إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

« عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [صوتية وتفريغها] « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي




    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

    أما بعد :
    فهذه مادة صوتية ومفرغة
    بعنوان


    « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله »
    لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي حفظه الله


    تفريغ منقول
    للاستماع والتحميل:








    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد المغربي; الساعة 17-Jan-2014, 01:48 AM.

  • #2
    رد: [ تفريغ ] « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

    تفريغ المحاضرة بصيغة الوورد

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 18-Feb-2014, 03:38 PM.

    تعليق


    • #3
      رد: « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي





      [ تفريغ ]
      « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله »
      لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالىٰ - .



      بسم الله الرَّحمـٰن الرَّحيم

      السَّلام عليكنَّ ورحمة الله وبركاته








      فضيلة الشَّيخ الدُّكتور / مُحمَّد بْن هادي المَدخلي - حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ -: السَّلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته :

      الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَىٰ نَبيِّنا مُحمَّدٍ ، وعَلَىٰ آلهِ وصَحبهِ أجمعين ،

      وعَلَىٰ أتباعهم بإحسانٍ إلىٰ يوم الدِّين ، أمَّا بَعْدُ :

      فيا معشر الإخوان ! يسُّرنا الاِلتقاء بهٰذه اللَّيلة ، ليلة الخميس ، الموافق للثَّالث من شهر شعبان ،

      عام واحدٍ وثلاثين وأربعمئةٍ وألف ، في هٰذه المدينة : مدينة الطَّائف ، الَّتي نسأل اللهُ سُبْحانهُ وتَعَالَىٰ أنْ

      يجعلها عامرةً بذكره ، وأنْ يُجنِّبها وسائر بلادِ المُسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن .

      أيُّها الأخوة في الله ! إنَّ الحديث -كما يُقالُ - ذو شجونٍ ، ولـٰكن ! ممَّا يُحتاج إليه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ،

      وفي هٰذهِ الأيَّام بالأخصِّ ؛ التَّذكير بأمر الدَّعوة إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، فإنَّ الدَّعوة إلى الله جَلَّ وَعَلَا هي

      طريقُ الأنبياء والرُّسل ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

      قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ : ﴿ قُلْ هَــٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ

      الْمُشْرِكِينَ « يوسف : 108 » ،

      ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا « الأحزاب : 45 ، 46 » .

      فهي طريق الأنبياء والرُّسل صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، وخاتمهم وسيّدهم وإمامهم ،

      رسولنا مُحمَّد بْنُ عبدِ الله صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، كما قالَ جَلَّ وَعَلَا : ﴿ قُلْ هَــٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ

      عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ « يوسف : 108 » .

      ولأجل ذٰلك ما كان هُناكَ عملٌ أفضل مِنْ عمل الدَّعوة إلى الله ، قالَ جَلَّ وَعَلَا مُبيِّنًا فضل الدَّعوة إليه ،

      وعظيم منزلتها : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ « فُصِّلت : 33 » .

      والجوابُ : لا أحد أفضلُ عملاً ، ولا أعظمُ عملاً ، ولا أعظمُ أجرًا ، مِنْ هٰذا الَّذي دعا إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

      وعَمِلَ الصَّالحات واسْتقام علىٰ دين الله جَلَّ وَعَلَا .

      كيف يكون هُناك عملٌ أفضل مِنْ هٰذا العمل وهو عمل الأنبياء والرُّسل صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ؟!

      لا عملَ أفضل مِنْ هٰذا .

      والدَّعوة إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ فِي هٰذه الأيَّام ، وفي سواها ممَّا تقدَّم وما سيأتي الحاجة إليها ماسَّة ،

      وفي مجتمعات الجهل والبدع ، وفي أزمان الجهل والبدع والشِّرك الحاجة تكون إليها أشدّ ؛

      وحين ذهاب العُلماء - عُلماء الشَّريعة - ، حملة الدِّين وأنصار المِلَّة ،

      وهُداة الخلق إلى دين ربِّ العالمين تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ الحاجة إليها أشدُّ وأشدّ ، ونحن في هٰذا الزَّمان ؛

      وفي هٰذه الآونة بالأخصّ النَّاس مُحتاجون إلى الدَّعوةِ إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، مُحتاجون إلىٰ مَنْ يُبصِّرهم

      بدين اللهِ الحقِّ ، وبصراطه المستقيم ، وبمنهج رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأصحابهِ البررة الميامين ،

      والتَّابعين لهم بإحسان .

      النَّاس فِي حاجة لا سيَّما فِي هٰذه الآونة ، وقد كَثُرَ فيها المحدِّثون وكَثُرَ فيها المتكلِّمون ؛

      وكلُّ شخصٍ يُدلي بدلوه ، سواءً كانَ ممَّن لهُ نصيبٌ في العلم الشَّريعة ، أو كان مِنَ المُثقَّفين ،

      وغرَّ النَّاس ظهورهُ أمامهم على الشَّاشات ؛ والقنوات الفضائية ، حتَّىٰ أصبح النَّاس لا يعرفون إلَّا هـٰؤلاء ؛

      وإنْ قَلَّ نصيبهم مِنَ العِلم ؛ وأحسنوا الكلام وأحكموه ، ولـٰكنَّهم لا يُحسنون حفظ الأدلَّة الشَّرعيَّة ؛

      وإنْ حفظوا دليلاً ما أحسنوا الاِسْتنباط والاِسْتدلال ، فأصبح هـٰؤلاء على النَّاس بليَّة أُخرىٰ ؛ ومحنة أُخرىٰ ،

      ومُصِيبةٌ ثانية تعلَّق النَّاسُ بِهم ، فرأَوْهُم هُم الأشياخ ؛

      فربَّما لقَّبوهُم بالعُلماء وبالمشايخ وأصبحوا يصدرون ؛ ويردون عنْ قَولهم ، وبسبب ذٰلك عمَّت البليَّة ،

      فزُهِّدَ فِي العُلماء ؛ وزُهِّدَ في العُلماء ، وأُقْبِلَ علىٰ هـٰؤلاء المُثقَّفِين الَّذين يُحسنون الكلام ولا يُحكمون الأحكام ؛

      الإِحكام للأَحكام عند هـٰؤلاء قليلٌ جدًّا أو نادر أو لا يكاد يُوجد !،

      وإحكامهم للكلام - ما شاء الله !- مِنَ الدَّرجةِ العُليا بمكان حيثُ غرُّوا النَّاس ؛

      فلأجل ذٰلك معشر الإخوان ! أصبحت الحاجة ماسَّة إلى الدَّعوةِ إلى الله ببيان دينهِ وشرعهِ ،

      ومنهاجهِ الَّذي بعثَ بهِ رسولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بيان أحكام الشَّريعة ، والإشادة بعُلماء الشَّريعة ،

      وحَمَلَةِ الشَّريعة ، وحَفَظَةِ الشَّريعةِ حقًّا ، وتوجيه النَّاسِ إليهم ، وإرشادهم إليهم ،

      حتَّىٰ يصدروا عَنْ أقوالهم وأفعالهم الَّتي يرونهم يعملونها فيقتدون بهم ، لأنَّ هـٰؤلاء هُم القُدوة ،

      وهُم الأُسوة بعد رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبعد أصحابهِ الكرام ،

      والقُرون الْمُفضَّلة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا ، وذٰلك لأنَّهُم تمثَّلوا الشَّرع في أقوالهم وأفعالهم ،

      وزَمُّوا نفوسهم بزمام الدَّليل ؛ فلا تراهُم يخرجون عنه ،

      فَحُقَّ لمن كان هٰذا حالهُ ومقالهُ أنْ يُصْدَرَ عنْ قَوله ، وأنْ يُقتدىٰ بهِ في فعله ،

      والنَّاس اليوم في حاجةٍ ماسَّة إلى الاِجتهاد فِي الدَّعوة ، وبيان الحقِّ لهُم ، وتبليغ الوجه الصَّحيح « لهٰذا الدِّين » .

      مَنْ كانَ يظن أنَّهُ سيأتي على النَّاس زمانٌ يُدعىٰ فيه إلى المساواة بين المسلم وغَيره ؟!

      وها نحنُ اليوم نسمع : أنَّهُ لا فرق بين المسلم وغيره ; ويستدلُّ بعضُ هـٰؤلاء الَّذين اِنحرفوا

      بقول اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ « البقرة : 256 » ،

      وقول اللهِ تَعَالَىٰ : ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ « الحُجرات : 13 » ،

      وهـٰكذا ؛ وينسىٰ أوَّلَ الآية : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ « الحُجرات : 10 » ،

      وينسىٰ الآيات الكثيرة فِي هٰذا الباب ؛ والأحاديث الكثيرة فِي هٰذا الباب ،

      ومن أشهر ما في هٰذا : ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا

      آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ الآية « المُجادلة : 22 » .

      ويتناسوْنَ قولِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ « آل عمرآن : 19 » ،

      وقولهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي

      اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ . . . « آل عمرآن : 85 ، 86 » ،

      وينسىٰ قولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( والَّذي نفسي بيده ؛ لَا يسمعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هـٰذِهِ الأُمَّةِ :

      يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ، ثمَّ يموتُ وَلَمْ يُؤمِنُ بالَّذِي أُرسِلْتُ بهِ ؛ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) ([1]) .

      بَلْ أعجبُ مِنْ ذٰلكَ ! لا تقول : يهوديّ ؛ ولا نصرانيّ ؛ ولا تقول حتَّىٰ كافِر ؛ ولا يُمكن أنْ تقول إنَّ

      اليهود كُفَّارٌ والنَّصارىٰ كُفَّارٌ !!

      ماذا نقول ؟! نقول الآخر . هم أنفُسهم يُطلقون علىٰ أنفُسهم هٰذا الاِسْم ؛ وأنتَ لا تُريدنا أنْ نُطلقه ؟!

      يهود ونصارىٰ : ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ« المائدة : 18 » ،

      اليهود قالت هٰذا القول ؛ واللهُ جَلَّ وَعَلَا مِنْ أوَّلِ كتابهِ إلىٰ آخرهِ لا يُسمِّيهم إلَّا بهٰذا الاِسْم ،

      وحَكَمَ عليهم بالكُفر : ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ « المائدة : 72 » ،

      هـٰؤلاء النَّصارىٰ ، وقال جَلَّ وعَلَا عنهم وعنِ اليهود : ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ

      ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ « التَّوبة : 30 » ،

      ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ . . .« المائدة : 82 » ، الآية ، وهـٰكذا .

      مَنْ كانَ يظنُّ أنَّهُ سيأتي على النَّاس زمانٌ تُصَكُّ مَسامِعَهُم بمثل هٰذا الكلام ؟!

      ويُقالُ : بأنَّ هٰذا العصر عصر التَّنوُّر ، وعصر التَّطوُّر ؛ وعصر لقاء الحضارات والثَّقافات ونحو ذٰلك .

      وما المقصودُ مِنْ ذٰلكَ ؛ إلَّا محو الرُّكنِ الرَّكين فِي قُلوبِ المؤمنين ؛ ألا وهو الولاء والبراء :

      ° الولاء لأولياء الله ، المؤمنين بهِ وبرسولهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

      ° والبراء مِنْ أعداء اللهِ ورسوله ، الَّذين كفروا باللهِ ورسوله .




      ....................................
      [1] مِنْ حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يرفعهُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( والَّذِي نَفْسِي بيدِهِ ؛ لَا يَسْمَعُ بِي رَجُلٌ مِنْ هٰذِهِ الأُمَّةِ : ولَا يُهوديٌّ ، ولا نصرانيٌّ ؛ ثمَّ لمْ يُؤمِنْ بِي ؛
      إلَّا كانَ مِنْ أَهلِ النَّارِ ) . انظر "الصَّحيحة" ( 157 ) .



      المصدر


      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 18-Feb-2014, 03:42 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

        فمثل هٰؤلاء غَـرُّوا النَّـاسَ ؛ وما ذٰلكَ إلَّا لكثرة ظُهورهم عليهم فِي « الشَّاشات» و « القَنوات »

        وفي « الفضائيَّات » فأصبح النَّاس لا يرىٰ إلَّا هـٰؤلاء ؛ وظنُّوهم عُلماء ؛ فعَظُمت فيهم الفتنة والبليَّة

        فهٰؤلاء هُم الَّذين يصدُق عليهم وعلىٰ أمثالهم قولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ هٰذا الْعِلْمِ

        اِنْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ ؛ ولـٰكِنْ يَقْبِضُ الْعِلمَ بِقَبْضِ الْعُلمَاءِ ، حَتَّىٰ إِذَا لَمْ يَبْقَىٰ عالمٌ ؛

        اِتَّخذَ النَّاسَ رُءُوسًا جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأفتوْا بغير عِلْمٍ ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) ([1]) .

        وهـٰكذا بقيَّة الميادين الأُخرىٰ فِي الحلال والحرام ، كلُّ ما كنَّا نعرفه ، ونعرف أدلَّته إمَّا إجماعًا قطعيًّا ،

        وإمَّا فيه خلافٌ لا عبرة به لكونهِ خلافٌ مردودٌ ، أصبح الآن يُشكّك فيه ، فالرِّبا نسمعُ بين الفينة والفينة

        مَنْ يُحلُّهُ أو يُحِلُّ أنواعًا منه ،

        وهـٰكذا إذا جئت إلى الغناء وجدت ذٰلك ،

        وهـٰكذا إذا جئتَ إلى الاِختلاط وجدت ذٰلك ،

        وهـٰكذا إذا جئت إلى التَّبرُّج والسُّفور الَّذي هو أعظمُ داعٍ إلى الفتنة والفجور وجدت ذٰلك ، وهـٰكذا وهـٰكذا ،

        حتَّىٰ وصلَ الأمر بأنَّ صلاة الجماعة ليست واجبة ؛ وكلُّ واحدٍ يُصلِّي فِي مكانه ،

        واللهُ جَلَّ وَعَلَا يقولُ لرسوله : ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ

        وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ « النِّساء : 102 » الآيات في صلاة الخوف .

        فلم يُسقط الله جَلَّ وَعَلَا الصَّلاةَ مع الجماعة في حالِ المُسايفة ، فِي حال لقاء العدوِّ والسِّيوفُ مُسْلَطة ؛

        تبرُقُ ، والموت يسيلُ علىٰ ظِبَائِها ؛ ما أسقط اللهُ جَلَّ وَعَلَا صلاة الجماعة ، بَلْ أوجبها ،

        ونسمع اليوم ما نسمع ، وعلىٰ كلِّ حالٍ كما قيل : نعم ؛ وإنْ وُجِدَ فِي المسألة خلاف ، ولـٰكنْ !



        ليسَ كلِّ خلافٍ جاءَ مُعتبرًا ° ° ° إلَّا خلافًا لهُ حظٌّ مِنَ النَّظرِ .


        فإذا كان الخلافُ لا حظَّ له مِنَ النَّظر فهوَ خلافٌ مردودٌ ، والنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ همَّ بتحريق البيوت

        علىٰ مَنْ لا يحضر صلاة الجماعة ([2]) ، وبَيَّنَ المانع له مِنْ ذٰلك .

        وهو مَنْ ؟ هو فيها ممَّن لا يجب عليهم حضور الجماعة - مع المسلمين فِي المساجد - وهُم النِّساء والذُّرِّيَّة ،

        لولا؛ ما فيها مِنَ النِّساء والذُّرِّيَّة لحرَّقها عليهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولولا حرص الاِمتناع لوجود -،

        لولا؛ هٰذا المانع موجود لوُجد التَّحريق - ، فدلَّ ذٰلك علىٰ وجوب صلاة الجماعة ،

        وهو مِنْ علامات النِّفاق ؛ - التَّخلُّف عنها - ، كما جاء ذٰلك مِنْ حديث اِبن مسعود ، وأصبحَ مثل هـٰؤلاء

        الرُّويْبضة يُضعِّفـُون الأحاديث فِي « الصَّحيحن » ولا يُبالون .

        هٰذا تخصُّصه حشرات ، وهٰذا تخصُّصه طب ، وهٰذا الطِّب البيطريّ ، وهٰذا تخصُّصه كيمياء ،

        وهٰذا تخصُّصه كذا ؛ وأصبح يفتات علىٰ دين اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ؛

        فأصبحَ النَّاس بسبب هٰؤلاء الْمُفتين؛ الْمُفتنين لهم فِي هرجٍ ومرجٍ ؛ فالنَّاس فِي حاجة إلى الدَّعوة إلى الله ،

        فِي حاجة إلى القيام بذٰلك ، الواجب على الوجه المطلوب ،

        وإلَّا لو تُرِكَ النَّاسُ وخُلِّيَ السَّبيل بينهم وبين وما يُلقى إليهم وعلىٰ مسامعهم لضلُّوا بسبب هٰؤلاء الدُّعاة الْمُضلِّين ؛

        أنتم ترونَ فِي هٰذا الزَّمن - والحمدُ لله - مع اِنفتاح الإعلام الَّذين يقولون : ما عاد بقي شرك ؛

        أكذبهم اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ !. شرك القُبور ، يقولون : ما عاد بقي شرك القُبور ؛

        أكذبهم اللهُ علىٰ رؤوس الأشهاد !.

        فترونَ فِي الشَّاشات والفضائيَّات ما يُنقل على الأبصار مِنَ السُّجودِ والرُّكوع لبعضِ المشاهد والقُبور ؛

        وخصوصًا فِي البلدان الأُخرىٰ مِنَ البلدان المُسلمين ، وأكثر ما هو ظاهرٌ فِي البلاد الرَّفض والتَّشيُّع ؛

        ترون ذٰلك ، تُعْبدُ هٰذه القُبور مِنْ دون اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ جهارًا نهارًا ؛ ولا مِنْ مُنكرٍ علىٰ هـٰؤلاء .

        فالواجب علينا جميعًا أنْ نعلم أنَّ مثل هٰذه الكلمات النَّشاز المُنكرة ؛ ما هيَ إلَّا لِـوأد الدَّعوة إلى الله

        على الوجه الصَّحيح ، وتخذيل أصحابِها ، وفتكِ هـٰؤلاء الفتَّاكين فِي عَضُدِ الدُّعاة إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ

        علىٰ بصيرة ، والواجب علينا جميعًا ؛ وقد أعاننا اللهُ جَلَّ وَعَلَا بمثل هٰذه الوسائل الَّتي تكشف

        هٰؤلاء أنْ نكونَ أشدَّ نشاطًا وأعلىٰ هِمَّةً فِي القيام ببيان الحقِّ والنُّصحِ للخلقِ ، وإرشاد الخلق ،

        وذٰلك بتنبيه الغافل وتذكيره ، وتعليم الجاهل وتبصيره ، والتَّذاكُر مع المساوي لكَ فِي العلم ،

        وحثِّ بعضنا بعضًا على القيام بما أوجب اللهُ جَلَّ وَعَلَا علينا ، كما قُلت لا سيَّما ونحن في هـٰذا الزَّمن يقلُّ

        فيه العُلماء ؛ إذا مات العالم صار مكانهُ ثُلْمَةً فِي دينِ اللهِ ، لا نجد مَنْ يسدّ مسدَّة ،

        بَلْ عشرات لا يسدُّون مسدِّ العالِم ؛ فالنَّاسُ بحاجة معشر الإخوان ، ويجب علينا أنْ نعلم أنَّ الحِرص

        علىٰ هداية النَّاس إلىٰ الخير هٰذا ممَّا مُدِحَ بهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ

        عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ « التَّوبة : 128 » .


        ............................................
        [1] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَقْبضُ الْعِلْمَ اِنْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ ؛
        وَلَـٰكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَماءِ ، حَتَّىٰ إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا ؛ اِتَّخَذَ النَّاسَ رُءُوسًا جُهَّالًا ،فَسُئِلُوا ، فَأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) .
        البُخاريّ (100)، ومسلم (2673) .

        [2] عن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قالَ : قالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ ؛
        وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا؛ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ من حَطَبٍ
        إلى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ) . البُخاريِّ (626)، ومسلم (651) .

        تعليق


        • #5
          رد: « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

          فهوَ رءُوفٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ بالمؤمنين ، وهو حريصٌ أيضًا على الخلقِ أجمعين .

          ولقد كانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ القُدوة العُليا في هـٰذا الباب لا يَصِلُ إليهِ أحدٌ ، ولنْ يَصِلَ إليهِ أحدٌ ،

          ولـٰكنْ ! جعلهُ اللهُ لنا قُدوةً وأُسْوةً .

          فالقُدوةُ هو عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ فِي « عُلُوِّ الهمَّة » بِالقِيام بهٰذا الواجب العظيم الَّذي هو

          واجب الأنبياء والرُّسل ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

          فلقد كانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامَ مِنْ بدايةِ بعثتهِ لا يَفتؤُ ، ولا يَفترُ فِي تبليغ هٰذا الدِّين ،

          ومُباداة قُريشٍ بتسفيه ما هم عليه ، وبيان الحقِّ لهم ودعوتهم إلى الحقِّ ؛

          وهو عبادة اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ وَحدهُ لا شَريكَ لهُ ، وبيان ما هُم عليهِ مِنَ البَاطِل وأنَّهُم على الباطل ؛

          وأنَّهُم إنْ بَقوْا علىٰ ذٰلك فإنَّهُم مِنْ أهلِ النَّار ؛ حتَّىٰ وصل الأمر بهم إلىٰ ما وصل معه ،

          وتآمروا علىٰ قتله ، وكانَ قبل ذٰلك يعرض نفسه علىٰ أهل الموسم ، ويقول : ( مَنْ يحملني إلىٰ قومه ؛

          حتَّىٰ أُبلِّغ كلام ربِّي ، فإنَّ قُريشًا منعنتي أنْ أُبلِّغَ كلام ربِّي ) ([1]) ،

          وصَعِدَ إلىٰ هٰذه المدينة - إلى الطَّائف - حِرصًا منه علىٰ أنْ يجدَ نصيرًا له ، عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يؤويه ،

          ويناصره ، حتَّىٰ يُبلِّغَ هـٰذا الدِّين ، وصَعِدَ هـٰذا الجبل العظيم الَّذي نحنُ الآن ننزل بسيَّاراتنا وأحيانًا بالطَّائرات

          إلى المدينة الأُخرى ، وأحيانًا بهـٰذه الوسائل الحديثة ، ومع ذٰلكَ نجد مشقَّةً فِي صُدورنا وفِي أنفاسنا ،

          ومع ذٰلك الوسائل المُريحة متوفِّرة ، وقد صَعِدهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ مشيًا ما فَتَر ،

          ولا وَنَى ، ولا لَانَتْ لهُ قَنَاه ، ولَا ضَعُفت لهُ عزيمة ، ولَا خَارَتْ لهُ قوَّة ، عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ،

          فقُوبِلَ بما قُوبِلَ مِنْ سُفهاءها ، إذ سَلَّطَ مُشركوها سُفهاءها عليه ، عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ،

          فعادَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ كئيبًا حزينًا ، ومع ذٰلكَ لم ينقطع الأمل باللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

          وكانَ يدعو الله أنْ يُخرِجَ مِنْ أصلابِ هـٰؤلاء الَّذين كذَّبُوه مَنْ يعبد الله لا يُشركَ بهِ شيئًا ([2]) ،

          حتَّىٰ هيَّأ اللهُ لهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأنصار فنصروه ، ونصرَ اللهُ بهم الدِّين ، ونصرهُم برسول ربِّ الْعَالَمين ،

          صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، فعزَّوا بعد ذِلَّةٍ ، وكَثُروا بعد قِلِّةٍ ، وقوَّوا بعد ضعفٍ ،

          وأظهرهُم الله علىٰ غيرهم مِنَ العَرب ، فكانوا هُم شِعار الإسلام رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُم أَجْمَعِينَ ،

          حتَّىٰ قالَ فيهم النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الأنصار شِعارٌ ، والنَّاسَ دِثارٌ ) ([3]) .

          والشِّعار : هو الثَّوب المناسق للبشرة ، للجلد الدَّاخلي .

          والدِّثار : هو الَّذي فَوقه .

          وهـٰذا دليلٌ علىٰ قُرب الأنصار مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ، ومكانتهم فِي قلبِه .

          ولمَّا قَسمَ غنائم حُنين فِي الجِعرانة ، وكانَ ما كانَ ممَّا وُجِدَ فِي قلوبهم ،

          قالَ لهم عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ : " ( أما ترضون أنْ يذهب النَّاسَ بالشَّاة والبعير ،

          وتنقلبوا برسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلىٰ دياركم ؟! ) ([4]) .

          قالوا : بلى رضينا يا رسول الله ! " . فَبَكوْا حتَّىٰ اِخْضَلَّتْ لحاهم مِنَ الدُّموع رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ،

          وقد قال فيهم النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( آية الإيمان حبُّ الأنصار ، وآية النِّفاق بُغض الأنصار ) ([5]) .

          فبغضهم نفاقٌ ، وزندقةٌ وكفرانٌ ، وحبُّهم إيمانٌ ، وطاعةٌ لربِّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى الرَّحمـٰن .

          نصروهُ وآووه ، ونصرهُم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ به ، بهٰذا الدِّين الَّذي جاءَ بهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ،

          فلمَّا اِسْتقرَّت دولة الإسلام فِي المدينة وقَوِيَ أمر المسلمين واشْتدُّوا بدأ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يُرسل الدُّعاة

          إلى الأقاليم ، وإلى الملوك ، وإلى الوُجَهاء ، ما فَتَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ، فأرسلَ إلى البحرين ،

          وأرسلَ إلىٰ بلاد فارس ، وأرسلَ إلىٰ بلاد الرُّوم ، وأرسلَ إلىٰ بلاد اليمن ،

          لماذا ؟! حِرصًا علىٰ هداية النَّاس ، ولتبليغ النَّاس الدِّين الحقِّ ،

          والواجب علىٰ كلِّ داعيةٍ إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ أنْ يَسْتنَّ بِسُنَّتِه عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ،

          فيُركِّز ويبدأ بما بدأ بِه عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ ، فيبدأ بتوحيد اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ،

          وتحقيق العقيدة فِي قُلُوب النَّـاس ، حتَّىٰ تصفوَ مِنَ الشَّوائب الَّتي تُكدِّر صفوها ؛

          إمَّا أنْ تُناقضها بالكليَّة مِنْ أصلها ، وإمَّا أنْ تُناقضَ كمالها ،

          يحرص كلَّ الحرص علىٰ تطهير التَّوحيد مِنَ الشِّرك الأكبر والشِّرك الأصغر ،

          ثمَّ بعد ذٰلك يحرص علىٰ تعليم النَّـاس ما ينفعهم ، وليعلم أنَّهُ لو هدى اللهُ به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ رجلاً واحدًا

          خيرٌ لهُ مِنْ حُمْرِ النَّعم . كما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعليٍّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ،

          حينما قالَ : ( لأعطينَّ الرَّاية غدًا رجلاً يحبُّه الله ورسوله ، ويحبُّ الله ورسوله ) ([6]) .

          فباتَ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم يَدُوكونَ ([7]) ليلتهم ، أيُّهم يُعطاها ؟!

          كلُّهم يحبُّ أنْ يُعطاها ، لا لأجل الرَّاية ؛ - لأجل الولاية - لا ؛ لأجل ما بعدها وما ترتَّب عليها ،

          وهو إثبات الشَّهادة له مِنْ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنَّهُ يحبُّ الله ورسوله ويحبُّهُ الله ورسوله .

          يقول عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : " ما تشوَّفتُ لها إلَّا ذٰلكَ اليوم " لماذا ؟

          لأنَّ فيها شهادة مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُ يحبُّ اللهَ ورسوله ، ويحبُّهُ الله ورسُوله ،

          فأحبَّها لأجلِ ذٰلكَ حتَّىٰ تكون شهادةً لهُ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ ، لا لشَيْءٍ آخر .

          فلمَّا أصبح الصَّباح جيءَ إليه بِـ عليٍّ بْنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ يشتكي عيْنيه رَمِدَ فيها ،

          فَبَصَقَ فيها عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ فَبَرأَ كأن لم يكن به وجعٌ ، ثمَّ أعطاهُ الرَّاية ،

          وقال له : ( انْفُذْ علىٰ رِسْلكَ ) ، ووصَّاهُ ، ثمَّ قالَ لهُ فِي آخر الحديث : ( لواحدٌ يهديه الله بِكَ خَيْرٌ لَكَ

          مِنْ حُمْرِ النَّعم ) .

          فالواحد يهديه الله جَلَّ وَعَلَا أيُّها المُسلم ! علىٰ يديك ، بكلمةٍ طيِّبةٍ ، بكلمةٍ صالحةٍ ، ببيانِ حُكمٍ شرعيٍّ ،

          خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرُ النَّعم ، لا تتكاسل ؛ لا تَتوانىٰ ، لا تُفرِّط ، لا تَضعُف ، لا تقول غيري يكفيني ،

          وغيري قد كفاني ، ولا تقول الدَّعوة إلى الله فرضٌ على الكفاية ، وإذا قامَ به البعض سقط عن الباقين ،

          لا ؛ ولـٰكنْ ! بَلِّغ بقدر ما تستطيع ، عَلِّم بقدر ما تستطيع ، أنْكر بقدر ما تستطيع ،

          ووَجِّه بقدر ما تستطيع ، لأنَّكَ إنْ درَّبت نفسكَ علىٰ ذٰلكَ لا يُمكن بعدَ ذٰلكَ أنْ تركن إلى الضَّعف .

          واعْلم ! أنَّ الدُّنيا هـٰذه مَشْغلةٌ ، والولد مَجْبنةٌ مَبْخلةٌ ، الأولاد والأموال والأهلون كثيرًا ما يُفوِّتون على

          الإنسان الخير ، وحبِّ الدَّعَةِ والرَّاحة كثيرًا ما يُفوِّت على الإنسان الخير ، والنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ

          ما كانَ يأنس إلى الدُّنيا ، ولا يرَكن إليها ، وإنَّما كانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ يأخذُ بالجدِّ وبالعزيمة ،

          صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ .



          ..............................................
          [1] عَنْ جَابِرِ بْن عبد اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : "كانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ على النَّاس بِالْمَوْقِفِ فيقول :
          ( هل من رَجُلٍ يحملني إلى قَوْمِهِ فإن قُرَيْشاً قد منعوني أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ ربي عز وجل ) " . أحمد (3/390)، وابن ماجه (201).

          [2] عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت لِلنَّبِيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هل أتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟!
          قالَ : ( لقد لَقِيتُ من قَوْمِكِ ما لَقِيتُ وكان أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يوم الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَىٰ بْن عبد يا ليل بْن عبد كُلَالٍ فلم يُجِبْنِي إلىٰ ما
          أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي فلم أَسْتَفِقْ إلَّا وأنا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فإذا أنا بِسَحَابَةٍ قد أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ فَنَادَانِي
          فقالَ : إِنَّ اللَّهَ قد سمع قَوْلَ قَوْمِكَ لكَ وما رَدُّوا عَلَيْكَ وقد بَعَثَ الله إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ
          ثُمَّ قالَ : يا مُحمَّد ! فقال ذٰلك فِيمَا شِئْتَ إن شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهم الْأَخْشَبَيْنِ ؟ فقالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
          ( بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئا ) " . البُخاريِّ (3059)، ومسلم (1795) .

          [3] جزء من حديث عبد اللَّهِ بن زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : ( الأنصارُ شِعارٌ ، والنَّاس دِثارٌ ) . أحمد (4/42)، ومسلم (1061).

          [4] عن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ : "إنَّ أناسًا مِنَ الأنصار قالوا حينَ أفاء الله على رسوله مِنْ أموال هوازن ما أفاءَ ، فطفقَ يُعطي رجالًا مِنْ قُريش
          المائة مِنَ الإبل ، فقالوا : يغفرُ الله لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي قريشًا ويدعُنا وسيوفُنا تقطُر مِنْ دمائهم !
          فحدِّث لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فأرسل إلى الأنْصارِ فجمعهم فِي قُبَّة مِنْ أَدَم ولم يَدْعُ معهم أحدًا غيرهم ،
          فلمَّا اِجتمعوا جاءهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : ( ما حديثٌ بلغني عنكم ! ) . فقالَ فقهاؤهم : أمَّا ذَوُوا رأينا يا رسول الله !
          فلم يقولوا شيئًا ، وأمَّا أُناسٌ منَّا حديثة أسنانهم قالوا : يغفرُ الله لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعطي قريشًا ويدعُ الأنصار
          وسيوفُنا تقطُر مِنْ دمائهم ، فقالَ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنِّي أُعطي رجالاً حديثي عهدٍ بكفر أتألَّفُهم ، أما ترضوْنَ أنْ يذهب
          النَّاسُ بالأموالِ وترجعون إلىٰ رحالكم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! ) .
          قالوا : بلى يا رسول الله ! قد رضينا" . البُخاريِّ (297، ومسلم (1059) .

          [5] عن أنس رضي الله عنه، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قالَ : ( آية الإيمان حبُّ الأنْصار ، وآية النِّفاقِ بُغضُ الأنصار ) .
          البُخاريِّ (17)، ومسلم (74) .

          [6] عن سهل بْن سعد رضي الله عنه، أنَّ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ يوم خيبرٍ : ( لأعطينَّ هـٰذِهِ الرَّايةَ غدًا رجلاً يفتح اللهُ علىٰ يديه ،
          يُحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه ) . فلمَّا أصبح النَّاسُ غَدوا عَلىٰ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلُّهم يرجونَ أنْ يُعْطاها ،
          فقال : ( أينَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ ؟ ) . فقالوا : هو يا رسولَ الله ! يشتكي عينيه . قالَ : ( فأرسلوا إليه ) .
          فأُتِيَ بهِ فَبَصَقَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عينيه فَبَرَأَ حتَّىٰ كأنْ لم يكن به وجعٌ ، فأعطاهُ الرَّاية ، فقالَ عليٌّ : يا رسول الله !
          أُقاتلهُم حتَّىٰ يكونوا مِثلنا ؟ قالَ ( انْفُذْ علىٰ رِسلكَ حتَّىٰ تنزل بساحتهم ، ثمَّ ادعُهم إلى الإسْلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم مِنْ حقِّ اللهِ فيه ،
          فوالله ! لأن يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً واحدًا خيرٌ لكَ مِنْ أنْ يكونَ لكَ حُمْرُ النِّعم ) . البُخاريِّ (2847)، ومسلم (2406).

          [7] قوله : « يَدُوكون » ، أيْ : يخوضونَ ويموجون ، ويختلفونَ فيه . « لسان العرب » لابن منظور .

          تعليق


          • #6
            رد: « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

            فالواجب عَلَينا جميعًا ألَّا نَتَوانى ، وألَّا نُفَرِّط ، وفِي هـٰذِه الأيَّام بالذَّات -كما قُلت- الواجب علىٰ أهْل

            العِلم عظيمٌ ، مَنْ فَتَحَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عليهم بالعِلم الشَّرعيِّ الموروث عَنْ رسُول اللهِ

            صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعَنْ أصْحابِه الكرام ، عليهم واجبٌ عظيمٌ ، فِي بيان هـٰذا الدِّين الصَّحيح الصَّافي النَّقيِّ

            الَّذي تركنا عليه رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

            قالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ والسَّلَامَ لمَّا رأىٰ أمير المؤمنين عُمر بْن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وفِي يده ورقةً مِنَ التَّوراة ،

            صحيفة قَدْ اِسْتنسخها ، قالَ لهُ : ( أمُتَهوِّكونَ فيها يا اِبْن الخطَّاب ؟!

            والله ؛ لقد جئتكم بها بيضاءَ نَقيَّة ، والله ؛ لو كانَ أخي مُوسَىٰ حيًّا ما وسِعَهُ إلَّا اِتِّباعي ) ([1]) .

            وعيسىٰ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ والسَّلَامَ ينزلُ فِي آخر الزَّمان ، فِي زمن المهدي فيحكم بشرع نَبيِّنا مُحمَّدٍ

            صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويُصلِّي خلفهُ - خلف المهديِّ -، ولهـٰذا قالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما

            فِي « الصَّحيح » : ( كيفَ بِكمْ إذَا نزلَ فيكمْ اِبْنُ مريم ؛ حكمًا مُقسطًا ، أوْ عادلًاوأَمَّكم منكم ) ،

            أوْ ( وإمَامُكم منكم ) ([2]) ( تَكْرُمَةُ اللهِ لهـٰذِهِ الأُمَّة ) ([3]) .

            فرسُولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الرُّسل ، هو خاتم الرُّسل ودينهُ خاتم الأديان ، وشريعته أكمل الشَّرائع ،

            وأفضلها وأوفاها ، ما تركت خَيْرًا إلَّا دلَّت عليه ، ولا شرًّا إلَّا حذَّرت منه .

            ولأجل ذٰلكَ قالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ « الأنبياء : 107 » .

            والعالَمون هُم : الجنِّ والإنس .

            فاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ كانَ يبعث الرَّجل فِي ما سبقَ مِنَ الأنبياء إلىٰ قومه خاصَّة ، ليسَ إلىٰ بني آدم جميعًا ،

            وإنَّما إلىٰ قومه خاصَّة ، وبعثَ اللهُ نَبيِّنا مُحمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الثَّقلين ،

            إلى النَّاس كافَّة ، جِنِّهم وإنْسهم ، وهـٰذا ممَّا خُصَّ بِه عَلَيْهِ الصَّلَاةَ والسَّلَامَ ،

            فرسالة نَبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسالةٌ عالميَّة ، ونحنُ أُمَّةٌ عالميَّة ، فيجبُ علينا ألَّا نتهاون ،

            وألَّا نضعُف ، وألَّا نتكاسل .

            والواجب أيضًا على العُلماء أنْ يُبيِّنوا للنَّاس حالَ مَنْ يفتنهم ؛ ولا شكَّ قدْ بَيَّنوا هـٰذا ،

            ولـٰكنْ النَّاس لا يزالون بحاجة ، ونحن لا نزال نسمع ، ولم نزل نسمع إلىٰ عهدٍ قريبٍ ،

            وعُلماءنا جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرًا ، الَّذين يُشار إليهم بالبنان ، والمعروفين برسوخ القَدم فِي العِلم ،

            ومنهم مَنْ كانَ بيننا قبل قليلٍ ، قبل أيَّامٍ قلائل ، وهُم يكتبون ويُبيِّنون ، فُلانٌ يدعُه ، وهـٰذه الفتاوىٰ ،

            ويدع الفتاوىٰ والعلم لأهله نُصْحًا منهم للأُمَّة ، جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرًا ، وشفقةً منهم على الأُمَّة ،

            بلْ وشفقةً منهم علىٰ هـٰؤلاء الَّذين يضرُّونَ أنفسهم قبل غَيْرهم لأنَّهُم يتحمَّلون آثامَ النَّاس ؛

            كما قالَ جَلَّ وعَلَا : ﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ

            عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ « النَّحل : 25 » .

            والمرءُ إذا نَصَحَ لِمَنْ غَلِطَ ، أوْ لِمَنْ أخطأَ ، أوْ لِمَنْ اِبْتدعَ ، فهُو أنصحُ النَّاسِ لهُ ، وهُوَ أرحمُ النَّاسِ به ،

            وهُوَ أرفقُ النَّاسِ به ، وهُوَ أشفقُ النَّاسِ عليه .

            قيل ليُوسف بْن أسْباط رَحِمَهُ اللهُ ، لمَّا حَذَّر مِنْ بعض مَنْ أخطأَ - بعض المبتدعة -،

            قيل لهُ : « أتخشىٰ أنْ يكون هـٰؤلاء خُصماءكَ عِنْدَ اللهِ ؟!

            كيفَ تكلَّمُ فِي أقوامٍ لعلَّهم حَطَّوا رحالهم فِي الجنَّة ؟!

            قال : يا هـٰذا ! أنا أرحم بهـٰؤلاء مِنْ آباءهم ، إنِّي أطردَ النَّاس أنْ يتبعوهم علىٰ

            أخطاءهم - على البدع الَّتي يحدثونها -، فيخفَّ عنهم الحِمل » ([4]) ،

            ولا شكَّ مَنْ نَصَحَ لكَ فقد أشفق عليكَ ، وقد رحمكَ فِي الدُّنيا ، وقد رحمكَ فِي الآخرة .

            رحمكَ فِي الدُّنيا : فصحَّح لكَ ، فلا تستمر على الخطأ وتَلْقى الله به ،

            ورحمكَ فِي الآخرة : مِنْ أنْ يأتي الَّذينَ ضلُّوا بسببكَ فيُؤخذ مِنْ أوزارهم وتُلقىٰ علىٰ ظهركَ ؛ وأنتَ لا تستطيع

            أنْ تقوم بحملكَ مِنَ الأوزار يوم القيامة ، نسأل اللهُ العافية والسَّلامة .


            ...............................
            [1] عن جَابِرِ بْن عبدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أتى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ من بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ
            فَقَرَأَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فقالَ : ( أَمُتَهَوِّكُونَ فيها يا بن الْخَطَّابِ والَّذِي نَفْسِي بيدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بها بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ
            تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْء فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ والَّذِي نَفْسِي بيده لو أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
            كانَ حَيًّا ما وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعني ) . رواهُ أحمد (3/387)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/200) .
            وحسنه الألباني في "الإرواء" (1589)، و "مشكاة المصابيح" ( 177 ) .

            [2] عنْ أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( والَّذي نفْسي بيدِه ؛ ليوشِكَنَّ أنْ يَنزلَ فيكم اِبنُ مريمَ حَكمًا مُقْسِطًا ،
            وإمامًا عدْلاً ، فيَكسرَ الصَّليبَ ، ويقتُلَ الخِنْزِيرَ ، ويضعَ الجزيةَ ، ويَفيضَ المالُ حتَّىٰ لا يقبلَهُ أحدٌ ، وحتَّىٰ تكونَ السَّجدةُ الواحدةُ
            خَيْرًا مِنَ الدَّنيا وما فيها ) . البخاري (3264)، ومسلم (155/1).

            وفِي رواية : ( كَيْفَ أَنْتُمْ إذا نَزَلَ بن مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ) . البُخاريِّ (3264)، ومسلم (155/4) .

            [3] عنْ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : سمعتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ( يَنْزِلُ عيسىٰ اِبنُ مَرْيَمَ ، فيقولُ أميرُهُمُ المهديُّ : تَعالَ صَلِّ بِنَا ،
            فيقولُ : لا ؛ إنَّ بعضَهُمْ أَميرُ بعضٍ ، تَكْرُمَةُ اللهِ لِهـٰذِهِ الأُمَّةِ ) . مسلم (156) . وانظر "الصَّحيحة" رقم : ( 2236 ) .

            [1] قالَ أبُو صَالح الفرّاء : « حكيتُ ليُوسف بْن أسْباط عَنْ وكيع شيئًا مِنْ أمرِ الفِتَن ؛ فقالَ : ذاكَ يُشبه أسْتاذه - يعني : الحسَن بْن حيٍّ - ،
            فقلتُ ليُوسف : أمَا تخاف أنْ تكونَ هـٰذِه غيبة ؟ فقالَ : لِمَ يَا أحمق ؟! أنَا خَيْر لِهـٰؤلاء مِنْ آبائهِم وأمَّهاتِهم ،
            أنَا أنَهى النَّاس أنْ يعملوا بما أحْدثُوا فتتبعهم أوزارهم ، ومَنْ أطْراهم كانَ أضرّ عليهم » .اهـ.
            انظر "الضُّعفاء" للعقيلي : ( 1/232 )، "تهذيب الكمال" ( 6/182 )، و"سير أعلام النُّبلاء " ( 7 / 364 ) .

            تعليق


            • #7
              رد: « عُلُوِّ الهِمَّة فِي الدَّعوةِ إلَى الله » لفضيلة الشيخ د. محمَّد بن هادي المدخلي

              والواجب أيضًا علىٰ طلبة العلم المُتمكِّنين أنْ يقوموا فِي هـٰذا الجانب خير قيام ، وأنْ يُبيِّنوا للنَّاس ،

              وأنْ لا يَدَعُوا الفُرص ، وأنْ ينتهزوا المناسبات ، فإذا رَأَوُا الغلط وَجَّهوا ، وإذا رَأَوُا الخطأ صَحَّحوا ،

              وإذا رَأَوُا الغالط نصحوا ، نصحوا لهُ ، ونصحوا للأُمَّة ، فالنَّـاس بحاجة ، نحنُ اليوم فِي عصر ( فُشُوَّ القَلم ) ([1]) ،

              القَلم فَشَى ، كلُّ واحدٍ يقرأ ويكتب ، نادر الآن تجد مَنْ لا يقرأ ولا يكتب ، ولـٰكنْ ! تجد مَنْ لا يعلم الأحكام

              الشَّرعيَّة بأدلَّتها ، يعرف المسائل والأحكام بأدلَّتها التَّفصيليَّة ، هـٰذا قليلٌ ؛ هـٰذا قليلٌ جِدًّا ،

              لذٰلك اُنْظر إلى المُتخرِّجين مِنَ الجامِعات كم هُم ؟! كثير ؛ وانْظر إلى الْمُستفيد مِنهم كم هُم ؟! قليل .

              وما ذٰلك إلَّا لذهاب البركة ، بركة العِلم الَّتي كانت قبل فقدْ اِخْتلفت عنها اليوم ؛

              فأصْبحَ التَّعليم النِّظامي يُخرِّجُ كثيرًا ، ولـٰكنْ ! إذا نظرتَ وصَعَّبت وَصَوَّبت ، وتَيامَنْتَ وأشْأمْتَ ،

              لا تَرىٰ إلَّا أقل مِنَ القليل ، فكنَّا بالأمس نعُدُّ القليل ، واليوم أقلّ مِنَ القليل ،

              وأصبحَ النَّاس يتسابقون إلى الإعْلام ، وكلُّ واحدٍ يُحِبُّ الظُّهور فِي الإعْلام ؛ لأنَّهُ أصبحَ سبيلًا « لِلْمَشْيَخة » ؛

              وطريقًا « لِلْمَشْيَخة » ؛ لأنَّ النَّاس أصْبحوا الآن لا يعرفون المشايخ إلَّا الَّذين فِي «الشَّاشات الإعلاميَّة »

              فَفُتنوا بهم ؛ الشَّيخ فُلان ، والشَّيخ فُلان !،

              بينما العُلماء الرَّاسخون فِي العِلم قليل منهم مَنْ يظهر فِي هـٰذهِ الفضائيَّات ، قليل منهم مَنْ يطلع فيها ،

              ولـٰكنْ ! إذا حَزَبَ الأمر يعرف هـٰؤلاء مَنْ يرجعون إليِه ، ويعرف هـٰؤلاء مَنْ يقصدون ،

              إذا اِسْتعصت الأُمور لا يُوجد لِلْمُعضلاتِ إلَّا أصْحابها ، ولا لحلِّ المشكلات إلَّا أربابها ، كما قيلَ فِي المثل :

              ( قَضيَّةٌ ؛ ولا أبا الحسن لها ) . أيْ : حلَّالًا لها .

              لا يجدون إلَّا العُلماء الرَّبَّانيِّين؛ الَّذين أحكموا علم الشَّريعة : « علم الكتاب ، وعلم السُّنَّة » .

              فيَا إخوتاه ! الدَّعوة إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ مهمَّةٌ شَريفةٌ ، والقيامُ بها مهمَّةٌ عظيمةٌ ،

              ويجب علينا جميعًا أنْ نكونَ فِي هـٰذا الجانب باذلينَ كلِّ ما نستطيع ،

              ومِنْ ذٰلك هـٰذهِ الدَّورات التَّعليميَّة الَّتي تُقام لتعليم النَّـاس ، وتفقيههم ،

              فإنَّ هـٰذا مِنَ السُّبل العظيمة الَّتي تُبذل اليوم ، (( ويُربط عَوامِّ المُسلمين « بأهل العِلم الحقيقيِّين » ،

              الَّذين يَصْدُرونَ عنْ آرائهم فِي دينِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، وأقوالهم ، وفتاواهم المُؤيَّدة والمُدعَّمَة بالأدِلَّة ،

              والمبنيَّة على الفهم الصَّحيح ، والاِسْتنباط الصَّحيح مِنَ الأدلَّة الصَّحيحة مِنْ سُنَّة رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

              ومِنْ كتابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ )) ،

              هـٰذهِ الدَّورات والقيام بها ، وبثّها بين النَّـاس ، وتأصيل العلم الشَّرعيِّ فِي قُلوب العامَّة ،

              هـٰذهِ مِنَ الدَّعوة إلى اللهِ ، بَلْ مِنْ أعظم السُّبل فِي الدَّعوة إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ ، لماذا ؟!

              لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما بعثهُ اللهُ مُعلِّمًا ،

              كما جاء ذٰلكَ عنهُ فِي الحديث الصَّحيح : ( إنَّ اللهَ لَمْ يبعثني مُعنِّتًا ولا مُتعنِّتًا ، ولـٰكنْ بعثني مُعَلِّمًا ) ([2]) .

              وفِي لفظ : " مُسند أحمد " : ( وإنَّما بُعثت مُعلِّمًا ) .

              فالتَّعليم هُو طريق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

              كيفَ يدعو إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ مَنْ لَمْ يُحسِن فهم الشَّريعة ، وعلم الشَّريعة ؟!.

              « والعلم » : هو قال الله ، قالَ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قالَ أصحَابهُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ ،

              قالَ أبو بكر ، قالَ عُمر ، قالَ عُثمان ، قالَ عليٍّ .

              هـٰذا الَّذي قالَ فيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّهُ مَنْ يعش منكم فسيرىٰ اِختلافًا كثيرًا ; فعليكم بِسُنَّتي ،

              وسُنَّة الخُلفاء الرَّاشدين المهديِّين ، تمسَّكوا بِها ، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ ؛ وإيَّاكم ومُحدثَاتِ الأُمور؛

              فإنَّ كلَّ مُحدثّةٍ بدعةٍ ، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٍ ) ([3]) .

              فما كانَ عليه رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعليهِ أصْحابه فهوَ الخير ،

              وما لم يكونوا عليه فلا خير فيه ؛ « ما لم يكنْ دينًا ذٰلكَ اليوم ؛ فَلنْ يكونَ دينًا اليوم ولا غدًا ،

              ولنْ يُصْلِحَ آخر هـٰذهِ الأُمَّة إلَّا بما صَلُحَ بِه أوَّلُها » ([4]) .

              ما يُمكن أنْ يصلح الآخر إلَّا بما صَلُحَ بِه الأوَّل ، وإنَّما صَلاح الأوَّلون كانَ بالتَّمسُّكِ بهـٰذا الدِّين ،

              واتِّباع رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأصْحابِه الأكارم رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ عَنْهُمْ .


              العِلمُ ؛ هـٰذا هُوَ العِلم :



              مَا الْعِلْمُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ أَوْ أَثَرٌ °°° يَجْلُو بِنُورِ هُدَاهُ كَلَّ مُنْبَهِمِ .


              الْعِلْمُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولِهِ °°° قَالَ الصَّحَابَةُ هُمْ أُولُو الْعِرفَانِ .



              والعلم فُرسَانُه هُم العُلماء الرَّبَّانيِّون ، الَّذينَ يُعلِّمونَ الكتابَ ، ويُعلِّمونَ السُّنَّةَ ، ويهدُونَ النَّاسَ بهما .



              وَالْجَهْلُ داءٌ قَاتِلٌ وَدَوَاءهُ °°° أَمْرَانِ ، فِي التَّركِيبِ مُتَّفِقَانِ


              نَصٌّ مِنَ القُرآن أَوْ مِنْ سُنَّةٍ °°° وَطَبِيبُ ذٰاكَ الْعَالِمُ الرَّبَّانيِّ .



              هـٰؤلاءِ هُمْ أطبَّاء القُلوب : العُلماء الرَّبَّانيُّون الَّذينَ يُعلِّمونَ النَّاس الخير .


              فالواجب علينا جميعًا أنْ نحرص على التَّلَقِّي والتَّعلُّم ، وندعو إلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ لأنَّ الدَّعوة

              لا يُمكن أنْ تكون إلَّا بعدَ « العلم » .


              ﴿ قُلْ هَــٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي « يوسف : 108 » .

              والْـ ﴿ بَصِيرَةُ ﴾ : هِيَ العِلمُ .

              العلمُ بكتاب الله وسُنَّة رسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وما كانَ عليهِ أصْحابه رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ عَنْهُمُ أَجْمَعِينَ .

              هـٰذا هُوَ العِلم ؛ فَمَنْ لم يكن عالمًا لا يُمكن أنْ يكونَ داعيًا ؛ لأنَّ العالِم طبيب ، طبيب القُلوب ،

              وطبُّ القُلوب هوَ الطِّبُّ الرُّوحاني ، وأصْحابهُ هُم العُلماء الرَّبَّانيُّون .

              فلا بدَّ لكَ أيُّها الدَّاعي ! أنْ تَتسلَّح بالعِلم حتَّىٰ لا تقف أمام مَنْ تدعو عاجِزًا إذا ألقَىٰ عليكَ الشُّبْهةَ ؛

              أوْ أرسَلَ فِي وجهكَ الاِعتراض ؛ لا تقف عاجزًا ، وإنَّما المُتسلَّح بالعلم تدمغ بالحقِّ الَّذي معكَ الباطل

              الَّذي معه ، والشُّبْهةِ الَّتِي معه .

              ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ... « الأنبياء : 18 » .

              ﴿ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا « الإسْراء : 81 » .

              فهـٰذا الباطل الَّذي معَ هـٰؤلاء لا يذهبُ إلَّا بالحقِّ الَّذي جاء بِه رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،

              الَّذي قالَ اللهُ فيهِ : ﴿ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا « الإسْراء : 81 » .

              وقالَ اللهُ فيه : ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ « الأنبياء : 18 » .

              فلا بُدَّ أنْ تَتسلَّح أيُّها العبد المؤمن ! بالعلم ، ثمَّ بعد ذٰلك تدعو ، وهـٰذا الَّذي اِنْتظمهُ قولِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ

              فِي هـٰذِه الآية : ﴿ قُلْ هَــٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ ،

              أيْ : ومَنِ اِتَّبَعَنِي يَدْعُو إلى اللهِ أيضًا علىٰ بَصِيرَة . ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ .

              ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا

              بِالصَّبْرِ (3) ﴾ . « سورة العصر كاملة » .

              فالأوَّل : الإيمان والعلم فِي هـٰذا الجانب ، ثمَّ بعدَ ذٰلكَ العملُ به ، ثمَّ الدَّعوة إليه .

              والنَّـاس يحتاجونَ إلىٰ هـٰذا فِي كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، وإذا سكَتَ حَمَلَةِ العِلم وطَلَبةِ العِلم المُتمكِّنين وَسكَتَ العُلماء

              قبلَ ذٰلكَ خَيَّمَ الجهل ؛ فإنَّ أرباب الجهل ، وأصْحاب الأهواء ،

              وأصْحاب الشُّبَه ما ينتظرون إلَّا فترة السُّكوت ، وفترة الضَّعف ، فيهجمون على الأُمَّة بما عندهُم مِنَ الباطل .

              نَسْأَل اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أنْ يُعيننا وإيَّاكم جميعًا علىٰ أنفسنا ، وأنْ يسلكَ بنا وبكم جميعًا طريق الخير ،

              وأنْ يُسدِّدنا وإيَّاكم جميعًا ، وأنْ يُـوفِّقنا لما يُحِبُّهُ ويَرضَىٰ ، كما أسألهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ أنْ يرزقنا الفقه فِي الدِّين ،

              والبصيرة فيه ، وأنْ يجعلنا وإيَّـاكم دُعاةً إليهِ مُخلصين ، صادقينَ ، ناصحينَ ،

              سائرينَ علىٰ طريقة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إنَّهُ وليُّ ذٰلكَ والقادِرُ عليه ،

              وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىٰ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ،

              وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .اهـ.


              كلمة بعنوان :
              « عُلُوِّ الْهِمَّةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ » /
              ضمن برامج دورات الإمام عبد العزيز بن باز العلميَّة المُقامة بمحافظة الطَّائف ،
              جامع العذل / الأربعاء : 02 ، 08 ، 1431هـ / الموافق : 14 ، 07 ، 2010 م.
              تمَّ تفريغها : ‏الأحد‏، 02‏ ذو الحجَّة‏، 1432هـ.
              الموافق لـ : ‏30‏/10‏/2011 م.











              ............................
              [1] ( إنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ وفُشوا التِّجَارَةِ حَتَّىٰ تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وَقَطْعَ الأَرْحَامِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ وَظُهُورَ الْقَلَمِ ) .
              أحمد ( 1 / 407 )، والبُخاريِّ في "الأدب المفرد" (1049) . وصحَّح إسناده الإمام الألبانيّ في "الصَّحيحة" ( 647 ).

              [2] جزء من حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : ( إنَّ اللهَ لم يبعثني مُعَنِّتًا ولا مُتعنِّتًا ؛ ولـٰكنْ بعثَني مُعَلِّمًا ميسِّرًا ) .
              مسلم (147، وأحمد (3/32. وصحَّحه الألبانيّ في "الصَّحيحة" ( 3530 ) .
              « العَنَتُ » : دُخُولُ المَشَقَّةِ على الإِنْسان ، ولقاءُ الشِّدَّةِ ؛ يُقال : أَعْنَتَ فلانٌ فلانًا إعناتًا إذا أَدخلَ عليه عَنَتًا . أيْ : مشقَّةً . « لسان العَرب » .
              [3] عَنِ العرباض بْنُ سارية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : "وعظنا رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ؛
              ووجلت منها القُلوب ، فقال رجلٌ مِنْ أصْحابه : يا رسُول الله ! كأنَّها موعظة مودّعٍ ؛ فقال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسَّمع والطَّاعة ،
              وإنْ كانَ عبدًا حبشيًّا ، فإنَّهُ مَنْ يعشْ منكم بعدي يرىٰ اِختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشدين المهديِّين بعدي ، عضُّوا عليها بالنَّواجذ ،
              وإيَّـاكم ومُحدثات الأُمور ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعة ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٍ )" .
              أحمد : ( 4/126 ) ، التِّرمذيِّ : ( 2676 )، الحاكم : ( 1/96 ) . وصحَّحه الألبانيّ في "الصَّحيحة" ( 2735 ).

              [4] قالَ الإمام مالك بْنُ أنس - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ - : « لَنْ يُصْلِحَ آخِرَ هـٰذهِ الأُمَّةِ إلَّا بِمَا صَلُحَ بِهِ أوَّلُها » . " الشفا " للقاضي عياض ( 2 / 88 ) ،
              وهـٰذا الأثر جاء عن وهب بن كيسان والرَّاوي عنه الإمام مالك ، انظر " التَّمهيد" : ( 23/10) .
              قالَ اِبْن الماجشون : سَمِعتُ مالكًا يقولُ : " مَنْ اِبْتدعَ فِي الإِسْلام بِدْعةً يَراها حسنةً ؛ فقد زَعَمَ أنَّ مُحمَّدًا خانَ الرَّسالة ؛ لأنَّ الله يقول :
              ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ « المائدة : 3 » ، فما لم يكن يومئذٍ دينًا فلا يكونَ اليوْمَ دينًا " . " الاِعتصام " للشَّاطبي ( 1 / 62 ) .



              التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد المغربي; الساعة 17-Jan-2014, 12:48 PM.

              تعليق

              يعمل...
              X