إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [متجدد] الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    3ـ باب الصَّبر

    قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾ [آل عمران:200]، وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10]، وقال تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى:43]، وقال تعالى:﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153]، وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين﴾ [محمد:31]، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.

    يقول الشيخ الفقيه العثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين المجلد الأول :

    الشرح

    الصبر في اللغة: الحبس .

    والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:

    الأول: على طاعة الله.
    الثاني: عن محارم الله.
    الثالث: على أقدار الله المؤلمة.هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم.

    الأمر الأول: أن يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس، وتصعب على الإنسان، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب، وكذلك أيضا يكون فيها مشقة من الناحية المالية؛ كمسألة الزكاة ومسألة الحج، فالطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن، فتحتاج إلى صبر، وإلى معاناة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200] .

    الأمر الثاني: الصبر عن محارم الله بحيث يكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه، لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلى السوء، فيُصَبِّر الإنسان نفسه,مثل الكذب، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره، والزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة.
    فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها، وهذا يحتاج أيضاً إلى معاناة، ويحتاج إلى كف النفس والهوى.

    أما الأمر الثالث: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأن أقدار الله- عز وجل- على الإنسان ملائمة ومؤلمة.

    * الملائمة: تحتاج إلى الشكر، والشكر من الطاعات؛ فالصبر عليه من النوع الأول.
    * ومؤلمة: بحيث لا تلائم الإنسان تكون مؤلمة؛ فيُبتلى الإنسان في بدنه،ويُبتلى في ماله بفقده. ويُبتلى في أهله، ويُبتلى في مجتمعه ، وأنواع البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة

    فيُصَبِّرُ الإنسان نفسه عما يحرُمُ عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:

    الحالة الأولى: أن يتسخَّط.
    والحالة الثانية: أن يصبر.
    والحالة الثالثة: أن يرضى.
    والحالة الرابعة: أن يشكر.

    هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة.

    أما الحال الأولى: أن يتسخط إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه.

    التسخط بالقلب: أن يكون في قلبه- والعياذ بالله- شيء على ربه من السخط والشرَه على الله- والعياذ بالله- وما أشبهه. ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.

    وأما السخط باللسان: فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه ويا ثبوراه، وأن يسب الدهر فيؤذي الله- عز وجل- وما أشبه ذلك.
    وأما التسخط بالجوارح: مثل أن يلطِمَ خده، أو يصفَع رأسه، أو ينتف شعره، أويشقَّ ثوبه وما أشبه هذا.
    هذا حال السخط، حال الهلِعِينَ الذين حُرموا الثواب، ولم ينجوا من المصيبة، بل الذين اكتسبوا الإثم فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا بما أتاهم مما يؤلمهم.

    أما الحال الثانية: فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه، هو يكره المصيبة ، ولا يحبها، ولا يحب أن وقعت ، لكن يُصَبِّرُ نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يُسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يُغضب الله، ولا يكون في قلبه شيء على الله أبدا، فهو صابر لكنه كاره لها.

    والحال الثالثة: الرضا؛ بأن يكون الإنسان منشرحا صدره بهذه المصيبة، ويرضى بها رضاء تاماً وكأنه لم يصب بها.

    والحالة الرابعة: الشكر؛ فيشكر الله عليها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يكرهُ قال: ((الحمد لله على كل حال))(101).
    فيشكر الله من أجل أن الله يرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.

    ولهذا يذكر عن بعض العابدات أنها أُصيبت في أصبعها، فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. والله الموفق.

    يتبع بإذن الله تعالى..

  • #2
    رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

    يقول الشيخ العثيمين جعله الله في عليين :

    ثم ساق المؤلف- رحمه الله تعالى- الآيات التي فيها الحثُّ على الصبر والثناء على فاعليه، فقال: وقول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]، فأمر الله المؤمنين بمقتضى إيمانهم، وبشرف إيمانهم بهذه الأوامر الأربعة: ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200] .

    فالصبر عن المعصية، والمصابرة على الطاعة، والمرابطة كثرة الخير وتتابع الخير، والتقوى تعم ذلك كله. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
    فاصبروا عن محارم الله: لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها.

    ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها، ولكن إذا دعتك نفسك إلى المعصية فاصبر، واحبس النفس.

    وأما المصابرة فهي على الطاعة؛ لأن الطاعة فيها أمران:

    الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويُلزمُ نفسه به.
    والأمر الثاني: ثقلٌ على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.

    فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَصَابِرُوا﴾ كأن أحدًا يُصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد.

    وأما المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) (102). لأن فيه استمرار في الطاعة وكثرة لفعلها.

    وأما التقوى فإنها تشمل ذلك كله، لأن التقوى اتخاذ ما يقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
    وعلى هذا فعطفها على ما سَبَقَ من باب عطف العام على الخاص، ثم بيَّن الله- سبحانه وتعالى- أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح فقال : ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

    والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب. فمن اتقى الله- عز وجل- حصل له مطلوبه ونجا من مرهوبه.
    وأما الآية الثانية فقال- رحمه الله- وقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155] ، هذه الآية فيها قسم من الله- عز وجل - أن يختبر العباد بهذه الأمور.

    فقوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي: لنختبرنكم.
    ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾ لا الخوف كله بل شيء منه؛ لأن الخوف كله مهلك ومدمر. لكن بشيء منه.

    ((الخوف)) هو فقدُ الأمن، وهو أعظم من الجوع، ولهذا قدّمه الله عليه، لكن الخائف- والعياذ بالله- لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه، والخائف أعظم من الجائع؛ ولهذا بدأ الله به فقال: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾ وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا؛ لأن الذنوب سبب لكل الويلات، وسبب للمخاطر، والمخاوف، والعقوبات الدينية، والعقوبات الدنيوية.

    (وَالْجُوعِ) يُبتلى بالجوع.
    والجوع يحمل معنيين:

    المعنى الأول: أن يحدث الله- سبحانه- في العباد وباء؛ هو وباء الجوع، بحيث يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا يمر على الناس، وقد مر بهذه البلاد سنة معروفة عند العامة تسمى سنة الجوع.يأكل الإنسان الشيء الكثير ولكنه لا يشبع- والعياذ بالله- نُحدَّث أن الإنسان يأكل من التمر محفراً كاملاً في آن واحد ولا يشبع-والعياذ بالله- ويأكل الخبز الكثير ولا يشبع لمرضٍ فيه. هذا نوع من الجوع.
    النوع الثاني من الجوع: الجدب والسنون الممحلة لا يدر فيها ضرع ولا ينمو فيها زرع، هذا من الجوع.
    وقوله ِ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ﴾ يعني: نقص الاقتصاد ، بحيث تُصاب الأمة بقلة المادة والفقر، ويتأخر اقتصادها، وتُرهق حكومتها بالديون التي تأتي نتيجة لأسباب يقدرها الله -عز وجل- ابتلاء وامتحاناً.

    وقوله:﴿وَالأَنْفُسِ﴾ أي : الموت ؛ بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم. وهذا أيضاً يحدث كثيراً ولقد حُدثنا أنه حدث في هذه البلاد- أي البلاد النجدية- حدث فيها وباء عظيم تسمى سنته عند العامة (سنة الرحمة) إذا دخل الوباء في البيت لم يبق منهم أحد إلا دُفن- والعياذ بالله-، يدخل في البيت فيه عشرة أنفس أو أكثر، فيصاب هذا بمرض، ومن غدٍ الثاني والثالث والرابع، حتى يموتوا عن آخرهم وحُدثنا أنه قدم هذا المسجد، مسجد الجامع الكبير بعنيزة- وكان الناس بالأول في قرية صغيرة، ليس فيها ناس كثير كما هو الحال اليوم، يقدَّم أحياناً في فرض الصلاة الواحد سبع إلى ثمان جنائز ، نعوذ بالله من الأوبئة. هذا أيضاً نقص من الأنفس.
    وقوله: ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ أي أن لا يكون هناك جوع، ولكن تنقص الثمرات، تنزع بركتها في الزروع والنخيل وفي الأشجار الأخرى، والله - عز وجل- يبتلي العباد بهذه الأمور ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلَّهم يرجعون.

    فيقابل الناس هذه المصائب بدرجات متنوعة، بالتسخط، أو بالصبر أو بالرضا، أو بالشكر كما قلناه فيما سبق. والله الموفق.

    يتبع إن شاء الله تعالى..

    تعليق


    • #3
      رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

      يقول الشيخ الفقيه العثيمين غفر الله له و لوالديه :

      وقوله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وذلك أن الأعمال الصالحة مضاعفة ؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
      أما الصبر فإن مضاعفته تأتي بغير حساب من عند الله- عز وجل- وهذا يدل على أن أجره عظيم , وأن الإنسان لا يمكن أن يتصور هذا الأجر؛ لأنه لم يقابل بعدد، بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب فيه، لا يقال مثلاً الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف، بل يقال إنه يُوفى أجره بغير حساب. وفي هذه الآية من الترغيب في الصبر ما هو ظاهر

      ثم قال المؤلف:

      الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى:43]، أي: أن الذي يصبر على أذى الناس ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه؛ فإن ذلك ﴿لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾ أي: من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة.ولاسيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله- عز وجل- وبسبب طاعته؛ لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة. فإذا كان سببها طاعة الله- عز وجل -، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين:

      الوجه الأول: من الأذية التي تحصل له.
      والوجه الثاني: صبره على هذه الطاعة التي أُوذي في الله من أجلها.

      وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس، ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه. ولكن ينبغي أن يعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق؛ فإن الله تعالى قيد هذا بأن يكون العفو مقروناً بالإصلاح فقال: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه﴾ [الشورى:40] ، أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعف ولا تغفر.

      مثال ذلك: لو كان الذي أساء إليك شخصاً معروفاً بالشر والفساد، وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادة في شرِّه.
      ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه، بل تأخذ بحقك من أجل الإصلاح، أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو عنه مفسدة؛ فإن العفو أفضل وأحسن لأن الله يقول: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه﴾ [الشورى:40]، وإذا كان أجرك على الله لكان خيراً لك من أن يكون ذلك بمعاوضةٍ تأخذ من أعمال صاحبك الصالحة.

      الآية الخامسة: قوله تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153]، أمر الله - سبحانه وتعالى- أن نستعين على الأمور بالصبر عليها، لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الأمور.
      فأنت إذا أصبت بشيء يحتاج إلى الصبر فاصبر وتحمَّل ((واعْلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا))(103).
      وأما الصلاة فإنها تعين على الأمور الدينية والدنيوية، حتى إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- ذكر عنه: ((أنه إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة))(104).
      وبيَّن الله في كتابه أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإذا استعان الإنسان بالصلاة على أموره يسر الله له ذلك، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، فيقف الإنسان فيها بين يدي الله، ويُناجيه، ويدعوه، ويتقرب إليه بأنواع القُرُبات التي تكون في هذه الصلاة؛ فكانت سبباً للمعونة.
      قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ يعني ذلك المعيَّة الخاصة، لأن معية الله- سبحانه وتعالى- تنقسم إلى قسمين:
      1- معيَّة عامة شاملة لكل أحد، وهي المذكورة في قوله تعالى:﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4]، وفي قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ ﴾ [المجادلة:7].
      وهذه المعية العامة شاملة لجميع الخلق، فما من مخلوق إلا والله - تعالى- معه يعلمه، ويحيط به سلطاناً وقدرة وسمعًا وبصرًا وغير ذلك.
      2- أما المعيَّة الخاصة فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد ؛وهذه خاصة بالرسل
      وأتباعهم، ليست لكل أحد، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على هذه المعيَّة الخاصة.
      ولكن المعيتين كلتيهما لا تدلان على أن الله - سبحانه- مع الناس في أمكنتهم، بل هو مع الناس ،وهو- عز وجل - فوق سماواته على عرشه، ولا مانع من ذلك ؛ فإن الشيء يكون فوق وهو معك . والعرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا. وكلٌّ يعلم أن القمر في السماء. ويقولون مازلنا نسير وسُهَيل معنا-وهو نجم معروف-وهو في السماء.فما بالك بالخالق - عز وجل- هو فوق كل شيء استوى على عرشه، ومع ذلك هو محيط بكل شيء مع كل أحد. مهما انفردت فإن الله- تعالى- محيط بك؛ علما وقدرة وسلطانا وسمعا وبصرا وغير ذلك.
      وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ دليل على أن الله يُعين الصابر ويؤيِّده ويكلأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله - عز وجل-.


      يتبع بإذن الله..

      تعليق


      • #4
        رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

        تابع ..

        الآية السادسة: قوله تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد:31].
        ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ : لنختبرنَّكم : فالابتلاء بمعني الاختبار، أو البلوى بمعني الاختبار.
        يعني: أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم؛ ليعلَمَ من يصبر ومن لا يصبر؛ ولهذا قال الله- تعالى- في آية أخرى:﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد:4- 6] .
        وقوله عز وجل: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ قد يتوهَّم بعض من قصر علمه أن الله - سبحانه - لا يعلم الشيء حتى يقع؛ وهذا غير صحيح؛ فالله - تعالى- يعلم الأشياء قبل وقوعها، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج:70] .
        ومن ادعى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه؛ فإنه مكذب لهذه الآية وأمثالها من الآيات الدالة على أن الله- تعالى- قد علم الأشياء قبل أن تقع !!
        لكن العلم الذي في هذه الآية ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ هو العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب؛ وذلك لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون لا يترتب عليه شيء من جهة فعل العبد؛لأن العبد لم يُبلَ به حتى يتبين الأمر.فإذا بُلي به العبد واختبر به؛ حينئذٍ يتبين أنه استحق الثواب أو العقاب، فيكون المراد بقوله: ﴿حتى نعلم المجاهدين﴾ أي: علما يترتب عليه الجزاء. وقال بعض أهل العلم: المراد بقوله:﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ أي: علم ظهور، يعني حتى يظهر الشيء؛ لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون ، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان. وفرق بين العلمين.
        فالعلم الأول علم بأنه سيكون ، والثاني علم بأنه كان.
        ويظهر لك الفرق لو أن شخصاً قال لك: سوف أفعل كذا وكذا غداً فالآن حصل عندك علم بما أخبر به، ولكن إذا فعله غدا صار عندك علم آخر؛ أي: علم بأن الشيء الذي حدثك أنه سيفعله قد فعله فعلاً. فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾.
        الوجه الأول: أن المراد به العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، وهذا لا يكون إلا بعد البلوى، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره.
        الوجه الثاني: أن المراد به علم الظهور؛ لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون، فإذا كان ، صار علمه تعالى به علماً بما كان.
        وقوله: ﴿الْمُجَاهِدِينَ﴾ المجاهد: هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله، فيشمل المجاهد بعلمه،والمجاهد بالسلاح ، فكلاهما مجاهد في سبيل الله. فالمجاهد بعلمه: الذي يتعلم العلم ويعلمه وينشره بين الناس، ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله، هذا مجاهد. والذي يحمل السلاح لقتال الأعداء هو أيضاً مجاهد في سبيل الله، إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا.
        وقوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ أي: الذين يصبرون على ما كُلِّفوا فيه من الجهاد ويتحملونه ويقومون به.
        وقوله:﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي: نختبرها وتتبين لنا وتظهر لنا ظهوراً يترتب عليه الثواب والعقاب.
        لما ذكر الله هذا الابتلاء قال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكل من يبلغه هذا الخطاب، يعني: بشِّر يا محمد ، وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين الذين يصبرون على هذه البلوى فلا يقابلونها بالتسخط وإنما يقابلونها بالصبر. وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالرضا، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالشكر. كما مر علينا أن المصاب بالمصائب من أقدار الله المؤلمة له أربع حالات: تسخُّط، وصبر، ورضاً، وشكر، وهنا قال:﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة:155،156] .
        وقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ﴾ إذا أصابتهم مصيبة اعترفوا لله - عز وجل- بعموم ملكه، وأنهم ملك لله، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء؛ ولهذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام- لإحدى بناته، قال لها: (( إن الله ما أخذ وله ما أعطى)) (105)، فأنت مُلكٌ لربك- عز وجل- يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى.
        ثم قال: ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم. إن تسخطوا جازاهم على سخطهم، وإن صبروا - كما هو شأن هؤلاء القوم- فإن الله تعالى يجازيهم على صبرهم على هذه المصائب. فيبتلي - عز وجل- بالبلاء ويثيب الصابر عليه.
        قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: 157] ، أولئك يعني الصابرين ﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ والصلوات جمع صلاة وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى ، يثني الله عليهم عند ملائكته.
        وقوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ الذين هداهم الله- عز وجل- عند حلول المصائب فلم يتسخطوا وإنما صبروا على ما أصابهم . وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله- عز وجل- ليست هي رحمته، بل هي أخصُّ وأكمل وأفضل، ومن فسَّرها من العلماء بأن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الدعاء، ومن الآدميين الاستغفار ؛ فإن هذا لا وجه له، بل الصلاة غير الرحمة؛ لأن الله تعالى عطف الرحمة على الصلوات ، والعطف يقتضي المغايرة. ولأن العلماء مُجمِعون على أنك يجوز لك أن تقول لأي شخص من المؤمنين : اللهم ارحم فلاناً.
        واختلفوا؛ هل يجوز أن تقول : اللهم صلِّ عليه. أو لا يجوز؛ على أقوالٍ ثلاثةٍ:
        -فمنهم من أجازها مطلقاًً، ومنهم من مَنَعَها مطلقاً، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعاً.
        والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعاً، كما في قوله (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد))، أو لم تكن تبعا ولكن لها سبب؛ كما قال الله ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة:103]، فإذا كان لها سبب، ولم تُتَّخذُ شعارًا، فإن ذلك لا بأس به. فلا بأس أن تقول: اللهم صلِّ على فلان، فلو جاءك رجل بزكاته وقال لك خذ زكاتي وفرقها على الفقراء، فلك أن تقول: صلى الله عليك، تدعو له بأن يصلي الله عليه كما أمر الله نبيه بذلك.


        يتبع بإذن الله ..
        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن عبد العالي الجزائري; الساعة 05-May-2012, 12:51 AM.

        تعليق


        • #5
          رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

          25- وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو، فبايعٌ نفسه فمعتِقُها أو موبِقُها))(106) [ رواه مسلم] .

          الشرح
          سبق لنا الكلام على الآيات التي ساقها المؤلف- رحمه الله تعالى- في الصبر وثوابه والحثِّ عليه، وبيان محلِّه، ثم شرع رحمه الله في بيان الأحاديث الواردة في ذلك.
          فذكر حديث أبي مالك الشعري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطهور شطر الإيمان)) الحديث، إلى قوله: ((والصبر ضياء)) فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الصبر ضياء؛ يعني أن يضيء للإنسان، عندما تحْتَلِكُ الظلمات وتشتدُّ الكُرُبات، فإذا صبر؛ فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلى الحق.
          ولهذا ذكر الله- عز وجل- أنه من جملة الأشياء التي يُستعان بها، فهو ضياء للإنسان في قلبه، وضياء له في طريقه ومنهاجه وعلمه؛ لأنه كلما سار إلى الله - عز وجل- على طريق الصبر؛ فإن الله تعالى- يزيده هدىً وضياءً في قلبه ويبصره؛ فلهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الصبر ضياء)).
          أما بقية الحديث؛ فقال عليه الصلاة والسلام: ((الطهور شطر الإيمان)).
          الطُّهُور: يعني بذلك طهارة الإنسان.
          شطر الإيمان: أي نصف الإيمان.
          وذلك لأن الإيمان تخْلِيَةٌ وتحْلِيَة.
          أي: تبرُّؤٌ من الشرك والفسوق، تبرؤٌ من المشركين والفُسَّاق بحسب ما معهم من الفسق، فهو تخلٍّ.
          وهذا هو الطهور ؛ أن يتطهر الإنسان طهارة حسيه ومعنوية من كل ما فيه أذى . فلهذا جعله النبي عليه الصلاة والسلام شطر الإيمان، ((وسبحان الله)) معناها: تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من العيوب ومماثلة المخلوقات.
          فالله- عز وجل- منزَّه عن كل عيب في أسمائه ، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، لا تجد في أسمائه اسما يشتمل على نقص أو على عيب ؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف:180]، ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص؛ ولهذا قال الله ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ بعد قوله: ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ [النحل:60 ]، فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه، وله أيضاً الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله، كما قال الله تعالى:﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ﴾ [الدخان:38]، فليس في خلق الله لعبٌ ولهوٌ وإنما هو خلق مبني على الحكمة.
          كذلك أحكامه لا تجد فيها عيباً ولا نقصاً كما قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين:8]، وقال عز وجل:﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50] .
          وقوله صلى الله عليه وسلم : ((سبحان الله والحمد لله تملآن- أو قال تملأ- ما بين السموات والأرض)) شك من الرواي: هل قال النبي صلى الله عليه وسلم : تملآن ما بين السموات والأرض، أو قال تملأ ما بين السموات والأرض.
          والمعنى لا يختلف.يعني أن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض، وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله عن كل نقص في قوله: ((سبحان الله)) وعلى وصف الله بكلِّ كمال في قوله: ((والحمد لله)).
          فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التَّخْليةِ والتَّحْليةِ كما يقولون؛ أي بين نفي كل عيب ونقص، وإثبات كل كمال، فسبحان الله فيها نفي النقائص، والحمد لله فيها إثبات الكمالات.
          فالتسبيح: تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه ، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه .
          والله - عز وجل- يُحمد على كل حال، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أصابه ما يُسرُّ به قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) وإذا أصابه سوى ذلك قال ((الحمد لله على كل حال)) (107) ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيرا عند كثير من الناس؛ وهي قولهم (( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه)).
          هذا الحمد ناقص ‍‍!!
          لأن قولك على مكروه سواه تعبير على قلَّة الصبر ، أو - على الأقل- عدم كمال الصبر، وأنك كارهٌ لهذا الشيء، ولا ينبغي للإنسان أن يُعبر هذا التعبير، بل الذي ينبغي له أن يعبر بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعبِّر به؛ فيقول (( الحمد لله على كل حال))، أو يقول : (( الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه)).
          أما أن يقول: على مكروه سواه، فهذا تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله- عز وجل- وأنه كارهٌ له.
          وأنا لا أقول: إن الإنسان لا يكره ما أصابه من البلاء ، فالإنسان بطبيعته يكره ذلك، لكن لا تُعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله، بل عبِّر كما عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم (( الحمد لله على كل حال)).
          قوله صلى الله عليه وسلم : ((والصلاة نور)).
          فالصلاة نور: نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبْره، وفي حشره، ولهذا تجد أكثر الناس نوراً في الوجوه أكثرهم صلاة، وأخشعهم فيها لله عز وجل.
          وكذلك تكون نوراً للإنسان في قلبه؛ تفتح عليه باب المعرفة لله- عز وجل-، وباب المعرفة في أحكام الله، وأفعاله، وأسمائه، وصفاته، وهي نور في قبر الإنسان؛ لأن الصلاة هي عمود الإسلام، إذا قام العمود قام البناء، وإذا لم يقُم العمود فلا بناء.
          كذلك نور في حشرة يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أن من حافظ عليه كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة، وحُشِرَ مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف))(10.
          فهي نور للإنسان في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها، وأن يحرص عليها، وأن يُكثر منها حتى يكثر نوره وعلمه وإيمانه.
          وأما الصبر فقال: ((إنه ضياء)) فيه نور؛ لكن نور مع حرارة، كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً﴾ [يونس: 5] .
          فالضوء لابد فيه من حرارة، وهكذا الصبر، لابد فيه من حرارة وتعب، لأن فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان أجره بغير حساب.
          فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر، أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة؛ لما في ذلك من التعب القلبيِّ والبدنيِّ في بعض الأحيان.
          وقوله: ((الصدق برهان)).
          الصدقة: بذل المال تقرُّباً إلى الله- عز وجل- فيبذل المال على هذا الوجه للأهل، والفقراء، والمصالح العامة، كبناء المساجد وغيرها؛ برهاناً على إيمان العبد، وذلك أن المال محبوب إلى النفوس، والنفوس شحيحةٌ به، فإذا بذله الإنسان لله، فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه. فيكون في بذل المال لله- عز وجل- دليل على صدق الإيمان وصحته.
          ولهذا تجد أكثر الناس إيماناً بالله- عز وجل- وبإخلافه؛ تجدهم أكثرهم صدقة.
          ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((والقرآن حجة لك أو عليك)) لأن القرآن هو حبل الله المتين، وهو حجة الله على خلقه، فإما أن يكون لك، وذلك فيما إذا توصَّلتَ به إلى الله، وقمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه.ففي هذه الحال يكون حجة لك.
          أما إن كان الأمر بالعكس، أهنتَ القرآن، وهَجرته لفظاً ومعنى وعملاً، ولم تقُم بواجبه؛ فإنه يكون شاهداً عليك يوم القيامة.
          ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مرتبةً بين هاتين المرتبتين!
          يعني: لم يذكر أن القرآن لا لك، ولا عليك ؛ لأنه لابد أن يكون إما لك وإما عليك على كل حال . فنسأل الله أن يجعله لنا جميعاً حجة نهتدي به في الدنيا وفي الآخرة؛ إنه جواد كريم.
          قوله: ((كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).
          أي: كل الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل، وهذا شيء مشاهد. فإن الله - تعالى- جعل الليل سكناً وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام:60]، فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صُغرى، تهدأ فيه الأعصاب، ويستريح فيه البدن، ويستجدُّ نشاطه للعمل المقبل، ويستريح من العمل الماضي.
          فإذا كان الصباح- وهو الغُدوةُ - سار الناس واتجهوا كلٌّ لعمله.
          فمنهم من يتجه إلى الخير، وهم المسلمون، ومنهم من يتجه إلى الشر، وهم الكفار والعياذ بالله.
          المسلم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر ((والطهور شطر الإيمان)) كما في هذا الحديث، ثم يذهب فيصلي، فيبدأ يومه بعبادة الله- عز وجل-؛ بالطهارة، والنقاء، والصلاة، التي هي صلة بين العبد وبين ربه، فيفتتح يومه بهذا العمل الصالح، بل يفتتحه بالتوحيد؛ لأنه يشرع للإنسان إذا استيقظ من نومه أن يذكر الله- عز وجل- وأن يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران وهي قوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ إلى آخر السورة: 190-200، هذا المسلم. هذا الذي يغدو في الحقيقة وهو بائع نفسه، لكن هل باعها بيعاً يعتقها فيه؟!
          نقول: المسلم باعها بيعا يعتقها فيه؛ ولهذا قال: (( فبائع نفسه فمعتقها)) هذا قسم.
          ((أو موبقها)) معناها: بائع نفسه فموبقها.الكافر يغدو إلى العمل الذي فيه الهلاك؛ لأن معني (أوبقها) أهلكها. وذلك أن الكافر يبدأ يومه بمعصية الله، حتى لو بدأ بالأكل والشرب؛ فإن أكله وشربه يعاقب عليه يوم القيامة، ويحاسب عليه.
          كل لقمة يرفعها الكافر إلى فمه فإنه يعاقب عليها ، وكل شربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها، وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه.
          والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [ الأعراف:32] ، للذين آمنوا لا غيرهم.
          ﴿خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يعني: ليس عليهم من شوائبها شيء يوم القيامة. فمفهوم الآية الكريمة ﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾أنها لغير المؤمنين حرام، وأنها ليست خالصة لهم يوم القيامة، وأنهم سيعاقبون عليها.

          وقال الله في سورة المائدة؛ وهي من آخر ما نزل: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة:93] ، فمفهوم الآية الكريمة : أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه.
          فالكافر من حين ما يصبح- والعياذ بالله- وهو بائع نفسه فيما يُهلكها، أما المؤمن فبائع نفسه فيما يعتقها وينجيها من النار. نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.
          في آخر هذا الحديث بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس ينقسمون إلي قسمين:
          قسم يكون القرآن حجة لهم؛ كما قال : ((والقرآن حجة لك)).
          وقسم يعتِقون أنفسَهم بأعمالهم الصالحة.
          وقسم يُهلكونها بأعمالهم السيئة . والله الموفق

          يتبع بإذن الله ...

          تعليق


          • #6
            رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

            بسم الله الرحمن الرحيم

            تابع ..

            26- وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى رضي الله عنهما : أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نَفِدَ ما عنده ، فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه: ((ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أُعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر))(109).[متفق عليه].

            شرح الشيخ الفاضل محمد العثيمين رحمه الله و جعله في عليين :

            كان من خُلق الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام- أنه لا يُسأل شيئاً يجده إلا أعطاه ، وما عهد عنه أنه صلى الله عليه وسلم منع سائلاً، بل كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويعيش في بيته عيش الفقراء، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع .فهو عليه الصلاة والسلام أكرم الناس وأشجع الناس. فلما نفد ما في يده أخبرهم أنه ما من خير يكون عنده فلن يدخره عنهم؛ أي: لا يمكن أن يدَّخر شيئا عنهم فيمنعهم، ولكن ليس عنده شيء.
            ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر، فقال: ((ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن الله، ومن يتصبر يصبره الله- عز وجل)).

            هذه ثلاثة أمور:

            أولا: من يستغن يغنه الله، أي: من يستغن بما عند الله عما في أيدي الناس؛ يغنه الله عز وجل. وأما من يسأل الناس ويحتاج لما عندهم ؛ فإنه سيبقى قلبه فقيراً - والعياذ بالله- ولا يستغني.
            والغِنى غنى القلب، فإذا استغنى الإنسان بما عند الله عما في أيدي الناس؛ أغناه الله عن الناس، وجعله عزيز النفس بعيداً عن السؤال.
            ثانياً: من يستعفف يعفه الله، فمن يستعف عما حرم الله عليه من النساء يعفه الله عز وجل.
            والإنسان الذي يتبع نفسه هواها فيما يتعلق بالعفة فإنه يهلك والعياذ بالله؛ لأنه إذا أتبع نفسه هواها وصار يتتبع النساء؛ فإنه يهلك، تزني العين، تزني الأذن، تزني اليد، تزني الرِّجل ثم يزني الفرج؛ وهو الفاحشة والعياذ بالله.
            فإذا استعف الإنسان عن هذا المحرم أعفه الله- عز وجل- وحماه وحمى أهله أيضاً.
            ثالثاً: من يتصبَّر يصبره الله، أي يعطيه الله الصبر.
            فإذا تصبرت، وحبست نفسك عما حرم الله عليك، وصبرت على ما عندك من الحاجة والفقر ولم تلح على الناس بالسؤال فإن الله- تعالى- يصبرك ويُعينُك على الصبر. وهذا هو الشاهد من الحديث؛ لأنه في باب الصبر.
            ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) أي: ما مَنَّ الله على أحد بعطاء من رزق، أو غيره؛ خيراً وأوسع من الصبر؛ لأن الإنسان إذا كان صبورًا تحمَّل كل شيء. إن أصابته الضراء صبر، وإن عرض له الشيطان بفعل المحرم صبر، وإن خذله الشيطان عن ما أمر الله صبر.
            فإذا كان الإنسان قد مَنَّ الله عليه بالصبر؛ فهذا خير ما يعطاه الإنسان ، وأوسع ما يعطاه، ولذلك تجد الإنسان الصبور لو أوذي من قبل الناس، لو سمع منهم ما يكره، لو حصل منهم اعتداء عليه، تجده هاديء البال، لا يتصلب ، ولا يغضب، لأنه صابر على ما ابتلاه الله به؛ فلذلك تجد قلبه دائماً مطمئناً ونفسه مستريحة.
            ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((ما أعطي أحد عطاء خيرا واوسع من الصبر)) والله الموفق

            يتبع إن شاء الله ...

            تعليق


            • #7
              رد: الصبــــر.للشيخ العثيمين رحمه الله

              27- وعن أبي يحيي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))(110).[ رواه مسلم].

              الشرح
              قال المؤلف- رحمه الله- فيما نقله عن صهيب الرومي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمْرَهُ كلَّه له خير)) أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان ((لأمر المؤمن)) أي: لشأنه.فإن شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
              ثم فصَّل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير، فقال: (( إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له)) هذه حال المؤمن. وكل إنسان ؛ فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين:إما سرَّاء،وإما ضرَّاء،والناس في هذه الإصابة - السراء أو الضراء - ينقسمون إلى قسمين:
              مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيراً له، فنال بهذا أجر الصائمين.
              وإن أصابته سراء من نعمة دينية؛ كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية؛ كالمال والبنين والأهل شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله. لأن الشكر ليس مجرد قول الإنسان: أشكُرُ الله،بل هو قيام بطاعة الله - عز وجل.
              فيشكر اللهَ فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين، ونعمة الدنيا.
              نعمة الدنيا بالسراء، ونعمة الدين بالشكر، هذه حال المؤمن، فهو على خير، سواء أصيب بسراء، أو أصيب بضراء.
              وأما الكافر فهو على شر- والعياذ بالله- إن أصابته الضراء لم يصبر، بل تضجَّر، ودعا بالويل والثُّبور، وسب الدهر، وسب الزمن، بل وسب الله- عز وجل- ونعوذ بالله.
              وإن أصابته سراء لم يشكر الله، فكانت هذه السراء عقاباً عليه في الآخرة، لأن الكافر لا يأكله أكلة، ولا يشرب إلا كان عليه فيها إثم، وإن كان ليس فيها إثم بالنسبة للمؤمن، لكن على الكافر إثم، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف: 32] ، هي للذين آمنوا خاصَّة، وهي خالصة لهم يوم القيامة، أما الذين لا يؤمنون فليست لهم، ويأكلونها حراماً عليهم، ويُعاقبون عليها يوم القيامة.
              فالكافر شر، سواء أصابته الضراء أم السراء، بخلاف المؤمن فإنه على خير.
              وفي هذا الحديث: الحث على الإيمان وأن المؤمن دائما في خير ونعمة .
              وفيه أيضاً: الحث على الصبر على الضراء، وأن ذلك من خصال المؤمنين . فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابراً محتسباً، تنتظر الفرج من الله - سبحانه وتعالى- وتحتسب الأجر على الله؛ فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت العكس فلُمْ نفسك، وعدِّل مسيرك، وتُبْ إلى الله.
              وفي الحديث أيضاً: الحث على الشكر عند السراء، لأنه إذا شكر الإنسان ربه على نعمة فهذا من توفيق الله له، وهو من أسباب زيادة النعم، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]، وإذا وفَّق الله الإنسان للشكر؛ فهذه نعمة تحتاج إلى شكرها مرة ثالثة … وهكذا، لأن الشكر قلَّ من يقوم به، فإذا منَّ الله عليك وأعانك عليه فهذه نعمة.
              ولهذا قال بعضهم:

              إذا كان شُكري نعمةَ الله نعمة *** عليَّ له في مثلها يَجِبُ الشُّـكرُ
              فكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفضله *** وإن طالت الأيامُ واتَّصَلَ العمرُ

              وصدق - رحمه الله- فإن الله إذا وفقك للشكر فهذه نعمة تحتاج إلى شكر جديد، فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر ثانٍ، فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلي شكر ثالث. وهلم جرّا.

              ولكننا- في الحقيقة- في غفلة عن هذا . نسأل الله أن يُوقظ قلوبنا وقلوبكم، ويصلح أعمالنا وأعمالكم؛ إنه جواد كريم.

              * * *

              28- وعن أنس رضي الله عنه قال: لما ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمة رضي الله عنها: وا كَرْبَ أباه. فقال: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم)). فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباه دعاه، يا أبتاه مَن جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دُفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحْثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟(111) [رواه البخاري].

              الشرح
              قال المؤلف- رحمه الله تعالى- فيما رواه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه((جعل يتغشاه الكرب)) أي: من شدة ما يصيبه جعل يُغشى عليه من الكرب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يُشدَّد عليه الوعك والمرض، كان يوعك كما يوعك الرَّجُلان من الناس.
              والحكمة في هذا ، من أجل أن ينال صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصبر.فإن الصبر منزلة عالية، لا ينال إلا بامتحان واختبار من الله- عز وجل- لأنه لا صبر إلا على مكروه.
              فإذا لم يُصب الإنسان بشيء يكره فكيف يعرف صبره، ولهذا قال الله تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين [محمد:31]، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرَّجُلان من الناس.
              فجعل يتغشاه الكرب، فتقول فاطمة- رضي الله عنها- ((وا كرب أباه)) تتوجع له من كربه، لأنها امرأة ، والمرأة لا تطيق الصبر.
              فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( لا كرب على أبيك بعد اليوم)) لأنه صلى الله عليه وسلم لما انتقل من الدنيا انتقل إلى الرفيق الأعلى، كما كان صلى الله عليه وسلم - وهو يغشاه الموت- يقول ((اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى )) (112) وينظر إلى سقف البيت صلى الله عليه وسلم .
              توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، فجعلت، رضي الله عنها- تندبه، لكنه ندب خفيف، لا يدل على التسخط من قضاء الله وقدره.
              وقولها((أجاب ربا دعاه)) لأن الله - سبحانه وتعالى- هو الذي بيده ملكوت كل شيء، آجال الخلق بيده، تصريف الخلق بيده، كل شيء إلى الله، إلى الله المنتهى وإليه الرجعى.
              فأجاب داعي الله، وهو أنه صلى الله عليه وسلم إذا توفي صار كغيره من المؤمنين، يصعد بروحه حتى توقف بين يدي الله- عز وجل- فوق السماء السابعة. فقالت : وا أبتاه، أجابَ ربَّا دعاه.
              وقولها: (( وا أبتاه جنة الفردوس مأواه)) صلى الله عليه وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام أعلى الخلق منزلة في الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( اسألوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو))(113). ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم مأواه جنة الفردوس، وجنة الفردوس هي أعلى درجات الجنة، وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله، والنبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة منها.
              قولها : ((يا أبتاه إلى جبريل ننعاه)) النعي: هو الإخبار بموت الميت، وقالت : إننا ننعاه إلى جبريل لأن جبريل هو الذي كان يأتيه بالوحي صباحاً ومساء.
              فإذا فقد النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فُقد نزول جبريل عليه الصلاة والسلام إلى الأرض بالوحي؛ لأن الوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
              ثم لما حمل ودفن رضي الله عنها: ((أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟)) يعني من شدة وجْدها عليه، وحزنها ، ومعرفتها بأن الصحابة- رضي الله عنهم- قد ملأ قلوبهم محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فهل طابت؟
              والجواب: أنها طابت؛ لأن هذا ما أراد الله- عز وجل- وهو شرع الله، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام يُفدى بكل الأرض لفداه الصحابة رضي الله عنهم.
              لكن الله - سبحانه- هو الذي له الحكم، وإليه المرجع، وكما قال الله تعالى في كتابه: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30،31] .
              الفوائد:
              في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغيرة من البشر، يمرض ويجوع، ويعطش،ويبرد ، ويحتر وجميع الأمور البشرية تعتري النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال صلى الله عليه وسلم (( إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون))(114).
              وفيه: رد على هؤلاء القوم الذين يُشركون بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛ يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام ، ويستغيثون به وهو في قبره، بل إن بعضهم- والعياذ بالله- لا يسأل الله تعالى ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كأن الذي يجيب هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولقد ضلوا في دينهم وسفهوا في عقولهم.فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا فكيف يملك لغيره؟!
              قال الله تعال آمراً نبيه ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ بل هو عبد من عباد الله؛ ولهذا قال: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام: 50 ] .
              وقال الله- سبحانه- له أيضا ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا أي: هذه وظيفتي﴿مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ﴾ [الجـن21ـ23]، ولما أنزل الله تعالى قوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:214]، دعا قرابته صلى الله عليه وسلم وجعل ينادي إلى أن قال: ((يا فاطمة بنت محمد ، سَليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً)) (115) إلى هذا الحد‍!! ابنته؛ التي هي بضعة منه والتي يُريبه ما رابه يقول لها: لا أغني عنك من الله شيئاً.
              فهذا دليل على أن من سواها من باب أولى.
              ففيه ضلال هؤلاء الذين يدعون الرسول صلى الله عليه وسلم تجدهم في المسجد النبوي عند الدعاء يتجهون إلى القبر، ويصمدون أمام القبر كصمودهم أمام الله في الصلاة أو أشد.
              وفي هذا الحديث : دليل على أنه لا باس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذنا بالتسخط على الله عز وجل، لأن فاطمة ندبت النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه ندب يسير ، وليس يَنِمُّ عن اعتراض على قدر الله عز وجل.
              وفيه دليل: على أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها بقيت بعد موته ولم يبق من أولاده بعده إلا فاطمة،كل أولاده من بنين وبنات ماتوا في حياته صلى الله عليه وسلم. بقيت فاطمة ، ولكن ليس لها ميراث، لا هيَ، ولا زوجاته، ولا عمه العباس، ولا أحد من عصبته؛ لأن الأنبياء لا يُورثون،كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة))(116).
              وهذا من حكمة الله - عز وجل- لأنهم لو ورَّثوا لقال من يقول : إن هؤلاء جاءوا بالرسالة يطلبون ملْكا يورث من بعدهم؛ ولكن الله - عز وجل- منع ذلك.
              فالأنبياء لا يورثون ، بل ما يتركونه يكون صدقة يصرف للمستحقين له والله الموفق.

              تعليق

              يعمل...
              X