إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

"الآن وقت العمل" خطبة جمعة الشيخ محمد سعيد رسلان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] "الآن وقت العمل" خطبة جمعة الشيخ محمد سعيد رسلان

    خطبة الجمعة 17 من جمادى الآخرة 1432هـ الموافق 20-5-2011م
    إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا
    من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.و أشهد أ ن محمدا عبدُه و رسولُه صلى الله عليه وآله وسلم
    يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمُون
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
    يَا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً
    أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:
    فمن حق المسلمين علينا اليوم أن نعلمهم أن المغالاة في معالجة انحراف تولد انحرافا آخر وهذه قاعدة صحيحة , ووقائعها لا تحصى بل إن أكثر ما نجم في هذه الأمة من الانحرافات إنما كان من رِدة فعل لانحرافات وقعت ولم تكن المعالجة على قَدَمِ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنتج من ذلك انحرافات في الجانب المقابل فإنه لمّا ظهر الخوارج فكفّروا الحكمين وعليا ومعاوية وعمرا وكفروا جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهر في المقابل الإرجاء , وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب , كما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة , وكانت المغلات في معالجة الانحراف سببا في نشوء هذا الانحراف المقابل , وكذلك لمّا ظهرت الجهمية فأنكروا صفات الرب جلّ وعلا , بل غال أوائلهم فأنكروا أسماء الله رب العالمين , وظهر في المقابل غلو في الإثبات فظهر تبعا المشبهة والمجسمة والممثلة وكذلك لماذا ظهر أقوام ينفون علم الله تبارك وتعالى السابق وأنه لا قدر وأن الأمر أُنف فظهرت في المقابل من يغالون في الإثبات حتى إنهم نفوا عن العبد المشيئة قولا واحدا وجعلوا العبد مجبورا على ما يأتي به من الطاعات والسيئات والقربات والآثام فلا مشيئة له و لا إرادة وإنما العبد كريشة في مهاب الرياح تصرفها كيفما هبت وأنّ توجهت .
    فهذه القاعدة قاعدة صحيحة وينبغي أن يلتفت إليها المسلم في حياته الخاصة وفي معاملاته , في بيته وحركة حياته في أخذه وعطائه في رده وجوابه في معالجته لانحراف يُشخَّص وزيغ يَشْخص وواقع يُأثَّم وحياة تُجرَّم , ويجب على الإنسان أن يأتي بما يأتي به من أمور المعالجة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم بفهم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين .
    النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا أن الصحابة رضي الله عنهم هم خير القرون فهم خير جيل , اختارهم الله رب العالمين لصحبة نبيه ونصرة دينه وحمل كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم فجاهدوا في الله حق جهاده , جاهدوا في الله رب العالمين بالعلم والقرآن والبيان , وجاهدوا في الله رب العالمين بالسيف والرمح والسنان , وبذلوا أرواحهم رخيصة للرحيم الرحمان , وكانوا خير جيل شهدوا وقائع التنزيل وعاصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا معه في حله وترحاله وفي سلمه وحربه وكانوا معه صلى الله عليه و آله وسلم في أحواله كلها فشاهدوا أسباب النزول وعلموها ورأوا أسباب الورود وشاهدوها , فعلموا مقاصد التنزيل وعلموا مقاصد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم , فلم يزغ منهم عن الحق أحد وإنما ثبتوا على ما تركهم عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمور العقيدة وفي أمور العبادة وفي أمور المعاملة وفي الأخلاق والسلوك فرضي الله تبارك وتعالى عنهم وأرضاهم .
    أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم أصحاب السليقة اللغوية يفهمون نصوص الوحيين وينزلون النصوص على منازلها من غير ما زيادة ولا نقصان يردون الشارد ويُقَوِّمون المعوج ويَهدون الحائر ويُرشدون الضال ويجاهدون في سبيل الله رب العالمين بأداء العلم إلى الأمة رضي الله يبارك وتعالى عنهم أجمعين .
    في صحيح مسلم عن يحي بن يَعْمَر أنه وفد حاجا أو معتمرا ومعه حُميد بن عبد الرحمن وكان قد ظهر ما تكلم به معبد الجهني في إنكار القدر وأن الله رب العالمين لا يعلم ما سيكون من قبل أن يكون وإنما يعلمه الله جلّ وعلا بعد أن يقع , فغالوا في هذا الأمر وخرجوا عن الجادة وانحرفوا عن الصراط المستقيم , فلما وفدا حاجّيْن أو معتمرين يلتمسان أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم للاستفتاء والاسترشاد والاستهداء ومعرفة الحق في هذا الذي نجم وهو مخالف تابعه الفطر ولا تقره العقول وإنما هو زيف محض قال فاكتنفته أنا وصاحبي , يعني من قدّره الله لهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن عمر قال : فظننت أن صاحبي سيكل علي عرض القضية وبسط المسألة فقلت : يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قِبلنا أقوام يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من حالهم .
    وهذا ملحظ يتوقف عنده المرء متأملا يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم يتتبعونه ويطلبونه أو يجمعونه ومن شأنهم في العمل كذا وكذا وإنهم يقولون لا قدر والأمر أنف يقف المرء مليا عند قوله يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم لأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم جعل نحوا من هذه الصفة للخوارج الذين كفّروا المسلمين ووضعوا السيف في رقاب أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلّدوا بالكبيرة في النار فنعتهم النبي المختار صلى الله عليه و آله وسلم بنعت فيه ملمح من هذا الوصف الذي قال يحي بن يعمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من ضئضئ هذا أي من أصله وعقبه أو من نسله أوعلى شاكلته ومنهاجه أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم ثم ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بعد أن عدّد أمورا أنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم ثم وصفهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , والرمية المرمية كما يمرق السهم من الصيد يرمى فيجاوزه إلى ما وراءه نافذا منه كذلك يمرقون من الدين يجاوزونه بغلوهم , فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأشرف جيل وأكرمه لخير القرون يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقيامه مع قيامهم وتلاوته مع تلاوتهم صيامه مع صيامهم أي عبادته مع عبادتهم , يقرؤون القرآن لا يهجرونه ولا يستدبرونه بل يقبلون عليه ولكنها قراءة ليست بواعية هي قراءة فيها تجاوز للحد فيها وقوع على غير القصد فيها مجاوزة لما ينبغي الوقوف عند حده , يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم , وفي رواية تراقيهم لا ينزلق نازلا إلى قلوبهم فلا يلامس شغافها ولا يعمل فيها , لا يفهمونه متدبرين آياته مستدلين عظاته واضعين أيديهم على مراميه , وإنما هم مجاوزونه لا يتوقفون عند حدود الوارد فيه ينزلونه على غير منازله , كما قال السلف: حظا على الطلب ومداومة الحث الحثيث في الجد في طلب العلم ومزاولته فإنّ أقواما نظروا في كتاب لله تبارك وتعالى فأخذوا آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين فخرجوا على الأمة بأسيافهم .
    في حديث يحي بن يعمر قال إن القوم الذين ظهروا بالبصرة أول ما ظهر القول بالقدر ,والقول بالقدر نفيه وأما الغلو في إثباته فالجبر لا القدر , قال :ظهر قِبلنا أقوام يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم , وذكر من شأنهم يقولون مع ذلك إن الأمر أنف وإنه لا قدر قال ابن عمر رضي الله عنهما :إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برءاء مني , والذي يحلف به ابن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله لم يُتقبل منه حتى يؤمن بالقدر . ثم ذكر حديث أبيه فيما كان من مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر ما كان من جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال جبريل :فأخبرني عن الإيمان قال :أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه و رسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
    لمّا ظهرت هذه البدعة ظهرت في مقابلتها غلوا في الإثبات بدعة أخرى وهي بدعة الجبر وهو أن الإنسان مجبور على الإتيان بما يأتي به من طاعة ومعصية , وأنه لا مشيئة له ولا إرادة وإنما هو مسير مجبور على كل ما يقع منه من معصية وطاعة , تماما كما ظهر في مقابلة بدعة الخروج عن الأمة بتكفير المسلمين ووضع السيف في رقابهم والتكفير بالإتيان بالكبيرة مع التخليد في النار ظهر في مقابل هذه البدعة بدعة الإرجاء , والإرجاء التأخير فإن أقواما قالوا أول ما قالوا والذي وقع منه ذلك أول مرة هو الحسن بن محمد بن الحنفية ومحمد بن الحنفية هو ابن علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه فإنه وضع كتابا و كان يذهب فيه إلى إرجاء ما وقع بين الصحابة فلا يقول إن عليا مصيب ولا إن معاوية مخطئ , وإنما يقول نرجئ أمر المختلفين إلى الله رب العالمين فكان إرجاء بمعنى التأخير اللغوي وما كان مذموما على ذلك النحو الذي يذم به ما وقع فيه من وقع في الإرجاء البدعي بعدُ , ومع ذلك فإنه ندم على ذلك الكتاب وكان يصرح بأنه ودّ لو كان مات قبل أن يخطه ودّ لو قطعت أنامله قبل أن يكتبه .
    فبدأ الأمر هكذا ثم ظهر بعد ذلك أمر عظيم حتى صار إلى أن الإيمان هو مطلق التصديق وأن الإنسان إذا صدّق بوجود الله تبارك وتعالى فهذا هو الإيمان الكامل , وأن الإيمان حقيقة ثابتة لا تتجزأ و أن الإيمان شيء واحد لا يتبعض , وعليه فإيمان أفجر الفجرين كإيمان خير المرسلين كإيمان جبريل عليه السلام وصلوا إلى هذا الحد وأخرجوا الأعمال بالكلية من مسمّى الإيمان وهي من أخبث البدع على الإطلاق لأنها جعلت الأمة سارحة بلا خطاب سائرة بلا زمام لأنهم يقولون على قاعدتهم في الإرجاء إنه لا يضر مع الإيمان ـ وهذا هو الإيمان عندهم ـ معصية ولا ذنب وعليه فلتُقترف جميع الذنوب ولتُرتكب جميع الآثام فالإيمان هو الإيمان لا يضر معه ترك الأعمال بالكلية .
    وهذا ضلال مبين وليس من سيرة المسلمين الصالحين وإنما هي بدعة خبيثة أفسدت على المسلمين حياتهم ودينهم حتى صاروا إلى ما صاروا إليه والله المستعان .
    ظهرت هذه البدعة في مقابل بدعة الخروج لأن أقواما نزّلوا النصوص التي نزلت في الكفار على المسلمين فكفّروهم ولمّا وقع الاقتتال بين جند علي وجند معاوية رضي الله عنهما كفّروا الحكمين وكفروا عليا ومعاوية وعمرا وجملة ممن كان هنالك في المعسكرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكفروا المقتتلين وقالوا إن الحكم لله .إن الحكم إلا لله . لا حُكم إلا لله و لا حَكم إلا الله , وهي كلمة حق أريد بها باطل لأنها نُزِّلت على غير منزلها فكانت سببا في تكفير أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ووقع بعد ذلك من المجازر ما وقع فكان من الغلو في محاربة هذه البدعة ما نجم من أمر الإرجاء , كذلك لمّا أتى جهمٌ ببدعته وأتى المعتزلة بعدُ ببدعتهم لمّا اعتزل واصل بن عطاء وكذا معه عمر بن عبيد لمّا اعتزلا حلقة الحسن البصري وأتوا بما أتوا به فيما يتعلق بأمر الكبيرة وأن مرتكبها في منزلة بين المنزلتين وجعلوا من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو عندهم الخروج على أئمة الجور بالسيف قولا واحدا .
    لمّا ظهر الجهمية والمعتزلة ونُفيت صفات الرب الجليل جلّ وعلا حتى قال قائلهم سميع بلا سمع , بصير بلا بصر , عليم بلا علم , حكيم بلا حكمة , والذين غالوا منهم نفوا عن الله تبارك وتعالى الأسماء الحسنى فجعلوها أي تلك الأسماء لا تدل على معان وإنما هي كالإشارات للذات فكان أن نشأ غلوا في المعالجة في الجانب الآخر المقابل الذين غالوا في إثبات الرب الجليل جل وعلا حتى وصلوا إلى التشبيه ومنه إلى التجسيد فعبد الأولون عدما وعبد الآخرون صنما وبقي أهل السنة على الجادة المستقيمة يعبدون ربا واحدا فردا صمدا , لا إله يعبد بحق سواه جلّ في علاه.
    فالمغالاة في معالجة انحراف تولد انحرافا آخر ينبغي علينا نحن المسلمين أن نتوقف قليلا لالتقاط الأنفاس , فإن الأمر جد لا هزل فيه وإن هذه الجولة بين جند الشيطان وجند الرحمن لها ما بعدها هي كرّة خاسرة بمقاييس الشريعة والديانة المستقرة , فإن الله رب العالمين جعل الحق منصورا أبدا ومحاربا والدولة للحق في منتهى الأمر , ولكن ينبغي أن يكون حقا خالصا فإن الحق إن كان خالصا انتصر مع قلة العدد والعتاد لأن الباطل زهوق قصير النفس إن الباطل كان زهوقا لا روح له و لا حياة له والحق ممدود من الله رب العالمين بالتأييد والنصر والمعونة والتسديد , لأن الله رب العالمين يُحق الحق وهو خير الفاصلين , والله رب العالمين يبطل الباطل لتستبين سبيل المجرمين وإذا وقعت معركة بين فريقين في هذه الدنيا فاعلم أنها لا تخلوا أن تكون بين حق خالص وباطل خالص , أوأن تكون بين حق مشوب وباطل خالص , وإما أن تكون بين باطل وباطل .
    المعركة بين الحق والباطل إذا كان الحق خالصا غير مشوب محسومة قصيرة الأمد فلا بد أن تنتهي سريعا ب.... أهل الحق على أهل الباطل وبمحقه وسحقه وإعلاء شأن أهل الحق في الأرض , هم جند الله فيه كما قال رسول الله :لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا حاربهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك قائمين على الحق , إذا كانت المعركة بين حق خالص وباطل فإنها لا تطول تحسم سريعا لصالح الحق وأهله , وإذا كانت المعركة بين حق مشوب وباطل فإنها تطول على قدر ما شاب الحق من الباطل , وإذا كانت بين باطلين فهي مستعرة أبدا , وأما الفرد الرابع فلا وجود له ولا يُتصور , لأنه لا يعقل أن تقوم معركة بين حقين إذ الحق واحد لا يتعدد فكيف ينقسم هذا الانقسام حتى يصير إلى فريقين يقتتلان إذا لا معركة أبدا بين حق و حق و إنما المعركة بين الحق والباطل قد يكون الحق خالصا فهو منصور سريعا وقد يكون الحق مشوبا فتطول مدة المعركة ويطول أمدها بالاقتتال فيها حتى يهذب أهل الحق أنفسهم وحتى يتوبوا إلى الله رب العالمين مما شاب حقهم , وأما المعركة بين باطلين فهي فباقية أبدا .
    على المسلمين أن يتوقفوا قليلا لأخذ الأهبة لِمَا هو آت فإنما هو آت لا يعلمه إلا رب الأرض والسماوات , وما تُكاد به الأمة من الداخل والخارج قد أطلت رؤوس شياطينه وبدت في الأفق تلوح نسائج كمائنه فيما أوحى الشيطان إلى أولياءه حتى صارت الأمة على شفا جرف هار يكاد أن ينهار بها , والله سبحانه وتعالى هو العاصم من كل سوء لا عاصم سواه .
    على أهل الحق أن يهذِّبوا أنفسهم وأن يتقوا الله تبارك وتعالى في دينهم لا يتوقف الأمر في هذا الوقت عند حدود الكلام وإنما ينبغي أن يُقرن بالعمل.
    ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد علمنا ذلك في أصعب المواقف وأحرجها لمّا رمت قريش أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأفلاذ أكبادها وجاءت بخيلائها وحَدِّها وحديدها وعُدتها وعتادها تُحاد الله وتحارب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كان , الأمر من أصعب ما يكون وأحرجه فماذا صنع الرسول ؟ صلى الله عليه وآله وسلم وعظ وذكّر وأرشد وعلّم وأخذ بالأسباب كلها , ثم فزِع إلى ربه لا يُنسى العمل أبدا وأولى ما أُخذ به العمل بالعبادة والذكر والابتهال والدعاء والإنابة والرجاء عند وقوع الأزمات وتحرج الصعوبات وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أشار إلى قريش وقد صفت صفوفها وهي ثلاثة أمثال جند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت للقتال ولم يخرج و أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم للنفير وإنما خرجوا في الجملة للعير وكانوا للّقاء كارهين فلما جدّ الجِد ودلّهم على مواطن الخير والرشاد ورغبهم في الاستشهاد بذلوا النفوس رخيصة لله رب العالمين , وأخذ يدعوا ربه حتى انحصرت بردته عن كتفيه الشريفين صلى الله وسلم وبارك عليه يبتهل إلى ربه "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد بعدها في الأرض" , يدعوا الله رب العالمين ويرجوه ويستنزل نصره ورحمته وتأييده لأصحابه المؤمنين الصادقين حتى إنّ الصديق رضي الله عنه ليقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مشفقا يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإن الله منجزك ما وعدك , هل كان النبي صلى الله عليه وسلم مجتهدا في هذا الذي صنع أم أنه كان مطيعا لأمر صدر .
    إن الله رب العالمين أمر المؤمنين في أحلك مواقفهم وأصعبها عند اللقاء وقد صفت الصفوف للنّزال أمرهم الله رب العالمين بذكره تعالى ذكرا كثيرا - يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .
    في هذه الأيام أين ذكر الله , أضعنا ذكره وانشغلنا بغيره وكأن الأمر لا يأتي من ها هنا وإنما يأتي من ها هنا والأمر إنما يأتي من الله التأييد منه والنّصر منه والتمكين منه وإعزاز الناس منه وإذلالهم منه والله جلّ وعلا على كل شيء قدير غفلت قلوب فقست والأصل أن نُحقق العبودية لله , فهذا هو المقصِد من الخلق أصلا فإذا ما حققنا العبودية لله رب العالمين فإن الله رب العالمين ناصر عبده ومعل شأنه ورافع ذكره و مهلك عدوه و مبير خصمه وهو على كل شيء قدير .
    قست القلوب لأنها توقفت عند حدود ما يُلقى فيها صباحَ مساءَ من الأخبار والأنباء تحلل تارة وتصدق أخرى وتكذب فينة وتعتقد فينات , وذكر الله رب العالمين غفل عنه أكثر الناس .
    يقول رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم "العبادة في الهرج كهجرة إلي" والحديث عند مسلم في الصحيح العبادة في الهرج كهجرة إلي والهرج اختلاط الأمور ووقوع الفتن وقد فسره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر بأنه القتل الهرج القتل , وهو ناتج عن وقوع الفتن واضطراب الأحوال واختلاط الرآى وتعارض الغايات وتنافر المقاصد فلا بد أن يقع القتل حتما حتى لا يدري القاتل فيما قتل و لا يدري المقتول فيما قُتل . هذه الأمة أمة مرحومة لأنها بالله موصولة العبادة في الهرج كهجرة إلي , يفزع الناس إلى الصلاة يفزع الناس إلى ذكر الله يفزع الناس إلى تلاوة القرآن يفزع الناس إلى برّ الأيتام وصلة الأرحام ورعاية المساكين والحذر على الفقراء والنظر بعين الرعاية للأرامل والضعفاء فحمل دءوب لإرضاء الله لأنه لا تقع نقمة إلا بذنب و لا ترفع إلا بتوبة فلا بد من الأوبة وإلا فإن الخط يمتد على استقامته إلى نهايته و ما ربك بظلام للعبيد .
    إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الخندق وقد وصف الله رب العالمين ما كان وبلغت القلوب الحناجر وزاغت الأبصار فاضطربت الرؤية وصار الأمر من أعسر ما يكون وقعا وأعنفِ ما يكون ألما , وهذا سيظهر فيما أقص عليك مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روى حذيفة رضي الله عنه والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وغيره وهو ثابت . واحد من التابعين سأل حذيفة يوما فقال : أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعايشتموه ؟ يعني كنتم تروحون وتجيئون معه تنظرون إليه وتسمعون يؤمركم وينهاكم فمن لي أذن , تقاتلون تحت لوائه وتسيرون وراءه صلى الله عليه وآله وسلم أنّ سار , التابعي يتأمل في هذا الأمر سائلا حذيفة رضي الله عنه فقال له حذيفة: نعم. أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعايشتموه ؟. قال :نعم .قال وتركتموه يمشي على الأرض أما والله لو أننا أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض , لحملناه على رؤوسنا على حبات عيوننا على حبات قلوبنا صلى الله وسلم وبارك عليه وهو بهذا كله وبأكثر منه جدير , ولكن للمسالة وجها آخر قال له: يا ابن أخي لا تقل هذا فلقد رأيتنا في الليلة التي مَنَّ الله رب العالمين على المسلمين فيها بالنصر لمّا أتى الأحزاب ـ يعني في غزوة الخندق ـ وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم و قد اشتدت الريح وهاجت تكفأ القدور وتطير الخيام و لا اعتصام منها لمعتصم إذ جاءت بأمر الله واشتد البرد جدا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف في هذه الشدّة عند ورود هذه النازلة عند اشتداد الأمر قام يصلي و قد تلفّع بمرط لإحدى نساءه صلى الله وبارك وسلم عليه ورضي الله عنهن قال فلما قضى صلاته قال: "هل من رجل يأتيني بنبإ القوم ويكون رفيقي في الجنة". قال فوالله ما قام منا أحد قال فأعادها رسول الله صلى الله وسلم عليه قال فوالله ما قام منا أحد فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم فما قام أحد فقال: "قم يا حذيفة" قال حذيفة و والله لو لا أنه عيّنني ما قمت ما الذي فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الشدة قام يصلي , العبادة في الهرج كهجرة إلي .
    على المسلمين أن يكفوا عن الكلام قليلا لا كثيرا نقنع منهم بالقليل فإنهم لا يكفون عن الكلام أصلا كفوا عن الكلام قليلا واشغلوا أنفسكم بذكر الله وبالصلاة وتلاوة القرآن والدلالة على الخير فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عند الكسوف والخسوف وكذلك عند تغير الأحوال مما يُخاف منه سوء المآل كان يفزع إلى الصلاة يفزع الناس إلى ذكر الله إلى تحقيق العبادة لله إلى البعد عن الخلاف والخصام والمجادلة وإنفاق الأوقات بذبحها على مذابح الفراغ بإنفاقها لله طاعة لله وتحقيقا لأمر الله , فإنه لا مَخلص إلا بهذا , هي التوبة الحقيقة أمّا المغالاة في معالجة الانحرافات فإنها تولد انحرافات في الطرف المقابل فماذا صنعنا ؟ أهل السنة وسط بين الإفراط والتفريط بين الغلو والجفاء كالوادي بين الجبلين طريق قاصد لاحق هو الصراط المستقيم , أهل السنة فضيلة بين رذيلتين , جنة بين نارين من تفريط وإفراط وغلو وجفاء .
    على الناس وعلى أهل السنة خاصة ومن تكلم في الدين على منهاج النبوة ومذهب السلف أن يتقي الله ربه , لا بد من التوقف قليلا لالتقاط الأنفاس لقد صار الناس في أمر مريج والتخالف في الاعتقادات يؤدي إلى سل السيوف والإطاحة بالرقاب وإراقة الدماء , هذه قاعدة لا تتخلف , الناس تبدأ اختلافاتهم كلاما ولفظا وخصاما وجدالا ثم تؤول في المنتهى عراكا وقتالا و دماء تسيل أنهارا , وما حق أمتنا علينا أن نجزيها بهذا الجزاء السوء وإنما نضرع إلى ربنا ونتوب فإن الجزاء من جنس العمل , من تولى تولى الله عنه , من أعرض أعرض الله عنه , من أوى إلى الله آواه الله , من استحي من الله استحي الله منه , من تقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه ذراعا ومن تقرب إلى الله ذراعا تقرب الله إليه باعا ومن أتى الله يمشي أتاه هرولة , الجزاء من جنس العمل ,هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فلنخرج من الإساءة فما أعظمها ولنحسن ولنعلم أنه لا نجاة في الدنيا ولا نجاة في الآخرة , لا نجاة في الدنيا للاختلاف والاقتتال وإضاعة الأوطان والأديان لا نجاة في الدنيا من الخزي والمذلة والعار إلا بالعودة إلى ما كان عليه أصحاب النبي المختار صلى الله وسلم و بارك عليه ولا نجاة في الآخرة من النار ولا وسيلة إلى التنعم في الجنة ونعم القرار إلا بإتباع أصحاب النبي المختار فإن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا ذكر الفرق التي ستفترقها الأمة بعدُ , ذكر صلى الله عليه وآله وسلم الناجية منها فقال صلى الله عليه وسلم :من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي . هذه هي الناجية والكل في النار قال كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله ؟ "قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" لا نجاة إلا بهذا والأمر قريب ونستدرك فنسأل الله رب العالمين أن يرحمنا وأن يرفع الكرب عنا وأن يؤلف بين قلوب المسلمين وأن يهدينا جميعا إلى الصراط المستقيم إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين أما بعد:
    فإن الإسلام هو دين الله الحق أكمله الله رب العالمين ورضيه لخلقه في أرضه وجعل نبيه لا نبي بعده وحفظ كتابه فلا يعتريه تغيير ولا تبديل و لا يطرأ عليه تصحيف و لا تحريف .
    لمّا كان الإسلام بهذه المثابة كان لا بد أن يكون محاربا إذ هو الحق وما دونه الباطل والباطل في نِزال مع الحق أبدا , فالإسلام مستهدف منذ جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد اتُخذت قديما منذ صدع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى ربه وإعلان التوحيد في أرضه بدأت المعارك على جميع الأصعدة معركة مسلحة تُستخدم فيها قوى الباطل بعنفه وجبروته , ويستعدي أهل الباطل في أقطار الأرض على محمد وحزبه صلى الله وسلم وبارك عليه ورضي الله عنهم , وحرب معنوية بإشاعة الشائعات وإثارة البلبلة و الافتراء والبهتان إلى غير ذلك مما هو معلوم .
    حرب تحاول أن تصل إلى الثوابت حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا فرغ من دعوة الناس يأتي من يأتي بعدُ ليجلس في الموضع ليتلو عليهم قصصا رستم و اسفنديار ويأتيهم بأساطير الأولين يريد تشويش هذه الثوابت ويريد الشغب عليها وهيهات الحق منصور أبدا ومحارب , ولكن لا بد من رجال تحمله و لا بد من رجال تعتقده و لا بد من رجال يطبقونه في هذه الحياة ليكون دعوة ناطقة بوجوده لا بالكلام عنه , لأن المسلمين لو أنهم طبقوا دين رب العالمين لدخل الناس في دين الله أفواجا لا ينعم مجتمع بمثل أحكام الإسلام و لا يسعد قوم بمثل تشريع الله رب العالمين فيه إحقاق الحق وإقامة العدل ونفي الجور وإزالة الظلم إنه دين الله جعله الله رب العالمين هداية لخلقه في أرضه , لو أن المسلمين حوّلوا التعاليم إلى واقع منظور حي يتحرك, لدخل الناس في دين الله أفواجا , ولكن كما قال رسول الله وما حكم قوم بغير ما شرع الله إلا جعل الله بأسهم بينهم , الجزاء من جنس العمل , من بَغى بُغي عليه ومن ظلم ظُلم , يسلط الله عليه أظلم منه وما ظالم إلا سيبلى بأظلم , الجزاء من جنس العمل وهذا واضح في حديث أبي واقد الليثي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بين أصحابه وكانوا في حلقة فمرّ ثلاثة نفر فأما الأول فأتى فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلف الحلقة وأما الثالث فأدبر معرضا فلمّا فرغ رسول الله صلى الله وسلم عليه قال: "ألا أخبركم عن الثلاثة النفر فأما الأول فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحي فاستحي الله منه وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه" . أعرض عن العلم من غير عذر ومن أعرض عن العلم الشرعي من غير عذر أعرض الله عنه كما قال رسول الله و أما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه , فمن أوى إلى الله آواه ومن استحي من الله استحي منه من أعرض عن الله أعرض الله عنه . علينا أن نعود إلى الله وتوبتنا إلى الله رب العالمين تكون بضد ذنوبنا التوبة من الشرك بإكمال التوحيد التوبة من البدعة بتحقيق السنة التوبة من المعاصي بهجرانها والندم على ما وُوقِع منها والعزم على عدم الوقوع فيها ورد المظالم إلى أربابها , التوبة من الإعراض عن الله بالإقبال على الله لأن هذه الدنيا إذا لم نفهم حقيقتها فلن نستطيع أن نؤدي وظيفتنا فيها وقد أخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه عالما ومتعلما" حسنه الترمذي ووافقه الألباني فهذا حديث حسن ثابت عن رسول الله صلى الله وسلم عليه , الدنيا ملعونة فهي مُبعدة عن الله غاية البعد , الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة كما قال رسول الله , لذلك فهي ملعونة لا تساوي عند الله جناح بعوضة و لو لا ذلك ما سقى كافرا منها شربة ماء , إلا ذكر الله و ما والاه ما عاضده وناصره أو ما تابعه و واكبه الدنيا ملعونة مبعدة عن لله رب العالمين ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما , الدنيا مبعدة نائية عن الرحمة إلا ذكر الله إذن هذا استثناء منقطع لأنها إذا كانت جملةً ملعونةً على حسب ما يقضي ظاهر النص إذن فذكر الله و ما والاه والعالم والمتعلم ليس بداخل في المستثنى منه فهذا استثناء منقطع وقد يكون المراد بالدنيا العالم السُفلي وعليه فيكون الاستثناء متصلا .
    على كل حال لا يستثنى من اللعن والطرد إلا ذكر الله و ما والاه ومن كان متعلما على سبيل نجاة والعالم الرباني فاحذر أن تكون من الملعونين , فقد حذر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الجهل والجهلاء ليسو من ذكر الله في شيء فالجهل ليس من ذكر الله ولا مما والاه والجهلاء ليسو من العلماء و لا من المتعلمين فالجهل والجهلاء داخلون في اللعنة , تعلم دين الله واحرص على العلم به وادعوا إليه واثبت عليه و الهج بذكر ربك داعيا ومنيبا ومستغفرا واعلم أن المغالاة في معالجة انحراف تولد انحرافا آخر والانحرافات كثيرة , و المغالاة في معالجتها كثيرة وهي تُخرج خارج الإطار والنطاق بتوليد انحرافات سواها , وهذا من الظلم لدين الله ومن الخيانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلنلزم منهاج النبوة ولنرجع إلى إتباع أصحاب رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه فهم أعلم منا بمواقع التنزيل وأسباب الورود وهم أعظم منا فهما لحقيقة الدين ولنحقق التوحيد في الحياة ولندعو إليه ولنثبت عليه ولنصبر على الأذى في ذلك ولنحقق الإتباع , فهما كلمتان توحيد وإتباع و لا يتحقق ذلك إلا بنهج نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    اشغل نفسك بما ينفعك لا تُخوِّل الجانب العلمي على حساب الجانب العملي ووازن تسلم لأنه لا بد من الموازنة بين القوتين العلمية والعملية لا بد من العلم والعمل وإنما فُضِّل العلم لأنه يُعمل به وإلا فإن العلم من غير عمل ما هو إلا حُدة على عالمه ومتعلمه فليتق الله أقوام .
    نسأل الله أن يجعلنا من المتقين أجمعين فيما آتانا الله , علينا أن نعمل به أن نأتمر بالمعروف الذي نأمر به وأن ننتهي عن المنكر الذي ننهى عنه وأن نحقق التوحيد و الإتباع ففي حديث الحب ِبن الحب أسامة بن زيد فيما روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يجاء يوم القيامة بالرجل تندلق أقتابه في النار يدور بها كما يدور الحمار بالرحاء حتى يجتمع عليه أهل النار يقولون يا فلان مالك ؟ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف و لا آتيه وأنهاكم عن المنكر و آتيه نسأل الله السلامة والعافية .
    على الدعاة والمتكلمين في العلم أن ينهجوا بالمسلمين في هذا الوقت العصيب نهج العمل نهج العمل بالكتاب والسنة وأن لا يجعلوا الجانب الكلامي معظّما على حساب الجانب العملي فإن مَثَل من يعلم الناس الخير و لا يعمل به , مثل الذي يعلم الناس العلم و لا يعمل به كمثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ضنا بلحظتك ضنا بعمرك لا تبدد أوقاتك كن نافعا كن نافعا لإخوانك من المسلمين سائرا على نهج النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فعلم بلا عمل نفاق ورياء وعمل بلا علم فبدعة وهرطقة , وإنما العلم والعمل معا فلنجتهد في العودة إلى الله مخلصين له الدين موحدين متبعين والله رب العالمين من وراء القصد وهو يهدي إلى الصراط المستقيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

  • #2
    رد: &quot;الآن وقت العمل&quot; خطبة جمعة الشيخ محمد سعيد رسلان

    الخطبة صوتياً في المرفقات
    الملفات المرفقة

    تعليق

    يعمل...
    X