إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

    إتماما لعمل الأخ أبو علي حسين الأثري بارك الله في وقته وعلمه أحببت أن أرفع مشاركته التي وضعها على شكل وورد و أبدأ بالتعليق على كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :


    قال الشيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :

    الله تعالى يحمد على كماله عز وجل وعلى إنعامه، فنحن نحمد الله عز وجل لأنه كامل الصفات من كل وجه، ونحمده أيضاً لأنه كامل الأنعام والإحسان: )وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53]، وأكبر نعمة أنعم الله بها على الخلق إرسال الرسل الذي به هداية الخلق، ولهذا يقول المؤلف "الحمد لله الذي أرسل رسول رسوله بالهدى ودين الحق".

    والمراد بالرسول هنا الجنس، فإن جميع الرسل أرسلوا بالهدى ودين الحق، ولكن الذي أكمل الله به الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد ختم الله به الأنبياء، وتم به البناء، كما وصف محمد صلى الله عليه وسلم نفسه بالنسبة للرسل، كرجل بنى قصراً وأتمه، إلا موضع لبنة، فكان الناس يأتون إلى هذا القصر ويتعجبون منه، إلا موضع هذه اللبنة، يقول: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين"[8]، عليه الصلاة والسلام.

    بالهدى(1) ودين الحق(2) ليظهره على الدين كله(3)................................

    (1) "بالهدى": الباء هنا للمصاحبة والهدى هو العلم النافع ويحتمل أن تكون الباء للتعدية، أي: إن المرسل به هو الهدى ودين الحق.

    (2) "ودين الحق" هو العمل الصالح، لأن الدين هو العمل أو الجزاء على العمل، فمن إطلاقه على العمل: قوله تعالى: )إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ ) [آل عمران: 19]، ومن إطلاقه على الجزاء قوله تعالى: )وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) [الانفطار: 17]. والحق ضد الباطل، وهو ـ أي الحق ـ المتضمن لجلب المصالح ودرء المفاسد في الأحكام والأخبار.

    (3) "ليظهره على الدين(1) كله": اللام للتعليل ومعنى "ليظهره"، أي: يعليه، لأن الظهور بمعنى العلو، ومنه: ظهر الدابة أعلاها ومنه: ظهر الأرض سطحها، كما قال تعالى: )وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ)(فاطر: من الآية45) .

    والهاء في "يظهره" هل هو عائد على الرسول أو على الدين؟ إن كان عائداً على "دين الحق"، فكل من قاتل لدين الحق سيكون هو العالي. لأن الله يقول: "ليظهره"، يظهر هذا الدين على الدين كله، وعلى مالا دين له فيظهره عليهم من باب أولى، لأن من لا يدين أخبث ممن يدين بباطل، فإذاً: كل الأديان التي يزعم أهلها أنهم على حق سيكون دين الإسلام عليه ظاهراً، ومن سواهم من باب أولى.

    وكفى بالله شهيداً(1)......................................... .....................

    وإن كان عائداً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنما يظهر الله رسوله لأن معه دين الحق.

    وعلى كلا التقديرين، فإن من تمسك بهذا الدين الحق، فهو الظاهر العالي، ومن ابتغى العزة في غيره، فقد ابتغى الذل، لأنه لا ظهور ولا عزة ولا كرامة إلا بالدين الحق، ولهذا أنا أدعوكم معشر الأخوة إلى التمسك بدين الله ظاهراً و باطناً في العبادة والسلوك والأخلاق، وفي الدعوة إليه، حتى تقوم الملة وتستقيم الأمة.

    (1) قوله "وكفى بالله شهيداً" يقول أهل اللغة: إن الباء هنا زائدة، لتحسين اللفظ والمبالغة في الكفاية، وأصلها: "وكفى الله".(02)

    و"شهيداً": تمييز محول عن الفاعل لأن أصلها "وكفت شهادة الله". المؤلف جاء بالآية؟ ولو قال قائل: ما مناسبة "كفى بالله شهيداً"، لقوله: "ليظهره على الدين كله"؟

    قيل: المناسبة ظاهرة، لأن هذا النبي عليه الصلاة والسلام جاء يدعو الناس ويقول: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني دخل النار [9] ويقول بلسان الحال: من أطاعني سالمته، ومن عصاني حاربته ويحارب الناس بهذا الدين، ويستبيح دماءهم وأموالهم ونساءهم وذريتهم، وهو في ذلك منصور مؤزر غالب غير مغلوب، فهذا التمكين له في الأرض، أي تمكين الله لرسوله في الأرض: شهادة من الله عز وجل فعلية بأنه صادق وأن دينه حق، لأن كل من افترى على الله كذباً فماله الخذلان والزوال والعدم، وانظر إلى الذين ادعوا النبوة ماذا كان مالهم؟ أن نسوا وأهلكوا، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي.... وغيرهما ممن ادعوا النبوة، لهم تلاشوا وبان بطلان قولهم وحرموا الصواب والسداد لكن هذا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم على العكس دعوته إلى الآن والحمد لله باقية، ونسأل الله أن يثبتنا وإياكم عليها، دعوته إلى الآن باقية وإلى أن تقوم الساعة ثابتة راسخة، يستباح بدعوته إلى اليوم دماء من ناوأها من الكفار وأموالهم، وتسبى نساؤهم وذريتهم، هذه الشهادة فعلية، ما أخذه الله ولا فضحه ولا كذبه، ولهذا جاءت بعد قوله: "ليظهره على الدين كله".

    وأشهد(1) أن لا إله إلا الله(2)، وحده(3)، لا شريك له(4)، إقراراً به(5)

    (1) "أشهد"، بمعنى: أقر بقلبي ناطقاً بلساني، لأن ، الشهادة نطق وإخبار عما في القلب، فأنت عند القاضي تشهد بحق فلان على فلان، تشهد باللسان المعبر عما في القلب واختيرت الشهادة دون الإقرار، لأن الشهادة أصلها من شهود الشيء، أي: حضوره ورؤيته، فكأن هذا المخبر عما في قلبه الناطق بلسانه، كأنه يشاهد الأمر بعينه.

    (2) "لا إله إلا الله"، أي: لا معبود حق إلا الله، وعلى هذا يكون خبر لا محذوفاً، ولفظ الجلالة بدلاً منه.

    (3) "وحده" هي من حيث المعنى توكيد للإثبات.

    (4) "لا شريك له": توكيد للنفي.

    (5) "إقراراً به": "إقراراً" هذه مصدر، وإن شئت، فقل: إنه مفعول مطلق، لأنه مصدر معنوي لقوله: "أشهد"، وأهل النحو يقولون: إذا كان المصدر بمعنى الفعل دون حروفه، فهو مصدر معنوي، أو مفعول مطلق، وإذا كان بمعناه وحروفه، فهو مصدر لفظي فـ: قمت قياماً: مصدر لفظي، و: قمت وقوفاً: مصدر معنوي، و: جلست جلوساً: لفظي، و: جلست قعوداً: معنوي.

    وتوحيداً(1) وأشهد(2) أن محمداً عبده()3ورسوله. (03)

    (1) "وتوحيداً" مصدر مؤكد لقوله: "لا إله إلا الله".

    (2)نقول في "أشهد" ما قلنا في "أشهد" الأولى.

    (3) محمد: هو ابن عبد الله بن عبد المطلب القرشي الهاشمي الذي هو من سلالة إسماعيل بن إبراهيم، أشرف الناس نسباً، عليه الصلاة والسلام.

    هذا النبي الكريم هو عبد الله ورسوله، وهو أعبد الناس لله، وأشدهم تحقيقاً لعبادته، كان عليه الصلاة والسلام يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويقال له: كيف تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟" [10]

    لأن الله تعالى أثنى على العبد الشكور حين قال عن نوح: )إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)(الإسراء: من الآية3) ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يصل إلى هذه الغاية، وأن يعبد الله تعالى حق عبادته، ولهذا كان أتقى الناس، وأخشى الناس لله، وأشدهم رغبة فيما عند الله تعالى، فهو عبد الله ، ومقتضى عبوديته أنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً وليس له حق في الربوبية إطلاقاً بل هو عبد محتاج إلى الله مفتقر له يسأله ويدعوه ويرجوه ويخافه، بل إن الله أمره أن يعلن وأن يبلغ بلاغاً خاصاً بأنه لا يملك شيئاً من هذه الأمور فقال: )قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء)(لأعراف: من الآية18 وأمره أن يقول : )قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى)(الأنعام: من الآية50) وأمره أن يقول: )قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً )(22) (إِلَّا بَلاغا) ( الجـن: من الآية21-23) (إِلَّا) استثناء منقطع، أي: لكن أبلغ بلاغاً من الله ورسالاته.

    فالحاصل أن محمداً صلوات الله وسلامه عليه عبد لله ومقتضى هذه العبودية أنه لا حق له في شيء من شؤون الربوبية إطلاقاً.

    وإذا كان محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بهذه المثابة، فما بالك بمن دونه من عباد الله؟! فإنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا لغيرهم أبداً وبهذا يتبين سفه أولئك القوم الذين يدعون من يدعونهم أولياء من دون الله عز وجل.

    ورسوله(1)......................................... .................................................

    (1) قوله: "ورسوله": هذا أيضاً لا يكون لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه خاتم النبيين، فهو رسول الله الذي بلغ مكاناً لم يبلغه أحد من البشر، بل ولا من الملائكة فيما نعلم اللهم إلا حملة العرش، وصل إلى ما فوق السماء السابعة، وصل إلى موضع سمع فيه صريف أقلام القضاء[11] الذي يقضي به الله عز وجل في خلقه، ما وصل أحد فيما نعلم إلى هذا المستوى، وكلمه الله عز وجل بدون واسطة، وأرسله إلى الخلق كافة وأيده بالآيات العظيمة التي لم تكن لأحد من البشر أو الرسل قبله، وهو هذا القرآن العظيم، فإن هذا القرآن لا نظير له في آيات الأنبياء السابقين أبداً، ولهذا قال الله تعالى: )وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) )أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِم ) [العنكبوت: 50-51]، هذا يكفي عن كل شيء، ولكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أما المعُرض ، فسيقول كما قال من سبقه: هذا أساطير الأولين!

    الحاصل أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم النبيين، ختم الله به النبوة والرسالة أيضاً، لأنه إذا انتفت النبوة، وهي أعم من الرسالة، انتفت الرسالة التي هي أخص، لأن انتفاء الأعم يستلزم انتفاء الأخص، فرسول الله عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين.

    صلى الله عليه(1)وعلى آله وصحبه(2)..........................................

    (1) معنى "صلى
    (04)
    الله عليه": أحسن ما قيل فيه ما قاله أبو العالية رحمه الله، قال: "صلاة الله على رسوله: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى".

    وأما من فسر صلاة الله عليه بالرحمة، فقوله ضعيف، لأن الرحمة تكون لكل أحد، ولهذا أجمع العلماء على أنك يجوز أن تقول: فلان رحمه الله، واختلفوا، هل يجوز أن تقولك فلان صلى الله عليه؟ وهذا يدل على أن الصلاة غير الرحمة. وأيضاً، فقد قال الله تعالى: )أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(البقرة: من الآية157) ، والعطف يقتضي المغايرة، إذاً، فالصلاة أخص من الرحمة، فصلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.

    (2) قوله: "وعلى آله"، و(آله) هنا: أتباعه على دينه هذا إذا ذكرت الآل وحدها أو مع الصحب(2)، فإنها تكون بمعنى أتباعه على دينه منذ بعث إلى يوم القيامة ويدل على أن الآل بمعنى الاتباع على الدين قوله تعالى في آل فرعون: )النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) ، أي: أتباعه على دينه.

    أما إذا قرنت بالأتباع، فقيل: آله وأتباعه، فالآل هم المؤمنون من آل البيت، أي: بيت الرسول عليه الصلاة والسلام.

    وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يذكر الأتباع هنا، قال: "آله وصحبه"، فنقول: آله هم أتباعه على دينه، وصحبه كل من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.

    وعطف الصحب هنا على الآل من باب عطف الخاص على العام، لأن الصحبة أخص من مطلق الاتباع.

    وسلم(1) تسليماً مزيداً(2)......................................... ..........................................

    (1) قوله: "وسلم تسليماً مزيداً": (سلم) فيها السلامة من الآفات، وفي الصلاة حصول الخيرات ، فجمع المؤلف في هذه الصيغة بين سؤال الله تعالى أن يحقق لنبيه الخيرات ـ وأخصها: الثناء عليه في الملأ الأعلى ـ وأن يزيل عنه الآفات، وكذلك من اتبعه.(3)

    والجملة في قوله: "صلى" و "سلم" خبرية لفظاً طلبية معنى، لأن المراد بها الدعاء.

    (2) قوله: "مزيداً"، بمعنى: زائداً أو زيادة، والمراد تسليماً زائداً على الصلاة، فيكون دعاء آخر بالسلام بعد الصلاة.

    والرسول عند أهل العلم: "من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه".(4)
    وقد نبئ صلى الله عليه وسلم بـ (اقرأ) وأرسل بالمدثر، فبقوله تعالى: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إلى قوله: )عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1-5] كان نبياً، وبقوله: )يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) )قُمْ فَأَنْذِر)ْ [المدثر: 1،2] كان رسولا عليه الصلاة والسلام.

    أما بعد(1): فهذا(2)........................................... ..............................................

    (1) "أما بعد": (أما) هذه نائبة عن اسم شرط وفعله، التقدير: مهما يكن من شيء، قال ابن مالك:

    أمّا كمهما يك من شيء وفا لتلو تلوها وجوباً ألفا

    فقولهم: أما بعد: التقدير: مهما يكن من شيء بعد هذا، فهذا.

    وعليه، فالفاء هنا رابطة للجواب والجملة بعدها في محل جزم جواب الشرط، ويحتمل عندي أن تكون: "أما بعد، فهذا"، أي أن (أما) حرف شرط وتفصيل أو حرف شرط فقط مجرد عن التفصيل، والتقدير: أما بعد ذكر هذا، فأنا أذكر كذا وكذا. ولا حاجة أن نقدر فعل شرط، ونقول: إن (أما) حرف ناب مناب الجملة.

    (2) "فهذا": الإشارة لابد أن تكون إلى شيء موجود، أنا عندما أقول: هذا، فأنا أشير إلى شيء محسوس ظاهر، وهنا المؤلف كتب الخطبة قبل الكتاب وقبل أن يبرز الكتاب لعالم الشاهد، فكيف ذلك؟!

    أقول: إن العلماء يقولون: إن كان المؤلف كتب الكتاب ثم كتب المقدمة والخطبة، فالمشار إليه موجود ومحسوس، ولا فيه إشكال، وإن لم يكن كتبه، فإن المؤلف يشير إلى ما قام في ذهنه عن المعاني التي سيكتبها في هذا الكتاب، وعندي فيه وجه ثالث، وهو أن المؤلف قال هذا باعتبار حال المخاطب، والمخاطب لم يخاطب بذلك إلا بعد أن برز الكتاب وصدر، فكأنه يقول: "فهذا الذي بين يديك كذا وكذا".

    هذه إذاً ثلاثة أوجه.

    هنا يبدأ تعليق الأخ أبو علي حسين الأثري :

    (1)
    الدين يأتي لعدة معان: منها الجزاء كما في قوله تعالى (( مالك يوم الدين )).
    ومنها : الخضوع والانقياد.
    وقوله: ليظهره على الدين كله (أل) في (الدين) للجنس فيدخل في كل دين باطل وهو ما عدا الإسلام.
    (02) قال بعض أهل العلم الباء في ( بالله ) متعلقة بما تضمنه الخبر عن معنى الأمر بالاكتفاء, لأنك إذا قلت: كفى بالله أو كفاك الله زيدا فإنما تريد أن يكتفي هو به فصار اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الأمر فدخلت الباء لهذا السبب فليست زائدة في الحقيقة وإنما هي كقولك: حسبك بزيد ألا ترى أن حسبك مبتدأ وله خبر ومع هذا فقد يجزم الفعل في جوابه فتقول حسبك ينم الناس فـ (ينم) جزم جواب الأمر تأدي في ضمن الكلام حكى هذا سيبويه عن العرب. راجع ( بدائع الفوائد : 2/6

    (03) هذا فيه رد على ذوي الإفراط والتفريط فيه عليه الصلاة والسلام هو عبد الله وهو رسول الله فلا يبالغ في حقه حتى ينزل منزلة الربوبية ولا يقال ما يقول أهل الكفر والطغيان أنه رجل كسائر الرجال لا يعظمونه ولا يقولون انه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    (04)
    الصلاة لغة : عند الجمهور هي الدعاء
    والصحيح أن الصلاة هي الثناء وأما من قال هي الدعاء يرد عليه :
    1. إن الصلاة لا تكون إلا بالخير في اللغة أما الدعاء فيكون بالخير والشر.
    2. إن الدعاء إذا عدي بعلى لا يكون معناه صلى بل يكون دعا على فلان وليس معناه صلى على فلان وإلخ.
    وأما ما استدل به الجمهور من أنه ثبت أن الدعاء هي الصلاة نقول :
    ليس معنى الصلاة الدعاء بالمطابقة ولكن نقول : الصلاة فيها معنى الدعاء فإذا كان مناسبا أن يكون دعاءً فيعطى معنى الدعاء وإذا لم يكن مناسبا أعطي المعنى الذي يناسب. وقد أطال في هذه المسألة العلامة ابن القيم في (( جلاء الأفهام فالتراجعه))
    (2) والمراد بالصحب أصحابه صلى الله عليه وسلم وهو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على ذلك ولو تخللت ردته على الصحيح.
    وقلنا من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فيه من فقد بصره من الصحابة قبل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم.

    (3) (( والسلام)) : اسم مصدر من سلم تسليما عليه بمعنى طلب له السلامة من كل مكروه.
    وهو اسم من أسماء الله عز وجل ومعناه : البراءة والخلاص من النقائص والعيوب أو الذي يسلم على عباده المؤمنين في الآخرة.

    وهل يكفي ذكر السلام دون الصلاة أو العكس؟ قال ابن الجزي رحمه الله في مفتاح الحصن:
    وأما الجمع بين الصلاة والسلام فهو الأولى والأكمل والأفضل لقوله تعالى : (( صلوا عليه وسلموا تسليما )) ولو اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة فقد جرى عليه جمع منهم مسلم في صحيحه خلافا للشافعية وفي كلام بعضهم : لا أعلم أحدا نص على الكراهة حتى الإمام الشافعي نفسه اقتصر على الصلاة دون التسليم في خطبة الرسالة والله أعلم. اهـ.

    وذهب طائفة من أهل العلم أنه يجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر وهو قول الطحاوي وجماعة من المالكية والشافعية. ودليلهم في ذلك أن الآية فيها أمر والأمر يفيد الوجوب .
    ومن الأدلة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِ علي )).

    ومن أهل العلم من يقول أنه تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء لحديث (( إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وعلى آل وسلم )) ورد موقوفا.

    ومنهم من قال أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تجب في العمر مرة. وهذا القول أقعد في الأصول لأن الأمر عندهم يقتضي التكرار إذا اقترنت به القرينة أو كان معلقا بشيء يتكرر فيتكرر بتكرره أما إذا لم يعلق بالدليل فإن دل على الوجوب في شيء يتكرر فإنه يبرأ من العهدة بمرة واحدة .

    وما الحكمة من تأكيد السلام دون الأمر بالصلاة في قوله تعالى : (( صلو عليه وسلم تسليما ))
    قيل ذلك لأن الصلاة قد أخبر الله أنه هو وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا استشعرت النفوس هذا بادرت إلى الصلاة عليه وإن لم تؤمر فكيف وقد أمرت بها فإذا لا نحتاج إلى هذا التأكيد فإنه خلا من هذا المعنى وجاء في حيز الأمر دون الخبر فلما خلا حسن تأكيده. راجع بدائع الفوائد.
    (4) هذا ينسب إلى جمهور العلماء وقد اختلف فيها العلماء في ضابط الرسول والنبي فقيل:
    1. إن النبي والرسول مترادفان وهذا ظاهر كلام أبي حنيفة وجماعة.
    2. الرسول صاحب الوحي بواسطة الملك والنبي هو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما قال به الفراء وآخر وهو الحسن الأعرج.
    3. النبي من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه الملك بالوحي والرسول من يأتي بشرع الابتداء بعض الأحكام من شريعة الذي قبله, فالنبي أعم من الرسول وهذا ما عليه عبد القاهر البغدادي صاحب الفرق بين الفرق.
    4. الرسول من الأنبياء فجمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي من لا كتاب له كيوشع عليه السلام وهذا عليه الزمخشري وهو معتزلي.
    5. الرسول المبعوث إلى الأمة والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة وهذا عليه قطرب صاحب المثلثة وهو معتزلي المعتقد.
    6. الرسول أعم فهو من البشر أو من الملائكة والنبي أخص فهو من البشر خاصة.
    7. الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بالتبليغ.
    1. والصواب كما رجحه العلامة الألباني وغيره رحمه الله : أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ سواء بشريعة جديدة أو قديمة.
    والنبي من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ويقرر شريعة من قبله.

    أما قول الجمهور أن النبي لم يؤمر بالتبليغ مخالف للأدلة هارون عليه السلام نبي بنص الآية قال تعالى : (( يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا )) فلو كان غير مأمور بالتبليغ لما لامه أخوه.
    وفي الحديث: (( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه وينذرهم شر ما يعلمه لهم.. )) رواه مسلم.

    وهارون عليه السلام أرسل إلى فرعون قال تعالى : (( فقولا له قولا ليّنا )).

    تعليق


    • #32
      رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

      تنبيه: أغلب التعليقات التي سأكتبها أو كتبتها مستفادة من شروحات بعض العلماء وبعض طلبة العلم.

      تعليق


      • #33
        رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

        *قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى*
        والحمد..هو الثناء(1) باللسان على الجميل الاختياري(2) ،نعمة كان أوغيرها,يقال.. حمدت الله على إنعامه وحمدته على شجاعته.
        وأما الشكر..فعلى النعمة الخاصة، ويكون بالقلب واللسان والجوارح(، قال الشاعر..
        أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجب.
        وعلى هذا فبين الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في الثناء باللسان على النعمة وينفرد الحمد في الثناء باللسان على ما ليس بنعمة من الجميل الاختياري وينفرد الشكر بالثناء بالقلب والجوارح على خصوص النعمة.
        فالحمد أعم متعلقا وأخص ألة والشكر بالعكس.
        -واما الفرق بين الحمد والمدح فقد قال ابن القيم "إن الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه فلابد فيه من اقتران الإرادة بالخير بخلاف المدح فإنه إخبار مجرد" ولذلك كان المدح اوسع تناولا لأنه للحي والميت والجماد أيضا.
        -و "ال" في الحمد.. للاستغراق (3)
        ليتناول كل أفراد الحمد المحققة والمقدرة(4)
        وقيل للجنس ومعناه "ان الحمد الكامل ثابت لله،(54)
        وهذا يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله ونعوت جماله، إذ من عدم صفات الكمال، فليس بمحمود على الإطلاق ولكن غايته أنه محمود من وجه دون وجه، ولا يكون محمودا من كل وجه وبكل اعتبار بجميع انواع الحمد إلا من حاز صفات الكمال جميعها فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بسببها".
        -والهدى.. في اللغة.. البيان والدلالة كما في قوله تعالى.. "وَأَمَا ثَمودَ فَهدَيْناهُم فَاْسْتَحَبُواْ العَمَى عَلَى الهُدَى"
        (فصلت..17)
        فإن المعنى بينا لهم، وكما في قوله "إنَا هَدَيْناهُ السَبيلَ إمَا شَاكراً أو كَفُوراً"
        (الإنسان..3)
        و الهدى بهذا المعنى عام لجميع الناس و لهذا يوصف به القرآن كما في قوله تعالى " إنَ هَذَاْ القُرْآنَ يَهْدي للتي هيَ أَقْوَم "( الاسراء..9) ويوصف به الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى " و إنَكَ لَتَهْدي إلَى صرَاْط مُسْتَقيْم "( الشورى.. 52) .
        و قد يأتي بمعنى التوفيق والالهام فيكون خاصا بمن يشاء الله هدايته قال تعالى " فَمَن يُرد الله أنْ يَهْديه يَشْرَحْ صَدْرَهُ للْإسْلَام " ( الأنعام ..125) .
        ولهذا نفاه الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى " إنَكَ لَا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَكنَ الله يَهْدي مَنْ يَشَاء "
        ( القصص ..56) و المراد بالهدى هنا كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الاخبارات الصادقة و الايمان الصحيح والعلم النافع والعمل الصالح .
        قوله ׃ "و أشهد أن محمدأً عبده ورسوله ....."
        وجعل الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة والعبودية مقرونا بالشهادة لله بالتوحيد ، للإشارة الى أنه لا بد من كل منهما ، فلا تغني احداهما عن الأخرى و لهذا قرن بينهما في الآذان والتشهد .
        وقال بعضهم في تفسير قوله تعالى " وَ رَفَعْنَا لَكَ ذكْرَكَ " ( الشرح ..4) يعني ׃ "لا أُذكر الا ذكرت معي ".(5)
        وأصل آل(6) ׃ أهل ، أبدلت الهاء همزة ، فتوالت همزتان فقلبت الثانية منهما ألفا و يصغر على أُهيل و أُويل ولا يستعمل الا فيما شرف غالبا ، فلا يقال ׃ آل الاسكاف(7) و آل الحجام .



        هنا يبدأ تعليق الأخ أبو علي حسين جزاه الله خيرا :

        (1) على هذا التعريف انتقاد وهو: أن الثناء هو الحمد لكن إذا تكرر فيقال هو الثناء أما الحمد إذا لم يتكرر ليس هو الثناء وفي الحديث القدسي إذا قال العبد: (( الحمد لله رب العالمين )) يقول الله تعالى: (( حمدني عبدي )) فإذا قال : (( الرحمن الرحيم )) قال الله تعالى: (( أثنى عليّ عبدي ))

        (2) الجميل على قسمين:

        1- تسخيري ((خلقي)) وهو : ما لا يستطيع العبد أن يكتسبه , كطول القامة وإلخ.
        2- اختياري وهو : ما يستطيع العبد أن يكتسبه مثل الشجاعة.
        وصفات الله عز وجل اختيارية بمعنى أنه لم يجبره عليها أحد على عكس المخلوق فإن من صفاته ما هي تسخيرية مجبور عليها كطول الاقامة وإلخ ومن صفاته ما هي اختيارية يستطيع أن يكتسبها كما تقدم .

        ولا يفهم من هذا أننا نقصد أن الله عز وجل اتصف بصفة بعد إذ لم يكن متصفا بها سبحانه وتعالى عما يقولون المعتزلة والجهمية.
        (3) ضابط (أل) الاستغراقية: هي التي يصح أن يحل محلها (كل).
        (4) المحققة أي المعروفة والمعلومة لنا والمقدرة التي لم نطلع عليها.
        (54)
        تضمن الحمد ردودا على أهل البدع:
        1. رد على الجهمية معطلة الصفات فإن إثبات الحمد الكامل لله يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله ونعوت جلاله إذ من عدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق.
        2. رد على الجبرية : من إثبات عموم حمده سبحانه فإنه يتقضي أن لا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه ولا هو من فعلهم فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء وينفيه أعظم النفي فتعالى من له الحمد كله بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة . وإثبات رحمته ينفي ذلك.
        3. رد على الفلاسفة : القائلين بأن الله يعلم بالكليات دون الجزئيات كيف يستحق الحمد من لا يعلم شيئا من العلم عن أحوال وتفاصيل وهذا يستحيل أن يكون إلها وأن يكون ربا ...الخ قاله العلامة ابن القيم رحمه الله .
        (5) ورد هذا مرفوعا ولكن لا يصح وورد من قول حسن البصري رحمه الله بسند حسن.
        (6) لكلمة (آل) خصائص تختص بها عن (أهل) وهي أنها:
        1. خاصة بالأعلام الناطقين.
        2. لا تضاف إلى النكرات.
        3. لا تضاف إلى الأمكنة والأزمنة.
        4. تضاف لمن شرف غالبا.
        أما كلمة (أهل) فتعم فيقال أهل زمان كذا وأهل رجل وإلخ.

        وما ذكره الهراس رحمه الله في أن أصل (آل) أهل. استضعفه أهل العلم . وفي اشتقاق (آل) قولان: فقيل إن أصل(آل) أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل(آل) ثم سهلت على قياس أمثالها, وقيل: إن أصل (آل) أول وذكره صاحب الصحاح في بالب الهمزة والواو واللام وعند هؤلاء هو مشتق من آل يؤول إذا رجع.
        وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في رده على القول الأول : وهذا القول ضعيف من وجوه:
        1. أنه لا دليل عليه.
        2. أنه يلزم منه القلب الشاذ من غير موجب مع مخالفة الأصل.
        -إلى أن قال-
        3. أن الرجل حيث أضيف إلى آله دخل فيه والأهل بخلاف ذلك فإنك لو قلت: جاء أهل زيد لم يدخل زيد في الأصل. –قال أبو علي عفا الله عنه وهذا رد على بعض المبتدعة القائلين بأن فرعون مات مؤمنا وقالوا آل فرعون أي أهله وأما هو فليس داخل في العذاب وهذا باطل كما ذكر ابن القيم أنه إذا ذكر آل فلان فهذا الرجل يدخل في آله.-
        ولهذا تعلم خطأ من قال: إن أصل (آل) هو أهل بل أصل(آل) هو (أول) راجع جلاء الأفهام (114)
        (7) الإسسكاف: أي الصانع أيّا كان وخص بعضهم به النجار وإلخ.
        ( قال شيخ الإسلام رحمه الله: مذهب أهل السنة والجماعة أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل.

        تعليق


        • #34
          رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

          قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية :

          فَهَذَا اِعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ, وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ, وَرُسُلِهِ, وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ, وَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ .

          تعليق


          • #35
            رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

            قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين شارحا لقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى :

            اعتقاد(1) الفرقة(2) الناجية(3)........................................ .....................................

            (1) "اعتقاد": افتعال من العقد وهو الربط والشد هذا من حيث التصريف اللغوي، وأما في الاصطلاح عندهم، فهو حكم الذهن الجازم، يقال: اعتقدت كذا، يعنى: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع، فصحيح، وإن خالف الواقع، ففاسد، فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل، لأنه مخالف للواقع ووجه ارتباطه بالمعنى اللغوي ظاهر، لأن هذا الذي حكم في قلبه على شيء ما كأنه عقده عليه وشده عليه بحيث لا يتفلت منه.

            (2) "الفرقة" بكسر الفاء، بمعنى: الطائفة، قال الله تعالى: ) فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة) [التوبة: 122]، وأما الفرقة بالضم، فهي مأخوذة من الافتراق.

            (3) "الناجية": اسم فاعل من نجا، إذا سلم، ناجية في الدنيا من البدع سالمة منها وناجية في الآخرة من النار.

            ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي[12].

            هذا الحديث يبين لنا معنى (الناجية)، فمن كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فهو ناج من البدع. و"كلها في النار إلا واحدة": إذا هي ناجية من النار، فالنجاة هنا من البدع في الدنيا، ومن النار في الآخرة.

            المنصورة(1) إلى قيام الساعة(2)......................................... ..............................

            (1) "المنصورة" عبر المؤلف بذلك موافقة للحديث، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين[13]، والظهور الانتصار، لقوله تعالى: ) فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف: 14]، والذي ينصرها هو الله وملائكته والمؤمنون، فهي منصورة إلى قيام الساعة، منصورة من الرب عز وجل، ومن الملائكة، ومن عباده المؤمنين، حتى قد ينصر الإنسان من الجن، ينصره الجن ويرهبون عدوه.

            (2) "إلى قيام الساعة"، أي: إلى يوم القيامة، فهي منصورة إلى قيام الساعة.

            وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق[14]، وأنه لا تقوم حتى لا يقال: الله الله[15] ، فكيف تجمع بين هذا وبين قوله: "إلى قيام الساعة"؟!

            والجواب: أن يقال: إن المراد: إلى قرب قيام الساعة، لقوله في الحديث: "حتى يأتي أمر الله"[16]، أو: إلى قيام الساعة، أي: ساعتهم، وهو موتهم، لأن من مات فقد قامت قيامته، لكن الأول أقرب، فهم منصورون إلى قرب قيام الساعة، وإنما لجأنا إلى هذا التأويل لدليل، والتأويل بدليل جائز، لأن الكل من عند الله.

            أهل السنة والجماعة(1)....................................... ............................................

            (1) "أهل السنة والجماعة": أضافهم إلى السنة، لأنهم متمسكون بها، والجماعة، لأنهم مجتمعون عليها.

            فإن قلت: كيف يقول: "أهل السنة والجماعة"، لأنهم جماعة، فكيف يضاف الشيء إلى نفسه؟!

            فالجواب: أن الأصل أن كلمة الجماعة بمعنى الاجتماع، فهي اسم مصدر، هذا في الأصل، ثم نقلت من هذا الأصل إلى القوم المجتمعين، وعليه، فيكون معنى أهل السنة والجماعة، أي: أهل السنة والاجتماع، سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، لأنهم مجتمعون عليها.

            ولهذا لم تفترق هذه الفرقة كما افترق أهل البدع، نجد أهل البدع، كالجهمية متفرقين، والمعتزلة متفرقين، والروافض متفرقين، وغيرهم من أهل التعطيل متفرقين، لكن هذه الفرقة مجتمعة على الحق، وإن كان قد يحصل بينهم خلاف، لكنه خلاف لا يضر، وهو خلاف لا يضلل أحدهم الآخر به، أي: أن صدورهم تتسع له، وإلا، فقد اختلفوا في أشياء مما يتعلق بالعقيدة، مثل: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه أم لم يره؟ ومثله: هل عذاب القبر على البدن والروح أو الروح فقط؟ ومثل بعض الأمور يختلفون فيها، لكنها مسائل تعد فرعية بالنسبة للأصول، وليست من الأصول. ثم هم مع ذلك إذا اختلفوا، لا يضلل بعضهم بعضاً، بخلاف أهل البدع.

            إذاً فهم مجتمعون على السنة، فهم أهل السنة والجماعة.

            وعلم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يدخل فيهم من خالفهم في طريقتهم، فالأشاعرة مثلا والماتريدية لا يعدون من أهل السنة والجماعة في هذا الباب، لأنهم مخالفون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إجراء صفات الله سبحانه وتعالى على حقيقتها، ولهذا يخطئ من يقول: إن أهل السنة والجماعة ثلاثة : سلفيون، وأشعريون، وما تريديون، فهذا خطأ، نقول: كيف يكون الجميع أهل سنة وهم مختلفون؟! فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وكيف يكونون أهل سنة وكل واحد يرد على الآخر؟! هذا لا يمكن، إلا إذا أمكن الجمع بين الضدين، فنعم، وإلا، فلا شك أن أحدهم وحده هو صاحب السنة، فمن هو؟‍ الأشعرية، أم الماتريدية، أم السلفية؟‍‍ نقول: من وافق السنة، فهو صاحب السنة ومن خالف السنة، فليس صاحب سنة، فنحن نقول: السلف هم أهل السنة والجماعة، ولا يصدق الوصف على غيرهم أبداً والكلمات تعتبر بمعانيها لننظر كيف نسمي من خالف السنة أهل سنة؟‍ لا يمكن وكيف يمكن أن نقول عن ثلاث طوائف مختلفة: إنهم مجتمعون؟ فأين الاجتماع؟‍‍ فأهل السنة والجماعة هم السلف معتقداً، حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه سلفي.

            وهو الإيمان بالله(1).......................................... ............................................

            (1) هذه العقيدة أصلها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ متى الساعة؟ فالإيمان ـ قال له ـ: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره[17].

            "الإيمان بالله": الإيمان في اللغة: يقول كثير من الناس: إنه التصديق، فصدقت وآمنت معناهما لغة واحد، وقد سبق لنا في التفسير أن هذا القول لا يصح بل الإيمان في اللغة: الإقرار بالشيء عن تصديق به، بدليل أنك تقول: آمنت بكذا وأقررت بكذا وصدقت فلانا ولا تقول: آمنت فلاناً.

            إذا فالإيمان يتضمن معنى زائداً على مجرد التصديق، وهو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام، هذا الإيمان، أما مجرد أن تؤمن بأن الله موجود، فهذا ليس بإيمان، حتى يكون هذا الإيمان مستلزما للقبول في الأخبار والإذعان في الأحكام، وإلا، فليس إيماناً.

            والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:

            1- الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.

            2- الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.

            3- الإيمان بانفراده بالألوهية.

            4- الإيمان بأسمائه وصفاته. لا يمكن أن يتحقق الإيمان إلا بذلك.

            فمن لم يؤمن بوجود الله، فليس بمؤمن، ومن آمن بوجود الله لا بانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية لا بالألوهية فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية والألوهية لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته، فليس بمؤمن، وإن كان الأخير فيه من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه من يسلب عنه كمال الإيمان.

            الإيمان بوجوده:

            إذا قال قائل: ما الدليل على وجود الله عز وجل؟

            قلنا: الدليل على وجود الله: العقل، والحس، والشرع.

            ثلاثة كلها تدل على وجود الله، وإن شئت، فزد: الفطرة، فتكون الدلائل على وجود الله أربعة: العقل، والحس، والفطرة، والشرع. وأخرنا الشرع، لا لأنه لا يستحق التقديم، لكن لأننا نخاطب من لا يؤمن بالشرع.

            ـ فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟

            فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون. فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً.

            ويقال: إن طائفة من السمنية جاءوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند، فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ قال أنا أفكر في سفينة مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرست في الميناء ونزلت الحمولة وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون.

            قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم. قالوا: إذاً ليس لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم، وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه.

            وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟

            ولهذا قال الله عز وجل: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35].

            فحينئذ يكون العقل دالاً دلالة قطعية على وجود الله.

            - وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسية ، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب الله.

            فالأعرابي الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة قال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار.. وبعد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فوراً خرجت سحاباً مثل الترس، وارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام[18] وهذا أمر واقع يدل على وجود الخالق دلالة حسية.

            وفي القرآن كثير من هذا، مثل: )وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)(فَاسْتَجَبْنَا لَه) [الأنبياء: 83-84] وغير ذلك من الآيات.

            - وأما دلالة الفطرة، فإن كثيراً من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله، حتى البهائم العجم تؤمن بوجود الله، وقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه الصلاة والسلام، خرج يستسقي، فوجد نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء، تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا سقياك.

            فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم، فالفطر مجبولة على معرفة الله عز وجل وتوحيده.

            وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: )وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين)َ (172)(أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ) [الأعراف: 172: 173]، فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجتم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته.

            هذه أدلة أربعة تدل على وجود الله سبحانه وتعالى.

            - وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.

            وملائكته(1)....................................... .................................................. .....

            (1) الملائكة جمع: ملأك، وأصل ملأك : مألك، لأنه من الألوكة، والألوكة في اللغة الرسالة، قال الله تعالى: ) جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى) [فاطر: 1].

            فالملائكة عالم غيبي، خلقهم الله عز وجل من نور، وجعلهم طائعين له متذللين له، ولكل منهم وظائف خصه الله بها، ونعلم من وظائفهم:

            أولاً: جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من الله تعالى إلى الرسل.

            ثانياً: إسرافيل: موكل بنفخ الصور وهو أيضا أحد حملة العرش .

            ثالثاً: ميكائيل: موكل بالقطر والنبات.

            وهؤلاء الثلاثة كلهم موكلون بما فيه حياة، فجبريل موكل بالوحي وفيه حياة القلوب، وميكائيل بالقطر والنبات وفيه حياة الأرض، وإسرافيل بنفخ الصور وفيه حياة الأجساد يوم المعاد.

            ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل بربوبية الله لهم في دعاء الاستفتاح في صلاة الليل، فيقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"[19]، هذا الدعاء الذي كان يقوله في قيام الليل متوسلاً بربوبية الله لهم.

            كذلك نعلم أن منهم من وكل بقبض أرواح بني آدم، أو بقبض روح كل ذي روح وهم: ملك الموت وأعوانه ولا يسمى عزرائيل، لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن اسمه هذا.

            قال تعالى:( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)[الأنعام: 61]. وقال تعالى: )قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (السجدة:11). وقال تعالى: )اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)(الزمر: من الآية42).

            ولا منافاة بين هذه الآيات الثلاث، فإن الملائكة تقبض الروح، فإن ملك الموت إذا أخرجها من البدن تكون عنده ملائكة، إن كان الرجل من أهل الجنة، فيكون معهم حنوط من الجنة، وكفن من الجنة، يأخذون هذه الروح الطيبة، ويجعلونها في هذا الكفن، ويصعدون بها إلى الله عز وجل حتى تقف بين يدي الله عز وجل، ثم يقول اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فترجع الروح إلى الجسد من أجل الاختبار: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وإن كان الميت غير مؤمن والعياذ بالله، فإنه ينزل ملائكة معهم كفن من النار وحنوط من النار، يأخذون الروح، ويجعلونها في هذا الكفن، ثم يصعدون بها إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها وتطرح إلى الأرض، قال الله تعالى: ) وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31] ، ثم يقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في سجين[20] نسأل الله العافية!.

            هؤلاء موكلون بقبض الروح من ملك الموت إذا قبضها، وملك الموت هو الذي يباشر قبضها، فلا منافاة إذن، والذي يأمر بذلك هو الله، فيكون في الحقيقة هو المتوفى.

            ومنهم ملائكة سياحون في الأرض، يلتمسون حلق الذكر، إذا وجدوا حلقة العلم والذكر، جلسوا[21]

            وكذلك هناك ملائكة يكتبون أعمال الإنسان: )وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين) (َ10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) [الانفطار: 10-12] )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

            دخل أحد أصحاب الإمام أحمد عليه وهو مريض رحمه الله فوجده يئن من المرض، فقال له: يا أبا عبد الله! تئن، وقد قال طاووس: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، لأن الله يقول: )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]؟ فجعل أبو عبد الله يتصبر وترك الأنين، لأن كل شيء يكتب ])مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) من: زائدة لتوكيد العموم، أي قول تقوله، يكتب لكن قد تجازى عليه بخير أو بشر، هذا حسب القول الذي قيل.

            ومنهم أيضاً ملائكة يتعاقبون على بني آدم في الليل والنهار، )لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) [الرعد: 11].

            ومنهم ملائكة ركَّع وسجَّد لله في السماء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أطت السماء، وحق لها أن تئط" والأطيط: صرير الرحل، أي: إذا كان على البعير حمل ثقيل، تسمع له صرير من ثقل الحمل، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أطت السماء، وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع منها، إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد"[22]، وعلى سعة السماء فيها هؤلاء الملائكة.

            ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت المعمور الذي مر به في ليلة المعراج، قال: "يطوف به (أو قال: يدخله) سبعون ألف ملك كل يوم، ثم لا يعودون إلى آخر ما عليهم"[23]، والمعنى: كل يوم يأتي إليه سبعون ألف ملك غير الذين أتوه بالأمس، ولا يعودون له أبداً، يأتي ملائكة آخرون غير من سبق، وهذا يدل على كثرة الملائكة، ولهذا قال الله تعالى: )ُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [المدثر: 31].

            ومنهم ملائكة موكلون بالجنة وموكلون بالنار، فخازن النار اسمه مالك يقول أهل النار: ) يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ )(الزخرف: من الآية77)، يعنى: ليهلكنا ويمتنا، فهم يدعون الله أن يميتهم، لأنهم في عذاب لا يصبر عليه، فيقول: ) إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)(الزخرف: من الآية77) ، ثم يقال لهم: )لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف:78].

            المهم: أنه يجب علينا أن نؤمن بالملائكة.

            وكيف الإيمان بالملائكة؟

            نؤمن بأنهم عالم غيبي لا يشاهدون، وقد يشاهدون، إنما الأصل أنهم عالم غيبي مخلوقون من نور مكلفون بما كلفهم الله به من العبادات وهم خاضعون لله عز وجل أتم الخضوع، ) لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون) [التحريم: 6].

            كذلك نؤمن بأسماء من علمنا بأسمائهم ونؤمن بوظائف من علمنا بوظائفهم ويجب علينا أن نؤمن بذلك على ما علمنا.

            وهم أجساد، بدليل قوله تعالى: ) جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَة) [فاطر، 1]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق [24]، خلافاً لمن قال: إنهم أرواح.

            إذا قال قائل: هل لهم عقول؟ نقولك هل لك عقل؟ ما يسأل عن هذا إلا رجل مجنون، فقد قال الله تعالى: ] لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون [ [التحريم: 6]، فهل يثني عليهم هذا الثناء وليس لهم عقول؟! )يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]، أنقول: هؤلاء ليس لهم عقول؟! يأتمرون بأمر الله، ويفعلون ما أمر الله به ويبلغون الوحي، ونقول: ليس لهم عقول؟! أحق من يوصف بعدم العقل من قال: إنه لا عقول لهم !!

            وكتبه(1).......................................... ...................................

            (1) أي كتب الله التي أنزلها مع الرسل.

            ولكل رسول كتاب، قال الله تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) [الحديد: 25]، وهذا يدل على أن كل رسول معه كتاب، لكن لا نعرف كل الكتب ، بل نعرف منها: صحف إبراهيم وموسى، التوراة، الإنجيل، الزبور، القرآن، ستة، لأن صحف موسى بعضهم يقول: هي التوراة، وبعضهم يقول: غيرها، فإن كانت التوراة، فهي خمسة، وإن كانت غيرها، فهي ستة، ولكن مع ذلك نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً.

            ورسله(1).......................................... ...............................

            (1) أي: رسل الله وهم الذين أوحى الله إليهم بالشرائع وأمرهم بتبليغها، وأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .

            الدليل على أن أولهم نوح: قوله تعالى: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه) [النساء: 163]، يعني: وحياً، كإيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، وهو وحي الرسالة. وقوله: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد: 26]: ( فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّة) ، أي ذرية نوح وإبراهيم، والذي قبل نوح لا يكون من ذريته. وكذلك قوله تعالى: )وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِين) [الذاريات: 46]، قد نقول: إن قوله: (نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ): يدل على ما سبق.

            إذاً من القرآن ثلاثة أدلة تدل على أن نوحا أول الرسل ومن السنة ما ثبت في حديث الشفاعة: "أن أهل الموقف يقولون لنوح: أنت أول رسول أسله الله إلى أهل الأرض"[25]، وهذا صريح.

            أما آدم عليه الصلاة والسلام، فهو نبي، وليس برسول.

            وأما إدريس، فذهب كثير من المؤرخين أو أكثرهم وبعض المفسرين أيضاً إلى أنه قبل نوح، وأنه من أجداده لكن هذا قول ضعيف جداً والقرآن والسنة ترده والصواب ما ذكرنا.

            وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، لقوله تعالى: ( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين) [الأحزاب: 40]، ولم يقل: وخاتم المرسلين، لأنه إذا ختم النبوة، ختم الرسالة من باب أولى.

            فإن قلت: عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان[26] وهو رسول، فما الجواب؟.

            نقول: هو لا ينزل بشريعة جديد، وإنما يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم .

            فإذا قال قائل: من المتفق عليه أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعيسى يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون من أتباعه، فكيف يصح قولنا: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر؟

            فالجواب: أحد ثلاثة وجوه :

            أولها: أن عيسى عليه الصلاة والسلام رسول مستقل من أولي العزم ولا يخطر بالبال المقارنة بينه وبين الواحد من هذه الأمة، فكيف بالمفاضلة؟! وعلى هذا يسقط هذا الإيراد من أصله، لأنه من التنطع، وقد هلك المتنطعون، كما قال النبي[27] صلى الله عليه وسلم .

            الثاني: أن نقول: هو خير الأمة إلا عيسى.

            الثالث: أن نقول: إن عيسى ليس من الأمة، ولا يصح أن نقول: إنه من أمته، وهو سابق عليه، لكنه من أتباعه إذا نزل، لأن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة.

            فإن قال قائل: كيف يكون تابعاً، وهو يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل إلا الإسلام مع أن الإسلام يقر أهل الكتاب الجزية؟!.

            قلنا: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إقرار له، فتكون من شرعه ويكون نسخاً لما سبق من حكم الإسلام الأول.

            والبعث بعد الموت(1).......................................... ........................................

            (1) البعث بمعنى الإخراج، يعني: إخراج الناس من قبورهم بعد موتهم.

            وهذا من معتقد أهل السنة والجماعة.

            وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل إجماع اليهود والنصارى، حيث يقرون بأن هناك يوماً يبعث الناس فيه ويجازون:

            - أما القرآن، فيقول الله عز وجل: )زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ) [التغابن: 7] وقال عز وجل: )ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُون)َ (15) )ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون: 15-16].

            - وأما في السنة، فجاءت الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

            - وأجمع المسلمون على هذا إجماعاً قطعياً، وأن الناس سيبعثون يوم القيامة ويلاقون ربهم ويجازون بأعمالهم، ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه)ُ (7)( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8].

            )يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) [الانشقاق: 6]، فتذكر هذا اللقاء حتى تعمل له، خوفاً من أن تقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وليس عندك شيء من العمل الصالح، انظر ماذا عملت ليوم النقلة؟ وماذا عملت ليوم اللقاء؟ فإن أكثر الناس اليوم ينظرون ماذا عملوا للدنيا، مع العلم بأن هذه الدنيا التي عملوا لها لا يدرون هل يدركونها أم لا؟ قد يخطط الإنسان لعمل دنيوي يفعله غداً أو بعد غد، ولكنه لا يدرك غداً ولا بعد غد، لكن الشيء المتيقن أن أكثر الناس في غفلة من هذا، قال الله تعالى: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا) [المؤمنون: 63] وأعمال الدنيا يقول: )َلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُون( [المؤمنون: 63]، فأتى بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت والاستمرار: (هُمْ لَهَا عَامِلُون(، وقال تعالى: )لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) [ق: 22]: يعني: يوم القيامة وقال تعالى:( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد) [ق: 22].

            هذا البعث الذي اتفقت عليه الأديان السماوية وكل متدين بدين هو أحد أركان الإيمان الستة وهو من معتقدات أهل السنة والجماعة ولا ينكره أحد ممن ينتسب إلى ملة أبداً.

            والإيمان بالقدر(1)......................................... ...............................................

            (1) هذا الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره.

            القدر هو: "تقدير الله عز وجل للأشياء".

            وقد كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة[28]، كما قال الله تعالى: )أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج: 70].

            خيره وشره(1)........................................... ............................

            (1) وقوله: "خيره وشره": أما وصف القدر بالخير، فالأمر فيه ظاهر. وأما وصف القدر بالشر، فالمراد به شر المقدور لا شر القدر الذي هو فعل الله، فإن فعل الله عز وجل ليس فيه شر، كل أفعاله خير وحكمة، ولكن الشر في مفعولاته ومقدوراته، فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل، فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والشر ليس إليك"[29].

            فمثلاً، نحن نجد في المخلوقات المقدورات شراً، ففيها الحيات والعقارب والسباع والأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، وكل هذه بالنسبة للإنسان شر، لأنها لا تلائمه، وفيها أيضاً المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك، وكل هذه شر، لكن باعتبار نسبتها إلي الله هي خير، لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمة بالغة عظيمة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.

            وعلى هذا يجب أن تعرف أن الشر الذي وُصِِِِفَ به القدر إنما هو باعتبار المقدورات والمفعولات، لا باعتبار التقدير الذي هو تقدير الله وفعله.

            ثم اعلم أيضاً أن هذا المفعول الذي هو شر قد يكون شراً في نفسه، لكنه خير من جهة أخرى، قال الله تعالى: )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، النتيجة طيبة، وعلى هذا، فيكون الشر في هذا المقدور شراً إضافياً يعنى: لا شراً حقيقياً، لأن هذا ستكون نتيجته خيراً.

            ولنفرض حد الزاني مثلاً إذا كان غير محصن أن يجلد مئة جلدة ويسفر عن البلد لمدة عام، هذا لا شك أنه شر بالنسبة إليه، لأنه لا يلائمه، لكنه خير من وجه آخر لأنه يكون كفارة له، فهذا خير، لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فهو خير له، ومن خيره أنه ردع لغيره ونكال لغيره، فإن غيره لو هم أن يزني وهو يعلم أنه سيفعل به مثل ما فعل بهذا، ارتدع، بل قد يكون خيراً له هو أيضاً، باعتبار أنه لن يعود إلى مثل هذا العمل الذي سبب له هذا الشيء.

            أما بالنسبة للأمور الكونية القدرية، فهناك شيء يكون شراً باعتباره مقدوراً، كالمرض مثلاً، فالإنسان إذا مرض، فلا شك أن المرض شر بالنسبة له، لكن فيه خير له في الواقع، وخيره تكفير الذنوب، قد يكون الإنسان عليه ذنوب ما كفرها الاستغفار والتوبة، لوجود مانع، مثلاً لعدم صدق نيته مع الله عز وجل فتأتي هذه الأمراض والعقوبات، فتكفر هذه الذنوب.

            ومن خيره أن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه بالصحة، إلا إذا مرض، نحن الآن أصحاء ولا ندري ما قدر الصحة لكن إذا حصل المرض، عرفنا قدر الصحة فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى.. هذا أيضاً خير، وهو أنك تعرف قدر النعمة.

            ومن خيره أنه قد يكون في هذا المرض أشياء تقتل جراثيم في البدن لا يقتلها إلا المرض، يقول الأطباء: بعض الأمراض المعينة تقتل هذه الجراثيم التي في الجسد وأنك لا تدري.

            فالحاصل أننا نقول:

            أولاً: الشر الذي وصف به القدر هو شر بالنسبة لمقدور الله، أما تقدير الله، فكله خير والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم "والشر ليس إليك"[30].

            ثانياً: أن الشر الذي في المقدور ليس شراً محضاً بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشرية بالنسبة إليه أمراً إضافياً.

            هذا، وسيتكلم المؤلف رحمه الله على القدر بكلام موسع يبين درجاته عند أهل السنة.

            تعليق


            • #36
              رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

              قال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله :


              قوله الفرقة الناجية:
              و بعض أهل العلم ذكر الثلاث و السبعين الفرقة باجتهاده ، لكن هذا من الاخبار بالغيب ، و إن كان الكل مبتدعة لا شك ، لكن التعيين ما فبه نص ، وان كانت أصول هذه البدع ترجع الى الخمس البدع التي وُجدت في زمن السلف : الجهمية ، و المرجئة ، والخوارج ، و الرافضة ، والقدرية .
              .

              تعليق


              • #37
                رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله:


                قوله الى قيام الساعة :
                أي مجيء ساعة موتهم بمجيء الريح التي تقبض روح كل مؤمن، فهذه هي الساعة في حق المؤمنين.
                قوله أهل السنة:
                ...... وسُموا أهل السنة لانتسابهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرها من المقالات و المذاهب بخلاف أهل البدع فإنهم يُنسبون الى بدعهم وضلالاتهم كالقدرية والمرجئة و تارة يُنسبون الى إمامهم كالجهمية و تارة يُنسبون الى أفعالهم القبيحة كالرافضة والخوارج .

                تعليق


                • #38
                  رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                  قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى :

                  قوله والبعث بعد الموت :
                  .......و يجب الايمان بالبعث على الصفة التي بينها الله في كتابه و هو أنه جمعُ ما تحلل من أجزاء الأجساد التي كانت في الدنيا ، و إنشاؤها خلقا جديدا ، واعادة الحياة اليها .
                  و منكر البعث الجسماني كالفلاسفة والنصارى كافر و أما من أقر به و لكنه زعم أن الله يبعث الأرواح في أجسام غير الأجسام التي كانت في الدنيا فهو مبتدع و فاسق .


                  قال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله :

                  قوله والبعث بعد الموت :
                  و الجهلة يستبعدون إعادة أجزاء هذا البدن بعد بلائها، فلذلك ذكر المصنف هذا اللفظ (أي البعث بعد الموت) بدل " واليوم الآخر" فإن المنكرين لليوم الآخر لا ينكرون قدرة الله على خلق الأجسام و إنزال المطر و غير ذلك .


                  قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي حفظه الله :

                  عدل المصنف رحمه الله عن الاشارة الى الرُكن الخامس من أركان الايمان و هو الايمان باليوم الآخر الى قوله " البعث بعد الموت" لأن البعث أعظم مسائله التي أنكرها المُشركون ، فهو ذكر للشيء بذكر فرد من أفراده لجلالة الفرد المذكور و عظمته .

                  قال الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان رحمه الله بعد ما ذكر الأدلة من القرآن على البعث :


                  ......و من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم للعاص بن وائل ، و قد جاء بعظم قديم ففتته بيده و قال : يا محمد يُحي الله هذا بعد ما أرم ؟ قال نعم يبعث الله هذا ثم يُميتك ثم يُحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت هذه الآية " أولم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا و نسي خلقه قال من يحي العظام و هي رميم ....." يس -77،78،79-........الى أن قال
                  و من السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" كذبني ابن آدم و لم يكن له ذلك و شتمني ابن آدم و لم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني و ليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ....." رواه البخاري .

                  تعليق


                  • #39
                    رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                    أعتذر عن التأخر وأنقل هنا بعض التعليقات ولم أنقل إلا بعضها بسبب إنشغالي وهذه التعليقات مستفادة من شروحات بعض طلبة العلم والمشائخ في دار الحديث بدماج وإن شاء الله نكمل فيما بعد بنقل تعليقات العلماء مثل صالح آل الشيخ وغيره رحمه الله ونسأل الله أن يبارك في وقتنا حتى نكمل هذه المدارسة الطيبة.


                    قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين شارحا لقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى
                    :

                    اعتقاد(1) الفرقة(2) الناجية(3)........................................ .....................................

                    (1) "
                    اعتقاد": افتعال من العقد وهو الربط والشد هذا من حيث التصريف اللغوي، وأما في الاصطلاح عندهم، فهو حكم الذهن الجازم، يقال: اعتقدت كذا، يعنى: جزمت به في قلبي، فهو حكم الذهن الجازم، فإن طابق الواقع، فصحيح، وإن خالف الواقع، ففاسد، فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل، لأنه مخالف للواقع ووجه ارتباطه بالمعنى اللغوي ظاهر، لأن هذا الذي حكم في قلبه على شيء ما كأنه عقده عليه وشده عليه بحيث لا يتفلت منه (_1)
                    التعليق: نقول العقائد مفردها (عقيدة) وقال بعضهم أن أول من استعمل هذه اللفظة هو الغزالي وهذا فيه نظر فقد وجد من سبق الغزالي بهذه اللفظة وهو العلامة السلفي من أئمة السلف وهو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني . اهـ التعليق.

                    (2) "
                    الفرقة" بكسر الفاء، بمعنى: الطائفة، قال الله تعالى: ) فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة) [التوبة: 122]، وأما الفرقة بالضم، فهي مأخوذة من الافتراق.

                    (_)(3) "الناجية": اسم فاعل من نجا، إذا سلم، ناجية في الدنيا من البدع سالمة منها وناجية في الآخرة من النار.
                    التعليق: الطائفة المنصورة هي الفرقة الناجية خلافا لبعض أهل البدع وراجع في هذا حوار هادئ مع سلمان العودة للعلامة ربيع المدخلي حفظه الله.
                    قال العلامة الجامي رحمه الله : لا فرق بينهما ولا فلسفة أن بينهما عموما وخصوصا, وكذا أهل السنة كلها بمعنى واحد. اهـ. التعليق

                    قال ابن عثيمين رحمه الله: ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة" قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال (_2)
                    : "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي[12

                    التعليق
                    : هذه الزيادة وهي على مثل ما أنا عليه وأصحابي لا تصح انفرد بها الأفريقي عن غيره
                    بعضهم ذكر رواية عبد الله بن سفيان الخزاعي عن يحيي بن سعيد الأنصاري ذكر هذه اللفظة.
                    لكن قال العقيلي في الضعفاء : عبد الله بن سفيان عن يحيي بن سعيد لا يتابع على حديثه, وقال عقب الحديث: ليس له من حديث يحيي بن سعيد أصل وإنما يعرف هذا الحديث من حديث الإفريقي اهـ. ونقله الذهبي في الميزان مقرا له .
                    وأما ما جاء عند الطبراني في السواد الأعظم قال ( على مثل ما أنا عليه وأصحابي ) فيه عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي قال أحمد أحاديثه موضوعة وكثير بن مروان كذبه ابن معين الخلاصة هذه الزيادة لا تصح ولكن المعنى صحيح بدلالة الكتاب والسنة
                    قال الله تعالى : (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا )) (النساء: 115)
                    وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ))
                    وهذا هو الفرق بين أهل السنة وأهل البدع أن أهل السنة والجماعة يفهمون الإسلام بفهم الصحابة وأما أهل البدع فبفهمهم اهـ. التعليق

                    قال ابن عثيمين رحمه الله هذا الحديث يبين لنا معنى (الناجية)، فمن كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فهو ناج من البدع. و"كلها في النار إلا واحدة": إذا هي ناجية من النار، فالنجاة هنا من البدع في الدنيا، ومن النار في الآخرة.

                    المنصورة(1) إلى قيام الساعة(2)......................................... ..............................

                    (1) "
                    المنصورة" عبر المؤلف بذلك موافقة للحديث، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين[13]، والظهور الانتصار، لقوله تعالى: ) فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف: 14]، والذي ينصرها هو الله وملائكته والمؤمنون، فهي منصورة إلى قيام الساعة، منصورة من الرب عز وجل، ومن الملائكة، ومن عباده المؤمنين، حتى قد ينصر الإنسان من الجن، ينصره الجن ويرهبون عدوه.

                    (2) "
                    إلى قيام الساعة"، أي: إلى يوم القيامة، فهي منصورة إلى قيام الساعة.

                    وهنا يرد إشكال، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الساعة تقوم على شرار الخلق[14]، وأنه لا تقوم حتى لا يقال: الله الله[15] ، فكيف تجمع بين هذا وبين قوله: "إلى قيام الساعة"؟!

                    والجواب: أن يقال: إن المراد: إلى قرب قيام الساعة، لقوله في الحديث: "حتى يأتي أمر الله"[16]، أو: إلى قيام الساعة، أي: ساعتهم، وهو موتهم، لأن من مات فقد قامت قيامته، لكن الأول أقرب، فهم منصورون إلى قرب قيام الساعة، وإنما لجأنا إلى هذا التأويل لدليل، والتأويل بدليل جائز، لأن الكل من عند الله.

                    أهل السنة والجماعة(1)....................................... ............................................

                    (1) "
                    أهل السنة والجماعة(_3)": أضافهم إلى السنة، لأنهم متمسكون بها، والجماعة، لأنهم مجتمعون عليها.

                    (_3) التعليق: السنة قال المعلمي رحمة الله عليه في الأنوار الكاشفة: تطلق السنة لغة وشرعا على وجهين:
                    الأول: الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره...
                    الوجه الثاني: السيرة العامة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب وتسمى الهدي وهذا وكل شأن من شئون النبي صلى الله عليه وسلم الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو .... تقرير سنة بالمعنى الأول وجموع ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. اهـ.
                    الجماعة : اختلف العلماء من المقصود ؟
                    1_ ذهب عمر بن عبد العزيز والشاطبي وصديق حسن خان وغيرهم إلى أنهم هم الصحابة رضي الله عنهم.
                    2_ قيل هم السواد الأعظم وقيل هم جماعة أهل الإسلام وقيل هم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير.
                    3_ والصواب أن الجماعة هم أهل الحديث والأثر الطائفة المنصورة الفرقة الناجية وهذا قول يزيد ابن هارون وأحمد والشافعي وابن المديني والبخاري وابن المبارك وأحمد بن غسام والخطيب وكثير من السلف
                    قال الإمام أحمد رحمه الله : إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أعرف لله أبدالا. اهـ التعليق


                    فإن قلت: كيف يقول: "أهل السنة والجماعة"، لأنهم جماعة، فكيف يضاف الشيء إلى نفسه؟!

                    فالجواب: أن الأصل أن كلمة الجماعة بمعنى الاجتماع، فهي اسم مصدر، هذا في الأصل، ثم نقلت من هذا الأصل إلى القوم المجتمعين، وعليه، فيكون معنى أهل السنة والجماعة، أي: أهل السنة والاجتماع، سموا أهل السنة، لأنهم متمسكون بها، لأنهم مجتمعون عليها.

                    ولهذا لم تفترق هذه الفرقة كما افترق أهل البدع، نجد أهل البدع، كالجهمية متفرقين، والمعتزلة متفرقين، والروافض متفرقين، وغيرهم من أهل التعطيل متفرقين، لكن هذه الفرقة مجتمعة على الحق، وإن كان قد يحصل بينهم خلاف، لكنه خلاف لا يضر، وهو خلاف لا يضلل أحدهم الآخر به، أي: أن صدورهم تتسع له، وإلا، فقد اختلفوا في أشياء مما يتعلق بالعقيدة، (_4) مثل: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بعينه أم لم يره؟ ومثله: هل عذاب القبر على البدن والروح أو الروح فقط؟ ومثل بعض الأمور يختلفون فيها، لكنها مسائل تعد فرعية بالنسبة للأصول، وليست من الأصول. ثم هم مع ذلك إذا اختلفوا، لا يضلل بعضهم بعضاً، بخلاف أهل البدع.

                    (_4) التعليق: أصول العقيدة لم يختلف السلف فيها مثل إفراد الله عز وجل فيما هو خاص بالله عز وجل وقد ناقش هذا الموضوع بعض الاخوة ولكن لا أستحضر أين ويراجع هذا الموضوع :

                    إذاً فهم مجتمعون على السنة، فهم أهل السنة والجماعة.

                    وعلم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يدخل فيهم من خالفهم في طريقتهم، فالأشاعرة مثلا والماتريدية لا يعدون من أهل السنة والجماعة في هذا الباب، لأنهم مخالفون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إجراء صفات الله سبحانه وتعالى على حقيقتها، ولهذا يخطئ من يقول: إن أهل السنة والجماعة ثلاثة : سلفيون، وأشعريون، وما تريديون، فهذا خطأ، نقول: كيف يكون الجميع أهل سنة وهم مختلفون؟! فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! وكيف يكونون أهل سنة وكل واحد يرد على الآخر؟! هذا لا يمكن، إلا إذا أمكن الجمع بين الضدين، فنعم، وإلا، فلا شك أن أحدهم وحده هو صاحب السنة، فمن هو؟‍ الأشعرية، أم الماتريدية، أم السلفية؟‍‍ نقول: من وافق السنة، فهو صاحب السنة ومن خالف السنة، فليس صاحب سنة، فنحن نقول: السلف هم أهل السنة والجماعة، ولا يصدق الوصف على غيرهم أبداً والكلمات تعتبر بمعانيها لننظر كيف نسمي من خالف السنة أهل سنة؟‍ لا يمكن وكيف يمكن أن نقول عن ثلاث طوائف مختلفة: إنهم مجتمعون؟ فأين الاجتماع؟‍‍ فأهل السنة والجماعة هم السلف معتقداً، حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه سلفي.

                    وهو الإيمان بالله(1).......................................... ............................................

                    (1)
                    هذه العقيدة أصلها لنا النبي صلى الله عليه وسلم في جواب جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ متى الساعة؟ فالإيمان ـ قال له ـ: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره[17].

                    "
                    الإيمان بالله": الإيمان في اللغة: يقول كثير من الناس: إنه التصديق، فصدقت وآمنت معناهما لغة واحد، وقد سبق لنا في التفسير أن هذا القول لا يصح بل الإيمان في اللغة: الإقرار بالشيء عن تصديق به، بدليل أنك تقول: آمنت بكذا وأقررت بكذا وصدقت فلانا ولا تقول: آمنت فلاناً.

                    إذا فالإيمان يتضمن معنى زائداً على مجرد التصديق، وهو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار والإذعان للأحكام، هذا الإيمان، أما مجرد أن تؤمن بأن الله موجود، فهذا ليس بإيمان، حتى يكون هذا الإيمان مستلزما للقبول في الأخبار والإذعان في الأحكام، وإلا، فليس إيماناً (_5)

                    _5) التعليق:الإيمان لغة الإقرار. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه التصديق ومن قال بأنه التصديق لم يقل أنه في الشرع كذلك أي هو التصديق فقط بل هذا قول الأشاعرة.
                    شرعا: قول واعتقاد وعمل يزيد وينقص.
                    قال الإمام الآجري رحمة الله عليه : القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث اهـ. راجع الإيمان : 275 والفتاوى ( 7/290-534) (7/637) اهـ التعليق.

                    والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:

                    1-
                    الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.

                    2-
                    الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.

                    3-
                    الإيمان بانفراده بالألوهية.

                    4-
                    الإيمان بأسمائه وصفاته. لا يمكن أن يتحقق الإيمان إلا بذلك.

                    فمن لم يؤمن بوجود الله، فليس بمؤمن، ومن آمن بوجود الله لا بانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية لا بالألوهية فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية والألوهية لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته، فليس بمؤمن، وإن كان الأخير فيه من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه من يسلب عنه كمال الإيمان. (_6)

                    التعليق: مثل الجهمية ينفون أسماء الله عز وجل وصفاته مثل هذا لا شك في كفره لكن من تأول بعض الصفات لشبهة فهذا لا يحكم عليه بالردة وهنا تفصيل للعلامة ابن العثيمين نفسه رحمه الله في اللمعة أنقله :
                    حكم التأويل عن ثلاثة أقسام :
                    الأول : أن يكون صادرا عن اجتهاد وحسن نية بحيث إذا تبين له الحق رجع عن تأويله فهذا معفو عنه لأن هذا منتهى وسعه وقد قال الله تعالى : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )).
                    الثاني: أن يكون صادرا عن هوى وتعصب وله وجه في اللغة العربية فهو فسق وليس بكفر إلا أن يتضمن نقصا أو عيبا في حق الله فيكون كفرا.
                    الثالث: أن يكون صادرا عن هوى وتعصب وليس له وجه في اللغة العربية فهذا كفر لأن حقيقته التكذيب حيث لا وجه له .اهـ. التعليق
                    .

                    الإيمان بوجوده:

                    إذا قال قائل: ما الدليل على وجود الله عز وجل؟

                    قلنا: الدليل على وجود الله: العقل، والحس، والشرع.

                    ثلاثة كلها تدل على وجود الله، وإن شئت، فزد: الفطرة، فتكون الدلائل على وجود الله أربعة: العقل، والحس، والفطرة، والشرع. وأخرنا الشرع، لا لأنه لا يستحق التقديم، لكن لأننا نخاطب من لا يؤمن بالشرع.

                    ـ فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟

                    فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون. فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً.

                    ويقال: إن طائفة من السمنية جاءوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند، فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ قال أنا أفكر في سفينة مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرست في الميناء ونزلت الحمولة وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون.

                    قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم. قالوا: إذاً ليس لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم، وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه.

                    وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟

                    ولهذا قال الله عز وجل: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35].

                    فحينئذ يكون العقل دالاً دلالة قطعية على وجود الله.

                    -
                    وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسية ، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب الله.

                    فالأعرابي الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة قال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار.. وبعد دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فوراً خرجت سحاباً مثل الترس، وارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام[18] وهذا أمر واقع يدل على وجود الخالق دلالة حسية.

                    وفي القرآن كثير من هذا، مثل: )وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)(فَاسْتَجَبْنَا لَه) [الأنبياء: 83-84] وغير ذلك من الآيات.

                    -
                    وأما دلالة الفطرة، فإن كثيراً من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله، حتى البهائم العجم تؤمن بوجود الله، وقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه الصلاة والسلام، خرج يستسقي، فوجد نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء، تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا سقياك.

                    فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم، فالفطر مجبولة على معرفة الله عز وجل وتوحيده.

                    وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: )وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين)َ (172)(أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ) [الأعراف: 172: 173]، فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجتم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته(_7)

                    (_7) التعليق: الصحيح ما ذهب إليه العلامة الألباني بأن الميثاق على الحقيقة بلسان المقال لأن في الآية ((قالوا بلى)) وأما من قال بل هو الفطرة نقول هذا خلاف الأصل وأما قول من قال بدليل أن الإنسان لا يتذكر هذا الميثاق نقول النصوص واضحة لا حاجة لشبهة عقلية والله عز وجل أرسل إلينا الرسل ليذكرونا كذلك بهذا الميثاق يراجع كلام العلامة الألباني في السلسلة لا أذكر الموضع وهذه المسألة شرحها الشيخ صلاح الدوبي في شرحه لكتاب سلم الوصول ويراجع شرح ابن أبي العز
                    والقول بأن المقصود الفطرة هو قول ابن تيمية رحمه الله والسعدي وغيرهم رحمهم الله .
                    تنبيه: لا يجوز التكفير بالميثاق فقط هذا قول باطل كيف نكفر الناس بالميثاق فقط ما فائدة الرسل ؟!! (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) الآية. اهـ. التعليق.

                    هذه أدلة أربعة تدل على وجود الله سبحانه وتعالى.

                    -
                    وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.

                    وملائكته(1)....................................... .................................................. .....

                    (1)
                    الملائكة جمع: ملأك، وأصل ملأك : مألك، لأنه من الألوكة، والألوكة في اللغة الرسالة، قال الله تعالى: ) جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى) [فاطر: 1].

                    فالملائكة عالم غيبي، خلقهم الله عز وجل من نور، وجعلهم طائعين له متذللين له، ولكل منهم وظائف خصه الله بها، ونعلم من وظائفهم:

                    أولاً: جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من الله تعالى إلى الرسل.

                    ثانياً: إسرافيل: موكل بنفخ(_ الصور وهو أيضا أحد حملة العرش .
                    (_ التعليق: ذكر بعض أهل العلم أنه لم يرد حديث صحيح يدل على هذا لكن نقول هذا ثابت بالإجماع فقد نقل الأخ عاصم الأغبري في المنتدى كلام الحافظ ينقل الإجماع عن الحليمي : فقد حكاه الحافظ في الفتح (11|44 :
                    تنبيه: اشتهر أن صاحبالصور اسرافيل عليه السلام ونقل فيه الحليمي الإجماعا.هــ كلام الحافظاهـ وكذاك نقل عن القرطبي فقال ... : القرطبي رحمه الله :
                    -
                    قال رحمه الله في التذكرة:قال علماؤنا: و الأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليهالسلام. اهـ. كلام الأغبري وفقه الله وما قاله الأخ البربري في الموضوع من أنه لم يجد نص وفقه الله إذا رجح بعضهم أن الإجماع حجة ولو لم نعرف النص فيأخذ بهذا الإجماع مع عدم وجود المخالف وأما ما ذكره من أنه مخالف للحديث قد يجاب عنه والله تعالى أعلم راجع : http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=9067&page=2
                    http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=9067&page=1 اهـ التعليق


                    ثالثاً: ميكائيل: موكل بالقطر والنبات.

                    وهؤلاء الثلاثة كلهم موكلون بما فيه حياة، فجبريل موكل بالوحي وفيه حياة القلوب، وميكائيل بالقطر والنبات وفيه حياة الأرض، وإسرافيل بنفخ الصور وفيه حياة الأجساد يوم المعاد.

                    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل بربوبية الله لهم في دعاء الاستفتاح في صلاة الليل، فيقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك. إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"[19]، هذا الدعاء الذي كان يقوله في قيام الليل متوسلاً بربوبية الله لهم.

                    كذلك نعلم أن منهم من وكل بقبض أرواح بني آدم، أو بقبض روح كل ذي روح وهم: ملك الموت وأعوانه ولا يسمى عزرائيل، لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن اسمه هذا.

                    قال تعالى:( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)[الأنعام: 61]. وقال تعالى: )قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (السجدة:11). وقال تعالى: )اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)(الزمر: من الآية42).

                    ولا منافاة بين هذه الآيات الثلاث، فإن الملائكة تقبض الروح، فإن ملك الموت إذا أخرجها من البدن تكون عنده ملائكة، إن كان الرجل من أهل الجنة، فيكون معهم حنوط من الجنة، وكفن من الجنة، يأخذون هذه الروح الطيبة، ويجعلونها في هذا الكفن، ويصعدون بها إلى الله عز وجل حتى تقف بين يدي الله عز وجل، ثم يقول اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فترجع الروح إلى الجسد من أجل الاختبار: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وإن كان الميت غير مؤمن والعياذ بالله، فإنه ينزل ملائكة معهم كفن من النار وحنوط من النار، يأخذون الروح، ويجعلونها في هذا الكفن، ثم يصعدون بها إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها وتطرح إلى الأرض، قال الله تعالى: ) وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج: 31] ، ثم يقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في سجين[20] نسأل الله العافية!.

                    هؤلاء موكلون بقبض الروح من ملك الموت إذا قبضها، وملك الموت هو الذي يباشر قبضها، فلا منافاة إذن، والذي يأمر بذلك هو الله، فيكون في الحقيقة هو المتوفى.

                    ومنهم ملائكة سياحون في الأرض، يلتمسون حلق الذكر، إذا وجدوا حلقة العلم والذكر، جلسوا[21]

                    وكذلك هناك ملائكة يكتبون أعمال الإنسان: )وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين) (َ10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) [الانفطار: 10-12] )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].

                    دخل أحد أصحاب الإمام أحمد عليه وهو مريض رحمه الله فوجده يئن من المرض، فقال له: يا أبا عبد الله! تئن، وقد قال طاووس: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، لأن الله يقول: )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]؟ فجعل أبو عبد الله يتصبر وترك الأنين، لأن كل شيء يكتب ])مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) من: زائدة لتوكيد العموم، أي قول تقوله، يكتب لكن قد تجازى عليه بخير أو بشر، هذا حسب القول الذي قيل.

                    ومنهم أيضاً ملائكة يتعاقبون على بني آدم في الليل والنهار، )لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) [الرعد: 11].

                    ومنهم ملائكة ركَّع وسجَّد لله في السماء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أطت السماء، وحق لها أن تئط" والأطيط: صرير الرحل، أي: إذا كان على البعير حمل ثقيل، تسمع له صرير من ثقل الحمل، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أطت السماء، وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع منها، إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد"[22]، وعلى سعة السماء فيها هؤلاء الملائكة.

                    ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في البيت المعمور الذي مر به في ليلة المعراج، قال: "يطوف به (أو قال: يدخله) سبعون ألف ملك كل يوم، ثم لا يعودون إلى آخر ما عليهم"[23]، والمعنى: كل يوم يأتي إليه سبعون ألف ملك غير الذين أتوه بالأمس، ولا يعودون له أبداً، يأتي ملائكة آخرون غير من سبق، وهذا يدل على كثرة الملائكة، ولهذا قال الله تعالى: )ُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [المدثر: 31].

                    ومنهم ملائكة موكلون بالجنة وموكلون بالنار، فخازن النار اسمه مالك يقول أهل النار: ) يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ )(الزخرف: من الآية77)، يعنى: ليهلكنا ويمتنا، فهم يدعون الله أن يميتهم، لأنهم في عذاب لا يصبر عليه، فيقول: ) إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)(الزخرف: من الآية77) ، ثم يقال لهم: )لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف:78].

                    المهم: أنه يجب علينا أن نؤمن بالملائكة.

                    وكيف الإيمان بالملائكة؟

                    نؤمن بأنهم عالم غيبي لا يشاهدون، وقد يشاهدون، إنما الأصل أنهم عالم غيبي مخلوقون من نور(_9) مكلفون بما كلفهم الله به من العبادات وهم خاضعون لله عز وجل أتم الخضوع، ) لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون) [التحريم: 6].

                    كذلك نؤمن بأسماء من علمنا بأسمائهم ونؤمن بوظائف من علمنا بوظائفهم ويجب علينا أن نؤمن بذلك على ما علمنا.

                    (_9) التعليق:قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( خلقت الملائكة من نور )) أخرجه مسلم.
                    وقد زعم بعض الفلاسفة أن الملائكة هي العقول والنفوس المجردات وهي الجواهر العقلية.
                    وقال بعضهم هي القوى العامة التي في النفوس كما أن جبريل عليه الصلاة والسلام هو القوى العالمة التي ينفث في نفس محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ضلال بل هو ملك منفصل عن الرسول يسمع كلام الله ويبلغه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقولهم هذا مخالف للأدلة والإجماع. اهـ.التعليق

                    وهم أجساد، بدليل قوله تعالى: ) جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَة) [فاطر، 1]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق [24]، خلافاً لمن قال: إنهم أرواح.

                    إذا قال قائل: هل لهم عقول؟ نقولك هل لك عقل؟ ما يسأل عن هذا إلا رجل مجنون، فقد قال الله تعالى: ] لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون [ [التحريم: 6]، فهل يثني عليهم هذا الثناء وليس لهم عقول؟! )يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20]، أنقول: هؤلاء ليس لهم عقول؟! يأتمرون بأمر الله، ويفعلون ما أمر الله به ويبلغون الوحي، ونقول: ليس لهم عقول؟! أحق من يوصف بعدم العقل من قال: إنه لا عقول لهم(_10)!!

                    (_10) التعليق: تتمة فائدة : مسألة تفاضل الملائكة وصالحي البشر.
                    قال تاج الدين الفزاري: اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة.
                    لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه : كنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية.اهـ.
                    ويؤيد هذا ما جاء عن عمر عبد العزيز في هذه المسأل إلا أنه ضعيف فيه نجيح بن عبد الرحمن السندي رواه ابن العساكر.
                    وأما كونها صحابية فقد ورد عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه : (( ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم )) رواه الحاكم في المستدرك ( 4/56 ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل وإسناده صحيح.
                    كما وردت عن الشافعي رحمه الله في ( مناقب الشافعي 1/422 ) قال : ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق رب العالمين , واختلف الناس فطائفة تقول الأنبياء وطائفة تقول الملائكة.
                    فتبين من كلام الشافعي أنها مسألة مطروحة عند أهل زمنه وقبله, فكيف تكون من بدع الكلام وفضوله؟!!
                    والصحيح في المسألة : أن الصالحين من البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية فأنا الملائكة الان في الرفيق الأعلى منزهين عما يلابسه بنو آدم مستغرقون في عبادة الرب فهذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بد دخول الجنة فيصير صالحوا البشر أكمل من حال الملائكة.
                    1. قال ابن القيم رحمه الله وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويحصل كل منهم على حقه.اهـ. التعليق



                    وكتبه(1).......................................... ...................................

                    (1)
                    أي كتب الله التي أنزلها مع الرسل.

                    ولكل رسول كتاب، قال الله تعالى: )لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) [الحديد: 25]، وهذا يدل على أن كل رسول معه كتاب، لكن لا نعرف كل الكتب ، بل نعرف منها: صحف إبراهيم وموسى، التوراة، الإنجيل، الزبور، القرآن، ستة، لأن صحف موسى بعضهم يقول: هي التوراة، وبعضهم يقول: غيرها، فإن كانت التوراة، فهي خمسة، وإن كانت غيرها، فهي ستة، ولكن مع ذلك نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً (_11)
                    التعليق: والكتب جمع كتاب وهو من الكَتب بمعنى الجمع الضم..
                    فائدة: ومن الإيمان بهذه الكتب أن نؤمن بأنها ليست باقية على أصل تنزيلها بل قد حرف بعضها أو جلها ما عدا القرآن فقد ضمن الله عز وجل حفظه.
                    قال الذهبي رحمه الله في السير (6/86) ولا يشرع لأحد بعد نزول القرآن أن يقرأ التوراة ولا أن يحفظها لكونها مبدلة محرفة منسوخة العمل قد اختلط فيها الحق بالباطل فلتجتنب اهـ. التعليق

                    ورسله(1).......................................... ...............................

                    (1)
                    أي: رسل الله وهم الذين أوحى الله إليهم بالشرائع وأمرهم بتبليغها، وأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم .

                    الدليل على أن أولهم نوح: قوله تعالى: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِه) [النساء: 163]، يعني: وحياً، كإيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، وهو وحي الرسالة. وقوله: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد: 26]: ( فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّة) ، أي ذرية نوح وإبراهيم، والذي قبل نوح لا يكون من ذريته. وكذلك قوله تعالى: )وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِين) [الذاريات: 46]، قد نقول: إن قوله: (نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ): يدل على ما سبق.

                    إذاً من القرآن ثلاثة أدلة تدل على أن نوحا أول الرسل ومن السنة ما ثبت في حديث الشفاعة: "أن أهل الموقف يقولون لنوح: أنت أول رسول أسله الله إلى أهل الأرض"[25]، وهذا صريح.

                    أما آدم عليه الصلاة والسلام، فهو نبي، وليس برسول.

                    وأما إدريس، فذهب كثير من المؤرخين أو أكثرهم وبعض المفسرين أيضاً إلى أنه قبل نوح، وأنه من أجداده لكن هذا قول ضعيف جداً والقرآن والسنة ترده والصواب ما ذكرنا.

                    وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، لقوله تعالى: ( وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين) [الأحزاب: 40]، ولم يقل: وخاتم المرسلين، لأنه إذا ختم النبوة، ختم الرسالة من باب أولى.

                    فإن قلت: عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان[26] وهو رسول، فما الجواب؟.

                    نقول: هو لا ينزل بشريعة جديد، وإنما يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم .

                    فإذا قال قائل: من المتفق عليه أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعيسى يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون من أتباعه، فكيف يصح قولنا: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر؟

                    فالجواب: أحد ثلاثة وجوه :

                    أولها: أن عيسى عليه الصلاة والسلام رسول مستقل من أولي العزم ولا يخطر بالبال المقارنة بينه وبين الواحد من هذه الأمة، فكيف بالمفاضلة؟! وعلى هذا يسقط هذا الإيراد من أصله، لأنه من التنطع، وقد هلك المتنطعون، كما قال النبي[27] صلى الله عليه وسلم .

                    الثاني: أن نقول: هو خير الأمة إلا عيسى.

                    الثالث: أن نقول: إن عيسى ليس من الأمة، ولا يصح أن نقول: إنه من أمته، وهو سابق عليه، لكنه من أتباعه إذا نزل، لأن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم باقية إلى يوم القيامة.

                    فإن قال قائل: كيف يكون تابعاً، وهو يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل إلا الإسلام مع أن الإسلام يقر أهل الكتاب الجزية؟!.

                    قلنا: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إقرار له، فتكون من شرعه ويكون نسخاً لما سبق من حكم الإسلام الأول
                    التعليق: ثبت عدد الرسل وأما عدد الأنبياء فقد ضعفه بعض أهل العلم وبعضهم صحح هذا بالشواهد.
                    ولا شك أن البحث عن أسماء الأنبياء التي لم تذكر في الكتاب والسنة من من التكلف لكونها مسألة لا تعلم إلا بالنص
                    هنا مسألة وهي عصمة الأنبياء صلى الله عليهم وسلم :
                    نقول العصمة لغة : مصدر عصم وهي بمعنى المنع .
                    واصطلاحا: منع الله عبده من السقوط في القبيح من الذنوب والأخطاء ونحو ذلك.
                    واختلف مذاهب الفرق في المسألة.
                    1_ ذهب الشيعة الإمامية وتبعهم القاضي في الشفاء إلى أن الأنبياء معصومون عن جميع الأخطاء كبيرها وصغيرها عمدها وسهوها قبل النبوة وبعدها ووافقت أكثر المعتزلة على هذا إلا في الصغائر المستخفة-مايؤثر في الأداء والتعليم- قبل البعثة وبعدها.
                    2_ وذهب المتكلمون منهم الآمدي والرازي والباقلاني وبعض المعتزلة قالوا: إنهم لا يمتنع عليهم قبل النبوة الكبائر ولا الصغائر فقد قالوا: إن الأنبياء معصومون عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ من الله وأما الكفر فقد منعوه عمدا وسهوا
                    وأما الكبائر والمعاصي فقد منعوها عمدا وجوزوها سهوا وفيهم خلاف على هذا.
                    3_ وذهبت الخوارج منهم الأزارقة أنهم أجازوا بعثة نبي يعلم الله أنه يكفر بعد نبوته, والفضيلية منهم أجازوا صدور الذنوب عن الأنبياء وكل ذنب عندهم كفر.
                    4_ وذهبت الظاهرية ومنهم ابن حزم قال: إنهم معصومون بعد النبوة عن كل صغير أو كبير عمدا ولم يمتنع أن يصدر عنه سهوا من غير قصد وأنهم لا يقرون على ذلك ينبئهم الله عليه ولا بد إثر وقوعه منهم ويظهر ذلك لعباده ويبين لهم.
                    وخلاصة القول: إن الأنبياء معصومون من جهة التبليغ بالاتفاق وأنهم معصومون من الكبائر دون الصغائر وهذا قول أكثر علماء الإسلام وأما عصمة الأنبياء من الصغائر فالناس طرفي نقيض بين إفراط وتفريط والوسط في ذلك أنهم يوفقون في صغير الذنوب دون الخسة منها إلى التوبة ولكنهم لا يقرون عليها ...
                    مسألة هل في النساء نبيات؟
                    1_ نقل عن الأشعري وغيره القول بأن في النساء نبيات وحصرهن بن حزم في ست حواء, سارة, هاجر, أم موسى, آسية, مريم, أسقط القرطبي سارة وهاجر.
                    2_ القول الحق الذي عليه الإجماع قال حسن : ليس في النساء نبية ولا في الجن . وهذا هو الحق قال شيخ الإسلام :
                    وقد ذكر القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى وأبو المعالي وغيرهم الإجماع على أنه ليس في النساء نبية والقرآن دال على ذلك كما في قوله تعالى : (( ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم ))اهـ. التعليق

                    تعليق


                    • #40
                      رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                      هذه الزيادة وهي على مثل ما أنا عليه وأصحابي لا تصح انفرد بها الأفريقي عن غيره
                      بعضهم ذكر رواية عبد الله بن سفيان الخزاعي عن يحيي بن سعيد الأنصاري ذكر هذه اللفظة.
                      لكن قال العقيلي في الضعفاء : عبد الله بن سفيان عن يحيي بن سعيد لا يتابع على حديثه, وقال عقب الحديث: ليس له من حديث يحيي بن سعيد أصل وإنما يعرف هذا الحديث من حديث الإفريقي اهـ. ونقله الذهبي في الميزان مقرا له .

                      التعليق :

                      ذكرتم بارك الله فيكم أن هذه الزيادة لا تصح ولكن لو ذكرت الخلاف في تصحيح وتضعيف هذه الزيادة لكان أفضل.
                      فأقول : أن الشيخ صالح العصيمي حفظه الله قال في شرحه على العقيدة الواسطية تعليقا على هذا الحديث فقال:
                      أن هذه الزيادة لا يقويها أهل المعرفة بالحديث و حينها استغربت نوعا ما لشيوع هذا اللفظ ثم إنه بعد ذلك بمدة يسيرة وجدت الشيخ الألباني يحسن هذا الحديث بهذه الزيادة في إحدى شروح الواسطية .

                      و إليك اخي أبو علي ما ذهب اليه العلامة الالباني و ما ذكره الشيخ العلامة محدث الديار المصرية أحمد شاكر على هذه الزيادة على الرابطان التاليان :

                      الرابط الأول


                      18-تحسين الشيخ للحديث في صحيح الترمذي برقم 2641.
                      23- و يقول عنه أيضا في المشكاة أنه قوي لغيره.


                      الرابط الثاني


                      أشار العلامة أحمد شاكر رحمه الله الى صحته في مقدمة عمدة التفاسير 1/353

                      كما أريد منك اخي علي أن تتأكد من عزو الموقع الأحاديث للكتب الحديثية فمعلوم حال صاحب الموقع علوي السقاف

                      تعليق


                      • #41
                        رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                        بارك الله فيك حسنه العلامة الألباني لغيره والراجح ضعفه لما ذكر والشيخ الألباني خرج الحديث في الصحيحة : 204 فالتراجعه
                        والشيخ قوى هذه الزيادة بلفظ هي الجماعة على ما يظهر والشيخ ذكره من طريق عبد الله بن سفيان عن بن سعيد وهذا الطريق وهم كما نبه على ذلك العقيلي في الضعفاء وإنما هو من حديث الإفريقي ووهم من جعله من طريق بن سعيد

                        تعليق


                        • #42
                          رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                          قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية :

                          وَمِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ, وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ; مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ .

                          تعليق


                          • #43
                            رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                            قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية :

                            وَمِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ, وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ; مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ(1) وَلَا تَعْطِيلٍ(2)، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ(3) وَلَا تَمْثِيلٍ
                            (4)

                            يبدأ شيخ الإسلام الآن بالتفصيل بعد الإجمال وبين رحمه الله على أن إثبات الصفات تكون بالشرع لذلك قال : الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ, وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ اهـ.

                            قال ابن القيم رحمه الله في البدائع : ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي وما يطلق عليه في باب الإخبار لا يجب أن يكون توقيفيا.
                            إذا إثبات الأسماء والصفات نحتاج في لها دليل إما من الكتاب أو السنة ويثبت الأسماء والصفات من آثار الصحابة نحكم عليها بأن لها حكم الرفع وهذا المشهور عن السلف.

                            وأظني لأخينا عبد الخليفي رسالة أو رد على من أنكر أن الأسماء تثبت بقول الصحابة رضي الله عنهم

                            ويقول الإمام أحمد رحمه الله : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوز القرآن والحديث ))

                            واعلم أن من الإيمان أن نسلم لكلام الله عز وجل ونستسلم لأوامره سبحانه وتعالى وأن نتبع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور.

                            وما ذكره شيخ الإسلام هو الذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بما وصف به نفسه أو بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات المعنى خلافا لمن زعم أن أهل السنة سلفنا الصالح كانوا يقولون أننا نثبت الألفاظ دون المعاني وفي هذا عدة أمور:
                            1_ تجهيل السلف وتفضيل الخلف من هذا الباب يقولون طريقة السلف أسلم لأنهم يفوضون المعاني الاستواء يقولون لا ندري ما معنى الاستواء
                            وأما الخلف فقالوا نحن أعلم وأحكم من هؤلاء نقول الاستواء استولى
                            فلذلك قالوا إما أن تقول كما قال السلف إذا كنت من الجهال وإما أن تأول-تحرف-

                            وهذا الذي نذكره طريقة من طرق الأشاعرة :
                            أ‌- إثبات اللفظ دون المعنى.
                            ب‌- أو صرف اللفظ عن ظاهره بسبب شبهة عقلية فاسدة –هو التحريف-

                            2_ أن السلف يقرءون كلاما لا يفهمون معناه والله عز وجل أمرهم بتدبر الآيات.
                            3_ عدم الفهم إما يكون من تقصيرهم وهذا تجهيل لهم وإما أن يكون تقصر من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أشد

                            بل كيف يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم آداب الخلاء ولم يعلمهم أصل من الأصول لم يعلهم أهم الأمور وبل كيف يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يترك الأمة يكفرون بعضهم البعض ولا يخبرهم بالطريقة الصحيحة وهذا من أبطل الباطل.
                            واستقر مذهب السلف وعباراتهم أنها لا تخرج عن خمسة أمور في الغالب :
                            1_ إمرار النصوص , وهذا ما حكي عن السلف قال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه : قد ثبتت الروايات في هذا ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول كيف هكذا
                            روي عن مالك وابن عيينه وابن المبارك أنهم قالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف ) ..

                            وقولهم بلا كيف دليل على إثبات المعنى وإلا ما فائدة هذه اللفظة وكذا كان عليهم أن يقولوا ولا كيف ولا معنى

                            2_ لا كيف ولا ومعنى وهذا وجد في كلام الإمام أحمد وهنا الإشكال قلنا هذه العبارة موافقة لمذهب المفوضة والجواب كالتالي :
                            1_ أن هذه الرواية من طريق حنبل وهو معلوم عند أهل العلم عنده يأتي بأشياء غريبة :قال شيخ الإسلام في الفتاوى : فمنهم من قال : غلط حنبل لم يقل هذا وقالوا
                            حنبل له غلطات معروفة وهذه منها وهذه طريقة أبي إسحاق بن شاقلا اهـ.

                            قال ابن القيم في مختصر الصواعق (2/452) :
                            وأما الرواية المنقولة عن أحمد فاختلف فيها أصحابه على ثلاث طرق :
                            أحدها إنها غلط عليه فإن حنبلا تفرد بها عنه وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه.. والتحقيق أنها رواية شاذة مخالفة لجادة مذهبه اهـ.
                            2_ أن المقصود هنا المعنى الباطل.

                            3_ السكوت من السلف مقيد بعد التصديق : كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام : نصدق بها ونسكت ) أي نؤمن بها ونصدق بما فيها من المعاني الحقيقية اللائقة بالله عز وجل . وغير ذلك من الألفاظ المعروفة عن السلف.



                            وهنا أصول لابد من معرفتها :
                            أ_ أن أسماء الله عز وجل وصفاته غير محصورة بعدد وأما حديث ((إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة )) فليس فيه حصر
                            وقد نقل الإجماع على عدم الحصر النووي مع وجود مخالف ولعله لم يلتفت إليهم وهم
                            ابن حزم وابن الكج أو الكنج شك مني.
                            ب_ الإيمان بالصفة وما دلت عليه من المعنى وبما تعلق بها من الآثار فتؤمن بأنه الرحمن متصفة بصفة الرحمة وأنه يرحم عباده
                            ت_ طريقة أهل السنة والجماعة الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات كما دل على ذلك الكتاب والسنة وهذه القاعدة أغلبية
                            ومعناه أن عند النفي يكون النفي مجملا ك (ليس مثله شيء) وأما عند الإثبات لابد من التفصيل ك ( وهو السميع البصير )

                            وهنا أنقل مشاركة لي كتبتها :
                            يقول شيخ الإسلام رحمه الله :
                            فإن الله بعث الرسل بالإثبات المفصل والنفي المجمل فأخبروا أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع وأنه يحب ويبغض ويتكلم ويغضب وأنه استوى على العرش وغير ذلك مما أخبرت به الرسل وقالوا في النفي ما قاله الله عز وجل (( ليس كمثله شيء )) (( ولم يكن له كفوا أحد )) (( هل تعلم له سميا )) (1) وأما أعداؤهم في هذا الباب من المشركين ومن وافقهم من الصابئين المتفلسفة ونحوهم فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل ويطلقون عبارات مجملة اهـ نكمل كلامه رحمه الله في آخر المقال. (بيان تلبيس الجهمية : 1/72)

                            وقال رحمه الله : والرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل وهؤلاء ناقضوهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل فإن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه حكيم عزيز غفور ودود وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وأنه كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا وأنه أنزل على عبده الكتاب إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته وقال في النفي والتنزيه ((ليس كمثله شيء)) سورة الشورى 11 ((ولم يكن له كفوا أحد)) ((هل تعلم له سميا)) سورة مريم 65 وهؤلاء الملاحدة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل فقالوا في النفي ليس بكذا ولا كذا ولا كذا فلا يقرب من شيء ولا يقرب منه شيء ولا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا له كلام يقوم به ولا له حياة ولا علم ولا قدرة ولا غير ذلك ولا يشار إليه ولا يتعين ولا هو مباين للعالم ولا حال فيه ولا داخلة ولا خارجة إلى أمثال العبارات السلبية اهـ. (الصفدية : 1/116 الكتاب من الشابكة )


                            (1)والمقصود تعيين الصفات ذكر الصفات معينة مخصصة هذا في المفصل وأما في المجمل فالمقصود أن ينفى عن الله النقائص على سبيل الإجمال.
                            والأدلة على هذه القاعدة كثيرة من الكتاب والسنة منها قول الله عز وجل (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )).


                            فالأصل في الإثبات التفصيل وذلك لغرض جليل, وهو:
                            قطع السبيل على أهل التعطيل والتحريف وذلك بذكرها مفصلة وأن مراده حقيقتها.

                            والأصل عند السلف في الصفات السلبية هو الإجمال وقد يأتي مفصلا وذلك لأمور
                            1_ نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون المفترون كقوله تعالى : (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله )) فهم لما قالوا لله سبحانه وتعالى ولد فصل الله عز وجل في الرد عليهم وبين أنه تعالى ليس له ولد ولا كان معه إله.

                            2_ دفع توهم نقص في كماله كقوله تعالى : (( ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ))
                            هذه هي الطريقة الصحيحة في هذا الباب وأما الفجرة فطريقتهم معروفة

                            يقول شيخ الإسلام رحمه الله :
                            عكسوا القضية فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل يقولون ليس كذا ليس كذا ليس كذا فإذا أرادوا إثباته قالوا وجود مطلق بشرط النفي أو بشرط الإطلاق وهم يقرون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج فليس في الخارج حيوان مطلق بشرط الإطلاق ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق ولا موجود مطلق بشرط الإطلاق اهـ ( اقتضاء الصراط :1/465 الكتاب من الشابكة )

                            ث_ أن النفي يكون مع إثبات كمال ضده ننفي عن الله الظلم لكمال عدله وإلا النفي المحض ليس بمدح ولا يمكنني التفصيل الآن .
                            وغير ذلك من القواعد لم أنقلها خشية الإطالة.

                            وقول الشيخ رحمه الله : من الإيمان : تنبيه على أن هذا بعض الإيمان بالله وذلك لأن الإيمان بالله يشمل ثلاثة أشياء :
                            . الإيمان بأن الله عز وجل واحد في ربوبيته.
                            .الإيمان بأن الله عز وجل واحد في ألوهيته.
                            .الإيمان بأن الله واحد في أسمائه وصفاته.
                            فالإيمان بتوحيد الأسماء والصفات هو بعض الإيمان بالله عز وجل .
                            (1 وقول شيخ الإسلام من غير تحريف التحريف في الأصل مأخوذ من قولهم : حرفت الشيء عن وجهه حرفا , من باب ضرب إذا أملته وغيّرته
                            وتحريف الكلام إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ إلا باحتمال مرجوح فلا بد فيه من قرينة تبين أنه المراد.

                            والتحريف لا فيه من أمرين :
                            1_ نفي المعنى الحق.
                            2_ الإتيان بمعنى جديد لا يدل عليه السياق.

                            فائدة: التحريف نزعة يهودية الأصل لقوله تعالى : (( يحرّفون الكلم عن مواضعه )) ثم تبعهم من هذه الأمة الرافضة –مع كفرهم- فهم أشه بهم : القذة بالقذة والجهمية إنما سلكوا مسلك إخوانخم اليهود فلم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن فحرفوا معانيه وفتحوا باب التأويل.

                            والتحريف على أنواع :
                            1_ تحريف لفظي وهو قد يكون بحركة إعرابية مثل (( وكلمَ اللهُ موسَى )) فيجعلها المحرف (وكلم الله) بالنصب وذلك ليجعل المتكلم هو موسى عليه السلام.
                            وقد يكون بغير حركة إعرابية.
                            2_ معنوي : كقولهم في الآية (( وكلم الله موسى )) قال: جرحه بأظفار الحكمة.

                            ويقول شيخ الإسلام ابن القيم رحمة الله عليه : الكلام نوعان : خبر وطلب . فتأويل الخبر هو الحقيقة وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود والمتوعد به
                            وتأويل ما أخبر الله بهمن صفاتهوأفعاله نفس ماهو عليه سبحانه وما هو موصوف به من الصفات العلى .
                            وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها . قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده : (( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك يتأول القرآن )) فهذا التأويل هو نفس فعل المأمور به . فهذا التأويل في كلام الله ورسوله .

                            وأما التأويل في اصطلاح أهل التفسير : ..فمرادهم به معنى التفسير والبيان...فهذا التأويل يرجع إلى فهم المعنى وتحصيله في الذهن , والأول يعود إلى وقوع حقيقته في الخارج .

                            وأما المعتزله والجهمية.... فمرادهم بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول والفقه . ولهذا يقولون : التأويل على خلاف الأصل والتأويل يحتاج إلى دليل .

                            مصدر : صواعق المرسلة :ص : 175-178 )) بتصرف يسير

                            وتأمل هنا ابن تيمية رحمه الله قال تحريف ولم يقل التأويل لأن كلمة التأويل تحتمل معنى صحيح موافق للكتاب والسنة لذلك أهل التحريف يستعملون هذه الكلمة وإذا صرحوا بأن ما يقولون به هو التحريف لما قبل كلامهم الناس.



                            (2) ثم قوله رحمه الله ولا تعطيل والتعطيل مأخوذ من العطل الذي هو الترك
                            ومنه قوله تعالى : (( وبئر معطلة ))

                            والفرق بينه وبين التحريف :
                            أن التعطيل فهو نفي المعنى الحق فقط دون التعرض لتفسيره.
                            وأما التحريف فقد سبق يعطل المعنى الصحيح ثم يأتي بمعنى مخالف لمعنى الصحيح.
                            وينقسم التعطيل إلى قسمين :
                            1_ تعطيل محض , وهو تعطيل الملاحدة الدهرية الطباعئية الذين ينكرون ما سوى هذا الوجود الذي يشاهده الناس ويحسونه ...
                            2_ تعطيل جزئي , وهو يتفاوت عند اصحابه بقدر معتقدهم وهم على أربع طوائف:
                            الأشاعرة ومن وافقهم من الماتريدية
                            المعتزلة ومن وافقهم من أهل الكلام.
                            الجهمية والقرامطة والباطنية
                            غلاة الجهمية والفلاسفة .

                            (3) ثم قال رحمه الله ومن غير تكييف قال الفيومي في المصباح : وكيفية الشيء : حاله وصفته. اهـ.
                            واصطلاحا : هو اعتقاد أن صفات الخالق على كيفية كذا أو يسأل عنها بكيف بدون أن يقيدها بمماثل.
                            إذا المكيف لا يأتي بمماثل مشاهد في الخارج لكن يكفيه في ذهنه بشيء خيالي.

                            فائدة : كل شيء لا بد ان يكون على كيفية ما ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف إذا لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه.

                            قال ابن القيم رحمه الله : مراد السلف بقولهم : (بلا كيف) هو نفي التأويل فإن التكييف الذي يزعمه أهل التأويل –الذين يثبتون كيفية تخالف الحقيقة- يقعون في ثلاثة محاذير: 1_ نفي الحقيقة 2_ إثبات التكييف بالتأويل 3_ تعطيل الرب عن صفاته (اجتماع الجيوش :8)

                            0
                            (4 ) وأما التمثيل قال ابن فارس : الميم والثاء واللام أصل صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء اهـ.
                            وأما اصطلاحا فهو أنواع :
                            1_ تمثيل المخلوق بالخالق كفعل النصاري
                            2_ تمثيل الخالق بالمخلوق كفعل بعض الشيعة أن الله جسم مثل شاب كبير الحجم سبحان الله وتنزه عما يقولون.
                            3_ تمثيل الخالق بالممتنعات وهذا كفعل الفلاسفة وغلاة الجهمية مثل قولهم لا موجود ولا معدوم ويراجع في هذا التدمرية.
                            4_ تمثيل الخالق بالمعدومات كالجهمية.

                            وبهذا القدر أكتفي

                            تعليق


                            • #44
                              رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.


                              أخي الفاضل أبو علي الأثري :
                              فيما يخص تصحيح وتضعيف زيادة ما أنا عليه و أصحابي أحيلكم بارك الله فيكم على رسالة لسليم الهلالي هداه الله لعلكم تجدون فيها مبتغاكم وهي بعنوان :
                              "درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه والأصحاب" ولا أدري هل اهل العلم ينصحون بالاستفادة من رسائله قبل أن يحصل ما حصل ام لا المهم ينبغي التنبه الى هذه النقطة
                              ولقد بحثت عنها في الشابكة فلم أجدها فمن وجدها من الاخوة فليفدنا بها و جزاكم الله خيرا.

                              تعليق


                              • #45
                                رد: تعالوا نتدارس متن العقيدة الواسطية لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله.

                                قال العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

                                ومن الإيمان بالله(1): الإيمان بما وصف به نفسه(2).................................................. .

                                (1) (من): هنا للتبعيض، لأننا ذكرنا أن الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده، وانفراده بالربوبية، وبالألوهية، وبالأسماء والصفات، يعني: بعض الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه.
                                (2) قوله: "بما وصف به نفسه" ينبغي أن يقال: وسمى به نفسه لكن المؤلف رحمه الله ذكر الصفة فقط: إما لأنه ما من اسم إلا ويتضمن صفة، أو لأن الخلاف في الأسماء خلاف ضعيف، لم ينكره إلى غلاة الجهمية والمعتزلة، فالمعتزلة يثبتون الأسماء، والأشاعرة والماتريدية يثبتون الأسماء، لكن يخالفون أهل السنة في أكثر الصفات.
                                فنحن الآن نقول: لماذا اقتصر المؤلف على "ما وصف الله به نفسه"؟
                                نقول: لأحد أمرين: إما لأن كل اسم يتضمن صفة، وإما لأن الخلاف في الأسماء قليل بالنسبة للمنتسبين للإسلام.
                                في كتابه(1).................................................. ........................................
                                (1) "في كتابه": (كتابه) يعني: القرآن، وسماه الله تعالى كتاباً لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي السفرة الكرام البررة، ومكتوب كذلك بين الناس يكتبونه في المصاحف، فهو كتاب بمعنى مكتوب، وأضافه الله إليه، لأنه كلامه سبحانه وتعالى، فهذا القرآن كلام الله، تكلم به حقيقة، فكل حرف منه، فإن الله قد تكلم به وفي هذه الجملة مباحث:
                                المبحث الأول: أن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه:
                                ووجه ذلك أن الإيمان بالله ـ كما سبق ـ يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته، فإنه ذات الله تسمى بأسماء وتوصف بأوصاف، ووجود ذات مجردة عن الأوصاف أمر مستحيل، فلا يمكن أن توجد ذات مجردة عن الأوصاف أبداً، وقد يفرض الذهن أن هناك ذاتاً مجردة من الصفات لكن الفرض ليس كالأمر الواقع، أي أن المفروض ليس كالمشهود، فلا يوجد في الخارج ـ أي: في الواقع المشاهد ـ ذات ليس لها صفات أبداً.
                                فالذهن قد يفرض مثلاً شيئاً له ألف عين، في كل ألف عين ألف سواد وألف بياض، وله ألف رجل، في كل رجل ألف إصبع، في كل إصبع ألف ظفر، وله ملايين الشعر، في كل شعرة ملايين الشعر.... وهكذا يفرضه وإن لم يكن له واقع، لكن الشيء الواقع لا يمكن أن يوجد شيء بدون صفة.
                                لهذا، كان الإيمان بصفات الله من الإيمان بالله، لو لم يكن من صفات الله إلا أنه موجود واجب الوجود، وهذا باتفاق الناس، وعلى هذا، فلا بد أن يكون له صفة.
                                المبحث الثاني: أن صفات الله عز وجل من الأمور الغيبية، والواجب على الإنسان نحو الأمور الغيبية: أن يؤمن بها على ما جاءت دون أن يرجع إلى شيء سوى النصوص.
                                قال الإمام أحمد: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث".
                                يعني أننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
                                ويدل لذلك القرآن والعقل:
                                ففي القرآن: يقول الله عز وجل: )قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف، 33]، فإذا وصفت الله بصفة لم يصف الله بها نفسه، فقد قلت عليه مالا تعلم وهذا محرم بنص القرآن.
                                ويقول الله عز وجل: )وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36]، ولو وصفنا الله بما لم يصف به نفسه، لكنا قفونا ما ليس لنا به علم، فوقعنا فيما نهى الله عنه.
                                وأما الدليل العقلي، فلأن صفات الله عز وجل من الأمور الغيبية ولا يمكن في الأمور الغيبية أن يدركها العقل، وحينئذ لا نصف الله بما لم يصف به نفسه، ولا نكيف صفاته، لأن ذلك غير ممكن.
                                نحن الآن لا ندرك ما وصف الله به نعيم الجنة من حيث الحقيقة مع أنه مخلوق، في الجنة فاكهة ونخل ورمان وسرر وأكواب وحور ونحن لا ندرك حقيقة هذه الأشياء، ولو قيل: صفها لنا، لا نستطيع وصفها، لقوله تعالى: )فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17]، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"
                                [31]
                                .
                                فإذا كان هذا في المخلوق الذي وصف بصفات معلومة المعنى ولا تعلم حقيقتها، فكيف بالخالق؟!
                                مثال آخر: الإنسان فيه روح، لا يحيا إلا بها، لولا أن الروح في بدنه ما حيي ولا يستطيع أن يصف الروح لو قيل له: ما هذه الروح التي بك؟ ما هي التي لو نزعت منك، صرت جثة، وإذا بقيت فأنت إنسان تعقل وتفهم وتدرك؟ لجلس ينظر ويفكر فلا يستطيع أن يصفها أبداً مع أنها قريبة، منه، في نفسه وبين جنبيه، ويعجز عن إدراكها مع أنها حقيقة، يعني: شيء يرى، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بـ" أن الروح إذا قبض، تبعه البصر"
                                [32]
                                ، فالإنسان يرى نفسه وهي مقبوضة، ولهذا تبقى العين مفتوحة عند الموت تشاهد الروح وهي قد خرجت، وتؤخذ هذه الروح وتجعل في كفن ويصعد بها إلى الله ومع ذلك ما يستطيع أن يصفها وهي بين جنبيه، فكيف يحاول أن يصف الرب بأمر لم يصف به نفسه! ولا بد إذاً تحقق ثبوت الصفات لله.
                                المبحث الثالث: أننا لا نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه.
                                ودليل ذلك أيضاً من السمع والعقل:
                                ذكرنا من السمع آيتين.
                                وأما من العقل، فقلنا: إن هذا أمر غيبي، لا يمكن إدراكه بالعقل، وضربنا لذلك مثلين.
                                المبحث الرابع: وجوب إجراء النصوص الواردة في الكتاب والسنة على ظاهرها، لا نتعداها.
                                مثال ذلك: لما وصف الله نفسه بأن له عيناً، هل نقول: المراد بالعين الرؤية لا حقيقة العين؟ لو قلنا ذلك، ما وصفنا الله بما وصف به نفسه.
                                ولما وصف الله نفسه بأن له يدين: ) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )(المائدة: من الآية64) ، لو قلنا: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، بل المراد باليد ما يسبغه من النعم على عباده، فهل وصفنا الله بما وصف به نفسه؟ لا!
                                المبحث الخامس: عموم كلام المؤلف يشمل كل ما وصف الله به نفسه من الصفات الذاتية المعنوية والخبرية والصفات الفعلية.
                                فالصفات الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها وهي نوعان: معنوية وخبرية:
                                فالمعنوية، مثل: الحياة، والعلم، القدرة، والحكمة... وما أشبه ذلك، وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر.
                                والخبرية، مثل: اليدين، والوجه، والعينين... وما أشبه ذلك مما سماه، نظيره أبعاض وأجزاء لنا.
                                فالله تعالى لم يزل له يدان ووجه وعينان لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حياً ولا يزال حياً، لم يزل عالماً ولا يزال عالماً، ولم يزل قادراً ولا يزال قادراً... وهكذا، يعنى ليس حياته تتجدد، ولا قدرته تتجدد، ولا سمعه يتجدد بل هو موصوف بهذا أزلاً وأبداً، وتجدد المسموع لا يستلزم تجدد السمع، فأنا مثلاً عندما أسمع الأذان الآن فهذا ليس معناه أنه حدث لي سمع جديد عند سماع الأذان بل هو منذ خلقه الله فيَّ لكن المسموع يتجدد وهذا لا أثر له في الصفة.
                                واصطلح العلماء رحمهم الله على أن يسموها الصفات الذاتية، قالوا: لأنها ملازمة للذات، لا تنفك عنها.
                                والصفات الفعلية هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
                                صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضى، فالله عز وجل إذا وجد سبب الرضى، رضي، كما قال تعالى: )إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
                                وصفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
                                ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين، فالكلام صفة فعلية باعتبار آحاده لكن باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً لكنه يتكلم بما شاء متى شاء، كما سيأتي في بحث الكلام إن شاء الله تعالى.
                                اصطلح العلماء رحمهم الله أن يسموا هذه الصفات الصفات الفعلية، لأنها من فعله سبحانه وتعالى.
                                ولها أدلة كثيرة من القرآن، مثل: )وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) [الفجر: 22]، )هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ)(الأنعام: من الآية15 ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) [المائدة: 119]، ) وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُم) [التوبة: 46]، ) أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة: 80].
                                وليس في إثباتها لله تعالى نقص بوجه من الوجوه بل هذا من كماله أن يكون فاعلاً لما يريد.
                                وأولئك القوم المحرفون يقولون: إثباتها من النقص! ولهذا ينكرون جميع الصفات الفعلية، يقولون: لا يجيء ولا يرضى، ولا يسخط ولا يكره ولا يحب.. ينكرون كل هذه، بدعوى أن هذه حادثة والحادث لا يقوم إلا بحادث وهذا باطل، لأنه في مقابلة النص، وهو باطل بنفسه، فإنه لا يلزم من حدوث الفعل حدوث الفاعل.
                                المبحث السادس: أن العقل لا مدخل له في باب الأسماء والصفات:
                                لأن مدار إثبات الأسماء والصفات أو نفيها على السمع، فعقولنا لا تحكم على الله أبداً، فالمدار إذاً على السمع، خلافاً للأشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل التعطيل، الذين جعلوا المدار في إثبات الصفات أو نفيها على العقل، فقالوا: ما اقتضى العقل إثباته، أثبتناه، سواء أثبته الله لنفسه أم لا! وما اقتضى نفيه، نفيناه، وإن أثبته الله! وما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه، فأكثرهم نفاه، وقال: إن دلالة العقل إيجابية، فإن أوجب الصفة، أثبتناها، وإن لم يوجبها، نفيناها! ومنها من توقف فيه، فلا يثبتها لأن العقل لا يثبتها لكن لا ينكرها، لأن العقل لا ينفيها، ويقول: نتوقف! لأن دلالة العقل عند هذا سلبية، إذا لم يوجب، يتوقف ولم ينف!
                                فصار هؤلاء يحكمون العقل فيما يجب أو يمتنع على الله عز وجل.
                                فيتفرغ على هذا: ما اقتضى العقل وصف الله به، وصف الله به وإن لم يكن في الكتاب والسنة، وما اقتضى العقل نفيه عن الله، نفوه، وإن كان في الكتاب والسنة.
                                ولهذا يقولون: ليس لله عين، ولا وجه، ولا له يد، ولا استوى على العرش، ولا ينزل إلى السماء الدنيا لكنهم يحرفون ويسمون تحريفهم تأويلاً ولو أنكروا إنكار جحد، لكفروا، لأنهم كذبوا لكنهم ينكرون إنكار ما يسمونه تأويلاً وهو عندنا تحريف.
                                والحاصل أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله وصفاته فإن قلت: قولك هذا يناقض القرآن، لأن الله يقول: ) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْما) [المائدة: 50] والتفضيل بين شيء وآخر مرجعه إلى العقل وقال عز وجل ) وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) [النحل: 60] وقال: )أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17] وأشباه ذلك مما يحيل الله به على العقل فيما يثبته لنفسه وما ينفيه عن الآلهة المدعاة؟
                                فالجواب أن نقول: إن العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات، لكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم أن الرب لا بد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص.
                                فمثلاً: يدرك بأنه لابد أن يكون الرب سميعاً بصيراً، قال إبراهيم: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِر) [مريم: 42].
                                ولابد أن يكون خالقاً، لأن الله قال: ]َفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ[ [النحل: 17] )وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئا) [النحل: 20].
                                يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم، لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: )وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل: 20]، إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالعقل.
                                العقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنعة على الله، لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عنه العجز، لأنه صفة نقص، إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز، فلا يمكن!
                                إذاً، العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصم كذلك والجهل كذلك.... وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع.
                                سؤال: هل كل ما هو كمال فينا يكون كمالاً في حق الله، وهل كل ما هو نقص فينا يكون نقصاً في حق الله؟
                                الجواب: لا، لأن المقياس في الكمال والنقص ليس باعتبار ما يضاف للإنسان، لظهور الفرق بين الخالق والمخلوق، لكن باعتبار الصفة من حيث هي صفة، فكل صفة كمال، فهي ثابته لله سبحانه وتعالى.
                                فالأكل والشرب بالنسبة للخالق نقص، لأن سببهما الحاجة، والله تعالى غني عما سواه، لكن هما بالنسبة للمخلوق كمال ولهذا، إذا كان الإنسان لا يأكل، فلا بد أن يكون عليلاً بمرض أو نحوه هذا نقص.
                                والنوم بالنسبة للخالق نقص، وللمخلوق كمال، فظهر الفرق.
                                التكبر كمال للخالق ونقص للمخلوق، لأنه لا يتم الجلال والعظمة إلا بالتكبر حتى تكون السيطرة كاملة ولا أحد ينازعه.. ولهذا توعد الله تعالى من ينازعه الكبرياء والعظمة، قال: "من نازعني واحداً منهما عذبته"
                                [33]
                                .
                                فالمهم أنه ليس كل كمال في المخلوق يكون كمالاً في الخالق ولا كل نقص في المخلوق يكون نقصاً في الخالق إذا كان الكمال أو النقص اعتبارياً.
                                هذه ستة مباحث تحت قوله: "ما وصف به نفسه" وكلها مباحث هامة، وقدمناها بين يدي العقيدة، لأنه سينبني عليها ما يأتي إن شاء الله تعالى.
                                وبما وصف به رسوله(1).................................................. .............................
                                (1) قوله: "وبما وصفه به رسوله": ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما بالقول، أو بالفعل، أو بالإقرار.
                                أ-أما القول ، مثل "ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك. أمرك في السماء والأرض"
                                [34]
                                وقوله في يمينه: "
                                لا ومقلب القلوب"[35].
                                ب- وأما الفعل، فهو أقل من القول، مثل إشارته إلى السماء يستشهد الله على إقرار أمته بالبلاغ، وهذا في حجة الوداع في عرفة، خطب الناس، وقال: "
                                ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم ثلاث مرات. قال "اللهم! أشهد" يرفع إصبعه إلى السماء، وينكتها إلى الناس[36]. فرفع إصبعه إلى السماء، هذا وصف الله تعالى بالعلو عن طريق الفعل.
                                وجاءه رجل وهو يخطب الناس يوم الجمعة، قال: يا رسول الله! هلكت الأموال.. فرفع يديه
                                [37] وهذا أيضاً وصف لله بالعلو عن طريق الفعل.
                                وغير ذلك من الأحاديث التي فيها فعل النبي عليه الصلاة والسلام إذا ذكر صفة من صفات الله.
                                وأحياناً يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام الصفة من صفات الله بالقول ويؤكدها بالفعل، وذلك حينما تلا قوله تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء: 58] فوضع إبهامه على أذنه اليمنى، والتي تليها على عينه وهذا إثبات للسمع والبصر بالقول والفعل
                                [38].
                                وحينئذ نقول: إن إثبات الرسول عليه والسلام للصفات يكون بالقول ويكون بالفعل، مجتمعين ومنفردين.
                                جـ- أما الإقرار، فهو قليل بالنسبة لما قبله، مثل: إقراره الجارية التي سألها: "
                                أين الله؟" قالت: في السماء. فأقرها وقال: "أعتقها"[39].
                                وكإقراره الحبر من اليهود الذي جاء وقال للرسول عليه الصلاة والسلام: إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع والثرى على إصبع.. آخر الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقوله
                                [40]، وهذا إقرار.
                                إذا قال قائل: ما وجه وجوب الإيمان بما وصف الرسول به ربه أو: ما دليله؟
                                نقول: دليله قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْل) [النساء: 136]، وكل آية فيها ذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ، فهي دالة على وجوب قبول ما أخبر به من صفات الله، لأنه أخبر بها وبلغها إلى الناس، وكل ما أخبر به، فهو تبليغ من الله، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بالله وأنصح الناس لعباد الله وأصدق الناس فيما قال، وأفصح الناس في التعبير، فاجتمع في حقه من صفات القبول أربع: العلم والنصح، والصدق، والبيان، فيجب علينا أن نقبل كل ما أخبر به عن ربه، وهو ـ والله ـ أفصح وأنصح وأعلم من أولئك القوم الذين تبعهم هؤلاء من المناطقة والفلاسفة، ومع هذا يقول: "سبحان لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
                                [41].
                                من غير تحريف(1).................................................. ....................................
                                (1) في هذه الجملة بيان صفة إيمان أهل السنة بصفات الله تعالى، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بها إيماناً خالياً من هذه الأمور الأربعة: التحريف والتعطيل، والتكييف، والتمثيل.
                                فالتحريف: التغيير وهو إما لفظي وإما معنوي، والغالب أن التحريف اللفظي لا يقع، وإذا وقع، فإنما يقع من جاهل، فالتحريف اللفظي يعني تغيير الشكل، فمثلاً: فلا تجد أحداً يقول: "الحمد لله رب العالمين" بفتح الدال، إلا إذا كان جاهلاً.. هذا الغالب!
                                لكن التحريف المعنوي هو الذي وقع فيه كثير من الناس.
                                فأهل السنة والجماعة إيمانهم بما وصف الله به نفسه خال من التحريف، يعني: تغيير اللفظ أو المعنى.
                                وتغيير المعنى يسميه القائلون به تأويلاً ويسمون أنفسهم بأهل التأويل، لأجل أن يصبغوا هذا الكلام صبغة القبول، لأن التأويل لا تنفر منه النفوس ولا تكرهه، لكن ما ذهبوا إليه في الحقيقة تحريف، لأنه ليس عليه دليل صحيح، إلا أنهم لا يستطيعون أن يقولوا: تحريفاً! ولو قالوا: هذا تحريف، لأعلنوا على أنفسهم برفض كلامهم.
                                ولهذا عبر المؤلف رحمه الله بالتحريف دون التأويل مع أن كثيراً ممن يتكلمون في هذا الباب يعبرون بنفي التأويل، يقولون: من غير تأويل، لكن ما عبر به المؤلف أولى لوجوه أربعة:
                                الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن، فإن الله تعالى قال: ) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46]، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى من غيره، لأنه أدل على المعنى.
                                الوجه الثاني: أنه أدل على الحال، وأقرب إلى العدل، فالمؤول بغير دليل ليس من العدل أن تسميه مؤولاً، بل العدل أن نصفه بما يستحق وهو أن يكون محرفاً.
                                الوجه الثالث: أن التأويل بغير دليل باطل، يجب البعد عنه والتنفير منه، واستعمال التحريف فيه أبلغ تنفيراً من التأويل، لأن التحريف لا يقبله أحد، لكن التأويل لين، تقبله النفس، وتستفصل عن معناه، أما التحريف، بمجرد ما نقول: هذا تحريف. ينفر الإنسان منه، إذا كان كذلك، فإن استعمال التحريف فيمن خالفوا طريق السلف أليق من استعمال التأويل.
                                الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"
                                [42]، وقال الله تعالى: ) وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم) [آل عمران: 7]، فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
                                والتأويل ليس كله مذموما ، لأن التأويل له معان متعددة ، يكون بمعنى التفسير ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
                                (أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون: تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أولنا الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه المراد به.
                                (ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.
                                مثاله في الخبر قوله تعالى )هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومال ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت رسل ربنا بالحق.
                                ومنه قول يوسف لما خر له أبواه وأخوته سجداً قال: ) هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْل) [يوسف: 100]: هذا وقوع رؤياي، لأنه قال ذلك بعد أن سجدوا له.
                                ومثاله في الطلب قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى: )إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1]، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن
                                [43]. أي: يعمل به.
                                (جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول، وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب باب التحريف، وليس من باب التأويل.
                                وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
                                مثاله قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل: معنى ( اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله.
                                فأما قوله تعالى )أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوه) [النحل: 1]، فمعنى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ(، أي سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه دليل وهو قوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوه(.
                                وكذلك قوله تعالى: )فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة، فالتأويل صحيح.
                                وكذلك قول أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال: "
                                أعوذ بالله من الخبث والخبائث"[44]، فمعنى "إذا دخل": إذاً أراد أن يدخل، لأن ذكر الله لا يليق داخل هذا المكان، فلهذا حملنا قوله "إذا دخل" على: إذ أراد أن يدخل: هذا التأويل الذي دل عليه صحيح، ولا يعدو أن يكون تفسيراً.
                                ولذلك قلنا: إن التعبير بالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى، لأنه الذي جاء به القرآن، ولأنه ألصق بطريق المحرف، ولأنه أشد تنفيراً عن هذه الطريقة المخالفة لطريق السلف، ولأن التحريف كله مذموم، بخلاف التأويل، فإن منه ما يكون مذموماً ومحموداً، فيكون التعبير بالتحريف أولى من التعبير بالتأويل من أربعة أوجه.
                                ولا تعطيل(1).................................................. .......................................
                                (1) التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: ) وَبِئْرٍ مُعَطَّلَة) [الحج: 45]، أي: مخلاة متروكة.
                                والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً.
                                فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات الله ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً.
                                فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
                                قلنا: التحريف في الدليل والتعطيل في المدلول، فمثلاً:
                                إذا قال قائل: معنى قوله تعالى ) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان) [المائدة: 64]، أي بل قوتاه هذا محرف للدليل، ومعطل للمراد الصحيح، لأن المراد اليد الحقيقية، فقد عطل المعنى المراد، وأثبت معنى غير المراد. وإذا قال: بل يداه مبسوطتان، لا أدري! أفوض الأمر إلى الله، لا أثبت اليد الحقيقية، ولا اليد المحرف إليها اللفظ. نقول: هذا معطل، وليس بمحرف، لأنه لم يغير معنى اللفظ، ولم يفسره بغير مراده، لكن عطل معناه الذي يراد به، وهو إثبات اليد لله عز وجل.
                                أهل السنة والجماعة يتبرءون من الطريقتين: الطريقة الأولى: التي هي تحريف اللفظ بتعطيل معناه الحقيقي المراد إلى معنى غير مراد. والطريقة الثانية: وهي طريقة أهل التفويض، فهم لا يفوضون المعنى كما يقول المفوضة بل يقولون: نحن نقول: ( بَلْ يَدَاهُ)، أي: يداه الحقيقيتان ( مَبْسُوطَتَان )، وهما غير القوة والنعمة.
                                فعقيدة أهل السنة والجماعة بريئة من التحريف ومن التعطيل.
                                وبهذا تعرف ضلال أو كذب من قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض، هؤلاء ضلوا إن قالوا ذلك عن جهل بطريقة السلف، وكذبوا إن قالوا ذلك عن عمد، أو نقول: كذبوا على الوجهين على لغة الحجاز، لأن الكذب عند الحجازيين بمعنى الخطأ.
                                وعلى كل حال، لا شك أن الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة هو التفويض، أنهم أخطئوا، لأن مذهب أهل السنة هو إثبات المعنى وتفويض الكيفية.
                                وليعلم أن القول بالتفويض ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ من شر أقوال أهل البدع والإلحاد!
                                عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها. لكن يقول شيخ الإسلام: هذا من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍‍‌‍.
                                وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول صلى الله عليه وسلم واستطالة للفلاسفة.
                                تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: ) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) [النحل: 89]، وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن تبياناً لكل شيء؟‌‍ أين البيان؟
                                إن هؤلاء يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري، فغيره من باب أولى.
                                وأعجب من ذلك يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، ولا يدري ما معناه يقول: "
                                ربنا الله الذي في السماء"[45]، وإذا سئل عن هذا؟ قال: لا أدري وكذلك في قوله: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"[46] وإذا سئل ما معنى "ينزل ربنا"؟ قال: لا أدري.... وعلى هذا، فقس.
                                وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم بل هذا من أكبر القدح رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى آيات الصفات وأحاديثها وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معنى ذلك كله.
                                فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول.
                                وفيه فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقال: أنتم لا تعرفون شيئاً، بل نحن الذين نعرف، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، وقالوا: كوننا نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً وذهبوا يتكلمون بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته!! ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم، لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم! ففتحوا باب شرور عظيمة، ولهذا جاءت العبارة الكاذبة: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"!.
                                يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "هذه قالها بعض الأغبياء" وهو صحيح، أن القائل غبي.
                                هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً، "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم؟! لا يوجد سلامة بدون علم وحكمة أبداً! فالذي لا يدري عن الطريق، لا يسلم، لأنه ليس معه علم، لو كان معه علم وحكمة، لسلم، فلا سلامة إلا بعلم وحكمة.
                                إذا قلت: إن طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول: هي أعلم وأحكم وإلا لكنت متناقصاً.
                                إذاً، فالعبارة الصحيحة: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وهذا معلوم.
                                وطريقة الخلف ما قاله القائل:
                                لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
                                فلم أرد إلا واضعا كف حائر على ذقـن أو قارعاً سـن نادم
                                هذه الطريقة التي يقول عنها: إنه ما وجد إلا واضعاً كف حائر على ذقن. وهذا ليس عنده علم، أو آخر: قارعاً سن نادم لأنه لم يسلك طريق السلامة أبداً.
                                والرازي وهو من كبرائهم يقول:
                                نهايــة إقدام العقـول عقـال وأكثر سعي العالمين ضـلال
                                وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانــا أذى ووبـال
                                ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
                                ثم يقول: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] ) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب)(فاطر: 10) ،وأقرأ في النفي) وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما) [طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي" أهؤلاء نقول: إن طريقتهم أعلم وأحكم؟!
                                الذي يقول: "إني أتمنى أن أموت على عقيدة عجائز نيسابور" والعجائز من عوام الناس، يتمنى أن يعود إلى الأميات! هل يقال: إنه أعلم وأحكم؟!
                                أين العلم الذي عندهم؟!
                                فتبين أن طريقة التفويض طريق خاطئ، لأنه يتضمن ثلاث مفاسد: تكذيب القرآن، وتجهيل الرسول، واستطالة الفلاسفة! وأن الذين قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض كذبوا على السلف! ، بل هم يثبتون اللفظ والمعنى ويقررونه، ويشرحونه بأوفى شرح.
                                أهل السنة والجماعة لا يحرفون ولا يعطلون، ويقولون بمعنى النصوص كما أراد الله: ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) [الأعراف: 54]، بمعنى: علا عليه وليس معناه: استولى. ]بيده[: يد حقيقية وليست القوة ولا نعمة، فلا تحريف عندهم ولا تعطيل.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X