إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

درر منتقاة من أعلام النبلاء للدهبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    و قال عند ترجممة موسى بن نصير

    وقال له سليمان يوما : ما كنت تفزع إليه عند الحرب ؟ قال : الدعاء والصبر . قال : فأي الخيل رأيت أصبر ؟ قال : الشقر . قال : فأي الأمم أشد قتالا ؟ قال : هم أكثر من أن أصف . قال : فأخبرني عن الروم . قال : أسد في حصونهم ، عقبان على خيولهم ، نساء في مراكبهم ، إن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال ، لا يرون الهزيمة عارا .

    قال : فالبربر ؟ قال : هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبرا وفروسية ; غير أنهم أغدر الناس . قال : فأهل الأندلس ؟ قال : ملوك مترفون ، وفرسان لا يجبنون . قال : فالفرنج ؟ قال : هناك العدد والجلد ، والشدة والبأس . قال : فكيف كانت الحرب بينك وبينهم ؟ قال : أما هذا فوالله ما هزمت لي راية قط ، ولا بدد لي جمع ، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين ، ولقد بعثت إلى الوليد بتور زبرجد ، كان يجعل فيه اللبن حتى ترى فيه الشعرة البيضاء . ثم أخذ يعدد ما أصاب من الجوهر والزبرجد حتى تحير سليمان .


    و قال عند ترجممة ميمون بن مهران

    وروى إسماعيل بن عبيد الله ، عن ميمون بن مهران قال : كنت أفضل عليا على عثمان ، فقال لي عمر بن عبد العزيز : أيهما أحب إليك ، رجل أسرع في الدماء ، أو رجل أسرع في المال ، فرجعت وقلت : لا أعود . وقال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فلما قمت ، قال : إذا ذهب هذا وضرباؤه ، صار الناس بعد رجراجة .

    قال أحمد العجلي والنسائي : ميمون ثقة . زاد أحمد : كان يحمل على علي -رضي الله عنه- قلت : لم يثبت عنه حمل ، إنما كان يفضل عثمان عليه ، وهذا حق .

    عن حبيب بن أبي مرزوق : قال ميمون : وددت أن إحدى عيني ذهبت ، وأني لم أل عملا قط ، لا خير في العمل لعمر بن عبد العزيز ، ولا لغيره .

    قلت : كان ولي خراج الجزيرة ، وقضاءها ، وكان من العابدين .

    وروى حبيب بن أبي مرزوق ، عن ميمون : وددت أن عيني ذهبت ، وبقيت الأخرى أتمتع بها ، وأني لم أل عملا قط ، قلت له : ولا لعمر بن عبد العزيز ؟ قال : لا لعمر ولا لغيره .

    يعلى بن عبيد : حدثنا هارون البربري ، قال : كتب ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز : إني شيخ رقيق ، كلفتني أن أقضي بين الناس ، وكان علي الخراج والقضاء بالجزيرة ، فكتب إليه : إني لم أكلفك ما يعنيك ، اجب الطيب من الخراج ، واقض بما استبان لك ، فإذا لبس عليك شيء ، فارفعه إلي ، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه ، لم يقم دين ولا دنيا .

    روى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : لا تجالسوا أهل القدر ، ولا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تعلموا النجوم .

    بقية بن الوليد : أخبرنا عبد الملك بن أبي النعمان الجزري ، عن ميمون بن مهران قال : خاصمه رجل في الإرجاء فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني ، فقال ميمون : أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران ، فانصرف الرجل ولم يرد عليه .

    أبو المليح ، عن فرات بن السائب قال : كنت في مسجد ملطية فتذاكرنا هذه الأهواء ، فانصرفت فنمت ، فسمعت هاتفا يهتف : الطريق مع ميمون بن مهران .

    جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران قال : لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه .

    أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الله بن ميمون ، عن الحسن بن حبيب قال : رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : نعم ، فلا تخبر به أحدا .

    وقال جامع بن أبي راشد : سمعت ميمون بن مهران يقول : ثلاثة تؤدى إلى البر والفاجر : الأمانة ، والعهد ، وصلة الرحم .

    قال أبو المليح : جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب بنته ، فقال : لا أرضاها لك ، قال : ولم ؟ قال : لأنها تحب الحلي والحلل ، قال : فعندي من هذا ما تريد ، قال : الآن لا أرضاك لها .

    قال أبو المليح : قال رجل لميمون : يا آبا أيوب ! ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم ، قال : أقبل على شأنك ، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم .

    ابن علية : حدثنا يونس بن عبيد ، قال : كتبت إلى ميمون بن مهران بعد طاعون كان ببلادهم أسأله عن أهله ، فكتب إلي : بلغني كتابك ، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنسانا ، وإني أكره البلاء إذا أقبل ، فإذا أدبر ، لم يسرني أنه لم يكن .

    روى أبو المليح ، عن ميمون : من أساء سرا ، فليتب سرا ، ومن أساء علانية ، فليتب علانية ، فإن الناس يعيرون ولا يغفرون ، والله يغفر ولا يعير .

    خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن برقان : قال لي ميمون بن مهران : يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره ، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره .

    عبد الله بن جعفر ، عن أبي المليح قال : قال ميمون : إذا أتى رجل باب سلطان ، فاحتجب عنه ، فليأت بيوت الرحمن ، فإنها مفتحة ، فليصل ركعتين ، وليسأل حاجته .

    وقال ميمون : قال محمد بن مروان بن الحكم : ما يمنعك أن تكتب في الديوان ، فيكون لك سهم في الإسلام ؟ قلت : إني لأرجو أن يكون لي سهام في الإسلام . قال : من أين ولست في الديوان ؟ فقلت : شهادة أن لا إله إلا الله سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وصيام رمضان سهم ، والحج سهم .

    قال : ما كنت أظن أن لأحد في الإسلام سهما إلا من كان في الديوان ،
    قلت : هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديوانا قط ، وذلك أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسألة ، فقال : استعف يا حكيم خير لك . قال : ومنك يا رسول الله ؟ قال : ومني ، قال : لا جرم لا أسألك ولا غيرك شيئا أبدا ، ولكن ادع الله لي أن يبارك لي في صفقتي -يعني التجارة- فدعا له رواها عبد الله بن جعفر ، عن أبي المليح ، عنه .

    قال فرات : سمعت ميمونا يقول : لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم .

    أبو المليح : سمعت ميمون بن مهران ، وأتاه رجل فقال : إن زوجة هشام ماتت ، وأعتقت كل مملوك لها ، فقال : يعصون الله مرتين ، يبخلون به وقد أمروا أن ينفقوه ، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه .

    معمر بن سليمان ، عن فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران قال : ثلاث لا تبلون نفسك بهن : لا تدخل على السلطان ، وإن قلت : آمره بطاعة الله ، ولا تصغين بسمعك إلى هوى ، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه ، ولا تدخل على امرأة ، ولو قلت : أعلمها كتاب الله .

    أبو المليح ، سمعت ميمونا يقول : لأن أوتمن على بيت مال أحب إلي من أن أوتمن على امرأة .

    أبو المليح ، عن ميمون قال : لا تضرب المملوك في كل ذنب ، ولكن احفظ له ، فإذا عصى الله ، فعاقبه على المعصية ، وذكره الذنوب التي بينك وبينه .

    عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني يحيى بن عثمان الحربي ، حدثنا أبو المليح ، عن ميمون ، قال : ما نال رجل من جسيم الخير -نبي ولا غيره- إلا بالصبر .

    الحارث بن أبي أسامة : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، حدثنا يزيد بن الأصم قال : لقيت عائشة -رضي الله عنها- - مقبلة من مكة ، أنا وابن لطلحة وهو ابن أختها ، وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة ، فأصبنا منه ، فبلغها ذلك ، فأقبلت على ابن أختها تلومه ، ثم وعظتني ، ثم قالت : أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه ، ذهبت والله ميمونة ، ورمي برسنك على غاربك ، أما إنها كانت من أتقانا لله -عز وجل- وأوصلنا للرحم .

    و قال عند ترجممة ميمونة أم المؤمنين

    زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأخت أم الفضل زوجة العباس ، وخالة خالد بن الوليد ، وخالة ابن عباس .

    تزوجها - أولا - مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام ، ففارقها . وتزوجها أبو رهم بن عبد العزى ، فمات ، فتزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة ، وبنى بها بسرف - أظنه المكان المعروف بأبي عروة . وكانت من سادات النساء .

    الواقدي : حدثنا ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن عكرمة : أن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم .

    قال مجاهد : كان اسمها برة ، فسماها رسول الله : ميمونة .

    حماد بن زيد ، عن أبي فزارة ، عن يزيد بن الأصم : أن ميمونة حلقت رأسها في إحرامها ، فماتت ، ورأسها محمم .

    يتبع إن شاء الله تعالى

    تعليق


    • #62
      و قال عند ترجممة نافع مولى ابن عمر

      قال النسائي : أول طبقة من أصحاب نافع : أيوب وعبيد الله ومالك .
      الطبقة الثانية صالح بن كيسان ، وابن عون ، وابن جريج ، ويحيى بن سعيد .
      الثالثة : موسى بن عقبة ، وإسماعيل بن أمية ، وأيوب بن موسى .
      الرابعة : يونس بن يزيد ، وجويرية بن أسماء ، والليث .
      الخامسة : ابن عجلان ، وابن أبي ذئب ، والضحاك بن عثمان .
      السادسة : سليمان بن موسى ، وبرد بن سنان ، وابن أبي رواد .
      السابعة : عبد الرحمن السراج ، وعبيد الله بن الأخنس .
      الثامنة : ابن إسحاق ، وأسامة بن زيد ، وعمر بن محمد ، وصخر بن جويرية ، وهمام بن يحيى ، وهشام بن سعد .
      التاسعة : ليث بن أبي سليم ، وحجاج بن أرطاة ، وأشعث بن سوار ، وعبد الله بن عمر .
      العاشرة : إسحاق بن أبي فروة ، وأبو معشر ، وعبد الله بن نافع ، وعثمان البري وطائفة .
      قال البخاري : أصح الأسانيد : مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر .


      إسماعيل بن أبي أويس ، عن أبيه : كنا نختلف إلى نافع ، وكان سيئ الخلق ، فقلت : ما أصنع بهذا العبد ؟ فتركته ولزمه غيري ، فانتفع به .

      عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن أبيه ، عن نافع ، أنه لما احتضر بكى ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت سعدا وضغطة القبر .

      وقد اختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ، وسالم أجل منه ، لكن أحاديث نافع الثلاثة أولى بالصواب . وبلغنا أنهم تذاكروا حديث إتيان الدبر الذي تفرد به نافع عن مولاه ، فقال ميمون بن مهران : إنما قال هذا نافع بعدما كبر وذهب عقله . وروي أن سالما قالوا له : هذا عن نافع ، فقال : كذب العبد ، أو أخطأ العبد ، إنما كان ابن عمر يقول : يأتيها مقبلة ومدبرة في الفرج .
      وعن أبي إبراهيم المنذر الحزامي قال : ما سمعت من هشام بن عروة رفثا قط إلا يوما واحدا ، أتاه رجل ، فقال : يا أبا المنذر ! نافع مولى ابن عمر يفضل أباك عروة على أخيه عبد الله بن الزبير ، فقال : كذب عدو الله ، وما يدري نافع عاض بظر أمه ! عبد الله خير والله وأفضل من عروة .
      قلت : وقد جاءت رواية أخرى عنه بتحريم أدبار النساء ، ما جاء عنه بالرخصة فلو صح لما كان صريحا ، بل يحتمل أنه أراد بدبرها من ورائها في القبل ، وقد أوضحنا المسألة في مصنف مفيد ، لا يطالعه عالم إلا ويقطع بتحريم ذلك .


      و قال عند ترجممة نعيم بن حماد بن معاوية

      قال أبو بكر الخطيب : يقال : إن أول من جمع المسند ، وصنفه نعيم .

      وقال أحمد : كان نعيم كاتبا لأبي عصمة - يعني نوحا - وكان شديد الرد على الجهمية ، وأهل الأهواء ، ومنه تعلم نعيم .

      قال صالح بن مسمار : سمعت نعيم بن حماد يقول : أنا كنت جهميا ، فلذلك عرفت كلامهم ، فلما طلبت الحديث ، عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل .

      علي بن الحسين بن حبان : وجدت في كتاب أبي بخط يده ، قال أبو زكريا : نعيم ثقة صدوق ، رجل صدق ، أنا أعرف الناس به ، كان رفيقي بالبصرة ، كتب عن روح خمسين ألف حديث ، فقلت له قبل خروجي من مصر : هذه الأحاديث التي أخذتها من العسقلاني ، أي شيء هذه ؟ فقال : يا أبا زكريا ، مثلك يستقبلني بهذا ؟ ! فقلت : إنما قلت شفقة عليك . قال : إنما كانت معي نسخ أصابها الماء ، فدرس بعض الكتاب ، فكنت أنظر في كتاب هذا في الكلمة التي تشكل علي ، فإذا كان مثل كتابي عرفته ، فأما أن أكون كتبت منه شيئا قط ، فلا والله الذي لا إله إلا هو . قال أبو زكريا : ثم قدم علينا ابن أخيه ، وجاءه بأصول كتبه من خراسان ، إلا أنه كان يتوهم الشيء كذا يخطئ فيه ، فأما هو ، فكان من أهل الصدق .

      العباس بن مصعب قال : وضع نعيم بن حماد الفارضي كتبا في الرد على أبي حنيفة ، وناقض محمد بن الحسن ، ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية ، وكان من أعلم الناس بالفرائض .

      قلت : نعيم من كبار أوعية العلم ، لكنه لا تركن النفس إلى رواياته .

      فأما خبر أم الطفيل ، فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره ، حدثنا نعيم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا . فهذا خبر منكر جدا ، أحسن النسائي حيث يقول : ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله ! ؟

      وهذا لم ينفرد به نعيم ، فقد رواه أحمد بن صالح المصري الحافظ ، وأحمد بن عيسى التستري ، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، عن ابن وهب . قال أبو زرعة النصري : رجاله معروفون .

      قلت : بلا ريب قد حدث به ابن وهب وشيخه وابن أبي هلال ، وهم معروفون عدول ، فأما مروان ، وما أدراك ما مروان ، فهو حفيد أبي سعيد بن المعلى الأنصاري ، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاري .
      ولئن جوزنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله ، فهو أدرى بما قال ، ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره عليه السلام ، ولا نحن نحسن أن نعبره ، فأما أن نحمله على ظاهره الحسي ، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض في ذلك بحيث إن بعض الفضلاء قال : تصحف الحديث ، وإنما هو : رأى رئيه بياء مشددة . وقد قال علي - رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون . وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم في دينه ، وكان يقول : لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء ; فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ، ويجب على الأمة حفظه ، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره ، وينبغي للأمة نقله ، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء .
      والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيات الفلاسفة وبعض رياضتهم بل أكثره وعلم السحر ، والسيمياء ، والكيمياء ، والشعبذة ، والحيل ، ونشر الأحاديث الموضوعة ، وكثير من القصص الباطلة أو المنكرة ، وسيرة البطال المختلفة ، وأمثال ذلك ، ورسائل إخوان الصفا ، وشعر يعرض فيه إلى الجناب النبوي ، فالعلوم الباطلة كثيرة جدا فلتحذر ، ومن ابتلي بالنظر فيها للفرجة والمعرفة من الأذكياء ، فليقلل من ذلك ، وليطالعه وحده ، وليستغفر الله تعالى ، وليلتجئ إلى التوحيد ، والدعاء بالعافية في الدين ، وكذلك أحاديث كثيرة مكذوبة وردت في الصفات لا يحل بثها إلا للتحذير من اعتقادها ، وإن أمكن إعدامها فحسن . اللهم فاحفظ علينا إيماننا ، ولا قوة إلا بالله .


      قال أحمد بن محمد بن سهل الخالدي : سمعت أبا بكر الطرسوسي يقول : أخذ نعيم بن حماد في أيام المحنة سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين ، وألقوه في السجن ، ومات في سنة تسع وعشرين ومائتين وأوصى أن يدفن في قيوده ، وقال : إني مخاصم .

      أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن خيرون ، وأبو الحسن بن أيوب البزاز ، قالا : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، سمعت نعيم بن حماد يقول : من شبه الله بخلقه ، فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه ، فقد كفر ، وليس في ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه .

      قلت : هذا الكلام حق ، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات ، فما ينكر الثابت منها من فقه ، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان :
      تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب ، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها ، بل آمنوا بها ، وأمروها كما جاءت .
      المقام الثاني : المبالغة في إثباتها ، وتصورها من جنس صفات البشر وتشكلها في الذهن ، فهذا جهل وضلال ، وإنما الصفة تابعة للموصوف ، فإذا كان الموصوف - عز وجل - لم نره ، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله : ليس كمثله شيء فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية البارئ ، تعالى الله عن ذلك ، فكذلك صفاته المقدسة ، نقر بها ونعتقد أنها حق ، ولا نمثلها أصلا ولا نتشكلها .


      قال محمد بن مخلد العطار : حدثنا الرمادي ، سألت نعيم بن حماد عن قوله تعالى وهو معكم قال : معناه أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه ، ألا ترى قوله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية .

      وقال أبو القاسم البغوي ، وإبراهيم بن عرفة نفطويه ، وابن عدي : مات سنة تسع وعشرين زاد نفطويه : وكان مقيدا محبوسا لامتناعه من القول بخلق القرآن ، فجر بأقياده ، فألقي في حفرة ، ولم يكفن ، ولم يصل عليه . فعل به ذلك صاحب ابن أبي دواد .

      تعليق


      • #63
        جاء في ترجمة هشام الدستوائي

        وروى محمد بن سعد ، عن عبيد الله العيشي قال : كان هشام الدستوائي إذا فقد السراج من بيته ، يتململ على فراشه ، فكانت امرأته تأتيه بالسراج . فقالت له في ذلك ، فقال : إني إذا فقدت السراج ، ذكرت ظلمة القبر .

        وقال شاذ بن فياض : بكى هشام الدستوائي حتى فسدت عينه ، فكانت مفتوحة ، وهو لا يكاد يبصر بها . وعن هشام قال : عجبت للعالم كيف يضحك . وكان يقول : ليتنا ننجو لا علينا ولا لنا .
        قال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول : والله ما أستطيع أن أقول : إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله - عز وجل .

        قلت : والله ولا أنا . فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا ، وصاروا أئمة يقتدى بهم ، وطلبه قوم منهم أولا لا لله ، وحصلوه ، ثم استفاقوا ، وحاسبوا أنفسهم ، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق ، كما قال مجاهد وغيره : طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ، ثم رزق الله النية بعد ، وبعضهم يقول : طلبنا هذا العلم لغير الله ، فأبى أن يكون إلا لله . فهذا أيضا حسن . ثم نشروه بنية صالحة .

        وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا ، وليثنى عليهم ، فلهم ما نووا : قال - عليه السلام - : " من غزا ينوي عقالا فله ما نوى " وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم ، ولا لهم وقع في النفوس ، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل ، وإنما العالم من يخشى الله تعالى . وقوم نالوا العلم ، وولوا به المناصب ، فظلموا ، وتركوا التقيد بالعلم ، وركبوا الكبائر والفواحش ، فتبا لهم ، فما هؤلاء بعلماء !

        وبعضهم لم يتق الله في علمه ، بل ركب الحيل ، وأفتى بالرخص ، وروى الشاذ من الأخبار . وبعضهم اجترأ على الله ، ووضع الأحاديث ، فهتكه الله ، وذهب علمه ، وصار زاده إلى النار . وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا ، وتضلعوا منه في الجملة ، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل ، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير ، أوهموا به أنهم علماء فضلاء ، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله ; لأنهم ما رأوا شيخا يقتدى به في العلم ، فصاروا همجا رعاعا ، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما ، فيصحف ما يورده ولا يقرره . فنسأل الله النجاة والعفو ، كما قال بعضهم : ما أنا عالم ولا رأيت عالما .

        قال الحافظ محمد بن البرقي قلت ليحيى بن معين : أرأيت من يرمى بالقدر يكتب حديثه ؟ قال : نعم ، قد كان قتادة ، وهشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر ، وهم ثقات ، يكتب حديثهم ما لم يدعوا إلى شيء .

        قلت : هذه مسألة كبيرة ، وهي : القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي ، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ، ولم يكن داعيا إلى بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وترددوا في الداعية ، هل يؤخذ عنه ؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه ، وهجرانه ، وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه ، وكان داعية ، ووجدنا عنده سنة تفرد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة ؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ .

        وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي ، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ، ولم يعد من رءوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين ، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم .

        تعليق


        • #64
          جاء في ترجمة هشام بن حسان

          عفان ، عن معاذ بن معاذ ، قال عمرو بن عبيد : لم أر هشاما عند الحسن قط ، ولا جاء معنا عند الحسن قط . قال : وقال أشعث : ما رأيت هشاما عند الحسن ، ولا ولا . . فقلت له : يا أبا هانئ ، إن عمرو بن عبيد يقول هذا في هشام . وهشام صاحب سنة ، فلا تعن عمرا عليه . قال : فكف عنه .

          قال حماد بن زيد : سمع عمرو بن الحجاج هشام بن حسان يحدث عن الحسن عن عمران قال : اكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا ، فقال : إنما قال : فما أفلحن ، ولا أنجحن .



          و جاء في ترجمة هشام بن عروة

          وقال عبد الرحمن بن خراش : بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق ، وكان لا يرضاه ، ثم قال : قدم الكوفة ثلاث مرات ، قدمة كان يقول فيها : حدثني أبي قال : سمعت عائشة . والثانية ، فكان يقول : أخبرني أبي عن عائشة . وقدم الثالثة فكان يقول : أبي عن عائشة ، يعني يرسل عن أبيه .

          قلت : الرجل حجة مطلقا ، ولا عبرة بما قاله الحافظ أبو الحسن بن القطان من أنه هو وسهيل بن أبي صالح ، اختلطا وتغيرا ، فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر ، وتنقص حدة ذهنه ، فليس هو في شيخوخته ، كهو في شبيبته . وما ثم أحد بمعصوم من السهو والنسيان ، وما هذا التغير بضار أصلا ، وإنما الذي يضر الاختلاط ، وهشام فلم يختلط قط ، هذا أمر مقطوع به ، وحديثه محتج به في " الموطأ " والصحاح ، " والسنن " فقول ابن القطان : " إنه اختلط " قول مردود ، مرذول . فأرني إماما من الكبار سلم من الخطأ والوهم . فهذا شعبة ، وهو في الذروة ، له أوهام ، وكذلك معمر ، والأوزاعي ، ومالك -رحمة الله عليهم .


          هشام بن عمار

          وقال محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الأصبهاني : سمعت ابن وارة ، يقول : عزمت زمانا أن أمسك عن حديث هشام بن عمار ; لأنه كان يبيع الحديث .

          قلت : العجب من هذا الإمام مع جلالته ، كيف فعل هذا ، ولم يكن محتاجا ، وله اجتهاده .

          قال يعقوب بن إسحاق الهروي ، عن صالح بن محمد الحافظ : سمعت هشام بن عمار ، يقول : دخلت على مالك ، فقلت له : حدثني ، فقال : اقرأ ، فقلت : لا . بل حدثني ، فقال : اقرأ ، فلما أكثرت عليه ، قال : يا غلام ، تعال اذهب بهذا ، فاضربه خمسة عشر ، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة ، ثم جاء بي إليه ، فقال : قد ضربته ، فقلت له : لم ظلمتني ؟ ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم ، لا أجعلك في حل ، فقال مالك : فما كفارته ؟ قلت : كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثا .
          قال : فحدثني بخمسة عشر حديثا . فقلت له : زد من الضرب ، وزد في الحديث ، فضحك مالك ، وقال : اذهب .

          قال محمد بن خريم الخريمي : سمعت هشام بن عمار ، يقول في خطبته : قولوا الحق ، ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق .

          معروف بن محمد بن معروف الواعظ ، عن أبي المستضيء معاوية بن أوس السكسكي من أهل بيت قوفا ، قال : رأيت هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل .

          وقال أبو بكر المروذي في كتاب " القصص " : ورد علينا كتاب من دمشق : سل لنا أبا عبد الله ، فإن هشاما ، قال : لفظ جبريل - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن مخلوق . فسألت أبا عبد الله ، فقال : أعرفه طياشا ، لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا . هذا قد تجهم في كلام غير هذا .

          قلت : أما قول الإمام فيه : طياش ; فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه ; فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها ، وإن كان لها معنى صحيح ، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي . وما بلغنا أنه - سبحانه وتعالى - تجلى لشيء إلا بجبل الطور ، فصيره دكا . وفي تجليه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - اختلاف أنكرته عائشة ، وأثبته ابن عباس .
          وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل ، وطيه أولى من بثه إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ ، فيعتمد قولهم ، والله أعلم .

          قلت : كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب ، ولا يجوزه ، وكذلك كان يبدع من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق . ويضلل من يقول : لفظي بالقرآن قديم ، ويكفر من يقول : القرآن مخلوق . بل يقول : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ . ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا ، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله - تعالى - غير مخلوق ، والتلاوة والتلفظ والكتابة والصوت به من أفعالنا ، وهي مخلوقة ، والله أعلم .

          أخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا الفتح بن عبد السلام ، أخبرنا محمد بن عمر القاضي ، ومحمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن ، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، أنه رأى الناس يدخلون المسجد ، فقال : من أين جاء هؤلاء ؟ قالوا : من عند الأمير ، فقال : إن رأوا منكرا أنكروه ، وإن رأوا معروفا أمروا به ؟ فقالوا : لا . قال : فما يصنعون ؟ قال : يمدحونه ، ويسبونه إذا خرجوا من عنده . فقال ابن عمر : إن كنا لنعد النفاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما دون هذا . رواته ثقات ، لكنه ليس بمتصل . ما أظن أبا حازم سمعه من ابن عمر .

          وبه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا عوف بن موسى البصري ، سمعت معاوية بن قرة ، يقول : أن لا نكون في نفاق ، أحب إلي من الدنيا وما فيها . كان عمر يخشاه ، وآمنه أنا ! .


          يتبع إن شاء الله تعالى

          تعليق


          • #65
            هشيم ابن بشير بن أبي خازم

            قلت : كان رأسا في الحفظ إلا أنه صاحب تدليس كثير ، قد عرف بذلك .
            قال أحمد بن حنبل : لم يسمع هشيم من يزيد بن أبي زياد ، ولا من الحسن بن عبيد الله ، ولا من أبي خالد ، ولا من سيار ، ولا من موسى الجهني ، ولا من علي بن زيد بن جدعان ، ثم سمى جماعة كثيرة - يعني فروايته عنهم مدلسة .

            وكيع بن الجراح

            الفضل بن محمد الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : صحبت وكيعا في الحضر والسفر ، وكان يصوم الدهر ، ويختم القرآن كل ليلة .

            قلت : هذه عبادة يخضع لها ، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة ، فقد صح نهيه - عليه السلام - عن صوم الدهر وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث والدين يسر ، ومتابعة السنة أولى ، فرضي الله عن وكيع ، وأين مثل وكيع ؟ ! ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه فكان متأولا في شربه ، ولو تركه تورعا ، لكان أولى به ، فإن من توقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور وليس هذا موضع هذه الأمور ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، فلا قدوة في خطأ العالم ، نعم ، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد ، نسأل الله المسامحة .

            محمد بن سلام البيكندي : سمعت وكيعا يقول : من طلب الحديث كما جاء ، فهو صاحب سنة ، ومن طلبه ليقوي به رأيه ، فهو صاحب بدعة .

            حدثنا يحيى بن معين : سمعت وكيعا يقول كثيرا : وأي يوم لنا من الموت ؟ ورأيته أخذ في كتاب " الزهد " يقرؤه ، فلما بلغ حديثا منه ، ترك الكتاب ، ثم قام ، فلم يحدث ، فلما كان من الغد ، وأخذ فيه ، بلغ ذلك المكان ، قام أيضا ، ولم يحدث ، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام . قلت ليحيى : وأي حديث هو ؟ قال : حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .

            قال إسحاق بن بهلول : قدم علينا وكيع ، فنزل في مسجد الفرات ، وسمعت منه ، فطلب مني نبيذا ، فجئته به ، وأقبلت أقرأ عليه الحديث ، وهو يشرب ، فلما نفد ما جئته به ، أطفأ السراج . قلت : ما هذا ؟ قال : لو زدتنا ، زدناك .

            قال جعفر الطيالسي : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت رجلا يسأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان ، شربت البارحة نبيذا ، فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول : شربت خمرا . فقال وكيع : ذلك الشيطان .

            وقال نعيم بن حماد : تعشينا عند وكيع - أو قال : تغدينا - فقال : أي شيء تريدون أجيئكم منه : نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان ؟ فقلت : تتكلم بهذا ؟ قال : هو عندي أحل من ماء الفرات ، قلت له : ماء الفرات لم يختلف في حله ، وقد اختلف في هذا .

            قلت : الرجل سامحه الله لو لم يعتقد إباحته ، لما قال هذا .

            قال علي بن خشرم : ما رأيت بيد وكيع كتابا قط ، إنما هو حفظ ، فسألته عن أدوية الحفظ ، فقال : إن علمتك الدواء استعملته ؟ قلت : إي والله . قال : ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ .

            عباس وابن أبي خيثمة ، سمعا يحيى يقول : من فضل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

            قلت : هذا كلام رديء ، فغفر الله ليحيى ، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين وأفضل وأتقن ، وبكل حال هما إمامان نظيران .

            وهب بن منبه

            قال أحمد : كان من أبناء فارس ، له شرف ; قال : وكل من كان من أهل اليمن له " ذي " هو شريف ، يقال : فلان له " ذي " ، وفلان لا " ذي " له .

            معمر ، عن سماك بن الفضل ، قال : كنا عند عروة بن محمد الأمير ، وإلى جنبه وهب ، فجاء قوم فشكوا عاملهم وذكروا منه شيئا قبيحا ، فتناول وهب عصا كانت في يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى سال الدم ، فضحك عروة واستلقى وقال : يعيب علينا وهب الغضب وهو يغضب ! قال : وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام ، يقول تعالى : فلما آسفونا انتقمنا منهم .

            وروى إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، قيل لوهب : إنك يا أبا عبد الله كنت ترى الرؤيا ، فتحدثنا بها فتكون حقا ! قال : هيهات ، ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء .

            ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : دخلت على وهب داره بصنعاء ، فأطعمني من جوزة في داره ، فقلت له : وددت أنك لم تكن كتبت في القدر كتابا . فقال : وأنا والله .

            أحمد ، عن عبد الرزاق : سمعت أبي يقول : حج عامة الفقهاء سنة مائة ، فحج وهب ، فلما صلوا العشاء أتاه نفر فيهم عطاء والحسن ، وهم يريدون أن يذاكروه القدر ، قال : فافتن في باب من الحمد ، فما زال فيه حتى طلع الفجر ، فافترقوا ولم يسألوه عن شيء .

            قال أحمد : اتهم بشيء منه ورجع . وقال العجلي : رجع .

            حماد بن سلمة ، عن أبي سنان عيسى بن سنان : سمعت وهبا يقول : كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الأنبياء ; في كلها : من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر . فتركت قولي .

            أبو أسامة ، عن أبي سنان : سمعت وهبا يقول لعطاء الخراساني : كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إليها ، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم في علمهم ، فأصبح أهل العلم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم ، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم .

            وعنه ، قال : احفظوا عني ثلاثا : إياكم وهوى متبعا ، وقرين سوء ، وإعجاب المرء بنفسه .

            وعنه : دع المراء والجدل ; فإنه لن يعجز أحد رجلين : رجل هو أعلم منك ، فكيف تعادي وتجادل من هو أعلم منك ؟ ! ورجل أنت أعلم منه ، فكيف تعادي وتجادل من أنت أعلم منه ولا يطيعك ؟ !

            أبو عاصم النبيل : حدثني أبو سلام ، عن وهب بن منبه ، قال : العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أبوه ، واللين أخوه .

            وعن وهب : المؤمن ينظر ليعلم ، ويتكلم ليفهم ، ويسكت ليسلم ، ويخلو ليغنم .

            الإيمان عريان ، ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله الفقه .

            ثلاث من كن فيه أصاب البر : السخاء ، والصبر على الأذى ، وطيب الكلام .

            أبو اليمان ، عن عباس بن يزيد ، قال : قال وهب بن منبه : استكثر من الإخوان ما استطعت ; فإن استغنيت عنهم لم يضروك ، وإن احتجت إليهم نفعوك . .

            وعن وهب : إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك ، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك .

            ابن المبارك ، عن وهيب بن الورد ، قال : جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال : قد حدثت نفسي أن لا أخالط الناس . قال : لا تفعل ; إنه لا بد لك من الناس ، ولا بد لهم منك ، ولهم إليك حوائج ولك نحوها ; ولكن كن فيهم أصم سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا .

            وعن وهب ، أن عيسى - عليه السلام - قال للحواريين : أشدكم جزعا على المصيبة ، أشدكم حبا للدنيا .

            وعنه ، قرأت في بعض الكتب : ابن آدم ، لا خير لك في أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما علمت ; فإن مثل ذلك كرجل احتطب حطبا فحزم حزمة ، فذهب يحملها فعجز عنها ، فضم إليها أخرى .

            مبارك بن سعيد الثوري عن سفيان ، عن جعفر بن برقان ، قال وهب : طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه ، طوبي لمن تواضع لله من غير مسكنة ، طوبى لمن تصدق من مال جمعه من غير معصية ، طوبى لأهل الضر وأهل المسكنة ، طوبى لمن جالس أهل العلم والحلم ، طوبى لمن اقتدى بأهل العلم والحلم والخشية ، طوبى لمن وسعته السنة فلم يعدها . .

            عن وهب : الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه ، وإذا سكت فضحه عيه ، وإذا عمل أفسد ، وإذا ترك أضاع ; لا علمه يعينه ، ولا علم غيره ينفعه ، تود أمه أنها ثكلته ، وامرأته لو عدمته ، ويتمنى جاره منه الوحدة ، ويجد جليسه منه الوحشة .

            علي بن المديني حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرني داود بن قيس ، قال : كان لي صديق يقال له أبو شمر ذو خولان ، فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما إلى أبي شمر ، فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك فقال : قدم رسول من صنعاء ، فذكر أن أصدقاء لي كتبوا لي كتابا فضيعه الرسول ، قلت : فهذا الكتاب . فقال : الحمد لله ; ففضه فقرأه ، فقلت : أقرئنيه ، فقال : إني لأستحدث سنك . قلت : فما فيه ؟ قال : ضرب الرقاب . قلت : لعله كتبه إليك ناس حرورية في زكاة مالك . قال : من أين تعرفهم ؟ قلت : إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه ، فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء لا يدخلونكم في رأيهم المخالف ; فإنهم عرة لهذه الأمة . فدفع إلي الكتاب فقرأته فإذا فيه : سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله ، ونوصيك بتقواه ; فإن دين الله رشد وهدى ، وإن دين الله طاعة الله ومخالفة من خالف سنة نبيه ، فإذا جاءك كتابنا ، فانظر أن تؤدي - إن شاء الله - ما افترض الله عليك من حقه ، تستحق بذلك ولاية الله ، وولاية أوليائه والسلام .

            قلت له : فإني أنهاك عنهم . قال : فكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ؟ قلت : فتحب أن أدخلك على وهب حتى تسمع قوله ؟ قال : نعم .

            فنزلنا إلى صنعاء ، فأدخلته على وهب - ومسعود بن عوف وال على اليمن من قبل عروة بن محمد فوجدنا عند وهب - نفرا ، فقال لي بعض النفر : من هذا الشيخ ؟ قلت : له حاجة ، فقام القوم ، فقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان ؟ فهرج وجبن ، فقال لي وهب : عبر عنه . قلت : إنه من أهل القرآن والصلاح ، والله أعلم بسريرته ، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل حروراء فقالوا له : زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك ; لأنهم لا يضعونها في مواضعها فأدها إلينا ، ورأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي .

            فقال : يا ذا خولان ، أتريد أن تكون بعد الكبر حروريا تشهد على من هو خير منك بالضلالة ؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ؟ ومن شهدت عليه ، فالله يشهد له بالإيمان ، وأنت تشهد عليه بالكفر ، والله يشهد له بالهدى ، وأنت تشهد عليه بالضلالة ، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله ، وشهادتك شهادة الله ؟ أخبرني يا ذا خولان ، ماذا يقولون لك ؟ فتكلم عند ذلك ، وقال لوهب : إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ولا أستغفر إلا له . فقال : صدقت ، هذه محنتهم الكاذبة .
            فأما قولهم في الصدقة ، فإنه قد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها " أفإنسان ممن يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع ، أو هرة ! ؟ والله يقول : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الآيات .

            وأما قولهم : لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم ، أهم خير أم الملائكة ، والله يقول : (ويستغفرون لمن في الأرض) فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به : (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وجاء ميسرا : (ويستغفرون للذين آمنوا ).

            يا ذا خولان ، إني قد أدركت صدر الإسلام ، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم ، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ، ولو مكن الله لهم من رأيهم لفسدت الأرض ، وقطعت السبل والحج ، ولعاد أمر الإسلام جاهلية ، وإذا لقام جماعة ، كل منهم يدعو إلى نفسه الخلافة ، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف ، يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر ، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله ، لا يدري مع من يكون ، قال تعالى : (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ).

            وقال : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فلو كانوا مؤمنين لنصروا .

            وقال : (وإن جندنا لهم الغالبون) ألا يسعك يا ذا خولان من أهل القبلة ما وسع نوحا من عبدة الأصنام ، إذ قال له قومه : (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) .

            إلى أن قال : فقال ذو خولان : فما تأمرني ؟ قال : انظر زكاتك فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة ، وجمعهم عليه ; فإن الملك من الله وحده وبيده ، يؤتيه من يشاء ، فإذا أديتها إلى والي الأمر برئت منها ، وإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك والضيف . فقال : اشهد أني نزلت عن رأي الحرورية .

            وعن وهب قال : احتمال الذل خير من انتصار يزيد صاحبه قمأة .

            قلت : لا شيء في " الصحيحين " لوهب بن منبه سوى حديث واحد أنبأناه ابن قدامة ، أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا ابن مالك ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن ابن منبه ، عن أخيه ، سمعت أبا هريرة يقول : ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلا عبد الله بن عمرو ; فإنه كان يكتب ، وكنت لا أكتب .

            وهيب ابن الورد

            وقال ابن المبارك : قيل لوهيب : يجد طعم العبادة من يعصي ؟ قال : ولا من يهم بالمعصية .

            يحيى بن سعيد القطان

            قال يحيى بن معين : جعل جار له يشتمه ، ويقع فيه ، ويقول : هذا الخوزي ، ونحن في المسجد ، قال : فجعل يبكي ، ويقول : صدق ، ومن أنا ؟ وما أنا ؟

            وقال النسائي : أمناء الله على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : شعبة ، ومالك ، ويحيى القطان .

            قال شاذ بن يحيى : قال يحيى القطان : من قال : إن قل هو الله أحد مخلوق ، فهو زنديق ، والله الذي لا اله إلا هو .

            قال أبو حفص الفلاس : كان هجيرى يحيى بن سعيد إذا سكت ثم تكلم يقول . يحيي ويميت وإليه المصير . وقلت له في مرضه : يعافيك الله - إن شاء الله . فقال : أحبه إلي أحبه إلى الله .

            قلت : كان يحيى بن سعيد متعنتا في نقد الرجال ، فإذا رأيته قد وثق شيخا ، فاعتمد عليه ، أما إذا لين أحدا ، فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه ، فقد لين مثل : إسرائيل ، وهمام ، وجماعة احتج بهم الشيخان ، وله كتاب في الضعفاء لم أقف عليه ، ينقل منه ابن حزم وغيره ، ويقع كلامه في سؤالات علي ، وأبي حفص الصيرفي ، وابن معين له .

            قال عبد الصمد بن سليمان : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : انتهى العلم إلى أربعة : إلى ابن المبارك ، ووكيع ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن ، فأما ابن المبارك فأجمعهم ، وأما وكيع فأسردهم ، وأما يحيى ، فأتقنهم ، وأما عبد الرحمن ، فجهبذ . ثم قال : ما رأيت أحفظ ولا أوعى للعلم من وكيع ، لا أشبه بأهل النسك .

            يحيى بن أبي كثير

            قال أحمد : هو من أثبت الناس ، إنما يعد مع الزهري ، ويحيى بن سعيد . وقال ابن حبان : كان من العباد ، إذا حضر جنازة ، لم يتعش تلك الليلة ، ولا يكلمه أحد .

            عبد الله بن يحيى بن أبي كثير : سمعت أبي يقول : لا يستطاع العلم براحة الجسد .

            أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : إذا رأيت المبتدع في طريق ، فخذ في غيره .

            ابن وهب : أخبرني من سمع الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، أن سليمان بن داود قال لابنه : إن الأحلام تصدق قليلا ، وتكذب كثيرا ، فعليك بكتاب الله ، فالزمه ، وإياه فتأول .

            عبد الرزاق ، عن معمر قال : حدث يحيى بن أبي كثير بأحاديث ، فقال : اكتب لي حديث كذا ، وحديث كذا . فقلت : يا أبا نصر ، أما تكره كتب العلم ؟ قال : اكتبه لي ، فإنك إن لم تكتب فقد ضيعت أو عجزت .

            وقال يحيى القطان : مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح .

            يحيى بن آدم

            وقال محمد بن غيلان : سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر في زمانه رأس الناس ، وهو جامع ، وكان بعده ابن عباس في زمانه ، وبعده الشعبي في زمانه ، وكان بعده سفيان الثوري ، وكان بعد الثوري يحيى بن آدم .

            قلت : قد كان يحيى بن آدم من كبار أئمة الاجتهاد ، وقد كان عمر كما قال في زمانه ، ثم كان علي وابن مسعود ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، ثم كان بعدهم في زمانه زيد بن ثابت ، وعائشة ، وأبو موسى ، وأبو هريرة ، ثم كان ابن عباس ، وابن عمر ، ثم علقمة ، ومسروق ، وأبو إدريس ، وابن المسيب ، ثم عروة ، والشعبي ، والحسن ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وطاوس ، وعدة ، ثم الزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وأيوب ، ثم الأعمش ، وابن عون ، وابن جريج ، وعبيد الله بن عمر ، ثم الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومعمر ، وأبو حنيفة ، وشعبة ، ثم مالك ، والليث ، وحماد بن زيد ، وابن عيينة ، ثم ابن المبارك ، ويحيى القطان ، ووكيع ، وعبد الرحمن ، وابن وهب ، ثم يحيى بن آدم ، وعفان ، والشافعي وطائفة ، ثم أحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وعلي بن المديني ، وابن معين ، ثم أبو محمد الدارمي ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، وآخرون من أئمة العلم والاجتهاد .

            قال دعلج السجزي : حدثنا محمد بن أحمد البراء ، سمعت علي بن عبد الله يقول : نظرت ، فإذا الإسناد يدور على ستة - يعني الأسانيد الصحاح - قال : فلأهل المدينة ابن شهاب الزهري ، ولأهل مكة عمرو بن دينار ، ولأهل البصرة قتادة ، ويحيى بن أبي كثير ، ولأهل الكوفة أبو إسحاق ، والأعمش ، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف ، فمن المدينة مالك ، وابن إسحاق ، ومن مكة ابن جريج وابن عيينة ، ومن البصرة ابن أبي عروبة ، وحماد بن سلمة ، وشعبة ، وأبو عوانة ، ومعمر ، وقد سمع معمر من الستة ، ومن الكوفة سفيان الثوري ، ومن الشام الأوزاعي ، ومن واسط هشيم .
            قلت : أغفل حماد بن زيد ، والليث ، وما هما بدونهم .

            قال : ثم انتهى علم هؤلاء إلى يحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن أبي زائدة ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن آدم .

            قلت : نسي ابن المبارك ، ووكيعا ، وابن وهب ، وهم من بحور العلم .

            قال هشام بن منصور : سمعت أحمد بن حنبل يقول : قال لي يحيى بن آدم : يجيئني الرجل ممن أبغضه ، وأكره مجيئه ، فأقرأ عليه كل شيء معه ، لأستريح منه ، ولا أراه ، ويجيء الرجل أوده ، فأردده حتى يرجع إلي .

            يحيى بن أكثم

            قال عبد الله بن أحمد : سمع من ابن المبارك صغيرا فصنع أبوه طعاما ، ودعا الناس ، وقال : اشهدوا أن ابني سمع من عبد الله .

            وروى أحمد بن أبي الحواري ، عن يحيى ، عن سفيان ، قال : لو لم يكن من بليتي إلا أني حين كبرت صار جلسائي الصبيان ، بعدما كنت أجالس من جالس الصحابة . قلت : أعظم منك مصيبة من جالسك في صغرك بعدما جالس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
            قال : فسكت .

            قال الفضل الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : القرآن كلام الله ، فمن قال : مخلوق يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه .

            الصولي : سمعت إسماعيل القاضي يعظم شأن يحيى بن أكثم ، وذكر له يوم قيامه في وجه المأمون ، لما أباح متعة النساء ، فما زال به حتى رده إلى الحق ، ونص له الحديث في تحريمها ، فقيل لإسماعيل : فما كان يقال ؟ قال : معاذ الله أن تزول عدالة مثله بكذب باغ أو حاسد . ثم قال : وكانت كتبه في الفقه أجل كتب ، تركها الناس لطولها .

            قال أبو حاتم الرازي : فيه نظر .
            وقال جعفر بن أبي عثمان ، عن ابن معين : كان يكذب .
            وقال ابن راهويه : ذاك الدجال يحدث عن ابن المبارك .
            وقال علي بن الجنيد : يسرق الحديث .
            وقال صالح جزرة : حدث عن ابن إدريس بأحاديث لم يسمعها .
            وقال أبو الفتح الأزدي : روى عن الثقات عجائب .

            قلت : ما هو ممن يكذب ، كلا وكان عبثه بالمرد أيام الشبيبة ، فلما شاخ أقبل على شأنه ، وبقيت الشناعة ، وكان أعور .

            يحيى بن خالد

            قال الأصمعي : سمعت يحيى يقول : الدنيا دول ، والمال عارية ، ولنا بمن قبلنا أسوة ، وفينا لمن بعدنا عبرة .

            قيل : إن أولاد يحيى قالوا له - وهم في القيود مسجونين - : يا أبة ! صرنا بعد العز إلى هذا ! قال : يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها ، لم يغفل الله عنها .


            يتبع إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #66
              يحيى بن سعيد الأنصاري

              قال يحيى القطان : سمعت سفيان بن سعيد يقول : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري . الترمذي : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، سألت يحيى بن سعيد فقلت : أرأيت من أدركت من الأئمة ؟ ما كان قولهم في أبي بكر وعمر وعلي ؟ فقال : سبحان الله ما رأيت أحدا يشك في تفضيل أبي بكر وعمر على علي ، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان .

              قال عبد الرحمن بن مهدي : حدثنا وهيب ، قال : قدمت المدينة فلم ألق بها أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير يحيى بن سعيد ومالك .

              الحاكم : حدثنا أبو بكر محمد بن داود الزاهد ، حدثنا يحيى بن أحمد الهروي ، أن محمد بن حفص حدثهم ، حدثنا يحيى بن أيوب المقابري ، حدثني أبو عيسى وغيره ، أن قوما كانت بينهم وبين المسيب بن زهير خصومة ، فارتفعوا إلى يحيى بن سعيد الأنصاري ، فكتب إليه يحيى أن يحضر ، فأتوه بكتاب يحيى ، فانتهرهم وأبى ، فجاءوا إلى يحيى ، فقام مغضبا يريد المسيب ، فوافقه قد ركب وبين يديه نحو المائتين من الخشابة ، فلما رأوا القاضي ، أفرجوا له ، فأتى المسيب فأخذ بحمائل سيفه ، ورمى به إلى الأرض ، ثم برك عليه يخنقه ، قال : فما خلص حمائل السيف من يده إلا أبو جعفر بنفسه .
              قلت : هكذا فليكن الحاكم ، ومتى خاف الحاكم من العزل لم يفلح ، وفي ثبوت هذه الحكاية نظر .

              قال حماد بن زيد : كان يحيى بن سعيد ، يقول في مجلسه : اللهم سلم سلم .

              وقال يحيى : كان عبيد الله بن عدي بن الخيار ، يقول في مجلسه : اللهم سلمنا وسلم المؤمنين منا .

              ابن بكير : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد قال : أهل العلم أهل وسعة ، وما برح المفتون يختلفون ، فيحلل هذا ، ويحرم هذا ، وإن المسألة لترد على أحدهم كالجبل ، فإذا فتح لها بابها ، قال : ما أهون هذه .

              عن يحيى قال : لأن أكون كتبت كل ما أسمع أحب إلي من أن يكون لي مثل ما لي .

              وروى محمد بن سلام الجمحي ، قال : كان يحيى بن سعيد خفيف الحال ، فاستقضاه المنصور ، فلم يتغير حاله ، فقيل له في ذلك ، فقال : من كانت نفسه واحدة ، لم يغيره المال .


              يحيى بن عبد الحميد

              وقال مطين : سألت أحمد بن حنبل عنه ، قلت له : تعرفه ؟ لك به علم ؟ فقال : كيف لا أعرفه ؟ قلت : أكان ثقة ؟ قال : أنتم أعرف بمشايخكم .

              وقال أحمد بن محمد بن صدقة وأبو شيخ ، عن زياد بن أيوب دلويه ، سمعت يحيى بن عبد الحميد يقول : مات معاوية على غير ملة الإسلام . قال أبو شيخ : قال دلويه : كذب عدو الله .

              أحمد بن يوسف السلمي : سمعت علي بن المديني يقول : أدركت ثلاثة ويحدثون بما لا يحفظون : يحيى بن عبد الحميد ، وعبد الأعلى السامي ، ومعتمر بن سليمان .

              وقال الجوزجاني : يحيى بن عبد الحميد ساقط متلون ، ترك حديثه ، فلا ينبعث .
              وقال ابن خزيمة : سمعت الذهلي يقول : ذهب كالأمس الذاهب .
              وقال محمد بن المسيب الأرغياني : سمعت محمد بن يحيى يقول : اضربوا على حديثه بستة أقلام .
              وقال أبو يحيى صاعقة : كنا إذا قعدنا إلى الحماني ، تبين لنا منه بلايا .

              وقال أحمد بن زهير ، عن ابن معين : ما كان بالكوفة في أيامه رجل يحفظ معه ، وهؤلاء يحسدونه .
              قلت : بل ينصفونه ، وأنت فما أنصفت .

              قال علي بن حكيم : ما رأيت أحدا أحفظ لحديث شريك من يحيى الحماني .
              قلت : لا ريب أنه كان مبرزا في الحفظ ، كما كان سليمان الشاذكوني ، ولكنه أصون من الشاذكوني ، ولم يقل أحد قط : إنه وضع حديثا ، بل ربما كان يتلقط أحاديث ، ويدعي روايتها ، فيرويها على وجه التدليس ، ويوهم أنه سمعها وهذا قد دخل فيه طائفة ، وهو أخف من افتراء المتون .

              قال أبو أحمد بن عدي : ليحيى الحماني مسند صالح ، ويقال : إنه أول من صنف المسند بالكوفة ، وأول من صنف المسند بالبصرة مسدد ، وأول من صنف المسند بمصر أسد السنة ، وهو أقدم منهما موتا .

              قلت : وقد تواتر توثيقه عن يحيى بن معين ، كما قد تواتر تجريحه عن الإمام أحمد ، مع ما صح عنه من تكفير صاحب الكبيرة.

              ولا رواية له في الكتب الستة ، تجنبوا حديثه عمدا ، لكن له ذكر في " صحيح " مسلم في ضبط اسمه ، فقال عقيب حديث سليمان بن بلال ، عن ربيعة ، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ، عن أبي حميد أو أبي أسيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دخل أحدكم المسجد ، فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك . . . " وذكر الحديث ثم قال : سمعت يحيى بن يحيى يقول : كتبت هذا الحديث من كتاب سليمان بن بلال ، قال : وبلغني أن يحيى الحماني يقول : وأبو أسيد .


              يحيى بن معين

              وقال ابن عدي : حدثني شيخ كاتب ذكر أنه قرابة يحيى بن معين قال : كان معين على خراج الري ، فمات ، فخلف ليحيى ابنه ألف ألف درهم ، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه .

              أخبرنا أبو الغنائم القيسي إجازة ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر الحرشي وأبو سعيد الصيرفي ، قالا : أخبرنا أبو العباس الأصم سمعت العباس بن محمد ، سمعت يحيى بن معين ، وسأله عباس العنبري ، يا أبا زكريا ، من أي العرب أنت ؟ قال : أنا مولى للعرب . قيل : أصل ابن معين من الأنبار ، ونشأ ببغداد ، وهو أسن الجماعة الكبار الذين هم : علي ابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ، فكانوا يتأدبون معه ، ويعترفون له ، وكان له هيبة وجلالة ، يركب البغلة ، ويتجمل في لباسه ، رحمه الله تعالى .

              ابن عبد الرحمن المري : قال أحمد بن يحيى الجارود : قال ابن المديني : انتهى العلم بالبصرة إلى يحيى بن أبي كثير وقتادة ، وعلم الكوفة إلى أبي إسحاق والأعمش ، وعلم الحجاز إلى ابن شهاب وعمرو بن دينار ، وصار علم هؤلاء الستة إلى اثني عشر رجلا : ابن أبي عروبة ، ومعمر ، وشعبة ، وحماد بن سلمة ، والسفيانين ، ومالك ، والأوزاعي ، وابن إسحاق ، وهشيم ، وأبي عوانة ، ويحيى بن سعيد ، ويحيى بن أبي زائدة إلى أن ذكر ابن المبارك ، وابن مهدي ، ويحيي بن آدم . فصار علم هؤلاء جميعهم إلى يحيى بن معين .

              قلت : نعم ، وإلى أحمد بن حنبل ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وعلي ، وعدة .
              ثم من بعد هؤلاء إلى أبي عبد الله البخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، وطائفة .
              ثم إلى أبي عبد الرحمن النسائي ، ومحمد بن نصر المروزي ، وابن خزيمة ، وابن جرير .
              ثم شرع العلم ينقص قليلا قليلا فلا قوة إلا بالله .

              وبه إلى الخطيب : أخبرنا الصيرفي ، حدثنا الأصم ، سمعت الدوري يقول : رأيت أحمد بن حنبل في مجلس روح سنة خمس ومائتين ، فيسأل يحيى بن معين عن أشياء ، يقول : يا أبا زكريا ، ما تقول في حديث كذا ؟ وكيف حديث كذا ؟ فيستثبته في أحاديث قد سمعوها . فما قال يحيى : كتبه أحمد . وقلما سمعه يسمي يحيى باسمه ، بل يكنيه .

              وبه : أخبرنا أبو سعد الماليني كتابة ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الإدريسي ، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن موسى البخاري ، سمعت الحسين بن إسماعيل الفارسي ، سمعت أبا مقاتل سليمان بن عبد الله ، سمعت أحمد بن حنبل يقول : هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن ، يظهر كذب الكذابين ، يعني : ابن معين .

              وبإسنادي إلى الخطيب : أخبرنا الماليني ، أخبرنا ابن عدي ، حدثنا موسى بن القاسم بن الأشيب عن بعض شيوخه ، قال : كان أحمد ويحيى وعلي عند عفان أو عند سليمان بن حرب ، فأتى بصك ، فشهدوا فيه ، وكتب يحيى فيه . فقال عفان : أما أنت يا أحمد ، فضعيف في إبراهيم بن سعد ، وأما أنت يا علي ، فضعيف في حماد بن زيد ، وأما أنت يا يحيى ، فضعيف في ابن المبارك . فقال يحيى : وأنت يا عفان فضعيف في شعبة . ثم قال الخطيب : لم يكن واحد منهم ضعيفا وإنما هذا مزاح .
              قلت : كل منهم صغير في شيخه ذلك ، ومقل عنه .

              عبد الخالق بن منصور : سمعت ابن الرومي يقول : ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى ، وغيره كان يتحامل بالقول .
              قلت : هذا القول من عبد الله بن الرومي غير مقبول ، وإنما قاله باجتهاده ، ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل ، لكن هم أكثر الناس صوابا ، وأندرهم خطأ ، وأشدهم إنصافا ، وأبعدهم عن التحامل . وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح ، فتمسك به ، واعضض عليه بناجذيك ، ولا تتجاوزه ، فتندم . ومن شذ منهم ، فلا عبرة به . فخل عنك العناء ، وأعط القوس باريها ، فوالله لولا الحفاظ الأكابر ، لخطبت الزنادقة على المنابر ، ولئن خطب خاطب من أهل البدع ، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة ، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول ، فنعوذ بالله من الخذلان .

              ومن نادر ما شذ به ابن معين ، رحمه الله ، كلامه في أحمد بن صالح حافظ مصر ، فإنه تكلم فيه باجتهاده ، وشاهد منه ما يلينه باعتبار عدالته لا باعتبار إتقانه ، فإنه متقن ثبت ، ولكن عليه مأخذ في تيه وبأو كان يتعاطاه ، والله لا يحب كل مختال فخور ، ولعله اطلع منه على حال في أيام شبيبة ابن صالح ، فتاب منه أو من بعضه ، ثم شاخ ، ولزم الخير ، فلقيه البخاري والكبار ، واحتجوا به . وأما كلام النسائي فيه ، فكلام موتور ; لأنه آذى النسائي ، وطرده من مجلسه ، فقال فيه : ليس بثقة .

              قال الحسن بن عليل : حدثنا يحيى بن معين قال : أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا ، ما أعلمت بها أحدا ; وأعلمته سرا ، ولقد طلب إلي خلف بن سالم أن أخبره بها فما عرفته ، وكان يحب أن يجد عليه .

              قال يحيى : ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته ، وأحببت أن أزين أمره ، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه ، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه ، فإن قبل ذلك ، وإلا تركته .

              وقال ابن الغلابي : قال يحيى : إني لأحدث بالحديث فأسهر له مخافة أن أكون قد أخطأت فيه .

              وبإسنادي إلى الخطيب : حدثنا علي بن طلحة ، أخبرنا صالح بن أحمد الهمذاني ، حدثنا عبد الرحمن بن حمدان بن المرزبان قال : قال لي أبو حاتم الرازي : إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل ، فاعلم أنه صاحب سنة ، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب .

              وقال محمد بن هارون الفلاس : إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب ، يضع الحديث ، وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين .

              قال الأبار في " تاريخه " : قال ابن معين : كتبنا عن الكذابين ، وسجرنا به التنور ، وأخرجنا به خبزا نضيجا .

              قال أبو داود : سمعت يحيى يقول : أكلت عجينة خبز ، وأنا ناقه من علة .


              .......................يتبع إن شاء الله تعالى

              تعليق


              • #67
                يحيى بن يحيى

                الحاكم : سمعت محمد بن يعقوب الحافظ : سمعت مشايخنا يقولون : لو عاش يحيى بن يحيى سنتين ، لذهب حديثه ، فإنه إذا شك في حديث ، أرسله ، هذا في بدء أمره ، ثم صار إذا شك في حديث تركه ، ثم صار يضرب عليه من كتابه .

                ابن أبي حاتم : أخبرنا عبد الله بن أحمد في كتابه : سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى فأثنى عليه خيرا ، وقال : ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله ، كنا نسميه يحيى الشكاك من كثرة ما كان يشك في الحديث .

                قال عثمان بن سعيد الدارمي : ذهبت يوما أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم ، وفي مجلسه يومئذ حسين بن عيسى البسطامي ، وأحمد بن الحريش القاضي ، ومحمد بن رافع ، وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب ، وغيرهم من المشايخ ، فزبرني يحيى بغضب ، وقال : اسكت ، وأنكر على أولئك استعظاما أن أحكي كلامهم ، وإنكارا .

                وقال نصر بن زكريا بإسبيجاب سمعت محمد بن يحيى الذهلي : سمعت يحيى بن معين يقول : الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله . فقلت ليحيى : الرجل ينفق ماله ، ويتعب نفسه ، ويجاهد ، فهذا أفضل منه ! ؟ قال : نعم ، بكثير .

                يحيى بن يحيى بن كثير

                وبلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس - رحمه الله ، فمر على باب مالك الفيل ، فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل ، سوى يحيى بن يحيى ، فلم يقم ، فأعجب به مالك ، وسأله : من أنت ؟ وأين بلدك ؟ ثم لم يزل بعد مكرما له .

                وعن يحيى بن يحيى ، قال : أخذت بركاب الليث ، فأراد غلامه أن يمنعني فقال الليث : دعه . ثم قال لي : خدمك العلم . قال : فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك .

                وقيل : إن عبد الرحمن بن الحكم المرواني صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهارا ، فلم يملك نفسه أن واقعها ، ثم ندم ، وطلب الفقهاء ، وسألهم عن توبته ، فقال يحيى بن يحيى : صم شهرين متتابعين ، فسكت العلماء ، فلما خرجوا قالوا ليحيى : مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنه مخير بين العتق والصوم والإطعام ؟ قال : لو فتحنا له هذا الباب ، لسهل عليه أن يطأ كل يوم ، ويعتق رقبة ، فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود .

                قال أبو عمر : وكان يحيى بن يحيى إمام أهل بلده ، والمقتدى به منهم ، والمنظور إليه ، والمعول عليه ، وكان ثقة عاقلا ، حسن الهدي والسمت ، يشبه في سمته بسمت مالك . قال : ولم يكن له بصر بالحديث .

                قلت : نعم ، ما كان من فرسان هذا الشأن ، بل كان متوسطا فيه - رحمه الله .

                يحيى بن يعمر

                وقيل : إنه كان أول من نقط المصاحف ، وذلك قبل أن يوجد تشكيل الكتابة بمدة طويلة ، وكان ذا لسن وفصاحة ، أخذ ذلك عن أبي الأسود .

                يزيد بن معاوية

                ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك في ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ; وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده .

                فقال الناس : هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة ! فدخل على باب توما ، وسار إلى باب الصغير ، فنزل إلى قبر معاوية ، فوقف عليه وصفنا خلفه وكبر أربعا ، ثم أتي ببغلة ، فأتى الخضراء وأتى الناس لصلاة الظهر ، فخرج وقد تغسل ولبس ثيابا نقية ، فصلى وجلس على المنبر ، وخطب وقال : إن أبي كان يغزيكم البحر ، ولست حاملكم في البحر ، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم فلست أشتي المسلمين في أرض العدو ، وكان يخرج العطاء أثلاثا وإنى أجمعه لكم . فافترقوا يثنون عليه .

                وعن عمرو بن قيس ، سمع يزيد يقول على المنبر : إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يغير ، فيؤاخذ الكل ، وقيل : قام إليه ابن همام فقال : أجرك الله يا أمير المؤمنين على الرزية ، وبارك لك في العطية ، وأعانك على الرعية ، فقد رزئت عظيما ، وأعطيت جزيلا ، فاصبر واشكر ، فقد أصبحت ترعى الأمة ، والله يرعاك .

                قلت : كان قويا شجاعا ، ذا رأي وحزم ، وفطنة ، وفصاحة ، وله شعر جيد وكان ناصبيا فظا ، غليظا ، جلفا . يتناول المسكر ، ويفعل المنكر .

                افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس .

                وعن صخر بن جويرية ، عن نافع قال : مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى ابن الحنفية ، فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر ، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، قال : ما رأيت منه ما تذكر وقد أقمت عنده ، فرأيته مواظبا للصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه . قال : ذاك تصنع ورياء .

                يزيد بن هارون

                أنبأنا المسلم بن محمد وجماعة قالوا : أخبرنا زيد بن الحسن ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرني الحسن بن شاذان الحافظ ، حدثني ابن عرعرة ، حدثني يحيى بن أكثم قال : قال لنا المأمون : لولا مكان يزيد بن هارون ، لأظهرت : القرآن مخلوق ، فقيل : ومن يزيد حتى يتقى ؟ فقال : ويحك إني لأرتضيه لا أن له سلطنة ، ولكن أخاف إن أظهرته ، فيرد علي ، فيختلف الناس ، وتكون فتنة .

                العباس بن عبد العظيم ، وأحمد بن سنان ، عن شاذ بن يحيى ، سمع يزيد بن هارون يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فهو زنديق .

                وقد كان يزيد رأسا في السنة معاديا للجهمية ، منكرا تأويلهم في مسألة الاستواء .

                وقال أحمد بن حنبل : سماع يزيد من ابن أبي عروبة ضعيف ، أخطأ في أحاديث .
                قلت : إنما الضعف فيها من قبل سعيد بن أبي عروبة ; لأنه سمع منه بعد التغير .

                وأحمد بن أبي خيثمة عن أبيه قال : كان يعاب على يزيد حيث ذهب بصره ، ربما سئل عن حديث لا يعرفه ، فيأمر جارية له تحفظه إياه من كتابه .
                قلت : ما بهذا الفعل بأس مع أمانة من يلقنه ، ويزيد حجة بلا مثنوية .

                وفي حكاية المأمون المذكورة زيادة ، قال : فخرج رجل - يعني من ناحية المأمون إلى واسط - قال : فجاء إلى يزيد ، فقال : أمير المؤمنين يقرئك السلام ، ويقول لك : أريد أن أظهر : القرآن مخلوق ، قال : كذبت على أمير المؤمنين ، فإنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه . وفي كتاب " ذم الكلام " أخبرنا محمد بن المنتصر الباهلي ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحسيني ، حدثنا محمد بن إبراهيم الصرام ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي حدثنا عبد الوهاب بن الحكم قال : كان المأمون يسأل عن يزيد بن هارون يقول : ما مات ، وما امتحن الناس حتى مات يزيد .

                وروى المروذي عن جعفر بن ميمون حكاية تدل على أن يزيد بن هارون كان صاحب مزاح ، وكان يتأدب بحضور الإمام ، ولا يمازحه .

                الطبراني : حدثنا المعمري ، سمعت خلف بن سالم يقول : كنا في مجلس يزيد بن هارون ، فمزح مع مستمليه ، فتنحنح أحمد بن حنبل ، فقال يزيد : من المتنحنح ؟ فقيل له : أحمد بن حنبل ، فضرب يزيد على جبينه ، وقال : ألا أعلمتموني أن أحمد هاهنا حتى لا أمزح .

                تعليق


                • #68
                  يعقوب بن شيبة

                  قال أحمد بن كامل القاضي : كان يعقوب بن شيبة من كبار أصحاب أحمد بن المعذل ، والحارث بن مسكين ، فقيها سريا ، وكان يقف في القرآن .

                  قلت : أخذ الوقف عن شيخه أحمد المذكور ، وقد وقف علي بن الجعد ، ومصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وجماعة ، وخالفهم نحو من ألف إمام ، بل سائر أئمة السلف والخلف على نفي الخليقة عن القرآن ، وتكفير الجهمية . نسأل الله السلامة في الدين .

                  قال أبو بكر المروذي : أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد ، فحذر أبو عبد الله منه ، وقد كان المتوكل أمر عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء . قال عبد الرحمن : فسألته عن يعقوب بن شيبة ، فقال : مبتدع صاحب هوى .
                  قال الخطيب : وصفه أحمد بذلك لأجل الوقف .

                  يوسف بن أسباط

                  قال المسيب : سألته عن الزهد ، فقال : أن تزهد في الحلال ، فأما الحرام ، فإن ارتكبته ، عذبك .

                  وسئل يوسف : ما غاية التواضع ؟ قال : أن لا تلقى أحدا إلا رأيت له الفضل عليك .

                  وعنه قال : للصادق ثلاث خصال : الحلاوة ، والملاحة ، والمهابة .

                  وعنه : خلقت القلوب مساكن للذكر ، فصارت مساكن للشهوات ، لا يمحو الشهوات إلا خوف مزعج ، أو شوق مقلق . الزهد في الرئاسة أشد منه في الدنيا .

                  قال ابن خبيق : قلت لابن أسباط : لم لا تأذن لابن المبارك يسلم عليك ؟ قال : خشيت أن لا أقوم بحقه ، وأنا أحبه .

                  وعن يوسف : إذا رأيت الرجل قد أشر وبطر ، فلا تعظه ، فليس للعظة فيه موضع ، لي أربعون سنة ما حك في صدري شيء إلا تركته .

                  وعن يوسف قال : يجزئ قليل الورع والتواضع من كثير الاجتهاد في العمل .

                  يونس بن عبيد

                  وقال أمية بن خالد : جاءت امرأة يونس بن عبيد بجبة خز ، فقالت له : اشترها . قال : بكم ؟ قالت : بخمسمائة . قال : هي خير من ذلك . قالت : بستمائة قال : هي خير من ذلك . فلم يزل حتى بلغت ألفا . وكان يشتري الإبريسم من البصرة فيبعث به إلى وكيله بالسوس ، وكان وكيله يبعث إليه بالخز . فإن كتب وكيله إليه : إن المتاع عندهم زائد ، لم يشتر منهم أبدا حتى يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد .

                  قال بشر بن المفضل : جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد تعرضه عليه ، فقال لها : بكم ؟ قالت : بستين درهما . فألقاه إلى جاره ، فقال : كيف تراه ؟ قال : بعشرين ومائة . قال أرى ذاك ثمنه ، أو نحوا من ثمنه . فقال لها : اذهبي فاستأمري أهلك في بيعه بخمس وعشرين ومائة . قالت : قد أمروني أن أبيعه بستين . قال : ارجعي فاستأمريهم .

                  وقال سعيد بن عامر الضبعي : حدثنا أسماء بن عبيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : ليس شيء أعز من شيئين : درهم طيب ، ورجل يعمل على سنة .

                  وقال : بئس المال مال المضاربة وهو خير من الدين ، ما خط على سوداء في بيضاء قط ، ولا أستطيع أن أقول لمائة درهم أصبتها إنه طاب لي منها عشرة ، وايم الله ، لو قلت : خمسة لبررت قالها غير مرة . وسمعته يقول : ما سارق يسرق الناس بأسوأ عندي منزلة من رجل أتى مسلما فاشترى منه متاعا إلى أجل مسمى ، فحل الأجل ، فانطلق في الأرض ، يضرب يمينا وشمالا ، يطلب فيه من فضل الله ، والله لا يصيب منه درهما إلا كان حراما .

                  الأصمعي : حدثنا سكن صاحب الغنم قال : جاءني يونس بن عبيد بشاة فقال : بعها وابرأ من أنها تقلب العلف وتنزع الوتد فبين قبل أن يقع البيع .
                  قال أبو عبد الرحمن المقرئ : نشر يونس بن عبيد ثوبا على رجل ، فسبح رجل من جلسائه ، فقال : ارفع ، أحسبه قال : ما وجدت موضع التسبيح إلا هاهنا ؟ .

                  وعن جعفر بن برقان قال : بلغني عن يونس فضل وصلاح ، فأحببت أن أكتب إليه أسأله . فكتب إليه : أتاني كتابك تسألني أن أكتب إليك بما أنا عليه . فأخبرك أني عرضت على نفسي أن تحب للناس ما تحب لها ، وتكره لهم ما تكره لها ، فإذا هي من ذاك بعيدة ، ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلا من خير ، فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك . هذا أمري يا أخي والسلام .

                  قال سعيد بن عامر : قيل إن يونس بن عبيد قال : إني لأعد مائة خصلة من خصال البر ، ما في منها خصلة واحدة ، ثم قال سعيد ، عن جسر أبي جعفر قال : دخلت على يونس بن عبيد أيام الأضحى ، فقال : خذ لنا كذا وكذا من شاة . ثم قال : والله ما أراه يتقبل مني شيء . قد خشيت أن أكون من أهل النار .

                  قلت : كل من لم يخش أن يكون في النار ، فهو مغرور قد أمن مكر الله به .

                  قال سعيد بن عامر ، عن سلام بن أبي مطيع أو غيره قال : ما كان يونس بأكثرهم صلاة ، ولا صوما . ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له .

                  قال سعيد بن عامر : قال يونس : هان علي أن آخذ ناقصا ، وغلبني أن أعطي راجحا . وقيل : إن يونس نظر إلى قدميه عند الموت وبكى ، فقيل ما يبكيك أبا عبد الله ؟ قال : قدماي لم تغبر في سبيل الله .

                  قال : وحدثنا مبارك بن فضالة ، عن يونس بن عبيد قال : لا تجد من البر شيئا واحدا يتبعه البر كله غير اللسان . فإنك تجد الرجل يكثر الصيام ، ويفطر على الحرام ، ويقوم الليل ، ويشهد بالزور بالنهار . وذكر أشياء نحو هذا . ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق ، فيخالف ذلك عمله أبدا .

                  قال حماد بن زيد : سمعت يونس يقول : توشك عينك أن ترى ما لم تر ، وأذنك أن تسمع ما لم تسمع ، ثم لا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو أشد منها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط .

                  وقال حماد بن زيد : شكى رجل إلى يونس وجعا في بطنه ، فقال له : يا عبد الله ، هذه دار لا توافقك ، فالتمس دارا توافقك .

                  وقال غسان بن المفضل الغلابي ، حدثني بعض أصحابنا قال : جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك . فقال : أيسرك ببصرك مائة ألف ؟ قال : لا . قال : فبسمعك ؟ قال : لا . قال : فبلسانك ؟ قال : لا . قال : فبعقلك ؟ قال : لا . في خلال . وذكره نعم الله عليه ، ثم قال يونس : أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة ؟ ! .

                  حماد بن زيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : عمدنا إلى ما يصلح الناس فكتبناه ، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه .

                  وعن يونس قال : يرجى للرهق بالبر الجنة ، ويخاف على المتأله بالعقوق النار .

                  قال حزم بن أبي حزم : مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود ، على باب ابن لاحق . فوقف . فقال : أصبح من إذا عرف السنة عرفها ، غريبا ، وأغرب منه الذي يعرفها .

                  قال سعيد بن عامر : حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس : مررت بقوم يختصمون في القدر . فقال : لو همتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر .
                  قال النضر بن شميل : غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة ، وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا . فلما كان بعد ذلك ، قال لصاحبه : هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا ؟ قال : لا . ولو علمت لم أبع . قال : هلم إلي مالي ، وخذ مالك . فرد عليه الثلاثين الألف .

                  قال حماد بن سلمة : سمعت يونس يقول : ما هم رجلا كسبه إلا همه أين يضعه .

                  قال حماد بن زيد : سمعت يونس يقول : توشك عينك أن ترى ما لم تر ، وأذنك أن تسمع ما لم تسمع ، ثم لا تخرج من طبقة إلا دخلت فيما هو أشد منها حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط .

                  وقال حماد بن زيد : شكى رجل إلى يونس وجعا في بطنه ، فقال له : يا عبد الله ، هذه دار لا توافقك ، فالتمس دارا توافقك .

                  وقال غسان بن المفضل الغلابي ، حدثني بعض أصحابنا قال : جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك . فقال : أيسرك ببصرك مائة ألف ؟ قال : لا . قال : فبسمعك ؟ قال : لا . قال : فبلسانك ؟ قال : لا . قال : فبعقلك ؟ قال : لا . في خلال . وذكره نعم الله عليه ، ثم قال يونس : أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة ؟ ! .

                  حماد بن زيد ، سمعت يونس بن عبيد يقول : عمدنا إلى ما يصلح الناس فكتبناه ، وعمدنا إلى ما يصلحنا فتركناه .

                  وعن يونس قال : يرجى للرهق بالبر الجنة ، ويخاف على المتأله بالعقوق النار .

                  قال حزم بن أبي حزم : مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود ، على باب ابن لاحق . فوقف . فقال : أصبح من إذا عرف السنة عرفها ، غريبا ، وأغرب منه الذي يعرفها .

                  قال سعيد بن عامر : حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس : مررت بقوم يختصمون في القدر . فقال : لو همتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر .

                  قال النضر بن شميل : غلا الخز في موضع كان إذا غلا هناك غلا بالبصرة ، وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا . فلما كان بعد ذلك ، قال لصاحبه : هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا ؟ قال : لا . ولو علمت لم أبع . قال : هلم إلي مالي ، وخذ مالك . فرد عليه الثلاثين الألف .

                  قال حماد بن سلمة : سمعت يونس يقول : ما هم رجلا كسبه إلا همه أين يضعه .

                  عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي ، حدثنا حماد بن زيد قال : قال يونس بن عبيد : ثلاثة احفظوهن عني : لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن ، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن ، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء .

                  ضمرة عن ابن شوذب ، سمعت يونس وابن عون اجتمعا ، فتذاكرا الحلال والحرام فكلاهما قال : ما أعلم في مالي درهما حلالا .

                  قلت : والظن بهما أنهما لا يعرفان في مالهما أيضا درهما حراما .

                  وقال ابن شوذب : سمعت يونس يقول : خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما : صلاته ولسانه .

                  وروى سلام بن أبي مطيع عن يونس قال : رحم الله الحسن ، إني لأحسب الحسن تكلم حسبة ، رحم الله محمدا إني لأحسبه سكت حسبة .

                  سعيد بن عامر ، حدثنا حرب بن ميمون الصدوق المسلم ، عن خويل ، يعني -ختن شعبة - قال : كنت عند يونس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ; تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد ، وقد دخل عليه ابنك ؟ قال : ابني ! قال : نعم . فتغيظ الشيخ . فلم أبرح حتى جاء ابنه . فقال : يا بني ، قد عرفت رأيي في عمرو ثم تدخل عليه ؟ قال : كان معي فلان . وجعل يعتذر . قال : أنهاك عن الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر . ولأن تلقى الله بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو .

                  وقال سعيد بن عامر : قال يونس : إني لأعدها من نعمة الله أني لم أنشأ بالكوفة .

                  وقال فضيل بن عبد الوهاب : حدثنا خالد بن عبد الله قال : أراد يونس بن عبيد أن يلجم حمارا : فلم يحسن . فقال لصاحب له : ترى الله كتب الجهاد على رجل لا يلجم حمارا ؟

                  أنبأني أحمد بن سلامة ، عن أبي المكارم اللبان ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن عبد الله التستري البزاز ، حدثنا محمد بن صدران ، حدثنا عامر بن أبي عامر الخراز ، سمعت يونس بن عبيد وهو يرثي بهذه الأبيات .

                  من الموت لا ذو
                  الصبر ينجيه صبره
                  ولا لجزوع كاره الموت مجزع

                  أرى كل ذي نفس وإن طال عمرها وعاشت ،
                  لها سم من الموت منقع
                  فكل امرئ لاق من الموت سكرة له
                  ساعة فيها يذل ويضرع

                  وإنك من يعجبك
                  لا تك مثله إذا أنت لم تصنع كما كان يصنع

                  قلت : كان عبد الله بن علي بعد أن بويع بالخلافة بالشام وغيرها قد عمل مصافا مع أبي مسلم الخراساني ، فانهزم جيش عبد الله ، وفر هو إلى عند أخيه أمير البصرة سليمان فأجاره من المنصور .


                  فأما يونس بن عبيد فشيخ لا يعرف من موالي ثقيف . له عن البراء بن عازب : كانت راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوداء من نمرة لم يرو عنه سوى أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الثقفي . أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه . فيظنه من لا يدري أنه الإمام البصري صاحب الترجمة .


                  وروى حميد بن هلال عن يونس ، عن البراء ، له في أول غريب أبي عبيد . فيقال له : إن صاحب الترجمة لا يدرك البراء . فيقول ما المانع من أن يكون روى عن البراء مرسلا ؟ فيقال له : إن صاحب الترجمة من موالي عبد القيس ، والراوي حديث الراية من موالي ثقيف .

                  يونس بن يزيد


                  وقال محمد بن عبد الرحيم : سمعت عليا يقول : أثبت الناس في الزهري : سفيان بن عيينة ، وزياد بن سعد ، ثم مالك ومعمر ، ويونس من كتابه .

                  وقال أحمد بن صالح المصري : نحن لا نقدم على يونس في الزهري أحدا . كان الزهري ينزل إذا قدم أيلة عليه ، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس . وقال ابن عمار الموصلي : يونس عارف برأي الزهري . وقال العجلي والنسائي : ثقة . وقال يعقوب بن شيبة : صالح الحديث ، عالم بالزهري . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال ابن خراش : صدوق . وقال ابن سعد : حلو الحديث ، كثيره وليس بحجة ، ربما جاء بالشيء المنكر .

                  قلت : قد احتج به أرباب الصحاح أصلا وتبعا . قال ابن سعد : ربما جاء بالشيء المنكر . قلت : ليس ذاك عند أكثر الحفاظ منكرا بل غريب .


                  إنتهى النقل و الحمد لله رب العالمين


                  تعليق


                  • #69
                    درر منهجية منتقاة من سير أعلام النبلاء

                    قال محمد بن مخلد العطار : سمعت إبراهيم الحربي يقول : لا أعلم عصابة خيرا من أصحاب الحديث ، إنما يغدو أحدهم ، ومعه محبرة ، فيقول : كيف فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف صلى ، إياكم أن تجلسوا إلى أهل البدع ، فإن الرجل إذا أقبل ببدعة ليس يفلح .
                    **************************

                    وقال عثمان بن حمدويه البزاز : سمعت إبراهيم الحربي يقول : خرج أبو يوسف القاضي يوما -وأصحاب الحديث على الباب- فقال : ما على الأرض خير منكم ، قد جئتم أو بكرتم تسمعون حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم .
                    **************************

                    وكان يبغض) إبراهيم النخعي( المرجئة ويقول : لأنا على هذه الأمة - من المرجئة - أخوف عليهم من عدتهم من الأزارقة .
                    **************************

                    وقال سفيان بن عبد الملك : سألت ابن المبارك ، لم تركت حديث إبراهيم بن أبي يحيى ؟ قال : كان مجاهرا بالقدر ، وكان صاحب تدليس .
                    *************************

                    وقال أحمد بن حنبل عن المعيطي ، عن يحيى بن سعيد قال : كنا نتهمه بالكذب -يعني ابن أبي يحيى - ثم قال أحمد : قدري جهمي ، كل بلاء فيه ، تركوا حديثه ، وأبوه ثقة .
                    *************************

                    وقال العقيلي : حدثنا محمد بن أحمد بن النضر ، حدثنا أبو بكر بن عفان ، قال : خرج علينا ابن عيينة ، فقال : ألا فاحذروا ابن أبي رواد المرجئ ، لا تجالسوه ، واحذروا إبراهيم بن أبي يحيى لا تجالسوه .
                    *************************

                    ومن فتاويه أنه سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب : الفلسفة أس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف ، عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين ، ومن تلبس بها ، قارنه الخذلان والحرمان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى أن قال : واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة ، والرقاعات المستحدثة ، وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلا ، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن ، فالواجب على السلطان أعزه الله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم .
                    *************************

                    قال الحاكم : سمعت محمد بن صالح بن هانئ ، سمعت ابن خزيمة يقول : من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته - فهو كافر حلال الدم ، وكان ماله فيئا .
                    قلت : من أقر بذلك تصديقا لكتاب الله ، ولأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وآمن به مفوضا معناه إلى الله ورسوله ، ولم يخض في التأويل ولا عمق ، فهو المسلم المتبع ، ومن أنكر ذلك ، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر ، والله يعفو عنه ، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك ، ومن أنكر ذلك بعد العلم ، وقفا غير سبيل السلف الصالح ، وتمعقل على النص ، فأمره إلى الله ، نعوذ بالله من الضلال والهوى .
                    *************************

                    قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه : سمعت ابن خزيمة يقول : القرآن كلام الله تعالى ، ومن قال إنه مخلوق . فهو كافر ، يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، ولا يدفن في مقابر المسلمين .
                    *************************

                    ولابن خزيمة عظمة في النفوس ، وجلالة في القلوب لعلمه ودينه ، واتباعه السنة .
                    وكتابه في " التوحيد " مجلد كبير ، وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات . وأما السلف فما خاضوا في التأويل ; بل آمنوا وكفوا ، وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله ، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده -مع صحة إيمانه ، وتوخيه لاتباع الحق- أهدرناه ، وبدعناه ، لقل من يسلم من الأئمة معنا . رحم الله الجميع بمنه وكرمه .
                    *************************

                    فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال : لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم ، وجرى ذكر كلام الله : أقديم هو لم يزل ، أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به ؟ فوقع بيننا في ذلك خوض ، قال جماعة منا : كلام البارئ قديم لم يزل . وقال جماعة : كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه . فبكرت إلى أبي علي الثقفي ، وأخبرته بما جرى ، فقال : من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث . وانتشرت هذه المسألة في البلد ، وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة ، وأخبروه بذلك حتى قال منصور : ألم أقل للشيخ : إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية ؟ وهذا مذهبهم . قال : فجمع ابن خزيمة أصحابه ، وقال : ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام ؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم .
                    *************************

                    قال الحاكم : سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول : لما وقع من أمرنا ما وقع ، وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم ، واغتنم أبو القاسم ، وأبو بكر بن علي ، والبردعي السعي في فساد الحال ، انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة ، وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم ، وبين له غرض المخالفين في فساد الحال ، إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده ، فدخلت أنا ، وأبو علي ، وأبو بكر بن أبي عثمان ، فقال له أبو علي الثقفي : ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه ؟ قال : ميلكم إلى مذهب الكلابية ، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره .
                    وقال أبو الوليد الفقيه : سمعت ابن سريج يقول : قل ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح ، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام.
                    *************************

                    وقال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي : سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازي ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد ، سمعت يحيى بن معين يقول : إنا لنطعن على أقوام ، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة ، من أكثر من مائتي سنة .
                    قلت : لعلها من مائة سنة ، فإن ذلك لا يبلغ في أيام يحيى هذا القدر .
                    قال ابن مهرويه : فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وهو يقرأ على الناس كتاب : " الجرح والتعديل " ، فحدثته بهذا ، فبكى ، وارتعدت يداه ، حتى سقط الكتاب ، وجعل يبكي ، ويستعيدني الحكاية .
                    قلت : أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة ، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله ، والذب عن السنة .
                    *************************

                    قال أبو مسهر : قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق ، فاجتمع الناس ليسمعوا منه ، فقال : اخرج إلى الناس ، فقل لهم : من كان يرى القدر فلا يحضر مجلسنا ، ومن كان يرى رأي فلان فلا يحضر مجلسنا ، فخرجت فأخبرتهم .
                    *************************

                    ابن عيينة : سمعت عاصما الأحول يحدث عن أبي العالية ، قال : تعلموا القرآن ; فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وإياكم وهذه الأهواء; فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم ، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل -يعني عثمان - بخمس عشرة سنة . قال : فحدثت به الحسن ، فقال : قد نصحك والله ، وصدقك .
                    *************************

                    همام بن يحيى : حدثنا قتادة ، عن أبي العالية ، قال : قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين . فقد أنعم الله علي بنعمتين لا أدري أيهما أفضل : أن هداني للإسلام ، ولم يجعلني حروريا .
                    *************************

                    وقال ابن الجوزي يوما : أهل الكلام يقولون : ما في السماء رب ، ولا في المصحف قرآن ، ولا في القبر نبي ، ثلاث عورات لكم .
                    *************************

                    وقيل : إن المأمون قال لحاجبه : من بالباب ؟ قال : أبو الهذيل ، وعبد الله بن أبان الخارجي ، وهشام بن الكلبي ، فقال : ما بقي من رءوس جهنم إلا من حضر .
                    *************************

                    وقال حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ، ثم قال : ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر ، عليه ما على المفتري .
                    *************************

                    وقال علي ، رضي الله عنه : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، وعمر . هذا والله العظيم قاله علي ، وهو متواتر عنه ؛ لأنه قاله على منبر الكوفة ، فلعن الله الرافضة ما أجهلهم .
                    *************************

                    قال أبو داود : حدثنا حمزة بن سعيد المروزي ، وكان ثقة ، قال : سألت أبا بكر بن عياش . فقلت : قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن . قال : ويلك ، من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو الله لا نجالسه ولا نكلمه .
                    *************************

                    قال أحمد بن يونس : قلت لأبي بكر بن عياش : لي جار رافضي قد مرض . قال : عده مثل ما تعود اليهودي والنصراني ، لا تنوي فيه الأجر .
                    *************************

                    قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب " الرد على الجهمية " ، له : حدثنا أبي ، وأبو زرعة ، قال : كان يحكى لنا أن هنا رجلا من قصته هذا ، فحدثني أبو زرعة ، قال : كان بالبصرة رجل ، وأنا مقيم سنة ثلاثين ومائتين ، فحدثني عثمان بن عمرو بن الضحاك عنه ، أنه قال : إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله ما في صدري من القرآن . وكان من قراء القرآن . فنسي القرآن ، حتى كان يقال له : قل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . فيقول : معروف ، معروف . ولا يتكلم به . قال أبو زرعة : فجهدوا به أن أراه ، فلم أره .
                    *************************

                    قال ابن أبي الحواري : سمعت أبا سليمان يقول : صل خلف كل مبتدع إلا القدري ، لا تصل
                    خلفه ، وإن كان سلطانا .
                    *************************

                    أخبرنا إسحاق بن طارق ، أنبأنا ابن خليل ، حدثنا اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : قال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم ; فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون .
                    *************************

                    وعن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : إذا حدثت الرجل بالسنة ، فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال.
                    *************************

                    قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد ، وهات " العقل " فاعلم أنه أبو جهل ; وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا من النقل ومن العقل ، وهات الذوق والوجد ، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حل فيه ، فإن جبنت منه فاهرب ، وإلا فاصرعه وابرك على صدره ، واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه .
                    *************************

                    وحدثنا أبو يعلى : حدثنا ابن زنجويه : سمعت عبد الرزاق يقول : الرافضي عندي كافر .
                    *************************

                    قال الصولي : كان هو وسهل بن سلامة حين كان المأمون بخراسان بايعا الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم قدم المأمون فبايعه سهل ، ولزم ابن نصر بيته ، ثم تحرك في آخر أيام الواثق ، واجتمع إليه خلق يأمرون بالمعروف . قال : إلى أن ملكوا بغداد ، وتعدى رجلان موسران من أصحابه ، فبذلا مالا ، وعزما على الوثوب في سنة إحدى وثلاثين ، فنم الخبر إلى نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم ، فأخذ أحمد وصاحبيه وجماعة ، ووجد في منزل أحدهما أعلاما ، وضرب خادما لأحمد ، فأقر بأن هؤلاء كانوا يأتون أحمد ليلا ، ويخبرونه بما عملوا . فحملوا إلى سامراء مقيدين ، فجلس الواثق لهم ، وقال لأحمد : دع ما أخذت له ، ما تقول في القرآن ؟ قال : كلام الله . قال : أفمخلوق هو ؟ قال : كلام الله . قال : فترى ربك في القيامة ؟ قال : كذا جاءت الرواية . قال : ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم ، ويحويه مكان ويحصره ناظر ؟ أنا كفرت بمن هذه صفته ، ما تقولون فيه ؟ فقال قاضي الجانب الغربي : هو حلال الدم ، ووافقه فقهاء ، فأظهر أحمد بن أبي دواد أنه كاره لقتله . وقال : شيخ مختل ، تغير عقله ، يؤخر . قال الواثق : ما أراه إلا مؤديا لكفره قائما بما يعتقده ، ودعا بالصمصامة ، وقام . وقال : أحتسب خطاي إلى هذا الكافر . فضرب عنقه بعد أن مدوا له رأسه بحبل وهو مقيد ، ونصب رأسه بالجانب الشرقي ، وتتبع أصحابه فسجنوا .
                    *************************

                    قال حرب الكرماني : قلت لإسحاق : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم كيف تقول فيه ؟ قال : حيثما كنت ، فهو أقرب إليك من حبل الوريد ، وهو بائن من خلقه ، وأبين شيء في ذلك قوله : الرحمن على العرش استوى .
                    *************************

                    قال نعيم بن حماد : إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه ، فاتهمه في دينه .
                    *************************

                    حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن إدريس عن الأعمش قال : جلست إلى إياس بن معاوية بواسط فذكر حديثا . فقلت : من ذكر هذا ؟ فضرب لي مثل رجل من الخوارج . فقلت : أتضرب لي هذا المثل ، تريد أن أكنس الطريق بثوبي ، فلا أمر ببعرة ولا خنفس إلا حملتها ؟ ! .
                    *************************

                    حدثنا الربيع ، قال الشافعي : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء .
                    *************************

                    الزبير الإسترآباذي : حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر ، حدثنا ابن عبد الحكم ، سمعت الشافعي يقول : لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء ، لفروا منه كما يفرون من الأسد .
                    *************************

                    وقال زكريا الساجي ، عن أحمد بن محمد البغدادي : قال المزي شيخنا -أظنه أبا بكر الأثرم : سمعت أبا نعيم يقول : دخل الثوري يوم الجمعة من الباب القبلي ، فإذا الحسن بن صالح يصلي ، فقال : نعوذ بالله من خشوع النفاق . وأخذ نعليه ، فتحول إلى سارية أخرى .
                    *************************

                    وقال العلاء بن عمرو الحنفي ، عن زافر بن سليمان : أردت الحج ، فقال لي الحسن بن صالح : إن لقيت أبا عبد الله سفيان الثوري بمكة ، فأقره مني السلام ، وقل : أنا على الأمر الأول . فلقيت سفيان في الطواف ، فقلت : إن أخاك الحسن بن صالح يقرأ عليك السلام ، ويقول : أنا على الأمر الأول .
                    قال : فما بال الجمعة ؟
                    قلت : كان يترك الجمعة ، ولا يراها خلف أئمة الجور ، بزعمه .
                    *************************

                    عن خلاد بن يزيد ، قال : جاءني سفيان ، فقال : الحسن بن صالح مع ما سمع من العلم وفقه ، يترك الجمعة . ثم قام فذهب .
                    *************************

                    أبو سعيد الأشج : سمعت ابن إدريس : ما أنا وابن حي ؟ لا يرى جمعة ولا جهادا .
                    *************************

                    محمد بن غيلان ، عن أبي نعيم قال : ذكر الحسن بن صالح عند الثوري ، فقال : ذاك رجل يرى السيف على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- .
                    *************************

                    وقال الخريبي : شهدت حسن بن صالح وأخاه وشريك معهم ، فاجتمعوا إليه إلى الصباح في السيف . بشر بن الحارث ، وذكر له أبو بكر عبد الرحمن بن عفان الصوفي ، فقال : سمعت حفص بن غياث يقول : هؤلاء يرون السيف ، أحسبه عنى ابن حي وأصحابه . ثم قال بشر : هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل ، ولا يرون الصلاة أيضا . ثم قال : كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه . قال : وكانوا يرون السيف .
                    *************************

                    قال أبو صالح الفراء : حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن ، فقال : ذاك يشبه أستاذه -يعني الحسن بن حي - فقلت ليوسف : أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال : لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم ، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ، ومن أطراهم ، كان أضر عليهم .
                    *************************

                    عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبا معمر يقول : كنا عند وكيع ، فكان إذا حدث عن حسن بن صالح أمسكنا أيدينا ، فلم نكتب . فقال : ما لكم لا تكتبون حديث حسن ؟ فقال له أخي بيده هكذا -يعني أنه كان يرى السيف- فسكت وكيع .
                    *************************

                    قال أبو أسامة : أتيت حسن بن صالح ، فجعل أصحابه يقولون : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله . . . ، فقلت : ما لي ، كفرت ؟ قال : لا ، ولكن ينقمون عليك صحبة مالك بن مغول ، وزائدة . قلت : وأنت تقول هذا ؟ لا جلست إليك أبدا .
                    *************************

                    محمد بن إسماعيل الأصبهاني ، عن علي بن الجعد ، قال : كنت مع زائدة في طريق مكة ، فقال لنا يوما : أيكم يحفظ عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه توضأ بكوز الحب مرتين ؟ قال : فلو قلت : حدثنا شريك أو سفيان ، كنت قد استرحت ، ولكن قلت : حدثنا الحسن بن صالح ، عن مغيرة . قال : والحسن بن صالح أيضا ؟ لا حدثتك بحديث أبدا .
                    *************************

                    أبو أسامة : سمعت زائدة يقول : ابن حي قد استصلب منذ زمان ، وما نجد أحدا يصلبه . وقال خلف بن تميم : كان زائدة يستتيب من أتى حسن بن صالح .
                    *************************

                    وقال أحمد بن يونس اليربوعي : لو لم يولد الحسن بن صالح كان خيرا له ; يترك الجمعة ، ويرى السيف ، جالسته عشرين سنة ، ما رأيته رفع رأسه إلى السماء ، ولا ذكر الدنيا .
                    *************************

                    قال محمد بن المثنى : ما سمعت يحيى بن سعيد ، ولا عبد الرحمن حدثا عن الحسن بن صالح بشيء قط ، ولا عن علي بن صالح . وقال الفلاس : سألت عبد الرحمن عن حديث من حديث الحسن بن صالح ، فأبى أن يحدثني به ، وقد كان يحدث عنه ثلاثة أحاديث ، ثم تركه .
                    *************************

                    وقال نصر بن علي الجهضمي : كنت عند الخريبي ، وعند أبي أحمد الزبيري ، فجعل أبو أحمد يفخم الحسن بن صالح ، فقال الخريبي : متعت بك ، نحن أعلم بحسن منك ، إن حسنا كان معجبا ، والمعجب الأحمق .
                    *************************

                    قال وكيع : حسن بن صالح عندي إمام . فقيل له : إنه لا يترحم على عثمان . فقال : أفتترحم أنت على الحجاج ؟
                    قلت : لا بارك الله في هذا المثال . ومراده : أن ترك الترحم سكوت ، والساكت لا ينسب إليه قول ، ولكن من سكت عن ترحم مثل الشهيد أمير المؤمنين عثمان ، فإن فيه شيئا من تشيع ، فمن نطق فيه بغض وتنقص هو شيعي جلد يؤدب ، وإن ترقى إلى الشيخين بذم ، فهو رافضي خبيث ، وكذا من تعرض للإمام علي بذم ، فهو ناصبي يعزر ، فإن كفره ، فهو
                    خارجي مارق ، بل سبيلنا أن نستغفر للكل ونحبهم ، ونكف عما شجر بينهم .
                    *************************

                    قال الفربري : حدثنا محمد بن المهلب البخاري ، حدثنا الحميدي قال : والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردون حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن أغزو عدتهم من الأتراك .
                    *************************

                    وصح عن الدارقطني أنه قال : ما شيء أبغض إلي من علم الكلام .
                    *************************

                    وقال الدارقطني : اختلف قوم من أهل بغداد ، فقال قوم : عثمان أفضل ، وقال قوم : علي أفضل ، فتحاكموا إلي ، فأمسكت ، وقلت : الإمساك خير ، ثم لم أر لديني السكوت ، وقلت للذي استفتاني : ارجع إليهم ، وقل لهم : أبو الحسن يقول : عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا قول أهل السنة ، وهو أول عقد يحل في الرفض .
                    قلت : ليس تفضيل علي برفض ولا هو ببدعة ، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين ، فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد ، وهما متقاربان في العلم والجلالة ، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة ، وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهما ، ولكن جمهور الأمة على ترجيح عثمان على الإمام علي وإليه نذهب . والخطب في ذلك يسير ، والأفضل منهما بلا شك أبو بكر وعمر ، من خالف في ذا فهو شيعي جلد ، ومن أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت ، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة ، أبعدهم الله.
                    *************************

                    قال يعقوب القراب : سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول : قد نويت أن لا أحدث عن أحد أجاب إلى خلق القرآن . قال : فتوفي قبل ذلك .
                    قلت : من أجاب تقية ، فلا بأس عليه ، وترك حديثه لا ينبغي .
                    قلت : كان عثمان الدارمي جذعا في أعين المبتدعة ، وهو الذي قام على محمد بن كرام وطرده عن هراة ، فيما قيل .
                    *************************

                    وعن خرزاذ العابد قال : حدث أبو معاوية الرشيد بحديث : احتج آدم وموسى فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد ، وقال : النطع والسيف ، زنديق يطعن في الحديث ، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين ، حتى سكن .
                    *************************

                    يحيى بن أبي طالب : حدثنا عمار بن ليث الواسطي ، سمعت الفضيل بن عياض يقول : ما من نفس تموت أشد علي موتا من أمير المؤمنين هارون ، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره . قال : فكبر ذلك علينا ، فلما مات هارون ، وظهرت الفتن ، وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن ، قلنا : الشيخ كان أعلم بما تكلم .
                    *************************

                    قال أبو عبد الله الحاكم : سمعت أبي يقول : لما ورد الزعفراني ، وأظهر خلق القرآن ، سمعت السراج يقول : العنوا الزعفراني . فيضج الناس بلعنته . فنزح إلى بخارى .
                    *************************

                    قال الحاكم : أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن : أرسلني ابن خزيمة إلى السراج ، فقال : قل له : أمسك عن ذكر أبي خليفة وأصحابه ، فإن أهل البلد قد شوشوا . فأديت الرسالة ، فزبرني .
                    *************************

                    قال الحاكم : وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر يقول : لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور ، كان أبو العباس السراج ، يمتحن أولاد الناس ، فلا يحدث أولاد الكلابية ، فأقامني في المجلس مرة ، فقال : قل : أنا أبرأ إلى الله -تعالى- من الكلابية . فقلت : إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز ، فضحك وقال : دعوا هذا .
                    *************************

                    أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه : أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك ، أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال : من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ، ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ، فيقول : من يسألني فأعطيه ، فهو زنديق كافر ، يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين .
                    قلت : لا يكفر إلا إن علم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاله ، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند ، نسأل الله الهدى.
                    وإن اعترف أن هذا حق ، ولكن لا أخوض في معانيه ، فقد أحسن ، وإن آمن وأول ذلك كله ، أو تأول بعضه ، فهو طريقة معروفة .
                    *************************

                    قال أبو علي بن البناء : حكى علي بن الحسين العكبري أنه سمع أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي قال : دخل ابن فورك على السلطان محمود ، فقال : لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية; لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية ، فمن جاز أن يكون له فوق ، جاز أن يكون له تحت . فقال السلطان : ما أنا وصفته حتى يلزمني ، بل هو وصف نفسه . فبهت ابن فورك ، فلما خرج من عنده مات . فيقال : انشقت مرارته .
                    علي بن الجعد ، عن زهير بن معاوية قال : قال أبي لجعفر بن محمد إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر وعمر . فقال جعفر : برئ الله من جارك . والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر . ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم .
                    *************************

                    محمد بن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة قال : سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولهما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى . ثم قال جعفر : يا سالم ، أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبرأ من عدوهما .
                    *************************

                    كتب إلي عبد المنعم بن يحيى الزهري ، وطائفة قالوا : أنبأنا داود بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عمر القاضي ، أنبأنا عبد الصمد بن علي ، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني ، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ، حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان ، حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني ، أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة ، فقال : " إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم ، فأبلغوهم عني : من زعم أني إمام معصوم
                    مفترض الطاعة ، فأنا منه بريء ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر ، فأنا منه بريء " .
                    *************************

                    وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمود بن خداش ، حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، سمعت جعفر بن محمد يقول : برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر .
                    قلت : قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب " التهافت " ، وكشف عوارهم ، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق ، أو موافق للملة ، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل ، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب " رسائل إخوان الصفا " وهو داء عضال ، وجرب مرد ، وسم قتال ، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء ، وخيار المخلصين ، لتلف .
                    فالحذار الحذار من هذه الكتب ، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل ، وإلا وقعتم في الحيرة ، فمن رام النجاة والفوز ، فليلزم العبودية ، وليدمن الاستغاثة بالله ، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة ، وسادة التابعين ، والله الموفق ، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله .
                    *************************

                    عبد الله بن أحمد بن شبويه : سمعت سعيد بن أبي مريم ، سمعت ليث بن سعد يقول : بلغت الثمانين ، وما نازعت صاحب هوى قط .
                    قلت : كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ، ومالك ، والأوزاعي ، والسنن ظاهرة عزيزة . فأما في زمن أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، فظهرت البدعة ، وامتحن أئمة الأثر ، ورفع أهل الأهواء رءوسهم بدخول الدولة معهم ، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة ، ثم كثر ذلك ، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول ، فطال الجدال ، واشتد النزاع ، وتولدت الشبه . نسأل الله العافية
                    *************************

                    قال سعيد بن عمرو البرذعي : شهدت أبا زرعة الرازي ، وسئل عن المحاسبي وكتبه ، فقال : إياك وهذه الكتب ، هذه كتب بدع وضلالات . عليك بالأثر تجد غنية ، هل بلغكم أن مالكا والثوري والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس ؟ ما أسرع الناس إلى البدع ! .
                    *************************

                    قال ابن الأعرابي : تفقه الحارث ، وكتب الحديث ، وعرف مذاهب النساك ، وكان من العلم بموضع ، إلا أنه تكلم في مسألة اللفط ومسألة الإيمان . وقيل هجره أحمد ، فاختفى مدة .
                    *************************

                    وقال أبو بكر الأثرم : سئل أحمد عن الصلاة خلف بشر المريسي ، فقال : لا تصل خلفه .
                    قال الذهبي : ومات في آخر سنة ثماني عشرة ومائتين وقد قارب الثمانين . فهو بشر الشر ، وبشر الحافي بشر الخير ، كما أن أحمد بن حنبل هو أحمد السنة ، وأحمد بن أبي دواد أحمد البدعة .
                    *************************

                    ومن كفر ببدعة وإن جلت ، ليس هو مثل الكافر الأصلي ، ولا اليهودي والمجوسي ، أبى الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، وصام وصلى وحج وزكى وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع ، كمن عاند الرسول ، وعبد الوثن ، ونبذ الشرائع وكفر ، ولكن نبرأ إلى الله من البدع وأهلها.
                    *************************

                    قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، أخبرنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا محمد بن أعين قال : قلت لابن المبارك : إن فلانا يقول : من زعم أن قوله تعالى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني مخلوق ، فهو كافر . فقال ابن المبارك : صدق ، قال النسائي : بهذا أقول .
                    *************************

                    حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا الفريابي ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا ابن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد ، سمعت أيوب ، وقيل له : مالك لا تنظر في هذا ؟ يعني الرأي . فقال : قيل للحمار ألا تجتر ؟ فقال : أكره مضغ الباطل .
                    *************************

                    قال سعيد بن عامر الضبعي ، عن سلام بن أبي مطيع ، قال : رأى أيوب رجلا من أصحاب الأهواء فقال : إني لأعرف الذلة في وجهه ، ثم تلا : (سينالهم غضب من ربهم وذلة) ثم قال : هذه لكل مفتر . وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج ، ويقول : إن الخوارج اختلفوا في الاسم ، واجتمعوا على السيف .
                    *************************

                    وقال له رجل من أصحاب الأهواء : يا أبا بكر ، أسألك عن كلمة ؟ فولى وهو يقول : ولا نصف كلمة . مرتين .
                    *************************

                    قال : قال رجل لبشر وأنا حاضر : إن هذا الرجل - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق ؟ قال : فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال : لا ، كل شيء مخلوق إلا القرآن .
                    *************************

                    قال محمد بن سعد العوفي : روى بشر بن الوليد الكندي عن أبي يوسف كتبه ، وولي قضاء بغداد في الجانبين ، فسعى به رجل إلى الدولة ، وقال : إنه لا يقول بخلق القرآن ، فأمر به المعتصم أن يحبس في داره ، ووكل ببابه . فلما استخلف المتوكل أمر بإطلاقه ، وعاش وطال عمره ، ثم إنه قال : كما أني قلت : القرآن كلام الله ، ولم أقل : إنه مخلوق ، فكذلك لا أقول : إنه غير مخلوق ، بل أقف ، ولزم الوقف في المسألة ، فنفر منه أصحاب الحديث للوقف ، وتركوا الأخذ عنه ، وحمل عنه آخرون .
                    *************************

                    قال-يعني ابن حزم- : وكان بقي أول من كثر الحديث بالأندلس ونشره ، وهاجم به شيوخ الأندلس ، فثاروا عليه ، لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك ، وكان بقي يفتي بالأثر ، فشذ عنهم شذوذا عظيما ، فعقدوا عليه الشهادات ، وبدعوه ، ونسبوا إليه الزندقة ، وأشياء نزهه الله منها . وكان بقي يقول : لقد غرست لهم بالأندلس غرسا لا يقلع إلا بخروج الدجال .
                    *************************

                    قال معمر : قلت لحماد : كنت رأسا ، وكنت إماما في أصحابك ، فخالفتهم فصرت تابعا ، قال : إني أن أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل .
                    قلت : يشير معمر إلى أنه تحول مرجئا إرجاء الفقهاء ، وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان ، ويقولون : الإيمان إقرار باللسان ، ويقين في القلب ، والنزاع على هذا لفظي -إن شاء الله- ، وإنما غلو الإرجاء من قال : لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض ، نسأل الله العافية .
                    *************************

                    قال سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، قال : جاءني أبان بن أبي عياش ، فقال : أحب أن تكلم شعبة ، أن يكف عني . فكلمته ، فكف عنه أياما ، وأتاني في الليل ، فقال : إنه لا يحل الكف عن أبان ، فإنه يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم .
                    *************************

                    قال شيخ الإسلام في : " الفاروق " له : قال أحمد بن حنبل : إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة ، فاتهمه على الإسلام ، فإنه كان شديدا على المبتدعة .
                    *************************

                    وروى عبد العزيز بن المغيرة ، عن حماد بن سلمة : أنه حدثهم بحديث نزول الرب -عز وجل- فقال : من رأيتموه ينكر هذا ، فاتهموه .
                    *************************

                    روى عطية بن بقية ، عن أبيه ، عن بحير بن سعد ، سمعت خالد بن معدان يقول : من التمس المحامد في مخالفة الحق ، رد الله تلك المحامد عليه ذما ، ومن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق رد الله تلك الملاوم عليه حمدا .
                    *************************

                    وكان بينه وبين صالح بن أحمد بن حنبل حسن ، فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه ، فأتى صالح أباه ، فقال : رجل سألني أن يأتيك ، فقال : ما اسمه ؟ قال : داود . قال : من أين هو ؟ قال : من أصبهان . فكان صالح يروغ عن تعريفه ، فما زال الإمام أحمد يفحص ، حتى فطن به ، فقال : هذا قد كتب إلى محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث ، فلا يقربني . فقال : يا أبه ! إنه ينتفي من هذا وينكره . فقال : محمد بن يحيى أصدق منه ، لا تأذن له .
                    *************************

                    قال أحمد بن كامل القاضي : أخبرني أبو عبد الله الوراق : أنه كان يورق على داود بن علي ، وأنه سمعه يسأل عن القرآن ، فقال : أما الذي في اللوح المحفوظ : فغير مخلوق ، وأما الذي هو بين الناس : فمخلوق .
                    *************************

                    قلت : هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله ، فيما علمت ، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله ، ووحيه وتنزيله ، حتى أظهر المأمون القول : بأنه مخلوق ، وظهرت مقالة المعتزلة ، فثبت الإمام أحمد بن حنبل ، وأئمة السنة على القول : بأنه غير مخلوق ، إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي وهي : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن ألفاظنا به مخلوقة ، فأنكر الإمام أحمد ذلك ، وعده بدعة ، وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن ، فهو جهمي . وقال أيضا : من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع . فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين .
                    *************************

                    وأما داود فقال : القرآن محدث . فقام على داود خلق من أئمة الحديث ، وأنكروا قوله وبدعوه ، وجاء من بعده طائفة من أهل النظر ، فقالوا : كلام الله معنى قائم بالنفس ، وهذه الكتب المنزلة دالة عليه ، ودققوا وعمقوا ، فنسأل الله الهدى واتباع الحق ، فالقرآن العظيم ، حروفه ومعانيه وألفاظه كلام رب العالمين ، غير مخلوق ، وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : زينوا القرآن بأصواتكم ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا ، والمكتوب لا ينفك عن كتابة ، والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تال ، صعب فهم المسألة ، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعنى به التلفظ ، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا ، والخوض في هذا خطر . نسأل الله السلامة في الدين . وفي المسألة بحوث طويلة ، الكف عنها أولى ، ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة .
                    *************************

                    قال عباد الرواجني : أنبأنا عمرو بن القاسم قال : دخلت على جعفر الصادق ، وعنده ناس من الرافضة . فقلت : إنهم يبرءون من عمك زيد ، فقال : برأ الله ممن تبرأ منه . كان والله أقرأنا لكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله ، وأوصلنا للرحم ، ما تركنا وفينا مثله .
                    وروى هاشم بن البريد ، عن زيد بن علي ، قال : كان أبو بكر -رضي الله عنه- إمام الشاكرين ، ثم تلا وسيجزي الله الشاكرين ثم قال : البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي.
                    *************************

                    وعن يحيى بن عون : قال : دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض ، فقال : ما هذا القلق ؟ قال له : الموت والقدوم على الله . قال له سحنون : ألست مصدقا بالرسل والبعث والحساب ، والجنة والنار ، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر ، ثم عمر ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن الله يرى يوم القيامة ، وأنه على العرش استوى ، ولا تخرج على الأئمة بالسيف ، وإن جاروا . قال : إي والله ، فقال : مت إذا شئت ، مت إذا شئت .
                    *************************

                    وقال - سهل التستري- : إنما سمي الزنديق زنديقا ، لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله وقياس هوى طبعه ، وترك الأثر والاقتداء بالسنة ، وتأول القرآن بالهوى ، فسبحان من لا تكيفه الأوهام ، في كلام نحو هذا .
                    *************************

                    قال عباد بن العوام : قال شريك : أثر فيه بعض الضعف أحب إلي من رأيهم .
                    *************************

                    قال محمد بن إسحاق الصاغاني : حدثنا سلم بن قادم ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا عباد بن العوام ، قال : قدم علينا شريك من نحو خمسين سنة ، فقلنا له : إن عندنا قوما من المعتزلة ، ينكرون هذه الأحاديث : إن أهل الجنة يرون ربهم و إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا ، ثم قال : أما نحن ، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين ، عن الصحابة ، فهم عمن أخذوا ؟
                    *************************

                    محمد بن سعيد الخريمي ، عن هشام بن عمار : سمعت شهاب بن خراش يقول : إن القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله ، فأخرجوه من فضله .
                    *************************

                    وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول : حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك ، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه ، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ - يعني أنه كان قد غرب - قال : فلما دخل عليه أكرمه وبجله ، وكان هناك أئمة من الفريقين ، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير ، فقال العلوي الدبوسي : يأذن الشيخ الإمام أن أسأل ؟ قال : سل . قال : لم تلعن أبا الحسن الأشعري ؟ فسكت الشيخ ، وأطرق الوزير ، فلما كان بعد ساعة ; قال الوزير : أجبه . فقال : لا أعرف أبا الحسن ، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء ، وأن القرآن في المصحف ، ويقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم ليس بنبي . ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدا أن يتكلم من هيبته ، فقال الوزير للسائل : هذا أردتم ! أن نسمع ما كان يذكره بهراة بأذاننا ، وما عسى أن أفعل به ؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع ، فلم يقبلها ، وسافر من فوره إلى هراة .
                    *************************

                    وقال الحسن بن عمرو : قال لي طلحة بن مصرف : لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الرافضة .
                    *************************

                    قال إبراهيم بن زياد سبلان قلت لعبد الرحمن بن مهدي : ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال : لو كان لي سلطان ، لقمت على الجسر ، فلا يمر بي أحد إلا سألته ، فإذا قال : مخلوق ، ضربت عنقه ، وألقيته في الماء .
                    *************************

                    وقال رسته : سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان : بلغني أنك تتكلم في الرب ، وتصفه وتشبهه . قال : نعم ، نظرنا ، فلم نر من خلق الله شيئا أحسن من الإنسان ، فأخذ يتكلم في الصفة ، والقامة . فقال له : رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق ، فإن عجزنا عنه ، فنحن عن الخالق أعجز ، أخبرني عما حدثني شعبة ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله : لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال : رأى جبريل له ستمائة جناح فبقي الغلام ينظر . فقال : أنا أهون عليك صف لي خلقا له ثلاثة أجنحة ، وركب الجناح الثالث منه موضعا حتى أعلم . قال : يا أبا سعيد ، عجزنا عن صفة المخلوق ، فأشهدك أني قد عجزت ، ورجعت .
                    *************************

                    محمد بن عيسى الطرسوسي : سمعت عبد الرحمن رسته يقول : كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية ، فطلبها منه رجل ، فكان منه شبه العدة ، فلما عاد إليه ، قيل لعبد الرحمن : هذا صاحب الخصومات . فقال له عبد الرحمن : بلغني أنك تخاصم في الدين . فقال : يا أبا سعيد ، إنا نضع عليهم لنحاجهم بها فقال : أتدفع الباطل بالباطل ، إنما تدفع كلاما بكلام ، قم عني ، والله لا بعتك جاريتي أبدا .
                    *************************

                    قال ابن المديني : قال عبد الرحمن : اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها .
                    *************************

                    ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال : إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى ، وأن يكون استوى على العرش ، أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا ضربت أعناقهم .

                    قال أبو بكر بن أبي الأسود : سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان ، وذكر الجهمية ، فقال : ما كنت لأناكحهم ، ولا أصلي خلفهم .
                    *************************

                    وعن عبد الرحمن أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى أو ذي رأي .
                    *************************

                    أحمد بن زهير : أنبئونا عن بركات الخشوعي ، أنبأنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حدثنا القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، سمعت سلمة بن شبيب ، سمعت عبد الرزاق ، يقول : ما انشرح صدري قط أن أفضل عليا على أبي بكر وعمر ، فرحمهما الله ، ورحم عثمان وعليا ، من لم يحبهم فما هو بمؤمن ، أوثق عملي حبي إياهم .
                    *************************

                    قال مؤمل بن إسماعيل : مات عبد العزيز فجيء بجنازته ، فوضعت عند باب الصفا ، وجاء سفيان الثوري ، فقال الناس : جاء سفيان ، جاء سفيان . فجاء حتى خرق الصفوف ، وجاوز الجنازة ، ولم يصل عليها ; لأنه كان يرى الإرجاء . فقيل لسفيان ، فقال : والله إني لأرى الصلاة على من هو دونه عندي ، ولكن أردت أن أري الناس أنه مات على بدعة .
                    *************************

                    عاصم : جاء عكرمة بن عمار إلى ابن أبي رواد ، فدق عليه بابه ، وقال : أين الضال ؟
                    *************************

                    وقال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : إنما لم يذكر مالك عكرمة -يعني في " الموطأ " - قال : لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية .
                    *************************

                    قال أبو جعفر العقيلي : قلت لعبد الله بن أحمد : لم لم تكتب عن علي بن الجعد ؟ قال : نهاني أبي أن أذهب إليه ، وكان يبلغه عنه أنه يتناول الصحابة .
                    قال زياد بن أيوب : سأل رجل أحمد بن حنبل عن علي بن الجعد ، فقال الهيثم : ومثله يسأل عنه ؟ ! فقال أحمد : أمسك أبا عبد الله ، فذكره رجل بشر ، فقال أحمد : ويقع في أصحاب رسول الله ؟ فقال زياد بن أيوب : كنت عند علي بن الجعد ، فسألوه عن القرآن ، فقال : القرآن كلام الله ، ومن قال : مخلوق ، لم أعنفه ، فقال أحمد : بلغني عنه أشد من هذا .
                    *************************

                    وقال أبو زرعة : كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد ، ولا سعيد بن سليمان ، ورأيته في كتابه مضروبا عليهما .
                    وقال فيه مسلم : هو ثقة لكنه جهمي .
                    قلت : ولهذا منع أحمد بن حنبل ولديه من السماع منه .
                    *************************

                    يحيى بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى أبي فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟ ! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ; رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون ، والأنصار ، فمن لم يسمه صديقا ، فلا صدق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمر ففي عنقي. ________________________________________
                    قال الحافظ أبو بكر الأعين : مشايخ خراسان ثلاثة : قتيبة ، وعلي بن حجر ، ومحمد بن مهران الرازي . ورجالها أربعة : عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ، ومحمد بن إسماعيل البخاري قبل أن يظهر منه ما ظهر ، ومحمد بن يحيى ، وأبو زرعة .
                    قلت : هذه دقة من الأعين ، والذي ظهر من محمد أمر خفيف من المسائل التي اختلف فيها الأئمة في القول في القرآن ، وتسمى مسألة أفعال التالين ; فجمهور الأئمة والسلف والخلف على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق . وبهذا ندين الله تعالى ، وبدعوا من خالف ذلك ، وذهبت الجهمية والمعتزلة ، والمأمون ، وأحمد بن أبي دواد القاضي ، وخلق من المتكلمين والرافضة إلى أن القرآن كلام الله المنزل مخلوق ، وقالوا : الله خالق كل شيء ، والقرآن شيء ، وقالوا : تعالى الله أن يوصف بأنه متكلم . وجرت محنة القرآن ، وعظم البلاء ، وضرب أحمد بن حنبل بالسياط ليقول ذلك ، نسأل الله السلامة في الدين ، ثم نشأت طائفة ، فقالوا : كلام الله تعالى منزل غير مخلوق ، ولكن ألفاظنا به مخلوقة ، يعنون : تلفظهم وأصواتهم به ، وكتابتهم له ، ونحو ذلك ، وهو حسين الكرابيسي ، ومن تبعه ، فأنكر ذلك الإمام أحمد ، وأئمة الحديث ، وبالغ الإمام أحمد في الحط عليهم ، وثبت عنه أن قال : اللفظية جهمية . وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي . ومن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فهو مبتدع ، وسد باب الخوض في هذا .
                    وقال أيضا : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن ، فهو جهمي .
                    وقالت طائفة : القرآن محدث كداود الظاهري ، ومن تبعه ، فبدعهم الإمام أحمد ، وأنكر ذلك ، وثبت على الجزم بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأنه من علم الله ، وكفر من قال بخلقه ، وبدع من قال بحدوثه ، وبدع من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، ولم يأت عنه ولا عن السلف القول : بأن القرآن قديم . ما تفوه أحد منهم بهذا . فقولنا : قديم : من العبارات المحدثة المبتدعة . كما أن قولنا : هو محدث بدعة .
                    *************************

                    وأما البخاري فكان من كبار الأئمة الأذكياء ، فقال : ما قلت : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، وإنما حركاتهم ، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة ، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق .
                    وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد ، فأنكر عليه طائفة ، وما فهموا مرامه كالذهلي ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي بكر الأعين ، وغيرهم . ثم ظهر بعد ذلك مقالة الكلابية ، والأشعرية ، وقالوا : القرآن معنى قائم بالنفس ; وإنما هذا المنزل حكايته وعبارته ودال عليه . وقالوا : هذا المتلو معدود متعاقب ، وكلام الله تعالى لا يجوز عليه التعاقب ، ولا التعدد ; بل هو شيء واحد قائم بالذات المقدسة ، واتسع المقال في ذلك ، ولزم منه أمور وألوان ، تركها - والله - من حسن الإيمان . وبالله نتأيد .
                    *************************

                    عن مجاهد ، قال : ما أدري أي النعمتين أعظم : أن هداني للإسلام ، أو عافاني من هذه الأهواء .
                    قلت : مثل الرفض والقدر والتجهم .
                    *************************

                    يحيى بن سليم : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد ، قال : كنت عند أبي فجاء ولده يعقوب ، فقال : يا أبتاه ، إن لنا أصحابا يزعمون أن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد . فقال : يا بني ، ما هؤلاء بأصحابي ، لا يجعل الله من هو منغمس في الخطايا كمن لا ذنب له .
                    *************************

                    أبو الفتح بن أبي الفوارس : أخبرنا محمد بن علي بن سهل بن الإمام -صاحب محمد بن جرير - : سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم ، وجرى ذكر علي -رضي الله عنه- ، ثم قال محمد بن جرير : من قال : إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى ، أيش هو ؟ قال : مبتدع . فقال ابن جرير إنكارا عليه : مبتدع مبتدع ! هذا يقتل .
                    *************************

                    قال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد ; فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه . قال : إنه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ، لما أثنى عليه أصلا .
                    *************************

                    وقال أبو حاتم : سمعت يحيى بن معين ، يقول : قدم علينا محمد بن حميد بغداد ، فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي ، ففرقنا الأوراق بيننا ، ومعنا أحمد بن حنبل ، فسمعناه ، ولم نر إلا خيرا . فأي شيء تنقمون عليه ؟ قلت يكون في كتابه شيء ، فيقول : ليس هو كذا ، ويأخذ القلم فيغيره ، فقال : بئس هذه الخصلة .
                    *************************

                    حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال محمد : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم .
                    وعن شعيب بن الحبحاب ، قلت لابن سيرين : ما ترى في السماع من أهل الأهواء ؟ قال : لا نسمع منهم ولا كرامة .
                    *************************

                    إسماعيل بن زكريا ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين قال : لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد الحديث ، فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد الحديث ، فنظر من كان من أهل البدع ، ترك حديثه .
                    *************************

                    ابن المبارك ، عن عبد الله بن مسلم المروزي ، قال : كنت أجالس ابن سيرين ، فتركته وجالست الإباضية ، فرأيت كأني مع قوم يحملون جنازة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيت ابن سيرين فذكرته له ، فقال : ما لك جالست أقواما يريدون أن يدفنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ..
                    *************************

                    قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان : صرح محمد بن نصر في كتاب " الإيمان " بأن الإيمان مخلوق ، وأن الإقرار ، والشهادة ، وقراءة القرآن بلفظه مخلوق ، ثم قال : وهجره على ذلك علماء وقته ، وخالفه أئمة خراسان والعراق .
                    قلت : الخوض في ذلك لا يجوز ، وكذلك لا يجوز أن يقال : الإيمان ، والإقرار ، والقراءة ، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق ، فإن الله خلق العباد وأعمالهم ، والإيمان : قول وعمل ، والقراءة والتلفظ : من كسب القارئ ، والمقروء الملفوظ : هو كلام الله ووحيه وتنزيله ، وهو غير مخلوق ، وكذلك كلمة الإيمان ، وهي قول ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) ، داخلة في القرآن ، وما كان من القرآن فليس بمخلوق ، والتكلم بها من فعلنا ، وأفعالنا مخلوقة ، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه ؛ لما سلم معنا لا ابن نصر ، ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هو هادي الخلق إلى الحق ، وهو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة .
                    *************************

                    وقال حميد بن هلال : أتت الحرورية مطرف بن عبد الله يدعونه إلى رأيهم ، فقال : يا هؤلاء ، لو كان لي نفسان بايعتكم بإحداهما وأمسكت الأخرى ; فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها الأخرى ، وإن كان ضلالة ، هلكت نفس وبقيت لي نفس ; ولكن هي نفس واحدة لا أغرر بها .
                    *************************

                    سليمان بن بلال : عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد ، عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أن أبا عبيدة لما أصيب ، استخلف معاذ بن جبل - يعني في طاعون عمواس - اشتد الوجع ، فصرخ الناس إلى معاذ : ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز ، قال : إنه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وشهادة يخص الله من يشاء منكم ، أيها الناس ، أربع خلال من استطاع أن لا تدركه ، قالوا : ما هي ؟ قال : يأتي زمان يظهر فيه الباطل ، ويأتي زمان يقول الرجل : والله ما أدري ما أنا ، لا يعيش على بصيرة ، ولا يموت على بصيرة .
                    *************************

                    روى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : لا تجالسوا أهل القدر ، ولا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تعلموا النجوم .
                    *************************

                    بقية بن الوليد : أخبرنا عبد الملك بن أبي النعمان الجزري ، عن ميمون بن مهران قال : خاصمه رجل في الإرجاء فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني ، فقال ميمون : أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران ، فانصرف الرجل ولم يرد عليه .
                    *************************

                    وقال أحمد : كان نعيم كاتبا لأبي عصمة - يعني نوحا - وكان شديد الرد على الجهمية ، وأهل الأهواء ، ومنه تعلم نعيم .
                    *************************

                    أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، أخبرنا الإمام أبو محمد بن قدامة ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن خيرون ، وأبو الحسن بن أيوب البزاز ، قالا : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، سمعت نعيم بن حماد يقول : من شبه الله بخلقه ، فقد كفر ، ومن أنكر ما وصف به نفسه ، فقد كفر ، وليس في ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه .
                    قلت : هذا الكلام حق ، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات ، فما ينكر الثابت منها من فقه ، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان :
                    تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب ، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها ، بل آمنوا بها ، وأمروها كما جاءت .
                    المقام الثاني : المبالغة في إثباتها ، وتصورها من جنس صفات البشر وتشكلها في الذهن ، فهذا جهل وضلال ، وإنما الصفة تابعة للموصوف ، فإذا كان الموصوف - عز وجل - لم نره ، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله : ليس كمثله شيء فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية البارئ ، تعالى الله عن ذلك ، فكذلك صفاته المقدسة ، نقر بها ونعتقد أنها حق ، ولا نمثلها أصلا ولا نتشكلها .
                    *************************

                    قال الحافظ محمد بن البرقي قلت ليحيى بن معين : أرأيت من يرمى بالقدر يكتب حديثه ؟ قال : نعم ، قد كان قتادة ، وهشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، وعبد الوارث - وذكر جماعة - يقولون بالقدر ، وهم ثقات ، يكتب حديثهم ما لم يدعوا إلى شيء .
                    قلت : هذه مسألة كبيرة ، وهي : القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي ، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ، ولم يكن داعيا إلى بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وترددوا في الداعية ، هل يؤخذ عنه ؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه ، وهجرانه ، وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه ، وكان داعية ، ووجدنا عنده سنة تفرد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة ؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ .
                    وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي ، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة ، ولم يعد من رءوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين ، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم .
                    *************************

                    عفان ، عن معاذ بن معاذ ، قال عمرو بن عبيد : لم أر هشاما عند الحسن قط ، ولا جاء معنا عند الحسن قط . قال : وقال أشعث : ما رأيت هشاما عند الحسن ، ولا ولا . . فقلت له : يا أبا هانئ ، إن عمرو بن عبيد يقول هذا في هشام . وهشام صاحب سنة ، فلا تعن عمرا عليه . قال : فكف عنه .
                    *************************

                    وقال أبو بكر المروذي في كتاب " القصص " : ورد علينا كتاب من دمشق : سل لنا أبا عبد الله ، فإن هشاما ، قال : لفظ جبريل - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن مخلوق . فسألت أبا عبد الله ، فقال : أعرفه طياشا ، لم يجتر الكرابيسي أن يذكر جبريل ولا محمدا . هذا قد تجهم في كلام غير هذا .
                    قلت : أما قول الإمام فيه : طياش ; فلأنه بلغه عنه أنه قال في خطبته : الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه ; فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها ، وإن كان لها معنى صحيح ، لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي . وما بلغنا أنه - سبحانه وتعالى - تجلى لشيء إلا بجبل الطور ، فصيره دكا . وفي تجليه لنبينا - صلى الله عليه وسلم - اختلاف أنكرته عائشة ، وأثبته ابن عباس .
                    وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل ، وطيه أولى من بثه إلا أن يتفق المتعاصرون على جرح شيخ ، فيعتمد قولهم ، والله أعلم .
                    قلت : كان الإمام أحمد يسد الكلام في هذا الباب ، ولا يجوزه ، وكذلك كان يبدع من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق . ويضلل من يقول : لفظي بالقرآن قديم ، ويكفر من يقول : القرآن مخلوق . بل يقول : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ، وينهى عن الخوض في مسألة اللفظ . ولا ريب أن تلفظنا بالقرآن من كسبنا ، والقرآن الملفوظ المتلو كلام الله - تعالى - غير مخلوق ، والتلاوة والتلفظ والكتابة والصوت به من أفعالنا ، وهي مخلوقة ، والله أعلم .
                    *************************

                    محمد بن سلام البيكندي : سمعت وكيعا يقول : من طلب الحديث كما جاء ، فهو صاحب سنة ، ومن طلبه ليقوي به رأيه ، فهو صاحب بدعة .
                    *************************

                    علي بن المديني حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرني داود بن قيس ، قال : كان لي صديق يقال له أبو شمر ذو خولان ، فخرجت من صنعاء أريد قريته ، فلما دنوت منها وجدت كتابا مختوما إلى أبي شمر ، فجئته فوجدته مهموما حزينا ، فسألته عن ذلك فقال : قدم رسول من صنعاء ، فذكر أن أصدقاء لي كتبوا لي كتابا فضيعه الرسول ، قلت : فهذا الكتاب . فقال : الحمد لله ; ففضه فقرأه ، فقلت : أقرئنيه ، فقال : إني لأستحدث سنك . قلت : فما فيه ؟ قال : ضرب الرقاب . قلت : لعله كتبه إليك ناس حرورية في زكاة مالك . قال : من أين تعرفهم ؟ قلت : إني وأصحابا لي نجالس وهب بن منبه ، فيقول لنا : احذروا أيها الأحداث الأغمار هؤلاء الحروراء لا يدخلونكم في رأيهم المخالف ; فإنهم عرة لهذه الأمة . فدفع إلي الكتاب فقرأته فإذا فيه : سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله ، ونوصيك بتقواه ; فإن دين الله رشد وهدى ، وإن دين الله طاعة الله ومخالفة من خالف سنة نبيه ، فإذا جاءك كتابنا ، فانظر أن تؤدي - إن شاء الله - ما افترض الله عليك من حقه ، تستحق بذلك ولاية الله ، وولاية أوليائه والسلام .
                    قلت له : فإني أنهاك عنهم . قال : فكيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك ؟ قلت : فتحب أن أدخلك على وهب حتى تسمع قوله ؟ قال : نعم .
                    فنزلنا إلى صنعاء ، فأدخلته على وهب - ومسعود بن عوف وال على اليمن من قبل عروة بن محمد فوجدنا عند وهب - نفرا ، فقال لي بعض النفر : من هذا الشيخ ؟ قلت : له حاجة ، فقام القوم ، فقال وهب : ما حاجتك يا ذا خولان ؟ فهرج وجبن ، فقال لي وهب : عبر عنه . قلت : إنه من أهل القرآن والصلاح ، والله أعلم بسريرته ، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل حروراء فقالوا له : زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك ; لأنهم لا يضعونها في مواضعها فأدها إلينا ، ورأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي .
                    فقال : يا ذا خولان ، أتريد أن تكون بعد الكبر حروريا تشهد على من هو خير منك بالضلالة ؟ فماذا أنت قائل لله غدا حين يقفك الله ؟ ومن شهدت عليه ، فالله يشهد له بالإيمان ، وأنت تشهد عليه بالكفر ، والله يشهد له بالهدى ، وأنت تشهد عليه بالضلالة ، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله ، وشهادتك شهادة الله ؟ أخبرني يا ذا خولان ، ماذا يقولون لك ؟ فتكلم عند ذلك ، وقال لوهب : إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ولا أستغفر إلا له . فقال : صدقت ، هذه محنتهم الكاذبة .
                    فأما قولهم في الصدقة ، فإنه قد بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها " أفإنسان ممن يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع ، أو هرة ! ؟ والله يقول : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الآيات .
                    وأما قولهم : لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم ، أهم خير أم الملائكة ، والله يقول : (ويستغفرون لمن في الأرض) فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به : (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وجاء ميسرا : (ويستغفرون للذين آمنوا ).
                    يا ذا خولان ، إني قد أدركت صدر الإسلام ، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم ، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه ، ولو مكن الله لهم من رأيهم لفسدت الأرض ، وقطعت السبل والحج ، ولعاد أمر الإسلام جاهلية ، وإذا لقام جماعة ، كل منهم يدعو إلى نفسه الخلافة ، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف ، يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر ، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله ، لا يدري مع من يكون ، قال تعالى : (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ).
                    وقال : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فلو كانوا مؤمنين لنصروا .
                    وقال : (وإن جندنا لهم الغالبون) ألا يسعك يا ذا خولان من أهل القبلة ما وسع نوحا من عبدة الأصنام ، إذ قال له قومه : (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون).
                    إلى أن قال : فقال ذو خولان : فما تأمرني ؟ قال : انظر زكاتك فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة ، وجمعهم عليه ; فإن الملك من الله وحده وبيده ، يؤتيه من يشاء ، فإذا أديتها إلى والي الأمر برئت منها ، وإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك والضيف . فقال : اشهد أني نزلت عن رأي الحرورية .
                    *************************

                    أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : إذا رأيت المبتدع في طريق ، فخذ في غيره .
                    *************************

                    قال يحيى القطان : سمعت سفيان بن سعيد يقول : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري . الترمذي : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير ، سألت يحيى بن سعيد فقلت : أرأيت من أدركت من الأئمة ؟ ما كان قولهم في أبي بكر وعمر وعلي ؟ فقال : سبحان الله ما رأيت أحدا يشك في تفضيل أبي بكر وعمر على علي ، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان .
                    *************************

                    قال الذهبي رحمه الله : ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل ، لكن هم أكثر الناس صوابا ، وأندرهم خطأ ، وأشدهم إنصافا ، وأبعدهم عن التحامل . وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح ، فتمسك به ، واعضض عليه بناجذيك ، ولا تتجاوزه ، فتندم . ومن شذ منهم ، فلا عبرة به . فخل عنك العناء ، وأعط القوس باريها ، فوالله لولا الحفاظ الأكابر ، لخطبت الزنادقة على المنابر ، ولئن خطب خاطب من أهل البدع ، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة ، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول ، فنعوذ بالله من الخذلان .
                    *************************

                    وبإسنادي إلى الخطيب : حدثنا علي بن طلحة ، أخبرنا صالح بن أحمد الهمذاني ، حدثنا عبد الرحمن بن حمدان بن المرزبان قال : قال لي أبو حاتم الرازي : إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل ، فاعلم أنه صاحب سنة ، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب .
                    *************************

                    وقال محمد بن هارون الفلاس : إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين ، فاعلم أنه كذاب ، يضع الحديث ، وإنما يبغضه لما يبين من أمر الكذابين .
                    *************************

                    قال عثمان بن سعيد الدارمي : ذهبت يوما أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم ، وفي مجلسه يومئذ حسين بن عيسى البسطامي ، وأحمد بن الحريش القاضي ، ومحمد بن رافع ، وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب ، وغيرهم من المشايخ ، فزبرني يحيى بغضب ، وقال : اسكت ، وأنكر على أولئك استعظاما أن أحكي كلامهم ، وإنكارا .
                    *************************

                    العباس بن عبد العظيم ، وأحمد بن سنان ، عن شاذ بن يحيى ، سمع يزيد بن هارون يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فهو زنديق .
                    وقد كان يزيد رأسا في السنة معاديا للجهمية ، منكرا تأويلهم في مسألة الاستواء .
                    *************************

                    قال أبو بكر المروذي : أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد ، فحذر أبو عبد الله منه ، وقد كان المتوكل أمر عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمن يقلد القضاء . قال عبد الرحمن : فسألته عن يعقوب بن شيبة ، فقال : مبتدع صاحب هوى .
                    قال الخطيب : وصفه أحمد بذلك لأجل الوقف .
                    *************************

                    قال حزم بن أبي حزم : مر بنا يونس بن عبيد على حمار ونحن قعود ، على باب ابن لاحق . فوقف . فقال : أصبح من إذا عرف السنة عرفها ، غريبا ، وأغرب منه الذي يعرفها .
                    *************************

                    قال سعيد بن عامر : حدثنا جسر أبو جعفر قلت ليونس : مررت بقوم يختصمون في القدر . فقال : لو همتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر .
                    *************************

                    عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا إبراهيم بن الحسن الباهلي ، حدثنا حماد بن زيد قال : قال يونس بن عبيد : ثلاثة احفظوهن عني : لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن ، ولا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن ، ولا يمكن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء .
                    *************************

                    سعيد بن عامر ، حدثنا حرب بن ميمون الصدوق المسلم ، عن خويل ، يعني -ختن شعبة - قال : كنت عند يونس فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ; تنهانا عن مجالسة عمرو بن عبيد ، وقد دخل عليه ابنك ؟ قال : ابني ! قال : نعم . فتغيظ الشيخ . فلم أبرح حتى جاء ابنه . فقال : يا بني ، قد عرفت رأيي في عمرو ثم تدخل عليه ؟ قال : كان معي فلان . وجعل يعتذر . قال : أنهاك عن الزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر . ولأن تلقى الله بهن أحب إلي من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو .

                    تعليق

                    يعمل...
                    X