إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

[خطبة جمعة] [الأحزاب الدينية والحلول التوافقية] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] [خطبة جمعة] [الأحزاب الدينية والحلول التوافقية] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان

    السلام عليكم.
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

    تم بحمد الله الانتهاء من تفريغ خطبة جمعة [الأحزاب الدينية والحلول التوافقية] - فضيلة الشيخ الدكتور/ أبي عبدالله محمد سعيد أحمد رسلان -حفظه الله-.
    الخطبة كانت ماتعة كالعادة..

    مقتطفات من الخطبة:
    1- فلسنا في حيرة مهما نزلت النوازلُ، واستُجدت المستجداتُ، لسنا في حيرة!
    لا يكونُ أهلُ السنة يومًا في حيرة! كيف وهم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالك.
    أغنانا اللهُ بكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وبفهم أصحابِ نبينا، ومَن تبعهم بإحسان لكتابه، وسنة نبيه عن كل فكرٍ، وعن كل نظر، وعن الفلسفة والكلام، وعن شَقْشَقَةِ البيان؛ إذ الحقُّ واضحٌ لائحٌ لا يَشْتَبِه، وعليه نورٌ، ويهدي اللهُ إليه مَن يشاء.اهـ
    2- ومهما جاءَ زائعٌ مُحرِّف، فَصَحَّفَ وخَرَّفَ وأراد أن يُدلِّسَ على الخلق ببيانه، أنشأَ اللهُ رب العالمين له من الجهابذة العظام من علماء أمة النبي الُهمام -صلى الله عليه وآله وسلم- مَن يُزيِّف مقالته ويظهرُ عَوارها ويدل على خللها مهما كانت.اهـ
    3- الخصومةُ بيننا وبين إخواننا فيما يسوقون الأمةَ إليه في هذا الأصل.
    نقول لهم: الدعوةُ إلى الله لا تكونُ إلا على منهاج رسولِ الله، ومنهجُ الأنبياءِ في الدعوةِ إلى اللهِ، ومنهجُ المرسلين واضحٌ بيِّنٌ لا يشتبه، وينبغي أن يُلتزمَ.
    ولا تنازلَ فيه للثوابت من أجل سَعَةٍ في الحركة، ولا تحصيلٍ لمكسب بادٍ ظاهرٍ، هو مضرةٌ في حقيقة الأمر لا يُقادَر قدرُها؛ لأنه تغييرٌ للشرع وتبديلٌ للدين.
    فموطنُ النزاع هو أنَّ ما يُصنعُ ويُدعى إليه هو دعوةٌ إلى تغيير معالم الملَّة!
    ولا وجهَ بحالٍ للفصل بين أمرين؛ فيُقال: (الديمقراطية) من حيث هي فكرة، ومن حيث هي آليات! أي شيءٍ هذا؟!!
    (الديمقراطية) هي (الديمقراطية)!! فكرةً وآليةً!
    وإنما هذا في هذا كالماء في العُود، كالروحِ في الجسد.
    ولا يمكنُ فصلُ الآلياتِ عن الفكرة؛ إذ هي ناشئةٌ عنها وهي نَبْتُها وثمرهُا الخبيث.
    فكيف يُفصلُ بين هذا وهذا؟!
    فتؤولُ المسألةُ إلى تبديل شرائع الملة!!، وتغيير دعائم الديانة!!
    والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما قَبِلَ الحلولَ التوافقيةَ، وإنما دعا إلى ربه.
    ادعوا إلى ربِّكَ، والنتائجُ ليست إليكَ.
    والذي يؤدي إلى كثيرٍ من الخلل، ووقوع كثيرٍ من الزلل، هو التركيزُ على النتيجة وحدها.
    وهذا خطأٌ بيِّنٌ!؛ لأن النتائجَ ليست إلينا، الله أمرنا جل وعلا بأوامر ونهانا عن أمور، وأما النتائج التي إليها تؤول؛ فليست إلينا.
    الله جل وعلا أرادَ منا أشياء، وأرادَ بنا أشياء؛ فلا ينبغي أن نُشغلَ بما أرادَ بنا عما أرادَ منا!!
    لقد ظلَّ نوحٌ عليه السلام يدعو إلى ربه على منهاج نبوة مستقيم، مؤيدٍ بالوحي المعصوم ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا، والنتيجةُ والمحصلةُ: ﴿وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود:40].
    أفيضيره ذلك عند ربِّه؟!
    أفيسأله اللهُ جل وعلا لم لم يؤمن معكَ إلا القليل؟!
    وإنما يُسأل عن البلاغ، وعن طريقة البلاغ، فإذا كان على السويةِ فذاك.
    بل قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الصحيحين: "ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد!".
    مؤيدٌ بالوحي المعصوم، مسددٌ بالخلق الكريم، معانٌ بالإعانة الظاهرة الشريعة والباطنة المُنيفة، وهو قدوةٌ سلوكيةٌ وحركةٌ دئوب في البذل والسعي لله، وفي الله، وبالله؛ فلا تقصيرَ ولا توانٍ، وإنما هو إقبالٌ على الله رب العالمين بالكلية، ومع ذلك لم يؤمن له أحدٌ، ولم يَتَّبعه أحد؛ أفيضيره ذلك عند ربه؟!
    " يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد!، ومعه الرجل، ومعه الرجلان، ومعه الرَّهط، ومعه الرُّهَيط"، والكلُّ دون العشرة، أفيضيرهم ذلك عند الله؟!
    قدِّم ما عليكَ، ولا عليكَ: معتقدٌ صحيحٌ، وعملٌ صالحٌ، نيةٌ صالحةٌ، واستقامةٌ هاديةٌ، ونيةٌ بعزمٍ إلى خيرِ الأمةِ مُنصبة، ولا عليكَ..
    النتائجُ لله، النتائجُ من عند الله.
    فإذا ركزتَ على النتائجِ والثمرات؛ فلابد من وقوعِ الخلل كما هو واقعٌ!!
    هذا موطن النزاعِ، وموطن الخصومة، أسألُ اللهَ أن يهديني وأن يهديهم والمسلمين أجمعين إلى الحق المبين والصراط المستقيم، وأن يجمعَ الأمةَ كلها على منهاج النبوة.
    إنه تعالى على كل شيءٍ قديرٍ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.اهـ

    لتحميل التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة والنشر - 17 ورقة
    اضغط هنا للتحميل.
    رابط بديل:
    اضغط هنا للتحميل.

    صورة من ملف التفريغ:


    في رعاية الله.
    الملفات المرفقة

  • #2
    رد: [خطبة جمعة] [الأحزاب الدينية والحلول التوافقية] - فضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان

    التفريغ [القراءة المباشرة]:

    إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادِي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
    أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
    أمّا بعدُ:
    فإن الله تعالى هو الحَكَم، هو الحَكَم في الدنيا والآخرة؛ فيحكمُ بين عباده في الدنيا بوحيه الذي أنزله على أنبيائه، وفي الآخرة يحكمُ بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وينصفُ المظلومَ من ظالمه.
    واللهُ سبحانه هو الحكيم، له الحكمةُ العُليا البالغةُ في خلقه وأمره الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه؛ فلا يخلقُ شيئًا عبثًا، ولا يُشرِّعُ شيئًا سُدَى الذي له الحُكم في الأولى والآخرة، وله الأحكامُ كلُّها لا يشاركه فيها مشاركٌ، ولا ينازعه فيها منازعٌ. وهو الذي يحكم بين عباده في شرعه وقَدَرَه وجزائه.
    والله تعالى لا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
    وحكمته سبحانه نوعان:
    أحدهما: حكمته تعالى في خَلْقِه؛ فقد خلقَ المخلوقاتِ كلها بأحكم إتقان، وأحسنِ نظام، ورتبها أكملَ ترتيب، وأعطى كل مخلوق خلْقه اللائقَ به، بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خِلْقَتَهُ وهيئته؛ فلا يرى أحدٌ في خلقه خللاً ولا عيبًا ولا نقصًا.
    والنوعُ الثاني من نوعي الحكمة: الحكمةُ في شرعه وأمره؛ فقد شرعَ الشرائعَ وأنزلَ الكتبَ وأرسلَ الرسل؛ ليعرفه عبادُه بأسمائه الحُسنى وصفاته المُثلى ويعبدوه.
    ولا حكمةَ أجلُّ من هذا؛ فمعرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له وإخلاصُ العمل لوجه الكريم وحمدُه وشكرُه والثناءُ عليه أفضل العطايا منه تعالى لعباده على الإطلاق.
    وأوامرُه ونواهيه متضمنةٌ غاية الحكمة والصلاحِ والإصلاح للدين والدنيا معًا؛ فلا يأمرُ إلا بما فيه مصلحةٌ خالصةٌ أو راجحة، ولا ينهى إلا عما فيه مضرةٌ خالصةٌ أو راجحة.
    ومن حكمته تعالى أن ما جاء به محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من الدين والقرآن أكبرُ البراهين، وأعظمُ الدلائل على صدقه وصدق ما جاء به؛ لكونه مُحكمًا كاملاً لا يحصل الصلاحُ إلا به.
    فاللهُ حكيمٌ في أحكامه القَدرية والشرعية والجزائية.
    وأصل اشتقاق الحَكَمِ والحَكيم في اللغة: من الحاء والكاف والميم، وهو أصلٌ يفيدُ المنعَ.
    وسُميَّ الحاكمُ حاكمًا؛ لأنه يمنعُ الخَصمين من التظالم.
    وحَكَمَتِ الدابةُ: سُميت حَكَمَةً؛ لأنها تمنعها من الجِماح.
    وسُميت الحكمةُ حكمةً؛ لأنها تمنع من الجهل والنَّزَق والطيش والخلل.
    من أسماء الله تعالى الحُسنى: الحَكَمُ والحَكيم.
    والحَكَمُ والحكيمُ في اللغة بمعنى الحاكم، أو هو الذي يُحكمُ الأشياءَ ويتقنها.
    وقيلَ: الحَكَمُ: ذو الحكمة.
    والحكمة: معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.
    والحكيم يكون بمعنى الحاكم كالقدير بمعنى القادر، فعيلٌ بمعنى فاعل.
    والحُكمُ: العلمُ، والقضاءُ بالعدل.
    والحَكيمُ: العالِمُ، وصاحبُ الحكمة.
    وقد ورد اسمه تعالى الحَكَمُ في القرآن مرةً واحدةً في قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ [الأنعام:114].
    وأما اسمه تعالى الحكيم فقد ورد أربعًا وتسعين مرةً.
    ومعنى الحَكَمِ في حقه تعالى: الذي إليه الحُكم. وأصلُ الحكم: منعُ الفساد.
    وشرائعُ الله تعالى كلها استصلاحٌ للعباد، وإليه تعالى يُسلّم الحُكم ويُرد الأمر؛ كقولِه تعالى: ﴿لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88]، وقوله تعالى: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر:46].
    قال ابن جرير رحمه الله في قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا): "قل: فليس لي أن أتعدى حُكمه، وليس لي أن أتجاوزه؛ لأنه لا حَكَمَ أعدلُ منه، ولا قائلَ أصدقُ منه".اهـ
    والحَكَمُ أبلغُ من الحاكم؛ إذ لا يستحق التسمية بالحَكم إلا مَن يحكم بالحق؛ لأنها صفةُ تعظيمٍ في مدح.
    والحاكم: جاريةٌ على الفعل، فقد يُسمى بها مَن يحكم بغير الحق.
    فالحَكمُ أبلغُ من الحاكم؛ ولذلك لا يُكنى بأبي الحَكم.
    وقد أخرج أبو داود، والنسائي، والبخاري في "الأدب المفرد"، والبيهقي، والحديثُ ثابتٌ صحيحٌ عن هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحَكم؛ فدعاه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فقال: "إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكم، فلمَ تُكنى أبا الحَكم؟" فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيءٍ أتوني فحكمتُ بينهم؛ فرضي كلا الفريقين؛ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما أحسنَ هذا! فما لكَ من الولد؟"، قال: لي شُريحٌ، ومسلمٌ، وعبدُالله، قال: "فمَن أكبرهم؟"، قال: شُريح، قال: "فأنتَ أبو شُريح".
    فغير النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كنية هانئ بن يزيد رضي الله عنه؛ لأنه لا يُكنى بهذا الاسم من أسماء الله تعالى الحَكم ولا يُسمى به.
    وجاء لفظُ (خيرُ الحاكمين) في ثلاثة مواضع من القرآن العظيم: منها قولُه تعالى في "الأعراف": ﴿فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [الأعراف:87].
    وجاء لفظُ (أحكمُ الحاكمين) في موضعين: منها قولُه تعالى حكايةً عن نوح عليه السلام: ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود:45].
    فجاء (الحاكم) مجموعًا، وجاء وصفُ الله جل وعلا بقوله: (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)، وبقوله: (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، فالحَكم أبلغُ من الحاكم؛ إذ الحاكمُ جاريةٌ على الفعل؛ قد يُسمى بها مَن يحكمُ بغير الحق، ولا كذلك الله جل وعلا الحق، (هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)، (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).
    ومعنى (الحكيم) في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم:4]. وكذا حيث وُصف به الله جل وعلا.. الحكيم في حقه تعالى: الذي لا يدخلُ تدبيرَه خللٌ ولا زللٌ، حكيمٌ فيما قضى بين عباده من قضاياه، حكيمٌ في أفعاله وأقواله، لا يقولُ ولا يفعلُ إلا الصواب.
    وإنما ينبغي أن يُوصفَ بذلك؛ لأن أفعاله تعالى سديدة، وصنعَه مُتقنٌ، ولا يظهرُ الفعل المُتقنُ السديد إلا من حكيم، كما لا يظهرُ الفعلُ على وجه الاختيار إلا من حيٍّ عالمٍ قديرٍ.
    ولله تعالى كمالُ الحكمة في خلقه وفي أمره وفي شرعه؛ حيث يضعُ الأشياءَ مواضعها ويُنَزلِّها منازلَها، ولا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
    ولله تعالى الكمال الذي لا يحيط به عباده، وأفعاله وجميع ما أوصله إلى الخلق أكملُ الأمور وأتقنها وأحسنها؛ فالفعلُ يتبعُ في كماله وحسنه وتمامه فاعلَه، والتدبيرُ منسوبٌ إلى مدبره.
    والله تعالى كما لا يُشبهه أحدٌ في ذاته، فكذلك لا يُشبهه أحدٌ في صفاته: في العظمة والحُسن والجلال والكمال، ولا يشبهه أحدٌ في أفعاله.
    وقد وصف الله تعالى كتابه العظيم القرآن الكريم بأنه حكيمٌ ومُحْكَم في ثماني آياتٍ منها: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1]. ومنها قوله تعالى: ﴿يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس:1-2].
    والقرآن: كلامُ الله تعالى الحكيم؛ فالقرآنُ حكيمٌ في هدايته ورحمته، حكيمٌ في إيضاحه وبيانه، حكيمٌ في تشريعاته وكل أحكامه، حكيمٌ في أمره ونهيه، حكيمٌ في ترغيبه وترهيبه، حكيمٌ في وعده ووعيده، حكيمٌ في قصصه وأخباره، حكيمٌ في أقسامه وأمثاله، حكيمٌ في كل ما اشتمل عليه، وهو فوق ذلك وأعظمُ من ذلك إذ هو كلامُ الله تعالى الحكيم.
    وثبوتُ الحُكم لله تعالى يتضمن ثبوتَ جميع الأسماء الحُسنى والصفات المُثلى؛ لأنه لا يكونُ حَكَمًا إلا سميعًا بصيرًا عليمًا خبيرًا متكلماً مريدًا إلى غير ذلك من الأسماء الحُسنى والصفات المُثلى.
    وفي هذا إبطالٌ لجعل الحُكم لغير الله؛ لأن الحُكمَ لا يكونُ إلا لكامل الصفات الذي له الأمر وبيده التصرف والتدبير.
    ولذلك كَثُرت الآيات في بيان أن الحُكمَ كله لله وحده لا شريكَ له سواءٌ كان حُكمًا قدريًا كونيًا أم كان حُكمًا شرعيًا دينيًا.
    فقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:26].
    وقال تعالى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:40].
    وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ [الأنعام:57].
    وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى:10].
    وقال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر:12].
    وقال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:88].
    وقال تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:70].
    وقال تعالى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام:62].
    وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [الرعد:41].
    وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].
    في كثرةٍ كاثرة، ووفرة كريمة زاخرة من النصوص الإلهية الطاهرة، تبيِّن أن التشريع مقصورٌ على الله تعالى بما يبلغه لنا في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ هو -صلى الله عليه وآله وسلم- المبلغُ عن ربه دينَه وشرعَه.
    وهذه مسألةٌ عقدية، ليست فقهيةً اجتهاديةً، المخالفةُ فيها لا تُقبلُ في إطار الإسلام الحنيف.
    وهذا أقوى دليلٍ على المنع من الدخول في وضعٍ يُعطي التشريعَ للبشر ويُنحي شرعَ الله تعالى عن ذلك، ولا مصلحةَ من الدخول في تلك المجالس تفوقُ أو تعادلُ المفسدةَ الحقيقةَ الواقعةَ من جرَّاء المخالفة في هذا الأمر الكبير.
    لا مصلحةَ تقومُ بإيذاء هذه المفسدةَ، ولا تكونُ هنالكَ مصلحةٌ إلا إذا دلَّ عليها نصٌ من كتابِ الله أو سنةِ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    وليس للبشرِ أن يدّعوا أمرًا من الأمور فيه مصلحةٌ أو أنه مصلحةٌ ما لم يدل على ذلك كتابُ الله، وسنةُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    لأن المصلحةَ اللهُ أعلمُ بها، ورسولُه -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بَلَّغَ عنه؛ فالمصلحةُ فيما شَرَع، والمضرةُ -كلُّ المضرة- فيما عنه نهى وزجر.
    فادعاءُ أن أمرًا ما فيه مصلحةٌ، ولم يشهدْ على ذلك كتابُ الله، ولا سنةُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- دربٌ في بيداء! وخَبْطُ عَشواء! بل عمياء!
    ولابد أن يدلَ على المصلحةِ وحيٌّ معصومٌ، وإلا فهي من بنات أفكار مَن جاء بها.
    وهذا أمرٌ لا يقبله دينُ الإسلام العظيم، وعليه، فالمصلحةُ في الدخول في تلك الأمور لا يمكنُ أن تفوقَ أو أن تعادلَ المفسدةَ الحقيقةَ الواقعةَ من جَرَّاءِ المخالفة في هذا الأصلِ العقدي الخطير.
    والآياتُ التي مرَّت وغيرُها تُمَثَّلُ بما دلت عليه بحقيقةٍ قائمةٍ، والحقيقةُ: ما أحقَّ اللهُ، وما أحقه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    والحقائقُ لا تخضعُ لزيوفٍ تعتريها، ولا لتغيراتٍ تطرأُ عليها، وإنما هي ثابتةٌ بما ثبتها اللهُ تبارك وتعالى به من وحيه على لسان نبيه إلى خلقه في أرضه.
    فهذه الآيات وغيرُها تُمَثِّلُ بما دلت عليه جزءًا من عقيدة المسلم التي يجب عليه أن يعتقدها في الله ربه، فكما يجب على المسلم أن يعتقدَ اللهَ له الخلقُ والرزقُ والإحياءُ والإماتةُ، فكذلك يجبُ أن يعتقدَ أن اللهَ له الأمرُ والنهيُ والحُكمُ والتشريع.
    ولذلك قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في مُحاجة المشركين منكرًا عليهم وزاجرًا لهم ومُثَرِّبًا على أفعالهم ومسالكهم وأقوالهم ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام:114].
    (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا): قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك للمشركين؛ لأن الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه أنزل الكتابَ آياتٍ بيناتٍ مفصلاً، وجاء نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- بالهُدى يدعوا إلى الحق وإلى الصراط المستقيم؛ فالحُكم ما به حَكَمَ، والشرعُ ما إياه شَرَع، ولا يكونُ سوى ذلك ما دامت السموات والأرض.
    وقد بيَّن اللهُ تعالى أنه لا يجعلُ له سبحانه شريكًا فيما شرعه لعباده؛ فقال تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:26]. وفي قراءة: (وَلَا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا).
    فالقراءةُ الأولى: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا): إخبارٌ عن نفسه أنه لا يُشركُ معه أحدًا فيما يحكمُ به.
    وأما القراءةُ الثانيةُ: فنهيٌّ منه للمُكلَّف ألا يُشركَ مع الله أحدًا في الحُكم.
    قال الإمام (الأمين) رحمه الله تعالى رب العالمين في "أضواء البيان":
    "قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا).
    قرأ هذا الحرف عامة السبعة ما عدا ابن عامر. (وَلَا يُشْرِكُ) بالياء المثناة التحتية ، وضم الكاف على الخبر ، (وَلَا): نافية والمعنى : ولا يشرك الله جل وعلا أحداً في حكمه ، بل الحكم له وحده جل وعلا لا حكم لغيره البتة ، فالحلال ما أحله تعالى ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه . والقضاء ما قضاه .
    وقرأ ابن عامر من السبعة: (وَلَا تُشْرِكُ) بضم التاء المثناة الفوقية وسكون الكاف بصيغة النهي، أي ولا تشرك يا نبي الله، أو لا تشرك أيها المخاطَبُ أحداً في حكم الله جل وعلا ، بل أخلص الحكم لله من شوائب شرك غيره في الحكم.
    وحكمه جل وعلا المذكور في قوله: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) شاملٌ لكل ما يقضيه جل وعلا، ويدخل في ذلك التشريع دخولاً أولياً."اهـ
    وقال تعالى مُوبخًا ومُقرِّعًا ومُنكرًا على مَن جعلَ لله شركاءً فيما يُشَرِّعُ للناس من كِيسه ورأسه ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:21].
    قال في "أضواء البيان": "وقد سمى تعالى الذين يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله شركاء".اهـ
    وقد أقسمَ اللهُ تعالى بذاته الكريمة على عدم إيمان مَن يُظهر الانتسابَ لهذا الدين إلا إذا حَكَّمَ الرسولَ -صلى الله عليه وآله وسلم-، ثم قَبِلَ ما حَكمَ به وانتفى الحرجُ من صدره وسلَّمَ بحُكمهِ تسليمًا؛ فقال جل وعلا: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65].
    وسببُ النزول كما في الصحيح أن رجلاً من الأنصار شكا (الزبير) إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في شَراجٍ من شَراجِ الحَرَّة في بعض مسايل الماء، وكانت له أرضٌ يريدُ أن يسقيها، وللزبيرِ أرضٌ فاختصما في مسيل الماء إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    فلما عُرضت القضية على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال -بحُكمٍ هو الفضلُ-: "يا زبير اسقِ ثم أرسلِ الماءَ إلى جارِكَ". فقال الرجل: يا رسولَ الله، أن كان ابن عمتك. فغضبَ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فأرجعه من الفضل إلى العدل؛ فقال: "يا زبير اسقِ، ثم أمسكِ الماءَ حتى يضربَ الجدرَ، ثم أرسلِ الماءَ إلى جارك". وأنزل الله جل وعلا هذه الآية المطهرة.
    وواضحٌ بيِّنٌ أن اللهَ جل وعلا أنزله في أمرٍ من أمور الدنيا، في أرضٍ تُسقى وزرعٍ يُروى وخصومةٍ في أمرٍ دنيويّ عُرضَ على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلما حكم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالحكم فيه وجبَ ألا يُراجعَ فيما حكم به؛ إذ هو رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنزل الله جل وعلا قولَه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
    وتأمل في هذا القسم الجليل، واللهُ رب العالمين هو أصدقُ القائلين وأحكمُ الحاكمين، ومع ذلك فإنه يُقسم تبارك وتعالى بذاته المقدسة مُضيفًا نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى ذاته في القسم.
    (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ): فنفى الإيمانَ عنهم مقسمًا بذاته جل وعلا.
    (حَتَّى): لغايةٍ حددها ونهايةً وضحها.
    (يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ): من تداخل فروع الأشجار، (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
    وهذه شروطٌ ثِقال لا يقوى على الإتيان بها إلا القلبُ المنيبُ إلى العزيز الغفار الذي يتَّبعُ النبيَ المختارَ -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    لأن القضيةَ قضيةُ عبدٍ كلَّفه إلهُه، كلَّفه ربُّه، وهو خالقه ،ورازقه، وكالئه، ومدبر أمره، وأمر العالم فوقه وتحته، فليس له أن يعارضَ أمرَ ربه، ولا أن يخالفَ أمرَ إلهه، والرسولُ مبلغٌ عن الله ولا ينطقُ عن الهوى، فلا ينبغي أن يُخالفَ أبدًا!
    فنزلتِ الآيةُ في أمرٍ دنيوي، وخصومةٍ في ري أرضٍ وسقي زرعٍ؛ للدلالة على ما فوق ذلك من أمر الدين.
    فكيف بالذين يخالفون أمرَ النبي الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما وضَّحَ وخَطَّ من أمر الدين، وبلَّغَ من الشرائع المستقرة، والأحكامِ الثابتةِ المُقَرَّة؟!، فكيف بالذي يُعاندُ ذلك ويجانبه، ويجعله دَبْرَ أذنيه ويُوَلِّيه ظهره؟!
    فكيف لا يصدقُ فيه هذا القسمُ الجليلُ؟! وقد وقع منه ذلك في أمر الدين، والآيةُ إنما نزلت في أمر دنيوي كما مرَّ في الخصومة مع الزبير رضوان الله عليه.
    وقد نهى الله جل وعلا المؤمنين عن تقديم كلامهم على كلامه تعالى وكلام رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    بل يكون كلامُه وتدبيرُه وتنظيمُه وتخطيطُه تابعًا لنصوص الوحي المعصوم كتابًا وسنةً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات:1].
    (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ): لا تقدموا آراءكم، ولا عقولَكم، ولا تخطيطَكم، ولا تدبيرَكم، ولا هواكم على كتاب الله وعلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وإنما أنتم تابعون لستم بمتبوعين!
    الكتابُ متبوعٌ، الرسولُ متبوعٌ، وأنتم تابعون لكتاب الله، ولسنة رسول الله، فلا تقدموا بين يدي الله، ولا تقدموا بين يدي رسول الله.
    فكيف بالذي لا يعتبرُ كتابَ الله؟! وكيف بالذي لا يلتفتُ إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
    وتأمل في النداء العُلوي الكريم الشريف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) فناداهم بوصف الإيمان؛ ليؤزهم على تلقي ما يأتيهم بعدُ بصدورٍ مطمئنة وقلوبٍ موقنة بما يُساقُ إليها من الوحي الشريف.
    وقد بيَّنَ اللهُ تعالى أن الذين يقبلون تشريعَ غيرِ الله تعالى الذي أنزله في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد اتخذوا مَن شرَّعوا لهم أربابًا من دون الله تعالى.
    وقد ذكر اللهُ ذلك تحذيرًا من سلوك هذا المسلك الذي سلكه مَن قبلنا من أهل الكتاب، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة:31].
    ذكرَ ابن جرير في "تفسيره": "قيل لحذيفة: أرأيتَ قول الله: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ)؟ قال: أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا أحله الله حرَّموه، فكانت تلك ربوبيتهم".اهـ
    وقيل لأبي العالية: كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل؟ قال: قالوا: لن نسبقَ أحبارنا بشيء، ما أمرونا به ائتمرنا، وما نهونا عنه انتهينا، لقولهم: ووقفنا عنده تعليمهم، وهم يجدون في كتاب الله ما أُمروا به وما نُهوا عنه، فاستنصحوا الرجالَ ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.
    وبنحو ذلك جاء الحديث المرفوع من رواية عَدي بن حاتم رضي الله تبارك وتعالى عنه، لما دخل على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فسمعه يتلو هذه الآيةَ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة:31].
    فظنَّ أن العبادةَ التي ينصرفُ إليها النصُّ هي السجودُ والركوعُ وما أشبهَ من ألوان العبادة الظاهرة المعروفة؛ فبيَّن له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من إقراره هو: "ألم يُحلُّوا لهم الحرامَ؛ فاستحلوه؟ ألم يُحرِّموا عليهم الحلالَ؛ فحرَّموه؟". قال: بلى. قال: "فتلك عبادتهم إياهم".
    النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أرسله ربُّه بدينٍ كاملٍ شاملٍ تامٍ، لا نقصانَ فيه، ولا يقبلُ الزيادةَ بحالٍ، وكانت الأممُ قبلنا كلما هلكَ فيها نبيٌّ أرسله اللهُ إليهم بالوحي المعصوم أرسلَ إليهم نبيًا.
    ومحمدٌ لا نبيَّ بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فهو النبي إلى آخر الزمان.
    ولما كان ذلك كذلك، وحُجة اللهِ قائمةٌ لم يستحفظ ربنا على وحيه أحدًا غيرَه، فتولَّى بنفسه حفظه.
    وكانت الأممُ قبلنا تُستحفظُ على وحيها؛ فبدلوا وغيروا وصَحَّفُوا وحرَّفوا وزادوا ونقصوا حتى جاءَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو النبي الخاتم لا نبي بعده، ولا كتابَ ينزل لهداية الخلق بعد الكتاب العظيم الذي جاءَ به؛ فلم يستحفظ ربنا تبارك وتعالى على وحيه غيرَه وتولَّى بنفسه حفظه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9].
    فلا يُبدل ولا يُغير ولا يُزادُ فيه ولا يُنقصُ منه، وكما أنه لا يُبدلُ مبنًا، لا يُبدلُ معنًا، فمعناه لا يُمكنُ تبديلُه.
    ومهما جاءَ زائعٌ مُحرِّف، فَصَحَّفَ وخَرَّفَ وأراد أن يُدلِّسَ على الخلق ببيانه، أنشأَ اللهُ رب العالمين له من الجهابذة العظام من علماء أمة النبي الُهمام -صلى الله عليه وآله وسلم- مَن يُزيِّف مقالته ويظهرُ عَوارها ويدل على خللها مهما كانت.
    وقد قال علماؤنا لما أخذ الزمخشري يدسُّ الاعتزال في ثنايا "كشافه"، وكان قعيدًا في اللغة بليغًا، مالكًا لناصية اللغة، يأخذُ بزمامها أنى أراد، وكيفما شاء، فدسَّ الاعتزال في "كشافه"، وهو يفسر آياتِ الله جل وعلا.
    فجاء أهلُ السنة يقول قائلهم: "ما استخرجتُ ما في "الكشاف" من الاعتزال إلا بالمناقيش".
    ولكنها تُستخرج؛ لأن الله رب العالمين كما حفظ الوحي المعصوم مبنًا، حفظه معنًا، فلا يُغير ولا يُبدل لا مبنًا ولا معنًا.
    ومهما تعرَّضَ للتبديل والتغيير مبدِّل يريد أن يُحرِّفَ ويُزيف أو يزيدَ أن ينقص، أخرجَ اللهُ رب العالمين له الجهابذة من علماء أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    فالدينُ كاملٌ أكمله الله، وأنزلَ بيان كماله في أعظم مجمعٍ شهده رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في يوم عرفة في حجة الوداع وهو بعرفة وكل من معه على صعيد عرفات وهم ألوفٌ من مئاتٍ مؤلفة.
    والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يتلقى الوحي الشريف ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة:3]. لا نقصانَ فيه، دينٌ كاملٌ تامٌ شاملٌ، ولا يستعصي على الفهم، ولا يلتوي بيانُه على عقلٍ أرادَ الحق، وقلبٍ نحا منحى الصدق، وإنما يُوفِّق الله رب العالمين مَن أراد الهداية، ويدلُّ على الرشاد مَن قصدَ الرشاد (ومنَ يتحرى الخيرَ يُعطه) كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    فلسنا في حيرة مهما نزلت النوازلُ، واستُجدت المستجداتُ، لسنا في حيرة!
    لا يكونُ أهلُ السنة يومًا في حيرة! كيف وهم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها إلا هالك.
    أغنانا اللهُ بكتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وبفهم أصحابِ نبينا، ومَن تبعهم بإحسان لكتابه، وسنة نبيه عن كل فكرٍ، وعن كل نظر، وعن الفلسفة والكلام، وعن شَقْشَقَةِ البيان؛ إذ الحقُّ واضحٌ لائحٌ لا يَشْتَبِه، وعليه نورٌ، ويهدي اللهُ إليه مَن يشاء.
    نسألُ اللهَ أن يهدينا والمسلمين أجمعين إلى الحق الحقيقي بالاتباع والصراط المستقيم، إنه تعالى على كل شيءٍ قديرٍ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    الخُطبةُ الثانيةُ:
    الحمد لله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
    فمن أسماءِ الله جل وعلا: الحَكَمُ والحكيمُ. (إن اللهَ هو الحَكمُ، وإليه الحُكمُ) كما قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    لا يُنازَعُ في شيءٍ من ذلك، وليس لغيره أن يتهجمَ على هذا الجناب المنيع بل هذا لله وحده.
    الحُكم والحاكمية من صفات الله رب العالمين ومن خصائصه لا ينازعه في ذلك أحدٌ قط، (إليه الحُكم) وحده كما قال رسولُ الله، له الحُكم وحده وإليه تُرجعون.
    والله رب العالمين قد بيَّن في الشرع المُكَمَّل والدين المُفَصَّل ما حكمَ به من أمر الدين في خلقه ولخلقه في أرضه، وحُكمه القدريُّ نافذٌ لا يُدفعُ، وحُكمه الجزائيُّ في الدنيا بما شرَع، وفي الآخرة بما يقع ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر:12].
    وهذا جزءٌ من عقيدة المؤمن، كما يؤمنُ أن اللهَ تبارك وتعالى هو الخلاقُ العظيم، وأنه تعالى هو الرزاق الكريم، وأنه الذي يُحيي ويُميت، وأنه الذي بيده الخيرُ وهو على كل شيءٍ قديرٍ، وأنه يُدبرُ الأمرَ ويُصرِّفه؛ فكذلك يؤمنُ أن الحُكمَ له وحده، لا شريكَ له إليه يُرجعُ الأمرُ، ولا يُنازعُ في شيءٍ منه.
    والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بيَّن ذلك من اليوم الأول، وكان هذا الأمرُ واضحًا أمام المشركين.
    والرسولُ -صلى الله عليه وآله وسلم- كانت حالُه، وحالُ أصحابه رضوان الله عليهم إذ هم مستضعفون كما هو معلومٌ: يُضطهدون، يُشردون، يُعذبون، يُكوون بالنار، ويُجوعون، لا يُناكحون ولا يَنكحون -يعني إلا المشركين- بل ويُقتَّلون بفجورٍ ظاهرٍ، وعُهرٍ بادٍ؛ كما فعل أبو جهل لما طعنَ سُميةَ رضوان الله عليها بحربته الفاجرة في موطن العفة منها حتى ماتت رضوان الله عليها، كما صُنعَ بخبَّاب رضوان الله عليه؛ إذ يُكوى في ظهره بالجمر المشتعل حتى تُعَبَّق الأجواء برائحة اللحم المشوي، وما يطفئُ الجمرَ إلا الوَدْكُ -أي الدهن يسيلُ من ظهر خبَّاب- رضوان الله عليه.
    ويُشردون، وكانوا قبل ذلك لا يعلمون إلا الرحيلَ على متن القِفار؛ فاضطروا إلى ركوب سَبَجِ البحار.
    وكانوا قبل ذلك يخاطبون العربَ الأقحاح ممَن أتاهم الله السليقة العربية وأنطقهم بالعربية الشريفة؛ فاضطروا إلى الهجرة إلى بلادٍ لا يعرفون لغتها، ولا يتكلمون بلسانها، ويركبون إليها سَبَجِ البحار، وكانوا قبل ذلك على متن الرمال في القِفار يركبون.. وحشةٌ وغربة واضطهاد وتشريد، يلاقون من العَنَت ما يُلاقون.
    والنبي معهم يأخذُ بقسطه -صلى الله عليه وآله وسلم-، يُوضعُ سلا الجذور بين كتفيه وهو ساجد -صلى الله عليه وآله وسلم- وكذا التراب، ويُخنقُ ثم يُطلقُ؛ حتى يَجِبَ كما تَجِبُ الحائطُ -أي يسقطُ كما تسقطُ الحائطُ-، ويُهددُ بالقتل أو بالحبس أو بالإخراج، ويجوعُ مع مَن جاع في الشِّعب ثلاثةَ أعوام!
    كربٌ كارِب، ومشقةٌ شاقة، وعَناءٌ مُعْنِت، والنبي صابرٌ، والصحابةُ صابرون، ولم يقبل مع ذلك حلاً توافقيًا!، وكان عليه معروضٌ.
    ما الذي أرادوا منه؟ -صلى الله عليه وآله وسلم-، هل أرادوا منه ألا يمضي في دعوته؟! هل أردوا من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعبدَ أصنامهم؟! ما الذي أرادوه من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى يسكتوا عنه؟!
    أرادوا منه ألا يسبَّ آلهتهم، وألا يُسفِّه آباءهم وأجدادهم، وأن يسكتَ عن دينهم.
    إذا سكتَ، سكتوا عنه، وهو في دعوته دون ذلك ماضٍ.
    وهو حلٌ توافقي إذا عُرضَ على داعٍ خلا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ربما قال: نأخذُ فسحةً من الوقت لالتقاط الأنفاس!
    نستغلُ ما هو معروض؛ لنقللَ شرًا، ونزيدَ خيرًا، ولعلنا إذا هدأت الأمور أن يتبعنا أولئك المعاندون!
    حلٌ توافقي يمكن أن يطرأَ على ذهن داعٍ خلا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مع ما هو فيه.
    كان من الممكن أن يكون في دار الندوة في مجلس تشريع قريش حيث تصدر الأحكام، وحيث تُشرَّع الشرائع الحاكمةُ في السادة والعبيد.
    كان من الممكن أن يكون في الندوة في دارها سيدَها وكبيرَها -وهو كذلك من غير دخول- ولكن كانوا على استعدادٍ أن يقدموه وأن يجعلوه ملكًا، ولكن على قانونهم على ما كانوا عليه من مواضعاتهم!
    وأما النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في دعوته فماضٍ إلى الأمر البين الظاهر الذي لا التواءَ فيه ولا غموض.
    الحكم لله، والدينونة لها، ولابد من عبادة الله وحده لا شريكَ له؛ فدلهم على الأمر الكبير الذي لأجله خلقهم اللطيف الخبير.
    لا إلهَ إلا الله: لا معبودَ بحقٍ سواه، وهو المعبودُ بالحق وحده، وجميع ما يُعبد من دونه باطل، وكلُّ ما شُرِّعَ دون شريعته -صلى الله عليه وسلم- التي جاء بها من لدن ربه هو زيفٌ مردودٌ.
    لم يقبل حلاً توافقيًا، فضلاً عن أن يسعى هو إليه -حاشاه، هو رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
    كان يمكن أن يتم الاتفاق على بعض الأمور المشتركة مما يعطيه حريةً في الدعوة والبلاغ، وسعةً في أمر الدعوة، وهم لا يريدون منه أكثر من أن يكف عنهم؛ فلا يبيِّن فسادَ معتقدهم، ولا يسب آلهتهم، وهم يتركونه ودعوته.
    ولم يقبل -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا الصدعَ بالحق، وبيان الدين.
    وقد أنزلَ الله جل وعلا في هذا المعنى قولَه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون:1-6].
    فجاء هذا الأمرُ الواضحُ المبين، لم يدخل معهم في شيء من مواضعاتهم وإنما دعا إلى الله.
    وقد قال جل وعلا في كتابه العظيم: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم:9]. وحاشاه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
    الخصومةُ بيننا وبين إخواننا فيما يسوقون الأمةَ إليه في هذا الأصل.
    نقول لهم: الدعوةُ إلى الله لا تكونُ إلا على منهاج رسولِ الله، ومنهجُ الأنبياءِ في الدعوةِ إلى اللهِ، ومنهجُ المرسلين واضحٌ بيِّنٌ لا يشتبه، وينبغي أن يُلتزمَ.
    ولا تنازلَ فيه للثوابت من أجل سَعَةٍ في الحركة، ولا تحصيلٍ لمكسب بادٍ ظاهرٍ، هو مضرةٌ في حقيقة الأمر لا يُقادَر قدرُها؛ لأنه تغييرٌ للشرع وتبديلٌ للدين.
    فموطنُ النزاع هو أنَّ ما يُصنعُ ويُدعى إليه هو دعوةٌ إلى تغيير معالم الملَّة!
    ولا وجهَ بحالٍ للفصل بين أمرين؛ فيُقال: (الديمقراطية) من حيث هي فكرة، ومن حيث هي آليات! أي شيءٍ هذا؟!!
    (الديمقراطية) هي (الديمقراطية)!! فكرةً وآليةً!
    وإنما هذا في هذا كالماء في العُود، كالروحِ في الجسد.
    ولا يمكنُ فصلُ الآلياتِ عن الفكرة؛ إذ هي ناشئةٌ عنها وهي نَبْتُها وثمرهُا الخبيث.
    فكيف يُفصلُ بين هذا وهذا؟!
    فتؤولُ المسألةُ إلى تبديل شرائع الملة!!، وتغيير دعائم الديانة!!
    والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما قَبِلَ الحلولَ التوافقيةَ، وإنما دعا إلى ربه.
    ادعوا إلى ربِّكَ، والنتائجُ ليست إليكَ.
    والذي يؤدي إلى كثيرٍ من الخلل، ووقوع كثيرٍ من الزلل، هو التركيزُ على النتيجة وحدها.
    وهذا خطأٌ بيِّنٌ!؛ لأن النتائجَ ليست إلينا، الله أمرنا جل وعلا بأوامر ونهانا عن أمور، وأما النتائج التي إليها تؤول؛ فليست إلينا.
    الله جل وعلا أرادَ منا أشياء، وأرادَ بنا أشياء؛ فلا ينبغي أن نُشغلَ بما أرادَ بنا عما أرادَ منا!!
    لقد ظلَّ نوحٌ عليه السلام يدعو إلى ربه على منهاج نبوة مستقيم، مؤيدٍ بالوحي المعصوم ألفَ سنةٍ إلا خمسين عامًا، والنتيجةُ والمحصلةُ: ﴿وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود:40].
    أفيضيره ذلك عند ربِّه؟!
    أفيسأله اللهُ جل وعلا لم لم يؤمن معكَ إلا القليل؟!
    وإنما يُسأل عن البلاغ، وعن طريقة البلاغ، فإذا كان على السويةِ فذاك.
    بل قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الصحيحين: "ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد!".
    مؤيدٌ بالوحي المعصوم، مسددٌ بالخلق الكريم، معانٌ بالإعانة الظاهرة الشريعة والباطنة المُنيفة، وهو قدوةٌ سلوكيةٌ وحركةٌ دئوب في البذل والسعي لله، وفي الله، وبالله؛ فلا تقصيرَ ولا توانٍ، وإنما هو إقبالٌ على الله رب العالمين بالكلية، ومع ذلك لم يؤمن له أحدٌ، ولم يَتَّبعه أحد؛ أفيضيره ذلك عند ربه؟!
    " يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد!، ومعه الرجل، ومعه الرجلان، ومعه الرَّهط، ومعه الرُّهَيط"، والكلُّ دون العشرة، أفيضيرهم ذلك عند الله؟!
    قدِّم ما عليكَ، ولا عليكَ: معتقدٌ صحيحٌ، وعملٌ صالحٌ، نيةٌ صالحةٌ، واستقامةٌ هاديةٌ، ونيةٌ بعزمٍ إلى خيرِ الأمةِ مُنصبة، ولا عليكَ..
    النتائجُ لله، النتائجُ من عند الله.
    فإذا ركزتَ على النتائجِ والثمرات؛ فلابد من وقوعِ الخلل كما هو واقعٌ!!
    هذا موطن النزاعِ، وموطن الخصومة، أسألُ اللهَ أن يهديني وأن يهديهم والمسلمين أجمعين إلى الحق المبين والصراط المستقيم، وأن يجمعَ الأمةَ كلها على منهاج النبوة.
    إنه تعالى على كل شيءٍ قديرٍ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.


    وفرَّغه/
    أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
    15 من ذي القعدة 1432هـ، الموافق 13/10/2011م.

    تعليق

    يعمل...
    X