إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

درر منتقاة من أعلام النبلاء للدهبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    و قال عند ترجمة علي بن حجر:


    قال الحافظ أبو بكر الأعين : مشايخ خراسان ثلاثة : قتيبة ، وعلي بن حجر ، ومحمد بن مهران الرازي . ورجالها أربعة : عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ، ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر ، ومحمد بن يحيى ، وأبو زرعة .

    قلت : هذه دقة من الأعين ، والذي ظهر من محمد أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن ، وتسمى مسألة أفعال التالين ; فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق . وبهذا ندين الله تعالى ، وبدعوا من خالف ذلك ، وذهبت الجهمية والمعتزلة ، والمأمون ، وأحمد بن أبي دواد القاضي ، وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق ، وقالوا : الله خالق كل شيء ، والقرآن شيء ، وقالوا : تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم . وجرت محنة القرآن ، وعظم البلاء ، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك ، نسأل الله السلامة في الدين ، ثم نشأت طائفة ، فقالوا : كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ، ولكن ألفاظنا به مخلوقة ، يعنون : تلفظهم وأصواتهم به ، وكتابتهم له ، ونحو ذلك ، وهو حسين الكرابيسي ، ومن تبعه ، فأنكر ذلك الإمام أحمد ، وأئمة الحديث ، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم ، وثبت عنه أن قال : اللفظية جهمية . وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي . ومن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فهو مبتدع ، وسد باب الخوض في هذا .

    وقال أيضا : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن ، فهو جهمي .

    وقالت طائفة : القرآن محدث كداود الظاهري ، ومن تبعه ، فبدعهم الإمام أحمد ، وأنكر ذلك ، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأنه من علم الله ، وكفر من قال بخلقه ، وبدع من قال بحدوثه ، وبدع من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول : بأن القرآن قديم . ما تفوه أحد منهم بهذا . فقولنا : قديم : من العبارات المحدثة المبتدعة . كما أن قولنا : هو محدث بدعة .

    وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء ، فقال : ما قلت : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، وإنما حركاتهم ، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة ، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق .

    وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد ، فأنكر عليه طائفة ، وما فهموا مرامه كالذهلي ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي بكر الأعين ، وغيرهم . ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية ، والأشعرية ، وقالوا : القرآن معنى قائم بالنفس ; وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه . وقالوا : هذا المتلو معدود متعاقب ، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب ، ولا التعدد ; بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة ، واتسع المقال في ذلك ، ولزم منه أمور وألوان ، تركها - والله - من حسن الإيمان . وبالله نتأيد .

    تعليق


    • #47

      و قال عند ترجمة عمرو بن الحارث:

      حرملة عن ابن وهب قال : اهتدينا في العلم بأربعة : اثنان بمصر ، واثنان بالمدينة . عمرو بن الحارث والليث بن سعد بمصر ، ومالك وابن الماجشون بالمدينة ، لولا هؤلاء لكنا ضالين .
      قلت : بل لولا الله لكنا ضالين . اللهم لولا أنت ما اهتدينا .

      عمر بن شبة قال لي محمد بن منصور قال عمرو بن الحارث : الشرف شرفان : شرف العلم ، وشرف السلطان ، وشرف العلم أشرفهما .

      *****************************************
      -----------------------------------------

      و قال عند ترجمة قتادة:

      وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع ، فإنه مدلس معروف بذلك ، وكان يرى القدر ، نسأل الله العفو . ومع هذا فما توقف أحد في صدقه ، وعدالته وحفظه ، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل . ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وروعه واتباعه ، يغفر له زلله ، ولا نضلله ونطرحه ، وننسى محاسنه . نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك .

      قال معمر : أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام ، فقال له في اليوم الثالث : ارتحل يا أعمى فقد أنزفتني .

      قال الشعبي : قتادة حاطب ليل .

      قال يحيى بن يوسف الزمي : حدثنا ابن عيينة ، قال لي عبد الكريم الجوزي : يا أبا محمد ، تدري ما حاطب ليل ؟ قلت : لا ، قال : هو الرجل يخرج في الليل فيحتطب ، فيضع يده على أفعى فتقتله ، هذا مثل ضربته لك لطالب العلم ، أنه إذا حمل من العلم ما لا يطيقه ، قتله علمه ، كما قتلت الأفعى حاطب الليل .

      قال عفان : أهدى حسام بن مصك إلى قتادة نعلا ، فجعل قتادة يحركها وهي تتثنى من رقتها وقال : إنك لتعرف سخف الرجل في هديته .

      وقال عفان : قال لنا قيس بن الربيع : قدم علينا قتادة الكوفة ، فأردنا أن نأتيه فقيل لنا : إنه يبغض عليا -رضي الله عنه- فلم نأته ، ثم قيل لنا بعد : إنه أبعد الناس من هذا ، فأخذنا عن رجل عنه .

      قال أبو هلال : سألت قتادة عن مسألة ، فقال : لا أدري ، فقلت : قل فيها برأيك ، قال : ما قلت برأي منذ أربعين سنة ، وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة . قلت : فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه .

      الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن قتادة ، قال : قال أبو الأسود الدؤلي : إذا أردت أن يكذب الشيخ ، فلقنه .

      أبو هلال : سمعت قتادة يقول : إن الرجل ليشبع من الكلام كما يشبع من الطعام .

      روى بكر بن خنيس ، عن ضرار بن عمرو ، عن قتادة : باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة حول .

      بشر بن عمر ، حدثنا همام عن قتادة ، قال : كان يقال : قلما ساهر الليل منافق .

      أبو هلال ، عن قتادة ، قال : إنما حدث هذا الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث .

      قال حنظلة بن أبي سفيان : كنت أرى طاوسا إذا أتاه قتادة يفر ، قال : وكان قتادة يتهم بالقدر .

      ذكر قتادة عند يحيى ، فقال : لا يزال أهل البصرة بشر ما كان فيهم قتادة .

      قلت : كلام الأقران يطوى ولا يروى ، فإن ذكر تأمله المحدث ، فإن وجد له متابعا ، وإلا أعرض عنه .

      حسين بن محمد : حدثنا شيبان ، عن قتادة إنما يخشى الله من عباده العلماء قال : كفى بالرهبة علما ، اجتنبوا نقض الميثاق ، فإن الله قدم فيه وأوعد ، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة ، إياكم والتكلف والتنطع والغلو والإعجاب بالأنفس ، تواضعوا لله ، لعل الله يرفعكم .


      وروى ضمرة ، عن ابن شوذب قال : ما كان قتادة ، لا يرضى حتى يصيح به صياحا يعني القدر .

      قلت : قد اعتذرنا عنه وعن أمثاله ، فإن الله عذرهم ، فيا حبذا ، وإن هو عذبهم ، فإن الله لا يظلم الناس شيئا ، ألا له الخلق والأمر وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية والغريب وأيام العرب ، وأنسابها حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء : كان قتادة من أنسب الناس ، ونقل القفطي في " تاريخه " أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر ، فيبردان بريدا إلى العراق يسألان قتادة عنه .

      تعليق


      • #48
        و قال عند ترجمة قتيبة:

        قال أحمد بن محمد بن زياد الكرميني : قال لي قتيبة بن سعيد : ما رأيت في كتابي من علامة الحمرة ، فهو علامة أحمد بن حنبل ، وما رأيت من الخضرة ، فهو علامة يحيى بن معين .

        وقال عبد الله بن أحمد بن شبوية : سمعت قتيبة يقول : كنت في حداثتي أطلب الرأي ، فرأيت فيما يرى النائم أن مزادة دليت من السماء ، فرأيت الناس يتناولونها ، فلا ينالونها ، فجئت أنا ، فتناولتها ، فاطلعت فيها ، فرأيت ما بين المشرق والمغرب ، فلما أصبحت ، جئت إلى مخضع البزاز ، - وكان بصيرا بعبارة الرؤيا - فقصصت عليه رؤياي ، فقال : يا بني ، عليك بالأثر ، فإن الرأي لا يبلغ المشرق والمغرب ، إنما يبلغ الأثر . قال : فتركت الرأي ، وأقبلت على الأثر .

        وروى غير واحد عن أبي العباس السراج قال : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : هذا قول الأئمة في الإسلام ، وأهل السنة والجماعة : نعرف ربنا - عز وجل - في السماء السابعة على عرشه ، كما قال تعالى : الرحمن على العرش استوى .

        ************************************

        و قال عند ترجمة مالك بن دينار:


        قال جعفر بن سليمان : سمعت مالك بن دينار يقول : وددت أن رزقي في حصاة أمتصها لا ألتمس غيرها ، حتى أموت .

        وقال : مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ، ولم أكره ذمهم ; لأن حامدهم مفرط ، وذامهم مفرط ، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره ، وإذا تعلمه لغير العمل ، زاده فخرا .

        الأصمعي عن أبيه ، قال : مر المهلب على مالك بن دينار متبخترا ، فقال : أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ ! فقال المهلب : أما تعرفني ؟ قال : بلى ، أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة . فانكسر ، وقال : الآن عرفتني حق المعرفة .

        قال حزم القطعي : دخلنا على مالك وهو يكيد بنفسه ، فرفع طرفه ثم قال : اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج .

        قيل : كان أبوه دينار من سبي سجستان ، وكناه النسائي أبا يحيى ، وقال : ثقة .

        قال جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار : إذا لم يكن في القلب حزن خرب ، وعن مالك بن دينار قال : من تباعد من زهرة الدنيا ، فذاك الغالب هواه .

        وروى رياح القيسي عنه قال : ما من أعمال البر شيء ، إلا ودونه عقيبة ، فإن صبر صاحبها ، أفضت به إلى روح ، وإن جزع ، رجع .

        وقيل : دخل عليه لص ، فما وجد ما يأخذ ، فناداه مالك : لم تجد شيئا من الدنيا ، فترغب في شيء من الآخرة ؟ قال : نعم . قال : توضأ ، وصل ركعتين ، ففعل ثم جلس وخرح إلى المسجد . فسئل من ذا ؟ قال : جاء ليسرق فسرقناه .

        عن سلم الخواص قال : قال مالك بن دينار : خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها ، قيل : وما هو ؟ قال : معرفة الله تعالى .

        وروى جعفر بن سليمان ، عن مالك قال : إن الصديقين إذا قرئ عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة . ثم يقول : خذوا ، فيتلو ، ويقول : اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه . قال محمد بن سعد : مالك ثقة ، قليل الحديث ، كان يكتب المصاحف .

        وقال جعفر بن سليمان ، حدثنا مالك بن دينار قال : أتينا أنسا أنا وثابت ويزيد الرقاشي ، فنظر إلينا فقال : ما أشبهكم بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم ، إني لأدعو لكم في الأسحار .

        قال السري بن يحيى : قال مالك بن دينار : إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحما إلا من أضحيتي يوم الأضحى .

        جعفر بن سليمان ، سمعت مالكا يقول : وددت أن الله يجمع الخلائق ، فيأذن لي أن أسجد بين يديه ، فأعرف أنه قد رضي عني ، فيقول لي : كن ترابا .

        قال رياح بن عمرو القيسي : سمعت مالك بن دينار يقول : دخل علي جابر بن زيد ، وأنا أكتب ، فقال : يا مالك ما لك عمل إلا هذا ؟ تنقل كتاب الله ، هذا والله الكسب الحلال .

        قال جعفر بن سليمان : كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر ، فيدع أجرته عند البقال فيأكله .


        وعنه : لو استطعت لم أنم مخافة أن ينزل العذاب . يا أيها الناس النار النار .

        ----------------- يتبع إن شاء الله تعالى

        تعليق


        • #49
          و قال عند ترجمة مجاهد بن جبر:


          وقال قتادة : أعلم من بقي بالتفسير مجاهد . قال أبو بكر بن عياش : قلت للأعمش : ما بالهم يتقون تفسير مجاهد ؟ قال : كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب .

          قال ابن المديني : سمع مجاهد من عائشة . وقال يحيى القطان : لم يسمع منها .
          قلت : بلى قد سمع منها شيئا يسيرا .

          شعبة ، عن رجل : سمعت مجاهدا يقول : صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني .

          روى الأجلح ، عن مجاهد ، قال : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه نية ، ثم رزق الله النية بعد .

          وقال منصور ، عن مجاهد ، قال : لا تنوهوا بي في الخلق .

          فروى مروان بن معاوية ، عن معروف بن مشكان ، عن مجاهد ، قال : قال لي عمر بن عبد العزيز : يا مجاهد ما يقول الناس في ؟ قلت : يقولون مسحور . قال : ما أنا بمسحور . ثم دعا غلاما له فقال : ويحك ، ما حملك على أن سقيتني السم ؟ قال : ألف دينار أعطيتها وأن أعتق . قال : هاتها . فجاء بها ، فألقاها في بيت المال ، وقال : اذهب حيث لا يراك أحد .

          قال الأعمش : قال مجاهد : لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود ، لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت . رواه ابن عيينة عنه .

          عن مجاهد ، قال : ما أدري أي النعمتين أعظم : أن هداني للإسلام ، أو عافاني من هذه الأهواء .
          قلت : مثل الرفض والقدر والتجهم .

          يحيى بن سليم : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد ، قال : كنت عند أبي فجاء ولده يعقوب ، فقال : يا أبتاه ، إن لنا أصحابا يزعمون أن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد . فقال : يا بني ، ما هؤلاء بأصحابي ، لا يجعل الله من هو منغمس في الخطايا كمن لا ذنب له .

          قلت : ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تستنكر . وبلغنا أنه ذهب إلى بابل ، وطلب من متوليها أن يوقفه على هاروت وماروت . قال : فبعث معي يهوديا ، حتى أتينا تنورا في الأرض ، فكشف لنا عنهما ، فإذا بهما معلقان منكسان ، فقلت : آمنت بالذي خلقكما . فاضطربا ، فغشي علي وعلى اليهودي ، ثم أفقنا بعد حين ، فلامني اليهودي ، وقال : كدت أن تهلكنا .

          ***********************************

          و قال عند ترجمة محارب بن دثار:

          قال ابن سعد : كان من المرجئة الأولى الذين يرجئون عليا وعثمان إلى أمر الله ، ولا يشهدون عليهما بإيمان ولا بكفر . وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين .


          ***************************
          و قال عند ترجمة محمد بن المنكدر:

          وقال أبو حاتم البستي : كان من سادات القراء ، لا يتمالك البكاء إذا قرأ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وكان يصفر لحيته ورأسه بالحناء .

          وقال أبو القاسم اللالكائي : كان المنكدر خال عائشة ، فشكا إليها الحاجة ، فقالت : إن لي شيئا يأتيني ، أبعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف ، فبعثت بها إليه ، فاشترى جارية ، فولدت له محمدا ، وأبا بكر ، وعمر .

          وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي : حدثنا يحيى بن الفضل الأنيسي ، سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر ، أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى ، فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله ، وسألوه ، فاستعجم عليهم ، وتمادى في البكاء ، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه ، فقال : ما الذي أبكاك ؟ قال : مرت بي آية ، قال : وما هي ؟ قال : (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) فبكى أبو حازم معه ، فاشتد بكاؤهما .

          وروى عفيف بن سالم ، عن عكرمة بن إبراهيم ، عن ابن المنكدر ، أنه جزع عند الموت ، فقيل له : لم تجزع ؟ قال : أخشى آية من كتاب الله . (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب .

          قال ابن عيينة : كان لمحمد بن المنكدر جار مبتلى ، فكان يرفع صوته بالبلاء ، وكان محمد يرفع صوته بالحمد .

          قال عبد العزيز الأويسي : حدثنا مالك قال : كان محمد بن المنكدر لا يكاد أحد يسأله عن حديث إلا كان يبكي .

          وعن ابن المنكدر قال : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت .

          أبو خالد الأحمر ، عن محمد بن سوقة ، عن ابن المنكدر قال : إن الله يحفظ العبد المؤمن في ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فما يزالون في حفظ أو في عافية ما كان بين ظهرانيهم .

          وسمعت ابن المنكدر يقول : نعم العون على تقوى الله الغنى .

          عن عثمان بن واقد قال : قيل لابن المنكدر : أي الدنيا أحب إليك ؟ قال : الإفضال على الإخوان .

          وروى جعفر بن سليمان ، عن محمد بن المنكدر ، أنه كان يضع خده على الأرض ، ثم يقول لأمه : قومي ضعي قدمك على خدي .

          وبه إلى أبي نعيم ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا أبو العباس الهروي ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا ابن زيد ، قال : قال ابن المنكدر : إني لليلة مواجه هذا المنبر في جوف الليل أدعو ، إذا إنسان عند أسطوانة مقنع رأسه ، فأسمعه يقول : أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك ، وإني مقسم عليك يا رب إلا سقيتهم ، قال : فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ، ثم أرسلها الله ، وكان عزيزا على ابن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير ، فقال : هذا بالمدينة ولا أعرفه !! فلما سلم الإمام ، تقنع وانصرف ، وأتبعه ، ولم يجلس للقاص حتى أتى دار أنس ، فدخل موضعا ، ففتح ودخل . قال : ورجعت ، فلما سبحت ، أتيته ، فقلت : أدخل ؟ قال : ادخل ، فإذا هو ينجز أقداحا ، فقلت : كيف أصبحت ؟ أصلحك الله ، قال : فاستشهرها وأعظمها مني ، فلما رأيت ذلك ، قلت : إني سمعت إقسامك البارحة على الله ، يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا ، وتفرغك لما تريد من الآخرة ؟ قال : لا ولكن غير ذلك ، لا تذكرني لأحد ، ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت ، ولا تأتني يابن المنكدر ، فإنك إن تأتني شهرتني للناس ، فقلت : إني أحب أن ألقاك ، قال : القني في المسجد ، قال : وكان فارسيا ، فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحد حتى مات الرجل . قال ابن وهب : بلغني أنه انتقل من تلك الدار ، فلم ير ، ولم يدر أين ذهب . فقال أهل تلك الدار : الله بيننا وبين ابن المنكدر ، أخرج عنا الرجل الصالح .

          وقال الحميدي : حدثنا سفيان ، قال : كان ابن المنكدر يقول : كم من عين ساهرة في رزقي في ظلمات البر والبحر . وكان إذا بكى ، مسح وجهه ولحيته من دموعه ، ويقول : بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع . وروي أنه كان يقترض ويحج ، فكلم في ذلك ، فقال : أرجو وفاءها .

          قال سعيد بن عامر : قال ابن المنكدر : إني لأدخل في الليل فيهولني ، فأصبح حين أصبح وما قضيت منه أربي .


          قال المنكدر بن محمد : كان أبي يحج بولده ، فقيل له : لم تحج بهؤلاء ؟ .
          قال : أعرضهم لله .

          وقال ابن عيينة : تبع ابن المنكدر جنازة سفيه ، فعوتب ، فقال : والله إني لأستحيي من الله أن أرى رحمته عجزت عن أحد .

          تعليق


          • #50
            و قال عند ترجمة محمد بن جرير الطبري:

            قال الفرغاني : وكتب إلي المراغي يذكر أن المكتفي قال للوزير : أريد أن أقف وقفا . فذكر القصة وزاد : فرد الألف على الوزير ولم يقبلها ، فقيل له : تصدق بها . فلم يفعل ، وقال : أنتم أولى بأموالكم وأعرف بمن تصدقون عليه .

            قال الخطيب : سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي : أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة .

            قال الخطيب : وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفراييني الفقيه أنه قال : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرا .

            وتم من كتبه كتاب : " التاريخ " إلى عصره ، وتم أيضا كتاب : " تاريخ الرجال " من الصحابة والتابعين ، وإلى شيوخه الذين لقيهم ، وتم له كتاب : " لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام " ، وهو مذهبه الذي اختاره ، وجوده ، واحتج له ، وهو ثلاثة وثمانون كتابا ، وتم له كتاب " القراءات والتنزيل والعدد " وتم له كتاب : " اختلاف علماء الأمصار " ، وتم له كتاب : " الخفيف في أحكام شرائع الإسلام " ، وهو مختصر لطيف ، وتم له كتاب : " التبصير " ، وهو رسالة إلى أهل طبرستان ، يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين ، وابتدأ بتصنيف كتاب : " تهذيب الآثار " وهو من عجائب كتبه ، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده ، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه ، ثم فقهه ، واختلاف العلماء وحججهم ، وما فيه من المعاني والغريب ، والرد على الملحدين ، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي ، وبعض مسند ابن عباس ، فمات قبل تمامه .

            قلت : هذا لو تم لكان يجيء في مائة مجلد .

            قال : وابتدأ بكتابه " البسيط " فخرج منه كتاب الطهارة ، فجاء في نحو من ألف وخمس مائة ورقة ; لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين ، وحجة كل قول ، وخرج منه أيضا أكثر كتاب الصلاة ، وخرج منه آداب الحكام . وكتاب : " المحاضر والسجلات " وكتاب : " ترتيب العلماء " وهو من كتبه النفيسة ، ابتدأه بآداب النفوس وأقوال الصوفية ، ولم يتمه ، وكتاب " المناسك " وكتاب : " شرح السنة " وهو لطيف ، بين فيه مذهبه واعتقاده ، وكتابه : " المسند " المخرج ، يأتي فيه على جميع ما رواه الصحابي من صحيح وسقيم ، ولم يتمه ، ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب : " الفضائل " فبدأ بفضل أبي بكر ، ثم عمر ، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم ، واحتج لتصحيحه ، ولم يتم الكتاب .

            وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات ، من جاهل ، وحاسد ، وملحد ، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه ، وزهده في الدنيا ، ورفضه لها ، وقناعته -رحمه الله- بما كان يرد عليه من حصة من ضيعة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة .

            القاضي أبو عبد الله القضاعي : حدثنا علي بن نصر بن الصباح ، حدثنا أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار ، وأبو القاسم بن عقيل الوراق : أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه : هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا ؟ قالوا : كم قدره ؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة ، فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ! فقال : إنا لله ! ماتت الهمم . فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ .

            قال الفرغاني : وكتب إلي المراغي قال : لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير ، فامتنع من قبوله ، فعرض عليه القضاء فامتنع ، فعرض عليه المظالم فأبى ، فعاتبه أصحابه وقالوا : لك في هذا ثواب ، وتحيي سنة قد درست . وطمعوا في قبوله المظالم ، فباكروه ليركب معهم لقبول ذلك ، فانتهرهم وقال : قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه . قال : فانصرفنا خجلين .

            أبو الفتح بن أبي الفوارس : أخبرنا محمد بن علي بن سهل بن الإمام -صاحب محمد بن جرير - : سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم ، وجرى ذكر علي -رضي الله عنه- ، ثم قال محمد بن جرير : من قال : إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى ، أيش هو ؟ قال : مبتدع . فقال ابن جرير إنكارا عليه : مبتدع مبتدع ! هذا يقتل .

            وقال مخلد الباقرحي : أنشدنا محمد بن جرير لنفسه :





            إذا أعسرت لم يعلم رفيقي




            وأستغني فيستغني صديقي




            حيائي حافظ لي ماء وجهي



            ورفقي في مطالبتي رفيقي




            ولو أني سمحت بماء وجهي



            لكنت إلى العلا سهل الطريق





            وله :

            خلقان لا أرضى فعالهما




            بطر الغنى ومذلة الفقر




            فإذا غنيت فلا تكن بطرا



            وإذا افتقرت فته على الدهر





            وحضر وقت موته جماعة منهم : أبو بكر بن كامل ، فقيل له قبل خروج روحه : يا أبا جعفر ، أنت الحجة فيما بيننا وبين الله فيما ندين به ، فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا ، وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا ؟ فقال : الذي أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي ، فاعملوا به وعليه . وكلاما هذا معناه ، وأكثر من التشهد وذكر الله -عز وجل- ، ومسح يده على وجهه ، وغمض بصره بيده ، وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا .

            وكان ابن جرير من رجال الكمال ، وشنع عليه بيسير تشيع ، وما رأينا إلا الخير ، وبعضهم ينقل عنه أنه كان يجيز مسح الرجلين في الوضوء ، ولم نر ذلك في كتبه .

            ولأبي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة ، فمما قاله في كتاب : " الآداب النفيسة والأخلاق الحميدة " : القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه ، قال : ( إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعائه إلى سبيله ، والقعود له رصدا بطرق ربه المستقيمة ، صادا له عنها ، كما قال لربه -عز ذكره- إذ جعله من المنظرين : (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم) طمعا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه : (لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) .

            فحق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه ، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه ، ولا شيء من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه ، وعصيانه أمره ، ولا شيء أسر إليه من عصيانه ربه ، واتباعه أمره .

            قال ابن جرير في كتاب " التبصير في معالم الدين " : القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا ، وذلك نحو إخباره تعالى أنه سميع بصير ، وأن له يدين بقوله : (بل يداه مبسوطتان) وأن له وجها بقوله : (ويبقى وجه ربك) وأنه يضحك بقوله في الحديث :" لقي الله وهو يضحك إليه" و أنه ينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسوله بذلك وقال -عليه السلام- : "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن" .

            إلى أن قال : فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله نفسه ورسوله ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية ، لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهائها إليه .

            أخبرنا أحمد بن هبة الله : أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد ، أخبرنا أبو القاسم الأسدي ، أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي ، أخبرنا أبو سعيد الدينوري مستملي ابن جرير ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته ، فمن ذلك : وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى ، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر . وهذا " تفسير " هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال السلف على الإثبات لها ، لا على النفي والتأويل ، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبدا .


            ******************************** يتبع إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #51
              و قال عند ترجممة محمد بن حميد أبو عبد الله الرازي :


              قال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد ; فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه . قال : إنه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ، لما أثنى عليه أصلا .


              وقال أبو حاتم : سمعت يحيى بن معين ، يقول : قدم علينا محمد بن حميد بغداد ، فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي ، ففرقنا الأوراق بيننا ، ومعنا أحمد بن حنبل ، فسمعناه ، ولم نر إلا خيرا . فأي شيء تنقمون عليه ؟ قلت يكون في كتابه شيء ، فيقول : ليس هو كذا ، ويأخذ القلم فيغيره ، فقال : بئس هذه الخصلة .

              و قال عند ترجممة محمد بن رافع:

              قال الحاكم : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، سمعت أبا عمرو المستملي ، سمعت محمد بن رافع يقول : كنت مع أحمد بن حنبل وإسحاق عند عبد الرزاق ، فجاءنا يوم الفطر ، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ، ومعنا ناس كثير فلما رجعنا من المصلى ، دعانا عبد الرزاق إلى الغداء ، فجعلنا نتغدى معه ، فقال لأحمد وإسحاق : رأيت اليوم منكما شيئا عجبا ، لم تكبرا ! ! قالا : يا أبا بكر ، نحن ننظر إليك هل تكبر فنكبر . فلما رأيناك لم تكبر أمسكنا . قال : وأنا كنت أنظر إليكما ، هل تكبران فأكبر .

              قال جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ : ما رأيت من المحدثين أهيب من محمد بن رافع ، كان يستند إلى الشجرة الصنوبر في داره ، فيجلس العلماء بين يديه على مراتبهم ، وأولاد الطاهرية ومعهم الخدم ، كأن على رؤوسهم الطير . فيأخذ الكتاب ، ويقرأ بنفسه ، ولا ينطق أحد ، ولا يتبسم إجلالا له . وإذا تبسم واحد أو راطن صاحبه ، قال : وصلى الله على محمد ، ويأخذ الكتاب ، فلا يقدر أحد يراجعه أو يشير بيده . ولقد تبسم خادم من خدم الطاهرية يوما ، فقطع ابن رافع مجلسه ، فانتهى الخبر بذلك [ إلى طاهر بن عبد الله ] فأمر بقتل الخادم ، حتى احتلنا لخلاصه .

              قال زكريا بن دلويه : بعث طاهر بن عبد الله إلى ابن رافع بخمسة آلاف درهم مع رسول ، فدخل عليه بعد العصر ، وهو يأكل الخبز مع الفجل . فوضع الكيس ، فقال : بعث الأمير إليك بهذا المال . فقال : خذ خذ لا أحتاج إليه ، فإن الشمس قد بلغت رأس الحيطان إنما تغرب بعد ساعة ، وقد جاوزت الثمانين إلى متى أعيش؟ فرد . قال : فدخل ابنه ، وقال : يا أبة ، ليس لنا الليلة خبز . قال : فبعث ببعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى طاهر فزعا من ابنه أن يذهب خلفه ، فيأخذ المال .

              أحمد بن سلمة : حدثنا محمد بن رافع : رأيت أحمد بن حنبل بين يدي يزيد بن هارون ببغداد ، وفي يده كتاب لزهير عن جابر ، وهو يكتبه . فقلت : يا أبا عبد الله ، تنهونا عن جابر وتكتبونه ؟ قال : نعرفه .

              ***************** يتبع بإذن الله

              تعليق


              • #52
                و قال عند ترجممة محمد بن رمح



                عن تميم الداري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولأئمة المسلمين ، أو المؤمنين وعامتهم . هذا حديث صحيح في " صحيح مسلم " .


                فتأمل هذه الكلمة الجامعة ، وهي قوله : الدين النصيحة فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامة ، كان ناقص الدين . وأنت لو دعيت - يا ناقص الدين - لغضبت . فقل لي : متى نصحت لهؤلاء ؟ كلا والله ، بل ليتك تسكت ، ولا تنطق ، أو لا تحسن لإمامك الباطل ، وتجرئه على الظلم وتغشه .

                فمن أجل ذلك سقطت من عينه ، ومن أعين المؤمنين .

                فبالله قل لي : متى يفلح من كان يسره ما يضره ؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه ؟ ومتى يفلح من دنا رحيله ، وانقرض جيله ، وساء فعله وقيله ؟ فما شاء الله كان ، وما نرجو صلاح أهل الزمان ، لكن لا ندع الدعاء ، لعل الله أن يلطف ، وأن يصلحنا . آمين .


                و قال عند ترجممة محمد بن سيرين



                وقال أبو عوانة : رأيت محمد بن سيرين في السوق ، فما رآه أحد إلا ذكر الله



                وعن زهير الأقطع : كان محمد بن سيرين إذا ذكر الموت ، مات كل عضو منه على حدة . .



                وقال ابن عون : كان محمد يرى أن أهل الأهواء أسرع الناس ردة ، وأن هذه نزلت فيهم : (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) .



                حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال محمد : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم .



                وعن شعيب بن الحبحاب ، قلت لابن سيرين : ما ترى في السماع من أهل الأهواء ؟ قال : لا نسمع منهم ولا كرامة .



                خالد بن خداش : حدثنا مهدي بن ميمون ، قال : رأيت محمد بن سيرين يحدث بأحاديث الناس ، وينشد الشعر ، ويضحك حتى يميل ، فإذا جاء بالحديث من المسند ، كلح وتقبض .



                وقال المدائني كان سبب حبسه أنه أخذ زيتا بأربعين ألف درهم ، فوجد في زق منه فأرة ، فظن أنها وقعت في المعصرة ، وصب الزيت كله . وكان يقول : إني ابتليت بذنب أذنبته منذ ثلاثين سنة . قال : فكانوا يظنون أنه عير رجلا بفقر .



                إسماعيل بن زكريا ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين قال : لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد الحديث ، فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد الحديث ، فنظر من كان من أهل البدع ، ترك حديثه .



                قال أشعث : كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام تغير لونه حتى تقول : كأنه ليس بالذي كان .



                قال ابن شبرمة : دخلت على محمد بن سيرين بواسط ، فلم أر أجبن من فتوى منه ، ولا أجرأ على رؤيا منه .


                قال يونس بن عبيد : لم يكن يعرض لمحمد أمران في ذمته إلا أخذ بأوثقهما .



                وقال هشام بن حسان : كان محمد يتجر ، فإذا ارتاب في شيء تركه .



                وقال ابن عون : كان محمد من أشد الناس إزراء على نفسه .



                قال جرير بن حازم : كنت عند محمد ، فذكر رجلا ، فقال : ذاك الأسود ، ثم قال : إنا لله ، إني اغتبته .



                قال أبو سليمان الداراني وبلغه هذا فقال : قلت ذنوب القوم فعرفوا من أين أتوا ، وكثرت ذنوبنا فلم ندر من أين نؤتى .



                قريش بن أنس : حدثنا عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار أن السجان قال لابن سيرين : إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال . قال : لا والله ، لا أكون لك عونا على خيانة السلطان .



                قال معمر : جاء رجل إلى ابن سيرين فقال : رأيت كأن حمامة التقمت لؤلؤة ، فخرجت منها أعظم ما كانت ، ورأيت حمامة أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت أصغر مما دخلت ، ورأيت أخرى التقمت لؤلؤة فخرجت كما دخلت . فقال ابن سيرين : أما الأولى فذاك الحسن ، يسمع الحديث فيجوده بمنطقه ، ويصل فيه من مواعظه . وأما التي صغرت فأنا ، أسمع الحديث فأسقط منه . وأما التي خرجت كما دخلت فقتادة ، فهو أحفظ الناس .



                ابن المبارك ، عن عبد الله بن مسلم المروزي ، قال : كنت أجالس ابن سيرين ، فتركته وجالست الإباضية ، فرأيت كأني مع قوم يحملون جنازة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيت ابن سيرين فذكرته له ، فقال : ما لك جالست أقواما يريدون أن يدفنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .



                وقال هشام بن حسان : حدثتني حفصة بنت سيرين قالت : كانت والدة محمد حجازية ، وكان يعجبها الصبغ ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوبا اشترى ألين ما يجد ، فإذا كان عيد ، صبغ لها ثيابا ، وما رأيته رافعا صوته عليها ، كان إذا كلمها كالمصغي إليها .


                بكار بن محمد ، عن ابن عون ، أن محمدا كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه ; ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها .


                أزهر ، عن ابن عون ، قال : كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره هو بأحسن ما يعلم . وجاءه ناس فقالوا : إنا نلنا منك فاجعلنا في حل . قال : لا أحل لكم شيئا حرمه الله .



                عبد الوهاب بن عطاء ، أنبأنا ابن عون ، قال : كانت وصية محمد بن سيرين : ذكر ما أوصى به محمد بن أبي عمرة أهله وبنيه ، أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ، وأن يطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين ، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . وأوصاهم أن لا يدعوا أن يكونوا إخوان الأنصار ومواليهم في الدين ; فإن العفاف والصدق خير وأبقى وأكرم من الزنا والكذب ، وأوصى فيما ترك : إن حدث بي حدث قبل أن أغير وصيتي . . فذكر الوصية .

                يتبع إن شاء الله تعالى

                تعليق


                • #53
                  و قال عند ترجممة محمد بن طاهر:



                  قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي : سمعت ابن طاهر يقول : بلت الدم في طلب الحديث مرتين ، مرة ببغداد ، وأخرى بمكة ، كنت أمشي حافيا في الحر ، فلحقني ذلك ، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث ، وكنت أحمل كتبي على ظهري ، وما سألت في حال الطلب أحدا ، كنت أعيش على [ ما ] يأتي .




                  وقيل : كان يمشي دائما في اليوم والليلة عشرين فرسخا ، وكان قادرا على ذلك ، وقد ذكره الدقاق في رسالته ، فحط عليه ، فقال : كان صوفيا ملامتيا ، سكن الري ، ثم همذان ، له كتاب " صفوة التصوف " ، وله أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم وغيرهما .




                  قلت : يا ذا الرجل ، أقصر ، فابن طاهر أحفظ منك بكثير .




                  ثم قال : وذكر لي عنه الإباحة .




                  قلت : ما تعني بالإباحة ؟ إن أردت بها الإباحة المطلقة ، فحاشا ابن طاهر ، هو - والله - مسلم أثري ، معظم لحرمات الدين ، وإن أخطأ أو شذ ، وإن عنيت إباحة خاصة ، كإباحة السماع ، وإباحة النظر إلى المرد ، فهذه معصية ، وقول للظاهرية بإباحتها مرجوح .



                  قال ابن طاهر : كنت يوما أقرأ على أبي إسحاق الحبال جزءا ، فجاءني رجل من أهل بلدي ، وأسر إلي كلاما قال فيه : إن أخاك قد وصل من الشام ، وذلك بعد دخول الترك بيت المقدس ، وقتل الناس بها ، فأخذت في القراءة ، فاختلطت علي السطور ، ولم يمكني أقرأ ، فقال أبو إسحاق : ما لك ؟ قلت : خير ، قال : لا بد أن تخبرني ، فأخبرته ، فقال : وكم لك لم تر أخاك ؟ قلت : سنين ، قال : ولم لا تذهب إليه ؟ قلت : حتى أتم الجزء ، قال : ما أعظم حرصكم يا أهل الحديث ، قد تم المجلس ، وصلى الله على محمد ، وانصرف .



                  أنبئت عن أبي جعفر الطرسوسي عن ابن طاهر قال : لو أن محدثا من سائر الفرق أراد أن يروي حديثا واحدا بإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافقه الكل في عقده ، لم يسلم له ذلك ، وأدى إلى انقطاع الزوائد رأسا ، فكان اعتمادهم في العدالة على صحة السماع والثقة من الذي يروى عنه ، وأن يكون عاقلا مميزا .




                  قلت : العمدة في ذلك صدق المسلم الراوي ، فإن كان ذا بدعة أخذ عنه ، والإعراض عنه أولى ، ولا ينبغي الأخذ عن معروف بكبيرة ، والله أعلم .



                  --------------- يتبع إن شاء الله تعالى

                  تعليق


                  • #54
                    المشاركة الأصلية بواسطة فريد أبو ندى مشاهدة المشاركة
                    و قال عند ترجممة(1) محمد بن طاهر:





                    (1) كذا بالأصل وقد تكرر ، ولعله سبق أصبع ..
                    أو اضطراب أصبع ( ... بما فعل المشيب ) ..

                    تعليق


                    • #55
                      أضحك الله سنك، وبارك في الناقل .
                      قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                      تعليق


                      • #56
                        و قال عند ترجممة محمد بن نصر

                        ومن كلام محمد بن نصر قال : لما كانت المعاصي بعضها كفرا ، وبعضها ليس بكفر ، فرق -تعالى- بينها ، فجعلها ثلاثة أنواع : فنوع منها كفر ، ونوع منها فسوق ، ونوع منها عصيان ، ليس بكفر ولا فسوق . وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين ، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان ، وليس فيها شيء خارج عنه ، لم يفرق بينها ، فما قال : حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات ، بل أجمل ذلك فقال : حبب إليكم الإيمان فدخل فيه جميع الطاعات ; لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة ، وسائر الطاعات حب تدين ، ويكرهون المعاصي كراهية تدين ، ومنه قوله عليه السلام : من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن .

                        قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان : صرح محمد بن نصر في كتاب " الإيمان " بأن الإيمان مخلوق ، وأن الإقرار ، والشهادة ، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق ، ثم قال : وهجره على ذلك علماء وقته ، وخالفه أئمة خراسان والعراق .

                        قلت : الخوض في ذلك لا يجوز ، وكذلك لا يجوز أن يقال : الإيمان ، والإقرار ، والقراءة ، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق ، فإن الله خلق العباد وأعمالهم ، والإيمان : قول وعمل ، والقراءة والتلفظ : من كسب القارئ ، والمقروء الملفوظ : هو كلام الله ووحيه وتنزيله ، وهو غير مخلوق ، وكذلك كلمة الإيمان ، وهي قول ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ، داخلة في القرآن ، وما كان من القرآن فليس بمخلوق ، والتكلم بها من فعلنا ، وأفعالنا مخلوقة ، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه ؛ لما سلم معنا لا ابن نصر ، ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة .



                        قال أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه : أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن ، وأضبطهم لها ، وأذكرهم لمعانيها ، وأدراهم بصحتها ، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه .

                        قال : وما نعلم هذه الصفة -بعد الصحابة- أتم منها في محمد بن نصر المروزي ، فلو قال قائل : ليس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر ، لما أبعد عن الصدق .

                        قلت : هذه السعة والإحاطة ما ادعاها ابن حزم لابن نصر إلا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف لابن نصر ، ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه ، والله أعلم .


                        و قال عند ترجممة مروان بن الحكم:

                        جعفر بن محمد : عن أبيه ؛ كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان ولا يعيدان .

                        تعليق


                        • #57
                          و قال عند ترجممة مسروق:
                          قال إبراهيم بن محمد بن المنتشر : أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفا ، وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها : وقال أبو إسحاق السبيعي : زوج مسروق بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين .
                          قال سعيد بن جبير ، قال لي مسروق : ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب ، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى .
                          روى سعيد بن عثمان التنوخي الحمصي ، حدثنا علي بن الحسن السامي ، حدثنا الثوري عن فطر بن خليفة ، عن الشعبي ، قال : غشي على مسروق في يوم صائف ، وكانت عائشة قد تبنته ، فسمى بنته عائشة ، وكان لا يعصي ابنته شيئا . قال : فنزلت إليه فقالت : يا أبتاه أفطر واشرب . قال : ما أردت بي يا بنية؟ قالت : الرفق ، قال : يا بنية إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
                          قال علي بن الجعد : حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، أن مسروقا كان لا يأخذ على القضاء أجرا ، ويتأول هذه الآية : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) الآية .
                          الأعمش : عن مسلم ، عن مسروق ، قال : كفى بالمرء علما أن يخشى الله تعالى ، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله .
                          منصور : عن هلال بن يساف ، قال : قال مسروق : من سره أن يعلم علم الأولين والآخرين ، وعلم الدنيا والآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة .
                          قلت : هذا قاله مسروق على المبالغة ، لعظم ما في السورة من جمل أمور الدارين . ومعنى قوله : فليقرأ الواقعة -أي : يقرأها بتدبر وتفكر وحضور ، ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارا .


                          و قال عند ترجممة مصعب بن عمير:

                          شعبة : عن سعد بن إبراهيم ، سمع أباه يقول : أتي عبد الرحمن بن عوف بطعام ، فجعل يبكي ، فقال : قتل حمزة ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا ، وقتل مصعب بن عمير ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا ، لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا . وجعل يبكي .
                          ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان عن سعد بن مالك قال : كنا قبل الهجرة يصيبنا ظلف العيش وشدته ، فلا نصبر عليه ، فما هو إلا أن هاجرنا ، فأصابنا الجوع والشدة ، فاستضلعنا بهما ، وقوينا عليهما ، فأما مصعب بن عمير ، فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا ، فلما أصابه ما أصابنا ، لم يقو على ذلك ، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ، ولقد رأيته ينقطع به ، فما يستطيع أن يمشي ، فنعرض له القسي ثم نحمله على عواتقنا ، ولقد رأيتني مرة ، قمت أبول من الليل ، فسمعت تحت بولي شيئا يجافيه ، فلمست بيدي فإذا قطعة من جلد بعير ، فأخذتها ، فغسلتها حتى أنعمتها ، ثم أحرقتها بالنار ، ثم رضضتها فشققت منها ثلاث شقات ، فاقتويت بها ثلاثا .

                          و قال عند ترجممة مطرف بن عبد الله:

                          قال مهدي بن ميمون : حدثنا غيلان بن جرير ، أنه كان بينه وبين رجل كلام ، فكذب عليه فقال : اللهم إن كان كاذبا فأمته . فخر ميتا مكانه ، قال : فرفع ذلك إلى زياد فقال : قتلت الرجل؟ قال : لا ; ولكنها دعوة وافقت أجلا .
                          وعن غيلان أن مطرفا كان يلبس المطارف والبرانس ، ويركب الخيل ، ويغشى السلطان ، ولكنه إذا أفضيت إليه ، أفضيت إلى قرة عين .
                          وكان يقول : عقول الناس على قدر زمانهم .
                          وروى قتادة عن مطرف بن عبد الله ، قال : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع .
                          وفي " الحلية " روى أبو الأشهب ، عن رجل ، قال مطرف بن عبد الله : لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا .
                          قلت : لا أفلح -والله- من زكى نفسه أو أعجبته .
                          وعن ثابت البناني ، عن مطرف قال : لأن يسألني الله -تعالى- يوم القيامة ، فيقول : يا مطرف ، ألا فعلت . أحب إلي من أن يقول : لم فعلت؟
                          جرير بن حازم : حدثنا حميد بن هلال قال : قال مطرف بن عبد الله : إنما وجدت العبد ملقى بين ربه وبين الشيطان ، فإن استشلاه ربه واستنقذه نجا ، وإن تركه والشيطان ، ذهب به .
                          جعفر بن سليمان : حدثنا ثابت قال : قال مطرف : لو أخرج قلبي ، فجعل في يساري وجيء بالخير ، فجعل في يميني ، ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله يضعه .
                          أبو جعفر الرازي : عن قتادة ، عن مطرف قال : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم ، فاطلبوا نعيما لا موت فيه .
                          حماد بن يزيد : عن داود بن أبي هند ، عن مطرف بن عبد الله قال : ليس لأحد أن يصعد فيلقي نفسه من شاهق ، ويقول : قدر لي ربي ; ولكن يحذر ويجتهد ويتقي ، فإن أصابه شيء ، علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له .
                          غيلان بن جرير ، عن مطرف قال : لا تقل : فإن الله يقول ، ولكن قل : قال الله تعالى . وقال : إن الرجل ليكذب مرتين ، يقال له : ما هذا؟ فيقول : لا شيء إلا شيء ليس بشيء .
                          أبو عقيل بشير بن عقبة قال : قلت ليزيد بن الشخير : ما كان مطرف يصنع إذا هاج الناس؟ قال : يلزم قعر بيته ، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي .
                          وقال أيوب : قال مطرف : لأن آخذ بالثقة في القعود أحب إلي من أن ألتمس فضل الجهاد بالتغرير .
                          أخبرنا إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا يوسف بن يعقوب النجيرمي ، حدثنا الحسن بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، سمعت قتادة يقول : حدثنا مطرف قال : كنا نأتي زيد بن صوحان فكان يقول : يا عباد الله ، أكرموا وأجملوا ; فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين : الخوف والطمع .
                          فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابا ، فنسقوا كلاما من هذا النحو : إن الله ربنا ، ومحمدا نبينا ، والقرآن إمامنا ، ومن كان معنا كنا وكنا ، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا . قال : فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا ، فيقولون : أقررت يا فلان؟ حتى انتهوا إلي فقالوا : أقررت يا غلام؟ قلت : لا ، قال -يعني زيدا- : لا تعجلوا على الغلام ، ما تقول يا غلام؟ قلت : إن الله قد أخذ علي عهدا في كتابه ، فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه علي .
                          فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر منهم أحد ، وكانوا زهاء ثلاثين نفسا .
                          قال قتادة : فكان مطرف إذا كانت الفتنة نهى عنها وهرب ، وكان الحسن ينهى عنها ولا يبرح .
                          قال مطرف : ما أشبه الحسن إلا برجل يحذر الناس السيل ويقوم بسننه .
                          وعن محمد بن واسع قال : كان مطرف يقول : اللهم ارض عنا ; فإن لم ترض عنا فاعف عنا ; فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض .
                          وعن مطرف أنه قال لبعض إخوانه : يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني واكتبها في رقعة ; فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال .
                          وقال مهدي بن ميمون : قال مطرف : لقد كاد خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة .
                          وقال ابن عيينة : قال مطرف بن عبد الله : ما يسرني أني كذبت كذبة وأن لي الدنيا وما فيها .
                          وقال حميد بن هلال : أتت الحرورية مطرف بن عبد الله يدعونه إلى رأيهم ، فقال : يا هؤلاء ، لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى ; فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى ، وإن كان ضلالة ، هلكت نفس وبقيت لي نفس ; ولكن هي نفس واحدة لا أغرر بها .
                          قال قتادة : قال مطرف : لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر .
                          وقال مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير ، قال : حبس السلطان ابن أخي مطرفا ، فلبس مطرف خلقان ثيابه ، وأخذ عكازا وقال : أستكين لربي; لعله أن يشفعني في ابن أخي .

                          تعليق


                          • #58
                            و قال عند ترجممة معاد بن جبل:



                            روى أيوب : عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أوصوني ، فجعلوا يوصونه ، وكان معاذ بن جبل في آخر القوم ، فقال : أوصني يرحمك الله ، قال : قد أوصوك فلم يألوا ، وإني سأجمع لك أمرك : اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر ، فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ، ثم يزول معك أينما زلت .

                            حريز بن عثمان : عن المشيخة ، عن أبي بحرية ، عن معاذ قال : ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا ، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ; لأن الله تعالى يقول في كتابه : (ولذكر الله أكبر ).

                            عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني أخبره أن يزيد بن عميرة ، وكان من أصحاب معاذ بن جبل ، قال : كان لا يجلس مجلسا إلا قال : الله حكم قسط تبارك اسمه ، هلك المرتابون . فذكر الحديث ، وفيه : فقلت لمعاذ : ما يدريني أن الحكيم يقول كلمة الضلالة ؟ قال : بلى ، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال ما هذه ، ولا يثنيك ذلك عنه ; فإنه لعله يرجع ويتبع الحق إذا سمعه ، فإن على الحق نورا . اللفظ لابن قتيبة .

                            سليمان بن بلال : عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أن أبا عبيدة لما أصيب ، استخلف معاذ بن جبل - يعني في طاعون عمواس - اشتد الوجع ، فصرخ الناس إلى معاذ : ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز ، قال : إنه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وشهادة يخص الله من يشاء منكم ، أيها الناس ، أربع خلال من استطاع أن لا تدركه ، قالوا : ما هي ؟ قال : يأتي زمان يظهر فيه الباطل ، ويأتي زمان يقول الرجل : والله ما أدري ما أنا ، لا يعيش على بصيرة ، ولا يموت على بصيرة .

                            أحمد بن حنبل في " مسنده " حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا مسرة بن معبد ، عن إسماعيل بن عبيد الله قال : قال معاذ بن جبل : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ستهاجرون إلى الشام ، فيفتح لكم ، ويكون فيه داء ، كالدمل أو كالوخزة يأخذ بمراق الرجل ، فيشهد أو فيستشهد الله بكم أنفسكم ، ويزكي بها أعمالكم . اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه ، فأصابهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحد ، فطعن في أصبعه السبابة ، فكان يقول : ما يسرني أن لي بها حمر النعم .

                            همام : حدثنا قتادة ، ومطر ، عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : وقع الطاعون بالشام ، فخطب الناس عمرو بن العاص ، فقال : هذا الطاعون رجز ، ففروا منه في الأودية والشعاب ، فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة ، فغضب ، وجاء يجر ثوبه ، ونعلاه في يده ، فقال : صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، ووفاة الصالحين قبلكم . فبلغ ذلك معاذا فقال : اللهم اجعل نصيب آل معاذ الأوفر .
                            فماتت ابنتاه ، فدفنهما في قبر واحد . وطعن ابنه عبد الرحمن ، فقال ، يعني لابنه ، لما سأله : كيف تجدك ؟ قال : الحق من ربك فلا تكن من الممترين قال : ستجدني إن شاء الله من الصابرين قال : وطعن معاذ في كفه ، فجعل يقلبها ، ويقول : هي أحب إلي من حمر النعم . فإذا سري عنه ، قال : رب ، غم غمك ، فإنك تعلم أني أحبك .

                            ورأى رجلا يبكي ، قال : ما يبكيك ؟ قال : ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منك ، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك ، قال : ولا تبكه ; فإن إبراهيم - صلوات الله عليه - كان في الأرض وليس بها علم ، فآتاه الله علما ، فإن أنا مت ، فاطلب العلم عند أربعة : عبد الله بن مسعود ، وسلمان الفارسي ، وعبد الله بن سلام ، وعويمر أبي الدرداء .


                            الأعمش : عن شهر بن حوشب ، عن الحارث بن عميرة ، قال : إني لجالس عند معاذ ، وهو يموت ، وهو يغمى عليه ويفيق ، فقال : اخنق خنقك فوعزتك إني لأحبك .

                            تعليق


                            • #59
                              و قال عند ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه :


                              روى سعيد بن عبد العزيز : عن أبي عبد رب : رأيت معاوية يخضب بالصفرة كأن لحيته الذهب .

                              قلت : كان ذلك لائقا في الزمان واليوم لو فعل لاستهجن .

                              رواه أحمد في مسنده وزاد فيه الحاكم : حدثنا علي بن حمشاد ، حدثنا هشام بن علي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة قال : فدعوته ، فقيل : إنه يأكل . فأتيت ، فقلت : يا رسول الله ، هو يأكل . قال : اذهب فادعه . فأتيته الثانية ، فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله ، فأخبرته ، فقال في الثالثة : لا أشبع الله بطنه . قال : فما شبع بعدها .

                              رواه الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، وهشيم ، وفيه : لا أشبع الله بطنه .

                              فسره بعض المحبين قال : لا أشبع الله بطنه ; حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة ، لأن الخبر عنه أنه قال : أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة .

                              قلت : هذا ما صح ، والتأويل ركيك ، وأشبه منه قوله - عليه السلام - : اللهم من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة أو كما قال . وقد كان معاوية معدودا من الأكلة .

                              قال عند ترجمة معروف الكرخي:

                              وقيل : كان أبواه نصرانيين ، فأسلماه إلى مؤدب كان يقول له قل : ثالث ثلاثة ، فيقول معروف : بل هو الواحد ، فيضربه ، فيهرب ، فكان والداه يقولان : ليته رجع ، ثم إن أبويه أسلما .

                              ذكر معروف عند الإمام أحمد ، فقيل : قصير العلم ، فقال : أمسك ، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف .

                              قال السراج : حدثنا أبو بكر بن أبي طالب قال : دخلت مسجد معروف ، فخرج ، وقال : حياكم الله بالسلام ، ونعمنا وإياكم بالأحزان ، ثم أذن ، فارتعد ، وقف شعره ، وانحنى حتى كاد يسقط .

                              عن معروف قال : إذا أراد الله بعبد شرا ، أغلق عنه باب العمل ، وفتح عليه باب الجدل .

                              وسئل : كيف تصوم ؟ فغالط السائل ، وقال : صوم نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان كذا وكذا ، وصوم داود كذا وكذا ، فألح عليه ، فقال : أصبح دهري صائما ، فمن دعاني ، أكلت ، ولم أقل : إني صائم .

                              وقص إنسان شارب معروف ، فلم يفتر من الذكر ، فقال : كيف أقص ؟ فقال : أنت تعمل ، وأنا أعمل .

                              وقيل : اغتاب رجل عند معروف ، فقال : اذكر القطن إذا وضع على عينيك .

                              وعنه قال : ما أكثر الصالحين ، وما أقل الصادقين .

                              عنه من كابر الله صرعه ، ومن نازعه ، قمعه ، ومن ماكره ، خدعه ، ومن توكل عليه منعه ، ومن تواضع له رفعه ، كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله .

                              وعنه : من لعن إمامه حرم عدله .

                              ابن مسروق : حدثنا يعقوب ابن أخي معروف ، أن معروفا استسقى لهم في يوم حار ، فما استتموا رفع ثيابهم حتى مطروا .

                              وقد استجيب دعاء معروف في غير قضية ، وأفرد الإمام أبو الفرج بن الجوزي مناقب معروف في أربع كراريس.

                              و قال عند ترجمة معمر بن راشد:

                              قال أحمد العجلي : لما دخل معمر صنعاء ، كرهوا أن يخرج من بين أظهرهم ، فقال لهم رجل : قيدوه . قال : فزوجوه .

                              قال عثمان بن سعيد : قلت لابن معين : ابن عيينة أحب إليك أو معمر ؟ قال : معمر ، قلت : فمعمر ، أم صالح بن كيسان ؟ قال : معمر إلي أحب ، وصالح ثقة . قلت : فمعمر ، أو يونس ؟ قال : معمر . قلت : فمعمر أو مالك ؟ قال : مالك . قلت له : إن بعض الناس يقولون : ابن عيينة أثبت الناس في الزهري . فقال : إنما يقول ذلك من سمع منه ، وأي شيء كان سفيان ؟ إنما كان غليما . يعني أمام الزهري .

                              وقال يعقوب بن شيبة حدثنا أحمد بن العباس ، سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت أنه كان زوج أخت امرأة معمر مع معن بن زائدة ، فأرسلت إليها أختها بدانجوج ، فعلم بذلك معمر بعد ما أكل ، فقام ، فتقيأ . أحمد بن شبويه : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أكل معمر من عند أهله فاكهة ، ثم سأل ، فقيل : هدية من فلانة النواحة . فقام فتقيأ . وبعث إليه معن والي اليمن بذهب فرده ، وقال لأهله : إن علم بهذا غيرنا لم يجتمع رأسي ورأسك أبدا .

                              قال عبد الرزاق : ما نعلم أحدا عف عن هذا المال إلا الثوري ومعمرا . وبلغنا أن سفيان الثوري قال مرة : حدثنا أبو عروة ، عن أبي الخطاب ، عن أبي حمزة ، فذكر حديثا ، فقل من فطن له ، وإنما هو معمر ، عن قتادة ، عن أنس . ومع كون معمر ثقة ثبتا ، فله أوهام ، لا سيما لما قدم البصرة لزيارة أمه ، فإنه لم يكن معه كتبه ، فحدث من حفظه ، فوقع للبصريين عنه أغاليط ، وحديث هشام وعبد الرزاق عنه أصح ; لأنهم أخذوا عنه من كتبه ، والله أعلم .

                              قال أبو محمد بن حميد المعمري : قال معمر : لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نية ، ثم رزقنا الله النية من بعد .

                              وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر قال : كان يقال : إن الرجل يطلب العلم لغير الله ، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله .

                              قلت : نعم ، يطلبه أولا ، والحامل له حب العلم ، وحب إزالة الجهل عنه ، وحب الوظائف ، ونحو ذلك . ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ، ولا صدق النية ، فإذا علم ، حاسب نفسه ، وخاف من وبال قصده ، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها ، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم . وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة ، ومن قصد التكثر بعلمه ، ويزري على نفسه ، فإن تكثر بعلمه ، أو قال : أنا أعلم من فلان فبعدا له.

                              و قال عند ترجمة معن بن عيسى:

                              وقال إسحاق بن موسى الأنصاري : سمعت معنا يقول : كان مالك لا يجيب العراقيين في شيء من الحديث ، حتى أكون أنا أسأله عنه ، وكل شيء من الحديث في " الموطأ " سمعته من مالك إلا ما استثنيت أني عرضته عليه ، وكل شيء من غير الحديث عرضته على مالك إلا ما استثنيت أني سألته عنه .

                              قال أبو حاتم : أثبت أصحاب مالك وأوثقهم معن بن عيسى ، وهو أحب إلي من عبد الله بن نافع الصائغ ، ومن ابن وهب .
                              التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 13-Sep-2008, 10:54 PM.

                              تعليق


                              • #60
                                و قال عند ترجمة منذر بن سعيد البلوطي

                                قال ابن عبد البر : حدثت أن رجلا وجد القاضي منذر بن سعيد في بعض الأسحار على دكان المسجد ، فعرفه ، فجلس إليه ، وقال : يا سيدي إنك لتغرر بخروجك ، وأنت أعظم الحكام ، وفي الناس المحكوم عليه والرقيق الدين ، فقال : يا أخي وأنى لي بمثل هذه المنزلة ؟ وأنى لي بالشهادة ، ما أخرج تعرضا للتغرر ، بل أخرج متوكلا على الله إذ أنا في ذمته . فاعلم أن قدره لا محيد عنه ، ولا وزر دونه .

                                قال : وسمعت من يذكر أن رسول الناصر جاءه للاستسقاء ، فقال للرسول : ها أنا سائر ، فليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة في يومنا هذا ؟ فقال : ما رأيته قط أخشع منه في يومه هذا ، إنه منفرد بنفسه ، لابس أخشن الثياب ، مفترش التراب ، قد علا نحيبه واعترافه بذنوبه ، يقول : رب هذه ناصيتي بيدك ، أتراك تعذب الرعية وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم ، أن يفوتك مني شيء . فتهلل منذر بن سعيد ، وقال : يا غلام احمل الممطرة معك ، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء .

                                قال ابن عفيف : من أخباره المحفوظة : أن أمير المؤمنين عمل في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة ، وجلس فيها ، ودخل الأعيان ، فجاء منذر بن سعيد ، فقال له الخليفة كما قال لمن قبله : هل رأيت أو سمعت أن أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا ؟ فأقبلت دموع القاضي تتحدر ، ثم قال : والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ ، أن أنزلك منازل الكفار ، قال : لم ؟ فقال : قال الله عز وجل : (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) إلى قوله : (والآخرة عند ربك للمتقين) فنكس الناصر رأسه طويلا ، ثم قال : جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين ، الذي قلت هو الحق ، وأمر بنقض سقف القبة .

                                وخطب يوما فأعجبته نفسه ، فقال : حتى متى أعظ ولا أتعظ ، وأزجر ولا أزدجر ، أدل على الطريق المستدلين ، وأبقى مقيما مع الحائرين ، كلا إن هذا لهو البلاء المبين . اللهم فرغبني لما خلقتني له ، ولا تشغلني بما تكفلت لي به .

                                و قال عند ترجمة موسى بن عقبة:

                                إبراهيم بن المنذر عن معن قال : كان مالك إذا قيل له : مغازي من نكتب ؟ قال : عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة ، وقال ابن المنذر أيضا : حدثني مطرف ، ومعن ، ومحمد بن الضحاك ، قالوا : كان مالك إذا سئل عن المغازي ، قال : عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة ، فإنها أصح المغازي . وقال أيضا سمعت محمد بن طلحة ، سمعت مالكا يقول : عليكم بمغازي موسى ، فإنه رجل ثقة ، طلبها على كبر السن ، ليقيد من شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكثر كما كثر غيره .


                                قلت : هذا تعريض بابن إسحاق . ولا ريب أن ابن إسحاق كثر وطول بأنساب مستوفاة ، اختصارها أملح ، وبأشعار غير طائلة ، حذفها أرجح ، وبآثار لم تصحح ، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده ، فكتابه محتاج إلى تنقيح وتصحيح ، ورواية ما فاته .

                                وأما مغازي موسى بن عقبة ، فهي في مجلد ليس بالكبير ، سمعناها ، وغالبها صحيح ومرسل جيد ، لكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة .

                                وقد أحسن في عمل ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في تأليفه المسمى بكتاب " دلائل النبوة " .

                                وقد لخصت أنا الترجمة النبوية ، والمغازي المدنية ، في أول " تاريخي الكبير " وهو كامل في معناه إن شاء الله .

                                وقال إبراهيم : حدثنا محمد بن الضحاك ، سمعت المسور بن عبد الملك المخزومي يقول لمالك : يا أبا عبد الله ، فلان كلمني يعرض عليك ، وقد شهد جده بدرا . فقال مالك : لا تدري ما يقولون ، من كان في كتاب موسى بن عقبة قد شهد بدرا ، فقد شهدها ، ومن لم يكن في كتاب موسى ، فلم يشهد بدرا .

                                وقال أحمد ، ويحيى ، وأبو حاتم ، والنسائي : موسى ثقة . وروى المفضل بن غسان ، عن يحيى بن معين ، قال : موسى بن عقبة ثقة ، يقولون : روايته عن نافع فيها شيء ، وسمعت ابن معين يضعف موسى بعض الضعف .

                                قلت : قد روى عباس الدوري وجماعة ، عن يحيى توثيقه . فليحمل هذا التضعيف على معنى أنه ليس هو في القوة عن نافع كمالك ، ولا عبيد الله . وكذلك روى إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، عن يحيى بن معين قال : ليس موسى بن عقبة في نافع مثل عبيد الله بن عمر ومالك .


                                قلت : احتج الشيخان بموسى بن عقبة ، عن نافع ولله الحمد . قلنا : ثقة وأوثق منه ، فهذا من هذا الضرب .



                                يتبع إن شاء المولى تبارك و تعالى
                                التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 24-Sep-2008, 06:26 PM.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X