إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

درر منتقاة من أعلام النبلاء للدهبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    و قال عند ترجمة الخليفة العباسي المنصور:


    أبو العيناء : حدثنا الأصمعي : أن المنصور صعد المنبر ، فشرع ، فقام رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين! اذكر من أنت في ذكره . فقال : مرحبا ، لقد ذكرت جليلا ، وخوفت عظيما ، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له : اتق الله ، أخذته العزة بالإثم ، والموعظة منا بدت ، ومن عندنا خرجت ، وأنت يا قائلها فأحلف بالله : ما الله أردت ، إنما أردت أن يقال : قام ، فقال ، فعوقب ، فصبر ، فأهون بها من قائلها ، واهتبلها من الله ، ويلك إني قد غفرتها ! . وعاد إلى خطبته كأنما يقرأ من كتاب .



    قال مبارك الطبري : حدثنا أبو عبيد الله الوزير ، سمع المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه .

    وعن المدائني : أن المنصور لما احتضر قال : اللهم إني قد ارتكبت عظائم ، جرأة مني عليك ، وقد أطعتك في أحب الأشياء إليك ، شهادة أن لا إله إلا الله ، منا منك لا منا عليك ، ثم مات . وقيل : رأى ما يدل على قرب موته ، فسار للحج . وقيل : مات مبطونا ، وعاش أربعا وستين سنة .

    و قال عند ترجمة النسائي:

    قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، أخبرنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا محمد بن أعين قال : قلت لابن المبارك : إن فلانا يقول : من زعم أن قوله تعالى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني مخلوق ، فهو كافر . فقال ابن المبارك : صدق ، قال النسائي : بهذا أقول .


    وقال الوزير ابن حنزابة سمعت محمد بن موسى المأموني -صاحب النسائي - قال : سمعت قوما ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب : " الخصائص " لعلي -رضي الله عنه - ، وتركه تصنيف فضائل الشيخين ، فذكرت له ذلك ، فقال : دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، فصنفت كتاب : " الخصائص " ، رجوت أن يهديهم الله تعالى .


    ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة ، فقيل له -وأنا أسمع- : ألا تخرج فضائل معاوية -رضي الله عنه ؟ فقال : أي شيء أخرج ؟ حديث : اللهم لا تشبع بطنه فسكت السائل .


    قلت : لعل أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة . .


    قيل : إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره ، عليه قلنسوة وقباء ، وكان الحارث خائفا من أمور تتعلق بالسلطان ، فخاف أن يكون عينا عليه ، فمنعه ، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع ، ولذلك ما قال : حدثنا الحارث ، وإنما يقول : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع .


    الحافظ بن طاهر : سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل ، فوثقه ، فقلت : قد ضعفه النسائي ، فقال : يا بني ، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم .


    قلت : صدق ; فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم .


    قال الدارقطني : كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث ، ولم يحدث عن غير النسائي ، وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى .


    قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه " : كان أبو عبد الرحمن النسائي إماما حافظا ثبتا ، خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثمائة ، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر ، سنة ثلاث .

    قلت : هذا أصح ; فإن ابن يونس حافظ يقظ ، وقد أخذ عن النسائي ، وهو به عارف . ولم يكن أحد في رأس الثلاث مائة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى ، وهو جار في مضمار البخاري ، وأبي زرعة ، إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي ، كمعاوية وعمرو ، والله يسامحه .

    و قال عند ترجمة إم الدرداء:

    وعن عون بن عبد الله ، قال : كنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها .

    وقال يونس بن ميسرة : كن النساء يتعبدن مع أم الدرداء ، فإذا ضعفن عن القيام ، تعلقن بالحبال .


    وقال عثمان بن حيان : سمعت أم الدرداء تقول : إن أحدهم يقول : اللهم ارزقني ، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم ; وإنما يرزق بعضهم من بعض ، فمن أعطي شيئا فليقبل ، فإن كان غنيا فليضعه في ذي الحاجة ، وإن كان فقيرا فليستعن به .

    و قال عند ترجمة أم سلمة أم المؤمنين:
    إسحاق السلولي : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن حذيفة : أنه قال لامرأته : إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا ؛ فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده ؛ لأنهن أزواجه في الجنة .

    .......... يتبع إن شاء الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو ندى فريد العاصمي; الساعة 24-Oct-2007, 05:17 PM.

    تعليق


    • #17


      و قال عند ترجمة أيوب السختياني:

      حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا يسر بن أنس البغدادي ، حدثنا أبو يونس المديني ، حدثني إسحاق بن محمد ، سمعت مالكا يقول : كنا ندخل على أيوب السختياني ، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بكى حتى نرحمه .

      حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن الصباح ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن سلام ، قال : كان أيوب السختياني ، يقوم الليل كله ، فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح ، رفع صوته ، كأنه قام تلك الساعة .

      حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا الفريابي ، حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا ابن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد ، سمعت أيوب ، وقيل له : مالك لا تنظر في هذا ؟ يعني الرأي . فقال : قيل للحمار ألا تجتر ؟ فقال : أكره مضغ الباطل .

      حدثنا سليمان ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عارم ، حدثنا حماد قال : ما رأيت رجلا قط أشد تبسما في وجوه الرجال من أيوب .

      حدثنا سليمان ، حدثنا محمد بن محمد الجذوعي ، حدثنا هدبة ، حدثنا سلام بن مسكين ، سمعت أيوب يقول : لا خبيث أخبث من قارئ فاجر .

      وبه قال البغوي : حدثنا عبد الواحد بن غياث ، حدثنا حماد ، قال : رأيت أيوب وضع يده على رأسه وقال : الحمد لله الذي عافاني من الشرك ، ليس بيني وبينه إلا أبو تميمة .

      وحدثنا أحمد ، حدثنا حماد ، عن أيوب قال : أدركت الناس هاهنا وكلامهم : إن قضي وإن قدر . وكان يقول : ليتق الله رجل . فإن زهد ، فلا يجعلن زهده عذابا على الناس ، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه .

      وبه : حدثنا علي بن مسلم ، حدثنا أبو داود ، قال : قال شعبة : ما واعدت أيوب موعدا قط ، إلا قال حين يفارقني : ليس بيني وبينك موعد . فإذا جئت ، وجدته قد سبقني .

      وبه : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا حماد بن زيد ، أخبرني رجل أنه رأى أيوب بين قبري الحسن ومحمد ، قائما
      يبكي ، ينظر إلى هذا مرة ، وإلى هذا مرة .

      قال مخلد بن الحسين : قال أيوب : ما صدق عبد قط فأحب الشهرة .

      وروى سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، قال : كان أيوب في مجلس ، فجاءته عبرة ، فجعل يمتخط ويقول : ما أشد الزكام .

      روى ضمرة عن ابن شوذب ، قال : كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان ، ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية ، ويصلي لنفسه فيما بين الترويحتين بقدر ثلاثين آية . وكان يقول هو بنفسه للناس : الصلاة ، ويوتر بهم ، ويدعو بدعاء القرآن ، ويؤمن من خلفه ، وآخر ذلك ، يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول : اللهم استعملنا بسنته ، وأوزعنا بهديه ، واجعلنا للمتقين إماما ، ثم يسجد . وإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات .

      قال سعيد بن عامر الضبعي ، عن سلام بن أبي مطيع ، قال : رأى أيوب رجلا من أصحاب الأهواء فقال : إني لأعرف الذلة في وجهه ، ثم تلا : سينالهم غضب من ربهم وذلة ثم قال : هذه لكل مفتر . وكان يسمي أصحاب الأهواء خوارج ، ويقول : إن الخوارج اختلفوا في الاسم ، واجتمعوا على السيف .

      وقال له رجل من أصحاب الأهواء : يا أبا بكر ، أسألك عن كلمة ؟ فولى وهو يقول : ولا نصف كلمة . مرتين .

      و قال عند ترجمة بريدة بن الحصيب ( ع ):

      وروى مقاتل بن حيان ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : شهدت خيبر ، وكنت فيمن صعد الثلمة ، فقاتلت حتى رئي مكاني ، وعلي ثوب أحمر ، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنبا أعظم علي منه ، أي : الشهرة .

      قلت : بلى ، جهال زماننا يعدون اليوم مثل هذا الفعل من أعظم الجهاد ; وبكل حال فالأعمال بالنيات ، ولعل بريدة - رضي الله عنه- بإزرائه على نفسه ، يصير له عمله ذلك طاعة وجهادا ، وكذلك يقع في العمل الصالح ، ربما افتخر به الغر ونوه به ، فيتحول إلى ديوان الرياء . قال الله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا .

      و قال عند ترجمة بشر بن الحارث:

      روي عن بشر أنه قيل له : ألا تحدث ؟ قال : أنا أشتهي أن أحدث ، وإذا اشتهيت شيئا ، تركته .

      وقال إسحاق الحربي : سمعت بشر بن الحارث يقول : ليس الحديث من عدة الموت . فقلت له : قد خرجت إلى أبي نعيم فقال : أتوب إلى الله .

      قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

      قال أبو بكر المروزى : سمعت بشرا يقول : الجوع يصفي الفؤاد ، ويميت الهوى ، ويورث العلم الدقيق .

      قال الحافظ موسى بن هارون : حدثنا محمد بن نعيم ، قال : رأيتهم جاءوا إلى بشر ، فقال : يا أهل الحديث ، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة ، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة .


      قلت : هذا على المبالغة ، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواجبات فهي موجبة ، وإن كانت في فضائل الأعمال فهي فاضلة ، لكن يتأكد العمل بها على المحدث .

      وقال يعقوب بن بختان : سمعت بشر بن الحارث يقول : لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله ، وحسنت نيته فيه ، وأما أنا ، فأستغفر الله من طلبه ، ومن كل خطوة خطوت فيه .

      قال أحمد بن حنبل : لو كان بشر تزوج ، لتم أمره .

      لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا .

      قال : قال رجل لبشر وأنا حاضر : إن هذا الرجل - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق ؟ قال : فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال : لا ، كل شيء مخلوق إلا القرآن .

      وقيل لأحمد : مات بشر . قال : مات والله وما له نظير ، إلا عامر بن عبد قيس ، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا . ثم قال أحمد : لو تزوج ! .


      قيل : جاء رجل إلى بشر ، فقبله ، وجعل يقول : يا سيدي أبا نصر . فلما ذهب ، قال بشر لأصحابه : رجل أحب رجلا على خير توهمه ، لعل المحب قد نجا ، والمحبوب لا يدرى ما حاله .
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو ندى فريد العاصمي; الساعة 06-Nov-2007, 11:28 AM.

      تعليق


      • #18
        جزاكم الله خيراً وبارك فيكم

        تعليق


        • #19
          و فيك بارك الله أخي

          تعليق


          • #20
            و قال عند ترجمة بشر بن الوليد:

            وكان حسن المذهب ، وله هفوة لا تزيل صدقه وخيره إن شاء الله .

            قال محمد بن سعد العوفي : روى بشر بن الوليد الكندي عن أبي يوسف كتبه ، وولي

            قضاء بغداد في الجانبين ، فسعى به رجل إلى الدولة ، وقال : إنه لا يقول بخلق القرآن

            ، فأمر به المعتصم أن يحبس في داره ، ووكل ببابه . فلما استخلف المتوكل أمر

            بإطلاقه ، وعاش وطال عمره ، ثم إنه قال : كما أني قلت : القرآن كلام الله ، ولم أقل :

            إنه مخلوق ، فكذلك لا أقول : إنه غير مخلوق ، بل أقف ، ولزم الوقف في المسألة ،

            فنفر منه أصحاب الحديث للوقف ، وتركوا الأخذ عنه ، وحمل عنه آخرون .

            و قال عند ترجمة بقي بن مخلد:

            قال-يعني ابن حزم- : وكان بقي أول من كثر الحديث بالأندلس ونشره ، وهاجم به

            شيوخ الأندلس ، فثاروا عليه ، لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك ، وكان بقي

            يفتي بالأثر ، فشذ عنهم شذوذا عظيما ، فعقدوا عليه الشهادات ، وبدعوه ، ونسبوا

            إليه الزندقة ، وأشياء نزهه الله منها . وكان بقي يقول : لقد غرست لهم بالأندلس

            غرسا لا يقلع إلا بخروج الدجال .

            و قال عند ترجمة بقية بن الوليد:

            وقال يحيى بن المغيرة الرازي ، عن ابن عيينة : لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة ،

            واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره .

            قلت : لهذا أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام ، والترخيص قليلا ، لا كل الترخص

            في الفضائل والرقائق ، فيقبلون في ذلك ما ضعف إسناده ، لا ما اتهم رواته ، فإن الأحاديث

            الموضوعة ، والأحاديث الشديدة الوهن لا يلتفتون إليها ، بل يروونها للتحذير منها ،

            والهتك لحالها ، فمن دلسها أو غطى تبيانها ، فهو جان على السنة ، خائن لله ورسوله .

            فإن كان يجهل ذلك ، فقد يعذر بالجهل ، ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .

            و قال عند ترجمة بكر بن عبد الله:

            وقال عبد الله بن بكر : أخبرتني أختي قالت : كان أبوك قد جعل على نفسه أن لا يسمع رجلين يتنازعان في القدر إلا قام فصلى ركعتين .

            قلت : هذا يدل على أن البصرة كانت تغلي في ذلك الوقت بالقدر ، وإلا فلو جعل الفقيه اليوم على نفسه ذلك لأوشك أن يبقى السنة والسنتين لا يسمع متنازعين في القدر ولله الحمد ، ولا يتظاهر أحد بالشام ومصر بإنكار القدر .

            عن بكر المزني - وهو في " الزهد " لأحمد - قال : كان الرجل في بني إسرائيل إذا بلغ المبلغ ، فمشى في الناس ، تظله غمامة .

            قلت : شاهده أن الله قال : وظللنا عليكم الغمام ففعل بهم - تعالى - ذلك عاما ، وكان فيهم الطائع والعاصي .

            فنبينا - صلوات الله عليه - أكرم الخلق على ربه ، وما كانت له غمامة تظله ولا صح ذلك ; بل ثبت أنه لما رمى الجمرة كان بلال يظله بثوبه من حر الشمس .

            ولكن كان في بني إسرائيل الأعاجيب والآيات ، ولما كانت هذه الأمة خير الأمم ، وإيمانهم أثبت ، لم يحتاجوا إلى برهان ، ولا إلى خوارق ، فافهم هذا .

            وكلما ازداد المؤمن علما ويقينا ، لم يحتج إلى الخوارق ; وإنما الخوارق للضعفاء ، ويكثر ذلك في اقتراب الساعة .

            قال غالب القطان ، قال بكر : إياك من الكلام ; ما إن أصبت فيه لم تؤجر ، وإن أخطأت توزر ; وذلك سوء الظن بأخيك .

            و قال عند ترجمة جندب الأزدي:

            روى خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي : أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة

            الأمير ، فكان يأخذ سيفه ، فيذبح نفسه ولا يضره ، فقام جندب إلى السيف ، فأخذه ،

            فضرب عنقه ، ثم قرأ : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون .


            وعن أبي مخنف لوط ، عن خاله ، عن رجل ، قال : جاء ساحر من بابل ، فأخذ يري الناس

            الأعاجيب ، يريهم حبلا في المسجد وعليه فيل يمشي ، ويري حمارا يشتد حتى يجيء فيدخل

            في فمه ويخرج من دبره ، ويضرب عنق رجل ، فيقع رأسه ، ثم يقول له : قم ، فيعود حيا .

            فرأى جندب بن كعب ذلك ، فأخذ سيفا ، وأتى والناس مجتمعون على الساحر ، فدنا منه ،

            فضربه ، فأذرى رأسه ، وقال : أحي نفسك ، فأراد الوليد بن عقبة قتله ، فلم يستطع ،
            وحبسه .

            تعليق


            • #21
              و قال عند ترجمة حجاج بن أرطاة:


              قال عثمان بن سعيد ، عن ابن معين : حجاج في قتادة صالح . وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : قال حجاح بن أرطاة : لا تتم مروءة الرجل حتى يترك الصلاة في الجماعة .

              قلت : لعن الله هذه المروءة ، ما هي إلا الحمق والكبر ، كيلا يزاحمه السوقة ! وكذلك تجد رؤساء وعلماء يصلون في جماعة في غير صف ، أو تبسط له سجادة كبيرة حتى لا يلتصق به مسلم . فإنا لله ! .

              قال الأصمعي : أول من ارتشى بالبصرة من القضاة : حجاج بن أرطاة .

              قال ابن حبان : سمعت محمد بن الليث الوراق ، سمعت محمد بن نصر ، سمعت إسحاق الحنظلي ، عن عيسى بن يونس ، قال : كان حجاج بن أرطاة لا يحضر الجماعة ، فقيل له في ذلك ، فقال : أحضر مسجدكم حتى يزاحمني فيه الحمالون والبقالون ؟ .

              ونقل غير واحد : أن الحجاج بن أرطاة قيل له : ارتفع إلى صدر المجلس ، فقال : أنا صدر حيث كنت . وكان يقول : أهلكني حب الشرف .

              و قال عند ترجمة حسان بن عطية:

              ومن دعائه : اللهم إني أعوذ بك أن أتعزز بشيء من معصيتك ، وأن أتزين للناس بما يشينني عندك .

              و قال عند ترجمة حفص بن غياث:

              قال ابن عمار : وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث ، وإلى أبي معاوية ، اعتزل ناحية ولا يسمع منهما ، فقلت له ؟ فقال : حفص هو قاض ، وأبو معاوية مرجئ يدعو إليه ، وليس بيني وبينهم عمل .

              قال إبراهيم بن مهدي : سمعت حفص بن غياث ، وهو قاض بالشرقية يقول لرجل يسأل عن مسائل القضاء : لعلك تريد أن تكون قاضيا ؟ لأن يدخل الرجل أصبعه في عينه ، فيقتلعها ، فيرمي بها ، خير له من أن يكون قاضيا .

              قال أبو بكر بن أبي شيبة : سمعت حفص بن غياث يقول : والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة .

              قال عمر بن حفص : سمعت أبي يقول : مررت بطاق اللحامين ، فإذا بعليان جالس ، فسمعته يقول : من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة ، فليتمن ما هذا فيه , فوالله لقد تمنيت أني كنت مت قبل أن ألي القضاء .

              وقال بشر الحافي : قال حفص بن غياث : لو رأيت أني أسر بما أنا فيه ، لهلكت .

              و قال عند ترجمة حماد بن أبي سليمان:

              قال معمر : قلت لحماد : كنت رأسا ، وكنت إماما في أصحابك ، فخالفتهم فصرت تابعا ، قال : إني أن أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل .

              قلت : يشير معمر إلى أنه تحول مرجئا إرجاء الفقهاء ، وهو أنهم لا يعدون الصلاة والزكاة من الإيمان ، ويقولون : الإيمان إقرار باللسان ، ويقين في القلب ، والنزاع على هذا لفظي -إن شاء الله- ، وإنما غلو الإرجاء من قال : لا يضر مع التوحيد ترك الفرائض ، نسأل الله العافية .

              و قال عند ترجمة حماد بن زيد:

              جماعة سمعوا سليمان بن حرب : سمعت حماد بن زيد يقول في قوله : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال : أرى رفع الصوت عليه بعد موته ، كرفع الصوت عليه في حياته ، إذا قرئ حديثه ، وجب عليك أن تنصت له كما تنصت للقرآن يعمر .

              وقال محمد بن عيسى بن الطباع : ما رأيت أعقل من حماد بن زيد . قال محمد بن وزير الواسطي : سمعت يزيد بن هارون يقول : قلت لحماد بن زيد : هل ذكر الله أصحاب الحديث في القرآن ؟ قال : بلى ، الله تعالى يقول : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية .

              قال أبو العباس بن مسروق : حدثنا أيوب العطار : سمعت بشر بن الحارث -رحمه الله- يقول : حدثنا حماد بن زيد ، ثم قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء .

              قال سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، قال : جاءني أبان بن أبي عياش ، فقال : أحب أن تكلم شعبة ، أن يكف عني . فكلمته ، فكف عنه أياما ، وأتاني في الليل ، فقال : إنه لا يحل الكف عن أبان ، فإنه يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

              قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن حرب : سمعت حماد بن زيد يقول : إنما يدورون على أن يقولوا : ليس في السماء إله -يعني الجهمية - وعن أبي النعمان عارم ، قال : قال حماد بن زيد : القرآن كلام الله ، أنزله جبريل من عند رب العالمين .

              قلت : لا أعلم بين العلماء نزاعا ، في أن حماد بن زيد من أئمة السلف ، ومن أتقن الحفاظ وأعدلهم ، وأعدمهم غلطا ، على سعة ما روى -رحمه الله- مولده في سنة ثمان وتسعين .

              و قال عند ترجمة حماد بن سلمة:

              قال عبد الرحمن بن مهدي : لو قيل لحماد بن سلمة : إنك تموت غدا ، ما قدر أن يزيد في العمل شيئا .

              قلت : كانت أوقاته معمورة بالتعبد والأوراد .

              قال موسى بن إسماعيل التبوذكي : لو قلت لكم : إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت ، كان مشغولا ، إما أن يحدث ، أو يقرأ ، أو يسبح ، أو يصلي ، قد قسم النهار على ذلك .

              قال إسحاق بن الطباع : سمعت حماد بن سلمة يقول : من طلب الحديث لغير الله -تعالى- مكر به .



              قال شيخ الإسلام في : " الفاروق " له : قال أحمد بن حنبل : إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة ، فاتهمه على الإسلام ، فإنه كان شديدا على المبتدعة .



              وروى عبد العزيز بن المغيرة ، عن حماد بن سلمة : أنه حدثهم بحديث نزول الرب -عز وجل- فقال : من رأيتموه ينكر هذا ، فاتهموه .

              تعليق


              • #22
                و قال عند ترجمة خارجة بن زيد:

                وروى الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : كان الفقهاء السبعة الذين يسألون بالمدينة وينتهى إلى قولهم : سعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعروة ، والقاسم ، وعبيد الله بن عبد الله ، وخارجة بن زيد ، وسليمان بن يسار .

                وروى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر ، قال : كان الفقه بعد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في خارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وعروة ، والقاسم بن محمد ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان ، وسليمان بن يسار مولى ميمونة .


                و قال عند ترجمة خالد بن معدان:

                وقال أبو أسامة : كان الثوري إذا جلسنا معه إنما يسمع " الموت الموت " ; فحدثنا عن ثور ، عن خالد بن معدان ، قال : لو كان الموت علما يستبق إليه ما سبقني إليه أحد ; إلا أن يسبقني رجل بفضل قوة . قال : فما زال الثوري يحب خالد بن معدان مذ بلغه هذا عنه

                الوليد بن مسلم ، عن عبدة بنت خالد ، قالت : قلما كان خالد يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر شوقه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار ; ثم يسميهم ويقول : هم أصلي وفصلي ، وإليهم يحن قلبي ، طال شوقي إليهم ، فعجل رب قبضي إليك . حتى يغلبه النوم وهو في بعض ذلك .

                ابن المبارك ، عن ثور ، عن خالد بن معدان ، قال : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أحقر حاقر .

                وقال شجاع بن الوليد ، عن عمرو الإيامي ، عن خالد بن معدان ، قال : ما من آدمي إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر الدنيا ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ; فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه ، فأبصر بهما ما وعد بالغيب ، فأمن الغيب بالغيب .

                حريز بن عثمان ، عن خالد بن معدان ، قال : إذا فتح أحدكم باب خير فليسرع إليه ; فإنه لا يدري متى يغلق عنه .

                وقال أيضا : العين مال ، والنفس مال ، وخير مال العبد ما انتفع به وابتذله ، وشر أموالك ما لا تراه ولا يراك ، وحسابه عليك ، ونفعه لغيرك .


                روى عطية بن بقية ، عن أبيه ، عن بحير بن سعد ، سمعت خالد بن معدان يقول : من التمس المحامد في مخالفة الحق ، رد الله تلك المحامد عليه ذما ، ومن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق رد الله تلك الملاوم عليه حمدا .
                .............يتبع إن شاء الله

                تعليق


                • #23
                  و قال عند ترجمة داود بن هند:


                  وقال محمد بن أبي عدي : أقبل علينا داود ، فقال : يا فتيان ، أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به . كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق ، فإذا انقلبت إلى البيت ، جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا ، فإذا بلغت إلى ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله كذا وكذا حتى آتي المنزل .

                  قال الفلاس : سمعت ابن أبي عدي يقول : صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله . كان خزازا يحمل معه غداءه فيتصدق به في الطريق .

                  و قال عند ترجمة داود بن رشيد:

                  قال : وسمعت داود يقول : قالت حكماء الهند : لا ظفر مع بغي ، ولا صحة مع نهم ، ولا ثناء مع كبر ، ولا صداقة مع خب ولا شرف مع سوء أدب ، ولا بر مع شح ، ولا محبة مع هزء ، ولا قضاء مع عدم فقه ، ولا عذر مع إصرار ، ولا سلم قلب مع غيبة ، ولا راحة مع حسد ، ولا سؤدد مع انتقام ، ولا رئاسة مع عزة نفس وعجب ، ولا صواب مع ترك مشاورة ، ولا ثبات ملك مع تهاون .

                  و قال عند ترجمة داود بن علي:

                  وكان بينه وبين صالح بن أحمد بن حنبل حسن ، فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه ، فأتى صالح أباه ، فقال : رجل سألني أن يأتيك ، فقال : ما اسمه ؟ قال : داود . قال : من أين هو ؟ قال : من أصبهان . فكان صالح يروغ عن تعريفه ، فما زال الإمام أحمد يفحص ، حتى فطن به ، فقال : هذا قد كتب إلى محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث ، فلا يقربني . فقال : يا أبه ! إنه ينتفي من هذا وينكره . فقال : محمد بن يحيى أصدق منه ، لا تأذن له .

                  قال أحمد بن كامل القاضي : أخبرني أبو عبد الله الوراق : أنه كان يورق على داود بن علي ، وأنه سمعه يسأل عن القرآن ، فقال : أما الذي في اللوح المحفوظ : فغير مخلوق ، وأما الذي هو بين الناس : فمخلوق .

                  قلت : هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله ، فيما علمت ، وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله ، ووحيه وتنزيله ، حتى أظهر المأمون القول : بأنه مخلوق ، وظهرت مقالة المعتزلة ، فثبت الإمام أحمد بن حنبل ، وأئمة السنة على القول : بأنه غير مخلوق ، إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي وهي : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن ألفاظنا به مخلوقة ، فأنكر الإمام أحمد ذلك ، وعده بدعة ، وقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن ، فهو جهمي . وقال أيضا : من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع . فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين .

                  وأما داود فقال : القرآن محدث . فقام على داود خلق من أئمة الحديث ، وأنكروا قوله وبدعوه ، وجاء من بعده طائفة من أهل النظر ، فقالوا : كلام الله معنى قائم بالنفس ، وهذه الكتب المنزلة دالة عليه ، ودققوا وعمقوا ، فنسأل الله الهدى واتباع الحق ، فالقرآن العظيم ، حروفه ومعانيه وألفاظه كلام رب العالمين ، غير مخلوق ، وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : زينوا القرآن بأصواتكم ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا ، والمكتوب لا ينفك عن كتابة ، والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تال ، صعب فهم المسألة ، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعنى به التلفظ ، فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا ، والخوض في هذا خطر . نسأل الله السلامة في الدين . وفي المسألة بحوث طويلة ، الكف عنها أولى ، ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة .

                  وأخبرنا سعيد بن أبي مسلم : سمعت محمد بن عبدة يقول : دخلت إلى داود ، فغضب علي أحمد بن حنبل ، فدخلت عليه ، فلم يكلمني ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله ! إنه رد عليه مسألة . قال : وما هي ؟ قال : قال : الخنثى إذا مات من يغسله ؟ قال داود : يغسله الخدم . فقال محمد بن عبدة : الخدم رجال ، ولكن ييمم ، فتبسم أحمد وقال : أصاب ، أصاب ، ما أجود ما أجابه !

                  قلت : للعلماء قولان في الاعتداد ، بخلاف داود وأتباعه : فمن اعتد بخلافهم ، قال : ما اعتدادنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة ، بل لتحكى في الجملة ، وبعضها سائغ ، وبعضها قوي ، وبعضها ساقط ، ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني ، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي .

                  ومن أهدرهم ، ولم يعتد بهم ، لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين ، ولا كفرهم بها ، بل يقول : هؤلاء في حيز العوام ، أو هم كالشيعة في الفروع ، ولا نلتفت إلى أقوالهم ، ولا ننصب معهم الخلاف ، ولا نعتني بتحصيل كتبهم ، ولا ندل مستفتيا من العامة عليهم . وإذا تظاهروا بمسألة معلومة البطلان ، كمسح الرجلين ، أدبناهم ، وعزرناهم ، وألزمناهم بالغسل جزما .

                  وقال إمام الحرمين أبو المعالي : الذي ذهب إليه أهل التحقيق : أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة ، ولا من حملة الشريعة ، لأنهم معاندون ، مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواترا ، لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد ، ولا تفي النصوص بعشر معشارها ، وهؤلاء ملتحقون بالعوام .

                  قلت : هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده ، وهم فأداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس ، فكيف يرد الاجتهاد بمثله ، وندري بالضرورة أن داود كان يقرئ مذهبه ، ويناظر عليه ، ويفتي به في مثل بغداد ، وكثرة الأئمة بها وبغيرها ، فلم نرهم قاموا عليه ، ولا أنكروا فتاويه ولا تدريسه ، ولا سعوا في منعه من بثه ، وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي ، شيخ المالكية ، وعثمان بن بشار الأنماطي ، شيخ الشافعية ، والمروذي ، شيخ الحنبلية ، وابني الإمام أحمد ، وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية ، وأحمد بن أبي عمران القاضي ، ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي . بل سكتوا له ، حتى لقد قال قاسم بن أصبغ : ذاكرت الطبري -يعني ابن جرير - وابن سريج ، فقلت لهما : كتاب ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما ؟ قالا : ليس بشيء ، ولا كتاب أبي عبيد ، فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي ، وداود ، ونظرائهما .

                  ثم كان بعده ابنه أبو بكر ، وابن المغلس ، وعدة من تلامذة داود ، وعلى أكتافهم مثل : ابن سريج ، شيخ الشافعية ، وأبي بكر الخلال ، شيخ الحنبلية ، وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية ، وكان أبو جعفر الطحاوي بمصر . بل كانوا يتجالسون ويتناظرون ، ويبرز كل منهم بحججه ، ولا يسعون بالداودية إلى السلطان . بل أبلغ من ذلك ، ينصبون معهم الخلاف ، في تصانيفهم قديما وحديثا .

                  وبكل حال ، فلهم أشياء أحسنوا فيها ، ولهم مسائل مستهجنة ، يشغب عليهم بها ، وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو ابن الصلاح ، حيث يقول : الذي اختاره الأستاذ أبو منصور ، وذكر أنه الصحيح من المذهب ، أنه يعتبر خلاف داود . ثم قال ابن الصلاح : وهذا الذي استقر عليه الأمر آخرا ، كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين ، الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة ، كالشيخ أبي حامد الإسفراييني ، والماوردي ، والقاضي أبي الطيب ، فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة .

                  قال : وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي ، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه ، أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها ، فاتفاق من سواه إجماع منعقد ، كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة ، وقوله : لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به ، لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه .

                  قلت : لا ريب أن كل مسألة انفرد بها ، وقطع ببطلان قوله فيها ، فإنها هدر ، وإنما نحكيها للتعجب ، وكل مسألة له عضدها نص ، وسبقه إليها صاحب أو تابع ، فهي من مسائل الخلاف ، فلا تهدر .

                  وفي الجملة ، فداود بن علي بصير بالفقه ، عالم بالقرآن ، حافظ للأثر ، رأس في معرفة الخلاف ، من أوعية العلم ، له ذكاء خارق ، وفيه دين متين . وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر ، وذكاء قوي ، فالكمال عزيز ، والله الموفق .




                  ونحن : فنحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك ، ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك .

                  ...........................................


                  يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــع إن شاء الله تعالى

                  التعديل الأخير تم بواسطة أبو ندى فريد العاصمي; الساعة 14-Nov-2007, 03:49 PM.

                  تعليق


                  • #24
                    و قال عند ترجمة ربعي بن حراش:



                    قال الأصمعي : أتى رجل الحجاج فقال : إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب ، وقد قدم ولداه عاصيين . قال : فبعث إليه الحجاج فقال : ما فعل ابناك ؟ قال : هما في البيت ، والله المستعان . فقال له الحجاج بن يوسف : هما لك . وأعجبه صدقه .

                    البرجلاني : حدثنا محمد بن جعفر بن عون ، أنبأنا بكر بن محمد العابد ، عن الحارث الغنوي ، قال : آلى ربعي بن حراش أن لا تفتر أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره . قال الحارث : فأخبر الذي غسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله ، حتى فرغنا منه ، رحمة الله عليه .

                    و قال عند ترجمة ربيعة الرأي:

                    محمد بن كثير المصيصي ، عن ابن عيينة قال : بكى ربيعة يوما ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : رياء حاضر ، وشهوة خفية . والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم ، إن أمروهم ائتمروا ، وإن نهوهم ، انتهوا ؟ ! .

                    وروى ضمرة بن ربيعة ، عن رجاء بن جميل قال : قال ربيعة : رأيت الرأي أهون علي من تبعة الحديث .

                    قال الأويسي : قال مالك : كان ربيعة يقول لابن شهاب : إن حالي ليست تشبه حالك . قال : وكيف ؟ قال : أنا أقول برأي من شاء أخذه ، ومن شاء تركه ، وأنت تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحفظ .

                    قال أبو ضمرة : وقف ربيعة على قوم يتذاكرون القدر ، فقال ما معناه : إن كنتم صادقين ، فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم ، إن كان الخير والشر بأيديكم .

                    وقال أحمد بن عبد الله العجلي في تاريخه : حدثني أبي قال : قال ربيعة : وسئل كيف استوى ؟ فقال : الكيف غير معقول ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق . وصح عن ربيعة ، قال : العلم وسيلة إلى كل فضيلة .


                    ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد ، قال : صار ربيعة إلى فقه وفضل ، وما كان بالمدينة رجل أسخى بما في يديه لصديق ، أو لابن صديق ، أو لباغ يبتغيه منه . كان يستصحبه القوم ، فيأبى صحبة أحد ، إلا أحدا لا يتزود معه ، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك .


                    يتبع بإدن الله ...............

                    تعليق


                    • #25
                      و قال عند ترجمة رجاء بن حيوة:


                      قال مكحول : ما زلت مضطلعا على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة ; وذلك أنه كان سيد أهل الشام في أنفسهم .


                      قلت : كان ما بينهما فاسدا ، وما زال الأقران ينال بعضهم من بعض ، ومكحول ورجاء إمامان ، فلا يلتفت إلى قول أحد منهما في الآخر .


                      عبد الله بن بكر السهمي : حدثنا محمد بن ذكوان ، عن رجاء بن حيوة ، قال : كنت واقفا على باب سليمان إذ أتاني آت لم أره قبل ولا بعد ، فقال : يا رجاء ، إنك قد ابتليت بهذا وابتلي بك ، وفي قربه الوتغ فعليك بالمعروف وعون الضعيف ، يا رجاء ، من كانت له منزلة من سلطان ، فرفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها ، لقي الله وقد شد قدميه للحساب بين يديه .

                      قلت : كان رجاء كبير المنزلة عند سليمان بن عبد الملك ، وعند عمر بن عبد العزيز ، وأجرى الله على يديه الخيرات ، ثم إنه بعد ذلك أخر ، فأقبل على شأنه .

                      فعن ابن عون ، قال : قيل لرجاء : إنك كنت تأتي السلطان فتركتهم ! فقال : يكفيني الذي أدعهم له .

                      وروى ضمرة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : كنا نجلس إلى عطاء الخراساني ، فكان يدعو بعد الصبح بدعوات ، فغاب فتكلم رجل من المؤذنين ، فأنكر رجاء بن حيوة صوته ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا يا أبا المقدام . قال : اسكت ; فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله .

                      قال صفوان بن صالح : حدثنا عبد الله بن كثير الدمشقي القارئ ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : كنا مع رجاء بن حيوة ، فتذاكرنا شكر النعم ، فقال : ما أحد يقوم بشكر نعمة ، وخلفنا رجل على رأسه كساء ، فقال : ولا أمير المؤمنين ؟ فقلنا : وما ذكر أمير المؤمنين هنا ! وإنما هو رجل من الناس . قال : فغفلنا عنه ، فالتفت رجاء فلم يره ، فقال : أتيتم من صاحب الكساء ، فإن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا . قال : فما علمنا إلا بحرسي قد أقبل عليه ، قال : هيه يا رجاء ، يذكر أمير المؤمنين ، فلا تحتج له ؟ ! قال : فقلت : وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : ذكرتم شكر النعم ، فقلتم : ما أحد يقوم بشكر نعمة ، قيل لكم : ولا أمير المؤمنين ، فقلت : أمير المؤمنين رجل من الناس ! فقلت : لم يكن ذلك . قال : آلله ؟ قلت : آلله .

                      قال : فأمر بذلك الرجل الساعي ، فضرب سبعين سوطا ، فخرجت وهو متلوث بدمه فقال : هذا وأنت رجاء بن حيوة . قلت : سبعين سوطا في ظهرك خير من دم مؤمن . قال ابن جابر : فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس يقول ويتلفت : احذروا صاحب الكساء .

                      و قال عند ترجمة زفر بن الهديل:

                      قال عبد الرحمن بن مهدي : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : لقيت زفر - رحمه الله - فقلت له : صرتم حديثا في الناس وضحكة . قال : وما ذاك ؟ قلت : تقولون : ادرءوا الحدود بالشبهات ثم جئتم إلى أعظم الحدود ، فقلتم : تقام بالشبهات . قال : وما هو ؟ قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقتل مسلم بكافر فقلتم : يقتل به - يعني بالذمي - . قال : فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه .

                      قلت : هكذا يكون العالم وقافا مع النص .

                      و قال عند ترجمة زيد بن أسلم:

                      قال أبو حازم الأعرج : لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا ، وما رأيت في مجلسه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا . وكان أبو حازم ، يقول : لا أراني الله يوم زيد بن أسلم ، إنه لم يبق أحد أرضى لديني ونفسي منه . قال : فأتاه نعي زيد بن أسلم ، فعقر فما شهده .

                      وقال البخاري : كان علي بن الحسين يجلس إلى زيد بن أسلم فكلم في ذلك ، فقال : إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه .

                      و قال عند ترجمة زيد بن ثابت:

                      وقال عبيد بن السباق ، حدثني زيد ، أن أبا بكر قال له : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه .

                      فقلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟

                      قال : هو والله خير .

                      فلم يزل أبو بكر يراجعني ، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر . فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال .

                      و قال عند ترجمة زيد بن علي:

                      قال عباد الرواجني : أنبأنا عمرو بن القاسم قال : دخلت على جعفر الصادق ، وعنده ناس من الرافضة . فقلت : إنهم يبرءون من عمك زيد ، فقال : برأ الله ممن تبرأ منه . كان والله أقرأنا لكتاب الله ، وأفقهنا في دين الله ، وأوصلنا للرحم ، ما تركنا وفينا مثله .
                      وروى هاشم بن البريد ، عن زيد بن علي ، قال : كان أبو بكر -رضي الله عنه- إمام الشاكرين ، ثم تلا وسيجزي الله الشاكرين ثم قال : البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي . وعن معاذ بن أسد قال : ظهر ابن لخالد القسري على زيد بن علي وجماعة ، أنهم عزموا على خلع هشام ، فقال هشام لزيد بن علي : بلغني عنك كذا ؟ ! قال : ليس بصحيح ، قال : قد صح عندي ، قال : أحلف لك ؟ قال : لا أصدقك . قال : إن الله لن يرفع من قدر من حلف له بالله ، فلم يصدق ، قال : اخرج عني ، قال : إذا لا تراني إلا حيث تكره .

                      قلت : خرج متأولا ، وقتل شهيدا ، وليته لم يخرج ، وكان يحيى ولده لما قتل بخراسان ، فقال يحيى :

                      لكل قتيل معشر يطلبونه

                      وليس لزيد بالعراقين طالب



                      و قال عند ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب:


                      وروى أبو سعيد الحارثي ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : دخل سالم على سليمان بن عبد الملك ، وعلى سالم ثياب غليظة رثة ، فلم يزل سليمان يرحب به ، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره ، وعمر بن عبد العزيز في المجلس ، فقال له رجل من أخريات الناس : ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه ، يدخل فيها على أمير المؤمنين ؟ ! قال : وعلى المتكلم ثياب سرية ، لها قيمة ، فقال له عمر : ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك ، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك .

                      قال جويرية بن أسماء : حدثني أشعب الطمع ، قال : قال لي سالم : لا تسأل أحدا غير الله تعالى .

                      قال همام ، عن عطاء بن السائب : دفع الحجاج رجلا إلى سالم بن عبد الله ليقتله ، فقال للرجل : أمسلم أنت ؟ قال : نعم : قال : فصليت اليوم الصبح ؟ قال : نعم ، فرد إلى الحجاج ، فرمى بالسيف ، وقال : ذكر أنه مسلم ، وأنه صلى الصبح ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " فقال : لسنا نقتله على صلاة ، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان ، فقال : هاهنا من هو أولى بعثمان مني . فبلغ ذلك ابن عمر فقال : مكيس مكيس .

                      قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة ، فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سلني حاجة . قال : إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره . فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ، فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها .





                      ....................................يتبع إن شاء الله تعالى
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو ندى فريد العاصمي; الساعة 26-Nov-2007, 02:36 PM.

                      تعليق


                      • #26
                        و قال عند ترجمة سحنون:



                        وروي عن سحنون قال : من لم يعمل بعلمه ، لم ينفعه علمه ، بل يضره .


                        وقال سحنون : إذا أتى الرجل مجلس القاضي ثلاثة أيام متوالية بلا حاجة ، فينبغي أن لا تقبل شهادته .

                        وسئل سحنون : أيسع العالم أن يقول : لا أدري فيما يدري ؟ قال : أما ما فيه كتاب أو سنة ثابتة فلا ، وأما ما كان من هذا الرأي ، فإنه يسعه ذلك ، لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ .

                        وعن سحنون قال : أكل بالمسكنة ، ولا أكل بالعلم . محب الدنيا أعمى ، لم ينوره العلم . ما أقبح بالعالم أن يأتي الأمراء ، والله ما دخلت على السلطان إلا وإذا خرجت حاسبت نفسي ، فوجدت عليها الدرك ، وأنتم ترون مخالفتي لهواه ، وما ألقاه به من الغلظة ، والله ما أخذت ، ولا لبست لهم ثوبا .

                        وعن سحنون قال : كان بعض من مضى يريد أن يتكلم بالكلمة ، ولو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير ، فيحبسها ، ولا يتكلم بها مخافة المباهاة . وكان إذا أعجبه الصمت تكلم ، ويقول : أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما .

                        وعنه قال : أنا أحفظ مسائل فيها ثمانية أقاويل من ثمانية أئمة ، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب ؟ .

                        وقيل : إن زيادة الله الأمير بعث يسأل سحنونا عن مسألة ، فلم يجبه ، فقال له محمد بن عبدوس : اخرج من بلد القوم ، أمس ترجع عن الصلاة خلف قاضيهم ، واليوم لا تجيبهم ؟ ! . قال : أفأجيب من يريد أن يتفكه ، يريد أن يأخذ قولي وقول غيري ، ولو كان شيئا يقصد به الدين لأجبته .

                        وعنه قال : ما وجدت من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي .

                        وعن يحيى بن عون : قال : دخلت مع سحنون على ابن القصار وهو مريض ، فقال : ما هذا القلق ؟ قال له : الموت والقدوم على الله . قال له سحنون : ألست مصدقا بالرسل والبعث والحساب ، والجنة والنار ، وأن أفضل هذه الأمة أبو بكر ، ثم عمر ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، وأن الله يرى يوم القيامة ، وأنه على العرش استوى ، ولا تخرج على الأئمة بالسيف ، وإن جاروا . قال : إي والله ، فقال : مت إذا شئت ، مت إذا شئت .

                        وعن سحنون قال : كبرنا وساءت أخلاقنا ، ويعلم الله ما أصيح عليكم إلا لأؤدبكم .

                        قال أبو العرب عمن حدثه : كان الذين يحضرون مجلس سحنون من العباد أكثر من الطلبة ، كانوا يأتون إليه من أقطار الأرض . ولما ولي سحنون القضاء بأخرة عوتب ، فقال : ما زلت في القضاء منذ أربعين سنة ، هل الفتيا إلا القضاء ؟ . . !

                        وأصل " المدونة " أسئلة . سألها أسد بن الفرات لابن القاسم . فلما ارتحل سحنون بها عرضها على ابن القاسم ، فأصلح فيها كثيرا ، وأسقط ، ثم رتبها سحنون ، وبوبها . واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته ، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها ، بل رأي محض . وحكوا أن سحنونا في أواخر الأمر علم عليها ، وهم بإسقاطها وتهذيب " المدونة " ، فأدركته المنية رحمه الله . فكبراء المالكية ، يعرفون تلك المسائل ، ويقررون منها ما قدروا عليه ، ويوهنون ما ضعف دليله . فهي لها أسوة بغيرها من دواوين الفقه . وكل أحد فيؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذاك القبر -صلى الله عليه وسلم- تسليما . فالعلم بحر بلا ساحل ، هو مفرق في الأمة ، موجود لمن التمسه .


                        تعليق


                        • #27
                          شكرا كثيرا وبارك الله فيكم جميعا

                          تعليق


                          • #28
                            و فيك بارك الله

                            تعليق


                            • #29
                              و قال عند ترجمة سعيد بن جبير:


                              وعن عمر بن حبيب قال : كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث ، ثم رجع إلى الكوفة فجعل يحدث ، فقلنا له في ذلك فقال : انشر بزك حيث تعرف .

                              قال عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير بفارس ، وكان يتحزن ، يقول : ليس أحد يسألني عن شيء . وكان يبكينا ، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك .

                              وقال ضرار بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : التوكل على الله جماع الإيمان .

                              وكان يدعو : اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك .

                              ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .

                              وروي عن حبيب بن أبي ثابت : قال لي سعيد بن جبير : لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري .
                              قال هلال بن خباب : قلت لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب علماؤهم .

                              وقال عمر بن ذر : كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال : إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة ، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .

                              أحمد حدثنا معتمر ، عن الفضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز ، أن سعيد بن جبير قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر . تعجبه العبادة ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .

                              وعن سعيد ، قال : وددت الناس أخذوا ما عندي ; فإنه مما يهمني .

                              أحمد : حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا أمية بن شبل ، عن عثمان بن برذويه قال : كنت مع وهب وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر ، فقال له وهب : يا أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ؟ قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل ، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه . فقال وهب : إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .

                              و قال عند ترجمة سفيان عيينة:

                              قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحدا فيه من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة ، وما رأيت أكف عن الفتيا منه.

                              قال حامد بن يحيى البلخي : سمعت ابن عيينة يقول : رأيت كأن أسناني سقطت ، فذكرت ذلك للزهري ، فقال : تموت أسنانك ، وتبقى أنت . قال : فمات أسناني وبقيت أنا ، فجعل الله كل عدو لي محدثا .

                              قلت : قال هذا من شدة ما كان يلقى من ازدحام أصحاب الحديث عليه حتى يبرموه .

                              الحميدي ، سمع سفيان يقول : لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا أشقى أهله وولده .

                              وقال سفيان مرة لرجل : ما حرفتك ؟ قال : طلب الحديث . قال : بشر أهلك بالإفلاس .

                              وروى علي بن الجعد عن ابن عيينة قال : من زيد في عقله ، نقص من رزقه .

                              ونقل سنيد بن داود عن ابن عيينة قال : من كانت معصيته في الشهوة فارج له ، ومن كانت معصيته في الكبر ، فاخش عليه ، فإن آدم عصى مشتهيا ، فغفر له ، وإبليس عصى متكبرا فلعن .

                              ومن كلام ابن عيينة قال : الزهد : الصبر وارتقاب الموت . وقال : العلم إذا لم ينفعك ضرك .

                              قال محمد بن يوسف الفريابي : كنت أمشي مع ابن عيينة ، فقال لي : يا محمد ، ما يزهدني فيك إلا طلب الحديث . قلت : فأنت يا أبا محمد ، أي شيء كنت تعمل إلا طلب الحديث ؟ فقال : كنت إذ ذاك صبيا لا أعقل . قلت : إذا كان مثل هذا الإمام يقول هذه المقالة في زمن التابعين أو بعدهم بيسير ، وطلب الحديث مضبوط بالاتفاق ، والأخذ عن الأثبات الأئمة ، فكيف لو رأى سفيان -رحمه الله- طلبة الحديث في وقتنا ، وما هم عليه من الهنات والتخبيط ، والأخذ عن جهلة بني آدم ، وتسميع ابن شهر .



                              أما الخيام فإنها كخيامهم


                              وأرى نساء الحي غير نسائها



                              وروى إسحاق الكوسج عن يحيى : ثقة . وعن ابن عيينة قال : الورع طلب العلم الذي به يعرف الورع .



                              و قال عند ترجمة سهل التستري:

                              وروي في كتاب " ذم الكلام " سئل سهل : إلى متى يكتب الرجل الحديث ؟ قال : حتى يموت ، ويصب باقي حبره في قبره .

                              أخبرنا أبو علي بن الخلال أخبرنا ابن اللتي ، أخبرنا أبو الوقت ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا عبد الرحمن بنيسابور ، حدثنا الحسن بن أحمد الأديب بتستر ، حدثنا علي بن الحسين الدقيقي ، سمعت سهل بن عبد الله يقول : من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث ، فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة .

                              وقيل : إن سهل بن عبد الله أتى أبا داود ، فقال : أخرج لي لسانك هذا الذي حدثت به أحاديث رسول الله - -صلى الله عليه وسلم- - حتى أقبله . فأخرجه له .

                              ومن كلام سهل : لا معين إلا الله ، ولا دليل إلا رسول الله ، ولا زاد إلا التقوى ، ولا عمل إلا الصبر عليه .

                              وعنه قال : الجاهل ميت ، والناسي نائم ، والعاصي سكران ، والمصر هالك .

                              وقال : إنما سمي الزنديق زنديقا ، لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله وقياس هوى طبعه ، وترك الأثر والاقتداء بالسنة ، وتأول القرآن بالهوى ، فسبحان من لا تكيفه الأوهام ، في كلام نحو هذا .

                              قال أبو نعيم في " الحلية " : حدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر الجوربي ، سمعت سهل بن عبد الله يقول : أصولنا ستة : التمسك بالقرآن ، والاقتداء بالسنة ، وأكل الحلال ، وكف الأذى واجتناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق .

                              عن سهل : من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق ، ومن اشتغل بالفضول حرم الورع ، ومن ظن ظن السوء حرم اليقين ، ومن حرم هذه الثلاثة هلك .




                              ------------------------------ يتبع إن شاء الله

                              تعليق


                              • #30
                                و قال عند ترجمة شريك:


                                محمد بن يزيد الرفاعي : حدثني حمدان بن الأصبهاني ، قال : كنت عند شريك ، فأتاه بعض ولد المهدي ، فاستند ، فسأله عن حديث ، فلم يلتفت إليه ، وأقبل علينا ، ثم أعاد ، فعاد بمثل ذلك . فقال : كأنك تستخف بأولاد الخليفة . قال : لا ، ولكن العلم أزين عند أهله من أن تضيعوه . قال : فجثا على ركبتيه ، ثم سأله ، فقال شريك : هكذا يطلب العلم .

                                قال عباد بن العوام : قال شريك : أثر فيه بعض الضعف أحب إلي من رأيهم .

                                قيل : إن شريكا أدخل على المهدي ، فقال : لا بد من ثلاث : إما أن تلي القضاء ، أو تؤدب ولدي وتحدثهم ، أو تأكل عندي أكلة . ففكر ساعة ، ثم قال : الأكلة أخف علي ، فأمر المهدي الطباخ أن يصلح ألوانا من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك ، فأكل . فقال الطباخ : يا أمير المؤمنين ليس يفلح بعدها . قال : فحدثهم بعد ذلك ، وعلمهم ، وولي القضاء . ولقد كتب له برزقه على الصيرفي ، فضايقه في النقد ، فقال : إنك لم تبع به بزا . فقال شريك : والله بعت أكبر من البز ، بعت به ديني .

                                قال محمد بن إسحاق الصاغاني : حدثنا سلم بن قادم ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا عباد بن العوام ، قال : قدم علينا شريك من نحو خمسين سنة ، فقلنا له : إن عندنا قوما من المعتزلة ، ينكرون هذه الأحاديث : إن أهل الجنة يرون ربهم و إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فحدث شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا ، ثم قال : أما نحن ، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين ، عن الصحابة ، فهم عمن أخذوا ؟

                                قال علي بن خشرم : فأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث ، أنه عرض هذا على عبد الله بن إدريس ، فقال ابن إدريس : أنت سمعت هذا من حفص ؟ قلت : نعم . قال : الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه ، فوالله إنه لشيعي ، وإن شريكا لشيعي .


                                قلت : هذا التشيع الذي لا محذور فيه - إن شاء الله - إلا من قبيل الكلام فيمن حارب عليا - رضي الله عنه - من الصحابة ، فإنه قبيح يؤدب فاعله . ولا نذكر أحدا من الصحابة إلا بخير ، ونترضى عنهم ، ونقول : هم طائفة من المؤمنين بغت على الإمام علي ، وذلك بنص قول المصطفى - صلوات الله عليه - لعمار : تقتلك الفئة الباغية . فنسأل الله أن يرضى عن الجميع ، وألا يجعلنا ممن في قلبه غل للمؤمنين . ولا نرتاب أن عليا أفضل ممن حاربه ، وأنه أولى بالحق - رضي الله عنه .
                                ------------------------يتبع إن شاء الله تعالى

                                تعليق

                                يعمل...
                                X