إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

خطبة الجمعة [حقيقة الحكم بما أنزل الله] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان - كاملة منسقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] خطبة الجمعة [حقيقة الحكم بما أنزل الله] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان - كاملة منسقة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه... وبعدُ:
    تم بحمد الله الانتهاء من تفريغ خطبة الجمعة قبل الماضية والتي كانت بعنوان حقيقة الحكم بما أنزل الله.
    الخطبة رائعة كالعادة؛ أقتطف منها:
    أرأيتَ إذا قِيل لمَن يذكر الله بطريقة بدعية: اترك هذا الذكر، واذكر الله بطريقة سُنية.
    أفيجوز له أن يقول: إن قائل هذا لا يُحب الذكر!!
    لو أنه قال لمبتدعٍ في ذكره: اتقِ الله! واذكر بطريقة سُنية، لا بدعية. أفيقول له مَن أمره: أنك لا تُحب ذكر الله!!
    فكذلك لا يُقال: إن مَن لا يشارك في التظاهرات والانتخابات لا يحب قيام الدولة الإسلامية؛ لأنه يستحيل أن يُوجد مسلم صادق يكره دولة الإسلام؛ وإنما قال الله –عز وجل- ذلك في الكفار حين قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:9].
    فلا يُوجد مسلمٌ قط يكره قيام دولة الإسلام، فضلاً على أن يُحارب إقامتها!، هذا لا وجود له إطلاقًا في قلب مسلم، بل هذا مذكور في حق الكفار؛ كما قال ربنا -جل وعلا-.
    ولا يُقال: كيف تصلون إلى تحكيم الشريعة إذا لم تشاكوا في البرلمان؟!
    ولكن يُقال: هل شارك رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- كفارَ قريش في حكمهم حتى وصل إلي تحكيم شريعة الرحمن؟!!
    هذا هو السؤال!
    إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئ ذي بدء، ولم يهتم بإصلاحها قبل إصلاح أصل الدين.
    لم يهتم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالإصلاح السياسي ولا بالوحدة السياسية، قبل البدء بإصلاح أصل الأصول وهو دين رب العالمين.
    فالوحدة الجسدية قد تكون خداعة، وأمَّا الوحدة العقدية فجماعة منَّاعة.
    ولذلك أخبر الله –تعالى- أن اليهود هم الذين عكسوا هذا الهدي النبوي الشريف؛ فقال تعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر:14].
    تحسبهم جميعًا: هتافهم واحد، مكانهم واحد، شعاراتهم واحدة.. وقلوبهم شتى! ولكلٍ وجهة! ولكلٍ غاية! ولكلٍ غرضٌ ونهاية!
    وقد أخبر الله أن فاعل ذلك لا عقل له!!؛ فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    فالذي يهتم بالوحدة الجسدية.. بالكثرة.. بالتجميع، من غير النظر إلى استقامة القلوب على توحيد الرب المعبود -سبحانه وتعالى- هذا ... آخذٌ بسنة اليهود!! لا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    وقد أخبر الله -جل وعلا- أن فاعل ذلك لا عقل له!! فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    وعليه؛ فمن اهتم بالتجميع الجسدي والكثرة العددية، وصمه الله -تعالى- بأنه لا يعقل، ومَن لا يعقل فهو ساقط الأهلية! فكيف يكون حاكمًا على المسلمين؟!!

    لتحميل التفريغ بصيغة PDF جاهز للطباعة والنشر - 16 ورقة
    اضغط هنا للتحميل من المرفقات.

    في رعاية الله
    الملفات المرفقة

  • #2
    رد: خطبة الجمعة [حقيقة الحكم بما أنزل الله] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان - كاملة منسقة

    [القراءة المباشرة]التفريغ
    إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
    أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار.
    أمّا بعدُ:
    فقد أخرج الإمامُ أحمد في (المسند)، وأخرج غيرُه في غيرِه -والحديث هو الخامسُ في السلسةِ الصحيحةِ- عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : (تكون النبوةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةٌ على مِنهاج النبوة؛ فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلْكًا عاضَّاً -أي وراثيًا- ثم تكون مُلْكًا جبريًا -أي قهريًا- يسوق الناسَ بعصاه يملأ الدنيا ظلمًا وجورًا؛ فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةٌ على مِنهاج النبوة، ثم سكت -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    نبوةٌ ثم خلافةٌ على مِنهاج النبوة ثم تكون مُلْكًا عاضَّاً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلْكًا جبريًا فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةٌ على مِنهاج النبوة، ثم سكت.
    فالمُلك الجبري القهري الذي يسوق الناسَ بعصاه يملأ الدنيا ظلمًا وجورًا إذا رُفع كانت الخلافةُ على مِنهاج النبوة.
    والخلافةُ على مِنهاج النبوة تلت النبوة التي رُفعت بقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم تكون كَرَّةً أخرى على ما عليه كانت أول مرة.
    والدعوةُ على مِنهاج النبوة مؤسسة على دعوة المرسلين، ومنهاج النبيين؛ فقد بدأ النبيون والمرسلون أجمعون دعوتَهم بالتوحيد والتحذير من الشرك.
    وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يأمر أمراءه ودعاته بالبدء بدعوة التوحيد، يبدأ بأصل الأصول ثم من الأهم إلى المهم.
    فلماذا لا نفهم هذا التنظيم المحكم الدقيق؟! ولماذا لا نلتزم؟!
    لماذا نفهم أنه يجب علينا أن نلتزم سنّة الله التشريعية وتنظيمه الدقيق المحكم في العبادات وجزئياتها وفي المعاملات وفي صورها ولا نفهم سنّة الله وتنظيمه وتشريعه الدقيقَ في مجال الدعوة الذي تتابع عليه الأنبياء والمرسلون أجمعون على طريقةٍ واحدةٍ لا تتبدل وسنّةٍ ثابتةً لا تتغير.
    لماذا نفهم هذا ولا نفهم هذا؟!
    ولماذا ننتقي؟!؛ فنقول: إنه ينبغي أن نلتزم سنّة الله التشريعية فيما حكم الله -تبارك وتعالى- به في أصول العبادات وأصول المعاملات وفي الحكم وفي السياسة، ولا نلتزم ما جاء به النبيون أجمعون، والمرسلون كافة في طريقة الدعوة إلى الله من أجل الوصول إلى ذلك الغرض المنشود.
    لماذا نفهم هذا ولا نفهم هذا؟!
    ولماذا نَكِيلُ بمكيالين؟! ولماذا ننتقي؟!
    لماذا نستجيز أن نخالفَ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والمرسلين والنبيين قبله في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وفي طريقتها وفي الغرض المنشود منها؟!
    لماذا نستجيز هذا؟! ولا نقبل مخالفة في سنّة الله تبارك وتعالى التشريعية وفي تنظيمه تبارك وتعالى المحكم في المعاملات؟
    ولماذا نستجيز مخالفة منهج النبيين العظيم الأصيل؟! ومنهاج النبوة الأصيل؟! ونعدِلُ عن سَنن الرشاد القويم ومنهج الهدى العظيم.
    إن طائفةً كثيرةً كبيرةً من الدعاة المعاصرين جهلوا مِنهاج النبوة في الدعوة إلى الله رب العالمين، وبعضهم يتجاهله ويتنكبه؛ فحالت شياطين الإنس والجن بينهم وبينه، واتخذوا من المناهج المخالفة لمنهاج النبوة ما أرداهم في دينهم ودنياهم، وصدق فيهم قولُ الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- : (لتتبعن سَنن مَن كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جُحْرَ ضَبٍّ لسلكتموه. قلنا يا رسول الله: اليهودُ والنصارى؟ قال: فمَن؟!) والحديثُ في الصحيحين.
    وصدق فيهم قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- : (افترقت اليهودُ إلى إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق هذه الأمّة إلى ثلاثٍ وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة). أخرجه أحمد وأبو داودَ والحاكم من حديث معاوية، وأخرجه ابن ماجة من حديث عوف بن مالك، وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في السنّة، وأخرجه أحمد وأبو داودَ والترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في السنّة، وأخرجه أحمد من حديث أنس من طريقين وفي لفظٍ: مَن هي يا رسول الله؟ -أي مَن هي الفِرقةُ الناجية؟- قال: ما أنا عليه وأصحابي. وهذا عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
    لقد أصبح المسلمون من جرَّاء المخافة غثاءً كغثاء السيل كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : (تُوشِكُ الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلةُ إلى قصعتها، فقال قائلٌ: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟! قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السيل، ولينزعن اللهُ -من صدور عدوكم- المهابةَ منكم، ولقذفن الله في قلوبكم الوَهْنَ. فقال قائلٌ: وما الوَهْنُ؟ قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : حب الدنيا وكراهية الموت). أخرجه أحمد وأبو داود وأبو نعيم في (الحِلية)، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد. والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
    لقد أصبحوا غثاءً كغثاءِ السيل! وتداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وغذوهم في عُقر دارهم واستذلوهم واستباحوا نفائسهم وخضبوا شوكتهم واستنزفوا ثروتهم وأفسدوا أخلاقهم، وقد وقع ذلك كله بسبب بعدهم عن منهاج النبوة؛ ففي منهاج النبوة العصمة.
    فتح كثيرٌ من الناس أعينهم على شناعة واقعهم وانحطاط حالهم وتمكن عدوهم منهم؛ فانتبهوا من نومهم صائحين في المسلمين: عودوا إلى الله فهذه مسالك النجاة، لكنّ أكثرهم -وأسفاه- لم يكن داعيًا إلى سبيل نجاة.
    بل كانوا متنكبين صراط الله المستقيم حائدين عن منهاج النبوة الذي جهلوه أو تجاهلوه، فلما أوغلوا في البعد عنه صاروا محاربين للدعاة إليه المتمسكين به فلم يضروهم شيئًا وما ضروا إلى أنفسهم، وأنى يضرون مَن تمسك بكتاب الله، وسنّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، واقتفي أثر سلفه الصالحين في عقيدته وعبادته ودعوته؟!
    فالدعوةُ إلى الله محكومةٌ بما جاء به رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومرَّ في حديث حذيفة -رضي الله عنه- ثم تكون مُلْكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها؛ فتكون خلافةٌ على منهاج النبوة.
    وواضحٌ جدًا من الحديث أن الانتقال من الملك الجبري إن لم يكن خلافةٌ على منهاج النبوة؛ فهو انتقال من مُلك جبري إلى مُلك جبري آخر! لقول رسول الله : (ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوة). فهذا هو المنتهى، وقبله ثم تكون مُلكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.
    فيعقُب المُلكَ الجبري، خلافةٌ على منهاج النبوة؛ فالانتقال من المُلك الجبري إن لم يكن على منهاج النبوة فهو انتقال من مُلك جبري إلى مُلك جبري آخر كما هو ظاهرٌ جدًا في حديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    وإذا كانت معالم منهاج النبوة غائمةً أو مجهولةً أو مغيبةً؛ فكيف يكون الانتقال عن المُلك الجبري؟!
    لن يكونَ حينئذٍ إلا انتقالاً عن مُلك جبري إلى مُلك جبري آخر! لا إلى خلافةٍ على منهاج النبوة.
    وأصلُ أصولِ منهاج النبوة: إخلاصُ العبادة لله -عز وجل- وذلك بتوحيده ونبذ الشرك، ولا يتحقق ذلك إلا بتجريد المتابعة للمعصوم -صلى الله عليه وآله وسلم-، والتمسك بما كان عليه أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والاقتداء بهم -رضي الله عنهم-، وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
    قال الشيخُ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: (اعلم أرشدكَ اللهُ لطاعته أنّ الحنيفيةَ ملةَ إبراهيم: أن تعبدَ اللهَ وحده مخلصًا له الدين، كما قال تعالى: (وما خلقتُ الجن والإنس.. ليعبدون).
    فإذا عرفتَ أن اللهَ خلقكَ لعبادته؛ فاعلم أن العبادة لا تُسمى عبادةً إلا مع التوحيد كما أن الصلاة لا تُسمى صلاةً إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحَدَثِ إذا دخل الصلاة.
    فإذا عرفتَ أن الشركَ إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفتَ أن أهم ما عليكَ معرفةُ ذلكَ. قال الله فيه: (إن الله لا يُغفر أن...يشاء).
    وشبكةُ شَرَكَةُ الصائدِ التي يصيد بها في الماء والبر والجمع شَبَكٌ وشِباك؛ فللشرك شَرَك: حبائلُ للصيد، يقع فيه الإنسان فيعلق به، وإذا تأملتَ جميع طوائف الضُّلالِ وأصحابِ البدعِ والأهواءِ وجدتَ أصلَ ضلالهم راجعًا إلى شيئين:
    أحدِهما: ظنهم بالله ظنَّ السَّوء.
    والثاني: أنهم لم يقْدروا الله حقَّ قَدْرِه.
    فأهم ما يجب عليك معرفته: التوحيد، والشرك المناقض له).
    وبهذا بدأ المرسلون الدعوة إلى الله، لم يبدءوا بشيء قبله، جميعهم دعوا أممهم وأقوامهم إلى توحيد الله ربَّ العالمين، ونبذ الشرك والبراءة من الشرك والمشركين، لم يبدءوا بشيء قبله قط.
    ولم يلتفتوا إلى الإصلاح السياسي، ولا إلى الإصلاح الاجتماعي، ولا إلى الإصلاح الاقتصادي، وكان في أممهم أمراضٌ وفيهم عِللٌ وأدواء؛ فلم يبدءوا أممهم بإصلاحهم بشيءٍ قبل إصلاح عقيدتهم واستقامت قلوبهم على دين ربهم -جل وعلا- وكذا فعل رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    أهم ما يجب عليكَ معرفته: التوحيد، والشرك المناقض له.
    لابد أن تعرف التوحيد وأن تعرف الشرك حتى لا تتورط فيه.
    ولذلك الذين لا يعرفون موطنَ النزاع بين رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقومه لا يعرفون حقيقة دين الإسلام الذي دعا إليه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بُعث في قومٍ لا ينكرون وجود الله، يعبدونه ويعبدون سواه، ويذبحون له ولغيره، ويلبونه ويشركون معه في التلبية أصنامهم وأوثانهم.
    موطنُ النزاع بين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وقومه: إنما كان في صرف العبادة لغير الله أو لله ولغيره؛ فإن هذا لا يُقبل بحال، ومن أجل هذا أباح اللهُ دماءهم وأموالهم ونساءهم ودُورهم وأرضهم، ومَن مات منهم على الكفر فهو خالدٌ مخلدٌ في النار.
    ما هو موطن النزاع بين الأنبياء وأقوامهم؟!
    موطنُ النزاع في هذا الأصل الأصيل، لذا لم يدعوا أقوامه إلى شيءٍ قبله: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).
    توجهوا اليوم بهذه الدعوة إلى المليونيات الحاشدة، قولوا لهم: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 85،73،65،59].
    اصرفوا العبادة كلها لله -رب العالمين-، وانظروا في الانقسامات؛ لأن التجميع على غير هذا الأصل من أيسر الأمور .
    وأما التجميع على الأصل الأصيل :- وهو إخلاصُ العبادة لله -رب العالمين- مع البراءة من الشرك والمشركين، فبه تتمايز الصفوف: محمد فرَّق بين الناس. محمد فَرْقٌ بين الناس، كما قالوا عن
    رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: محمدٌ فرَّق بين المرء وزوجه، وبين الوالد وولده، وبين الرجل وعشيرته وأهله!
    لأن الرجل يطيع الله ، ويلتزم أمر الله ويتبع هدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-.
    يعرف الولاء والبراء ، ولا يقبل في دين الله -رب العالمين- مداهنة بحال ، فيُفرَّق بينهم وبين مَن لم يكن كذلك، من أهله وعشيرته، من زوجه وولده، من أبيه وأمه.
    إنها دعوة الله !
    ينبغي أن يُدعى إلى الله على منهاجها، يُدعى الخلق إلى عبادة الله وحده، ابدءوا الناس بها، وادعوهم إلي ربهم -جل وعلا-، مخلصين له الدين، طائعين عابدين، متبرئين من الشرك والمشركين.
    هذه دعوة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    والشرك إذا دخل في العبادة أفسدها، وأبطلها وأوقع صاحبه في النار ، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر:65-66].
    هذا الأمر الإلهي العظيم يُوجه إلى صفوة الخلق، وسيد المرسلين، وخير ولد أدم أجمعين، نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومثله وُجه إلى مَن قبله من الأنبياء والمرسلين ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
    إذا كان ذلكَ، كذلك في حق النبيين والمرسلين، وصفوة الخلق أجمعين، وسيد ولد أدم، فكيف بنا نحن ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ .
    يأمرنا ربنا -تبارك وتعالى- بإخلاص العبادة له وحده، وألا نكون ممن يُشرك به شيئًا.
    وإذا كان إمام الحنفاء إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يسأل ربه منيبًا خاشعًا مخبتًا: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم:35].
    أي: اجعلني في جانب، وعبادة الأصنام في جانب، وهو إمام الحنفاء، وخليل الرحمن يخاف على نفسه هذا الأمر العظيم، فكيف بمَن دونه؟! فكيف بنا نحن؟!
    مُروا الناس أن يُخلصوا لله العبادة -وحده-، وألا يصرفوا شيئًا من العبادات لغير الله.
    ابدءوهم بهذا ولا تضللوهم!، وأقيموهم على الصراط المستقيم، ولا عليكم من النتائج؛ فلستم بها بمطالبين.
    ويحكم!! ألم تسمعوا قول نبيكم - صلى الله عليه وآله سلم-: (ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد).
    في موكب النبيين، وما أكثر النبيين، مَن قام يدعوا إلى دين -رب العالمين-؛ فلم يجبه أحد، فكان ماذا؟!
    أدى ما عليه، ولا عليه!
    ادعوا إلى ربك على صراط مستقيم، وهدى قويم، والتزم سنة خير المرسلين.
    (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئًا؛ فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم في اليوم والليلة خمس صلوات؛ فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم، أن الله فرض على أغنيائهم في أموالهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم لترد على فقرائهم).
    ،فهذه دعوة رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم-، وهذا ترتيبها، وهو توقيفيٌّ كما هو معلوم.
    الشركُ إذا دخل العبادة أفسدها وأبطلها وأوقع صاحبه في النار، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:88].
    وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ [التوبة:17].
    وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ ُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة:72].
    وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة:6].
    أعظمُ ما أمر الله به: التوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة، وأعظمُ ما نهى الله عنه الشرك، وهو دعوةُ غيرِه معه.
    والشرك أعظم ذنبٍ عُصي الله به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:13].
    وعند البخاري ومسلم برواية ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قلتُ: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك.
    والعبادة توقيفية، والدعوة إلى الله عبادة؛ بل من أعظم أنواع العبادة ؛ فلابد في الدعوة إلى الله من الإخلاص والمتابعة؛ لابد من الدعوة إلى الله من الإخلاص والمتابعة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
    (عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي): يتَّبع رسول الله على بصيرة، وإذا اتبع رسول الله كان على بصيرة.
    والإخلاصُ، من قوله تعالى:( أَدْعُو إِلَى اللَّهِ )، لا إلى سواه.
    (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ): لابد من الإخلاص، ولابد من المتابعة في الدعوة إلى الله؛ إذ هي من أجل أنواع العبادة لله.
    والعبادات توقيفية، ولابد من توفر شرطين في العبادة حتى تُقبل : الإخلاص والمتابعة.
    وكذا الدعوة إلى الله؛ مَن أخلص في الدعوة إلى الله ، ولم يتبع منهاج النبوة -الذي جاء به رسول الله-
    لم تُقبل عبادته، وهي مردودةٌ عليه، وهو محاسبٌ معاقبٌ على مخالفته لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    قال الإمام أحمد -رحمه الله- في أصول السنة: (أصولُ السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أهل الأهواء، وترك الِمراء والجدال والخصومات في الدين).
    فانظر -هداك الله- بما بدأ هذا الإمام العظيم؛ فأول شيء من أصول السنة عند أهل السنة: (الاقتداءُ بأصحاب رسول الله، والتمسك بما كانوا عليه).
    فهذا كله مما ينبغي أن يُلاحظ، في الدعوة إلى الله -رب العالمين-؛ لتتميز الصفوف، وليظهر مَن يدعوا إلى الله على بصيرة، من أصحاب البدع والأهواء.
    لأنه -كما هو معلوم- من أعظم أصول أهل السنة : أنهم يميزون بين أصحاب الاتباع الحق، ومَن تشبه بهم وليس منهم.
    والمِحكُ في هذا كله: صدقُ اللجؤ إلي الله، وتمام المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وإلا فإن كلَّ رامٍ لن يزداد إلا بعدًا عن هدفه وقصده؛ وأما إذا عرف السبيل فالتزمه فإنه على سبيل نجاة.
    نسأل الله -رب العالمين- أن يوفقنا والمسلمين أجمعين إلى ما يحب ويرضاه، وأن يحسن لنا الختام أجمعين وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، إنه تبارك وتعالى على كل شيء قدير.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فمن منهاج النبوة: الدعوة إلى تحكيم شرع الله -تعالى- في جميع المجالات: بدءًا بالعقيدة، ثم العبادة، ثم المعاملات، وفي سائر شئون الحياة.
    بدءًا بالعقيدة:
    الحكم بما أنزل الله في أمر العقيدة، هو أول ما يُبدأ به في الحكم بما أنزل الله، وفي الدعوة إلى تحكيم الشريعة.
    ولأنك تجد كثيرًا مما يدعون إلى تحكيم الشريعة لا يفقهون حقيقة الدعوة إلى تحكيم الشريعة!
    ما معنى تحكيم الشريعة؟
    تحكيم الشريعة في العقيدة ألا يُعبد إلا الله: أن يُدعى إلى التوحيد، وأن يُلزم الناس به؛ وأن يُحذر من الشرك، وأن يُنهى الناس عنه. أن يُقام الناس على جادة إخلاص العبادة لله -رب العالمين-.
    وبهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- دعوته إلى الله، وكان حاكمًا بما أنزل الله.
    أويظن أحد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان غير حاكمٍ بما أنزل الله حتى قامت الدولة؟!
    فكان غير حاكم بما أنزل الله في المرحلة المكية؟!، وكذا في المدينة حتى استتب الأمر له؟!
    حاشا وكلا!! بل هو حاكم بما أنزل الله منذ أمره الله بأن يصدع بالدعوة إلى الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
    الدعوة إلى تحكيم شريعة الله : في جميع المجالات بدءًا بالعقيدة، ثم العبادة، ثم المعاملات، وفي سائر شئون الحياة.
    ومن منهاج النبوة: أن الوصول إلى ذلك التحكيم للشريعة يكون بالوسائل الشرعية، لا بالوسائل الكفرية، ولا بالوسائل الشركية، ولا بالوسائل البدعية!
    بل نصل إلى هذا الغرض بوسيلةٍ شرعيةٍ سُنية، خطها لنا نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فبينها لنا قالًا وفعالا: دعانا إليها بقوله، وطبَّق على قوله بفعله، و أمر أمراءه ودعاته بها عند إرسالهم إلي الأقوام حاكمين قاضين بشرع رب العالمين.
    لأن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- أرسل معاذًا إلى اليمن داعيًا وقاضيًا، وأمره بتحكيم شريعة الله فقال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه، أن يشهدوا أن لا إله إلا الله).
    هذا أول شيء والوصول إلى هذا وما بعده؛ إنما يكون في منهاج النبوة بالوسائل الشرعية، لا بالوسائل الكفرية ولا البدعية!!
    وفي الدعوة إلى الله تعالى على منهاج النبوة، عصمةٌ من الإفراط والتفريط، ومن الغلو والجفاء.
    وذلك لأن الدعاة إلى الله على منهاج النبوة عندهم: أن العلم القائم على الكتاب والسنة بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان هو الحَكَمُ والمرجع لا العاطفةُ ولا الحماسة ولا الهوى.
    المرجعُ والحَكَمُ عند أهل السنة على منهاج النبوة : الكتابُ والسنة بفهم أصحاب رسول الله، ومَن تبعهم بإحسان، لا العاطفةُ ولا الحماسةُ ولا الهوى ولا رِدة الفعل.
    وإنما فعلهم هو السابق أبدًا ، لأنهم دعاةٌ إلى الله على نورٍ من الله، مقتفين سنةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-.
    ومن منهاج النبوة : بيان حال المخالفين لما سبق، والتحذير من طريقته كلٌّ بحسبه.
    هذا من أصول أهل السنة: لا بد لهذه الدعوة أن تنفي خبثها كما ينفي الكير خَبَثَ الحديد، وهذه الدعوة كذلك في أصلها تنفي خبثها، كما ينفي الكير خبث الحديد؛ فمن أصول منهاج النبوة: أن يُحذَّر من كل مخالفٍ لمنهاج النبوة، وأن يُنفّر عنه وأن يُشرَّد به.
    هذا كله من أعظم الجهاد في سبيل الله رب العالمين؛ لأن ضرر هؤلاء على الإسلام وأهله، أعظمُ من ضرر العدو الخارجي؛ لأن العدو الخارجي إذا تمكن وتغلب لم يُفْسِد القلوب إلا تبعًا، وأما هؤلاء فإنهم يفسدون القلوب ابتداءً.
    العدو الخارجي: إذا تغلب لا يُفسد القلوب -قلوبَ أهل الإسلام- إلا تبعًا، وأما هؤلاء -المخالفون لمنهاج النبوة - فإنهم يُفسدون القلوب ابتداءً: بالدلالة على غير الصراط المستقيم، وبالإرشاد إلي صراط معوج لا قويم؛ فيُخدع الناس فتفسد القلوبُ ابتداءً.
    فمن منهاج النبوة: بيان حال المخالفين لما سبق من أصول أهل السنة، والتحذير من طريقته، كلٌّ بحسبه؛
    فيشتد مع أحدهم، مالا يشتد مع الآخر على حسب زيغه وإفساده، وعلى حسب ضلاله وإضلاله، ويُترفق مع بعضهم ما لا يُترفق مع غيرهم على حسب قربه من منهاج النبوة، والطمع في الأوبة إليه والعودة إلى جادته؛ كلٌّ بحسبه، وعلى حسب القواعد الشرعية المرعية السنية السلفية، المؤسسة على قال الله، قال رسوله بفهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان.
    والسؤال:
    هل قام النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- بما قام به من إصلاح الدنيا عن طريق الإصلاح السياسي؟! أم عن طريق الإصلاح التربوي العَقديِّ؟!
    هذا هو السؤال !
    هل قام الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- بما قام به عن طريق الإصلاح السياسي؟! أم عن طريق الإصلاح التربوي العَقديَّ؟!
    الجواب: واضحٌ!
    والسؤال بطريقة أخرى: هل بدأ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بإصلاح دولته أم بإصلاح شعبه؟!
    الجواب: واضحٌ!
    هل بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم- بإصلاح الدولة؟ أم بإصلاح الشعب؟!
    الجواب: واضحٌ، لا يختلف فيه اثنان، ولا تنتطح فيه عنزان!
    إن إخلاص المرء في نُبل هدفه الذي هو تحقيق قيام الدولة الإسلامية، هذا هدفٌ لا اختلاف عليه، ولا على نبله وسموه وعلو قدره، ووجوب قصده، هذا لا خلاف عليه!
    ولكنّ إخلاص المرء في نبل هدفه هذا، الذي هو تحقيق الدولة الإسلامية، لا يُعفيه من النظر في الطريقة النبوية للوصول إلي ذلك؛ لأن الإخلاص وحده لا يكفي للقبول عنده.
    فنُبل القصد وحده وسموه وارتفاعه لا يُعفي المرء من أخذ الوسيلة السُنية السلفية المرعية للوصول إلى القصد المحمود، وإن خالف في الوسيلة فهو مذموم وعمله مردود؛ كما قال رسول الله : " مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". كما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- " مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ ". كما عند مسلم من رواية عائشة- رضي الله عنها - وأخرجه البخاري معلقًا مجزومًا به.
    (فكل عمل ٍ على غير أمرنا) أي: على غير أمر رسول الله، ودينه، وهديه، وسُنته؛ فهو رد.
    ردٌّ، أي: مردود.
    وقد مرَّ أن الدعوة إلى الله من أعظم العبادات، والعبادة لا تُقبل إلا إذا توفر فيها شرطان: الإخلاصُ، والمتابعة لرسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-.
    أرأيتَ إذا قِيل لمَن يذكر الله بطريقة بدعية: اترك هذا الذكر، واذكر الله بطريقة سُنية.
    أفيجوز له أن يقول: إن قائل هذا لا يُحب الذكر!!
    لو أنه قال لمبتدعٍ في ذكره: اتقِ الله! واذكر بطريقة سُنية، لا بدعية. أفيقول له مَن أمره: أنك لا تُحب ذكر الله!!
    فكذلك لا يُقال: إن مَن لا يشارك في التظاهرات والانتخابات لا يحب قيام الدولة الإسلامية؛ لأنه يستحيل أن يُوجد مسلم صادق يكره دولة الإسلام؛ وإنما قال الله –عز وجل- ذلك في الكفار حين قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:9].
    فلا يُوجد مسلمٌ قط يكره قيام دولة الإسلام، فضلاً على أن يُحارب إقامتها!، هذا لا وجود له إطلاقًا في قلب مسلم، بل هذا مذكور في حق الكفار؛ كما قال ربنا -جل وعلا-.
    ولا يُقال: كيف تصلون إلى تحكيم الشريعة إذا لم تشاكوا في البرلمان؟!
    ولكن يُقال: هل شارك رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- كفارَ قريش في حكمهم حتى وصل إلي تحكيم شريعة الرحمن؟!!
    هذا هو السؤال!
    إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئ ذي بدء، ولم يهتم بإصلاحها قبل إصلاح أصل الدين.
    لم يهتم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالإصلاح السياسي ولا بالوحدة السياسية، قبل البدء بإصلاح أصل الأصول وهو دين رب العالمين.
    فالوحدة الجسدية قد تكون خداعة، وأمَّا الوحدة العقدية فجماعة منَّاعة.
    ولذلك أخبر الله –تعالى- أن اليهود هم الذين عكسوا هذا الهدي النبوي الشريف؛ فقال تعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر:14].
    تحسبهم جميعًا: هتافهم واحد، مكانهم واحد، شعاراتهم واحدة.. وقلوبهم شتى! ولكلٍ وجهة! ولكلٍ غاية! ولكلٍ غرضٌ ونهاية!
    وقد أخبر الله أن فاعل ذلك لا عقل له!!؛ فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    فالذي يهتم بالوحدة الجسدية.. بالكثرة.. بالتجميع، من غير النظر إلى استقامة القلوب على توحيد الرب المعبود -سبحانه وتعالى- هذا ... آخذٌ بسنة اليهود!! لا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    وقد أخبر الله -جل وعلا- أن فاعل ذلك لا عقل له!! فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
    وعليه؛ فمن اهتم بالتجميع الجسدي والكثرة العددية، وصمه الله -تعالى- بأنه لا يعقل، ومَن لا يعقل فهو ساقط الأهلية! فكيف يكون حاكمًا على المسلمين؟!!
    هؤلاء جعلهم الله -رب العالمين- بمبعدة، وسر ذلك أنهم اعتنوْا بصلاح ظاهرهم، وبواطنهم خراب؛ فأنَّى لهم الانتصار على العدو؟!!
    أيها المسلمون! إن فرض التعددية الحزبية على الدول الضعيفة، هو لون من ألوان الاستعمار الجديد؛ وذلك لما فيها -أي: لما في التعددية الحزبية- من تحقيق المبدأ الاستعماري القائل: "فَرِّق؛ تَسُد".
    وقديماً؛ مزَّق المملكةَ الإسلامية إلى دولٍ ودويلات، استقل بعضها عن بعض، وعادى بعضها بعضًا.
    واليوم، يمزِّق الاستعمار الجديد الدويلة المسلمة الواحدة إلى أحزاب، وكل حزب بما لديهم فرحون!!
    و التعددية الحزبية نوعٌ من أنواع الاستعمار الجديد؛ كما فرَّق الاستعمار قديمًا أمّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى دول ودويلات، وجعل بينها علاماتٍ وحدودًا، وجعل لكلٍ قوميةً تسعى إلى تحقيقها، وأصولاً تنتمي إلى جذورها، إلي غير ذلك مما هو معلوم.
    ثم استمر مَرِيرُ الاستعمار في جِدَّته، حتى أتى الأمّة في دويلاتها بالتعددية الحزبية؛ وقد تجد الدويلة المسلمة لا يبلغ عدد أفرادها مليونًا من البشر، وفيها من الأحزاب ما لا يعلم عدّه إلا الله!
    والكلُّ متناحرٌ.. متخالفٌ .. متعارضٌ .. متحاربٌ؛ فأنَّى لهم السلامة؟!! وأنَّى لهم النصر؟!! بل وأنَّى لهم البقاء؟!!
    فتعجب العجبُ كله، من غياب هذه المسلمات، في الطروح التي تُطرح على المسلمين في الفتنة التي تمر بها الأمة!
    هذا الأمر الكبير الذي هو أصل الأصول، مغيب ٌ تمامًا عن الطرح العام، على أهل الإسلام وأهل غير الإسلام؛ وإنما يُطرح كلامٌ لو حققته لرأيته كلامَ غيرنا، تُكلم به بألسنتنا، ودعا إليه أقوامٌ من جلدتنا، استقتلوا دونه، وجاهدوا عليه، وعقدوا الولاء والبراء عليه!
    فمَن لم يقاربهم ومَن لم يتبعهم فهو: محاربٌ للدين!! مخاصمٌ لإقامة الدولة الإسلامية!! ومَن قاربهم أو تابعهم ؛ فهو: الوليُّ ..الصدوق ..الصادق حقاً ظاهراً وباطنًا!!
    فتعجب لهذا الخلطِ العجيبِ! ولتغلغلِ مخططات الغرب الفاجر، والشرقِ الكافر في قلوب الدعاة: دعاة أهل الإسلام!! حتى اختلطت عليهم معالم الطريق مع الأعلام!! وساروا دعاةً لغير ما جاء به النبي الهمام- صلى الله عليه وآله وسلم-.
    وتعجب للجماهير الغافية، أخذت بها السكرة! وأعمت عينُ البصيرة فيها الفورة! لما تكشفت العورة!
    فساروا وهم -همجٌ رعاع- تبعَ كل ناعق، كما نُسب إلي عليٌّ -رضي الله تبارك وتعالى عنه-: عالمٌ ومتعلمٌ على سبيل نجاة ،وهمجٌ رعاع: أتباعُ كل ناعق، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء!
    فتعجبُ من الكثرة الكاثرة، في غفوتها وسكرتها، واتباعها لكل ناعق، من غير ما إعمال لعقل؛ ولكن العقل الجمعيُّ : لا عقل!!
    لأن الناس إذا تبعوا غرائزهم لم يُفكروا ولم يتوقفوا ليتدبروا؛ فالأمر جدٌ لا هزل فيه؛ وليست المسألةُ راجعةً إلى أصل الإسلام و جوداً وتحققا؛ فالإسلام لن يَضِيره شيء؛ فهو محفوظ بحفظ الله.
    وإنما عُقدة المسألة في المسلمين: الخوف عليهم، والإشفاق لأجلهم؛ والفزع لما يتطرق إليهم من سبيلٍهم؛
    وأما الإسلام نفسه؛ فإن لم يقم بنا، قام بغيرنا؛ وأما نحن فإن لم نكن به فلن نكون بغيره.
    الإسلام إن لم يكن بك كان بغيرك، وأما أنت فإن لم تكن بالإسلام فلن تكون بغيره.
    هذه عقدة المسألة: أن الأمور تُخلط، وأن المسائل تُمزج، وأن دين الله -تبارك وتعالى- يُشوه!
    قل: بغير قصد!، ولكن حنانيك.. أيها الجائر عن سمت الطريق.
    توقف مليًا واستمع، وتدبر متأملاً، واخشع مليًا. هذا حق عليك؛ وواجب ساقطٌ على أم رأسك؛ لأن الإنسان إذا قيل له: استمع في هذا مصلحتك وصالحك، فعليه أن يتوقف لكي يسمع؛ فإن كان حقًا أخذه، وإن كان باطلاً نفاه؛ أما أحاديةُ النظرة فهي المهلكة للأمم المدمرة للشعوب!!
    وكم من قادة سياسيين أو عسكريين أو دينيين أهلكوا شعوبهم! وأبادوا أممهم بسبب أحادية النظرة!
    أنتَ من شدة تركيزك على الحية لا ترى العقرب!
    نحن نحذرك من عقارب لا من عقرب!
    وتأبى إلا أن تنظر إلى الحية وحدها؛ كأن ليس إلا هي مقبلاً عليك قاصدا إياك؛ فتتعامى عن الخطر، وتصدف عن مكامن النجاة وتلقي بنفسك إلي التهلكة.
    اتق الله!
    إنك لم تحرر موطن النزاع بينك وبين مخالفك.
    سل نفسك ، ما هو موطن النزاع بيني وبين المخالف؟
    حرره..
    أكثر الناس لا يعرفون ذلك، وأكثر مَن عرفوه لا يطبقونه ولا يأخذون به، وهم في جملتهم عوامٌ أو كالعوام يتبعون ما يروج من مقال ولا ينظرون إلى حقيقة الأمر.
    وإنما هم تبع الشائعات؛ أنَّى سارت، ساروا! وحيثما مالت، مالوا!
    وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "بئس مطيةُ الرجل زعموا".
    حرروا موطن النزاع!!
    تدبروا في حقيقة المسألة، وردوا الأمور إلى أصلها: إلى كتاب الله، وسنة رسول الله بفهم أصحاب رسول الله ومَن تبعهم بإحسان.
    والله -عز وجل- هو يفصل بين العباد، وهو -وحده- الذي يعلم ما تُكنه الصدور، وهو -وحده- الذي يجازي على الإحسان إحسانًا، وأما الإساءة فقد يعفوا ويصفح.
    والله -رب العالمين- حكمه: العدل، وقوله: الصدق والحق، وهو -سبحانه وتعالى- المسئول أن يهدي المسلمين –أجمعين- في مشارق الأرض ومغاربها إلى كتاب الله، وسنة رسول الله، على منهاج النبوة بفهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان.
    إنه -تبارك وتعالى- على كل شيء قدير.
    وصلى الله وسلم على البشير النذير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.



    تفريغ/
    أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
    20 من رمضان 1432هـ، الموافق 20/8/2011م.

    تعليق


    • #3
      رد: خطبة الجمعة [حقيقة الحكم بما أنزل الله] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان - كاملة منسقة

      بارك الله فيك أخي على هذا العمل الرائع وأتمنى أن تكون كل خطب الشيخ مفرغة بهذه الطريقة حتى يعم نفعها بين الناس فهناك الكثير ممن يفضل القراءة على الإستماع وهناك من يستعين بهذا التفريغ في إعداد خطبة أو كلمة أو درس ، بارك الله فيك ورحم والديك وجزاك عنا خير الجزاء .

      تعليق

      يعمل...
      X