرة .
    - - أو صرف سوء مثل ما دعا به، يصرف عنه من السوء مثل ما دعا به.
    - ولكن بشروط، لابد من شروط للدعاء حتى تنال واحدة من هذه الثلاث، وأسال الله أن لا يردنا وإياكم خائبين خاسرين.
    1. الأول: إخلاص الدعاء لله سبحانه وتعالى.
    2. الثاني: اليقين بالإجابة.
    3. الثالث: أن لا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم.
    4. كقول القائل وهو يدعو على قريب له: " اللهم لا تقرب بيني و بينه أبدا" هذا يسأل الله القطيعة والإثم ،كقول القائل: "اللهم ابتليه بالفاحشة بأهله"-أعوذ بالله- وما ذنب أهله؟ هذا إثم، حتى هو لا تدعو عليه بالفاحشة.
    5. الرابع:عدم العجلة؛ يدعو ويصبر والله يُحْكِم أمره ويَحْكُمُ ما يريد لا يستعجل ولا يمل والعجلة بيَّنها النبي  كقول القائل: دعوتُ الله فلم يستجب لي! لا أنت لا تدري، أنت صاحب حاجة ولكن لا تدري هذه الحاجة ما مردودها عليك وما أثرها.

    6. الخامس: عدم الاعتداء في الدعاء.
    7. ومن ذلك قول القائل: "اللهم إني أسألك منزلة في الجنة لا يبلغها أحد من خلقك" عجيب! عرفتم ماذا يريد؟ يريد أن يكون فوق النبيين والمرسلين! والنبي  قد نهى عن الاعتداء في الدعاء.
    8. السادس: طيب المتاع من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.
    هذه من شروط الدعاء ، وكما أن للدعاء شروطاً فإن له آداب :-
    منها: استشعارك بالذل والخضوع لله عز وجل والحاجة إليه. ومنها: رفع اليدين. ومنها: استقبال القبلة.
    وكذلك له أوقات أخبر النبي  أنها من ساعات الاستجابة :- منها: بعد الصلاة، بين الآذان والإقامة، السفر، عند نزول المطر، في السجود، في جوف الليل.
    
    ودليل الخوف قوله تعالى:{ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [ سورة آل عمران الآية: 175].
    [الشرح]
    الخوف هو: شدة الخشية والحذر، وهذه الآية نزلت بعد أُحد -كما يقول غير واحد من المفسرين- حينما أرجف مُرجف، أو قال قائل: إن قريشاً يعدون لكم العدة لاستئصال شأفتكم، فقال الله عز وجل: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ أي يخوفكم أولياؤه {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أخبر سبحانه وتعالى أن مخافته وحده شرطٌ في الإيمان {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ومعنى ذلك: أنكم إذا لم تخافوني فلستم بمؤمنين. والخــوف ثــلاثة أنــواع:-
    أحدها:خوف السر: وهو خوف الإنسان من وثن أو جني أن يصيبه بمكروه؛ خوفه من الأوثان والمعبودات من أصنام وجن أن تصيبه بمكروه! هذا شرك أكبر؛ لأنه علق قلبه بغير الله عز وجل، وهدم أحد مقامات العبادة.
    وثانيها: تركه الواجبات خوفاً من الناس! تركه ما يجب عليه خوفاً من الناس! هكذا ،رعديد ولا يدخل في هذا درء المفسدة أو فرض الكفاية الذي إذا قام به بعض الناس سقط الإثم عن الآخرين لا، ولكن واجب يتعين عليه فيتركه ويتنصل منه، فرق بين يتركه وبين يُـرجئه.
    الثالث: الخوف الطبيعي: الذي جُبل عليه الناس أو جمهور الناس؛ وهو خوف الإنسان من عدو محقق، خوف الإنسان من طريق معين لا يسلكه يتخوف من سلوك طريق معين إما للصوص أو لأنه مهجور يخشى أن تنقطع سيارته وتتعطل فيقول لا أسلك هذا؛ هذا مَخُوف؛ لو تعطلت سيارته يغلب على ظنه أنه لا يسعفه أحد، هذا من اتخاذ الأسباب، هذا خوف طبيعي.
    
    ودليل الرجاء قوله تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [سورة الكهف الآية:110]
    [الشرح]
    الرجاء أحد مقامات العبادة، وهو: أمل الإنسان في الله عز وجل رحمته وعفوه.
    والجمع بين الخوف والرجاء متحتم على العبد، يجب أن يجمع بين الخوف والرجاء، أن يخاف من الله ويرجوه؛ لأن الرجاء يُطمِع في رحمة الله والخوف يردع عن مغاضب الله، ولهذا قال بعض أهل العلم: الخوف والرجاء جناحان للعبد.
    { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ} يؤمِّـل لقاء الله عز وجل ويطمع، فإن هذا الطمع لا يكفي، بل ماذا؟
    { فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} إذاً في الآية دليل على وجوب العمل الصالح.
    {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} ونعني بالعمل الصالح ما كان مفروضاً، أما مندوبات الصالحات فليست بمفروضة، ولكن الكمال أن يعمل صالحاً مفروضاً ومندوباً هذا هو الأكمل للعبد.
    { فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } دليل الاستعداد للقاء الله عز وجل عَملُ الصالحات الخالصة.
    { وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وسواء كان الشرك أكبر وهذا مخرج من الملة أو أصغر وهذا ينافي كمال التوحيد.
    
    ودليل التوكل قوله تعالى:{ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[سورة المائدة الآية:23] وقوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [سورة الطلاق الآية:3] .
    [الشرح]
    التوكل لغة: التفويض، وكَّلَه إذا فوضه، وكَّلتُ فلان : فوضته الأمر. والوكالة هي جعل الإنسان نائباً عنه مع تفويضه ما له من التصرف.
    والتوكل اصطلاحاً: اعتماد القلب على الله عز وجل.
    والتوكل لا ينافي الأسباب المشروعة بل يتفق معها، وقد ثبت صحة الأخذ بالأسباب مع التوكل؛ ومن ذلكم أن رسول الله  وهو سيد المتوكلين  كان يتخذ الأسباب مع توكله على الله، هذا باتفاق المسلمين، ومن فعله  الأسباب: أنه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها -مع إعداده العدة الكافية لها- لماذا يوري بغيرها؟ هذا من الأسباب المشروعة؛ حتى لا يعلم المغزوُّون مِن الكفار، ولمَّا كان يوم الفتح جهز عشرة آلاف بكامل عدتهم وعتادهم، وكان  يعزل مما أفاء الله عليه نفقة أهله السنة والسنتين، وقد أمر الله سبحانه وتعالى العباد بالسعي في طلب الكسب في مواضع من كتابه منها: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [سورة الملك آية:15] وقال { لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصاً وتروح بطاناً} والمعروف عند العقلاء أن الطيور لا تمكث في أوكارها وأعشاشها بل تخرج منها في الصباح جائعة تضرب يميناً وشمالاً تفتش عن قوتها وتعود وقد ملأت حواصلها، فهذا حث منه  على السعي في طلب الرزق لأنه ضرب مثلاً في الطير، وقد عرفنا حالتها.
    الآية الكريمة: { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } هذه الآية جاءت في آخر الحوار الذي قصه الله سبحانه وتعالى عن موسى وقومه، ماذا قال لهم موسى؟قال: { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } ماذا قال القوم له؟ قالوا: { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} آخر ما قالوا: { فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} ما يمكن! كيف تأمرنا أن ندخلها وفيها من فيها من الجبارين لا! لا! لا!اذهب أنت وربك فقاتلا؟! في غاية الجلافة وسوء الأدب، فانبرى رجلان من المؤمنين العقلاء الأكياس ماذا قالوا؟{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } خذوا بالسبب؛ أُدخلوا الباب عليهم كما أمركم نبيكم، عقلاء، يقال إن أحدهما يوشع بن نون  انظروا العقل؛ قال: أدخلوا كما أمركم نبيكم وتوكلوا على الله مع ذلك، افعلوا السبب-ما أمرتم به- مع التوكل على الله عز وجل، وهذه الآية جيء بها تذكيراً لنا ففيها بالإضافة إلى الأمر بالتوكل وأنه شرط في الإيمان { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أمرٌ آخر هو التحذير من سلوك مسلك المكذبين مثل بني إسرائيل مع موسى، كما أن فيها أيضاً -في السياق أعني- تسلية النبي  وأنه ليس بدعاً من المرسلين الذين رُدَّ قولهم.
    الآية الأخرى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وعد الله سبحانه وتعالى للمتوكل عليه بأنه كافيه، حسبه: أي كافيه.
    
    ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى:{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [سورة الأنبياء آية:90].
    [الشرح]
    الرغبة والرهبة متقابلان؛ فالرغبة: الطمع والضراعة، والرهبة: الخوف، والخشوع هو: الخضوع لله عز وجل، هذه الآية مما أثنى به الله على خاصته وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصفهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بعدة صفات تأملوها. أولاً: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} المسارعة في الخيرات. والثانية: {يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} يجمعون بين الرغبة والرهبة، وهكذا كل ما عَظُم الإيمان في قلب العبد عَظُم في قلبه الرغبة والرهبة، ولهذا قال الله عز وجل{ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } [سورة الأعراف اية56]. والصفة الأخيرة: { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} هذه صفات أولياء الله، وفي ذكر صفات الأولياء

  • #2
    وَفَّقَك اللهُ وَرَعَاك. . .
    المتون العلمية موجودة من قديم الزمان . . ولكنها لم تعرف بهذا الاسم، بل باسم المختصرات: مثل مختصر الخرقي عمر بن الحسين الخرقي المتوفي سنة (334هـ) -رحمه الله تعالى-.

    قال الشيخ صالح آل شيخ: المختصرات تؤخذ على طريق التفقه والفهم والعلم [أي التصور] ، ثم الأدلة عليها يهتم بها طالب العلم ولا تؤخذ على جهة التعصب لأن أصل التعبد في العلم أن تتعبد بفهم نصوص الكتاب والسنة .

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا
      أكمل

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا

        تعليق


        • #5
          جزى الله أخونا أبو ماجد خيراً
          وكنت أريد شرح كتاب التوحيد لشيخنا العلامة عبيد الجابري حفظه الله

          تعليق


          • #6
            ما شاء الله .. جزاكم الله خيراً
            بارك الله فيكم لو تكرمتم تضعونه في ملف وورد

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خير الجزاء

              تعليق


              • #8
                بارك الله ما شاء الله لو تكرمتم و تضعونه على شكل ملف وورد ماجورين

                تعليق

                يعمل...
                X