إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

(أهمية السيرة في الرد على المخالفين)لفضيلة الشيخ: محمد بن عمر بازمول-حفظه الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [صوتية وتفريغها] (أهمية السيرة في الرد على المخالفين)لفضيلة الشيخ: محمد بن عمر بازمول-حفظه الله-

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (النساء:59).



    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(النساء:1).



    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)(الأحزاب: 70-71).



    ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد-صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



    أما بعد:

    فهذه محاضرة بعنوان: (أهمية السيرة النبوية في الرد على المخالفين)، أشارك بها ضمن البرنامج الدعوي للأخوة في اليمن، وذلك في يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر رجب، من عام ألف وأربعمائة وثلاثين هجرية، أسأل الله-سبحانه وتعالى-أن يوفقنا لما فيه رضاه.

    وقد قسمت هذه المحاضرة إلى عدة محاور:
    المحور الأول: في التعريفات.
    المحور الثاني: في بيان أن السيرة النبوية أصلًا في الرد على أهل الخلاف.
    المحور الثالث: أمثلة من بيان السيرة النبوية في الرد على المخالف، وتنوع مجالات الاستدلال بالسيرة النبوية.
    هذه ثلاثة محاور أعددت عليها هذه المحاضرة، ونبدأ بالمحور الأول وهو التعريفات حتى تكون مقدمة لمن يستمع إليها في فهم المعاني التي يقصدها المحاضر في هذه المحاضرة، فأقول:

    المحور الأول: التعريفات

    الحديث: هو ما أضيف إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم-، من أفعاله وأقواله وتقريراته.

    الشمائل: هي ما أضيف إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم-من صفة خَلْقِيِّة أو خُلُقِيَّة.

    السيرة:هي الأحداث والأيام والغزوات والسرايا، التي جرت في حياته-صلى الله عليه وسلم-.

    فالسيرة تنقل حَدَثْ، والشمائل تنقل وصف، والحديث يختص بالأقوال والأفعال والتقريرات الصادرة منه-صلى الله عليه وسلم-في ذلك جميعًا.

    السُنَّة: هي الهدي العام الذي كان عليه الرسول-صلى الله عليه وسلم-، بمعنى: الطريقة التي كان عليها-صلى الله عليه وسلم-.

    والإمام البخاري-رحمه الله-سمى كتابه (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وسننه وأيامه)، بخلاف كتب السنن، وهي في اصطلاحهم: (الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية، من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة) إلى آخرهم، وبخلاف كتب السيرة التي تَخْتَص برصد الأحداث والغزوات والأيام في حياته-صلى الله عليه وسلم-.

    والسُنَّة المقصودة في كتب السنن هي: الأحكام العملية و ألاعتقاديه، وقد تُفْرَد كتب باسم السُنَّة ويقصد بها ما يتعلق بالأمور ألاعتقاديه، وأفراد الحديث وأفراد السيرة يؤخذ منها السنة، فكتب السنن تنقل أفراد مسائل ما ورد عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وكتب السيرة تنقل الأحداث، وكتب الشمائل تنقل الأوصاف، وكتب الجوامع تجمع ذلك جميعه.

    وعمومًا فإن السنة في كلام الرسول-صلى الله عليه وسلم-وأصحابه هي الهدي العام، الذي كان عليه الرسول-صلى الله عليه وسلم-، بدون النظر إلى أفراد المسائل في كل موضوع من موضوعات الهدي.

    ومن ذلك ما جاء في حديث العرباض بن سارية، قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعديوالمعنى المراد هنا والله أعلم: الهدي العام الذي كان عليه الرسول-صلى الله عليه وسلم-، والهدي العام الذي كان عليه الخلفاء الراشدين المهديين من بعده-صلى الله عليه وسلم-.

    فليس المراد أفراد ما جاء عن الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وأفراد ما جاء عن الخلفاء الراشدين-رضي الله عنهم-من باب أولى.

    وقد قال أبو حاتم ابن حبان-رحمه الله-في قوله: (فعليكم بسنتي) عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته: (بيان واضح أن من واظب على السنن قال بها، ولم يُعَرِّج على غيرها من الآراء من الفرق في القيامة) جعلنا الله منهم بمنه، ثم بَوَّبَ في (ذكر الإخبار عمَّا يجب على المرء من لزوم سنن المصطفى-صلى الله عليه وسلم-، وحفظه نفسه عن كل ما يأباها من أهل البدع، وإن حَسَّنوا ذلك في عينه وزيَّنُوه)انتهى.

    المحور الثاني: بيان أهمية السيرة النبوية في الرد أهل الخلاف.

    أقول: هذا الأمر بات واضحًا عند من مارس الحوار مع أصحاب البدع والانحرافات، فإنك إذا استدللت عليهم بنصوص من القرآن أو من السنة احتجت إلى تقرير أمور كثيرة، خاصة في خطابك مع من له ليس لديهم دراية علمية شرعية، وهذه سمة في غالب هؤلاء.

    ولكن إذا استدللت عليهم بالسيرة النبوية، وجدت الدليل القوي المفهوم القريب إلى ذهن المخالف من هؤلاء، والذي يحسم بإذن الله المسألة، ويفتح ذهن المخالف للسؤال والاستماع حتى تصل معه إلى بَرِ الأمان.

    ولذلك نجد الرسول-صلى الله عليه وسلم-حينما يذكر المخالفين والتفرق وأهل الأهواء، يدعوا للأخذ بالهدي العام، كما في حديث أبي نجيح العرباض بن سارية، وفيه(قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة وإن عبدًا حبشيًا، عَضوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأَنِفْ حيثما انْقَيدْ انقاد).

    وكما في حديث التفرق، عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام خطيبًا فقال: (ألا إن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قام فينا، فقال: ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة).

    وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال-صلى الله عليه وسلم-: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثة وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟، قال: ما أنا عليه وأصحابي).

    والشاهد هنا: أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-، أحال عند التفرق والاختلاف إلى الجماعة، وإلى ما كان عليه هو وأصحابه، وإلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، والمعنى في ذلك جميعه هو الهدي العام مما كان عليه الرسول-صلى الله عليه وسلم-.

    وهي في اصطلاحنا اليوم: (السيرة النبوية)، إذ هي التطبيق العملي لنصوص الوحيين-القرآن والسنة النبوية-، وهي الهدي العام الذي كان عليه النبي-صلى الله عليه وسلم-.

    وتمتاز السيرة النبوية بأمور: أن كل ما يعتري نصوص الوحي مما يمنع العمل بظاهرها لا يوجد فيها، فلا يوجد في السيرة نص متشابه، ولا منسوخ، ولا عام مخصوص، ولا مجمل بحاجة إلى بيان، ولا مطلق بحاجة إلى تقييد.

    كما أن السيرة فيها تفسير لنصوص الشرع، على أساس أنها التطبيق العملي لهذه النصوص، فهي تفسير عملي لمراد الشارع من النصوص الواردة في أي موضوع في الكتاب أو السنة.

    كذلك أن السيرة سهلة الضبط لا تحتاج ما تحتاجه النصوص في حفظها وضبطها، وهي سهلة الفهم لأنها قصص، والعقول والقلوب تهفوا إلى حفظ المعاني إذا جاءت على هيئة القصص، بل إن أئمة الحديث ذكروا كما جاء عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: (إذا كان في الحديث قصة فهذا ادعى أن يضبطه راويه)أو كما قال-رحمه الله-.

    والعقول والقلوب تهفوا إلى حفظ المعاني إذا جاءت على هيئة القصص، لذلك جمهور المسلمين وخاصة العوام يسهل تعليمهم السيرة، ويتيسر لهم قراءتها أكثر من قراءة الآيات وتعلمها والأحاديث وتفهمها، إذ سمة الحكام الشرعية ليست فيها مما يسهل تعاملهم معها.

    المحور الثالث: أمثلة من بيان السيرة النبوية في الرد على المخالف، وتنوع مجالات الاستدلال بالسيرة النبوية.
    ولنضرب لك أمثلة على كيفية الحوار مع المخالفين، وكيف أن السيرة النبوية تقوم مقام الاحتجاجات الطويلة والصعبة.

    المثال الأول: مسألة الأمر بقتال الكفار الواردة في بعض الآيات الكريمات، كقوله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)(آل عمران:195)، وكقوله: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً)(التوبة:36)، وكقوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)(التوبة:29).

    فإن هذه الآيات تَفْهَمُها الفهم الصحيح بالرجوع إلى سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-العملية، حيث تجده-صلى الله عليه وسلم-لم يقاتل اليهود الذين كانوا عنده في المدينة على الصلح، ولم يقاتل كفار مكة بعد أن دخل معهم في صلح الحديبية، حتى نقضوه فكان فتح مكة، ودخول الرسول-صلى الله عليه وسلم-في صلح مع الكفار لما رآه من المصلحة، يفيد جواز ذلك للأئمة من بعده بحسب حالهم من القوة والضعف للمصلحة.

    فليس المراد بالآيات إذًا قتال كل كافر، إنما المراد قتال الكافر الحربي الذي ليس بيننا وبينه عهد ولا ميثاق، وليس المراد بالآيات مشروعية قتال الكفار على أي حال نكون عليه من القوة والضعف، وتحقق المصلحة من عدمها، بل قد تدل السيرة النبوية في الآيات السابقة وفي فهمها على أكثر من مسألة.

    حيث يسأل:
    هل قاتل الصحابة الكفار من غير رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، أو كانوا معه ويقاتلون من وراءه؟.

    هل كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقاتل الكفار قبل إعداد العدة؟.

    هل كان القتال لمجرد القتال أو للشهرة أو للظهور أو لإعلاء كلمة الله-سبحانه وتعالى-؟.

    وهكذا تجد سيرة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، تفتح لك دربًا واضحًا في النقاش وفي الاستدلال هو محل تسليم من المخالف.

    المثال الثاني: مسألة جواز أن يدفع ولي الأمر المال للكفار لدفع أذاهم، انظر كيف استدل ابن قدامه في تقريرها قال: (وأما إن صالحهم)يعني: ولي أمر المسلمين يصالح الكفار(على مال يبذله لهم، فقد أطلق أحمد)يعني: ابن حنبل(القول بالمنع منه، وهو مذهب الشافعي لأن فيه صغار للمسلمين)، قال ابن قدامه: (وهذا محمول على غير حال الضرورة، فأما إن دعت إليه الضرورة، وهو أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر فيجوز، لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال فتدعو هنا، ولأن بذل المال إن كان فيه صَغَار فإنه يجوز تحمله لدفع صَغَار أعظم منه وهو القتل والأسر، وسبي الذرية الذي يفضي سبيهم إلى كفرهم.

    وقد روى عبد الرزاق في المغازي، عن معمر عن الزهري أنه قال: (أرسل النبي-صلى الله عليه وسلم-إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان)يعني: يوم الأحزاب(أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر المدينة، أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب؟، فأرسل إليه عيينة: إن جعلت لي الشطر فعلت).
    وقال معمر: حدثني ابن أبي نجيح أن سعد بن عبادة قال: (يا رسول الله والله لقد كان يجر صرمه في الجاهلية، في عام السنة حول المدينة ما يطيق أن يدخلها فالآن حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك)، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (فنعم إذًا)، ويتابع ابن قدامه يقول: (ولولا أن ذلك جائز لما بذله النبي-صلى الله عليه وسلم-).

    وروي أن الحارث بن عمر الغطفاني بعث إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال: (إن جعلت لي شطر ثمار المدينة وإلا ملأتها عليك خيلًا ورجالًا)، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (حتى أشاور السعود)يعني: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن زرارة، فشاورهم النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: (يا رسول الله إن كان هذا أمرًا من السماء فتسليم لأمر الله تعالى، وإن كان برأيك وهواك اتبعنا رأيك وهواك، وإن لم يكن أمرًا من السماء ولا برأيك وهواك فو الله ما كنا نعطيهم في الجاهلية بُسرة ولا تمرة إلا شراءً أو قِرى، فكيف وقد أعزَّنا الله بالإسلام؟)، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-لرسوله: (أتسمع).

    فعرضه النبي-صلى الله عليه وسلم-جعلنا ضعفهم من قوتهم، فلولا جوازه عند الضعف لما عرضه عليهم).انتهى كلام ابن قدامه.

    فهذا استدلال من ابن قدامه بالسيرة النبوية على جواز بذل المال للكفار إذا طلبوا ذلك في حال حاجتنا إلى الضعف بسبب حاجاتنا وضرورتنا إلى ذلك.

    وعلق السهيلي في الروض الأنف على هذا الموطن بقوله: (وفيه من الفقه جواز إعطاء المال للعدو، إذا كان فيه نظر المسلمين، وحياطة لهم).

    وقد ذكر أبو عبيد الخضر وأنه أمر معمول به، وذكر أن معاوية صالح ملك الروم على الكف عن ثغور الشام بمال دفعه إليه قيل كان مائة ألف دينار، وأخذ من الروم رحمة فغدرت الروم ونقضت الصلح، فلم يرى معاوية قتل الرهائن وأطلقهم، وقال: (وفاءً بغدر خيرٌ من غدرٍ بغدر)، قال: (وهو مذهب الأوزاعي وأهل الشام أن لا تقتل الرهائن وإن غدر العدو).انتهى

    المثال الثالث: مسألة إخراج المشركين من جزيرة العرب، تجد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-كان يتعامل مع الكفار والمشركين الذين كانوا في المدينة من اليهود والنصارى وغيرهم معاملة حسنة، دعاه يهودي إلى إهالة سنخة فأجاب: (عن انس بن مالك-رضي الله عنه-أن يهوديًا دعا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى خبز شعير وإهالة فأجابه)، أخرجه أحمد في المسند وصححه محقق المسند على شرط مسلم.

    وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أن يهودية أتت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها فقالوا: (ألا تقتلها)، قال: (لا)، قال أنس: (فمازلت أعرفها في لهوات رسول-الله صلى الله عليه وسلم-).

    وأيضًا تعامل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مع يهود خيبر، على ما اتفق عليه معهم من العهد والميثاق، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (توفي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعًا من شعير).

    بل إن الله-عز وجل-أباح لنا الزواج من الكتابيات-اليهود والنصارى-، ومعلوم أن هذا الزواج يكون فيه ود في المعاملة الظاهرة بين هذا الرجل المسلم وهذه المرأة، فأذن في هذا الوجه في الأمور الظاهرة أو في هذا التعامل معهم.

    وهكذا تجد أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-لم يخرج اليهود من المدينة ولا من خيبر، وأن الحال كذلك كان في زمن أبي بكر وزمن عمر بن الخطاب في أوله، حتى حدث منهم ما أوجب عند عمر إخراجهم إلى تيماء، وتيماء من جزيرة العرب عند بعض أهل العلم.

    فهذه النصوص وهذه الأمور من سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم-، تبين لك أن معنى حديث(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)ليس المراد منه أفرادهم، وإنما المراد منه أن لا يكون لهم كيان ودين ووطن في جزيرة العرب، بحيث يبنوا كنائسهم وبيعهم ومعابدهم في هذه الجزيرة.

    كما قال-صلى الله عليه وسلم-في الحديث الآخر: (لا يجتمع في أرض العرب دينان)فالمراد: لا يكون هناك دين ظاهر مع دين الإسلام، وليس المراد أن لا يكون أفراد منهم، وإلا عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-الذي أخرج اليهود من المدينة، من الذي قتله؟ قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وهو رجل مجوسي كان في المدينة، فلو كان مراد عمر إخراجهم برمتهم جميعهم، لمَا سمح لأبي لؤلؤة المجوسي بالمكوث في المدينة، ولكن المراد أن لا يكون هناك دين ظاهر في مكة والمدينة وما جاورها على أرجح أقوال أهل العلم في المراد من جزيرة العرب، أن لا يكون هناك دين ظاهر غير دين الإسلام.

    وكذا في أرض الإسلام التي هي بحكم الإسلام، لا يكون هناك شيء ظاهر من دين هؤلاء الكفار والمشركين.

    المثال الرابع: مسألة موالاة الكفار والتفصيل فيها الذي عليه جمهور أهل العلم، فإنك تجد في سيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-العملية وخاصة ما تقدم قبل قليل ما يبين الحق.

    المثال الخامس: مسألة ترك النصرة لإخواننا المسلمين إذا كان بيننا وبين الكفار المعتدين ميثاق، دَلَّ عليه قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(الأنفال:72) ففي الآية صحة الميثاق مع الكفار، حتى وإن اعتدوا على أخوة لنا مستضعفين، فنحن مأمورون بحفظ الميثاق، ومعنى هذا أن الميثاق لا ينتقض بمجرد اعتداء الكفار على إخوان لنا.

    ومعلوم أن هذا في حال الضعف، وإلا لو كان في المسلمين قدرة على النصرة في القتال والرد على الكفار، فمن الواجب نصرة إخواننا بالشرط المذكور في الآية، وذلك بأن ننبذ إلى الكفار ما بيننا وبينهم من العهد والميثاق، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال:5.

    هذا الحكم بينته السيرة النبوية في صلح الحديبية، فإن الرسول-صلى الله عليه وسلم-لم ينصر أبا جندل ولا أبا بصير محافظة على عهد وميثاق مع الكفار، وعقد الصلح وهو يعلم ما تفعله قريش بالمستضعفين.

    وفي مجال الدعوة فإن للسيرة النبوية أهميتها، فالسيرة تدل على صدق نبوته-صلى الله عليه وسلم-، وهي كافية الدلالة على وجوب الإيمان به، عن أبي هريرة عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار).

    المثال السادس: في حديث هرقل عظيم الروم، استدلال بسيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-، على صدقه-صلى الله عليه وسلم-سأذكره لفائدته وأختم به.
    (‏عن عبد الله بن عتبة بن مسعود،‏ ‏أن ‏ ‏عبد الله بن عباس ‏أخبره أن ‏ ‏أبا سفيان بن حرب ‏أخبره،‏ أن ‏‏هرقل ‏ ‏أرسل إليه في ‏ركب ‏‏من ‏قريش، ‏‏وكانوا تجارًا ‏‏بالشام ‏‏في المدة التي كان رسول الله-‏صلى الله عليه وسلم-‏ماد ‏ ‏فيها ‏ ‏أبا سفيان ‏ ‏وكفار ‏ ‏قريش)يعني بعد زمن صلح الحديبية(‏فأتوه وهم ‏ ‏بإيلياء)معنى ذلك: أن هذه القصة حدثت بين السنة الخامسة والثامنة(فأتوه وهم ‏ ‏بإيلياء ‏فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء ‏ ‏الروم،‏ ‏ثم دعاهم ودعا بترجمانه)، فقال: (أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي)، فقال ‏‏أبو سفيان: ‏‏فقلت: (أنا أقربهم نسبًا)، فقال: (أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره)، ثم قال لترجمانه: (قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن ‏‏يأثروا ‏‏علي كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم) قال أبو سفيان: قلت: (هو فينا ذو نسب)، قال: (فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله) قال أبو سفيان: قلت: (لا)، قال: (فهل كان من آبائه من ملك)، قال أبو سفيان: قلت: (لا)، قال: (فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم)، قال أبو سفيان: فقلت: (بل ضعفاؤهم)، قال: (أيزيدون أم ينقصون)، قال أبو سفيان: قلت: (بل يزيدون)، قال: (فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه)، قال أبو سفيان: قلت: (لا)، قال: (فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال)، قال أبو سفيان: قلت: (لا)، قال: (فهل يغدر)، قال أبو سفيان: قلت: (لا ونحن منه في مدة)يعني مدة زمن الصلح التي كانت بعد الحديبية(لا ندري ما هو فاعل فيها)، قال أبو سفيان: (ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة).

    قال: (فهل قاتلتموه)، قلت: (نعم)، قال: (فكيف كان قتالكم إياه)، قلت: (الحرب بيننا وبينه ‏‏سجال ‏ينال منا وننالمنه)، قال: (ماذا يأمركم)، قلت: (يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق ‏‏والعفاف ‏‏والصلة).

    فقال ملك الروم للترجمان: (قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل ‏ ‏يأتسي ‏ ‏بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ‏ ‏ليذر ‏الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق ‏والعفاف، ‏فإن كان ما تقول حقًا، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه ‏ ‏لتجشمت ‏‏لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه).

    ثم دعا بكتاب رسول الله-‏صلى الله عليه وسلم-‏الذي بعث به ‏ ‏دحية ‏ ‏إلى عظيم ‏ ‏بصرى ‏‏فدفعه إلى ‏‏هرقل ‏فقرأه فإذا فيه:


    ‏‏بسم الله الرحمن الرحيم


    ‏‏من ‏‏محمد ‏‏عبد الله ورسوله، إلى ‏‏هرقل ‏عظيم ‏‏الروم، ‏ ‏سلام على من اتبع الهدى.
    أما بعد:

    فإني أدعوك ‏‏بدعاية ‏الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن ‏‏توليت ‏فإن عليك إثم ‏ ‏الأريسيين، ‏‏و(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

    ‏‏قال ‏ ‏أبو سفيان:‏ (‏فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب،كثر عنده ‏‏الصخب، ‏وارتفعت الأصوات، وأخرجنا)، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: (لقد أمِرَ أمر ‏‏ابن أبي كبشة، ‏إنه يخافه ملك ‏‏بني الأصفر، ‏فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام).

    وكان ‏‏ابن الناظور ‏صاحب ‏‏إيلياء ‏وهرقل ‏سقفًا ‏‏على ‏‏نصارى ‏ ‏الشام ‏‏يحدث: أن ‏هرقل ‏حين قدم ‏ ‏إيلياء ‏ ‏أصبح يومًا ‏خبيث النفس، ‏‏فقال بعض ‏ ‏بطارقته:‏ (‏قد استنكرنا هيئتك) قال ‏ابن الناظور: ‏(‏وكان‏ ‏هرقل ‏‏حزاء ‏‏ينظر في النجوم) فقال لهم حين سألوه: (إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟)، قالوا: (ليس يختتن إلا ‏‏اليهود ‏‏فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى ‏ ‏مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من ‏‏اليهود).

    ‏‏فبينما هم على أمرهم أتي ‏‏هرقل ‏‏برجل أرسل به ملك ‏ ‏غسان، ‏‏يخبر عن خبر رسول الله-‏صلى الله عليه وسلم-‏، ‏فلما استخبره ‏‏هرقل ‏‏قال: (اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا، فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن ‏‏العرب ‏‏فقال: (هم يختتنون)، فقال ‏‏هرقل: ‏(‏هذا ملك هذه الأمة قد ‏ ‏ظهر).

    ‏‏ثم كتب ‏ ‏هرقل ‏ ‏إلى صاحب له ‏ ‏برومية، ‏‏وكان نظيره في العلم، وسار ‏‏هرقل ‏‏إلى ‏ ‏حمص، ‏‏فلم يرم ‏‏حمص ‏‏حتى أتاه كتاب من صاحبه، يوافق رأي ‏هرقل ‏‏على خروج النبي-‏صلى الله عليه وسلم-‏وأنه نبي.

    فأذن ‏‏هرقل ‏لعظماء ‏‏الروم ‏ ‏في ‏‏دسكرة ‏‏له ‏‏بحمص، ‏‏ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: (يا معشر ‏ ‏الروم ‏ ‏هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي، ‏‏فحاصوا ‏‏حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت).

    فلما رأى ‏‏هرقل ‏ ‏نفرتهم وأيس من الإيمان قال: (ردوهم علي)، وقال: (إني قلت مقالتي ‏‏آنفًا ‏أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه)، فكان ذلك آخر شأن ‏ ‏هرقل)أخرجه البخاري في آخر كتاب بدء الوحي.

    هذا حديث من الأحاديث الصحيحة، فيه استدلال بسيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-، على صدق نبوته، وفيه محاججة لكل من يكذب بصدقه-صلى الله عليه وسلم-، في ما جاء به من خبر التمام.

    وهكذا تجد سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم-فيها من أقوى الحجج، ومن أوضحها، ومن أسهلها، ومن أبينها، في المناظرة والمباحثة مع أهل الخلاف، سواء من كان من أهل الخلاف من أهل البدع والأهواء، أم كان من أهل الخلاف ممن لم يكن على ملتنا ملة الإسلام.

    هذا ما لدي في هذا الموضوع، أردت به لفت النظر إلى عظيم الاهتمام بسيرة الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وإلى مدى أثرها، وإلى مدى قوتها، عند المحاججة مع المخالفين.


    أسأل الله-سبحانه وتعالى-أن يوفقنا إلى ما فيه طاعته ورضاه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



    تم بحمد الله


    بتصرف يسير...........


    قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد

    الثلاثاء الموافق: 18/ جمادى الآخر/ 1431 للهجرة النبوية الشريفة.

    لسماع المادة الصوتية:
    هنا


    لقراءة الملف منسق:
    هنا
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد المغربي; الساعة 06-Nov-2011, 11:14 AM.
يعمل...
X