إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

النَّجْمُ السَّارِي فِي حُكْمِ الصَلاَةِ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ والسَّوَارِي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النَّجْمُ السَّارِي فِي حُكْمِ الصَلاَةِ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ والسَّوَارِي

    [1]




    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
    فلقد عزمت على البحث في هذا الموضوع لعدَّة أسباب.

    منها: ما نشاهدُه يوميَّا -وعلى مدى صلوات خمس - من استهانة البعض بتسوية الصفوف، وعدم الاهتمام بها، بل والصف بين السواري والتعَّجب من فعل من يتجنَّب ذلك في صلاة الجماعة عند السعَّة؛ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ الْجَهَالَةِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لِهَذَا مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يَتَلَبَّسُوا بِالْعِلْمِ وَلَم يَسْأَلُوا عَمَّا وَقَعَ لَهُمْ؛ أمَّا أن يصل الأمر بمن يُحسب عند هؤلاء العامة فقيهاً أن يقول: " ليس في الصلاة بين السواري من مشكلة"(1)(!) بل ويحُثُّ الناس على عدم الإصغاء لأهل العلم وعلى رأسهم الصحابة -رضي الله عنهم- في نهيهم عن الصفِّ بين السواري بقوله: " فلا تصغ إلى الذين يختلقون عشرين مشكلة حقيقية من أجل مقاومة مشكلة وهمية أو مشكلة صغيرة"(2). وأن يألَّف الآخر كتاباً في هذه المسألة يسميه "الردّ على الألبانيين"(!)(3). . كل هذا جعلني أدرك أهمِّية جمع أحكام المسألة وأدلِّتها في سياق واحد.

    ومنها: التعرض لهذه المسألة ونقل أقوال أهل العلم وإبرازها وتوضيحها لمن لم يعرف تحريمها إذا قطعت الصف عند عدم الزحام، وظنَّ أنَّ فيها كراهةً تنزيهية فقط(4). فالله أسأل التوفيق في عرض هذه المسألة بحمده ومنِّه وكرمه؛ لا إله سواه .

    الحواشي


    (1) وهذا من تعصبه المذهبي وبعده عن السُنَّة والأثر .
    (2) وهو محمد سعيد البوطي، أفتى بهذا في موقعه الرسمي؛ وهو الرجل الذي قال فيه محدِّث العصر/ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- : أنَّه صاحبُ فهم شاذ مبني على جهل فظيع بمعاني الألفاظ المستعملة في اللغة والشرع؛ انظر "التوسل" ص 154 وقال فيه أنَّه: " يدعي ما يروق له من الدعاوى الساقطة دون أن يراجع الكتب، أو يقرأ كلام العلماء اعتماداً منه على أن قارئيه مقلدون تقليداً أعمى، وليسوا ممن يراجع أو يقرأ أو يثبت مما يقال ؟" المرجع السابق ص156 وسيتبيَّن ما ذكره الإمام الألباني من خلال صفحات هذا البحث.
    (3) وهو حسَّان عبدالمنَّان؛ وفعله هذا محض هوى وولوع بتضعيف الأحاديث الصحيحة، وحبه لمعاكسة المحدِّثين في أحكامه؛ مع أنَّه لم يُعرَف مخالف للصحابة في المسألة؛ وقد تابعه من تابعه مريداً الانتصار لطائفته القائلة بعدم الكراهة، وهذا جزء من حملة هذا الرجل في الكذب والتدليس وتحريف أحكام الإمام الألباني على الأحاديث زعماً منه أنَّه يحققها .

    (4) ومن هؤلاء من تعصَّب لمذهبه المالكي متمسكاً بالكراهة التنزيهية حتى بعد أن عرف الآثار، وقد سوَّد في هذا بحثاً إخاله عن التمسك بالمذهب لا عن حكم الصلاة بين السواري، وضعَّف حديث قرَّة -وقد صححه في موضع آخر من كتبه- لما وجد أن الحديث الصحيح يفيد التحريم ولا صارف! فانصرف يتكلم في غير فنه كما فعل مراراً، وكلامه شبيه بكلام حسَّان عبدالمنان -إن لم يكن نسخاً ولصقاً منه- وحسَّان هذا قال فيه الإمام الألباني مراراً في غير ما كتاب: ((ليس هذا بعشك فادرجي))، ومن تكلم في غير فنه رأيت منه العجائب .



    تحميل البحث بصيغة وورد


    التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فريد القبائلي; الساعة 03-Sep-2013, 02:04 AM.
    قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

  • #2
    [2]

    مَا هِيَ السَّوَارِي فِي بَحْثِنَا هَذَا؟

    هي الأعمدة التي يقام عليها السقف في المساجد فتقيمه؛ وذُكرَت في القرآن بلفظ "العَمَد"؛ قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، قال البغوي في تفسيره للآية: "يعني: السَّواري، واحدها عمود"([1])، وهي العمَد لأنَها ما يُعمَد به البناء. وهي الأُسطُوانة -بضم الهمزة والطاء- كما يسميها الفقهاء؛ والنون عند الخليل أصل فوزنها: (أفعوالة) وعند بعضهم زائدة والواو أصل، فوزنها: (أفعلانة)؛ والجمع (أَسَاطِينٌ) و (أُسْطُوَانَاتٌ) على لفظ الواحدة([2])؛ وهي (الأواسي)، وقيل هي الأصل؛ واحدتها: (آسية) لأنها تصلح السَّقْف وتقيمُه من أَسوت بين القوم إذا أصْلَحْتَ([3]) .


    الحواشي

    ([1]) تفسير البغوي (4/292) .

    ([2]) "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للرافعي (1/276) .

    ([3]) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (1/111) .


    قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

    تعليق


    • #3
      [3]

      أهميَّةُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَعَدَمِ تَقْطِيعِهَا

      إنَّ في النهي عن الصلاة بين السواري دعوة واضحة إلى وحدة الصف، ولا يجوز لأحد أن يستهين بهذه الشعيرة، وبهذه السنة العظيمة الأثر، وبهذا الهدي الذي جاء به نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- .

      إنَّ إحياء سنة تسوية الصفوف لها أجر عظيم عند الله، لأن الذي يعمل على إحياءها فإنه يدعو الأمة إلى توحيد صفها، ولا يتأتى لها ذلك إلا إذا اتبعت نبيها، وكيف لها أن تترك هذه السنة وهي تسمع قول نبيها -صلى الله عليه وسلم- وهو يحثها على التسوية، والرص، والإقامة، والمحاذاة، وسد الخلل. فإذا فشلت في تحقيق وحدتها في الصف في المسجد، فهي أحرى بالفرقة خارجه، بل هي عقاباً لها مستحقة للفرقة، وقد تحقق فيها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث البراء بن عازب: ((لا تختلف صدوركم، فتختلف قلوبكم))، فهذا من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم-.

      وإذا وقع الاختلاف، وقع الشر والفتن، وغلب العدو، فالاختلاف في الصف الظاهر دليل واضح على الاختلاف في الباطن ونوايا القلوب، أو الاختلاف على اتباع السنة وفهم المنهج النبوي. فعدم اتباع الهدي النبوي في تسوية الصف مجلبة للشر وغضب الربِّ، والاستهانة في تعظيم هذه السنة مآل أصحابها الاختلاف والتفرق، ومعاداة إحياء هذه السنة مشعر بوجود الشياطين الذين لا يهمهم إلا تفريق الصف، من أجل هذا نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوقت الذي يؤكد فيه على تسوية الصف حتى يكون كل من فيه على قلب رجل واحد، يحذر تخلل الشياطين([1]) .


      الحواشي

      ([1]) "تسوية الصف من وحدة الصف" للعارف بتصرف .
      قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

      تعليق


      • #4
        [4]
        وُقُوفُ الْإِمَامِ والمنفرد بَيْنَ السَّوَارِي


        تجوز صلاة الإمام والمنفرد بين السواري؛ ودليل ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سأل بلالاً -رضي الله عنه- أين صلى النبي -صلى الله عليه وسلَّم- في الكعبة فقال: ((بين العمودين المقدمين))([1])، أي: بين ساريتين، قال الشوكاني: " وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم -صلى في الكعبة بين ساريتين"([2])، قال البهوتي : " ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري لأنه ليس ثمَّ صف يُقطع"([3]) .

        الحواشي


        ([1]) متفق عليه؛ وقال الشيخ الألباني في الثمر المستطاب: " أخرجه البخاري ومسلم ، ومالك وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق كثيرة مطولا ومختصراً " اهـ .

        ([2]) نيل الأوطار 3/236، وانظره ملخصاً في عون المعبود 2/261 و تحفة الأحوذي 3/521 .

        ([3]) كشاف القناع (1/494) .
        قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

        تعليق


        • #5
          [5]
          صَلاَة المَأْمُومِينَ بَيْنَ السَّوَارِي


          لا يخفى على المتأمل ما تحدثه الصلاة بين السواري من قطع للصفوف، وعدم التراصّ والالتصاق، فالفقه السليم يمنع من ذلك، دون سماع نصٍ في المسألة، فكيف إذا كان؟ فالصف بين السواري يؤدي إلى قطع الصف وحينئذ يرد عليه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((. . . ومن قطع صفاً قطعه الله))؛ وقد ورد فيها من النصوص الخاصة ما يفيد تحريم الصف بينها .

          لهذا فقد تقرر عند المحققين من أهل العلم أنَّ صلاة المأمومين بين السواري تحرم إلاَّ للضرورة؛ للأدلة التالية -نتعرَّض لها مع بيان فقهها-:

          أولاً: حديث قرَّة بن إياس المزني -رضي الله عنه-: ((كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد -رسول الله صلى الله عليه وسلم- ونطرد عنها طرداً))([1]).

          ثانياً: حديث عبد الحميد بن محمود -رضي الله عنه- قال: ((صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس، فصلينا بين الساريتين [فجعل أنس بن مالك يتأخر]، فلما صلينا قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-))([2]) ولفظ الترمذي: عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ:
          صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ([3]) فَلَمَّا صَلَّيْنَا قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ((كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))([4]).

          قلتُ: نلاحظ في كلا الحديثين قولهما -رضي الله عنهما-: ((على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-))؛ وتحتمل رواية أنس -رضي الله- إقرار الرسول - صلى الله عليه وسلَّم- وهو في حكم المرفوع؛ أو أن في المسألة سنة قولية، وهو ما تأكده رواية قرَّة -رضي الله عنه- فتحمل رواية أنس عليها([5])؛ فقول قرَّة: (كُنَّا نُنهى) يدل على ذلك، قال الحافظ في النزهة: " قول الصحابي: كنا نفعل كذا؛ فله حكم المرفوع"([6]) وقال ابن عثيمين: " لفظ: (نهينا)؛ إذا قاله صحابي أو صحابية؛ فالمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- نهاهم، لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- هو الذي له الأمر والنهي"([7]).

          فإذا تقرر النهي عنه -صلى الله عليه وسلَّم-؛ فالأصل فيه أنَّه للتحريم إلاَّ إذا دلَّ الدليلُ على الكراهة([8])؛ ولا صارف([9]) .
          و لفظ "نُطرَد" يُشعر بالتحريم، ثم إيراد المفعول المطلق "طرداً" مما يزيده تأكيداً([10]).

          قال الشوكاني -رحمه الله-: " وَظَاهِر حَدِيث مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكَره الْحَاكِم أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم"([11]) .

          وقد ذكر ابن حبَّان هذه الأحاديث تحت باب: (ذكر الزجر عن الصلاة بين السواري جماعة)؛ و قوله: (ذكر خبر ثانٍ يصرح بهذا الزجر المطلق) ثم تعليقه -أي ابن حبَّان- بقوله: " هذا الفعل ينهى عنه بين السواري جماعة وأما استعمال المرء مثله منفرداً فجائز"([12]) وهذا مفهومه أنَّ استعمال المرء مثله للجماعة غير جائز أي: مُحرَّم .
          وهو ظاهر تبويب ابن خزيمة للحديثين. فإنَّه بوَّب للأول بـ (باب طرد المصطفين بينالسواري عنها) وللثاني بـ (باب النهي عن الاصطفاف بين السواري)؛ (وهذا الأخير يُفيد التحريم عند الشافعية، وابن خزيمة معدودٌ فيهم)([13]).

          قال الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- عن الصفِّ بين السواري من غير ضرورة للجماعة: " حرامٌ لا يجوز"([14])، وقال -رحمه الله- عن حديث أنس: " هذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري، وأنَّ الواجب أن يتقدم أو يتأخر، إلاَّ عند الاضطرار؛ كما وقع لهم"([15]) ويعود الضمير: (لهم) على الصحابة كما في رواية الترمذي التي سبق ذكرها. وأجاب الإمام ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- عندما سُئل عما ورد من أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يطردون عن الصف بين السواري طرداً، وكانوا يتقون الصف فيها، فهل الصف بينها محرم كما هو ظاهر النهي؟ فقال: " الصحيح: أنه منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الصف لا سيما مع عرض السارية"([16])؛ وقال الشيخ المحدِّث عبد المحسن العبَّاد: " السواري هي الأعمدة التي في المسجد، والصف بينها لا يجوز لأنَّها تُقطِّعُ الصفَّ"([17]) قال سماحة الإمام العلاَّمة ابن باز عن الصف بين السواري: "خلاف السُنَّة، وفي حديث أنس قال: كنا نتقيه"([18])؛ قال الشيخ سليم الهلالي: " يحرم على المأمومين الصلاة بين السواري ويدل على ذلك النهي الصريح والقرينة المؤكدة للتحريم، وهو طرد الواقفين بين السواري"([19]).

          من أجل ذلك أطلق الكثير من العلماء فقالوا: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- عن الصلاة بين السَّواري"؛ ولا يعني ذلك أنَّ في المسألة سُنَّة قولية بلفظ مباشر؛ نعم . . قد ورد حديث عن ابن المبارك عن إسماعيل بن مسلم عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بالصف الأول وعليكم بالميمنة وإياكم والصفَّ بين السواري))([20])؛ وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2513 والمتقي الهندي في "كنز العمَّال" 20566، ولكنَّ الهيثميّ علَّق عليه وقال: "رواه الطبراني في الأوسط([21]) والكبير([22]) وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف"، لذلك أورده الإمام الألباني -رحمه الله- في الضعيفة 2895 وقال: " هذا إسناد ضعيف؛ إسماعيل بن مسلم -وهو المكي- ضعيف الحديث، كما في التقريب " . وقد أورده أيضاً في ضعيف الجامع الصغير 3767؛ وورد هذا الحديث موقوفاً على ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- كما في مصنَّف عبد الرزَّاق 2477: عن ابن عباس قال: ((عليكم بميامن الصفوف وإياكم وما بين السواري وعليكم بالصف الأول)) ولكنَّه من طريق بن جُريج قال: ((أخبرني غير واحد))، فأبهم؛ وقد ورد الحديث موقوفاً في مجمع الزوائد، ولكن قال الإمام الألباني في الضعيفة: " وقع الحديث في مجمع الزوائد ( 2/92 ) موقوفاً على ابن عباس من رواية "المعجمين"، وهو فيهما مرفوع كما ذكرنا، فالظاهر أنه سقط رفعه من الناسخ أو الطابع "([23]) .

          وقد أخرج أبو نعيم في أخباره قال: حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا أبو معاوية، ثنا أبو سفيان السعدي، ثنا ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: ((نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصف بين السواري))([24]) .

          ولكن في الحديث: أبو هشام الرفاعي، وقد ضعفه جماعة من العلماء، وحسَّن حديثه آخرون، وحُجَّة من ضعَّف قوية، والحديث يحتاج إلى مزيد دراسة .

          ونخلُص بذلك إلى أنَّه لا توجدُ سُنَّة قولية مباشرة –على حدِّ علمي- عن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- في هذه المسألة؛ وعلى هذا يُمكن حمل قول ابن المنذر -رحمه الله- حين قال: "ليس في هذا الباب خبر يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه نهى عنه"([25]) ولكن بالنظر والاستنباط ثبت أن النهي عن الصف بين السواري في حكم المرفوع بل هو سنَّة قولية كما أثبتنا آنفاً من حديث قرَّة.

          ولو لم يُسلم لنا بذلك -جدلاَ-، وأخذنا برواية أنس -رضي الله عنه- على أنها سنة تقريرية فقط فإنَّ ذلك لا يُغيِّرُ شيئاً، جاء في متن الورقات: " وإقرار صاحب الشريعة على القول الصادر من أحد هو قول صاحب الشريعة وإقراره على الفعل من أحد كفعله؛ وما فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه"([26]) .


          الحواشي




          ([1])رواه ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والشيخ الألباني؛ وأورده ابن حبان في صحيحه 2219 بلفظ: ((كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طرداً)).

          ([2]) قال الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى-: " الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وأحمد عن سفيان الثوري عن يحيى بن هاني بن عروة المرادي عن عبد الحميد به . والسياق للترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح) . وما بين القوسين للنسائي، وللحاكم المعنى؛ وقال: (صحيح ). ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وصححه الحافظ أيضاً في ( الفتح ). وله شاهد من حديث هارون بن مسلم عن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه" اهـ وصححه الإمام اليماني مقبل الوادعي في " الصّحيح المسند ممّا ليس في الصّحيحين " وقال: "رجاله ثقات".

          ([3])قلتُ: وهذه الرواية تَدُل بشكل صريح أنَّهم قد صلوا بين الساريتين عندما اضطروا .

          ([4]) سنن الترمذي 212 وصححه الألباني .

          ([5]) تقرير من الشيخ محمد بن عمر بازمول -حفظه الله- في مكالمة هاتفية مسجلة أجريتها معه .

          ([6]) النزهة 138 .

          ([7]) شرح رياض الصالحين (3/176) .

          ([8]) أصول الفقه المهمَّة ص18 للسعدي -رحمه الله- .

          ([9]) ذهب بعض الفضلاء من أهل العلم إلى أنَّ عدم بطلان الصلاة هو الصارف، لأنَّ التحريم يقتضي البطلان -كما قالوا- وستأتي مناقشة ذلك لاحقاً .

          ([10]) "تسوية الصفوف وأثرها في حياة الأمة" ص:48 لعوايشة .

          ([11]) نيل الأوطار 3/236.

          ([12]) في تعليقه على الحديث 2220.

          ([13]) الصلاة بين السواري، الحمادي .

          ([14]) بداية الشريط الرابع من سلسلة الهدى والنور .

          ([15]) سلسلة الأحاديث الصحيحة،ح360 .

          ([16]) الفتوى 390 من مجموع الفتاوى والمقالات كتبها في 16/6/1418هـ.

          ([17]) شرح سنن أبي داود، ش 59 د22 .

          ([18]) نور على الدرب، ش386 د6 .

          ([19]) موسوعة المناهي الشرعية في صحيح السنة النبوية، كتاب صلاة الجماعة .

          ([20]) المعجم الكبير للطبراني 12004 .

          ([21]) المعجم الأوسط للطبراني، برقم 3338 .

          ([22]) 12004.

          ([23]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6/435) .

          ([24]) أخبار أصفهان، بابٌ من اسمه اسحاق ر733.

          ([25]) الأوسط (4/183) .

          ([26]) الورقات للجويني ص 22 .
          قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

          تعليق


          • #6
            [6]
            نَهي الصَحابة وجَرَيانُ عَمَلِهم عَلى ذَلِكَ -رَضِيَ اللُه عَنْهُم-

            فقد روى سعيد بن منصور في سننه النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة؛ وقد روى ابن أبي شيبة في مسنده ذلك أيضاً .

            حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن معدي كرب قال: قال ابن مسعود: ((لاتصطفوا بين السواري ولا تأتموا بقوم وهم يتحدثون)) ([1]).

            قال الهيثمي: " رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن "([2])، وقد جاء في المعجم الكبير بلفظ: ((ولا تصلوا بين السواري))([3])؛ وقد رواه ابن القاسم في "المدونة" (1/106)، والبيهقي أيضاً في "سننه الكبرى" (3/104) من طريق أبي إسحاق عن معدي كرب واستدل الألباني -رحمه الله- بهذا الأثر في السلسلة الصحيحة بلفظ: ((لا تصفوا بين السواري)) وجاء في مصنَّف ابن أبي شيبة برقم 7500 ولفظه: ((لا تصفوا بين الأساطين ولا تأتموا بقوم يمترون ويلغون)) وقد جاء في التاريخ الكبير للإمام البخاري عن معدي كرب بلفظ: قال ابن مسعود: ((لا تصلي بين الأساطين إمَّا أن تقدمها وإمَّا أن تؤخرها))([4]).

            وجاء النهي عن حذيفة -رضي الله عنه-؛ قال ابن أبي شيبة: ((حدثنا فضيل بن عياض عن حصين بن هلال عن حذيفة أنه كره الصلاة بين الأساطين))([5]) .

            وهذا ما فهمه عنهم التابعون؛ أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" بسند صحيح عن إبراهيم التيمي([6]) أنه قال:
            "لا تصلوا بين الأساطين" وقال: "أتموا الصفوف"([7]).

            وهذه الأقوال للصحابة حجَّة؛ فضلاً عن النصوص الآنفة الذكر، قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: "وَلَا يُعْرَف لَهُمْ مُخَالِف فِي الصَّحَابَة"([8]) .


            الحواشي


            ([1]) المعجم الكبير للطبراني 9293 .

            ([2]) مجمع الزوائد 2/95 .

            ([3]) المعجم الكبير ح9191.

            ([4]) التاريخ الكبير (8/41) .

            ([5]) المصنف لابن أبي شيبة 7501.

            ([6]) وهذا خلاف ما ورد أنه كان يصلي بقومه بين السواري، إلا إن حُمل أنه من كان بينها أما قومه فلا؛ أو أن يكون هو النخعي كما ورد في كتب الفقه، ويبعد ذلك .

            ([7]) انظر مصنف ابن أبي شيبة 7503 و 7504.

            ([8]) نيل الأوطار؛ مرجع سابق .
            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله الآجري; الساعة 20-Oct-2007, 07:35 PM.
            قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

            تعليق


            • #7
              [7]
              وَلَكِنَّ أَكَثَر العُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِالكَرَاهَةِ لاَ التَّحْرِيمِ، فَمَا هُوَ الصَّارِفُ عِنْدَهُم؟


              نعم؛ قد ذهب بعض أهل العلم -وليس أكثرهم- إلى القول بالكراهة لا التحريم، وقد جعلوا الصارف عدم بطلان صلاة من صلى بين السواري، وقالوا أنَّ التحريم يقتضي البطلان، ولم يقل قائل ببطلان صلاة من صلى بينها، بل صلى أنس -رضي الله عنه- بين السواري ولو كانت تبطل لما فعل، والردُّ على ذلك أنَّ هذه القاعدة ليست مطردة، والذين قالوا بتحريم هذا الصف لم يقل قائل منهم ببطلان صلاة من صف مطلقاً كما يوهم ظاهر التحريم، بل هو عندهم تحريم لا يقتضي البطلان أخذاً بظاهر النهي الذي لم يصرفه صارف من النصوص، هذا ما عليه المحققون .

              ومن قال أننا نصرف ذلك بقول الجمهور لأن أكثرهم يقول بالكراهة، فلو سلمنا له بذلك -وليس الأمر كذلك- فإننا نقول له: لا يصرف الدليل عن ظاهره بقول جمهور العلماء؛ فقول الجمهور ليس بحجة، لأن الله -عز وجل- لم يتعبدنا بقول الجمهور، فلا يصرف الحديث عن ظاهره لأن الجمهور صرفوه عن ظاهره، فمثلا: لا يصرف ظاهر الأمر من الوجوب إلى الاستحباب لقول الجمهور، ولا يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة لقول الجمهور، ولا يصرف العام إلى الخاص لقول الجمهور، وذلك لأن قول الجمهور ليس بحجة، وظاهر الحديث حجة، فلا يترك ما هو حجة لأجل ما ليس بحجة، قال العلامة صديق حسن كما في قواعد التحديث([1]): "اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأمة بخلافه، لأن قول الأكثر ليس بحجة"([2]) اهـ.

              ومن أهل العلم من صرف النهي لوهمه بوجود صارف من النصوص، كما حصل للزرقاني ومن تابعه من المالكية؛ قال الزرقاني: " . . . لكن روى الحاكم بإسناد صحيح عن أنس نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بين السواري؛ فدلَّ فعله([3]) على أن النهي للكراهة"([4]) وعلى هذا أكثر المالكيَّة؛ جاء في المدوَّنة: " قال مالك: لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد"([5])، قال ابن عرفة: " مفهوم المدوَّنة إذا كان المسجد متسعاً كرهت الصلاة بين الأساطين"([6])، قال ابن حبيب: " ليس النهي عن تقطيع الصفوف إذ ضاق المسجد وإنما نهى عنه إذا كان المسجد واسعاً"([7])، قال الدردير في شرحه الكبير: " وكرهت للجماعة صلاة بين الأساطين أي: ((الأعمدة))"([8])؛ وبذلك لا يصح القول بأنَّ الإمام مالكاً -رحمه الله- لا يرى بكراهة الصف بين السواري مطلقاً، وهو الذي ذكره ابن قدامة والشوكاني وتبعه شمس الحق والمباركفوري -عليهم رحمة الله جميعاً-، ويمكن أن يكون هذا الزعم نتيجة لاختلاف قول إمام دار الهجرة في المسألة، قال النووي: " اختلف قول مالك في كراهتها إذا لم يكن عذر وسبب الكراهة عنده أنه يقطع الصف"([9])، وما عليه عمل المالكية أنَّها تكره من غير حاجة؛ وهذا مفهوم المدونة وهو ما عليه عمل المالكية كما سبق، وهذا يُرجح أنّ قوله الأخير هو الكراهة .

              قلتُ: ولكن لا تعارض بين الحديثين حتى يصرف أحدهما الآخر من التحريم إلى الكراهة كما ذكر الزرقاني -رحمه الله-، فحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في حالة الإمام والمنفرد، وبقية الأحاديث في حالة الجماعة وهو واضحٌ من سياقها؛ قال الشوكاني: " فَيَكُونُ النَّهْي عَلَى هَذَا مُخْتَصًّا بِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ بَيْن السَّوَارِي دُون صَلَاة الْإِمَام وَالْمُنْفَرِد, وَهَذَا أَحْسَن مَا يُقَال"([10]).

              وقد سلكَ البعض الآخر من الأئمة -رحمهم الله- مسلكاً آخر بين الحديثين -حديث بلال وحديث أنس - فقاسوا صلاة الجماعة على صلاة الإمام والمنفرد؛ فرخَّص فيه أبو حنيفة والشافعي، وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم: " وأما الصلاة بين الأساطين فلا كراهة فيها عندنا"؛ وذهب ابن المنذر إلى ذلك أيضاً؛ ونعتذر لهم بأنهم لم تصلهم أحاديث الباب، ومنها حديث قرة و أنس -رضي الله عنهما-، ومن أتباعهم من علم، ولكنَّه آثر الانتصار لمذهبه؛ وقد بيَّنا أنَّ في الباب ما يفيد النهي والكراهة التحريمية كحديث قُرَّة -رضي الله عنه-؛ قال الشوكاني: " وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِيَاس الْمُؤْتَمِّينَ عَلَى الْإِمَام وَالْمُنْفَرِد فَاسِد الِاعْتِبَار لِمُصَادَمَتِهِ لِأَحَادِيث الْبَاب"([11]) .

              ويُحتمل أنَّهم لم يصحَّ عندهم المرفوع، ولم تثبت عندهم إلاَّ الآثار، فقدموا المسند([12]) عليها؛ قال صاحب الإحكام عن حديث بلال: " فيه دليل على جواز الصلاة بين الأساطين؛ وفي الحديث: دليل أيضاً على جواز الصلاة بين الأساطين والأعمدة وإن كان يُحتمل أن يكون صلى في الجهة التي بينهما وإن لم يكن في مسامتتهما حقيقة؛ وقد وردت في ذلك كراهة؛ فإن لم يصح سندها قدم هذا الحديث وعمل بحقيقة قوله ((بين العمودين)) وإن صحَّ سندها: أُوِّلَ بما ذكرناه: أنه صلى في سمت ما بينهما، وإن كانت آثارا فقط : قُدِّم المسند عليها"([13]) .

              والقول بالجواز مذهب أهل الرأي أيضاً، وابن عون وابن سيرين. ونُقِلَ عن مالك، ولا يصح، بل هو مخالف لما تقدم عنه، وكذا نُقِلَ عن سعيد بن جبير، وإبراهيم التيمي، وسويد بن غفلة، أنهم كانوا يؤمون قومهم بين الأساطين. لكن هذا ليس بصريح في كونهم يرون الإباحة لأمرين :

              الأول: احتمال أن يكون الإمام هو من يصلي بين السواري لا المأمومين .
              الثاني: احتمال أن ذلك كان بسبب ضيقٍ في المسجد([14]) .

              ويؤيد ذلك ما تقدم ذكره بسند صحيح عن إبراهيم التيمي في المصنف أنه كره ذلك .
              والقول بالكراهة التنزيهية أو الجواز ليس بقول أكثر السلف؛ بل قد ورد النهي عن أكثرهم، فقد وردت الكراهة عن ابن مسعود وأنس وحذيفة وابن عبَّاس والنخعي وأحمد وطائفةٌ من أهل الحديث؛ كالبخاريّ، والتّرمذيّ، وابن خزيمة، وابن حبّان، و البغويّ، والبيهقيّ، وابن حجر، والسّنديّ، والمباركفوريّ، وصاحب العون، وغيرهم - رحمهم الله- ولفظ الكراهة عندهم يحمل على ما حُمِلَ في كتاب الله وسُنَّةِ رسوله .

              فالآثار المتقدمة، لا تعني قول هؤلاء -رضي الله عنهم- بكراهة ذلك وصرفه عن التحريم، وإنَّما كان ذلك في الرعيل الأول، يتورعون عن القول بالتحريم؛ قال الإمام ابن القيم: "قد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك؛ حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ "التحريم" وأطلقوا لفظ "الكراهة" فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ "الكراهة" وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جداً في تصرفاتهم، فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة.

              وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين أكرهه ولا أقول هو حرام ومذهبه تحريمه، وإنما تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان، وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة ومذهبه أنه لا يجوز - ثم ذكر رحمه الله تعالى على ذلك أمثلة من فقه الأئمة الأربعة - ثم قال:
              وأطلق لفظ "الكراهة" لأنَّ الحرام يكرهه الله ورسوله، وقد قال تعالى عقيب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، إلى قوله: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} إلى قوله: {وََلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}[الإسراء: 31]، إلى قوله: {ولا تقربوا الزنا} إلى قوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، إلى قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم} إلى قوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، إلى آخر الآيات؛ ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} }[الإسراء:38]، وفي الصحيح: ((إنَّ الله عز وجل كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)).

              فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، أما المتأخرون فقد اصطلحوا على الكراهة تخصيص بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ "الكراهة" أو لفظ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعاً أو قدراً في المستحيل الممتنع . . ."([15]).

              فتحمل الكراهة عند من نُقل عنهم على التحريم؛ وقد قال الإمام أحمد في مسألتنا هذه بالكراهة، قال ابن هانئ في "مسائله": " سُئل الإمام أحمد عن الصلاة بين السواري؛ فقال: (مكروه)([16])؛ قال أبو داود في "مسائله": " سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين؟ قال: إنما كره لأنه يقطع الصف؛ فإذا تباعد بينهما فأرجو"([17])، فتأكد بهذا المقصود من الفصل .


              الحواشي



              ([1])
              قواعد التحديث ص91 .

              ([2]) منقول بتصرف من كتاب أصول الفقه عند أهل الحديث لزكريا بن غلام، القاعدة السادسة .

              ([3]) قلت: يعني صلاة النبي -صلى الله عليه وسلَّم- بين العمودين والذي تم تخريجه في فصل وُقُوفِ الْإِمَامِ والمنفرد بَيْنَ السَّوَارِي .

              ([4])شرح الموطأ للزرقاني 2/473.

              ([5]) المدوَّنة (1/106) .

              ([6]) نقله ابن المنذر في الأوسط، مرجع سابق .

              ([7]) عمدة القاري، مرجع سابق؛ وفي كلام ابن حبيب ما يُشعرُ أنَّه يقول بالتحريم لا الكراهة .

              ([8]) الشرح الكبير (1/331) .

              ([9]) شرح النووي على صحيح مسلم، (4/226) .

              ([10]) نيل الأوطار، مرجع سابق .

              ([11]) نيل الأوطار، مرجعٌ سابق .

              ([12]) أي حديث بلال -رضي الله عنه- .

              ([13]) إحكام الأحكام (1/69) .

              ([14]) الصلاة بين السَّواري، الحمادي .

              ([15]) إعلام الموقعين 1/39-43.

              ([16]) مسائل أحمد (1/69) رواية ابن هانئ؛ بواسطة منهاج النجاة في وجوب تسوية الصفوف في الصلاة.

              ([17]) الثمر المستطاب، مرجع سابق .
              قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

              تعليق


              • #8
                [8]

                العِلَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي

                قال الشوكاني -رحمه الله-: " وَلَكِنَّ حَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِم فِيهِ النَّهْي عَنْ مُطْلَق الصَّلَاة, فَيُحْمَل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد"([1]).

                قال الألباني -رحمه الله- عن كلام الشوكاني في هذا الباب: " قوله: "إن حديث أنس عند الحاكم كحديث معاوية بن قرة .

                [ولكن] قوله: ((لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف))؛ هذا عندي كالتفسير للنهي المذكور قبله، والله أعلم؛ فإذا صح هذا وصح حديث أنس بهذه الزيادة؛ فيكون فيها الإشارة إلى علة النهي وهي قطع الصفوف، ولذلك أمر بإتمامها في الحديث نفسه، والله أعلم.


                وقد صرح الإمام أحمد بهذا؛ فقال أبو داود في "مسائله":
                "سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين؟ قال: إنما كره لأنه يقطع الصف فإذا تباعد بينهما فأرجو"([2]) اهـ كلام الألباني -رحمه الله-.

                قلتُ: وقد ذكر العلماء أن العلَّة في ذلك إمَّا قطع الصف([3])، وإمَّا لأنَّها موضع النعال أو لأنَّها مصلى الجن المؤمنين؛ قال الحافظ ابن حجر: " قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال([4]) انتهى. وقال القرطبي: روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين" ([5]).
                قلتُ: والأول هو الصحيح، قال البيهقي: "وهذا -والله أعلم- لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف"([6]) فبيَّنَ أن القطع هو العلَّة، وقال ابن قدامة: " ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري ويكره للمأمومين لأنها تقطع صفوفهم"([7]).

                أمَّا العلة الثانية فهي حادثة كما قاله ابن العربي في "العارضة" (2/27-28) فلم يكن الصحابة -رضي الله عنهم- يخلعون نعالهم، بل كانوا يصلُّون بها، وهذه هي السُنَّة؛ وأمَّا التعليل الثالث فلم يقم عليه دليل .

                وأغرب من ذلك ما ذهب إليه بعض المالكية من أن المكان بين السواري مأوى الشياطين، قال في مختصر خليل: " أَوْ لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ" قال الشارح: " أَيْ : فَلَا يَخْلُو مِنْ عَبَثِهِمْ أَوْ وَسْوَسَتِهِمْ تَأَمَّلْ"؛ وهذا ما لم يورده أحدٌ من السلف في كتبهم فيما أعلم، وهو عكس ما أورده القرطبي، ولكنه يمكن أن يكون نتيجة للفرج التي تحدثها الأساطين، ودليله الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود عن البراء -رضي الله عنه-:
                ((أقيموا صفوفكم، لا يتخللُكم الشياطين كأنها أولاد الحذف، قيل يا رسول الله: وما أولاد الحذف؟ قال: سود جرد بأرض اليمن)).
                والمراد بأولاد الحذف: أولاد الضأن الصغار. وفي "القاموس" غنم سود صغار حجازية أو جرشية، بلا أذناب ولا آذان.
                والحديث الذي رواه الطيالسي، وأبو داود عن أنس -رضي الله عنه- وهو في صحيح الجامع (1205): ((فوالذي نفسي بيده، إني لأرى الشياطين بين صفوفكم، كأنها غنم عُفر)).
                والعُفر: البياض غير الناصع([8]).

                وفي هذا الباب الأثر عن إبراهيم في مصنف ابن أبي شيبة: ((حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم أنه كره الصلاة بين الأساطين، وقال: ((أتموا الصفوف))([9]) فهو يعضد حديث أنس الذي استدل به الإمام الألباني -رحمه الله- .


                الحواشي



                ([1]) نيل الأوطار، مرجع سابق .

                ([2]) الثمر المستطاب، مرجع سابق .

                ([3]) وهو ما عليه جمهور العلماء المعاصرين من أمثال سماحة الإمام العلاَّمة بن باز -رحمه الله- والألباني وابن عثيمين -رحمهم الله- .

                ([4]) قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل: " فَلَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ"؛ وقال: "هو مُحدثٌ لأنَّ السلف لم يكونوا يدخلون بها"(!) وهو غريب إن كان يعني بالسلف الصحابة؛ فهو مُحدث لأنهم كانوا يُصلُّون بنعالهم ولا يخلعونها .

                ([5]) فتح الباري 1 / 477 .

                ([6]) سنن البيهقي، مرجع سابق .

                ([7]) المغني (2/27) .

                ([8]) "وحدة الصف"، مرجع سابق .

                ([9]) مصنف ابن أبي شيبة 7503.
                قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                تعليق


                • #9
                  [9]
                  ولكن هل موضع السواري فرجة قاطعة؟


                  قد رأى بعضهم أنَّ موضع السواري ليس بفرجة أصلاً؛ قال أبو الْحَسَنِ: "مَوْضِعُ السَّوَارِي لَيْسَ بِفُرْجَةٍ"([1])؛ قلت: وقد ثبت أنَّها تقطع الصف بدليل ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ: ((لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف)). فقرن النهي عن الصلاة بين الأساطين بالأمر بإتمام الصفوف وهذا يعني أنها تقطعها.


                  كما أنَّه ليس في اللغة حصر القطع بحدوث فراغ يفصل بين أجزاء المقطوع؛ بل كل ما لم يتصل ببعضه فهو منقطع لا خلاف في ذلك، والصف الذي تخللته سارية لا يتصل بعضه ببعض.

                  وليس في أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بسد الفرج ما يدل على أن الصلاة بين السواري لا تقطع الصفوف، لا مطابقةً، ولا تضمناً، ولا التزاماً.


                  ثانيًاً : هب أن هذا الكلام الذي لا يعلم وجه دلالته، بل الخالي عن الدلالة، صحيح، وأن التعليل بانقطاع الصفوف بالسواري باطل، فليس ذلك يمنع من العمل بما دل عليه الحديث من كراهة الصلاة بين السواري، لما عُلِمَ أنه ليس من شرط العمل بالأمر والنهي الشرعيين معرفة علة ورودهما([2]).

                  لذلك قال الشارح معقباً على هذا الكلام ومحاولاً تعليله(!)" وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْخَفِيفَةُ([3]) كَأَعْمِدَةِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا الْكَثِيفَةُ كَأَعْمِدَةِ الْبُرْقُوقِيَّةِ وَلَا بِنَاءٌ عَلَى صُورَةِ الْأَعْمِدَةِ كَمَا فِي جَامِعِ عَمْرٍو وَطَالُونَ وَالْحَاكِمِ بِمِصْرَ فَفُرْجَةٌ فَاصِلَةٌ قَطْعًا"([4]) فنلاحظ أنَّه اضطر إلى القول بقطعها .


                  الحواشي



                  ([1]) شرح مختصر خليل للخرشي، موقع الإسلام .

                  ([2]) الصلاة بين السواري، مرجع سابق .

                  ([3]) والحكم عامٌ لكل سارية، ولا دليل على عرضها من عدمه .

                  ([4]) شرح مختصر خليل للخرشي، مرجع سابق .
                  قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                  تعليق


                  • #10
                    [10]
                    مَسْأَلَةٌ: إِذَاَ أَمِنَ المُصَلُّونَ عَدَمَ قَطْعِهِمْ الصَفَّ إِنْ صَلّوا بَيْنَ سَارِيَتَينِ فَهَلْ لَهُمُ الصَّلاَةُ بَيْنَهَا؟


                    اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقْطَعْ الْأُسْطُوَانَةُ الصَّفَّ، فَلَا كَرَاهَةَ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ ([1]) .

                    قلت: وذلك بشرط أن يأمن المصلُّون ذلك، وإلاَّ فهم آثمون وصفهم صفٌ غير شرعيّ، ويجوز لهم ذلك لأنَّ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .

                    قال البيهقي: " فإن كان منفردا أو لم يجاوزوا ما بين الساريتين لم يكره -إن شاء الله تعالى- لما روينا في الحديث الثابت عن بن عمر قال سألت بلالاً أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في الكعبة فقال بين العمودين المقدمين
                    "([2]) .

                    وقال ابن قدامة: " فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين لم يكره لأنَّه لا ينقطع بها"
                    ([3]) .

                    وجاء في شرح طرح التثريب: " فَأَمَّا مَنْ صَلَّى بَيْنَهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَكَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْوَاقِفُ بَيْنَهَا أَوْ الْمَأْمُومِينَ وَلَمْ يَكْثُرُوا بِحَيْثُ تَحُولُ الْأُسْطُوَانَةُ بَيْنَهُمْ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ" اهـ


                    قال عبد السلام بن تيمية الحرَّاني: " ولا يكره الوقوف بين السواري إلاَّ لصف تقطعه"([4]) .

                    وقال البهوتي في "الروض": " فإن كان الصف صغيرا قدر ما بين الساريتين فلا بأس"([5]) .

                    قال الإمام الألباني -رحمه الله-: " لو كان هناك جماعة محدود عددهم ووقفوا بين الساريتين بحيث أنه لا يغلب على الظن أن الصف سيتصل إلى ما بعد الساريتين يميناً ويساراً فلا مانع، لأنَّ العلَّة واضحة وهي أن لا يتعرَّض الصف للتقطُّع"([6]) اهـ .

                    والأفضل إن اتّسع المسجد، أن يُنشأ صفٌّ بعيدٌ عن مثل هذا التّجزيء بسبب المنابر، أو السّواري([7]).

                    الحواشي


                    ([1]) الموسوعة الفقهية، اسطوانة .

                    ([2]) سنن البيهقي الكبرى 3/104 .

                    ([3]) المغني، مرجع سابق .

                    ([4]) المحرر في الفقه (1/124) .

                    ([5]) الروض المربع (1/264) .

                    ([6]) سلسلة الهدى والنور ش633 د27 .

                    ([7]) جواب اعتراضات، الشمَّري .
                    قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                    تعليق


                    • #11
                      [11]
                      مسألة: وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ وَجَدَ جَمَاعَةً قَدْ صَفُّوا بَيْنَهَا وَلَمْ يَكْتَمِلِ الصَّفُ أَنْ يَصًفَّ مَعَهُم؟


                      الصف الذي يُنشئ بين السواري في صلاة الجماعة عندما يغلب على الظنِّ توارد المصلين وأن الصف سَيُقطع عند السعَّة؛ صفٌ غير شرعيّ، وحكمه حكم الصفِّ المقطوع، حتى وإن لم يكتمل بعدُ، فلا يصُفُّ معهم المصلي؛ ويُنشئ صفاً جديد مع جماعة المصلين وليس لوحده للنهي الوارد، أمَّا حينما يغلب على الظنِّ أنَّه لن يكتمل، وأنَّ الصف لن يقطع فله أن يصفَّ معهم لانَّ الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً، وحكمه كمَّا تمَّ بيانه في فصل العلَّة وما يليه .

                      قال الغزالي: " إن المنبر يقطع بعض الصفوف، وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر، وما على طرفيه مقطوع، وكان الثوري يقول: الصف الأول، هو الخارج بين يدي المنبر، وهو متجه ؛ لأنه متصل، ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه )([1])، فدلَّ ذلك على عدم الاعتداد بالصفِّ المقطوع عندهم .

                      لذلك ولما تقدم، فإنَّه إن قدُم المصلي ووجد الصف مقطوعاً فإنَّه يشرع في إنشاء صفٍ جديد، وهذا مفهوم ما أجاب به الإمام الألباني في سلسلة الهدى والنور([2]) وعلَّق عليه الشيخ خالد بن عبد الرحمن قائلاً: " وهذا -والله أعلم- لأن هذا الصف مخالف للشرع فلا يجوز موافقتهم عليه"([3])، ولكنَّه ينشئه مع جماعة المصلين، ولا يصلي خلف الصف وحده، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف)([4]) وقد يتأتي لقائلٌ أن يقول: كيف تنشئون صفاً جديداً والذي بين السواري لم يكتمل؟ ألم يقل الرسول -صلى الله عليه وسلَّم- (( . . . من وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّاً قطعه الله))؛ وقال: ((أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر))([5]).
                      وقال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا يا رسول الله: كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف))([6])؟!

                      فنقول: نعم، ولكنَّ هذه الأحاديث في الصف الشرعي، أمَّا هذا الصف فهو في حكم الصفِّ المقطوع كمَّا تمَّ بيانه أعلاه. ولم يتعرَّض الفقهاء من السلَّف لهذه المسألة -على حدِّ علمي- بشكل صريح، وقد سُئل الشيخَ الألبانيَّ -رحمه الله- عن هذه الجزئيّة، فنورد نصَّ سؤاله مع الجواب بالكامل لأهميَّة المسألة: " شيخنا؛ أريد أن أسأل سؤالاً يقع كثيراً، ويحتار فيه الإنسان على بساطته ويسره، وهو قضية الصفوف المقطوعة، إذا الإنسان قدم إلى مسجد ووجد صفاً مقطوعاً غير تامٍ -يعني فيه مجال- ثم قدم، فهل يصلي في الصفِّ المقطوع؟ أم لا يعُدُّه صفاً ويصلي منفرداً في صفٍ ليفتتح نواة صفٍ جديد؟
                      الجواب: أنا أقول: هذا يختلف فيما إذا كان الصفُّ المقطوع فيه فراغ، يعني ما بين الساريتين النصف ممتلئ، والنصف الثاني فارغ بعد، يختلف عمَّا إذا كان ما بين الساريتين ممتلئ ثم هو سيصف على جانب إحدى الساريتين إمَّا يميناً أو يساراً، في هذه الصورة الثانية قطعاً لا يصُفّ؛ وإنَّما يُشكِّل صفاً لوحده، أمَّا في حالة الأولى ينظر؛ إن كان يغلب على الظن أنَّ هذا الصف الذي فيه هذا الفراغ لا يكتمل، كأن يكون الوقت صبح مثلاً والضيوف والزبائن محصورين فيغلب على ظنِّه أن هذا الفراغ سوف لن يكتمل بالمصلِّين، فهو هنا يكمل أو يصفُّ معهم، لأننا نحن ننظر إلى النهي عن الصفِّ بين السواري أنَّه معقول المعنى، ومعقولية المعنى هو ما يحصل من قطع الصفِّ، هنا في هذه الحالة لن يحصل قطع الصفِّ، عكس الحالة الأولى"([7]) اهـ.

                      وهو ما عليه جل من ناقشت من محققي طلبة العلم .


                      الحواشي



                      ([1])
                      الإحياء، (2/139) .

                      ([2]) الشريط 90 .

                      ([3]) في إجابته على أحد الأسئلة في منبر فتاوى منتديات الإمام الآجُرِّيّ العلمية .

                      ([4])رواه أحمد وابن ماجه .

                      ([5]) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أنس .

                      ([6]) رواه الجماعة إلا البخاري .

                      ([7]) سلسلة الهدى والنور ش263 د43 .
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله الآجري; الساعة 20-Sep-2013, 08:37 AM.
                      قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                      تعليق


                      • #12
                        [12]

                        مسألة: وَهَلْ تَصحُّ صَلاَةُ مَنْ صَلَّى بَيْنَها عِنْدَ السعَّة جَمَاعةً؟

                        نعم تصُح، خلافاً لما قاله ابن حزمٍ، وردّ عليه ذلك ابن حجرٍ في "الفتح"، والسّيوطيّ في رسالته حول إتمام الصف: "بسط الكفّ"([1]) وقد يتوهم البعض أنَّ كلام الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- في الثمر المستطاب حين قال: " ولا تجوز الصلاة في أماكن عشرة . . . العاشر: المكان بين السواري يصف فيه المؤتمون" أنَّه يرى بطلانها، فأقول: لا يستلزم عدم الجواز البطلان، كما في مسألة اقتضاء النهي الفساد، بأن يأتي صارفٌ عن البطلان، وقد بيَّن الإمام الألباني صحَّة هذه الصلاة في سلسلة الهدى والنور حين أجاب من سأله عن ذلك قائلاً: " لا، الصلاة صحيحة" وقال: " لا، ما تبطل(!)"([2])، ومما يدُل على ذلك صلاة أنس -رضي الله عنه- ومن معه لمَّا اضطروا كما هو واضح في رواية الترمذي، وقد بيَّن ذلك سماحة الإمام ابن باز في برنامج "نور على الدرب" .

                        الحواشي



                        ([1]) تحذير المصلين، مرجع سابق .

                        ([2]) سلسلة الهدى والنور، مرجع سابق .

                        التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله الآجري; الساعة 20-Sep-2013, 08:36 AM.
                        قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                        تعليق


                        • #13
                          [13]

                          مَسْأَلَةٌ: وَهَلْ يَجْذبُ مَنْ هَمَّ بِالصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي؟

                          ظاهر تبويب ابن خزيمة -رحمه الله- أنَّه يفعل ذلك، فقال: باب طرد المصطفين بين السواري عنها، فهو ظاهر فعل الصحابة، أن كانوا يطردون عنها طرداً، وهو فعل عُمَر -رضي الله عنه- حين أدنى المصلي إلى سترة، حين صلاته، كما في المصنف حدثنا محمد بن يزيد عن أيوب عن أبي العلاء عن معاوية بن قرَّة عن أبيه قال: ((رآني عمر وأنا أصلي بين اسطوانتين فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة فقال صل إليها))([1]) فهو نقل من المكان المفضول إلى المكان الفاضل، كما أنَّه ينطبق عليه حديث: ((من وصل صفاً وصله الله))([2]) لأنَّه ساهم في وصل الصف وعدم انقطاعه بالسواري .

                          ولذلك نظائر كثيرة من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- كما في البخاري؛ علَّق عليها الحافظ ابن رجب فقال: " إزالة بعض من في الصف عن مقامه وتحويله من الصف في الصلاة لمصلحة جائز، وصلاته تامة، وإن كانَ قد خرج من الصف وتأخر عنه.

                          ولا يدخل هذا في ترك تسوية الصفوف المنهي عنه، وإن كانَ فيهِ تأخر عن الصف، إلا أن المقصود منه: أن يعود إلى الصف على وجه أكمل من مقامه"([3]) اهـ .


                          الحواشي



                          ([1]) مصنَّف ابن أبي شيبة، 7502 .

                          ([2]) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم .

                          ([3]) فتح الباري لابن رجب (5/145) في شرحه لباب: إذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهِ إِلَى يَمِيِنِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ.
                          قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                          تعليق


                          • #14
                            [14]

                            مَسْأَلةٌ: وَحِينَ الضِّيقِ وَالازْدِحَامِ، هَلْ أُبَادِرُ إِلىَ مَا بَيْنَ السَّوَارِي، أَمْ لاَ أَتَقَدَّمُ إلاَّ حِينَ الاضْطِرَار؟

                            يجب عليك أخي المسلم أن تتّقي الله ما استطعت؛ فتقدَّم، أو تأخَّر؛ حتّى لا تصلّي في صفٍّ مقطوع؛ فإمّا؛ و إلاّ صلّيت - مضطرًّا - إذا ضاق المسجد؛ أو تشرع في صفٍّ -غير مقطوعٍ- جديد إذا لم يدفعك ضيق([1]) ودليل ذلك فعل أنس([2]) -رضي الله عنه- فقد تقدَّم وتأخر حتى صلىَّ مضطراً بين تلكم السواري؛ فنبقى على الأصل، وهو عدم الصلاة بين السواري إلا إذا اضطررنا كما هو الحال عند الازدحام في الحجّ في المسجدين المسجد الحرام والمسجد النبوي، وحتى عند الاضطرار فلتكن الصلاة في الشق الذي يلي الإمام من الصف المقطع، فذلك أحسن، ولا يصف المصلي وحده بين السواري عند الاضطرار للنهي الوارد عن الصلاة الفذ خلف الصف بل يصُّف معه إثنان فأكثر، قال الإمام الألباني -رحمه الله: " وكذلك نفعل نحن -إن شاء الله-؛ فلا نصلي بين السواري بل نتأخر عنها أو نتقدم؛ كما فعل أنس بن مالك، ولا فرق عندنا بين ذلك وبين الصلاة وراء المنبر؛ لأن العلة واحدة، ولأن في هذه الصلاة من التعرض لفسادها ما ليس في الصلاة بين السواري كما سبق"([3]) وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة: " وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر إلا عند الاضطرار"([4]) ، والله تعالى أعلم .


                            الحواشي


                            ([1])
                            تحذير المُصلين من قطع الصف بالأساطين، للشمَّري .

                            ([2]) وقد تم تخريجه في بداية البحث، الدليل الثاني؛ وقد بيَّن الإمام ابن باز -رحمه الله- كما في نور على الدرب ش620 والإمام الألباني في المواضع التي بيناها آنفاً أن العمدة في جواز الصلاة بين السواري عند الضيق والازدحام فعل أنس -رضي الله عنه- .

                            ([3]) الثمر المستطاب، مرجع سابق .

                            ([4]) سلسلة الأحاديث الصحيحة، مرجع سابق .





                            التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله الآجري; الساعة 20-Sep-2013, 08:37 AM.
                            قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                            تعليق


                            • #15
                              [15]
                              مَسْأَلَةٌ: وَإنْ خَشِيتُ الفِتْنَة؟

                              تفعل ذلك؛ و لو خشيت ما أسميته فتنة؛ قال الإمام الفقيه الأصولي العلاَّمة ابن عثيمين: " وأمَّا ترك الصف بينها إذا خيفت الفتنة فلا أظن ذلك وارداً، لإمكان الرجل أن يقف في الصف الذي يليه ويبين للناس حكم الصف بين السواري بدليله ومن أراد الحق سهل الله له قبوله بين الناس أو امتحنه بما يتبين به صدقه حتى يكون إماماً، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)" اهـ([1]). و الفتنة هي:
                              الشّرك، و البدعة، و الفسق، و الجهل؛ وليس هذا موضع شرح ذلك؛ لكنّ خلاصة القول أن يُعلم أنّ هذا الفعل سنّةٌ لا غير؛ فكيف يكون فتنةً؟ نعم؛ الفتنة في نظرة أعداء السّنّة ومن جهلها؛ فقدّر الأمر؛ فإن رأيت المفسدة متحقّقةً، و أكبر من قيامك بالسّنّة؛ فأجّلها تأجيلاً؛ لا تعطيلاً -كما يفتي إمامنا الألبانيّ في مثل هذا- دائمًا؛ على أن تقوم ببيان الأمر للنّاس؛ ثمّ تحييها، و إن كانت بك قوّةٌ فأحيي السّنّة - أحيى الله قلبك بطاعته-([2]) .

                              الحواشي

                              ([1]) مجموع فتاوى ابن عثيمين ف 390 .

                              ([2]) تحذير المصلين، بتصرف.
                              قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                              تعليق

                              يعمل...
                              X