إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

من أروع ما سمعت فى أصول السلفية... خطبة (محمد أسد وحقيقة الإسلام)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] من أروع ما سمعت فى أصول السلفية... خطبة (محمد أسد وحقيقة الإسلام)

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم
    اما بعد :
    فهذه خطبة للشيخ رسلان - حفظه الله تعالى - بعنوان :
    محمد أسد وحقيقة الإسلام
    وقمت بتفريغها وذكرت لكم ملاحظات فى أول الكلام قبل بدأ الخطبة
    فى ملف الوورد
    هذا هو رابط الخطبة :
    http://www.rslan.com/vad/items_details.php?id=3489#ساهم بالتفريغ
    الملفات المرفقة

  • #2
    رد: من أروع ما سمعت فى أصول السلفية... خطبة (محمد أسد وحقيقة الإسلام)



    باسم الله الرحمن الرحيم
    تفريغ محاضرة بعنوان :
    " محمد أسد " وحقيقة الإسلام

    للشيخ الدكتور: محمد سعيد رسلان - حفظه الله -

    ( التفريغ منسقاً في المرفقات )

    الخطبة الأولى :
    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
    وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
    وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عِمْرَان:١٠٢].
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النِّسَاء:١].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَاب:٧٠-٧١].
    أَمَّا بَعْدُ:
    فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
    أَمَّا بَعْدُ:
    فقد كان محمد أسد رحمه الله تعالى نمساويا من أصل يهودى وكان يدعى قبل أن يسلم (ليوبولد فايس) وكان جدّه لأبيه حاخاماً و أمّا أبوه فبمقتضى التقاليد العائلية فقد فرض على ولده (ليوبولد) أن يدرس على أساتذة خصوصيّين العلومَ الدينية العبرانيّة بتعمّق كبير، ولم يكن مردّ ذلك إلى أيّ ورع امتاز به أبواه ، ذلك لأنهما كانا ينتميان إلى جيل يخضع باللسان فقط إلى التعاليم الدّينية التي سبكت حياة أسلافهما وفى الوقت نفسه لم يسْعَ أبواه قطّ إلى أن يعملا في حياتهما العملية بمقتضى تلك التعاليم .
    وبعد رحلة فكريةٍ معنويةٍ ، وبدنيةٍ جسديةٍ ، حطّ رَحْله في دمشق قارئاً فيها كل ما تصل إليه يداه من الكتب عن الإسلام الحنيف ، ولقد لجأ إلى ترجمتين للقرآن العظيم فرنسيةٍ و ألمانيةٍ ، استعارهما من إحدى المكتبات .
    تلك كانت دراسته إلى ذلك الحين عن الإسلام , قال : ومهما كانت تلك الدراسة مؤلفة من نُتَف وشذرات فإنها رفعت الغشاوة عن عينيّ , لقد بدأت أميّز عالما من الحكمة كنت حتى ذلك الحين أجهله جهلاً كلياًّ .إهـ
    قال – رحمه الله - : وبدا لي الإسلام طريقاً يقينياً في الحياة ومنهاجاَ للسلوك الذاتي والاجتماعي قائماً على ذكر الله ، لا يجيز اتخاذ واسطة بين الله وعبده من أجل الخلاص ، وليس فيه دعوى عن خطيئة أولى موروثة تقف بين الفرد ومصيره ذلك أن ليس للإنسان إلا ماسعى ، ولا يتطلب فتح باب خفيّ إلى الطهارة ، ذلك أن الطهارة حق يرثه الإنسان بالولادة ، والخطيئةُ ليست سوى زلّة طارئة تمحوها التوبة النّصوح وفعلُ الحسنة بعدها ، وليس في الإسلام من أثرٍ للثنائية في الطبيعة الإنسانية ذلك أن الروح والجسد في الإسلام وحدة متكاملة.
    قال - رحمه الله - : لقد أجفلْتُ أول الأمر لاهتمام الإسلام بكثير من وجوه الحياة التي كانت تبدو لي دنيويةً تافهةً , إلا أنني مع الزمن بدأت أفهم أنه إذا كان الإنسان حقا وحدة متكاملة من جسد وروح فإنه ليس هناك وجه من وجوه حياته يمكن أن يكون من التفاهة بحيث لا يقع داخل نطاق الدين .
    ومع كل هذا فإن الإسلام لا يدع أتباعه مطلقاً ينسوْن أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة من طريق الانسان إلى حياة أخرى هي الحياة الحقيقية , إن الرخاء المادي مطلب مشروع {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الأعراف - الآية 32 ، ولكن الرخاء المادي مع كونه مطلباً مشروعاً ليس غاية في ذاته ، ولذلك فإن شهوات الإنسان يجب أن تُرضى فقط عن طريق الالتزام الدّينى بشريعة الله في علاقة الإنسان بخالقه ، وفى علاقاته بغيره من المخلوقات .إهـ
    لقد أسلم الرجل زمام قلبه لله وأسلم للرسول صلى الله عليه و آله وسلم طرائق حياته وعبادته ، وطوّف في الأرض متأملاً ومتعلماً ونفذ بعمق إلى حقيقة الصراع في النفس المسلمة.
    قال - رحمه الله - : إن عالم الإسلام والغرب لم يكونا يوماً متقاربين كما هما اليوم ، وهذا التقارب أظهر صراعاً ظاهراً وخفياًّ ، ذلك أن قلوب كثير من المسلمين لتصدأ رويداً رويداً تحت تأثير عوامل الثقافة الغربية ، إنهم يتركون أنفسهم يبتعدون عن اعتقادهم الصحيح بأن تحسين المعيشة يجب ألاّ يكون سوى وسيلة لتحسين مصيرهم الأخروي, وإنهم ليسقطون في مصيدة التطور نفسها التي تردّى فيها العالم الغربي بعد أن صغّروا الدين لمجرد صلصلةٍ رخيمةٍ في مؤخرة حياتهم، ولذلك تراهم يصْغُرون مقاماً ولا يكبرون ذلك أن كل تقليدٍ ثقافيٍّ بخلاف المحافظة على الأصل الصالح لا بد أن يحقر الأمة المقلِّدة ، ويعزّز شأن الأمة المقلَّدة.إهـ
    قال: أنا لا أعني أن المسلمين لا يجوز لهم أن يتعاملوا مع الغرب ويستخدموا خبرته في الإدارة والفنون الصناعية , إن اكتساب الخبرات والأساليب المعيشيّة النافعة ليس تقليداً ، ذلك أن الاكتشافات النظرية والعملية ليست إلا حلقات في سلسلة لا نهاية لها من الجهد العقلي الذي يضم الجنس البشرى كله , إن كل عالِمٍ يبني على الأسس التي يقدمها له أسلافه ، سواء كانوا من بني أمّته أو من أبناء أمّة غيرها.
    وعملية البناء والإصلاح والتحسين هذه تستمر وتستمر من إنسان إلى إنسان ، ومن عصر إلى عصر، ومن مدينة إلى مدينة ، بحيث إن ما يحققه عصر معينٌ أو مدَنيَّةٌ معينة من إنجازات لا يمكن مطلقاً أن يقال إنها تخصّ ذلك العصر أو تلك المدنيّة ، فقد يحدث في مختلف الأزمنة والعهود أن تُسهم أمة أو أممٌ معدودةٌ بنصيب أكبر في صندوق المعرفة ، ولكن الجميع بقدر يقلّ أو يكثر مشتركون في هذه العملية .إهـ
    قال رحمه الله - نافذاً إلى عمق الجرح في سَوَاء صميم قلب الاعتقاد عند المسلمين - : ولو أن المسلمين احتفظوا برباطة جأشهم وارتضوا المُنجَزات الدنيوية وسيلةً لا غايةً في ذاتها إذاً لما خالفوا الشرع ولا العقل ولثبتوا في موقعهم الذي ارتضاه الله لهم هداةً مهتدين.إهـ
    يرصد الرجل - رحمه الله تعالى - وهو غربيٌّ ولادةً ومربىً ، يهوديٌّ أصولاً وسلالةً ، ولكنّ الله أنعم عليه بنعمة الإسلام العظيم ينفذ الرجل مع ذلك كله على موطن الداء في الأمة المسلمة في هذا العصر (ولو أن المسلمين احتفظوا برباطة جأشهم وارتضوا المُنجَزات الدنيوية وسيلةً لا غايةً في ذاتها إذاً لما خالفوا الشرع ولا العقل ولثبتوا في موقعهم الذي ارتضاه الله لهم هداةً مهتدين) . لقد عرف الرجل الأوروبي مولداً ونشأةً ، اليهوديُّ أصلاً ودراسةً حقيقةَ الإسلام كما لم يعرفها كثيرٌ ممّن ولدوا في ديار الإسلام وشبّوا وشابوا على سماع الكلام عنه صباحاً ومساءاً لأنه - رحمه الله- عرف حقيقة التوحيد الذي جاء به الإسلام العظيم وقام المجدّدون في كل قرن بِجِلائها للناس حتى تظل ناصعةً منيرةً .
    قال - رحمه الله - يصف انطباعه عن رؤية الكعبة المشرّفة أول مرة في أول حجة من حجّاته الخمس : هذه إذن الكعبة التي كانت ولا تزال محطَّ أشواق الأمم العظيمة من الناس منذ بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأمر الله تعالى ، إن حُجّاجاً لا يُحصَوْن ولا يُعدّون قد بذلوا تضحياتٍ عظيمةً عبر العصور للوصول إلى هذ المحَجَّة – يعنى الكعبة المشرفة – فمات كثيرون منهم على الطريق ، وبلغها كثيرون منهم بعد مشقّة كبرى وفى أعينهم جميعاً كان ذلك المبنى المربع ذروةَ أمالهم وغايةَ أحلامهم .إهـ ، يقول نافذاً إلى حقيقة الدين وهو الرجل الاعجميّ الذى تربّى على عقائد يهود دراسةً ممحِّصةً وفى كنف رجلٍ ؛ كان أبوه حاخاما ، وكانوا يحافظون على تقاليد أسرتهم في إنتمائهم ومعتقدهم ، يقول : ليس من أجل التى لا تحسّ ولا تضرّ ولا تنفع ولكن من أجل الله .إهـ
    هذه حقيقة التوحيد : إن حُجّاجاً لا يُحصَوْن ولا يُعدّون قد بذلوا تضحياتٍ عظيمةً عبر العصور للوصول إلى هذه المحَجَّة ، فمات كثيرون منهم على الطريق ، وبلغها كثيرون منهم بعد مشقّة كبرى وفى أعينهم جميعاً كان ذلك المبنى المربع ذروةَ أمالهم وغايةَ أحلامهم ، ليس من أجل التي لا تُحِسّ ولا تضّر ولا تنفع ، ولكن من أجل الله ، فهو الذي كرّمها وهو الذي أقامها أو رفعها وشرفها وهو الذي فرض الحج إليها ، فمن أجل الله وحده سعيهم وكفاحهم وعناؤهم وتعبهم بل وموتهم على الطريق.إهـ
    لقد عرف الرجل – رحمه الله – حقيقة الدين وغاية الحياة ، ولا جرم أن المجتمع الإسلامي المعاصر يعيش في مستوى أدنى مما يؤهله له الإسلام ، و إنما يستقعد أهلَه الإنفصالُ بين العقيدة والسلوك ، والإنحرافُ عن الوسيلة الكفيلة للتقدم وهي جليةٌ لأعينهم قائمةٌ بين أيديهم ، أعلنها إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله في مقولته الجارية على الألسن :"إن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله ".
    وقد صلح أول هذا الأمر على التوحيد والإتباع ؛ على توحيد الله تبارك وتعالى وإفراد العبادة له وحده وإتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهراً وباطناً ، وبدأ الفساد يدبّ ناخراً في عظام هذه الأمة لمّا قامت أول ثورة فيها على عثمان رضوان الله عليه حتى قتل شهيداً حميداً رحمه الله تعالى ورضي عنه ، فكان الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    فهل يعقل أن يصلح آخر هذه الأمة على ما أفسد الأمر في أولها أم أن آخرها لا يصلح إلا بما صلح عليه أولها كما قال إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى.
    إن المسلمين أمة نُسجت مقومات بقائها ووجودها من قيم الإسلام, إن المسلمين أمة نسجت مقومات وجودها وبقائها من قيم الإسلام، فكل يوم يمر على الأمة دون أن تعمل بها – أي بقيم الإسلام العظيم- هو يوم من أيام الضياع يُنزِل بها الهزائم، ويزيد الغِشاوة على أبصار أبنائها كثافة ، فيتشاحُّون على العيش الرغْد ، أو على مجرد البقاء في الأرض و إن كان فيه المذلة والهوان ، كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - إذ اسْتجَرَّهم وقعَد بهم حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت.
    إن تصفية الإسلام مما علق به عبر القرون مما ليس منه ، وتربية الأمة على هذا الإسلام المصفّى هي حقيقة التوحيد والإتباع, فالتوحيد أساسُ الملّةِ و أصلُ الديانةِ وقاعدةُ الإسلامِ ، فمن أجله أرسِلت الرّسل ، و أنزِلت الكتب ، وجردت السّيوف ، ومن أجله حصل الولاء والبراء ، والمنع والعطاء ، والحب والعداء ، ومن أجله انقسم الناس إلى مؤمن ومشرك ، وشقيّ وسعيد ، ولأن التوحيد هو القضيّة الكبرى التي عُنِيَ بها النبيّون والمرسلون ، قال تعالى :{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}النحل - الآية 36 وقال جلّ ذكره : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}الأنبياء - الآية 25
    والتوحيد هو الغاية العظمى من خلق الله الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}الذاريات - الآية 56، والتوحيد أول مأمور به في القران الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة - الآية 21 ، والتوحيد فاتحة القرآن العظيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة - الآية 2 ، وخاتمته { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ } الناس -الآية1 /3
    والتوحيد هو البداية لدعوة إمام الموحدين وسيد المرسلين وإمام الدعاة الصادقين المتقين نبينا محمد رسول ربنا رب العالمين عليه وعلى أصحابه الصلاة والسلام أجمعين ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :" يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ".
    والتوحيد هو النهاية الحميدة والعاقبة السعيدة لمن سار عليه عِلماً وعملاً وتعليماً ودعوةً واعتقاداً وسلوكاً وسبيلاً ومنهاجاً وسنةً وحياةً ومماتاً{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام - الآية 162- 163
    و قال صلى الله عليه وآله وسلم :" لَقّْنُوا مَوْتًاكُم لا إِلَهَ إلاّ الله" .
    و قال صلى الله عليه وآله وسلم : "من كانَ آخرُ كلامِهِ منَ الدُّنيَا لا إله إلاّ اللهُ دخلَ الجَنَّة ".
    التوحيد البدْء والمنتهى ، و التوحيد ما بين ذلك ، وهذا هو ما ينبغي أن يلتفت إليه الدعاة والمصلحون ، إذ هو طريق المرسلين أجمعين ، ومن حاد عنه شذّ ، ومن شذّ هلَك ، وإنما تأكل الذئاب من الغنم القاصية ، والنبي صلى الله عليه وسلم وإخوانُه من النبيّين والمرسلين قبله ما بدأوا أقوامَهم بشيء قبلَه ، بدأوا أقوامَهم بإصلاح عقيدتهم و بإخلاص عبادتهم وبصرفها لربّهم وحده ، تحقيقاً للهدف الذي لأجله خلقهم الله رب العالمين .
    أما أن تَعُدَّ المجتمعاتُ صاخبةً بشركها ، عاكفةً على أوثانها ، مقبلةً على مقدساتها ممّا لم يقدّسه دينٌ ولا شرعٌ ، ثم يُرجى صلاحٌ ، فهذا سبيل الناقصين عن الهدى ، وهذا سبيل الناكبين عن الحق وإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    وأما التمسّك بالسنة والحرص على الاتباع فهو دليل النجاة والصلاح ، وعنوان السعادة والفلاح وأمارة التوفيق و التسديد والنجاح ، قال تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} الأحزاب - الآية 71 وقال تعالى :{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} النساء - الآية 69 ، وقال تعالى (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ) النور - الآية 54. والإتباع للكتاب والسنة يكون ظاهراً وباطناً مع التسليم لهُما إذعاناً وانقياداً , قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}الأحزاب - الآية 36. ومرجع المُتَّبعين عند التنازع والإختلاف إلى الكتاب والسنة , قال تعالى :{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}النساء- الآية 59، والمرجع في فهم نصوص الكتاب والسنة إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم ، فهم أبرّ الأمة قلوباً ، و أحسنهم هدْياً ، و أقلّهم تكلّفاً ، و أصْدَقهم اتّباعاً ، وأفضلهم فهْماً ، و هم الأَمَنَةُ للأمّة و الأُمَنَاء على المِلَة ، وهم وزراءُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم ، فالمرجع في فهم نصوص الوحيين إليهم و إلى من تبعهم بإحسان .
    والمتّبعون لا يقدمون على كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كلاماً ، ولا على أمر الله تعالى وأمر رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أمراً قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}الحجرات- الآية 1.
    إن الإسلام يصوغ النّفس الإنسانية الصّياغة الفطرية الحقّة التي فطرها الله عليها ، شريطة أن يكون ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه آله وسلم لا تشوبه شوائب البدع والخرافات التي شابت الإسلام العظيم عبر القرون ، ولا تلحقه ولا تلصق به آراءُ الرّجال وأوهامُهم.
    لقد صافح الإسلام قلب ذلك الرجل الغربي (ليوبولد فايس) في مهبط الوحي ، صافحه نقياًّ صافياً ، كما أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد أمضى بعد إسلامه أزمنة طويلة في دار الهجرة يغشى مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتردد مراراً على مكتبة الحرم النبوي ، ويسمع العلم نقياًّ صافياً ، و أمضى زماناً في مكّة يجوبُ الحرمَ ومكتبتَه ، ويتعلّم التوحيد والسنة على منهج السلف الذي أحياه الله تعالى في الجزيرة على يدي الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - ومنهجُه رحمه الله هو ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعهم بإحسان وهو منهج السلف ، وهو العلم بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ودين الإسلام العظيم بأدلته ، كما هو الواجب على كل مسلم ومسلمة ، والعمل بهذا العلم والدعوة إلى ذلك ، والصبر على الأذى في ذلك وهى صفات المفلحين التي ذكرها الله رب العالمين في سورة العصر التى لو أخذ بها الناس لوسعتهم كما قال الإمام الشافعي رحمه الله ، معرفةُ الحق بدليله الإيمان بالله جل وعلا ؛ معرفة الحق بدليله والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه ، فمن حصّل ذلك كان مفلحاً ومن لم يحصّله كان خاسراً ، لأن الله جلّ وعلا أقسم بالعصر وهو محل وقوع الحوادث من خير وشر{وَالْعَصْرِإِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} العصر - الآية 1/ 2 ، فأكّد بـ [ إنّ ] ثم أتى بالجملة الإسمية بعدها , أكّد بـ [ إن ] داخلةً على الجملة الأسمية بعدها :{إِنَّ الْإِنسَانَ }، والألف واللام للجنس ، فجنس الإنسان في خسران{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ، ثم استثنى الله ربّ العالمين المفلحين من الخاسرين{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}العصر - الآية 3 ، هو منهج السلف.
    ومنهج السلف أيضا مصدر العلم بالدينِ أصولِه وفروعِه ، مسائلِه ودلائلِه ، علومِه وأعمالِه هو الوحي ، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك إجماع سلف الأمة من أهل السنة والجماعة ، والإقبالُ على الكتاب والسنة وطلبُ الهدى منهما وإتباعُهما وتقديمُهما على جميع ما خالفهما مهما كان أمره ، وعدم الإعراض عنهما بحجة أنه لا يفهمهما إلا المجتهد المطلق ، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا من الأوصاف التي لعلها لا توجد تامّة في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
    ومن منهج السلف الذي أحياه الله رب العالمين في الجزيرة بعدما فشَت الشركياتُ بأرجائها ، وعُبِدت أشجارٌ ، ونُصبت قبورٌ ، وطِيفَ بأضرحةٍ ، واستُغيث بغير الله جل وعلا ، وطَمَّ الأمر وعَمّ ، حتى جاءت موجة التوحيد هادرة فحملت نفاياتِ الشرك وزبالاتِ البدع حتى ألقتها بعيداً وطهّرت الأرضَ منها.
    من منهج السلف أنه ليست الآراء المتفرّقة والأهواء المختلفة والعقول البشرية ، ومناهج أهل الكلام والفلسفة ومناهج المعرضين عن الكتاب والسنة ؛ ليست هذه مصدرَ علمٍ وهدايةٍ ، بل هي مصدرُ ضلالٍ وغوايةٍ ، والناس إذا سمعوا دعاتَهم من غير العلائم اللائحة من كتاب الله وسنة نبيه ، أضلُّوهُم ، الناس إذا تبعوا مرشديهم من غير قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة شذّوا بهم ، ومن شذَّ شذَّ في النّار ، وجديرٌ بالمسلم ألا يُلقي بزمام قلبه إلا للوحيين المعصومين كتابِ الله وسنةِ نبيه بفهم السلف الصالحين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان .
    وهذا الهَرْج الذى يعمُّ الأرضَ كلُّه بسبب مخالفة منهج السلف والتدليس فيه ، وسيأتى هذا الأمر بيّناً عند بيان معلم من معالم منهج السلف شامخٌ صامدٌ في وجه الزمن ، لا تَرُوجُ عنده الترّهات ، ولا يصح عنده إلا الصحيح ، ولا يجوز عنده إلا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    من منهج السلف الذى أحياه الله رب العالمين على يدي الإمام وتلقّاه ذلك الرجل الأعجمي نقياًّ صافياً طاهراً فنفَذَ إلى حقيقة الدين .
    من منهج السلف اتباعُ الرسول صلى الله عليه وسلم في سنّته ، واتباع الخلفاء الراشدين المهديّين بعدَه ، و احترامُ علماء الامة وأئمّتها المشهود لهم بالسنّة والإستقامة ، والاستفادةُ من فقههم وعلمهم ، وتركُ الابتداع ، ومجانبةُ البدع و إزالتُها ، وهجرُ أهلها ومعاداتُهم ، ورفضُ بدعهم ، وبيانُ مساوئهم ، والتّحذيرُ منهم هذا من صلب وحقيقة منهج السلف الذى قرّره قبْلُ أصحابُ رسول الله أخذاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتأسيساً عن الكتاب والسنّة المطهرة.
    ومن منهج السلف بيانُ ما هو العلم ومن هم العلماء ، هذا من صلب منهج السلف ومن أمتن دعائمه ؛ بيانُ ما هو العلم ، ومن هم العلماء ، ومن هم الأوليـا ء ، ومن صلب وحقيقة منهج السلف بيانُ من تشبّه بالعلماء وليس منهم ، كما بيّن الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، بيانُ ذلك نصيحةً لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامّتِهم ، بعد أن صار العلمُ عند أكثر الناس البدعَ والضلالاتَ ، وصار من بيّن العلمَ الصحيح يُتَّهَم بالزندقة والجنون والعمالة ، فانعكست القضيّة وانحرفت الأقدام عن سواء الصراط المستقيم ، ولُبِّس على الدَّهماء والرِّعاع والعامّة فاقْتِيدُوا من أزِمَّةِ قلوبهم إلى الحَمْئَة النَّتِنة يتْبعون من يقودونهم كما تتْبع السائمةُ من يجرّها بِرَسَنِها و إنْ مرَّ بها على النِّيران المُتَلَظّية ، فمن حقيقة منهج السلف ومن صلبه بيانُ ما هو العلم ومن هم العلماء وكشفُ حقيقة من تشبّه بالعلماء وليس منهم ، فكما أن شر الخلق من تشبّه بالأنبياء وليس منهم ، فشر الخلق بعده من تشبّه بالعلماء وليس منهم ، لأنّه يحرّف الديانة ويشوّه معالم الملة ، ويمسح الشريعة ، ويُدخل عليها ما ليس منها ، وينحّي عنها ما هو من صلبها ، فصار الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز: [ إنما أزاول أمراً و أعالجه ، قد هرِم عليه الكبير وشبّ عليه الصغير واستحكم من القلوب حتى صارت السنّة بدعةً ، والبدعةُ سنّةً ، فإذا غُيِّرَت البدعة ، قيل غُيّرت السنّة ، وإذا أُتيَ بالبدعة قيل جيء بالسنّة ] ، فمن حقيقة منهج السلف النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم بدلالتهم على الحق بكشف حقيقة العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
    ومن منهج السلف وزن جميع أقوال النّاس وأعمالهم و إراداتهم وما يحدث من الحوادث ويستجدّ من المستجدّات بالقرآن والسنّة و إجماع سلف الأمة من أهل السنة والجماعة ، فما لم يخالف ذلك قُبِل ، وما خالف ذلك فهو البدعة المردودة ، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ، وهو الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب ، وذلك صالحٌ له كل زمانٍ و مكانٍ وحالٍ ، إن صلاح الأمّة و إصلاحها بإعادتها إلى الجادّة المستقيمة التي تركها عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا بالخبط في الأرض خبط العمياء من غير بصيرةٍ ولا هدىً ، و إنما هي أقوال الرّجال وتصوراتُهم و أغلبهم حمقى لا عقول لهم ، كذلك هم والله ، أكثرهم حمقى لا عقول لهم لا يدرون شيئا عن المآلات ، ومعلوم أنه ليس العقل عندك أن تميّز الخير من الشر فذلك يستطيعه مفطورٌ عليه غالب البشر ، و إنما العقل كل العقل أن يميز الرجل خير الخيريْن ليلتزِمَه ، وشرّ الشرّيْن ليجتنبه ، أما إذا اجتمعت المسالك وتداخلت الدروب وصار الناس على غير هدى ، وانتصب لهم من يقودهم على غير السبيل فاغسل يديك منهم وكبّر عليهم أربعاً إن نطقوا الشهادتين عند الموت ، والله المستعان وعليه التكلان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
    الملفات المرفقة

    تعليق


    • #3
      رد: من أروع ما سمعت فى أصول السلفية... خطبة (محمد أسد وحقيقة الإسلام)



      الخطبة الثانية :
      الحمد لله ربّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولّى الصالحين و أشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله وسلم صلاةً وسلاماً دائمين ومتلازمين إلى يوم الدين.
      أما بعد:
      فإنّ الله تعالى فضّل هذه الأمة كمًّا وكيفاً ، والله تعالى اختار ولد إسماعيل من أجناس بني آدم ثم اختار منهم بني كنانةَ من خزيمة ، ثم اختار من ولد كنانة قريشاً ، ثم اختار من قريشٍ بني هاشم ، ثم اختار من بني هاشمٍ سيدَ ولد آدم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كما فى المسند عن معاوية بن حيدة - مرفوعا-" أنتم تُوفُون سَبعين أمة ، أنتم خيرُها وأكرمُها "، أنتم توفون سبعين امة : أنتم أمةَ محمد صلى الله عليه وآله و سلم ، خيرُها وأكرمُها : يدخل الجنة منكم مثل الذين يدخلون الجنة من جميع أجناس الامم قبلكم كما قال رسول الله :" أما إنى لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة " ، هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس ، أفضل الأمم ، اختار لهم ربهم أفضل القِبَل ، كما اختار لهم أفضل الرسل ، و أنزل على نبيهم أفضل الكتب ، و أخرجهم من خير القرون ، وخصّهم بأفضل الشرائع ، ومنَحَهم خير الأخلاق ، و أسكنهم خيرالأرض ، فماذا تريدون بعد يا أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
      والحجيج يمثّلون الأمّة باختلاف ألوانهم ولغاتهم و أوطانهم و طرائق حياتهم ، فمن المحزن أن تَلْحظ صفتين ظاهرتين هما : الجهل وسوء الخلق .
      إن غياب التربية على المنهج الحق عن أكثر الأمم مع الولوغ فى الخرافات والبدع وتقديم الرأي والهوى على الكتاب والسنة أدّى إلى ظواهر لا تُحمد من الوقوع فى الشركيات فى أفضل الأزمنة وخير البقاع ، مع الأثَرَة الظاهرة والحِدَّة الحديدة النّافرة ، وجفاء المنطق واللّعن والسّبّ والتّطاول إلى غير ذلك مما يكون من مقصد الحاجّ أن يتطهّر من أوزاره ويُلقي عنه ما يؤوده من أعمال آثامه ، و كأنّما تجسّمَ الصّعاب و أنفقَ واستغنى عمّا لذَّ وطاب من أجل أن يتحمّل الآثام ويرتكب الأوزار في أشرف البقاع و أجلِّ الأزمنة ، وهذا أمر عجيب منشؤه الجهل ، لأن دعاة الأمّة شغلوها بغير ما هو حقيقة الدّين ، شغلوا النّاس بما لا يسمن ولا يغني من جوع شغلوا الناس بما يزيدهم غياَّ ويُورِثُهم بطَراً، حتى صرتَ إذا ما جئتَ إلى البيت الحرام بعد عدّة سنين لتلحظَ الفارق واضحاً ، لأن العين إذا أَلِفَت الشيئ متغيّراً لم تلحظْ تغيُّرَه ، فولدك يشبّ تحت عينيْك وهو ملازمٌ لك لا تلْحظُ نمُوَّه ، ولكن إن غبْتَ عنه سنين ثم عدتَ إليه لاحظت عيناكَ بغير خطإٍ ما جَدَّ عليه ، وكذلكَ الشأن ، وستّةُ أعوام كاملات كفيلة لملاحظة الفروق ، هذه العبادة العظيمة المعلِنة فى كل حركة ٍوسكنةٍ ، ونهمةٍ ولفظةٍ ، بتوحيد الرب الجليل الأجل و إتّباع خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم صارت فى الجملة شيئا آخر.
      والسبب غياب التربية على المنهج الحقّ عن أكثر الأمم مع الولوغ فى الخرافات والبدع وتقديم الرأي والهوى على الكتاب والسنة أدّى إلى ظواهر لا تحمد من الوقوع فى الشركيات فى أفضل الأزمنة وخير البقاع ، ولو رأيت تهافت الناس كالفراش على النار على مقام إبراهيم مستَلِمينَ لاَثِمين بَارِكين ، مع أن المقام فى وسط المطاف ، والمطاف حقُّ الطائفين ، وأما هؤلاء فيستجْلِبُون البركات من المقصورة دون الحجر و يأتون بالشركيات في أجلّ موطن و أعظم زمان ، معادين منافين ما جاء به رسول الله ، إذ ما أرسله الله إلا لتوحيده ونفي الشرك و إظهار حقيقة التوحيد في الأرض ، فيُخالَف هذا كله ويؤتى بالشرك ظاهراً ، قولاً وفعلاً ، ودعْكَ من الاعتقاد فالله يعلمُه ، مع هنالك من سوء الخلق ، لأن التربية قائمة في كثير من الأمم التي تنطوي تحت راية الإسلام العظيم ، وصارت التّربية على الاندفاع والطيش وغِلظة القلب وقسوة المنطق، مع الحِدَّة الحديدة ، والشِّدَّة الشديدة ، واستباحة دماء المسلمين حتى العقل نُحِّيَ جانباً ، وأُبْدِلوا به هباءً كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن الرجل ليقتل أباه و أخاه و ابن عمه ، لا يرْعَوْن ، وليست معهم عقولهم ، يُقتادون فيُقادون ، يُشار إليهم فيَنساقون، وأين عقولهم ؟ مع أن كثيراً منهم تربّى على الأقل ظاهراً على حقيقة الاتباع فربُّوا كثيرٌ منهم على أنه ينبغي أن يُطاع الدّليل والأثر وألا يُسَارَ خلف أحدٍ من البشر خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكنْ{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } الزخرف - الآية 54 ، التدافع في المطاف على المقام مع الحاجّ في الطّواف والحرص على الصلاة وراء المقام وهو في منتصف المطاف تقريبا ، الحرص على الصلاة قريباً من الكعبة مما يؤدي إلى الجلوس لاحتلال مكانٍ في المطاف قبل الآذان بوقت غير قصير، يطوف الناس مع زحام شديد يجعل الطائف لا يكاد يركّز في عبادة الطواف العظيمة، ولا يكاد يعي دعاءاً، ولا يُرسِل رجاءاً ، بل همّه أن يخرج من هذه المعركة التي تلاطمت فيها الأجساد وتدافعت فيه المناكب ، ودِيسَت فيها الأجساد بالأقدام ، ولم تراعى فيها حرمة ، أن يخرج من هذه المعركة حيًّا ، و يأتي أقوامٌ ربّما أتى بعضهم من أقصى الأرض حريصاً على أن يصلّي قريباً من الكعبة إذا أذن للفرض ، فيجلس فى المطاف قريباً من الكعبة ودون ذلك ، حتّى يُشغل جزءٌ عظيمٌ من المطاف وهو حق الطائفين مع ما فيه من الازدحام العظيم ، يجلسون قبل الآذان بوقت غير قصير، حتى إذا ما أقيم للصلاة صلّوا مكانَهم ،وإن أدّى ذلك إلى ارتباك عظيم وخطر جسيم ، مما يجعل الطواف وهو عبادة من أجل العبادات معركةً صاخبةً بين الطَّائفين بعضَهم بعضاً من جهة ، وبين الطّائفين والجالسين من جهة أخرى ، ولا يندر أن تسمع سبًّا وشتماً ودعاءاً ولعناً في ذلك المكان ! فى ذلك الزمان ! والله المستعان. أين شيوخهم ؟ لمَ لمْ يعلّموهم دين ربهم ؟ وهم يُطلّون عليهم آناء الليل وأطراف النهار وما بين ذلك ! حتى ما هو عمليٌّ من الدين لا يلتفت إليه ولا يعوّل عليه ! دعك من تصحيح المعتقد ومحاربة البدع ! أتحسب أنا نحتاج إلى كثير جهد من أجل بيان زيف العَالَمَانِيَّة على النّسبة الصحيحة ، و هي العَلمانية على ما هو شائع ذائع ! أتحسب أنا نحتاج إلى كثير جَهْدٍ لمحاربتها ومحاربة الليبرالية والديمقراطية وما أشبه لو أنّنا علَّمنا حقيقة الدّين الذي جاء به النبي الأمين؟! لا والله ما نحتاج ربما لجهد يذكر، إلا من ران على صفحة قلبه وغَشَّى عينَ بصيرته ما يحجب عنه نور الهدى وحقيقة التوحيد ، و أما من نفذنا إلى حقيقة ذاته ، ووقعنا على ذات فطرته فلو أننا عرضنا عليه ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نفذ إلى قلبه شكٌّ ولا شبهة ، ولعلم الناس دين الفطرة الذي هو الفطرة و ما جاء به رسول الله.
      إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُشغل عن تعليم حقيقة الدّين حقيقة التوحيد ، و إن المدنّيات الصاخبة حول مهبط الوحي وجزيرة العرب لتضطرم بتقدمها في ذلك الزمان سياسةً واقتصاداً وقوةً وعتاداً وتنظيماً وقانوناً ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بالحقّ الصّافي الخالص الصُّراح الذي ينفي الزّيف والذي لا يخالطه الكَدَر فاستقام أمر الناس على حقيقة الإسلام توحيداً ومتابعة ، فنهضت أمة هي خير أمة ملكت زمام القوة برشدٍ وعقلٍ ، وعلمٍ وعدلٍ ومن غير أن يشوبَ مسلَكها جورٌ ولا ظلم ، و أدَّت أمانةً ، وبلَّغت رسالةً ، حتى طغت بدعٌ فاشيَة ، وعمّت خرافاتٌ هادِرَة ، و اشتبه على الناس العالِم بغيره فتَبِعوا الأراذل وتركوا الأكابر، وصارت السنةُ بدعةً والبدعةُ سنةً ، فصار الناس إلى أمر مريج ، وإذا كان الرجل الكافر على غير ملّة محمد ، يدين بغير دينه ويعتقد غير معتقده ويربّى عليه ويُسْقاه قطرةً قطرةً ، حتى لا يجري فى دماه إذا صافحت حقيقةُ الإسلام قلبَه ، نَفَت زيفَ قلبِه ، وغَشَّت عليه بطهْرٍ طهورٍ ، إذا كان ذلك كذلك فيمن ليس بمسلم ، فكيف بالمسلم الذي شاب إسلامَه شيء ، إنما يحتاج تعليماً برفق ويحتاج جِلاء أمرٍ بصدق ، إنما يحتاج حقيقة الدين الذي جاء به النبي الأمين , علّموهم ! لا تضلّوهم ! فإنهم في رقابكم متعلّقون ، إذ هم على آثاركم سالِكون ! فاتقوا الله فيهم ، فإن من أضللْتموه سيأتي يوم القيامة ممسكاً برقابكم يقول : يا رب هذا أضلني ، و لأن تكون ذنَبًا فى الحقّ خير من أن تكون رأساً فى الباطل ،لأن تكون ذنباَ فى الحقّ والسنّة خير من أن تكون رأساَ في الباطل والبدعة .
      صفُّوا الدّين وعلّموا حقيقتَه ، وأرشدوا الأمة إلى اتباع نبيها صلى الله عليه وآله وسلم ودعوا الإستعجال فإن الله لا يعجل لعجلة أحد ، والله جلّ وعلا فعّال لما يريد ، وقد قضى وقدر أنه لا يمَكّن في الأرض ولا يُعِزُّ ولا يُعلي إلا من آمن وعمل صالحاً يعبده لا يشرك به شيئا ، فهذه شروط فمن حقّقها وُفِّيَ له ،وأما من بَخَسَها نُقِص عليه.
      نسأل الله جلّ وعلا أن يردّنا والشَّاردين أجمعين إلى الحقِّ رداًّ جميلاً ، وأن يُقيمَنَا على الصّراط المستقيم والمحجّة البيضاء التي ترك النبي عليها الامّة .
      نسأل الله أن يحيينا على منهاج النبوّة ، وأن يجعلنا داعين إليه ، مرشدين إليه ، متمسّكين به ، وأن يميتنا عليه ، وأن يحشرنا في زمرة من جاء به ، وأن يمنّ علينا بأن يجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنّة ، متمتّعين بلذة النظر إلى وجه الله الكريم ، إنه تبارك وتعالى على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .



      تعليق

      يعمل...
      X