إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء (الحلقة الأولى والثانية)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء (الحلقة الأولى والثانية)

    متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء
    وبمخالفة السنة وإجماع الصحابة على تكفير تارك الصلاة


    كتبه
    ربيع بن هادي عمير


    التَّحميل
    الحلقة الأُولى
    الحلقة الثانية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
    أما بعد:
    فإني قد وقفتُ على تعليقات لعادل آل حمدان على عدد من مؤلفات أهل السنة في العقائد، يسيء الظن فيها بجمهور أهل السنة وأئمتهم، ويرميهم بالإرجاء في تعليقاته الخطيرة، وسأذكر للقارئ ما يتيسر لي من تعليقاته.

    التعليق الأول: أن ابن بطة –رحمه الله- قال في "الشرح والإبانة" (ص123-124) رقم (249) عطفاً على كلام له في الاستثناء في الإيمان :
    "ثم بعد ذلك: أن تعلمَ أنَّ الإسلام معناه غير الإيمان.
    فالإسلام: اسم، ومعناه: الملة.
    والإيمان: اسم، ومعناه: التصديق.
    قال الله -عز وجل-: (وما أنت بمؤمن لنا)، يريد: بمصدق لنا.
    والآيُ في صحة ما قلناه كثير، ومنه: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)".

    علّقَ عليه المحقق عادل بقوله:
    "الإيمان في اللغة: التصديق. أما في الشرع فقد قال قوام السنة –رحمه الله- في "الحجة في بيان المحجة" (1/403): الإيمان في الشرع عبارة عن جميع الطاعات الباطنة والظاهرة".

    وعليه في هذا التعليق ملاحظتان:
    الأولى: أن تعريف ابن بطة للإيمان مما يستنكره أهل السنة؛ لأنه تعريف أكثر المرجئة، وبه قالت الأشعرية، فأهل السنة يقولون: الإيمان قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح، والمرجئة يقولون: الإيمان التصديق.
    والثانية: أن المحقق عالج هذه المشكلة بقوله: " الإيمان في اللغة: التصديق. أما في الشرع فقد قال قوام السنة –رحمه الله- في "الحجة في بيان المحجة" (1/403): الإيمان في الشرع عبارة عن جميع الطاعات الباطنة والظاهرة".
    وهذا التعريف فيه قصور؛ لأنه لم يذكر اعتقاد القلب، ولم يصرح فيه بأن منه النطق باللسان، وأين قول أهل السنة بأن الإيمان يزيد بالطاعات ، وينقص بالمعصية.
    وأعتقد أنه على علم بأن أهل السنة في هذا العصر قد لقوا الأهوال من طائفته، رغم أن أهل السنة المعاصرين يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعات وينقص بالمعصية، وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة، وأحياناً يزيدون: "حتى لا يبقى منه شيء".
    فترميهم هذه الطائفة بأنهم مرجئة إذا قالوا: ينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة.
    فما رأي عادل في هذه الطائفة؟
    وما رأيهم في تعريف ابن بطة وقوام السنة -رحمهما الله-؟

    التعليق الثاني على قول ابن بطة –رحمه الله- في (ص124-125) من "الشرح والإبانة":
    "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله، أو برد فريضة من فرائض الله –عزّ وجل- جاحداً بها، فإن تركها تهاوناً أو كسلاً؛ كان في مشيئة الله عز وجل: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".

    علّقَ المحقق عادل على هذا النص بقوله:
    1- "قال البربهاري –رحمه الله- في شرح السنة" (41):
    "ولا نُخرج أحداً من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجبَ عليك أن تخرجه من الإسلام، وإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة".
    2- وبقوله: " نحوه قول الإمام أحمد -رحمه الله- في "رسالة مسدد" في الاعتقاد وهي من طريق المصنف([1]).
    انظر "طبقات الحنابلة" (2/42. واللالكائي (6/1059)([2]) سياق ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أن المسلمين لا تضرهم الذنوب التي هي الكبائر إذا ماتوا عن توبة من غير إصرار، ولا يوجب التكفير بها، وإن ماتوا عن غير توبة فأمرهم إلى الله -عز وجل- إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم).
    ثم قال عادل: "وهذا القول من أهل السنة في سائر الأعمال إلا الصلاة؛ فإنه لا خلاف بينهم في كُفر تاركها، سواء كان تركها جاحداً لها، أو تركها تهاوناً وتكاسلاً".

    أقول: وهذا القول من عادل واضح في أنه يُخرج من لا يكفر تارك الصلاة من أهل السنة، فانتبه.

    ثم أقول:
    1- كلام الإمام ابن بطة واضح أنه لا يخرج المسلم من الإسلام إلا الشرك الأكبر، ولذا استدل بقول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ).
    2- وكلامه صريح بأن المسلم لا يكفر بترك الفرائض، ومنها الصلاة، إلا الراد الجاحد لها.
    ويرى أن من تركها تهاوناً أو كسلاً يكون تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، آخذا بالآية وما في معناها من أحاديث الشفاعة.
    3- أكد المحقق ما ذهب إليه ابن بطة -رحمه الله- من حيث يدري أو لا يدري بكلام الإمام البربهاري الذي نقله من كتابه "شرح السنة"، وهو واضح في أنه لا يكفر أحداً من أهل الإسلام إلا برد وجحود آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، فهو لا يحكم على مسلم بالكفر والشرك إلا من وقع في الكفر أو الشرك، فإن لم يفعل شيئاً من ذلك، فليس بكافر ولا مشرك.
    وقوله: "فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة" ، يعني أنه ناقص الإيمان([3]).
    أقول: وقد لا يكون عنده إلا مثقال ذرة أو أدنى من ذلك، كما في أحاديث الشفاعة.

    4- كلام الإمام أحمد في "رسالة مسدد" ظاهر أنه لا يكفر بالكبائر، ومنها ترك الفرائض.
    وقد فهم عادل من كلام الإمام أحمد أنه يكفر تارك الصلاة، ولذا قال عقب كلام هذا الإمام:
    "وهذا القول من أهل السنة في سائر الأعمال إلا الصلاة، فإنه لا خلاف بينهم في كفر تاركها، سواء كان تركها جاحداً لها، أو تركها تهاوناً وتكاسلاً".
    وفهمه بعيد، بل لعله فهم من كلام ابن بطة والبربهاري التكفير لتارك الصلاة، وهذا الفهم أبعد وأبعد، فكلامهما صريح جداً في عدم التكفير والإخراج من الإسلام إلا بالشرك الأكبر، أو برد فريضة من فرائض الله، أي يجحدها.
    أما فهمي لكلام الإمام أحمد فيؤكده ما قاله في رسالته إلى مسدد:
    5- " والإيمان قول وعمل يزيد وينقص: زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه" ، "طبقات الحنابلة" (1/343)، نشر دار المعرفة.
    فكلام ابن بطة مأخوذ من كلام الإمام أحمد([4]) وكذا كلام البربهاري، وهما واضحان جداً في عدم التكفير بترك الفرائض، ومنها الصلاة، وأنهما لا يكفران إلا بالشرك، وسلفهما في هذا الإمام أحمد –رحمه الله-.
    6- ويؤكد هذا ما رواه الخلال في "السنة" المجلد الأول (ص58.
    حيث قال: "أخبرنا محمد بن علي([5]) قال: ثنا صالح قال: سألت أبي: ما زيادته ونقصانه؟ قال زيادته العمل، ونقصانه ترك العمل، مثل تركه الصلاة والزكاة والحج، وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال: إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص، وقد كان وكيع قال: ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله ؟".

    فهذه ثلاثة نصوص عن الإمام أحمد لا يكفر فيها بترك الفرائض، ثم عنه رواية بتكفير تارك الصلاة.
    فما رأي المنصفين من أهل العلم في عادل آل حمدان في قوله تعليقاً على أقوال أناس من أهل السنة بل علمائها المستميتين في نصرة السنة والذب عنها:
    "وهذا القول من أهل السنة في سائر الأعمال إلا الصلاة، فإنه لا خلاف بينهم في كفر تاركها، سواء كان تركها جاحداً لها، أو تركها تهاوناً وتكاسلاً".
    ألا يخرج قوله هذا الكثير والكثير من أهل السنة والحديث ومنهم الإمام الزهري والإمام مالك وأصحابه وحماد بن زيد والشافعي وأصحابه وعلى رأسهم أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو ثور والمزني والربيع بن سليمان والبويطي وكثير وكثير من أهل الحديث.

    وهل قول الإمام أحمد بعدم تكفير تارك الصلاة وقوله بعدم تكفير تارك العمل، هل حينما قال هذا وذاك كان مرجئاً؟
    وهل قول البربهاري وقول ابن بطة وابن البناء - كما سيأتي- بعدم تكفير تاركي العمل، وبدخولهم الجنة بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- هل أخرجتهم هذه الأقوال من السنة إلى بدعة الإرجاء؟
    إن هذا الرجل لا يرى أهل السنة إلا من يكفر تارك الصلاة، ومن عداهم ليس من أهل السنة.

    التعليق الثالث لعادل على قول أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن البناء الحنبلي في كتابه "الرد على المبتدعة" في باب "الإيمان بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوم([6]) يخرجون من النار من الموحدين"، ذكر فيه عدداً من الأحاديث في إثبات الشفاعة، ومنها في (ص193-195) حديث أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد رواه ابن البناء بتصرف مع اختصار، وسأنقل ما اختصره من صحيح مسلم، وهو:
    1- ".... حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه.
    2- ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا.
    3- ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا.
    4- ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم، ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ).
    5- فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
    وهذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (7439)، ومسلم في "صحيحه" حديث (183)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (3/94) وفي تحقيق شعيب (18/394) رقم (1189، والضياء في "المختارة" (2345)، وأخرجه أبو داود الطيالسي برقم (2179)، وأبو عوانة في "مسنده" (1/156) (449) و (1/181-182،185)، وابن منده في "الإيمان" (ص776-779).

    7- ثم قال ابن البناء -رحمه الله- في (ص195):
    "فصل وشفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر من أمته خلافاً للقدرية في قولهم: (ليس له شفاعة).
    ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا: بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
    1- انظر إلى كلام الإمام ابن البناء واستدلاله بالشفاعة لأهل الكبائر، ومنهم المصلون والمزكون، ومن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، واستدلال أبي سعيد -رضي الله عنه- بقول الله تعالى: ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما).
    2- وقوله في هذا الحديث: " فيقول الله عز وجل: قد شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، وبقي أرحمُ الراحمين".
    قال: "فيقبض من النار قبضة فيخرج خلقاً كثيراً ليست لهم حسنة، قال: فيخرجون وقد صاروا حمماً".
    3- ثم قال ابن البناء أخيراً:
    "ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا: بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل حتى لا يبقى في النار واحدٌ قال مرة واحدة في دار الدنيا: (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
    وظاهر حديث أبي سعيد وكلام المؤلف ابن البناء أن المذنبين من الموحدين، وإن لم يفعلوا الطاعات بعد التوحيد، فإنهم يخرجون من النار بما في قلوبهم من التوحيد، بل عند ابن البناء وإن لم يقولوها (أي كلمة التوحيد) إلا مرة واحدة في دار الدنيا أنهم يخرجون من النار بهذا التوحيد، وهذا تصريح من ابن البناء بعدم تكفير تارك العمل.
    فماذا صنع المحقق عادل؟
    علّق على كلام ابن البناء -رحمه الله- الذي أخذ بظاهر أحاديث الشفاعة وعلى قوله من قال: "لا إله إلا الله مخلصاً وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
    علّق عليهما بقوله: "يريد -والله أعلم- إن قالها مخلصاً من قلبه ثم مات عليها ولم يتهيأ له العمل؛ كما روي في حديث جابر –رضي الله عنه- وفيه: أن الرجل الذي كلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فآمن به...ثم تقدَّم إلى الصف فقُتِلَ، ولم يصل لله سجدة قط، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد حسُن إسلام صاحبكم، لقد دخلتُ عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين".
    رواه الحاكم (2/14 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
    أقول:
    1- إن هذا التأويل لكلام ابن البناء باطل،لا يقصده ابن البناء، ولا يدل عليه كلامه من قريب ولا من بعيد، ثم كيف يدخل الله النار من هذا حاله؟!
    رجل أسلم وشرع فوراً يخوض معمعة الجهاد حتى استشهد في سبيل الله، وشهد له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بحسن الإسلام، وأنه دخل الجنة وَزُوِّج من الحور العين.
    تعالى الله وتنـزه عما ينسبه إليه هذا الرجل .
    2- وهذا رسول رب العالمين -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الإسلام يهدم ما قبله".
    فقد روى مسلم -رحمه الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-:
    " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟"، "صحيح مسلم" حديث (121)، وصحيح ابن خزيمة حديث (2515).
    فاستشهاد عادل بحديث جابر غير صحيح، فهو في واد، وقول ابن البناء في واد آخر.
    فابن البناء يقول: " حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: (لا إله إلا الله) مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
    وابن البناء يعتقد أن هذا الذي ترك العمل بالفرائض يدخل النار بذنوبه، ثم يخرجه الله من النار بتوحيده وإخلاصه لله في التوحيد.
    وحديث جابر -رضي الله عنه- في رجل أسلم وخاض الجهاد في سبيل الله عقب إسلامه فوراً حتى استشهد قبل أن يتمكن من العمل، فأدخله الله الجنة.
    والآخر أدخله الله النار بذنوبه وبتركه الأعمال الصالحة، ثم رحمه فأخرجه من النار بما في قلبه من التوحيد.

    قال المحقق مرة أخرى:
    "قلت: قد يُفهم من كلام المصنف هذا أنه يرى أن الإيمان يكفي فيه القول دون العمل، والذي هو مذهب المرجئة في الإيمان خلافاً لإجماع أهل السنة، وهذا ليس بصحيح فإن المصنف صرّحَ –كما سيأتي برقم (237)- أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة من الإيمان، وأن تركها تهاوناً وكسلاً يُخرج من الملة في أصح الأقوال([7])".

    أقول: إن الإمام ابن البناء لم يكتف بالقول باللسان كما يقوله غلاة المرجئة، بل أضاف إلى ذلك الإخلاص، وهو عمل القلب، مع تصريحه بخروجه من النار، أي أنه يعتقد وجوب العمل وأن تاركه ممن يعاقبه الله بالنار، ولا يخرج منها إلا بالشفاعة أو برحمة أرحم الراحمين.
    ثم إن شأن ابن البناء شأن الإمام أحمد وعدد من أتباعه، فتراهم أحياناً لا يكفرون تارك الصلاة، بل تارك الأركان، وتارة أخرى لا يكفرون تارك العمل، كما نقلنا ذلك عنهم آنفاً؛ أخذاً منهم بأحاديث الشفاعة واستسلاماً لها؛ لأنهم إذا وقفوا أمامها لا يسعهم إلا التسليم بها، فإذا وقف أحدهم أمام أحاديث الشفاعة الصريحة في أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ويخرج من النار من لم يعمل خيراً قط لا يسعه إلا التسليم بهذه الأحاديث، وهذا يخالف قول الخوارج من جهة، وقول المرجئة من جهة أخرى.
    فالخوارج يكفرون بالذنوب، ويحكمون على مرتكبيها بالنار والخلود فيها، ولا يلتفتون لنصوص الوعد ونصوص الشفاعة.
    والمرجئة يقولون: من شهد أن لا إله إلا الله فإنه مستكمل الإيمان، ولا يضر مع الإيمان ذنب، ويوجبون الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، ولا يلتفتون لنصوص الوعيد ولا لأحاديث الشفاعة، وما فيها من الدلالات على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة.
    فالطائفتان (أي الخوارج والمرجئة) لم يؤمنا بأحاديث الشفاعة التي دلّتْ على معاقبة المذنبين بالنار، ثم خروجهم منها بالشفاعة.
    قال الإمام محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/644-645)، وهو يتحدث عن فرق المرجئة وموقفهم من نصوص الذم والوعيد ما خلاصته:
    إن فرقة منهم أنكرت هذه النصوص وردتها.
    وفرقة ثانية تأولتها تأويلاً باطلاً.
    ثم قال: " وفرقة ثالثة من المرجئة كانت أشد اتساعا في معرفة الأخبار، فلم يمكنها جحود الأخبار وإنكارها لعلمها باستفاضتها وشهرتها عند العلماء فأقرت بها وتأولتها على غير تأويلها، فادّعت أن قوله: "لا يزني حين يزني وهو مؤمن" إنما هو أن يزني مستحلا للزنا، غير مقر بتحريمه.
    فأما من زنى وهو يعلم أن الزنا عليه حرام ويقر به، فهو مؤمن مستكمل الإيمان ليس ينقص زناه ولا سرقته من إيمانه قليلا ولا كثيرا، وإن مات مضيعا للفرائض مرتكبا للكبائر مصرا على ذلك بعد أن لا يجحدها لقي الله مؤمنا مستكمل الإيمان من أهل الجنة.
    وسندل على إفساد هذا التأويل واستحالته فيما بعد في باب الإكفار بترك الصلاة إن شاء الله.
    قال أبو عبدالله فغلت الحوارج والمعتزلة والرافضة في تأويل هذه الأخبار.
    وكفرت بها المرجئة شكا منهم في قول الرسول صلى الله عليه و سلم أو تكذيبا منهم لمن رواها من الأئمة الذين لا يجوز اتهامهم ولا الطعن عليهم جهلا([8]) منهم بما يجب عليهم.
    وهكذا عامة أهل الأهواء والبدع إنما هم بين أمرين: غلو في دين الله وشدة ذهاب فيه حتى يمرقوا منه بمجاوزتهم الحدود التي حدها الله ورسوله أو إخفاء([9]) وجحود به حتى يقصروا عن حدود الله التي حدها، ودين الله موضوع فوق التقصير ودون الغلو فهو أن يكون المؤمن المذنب خائفا لما وعد الله من العقاب على المعاصي راجيا لما وعد يخاف أن يكون المعاصي التي ارتكبها قد أحبطت أعماله الحسنة فلا يتقبلها الله منه عقوبة له على ما ارتكب من معاصيه ويرجو أن يتفضل الله عليه بطَوْله فيعفو له عما أتى به من سيئة ويتقبل منه حسناته التي تقرب بها إليه فيدخله الجنة فلا يزال على ذلك حتى يلقى الله وهو بين رجاء وخوف".

    أقول: هذا هو واقع المرجئة، منهم من ينكر نصوص الوعيد ويكذب بها.
    ومنهم من يتأولها تأولا فاحشاً.
    وأحسنهم من يقول: إن الرجل إن زنى وسرق لا ينقص الزنى والسرقة من إيمانه قليلاً ولا كثيراً، وإن مات مضيعاً للفرائض، مرتكباً للكبائر، مصراً على ذلك بعد أن لا يجحدها لقي الله مؤمناً مستكمل الإيمان من أهل الجنة.
    فبأي طائفة من طوائف المرجئة يُلحق عادل أهل السنة الذين يضللهم ويرميهم بالإرجاء؛ لأنهم ليسوا على منهجه، اللهم إنا نعوذ بك من الهوى والغلو فيه.
    إن أهل السنة جميعاً يؤمنون بنصوص الوعد والوعيد، ويعظِّمونها، ويؤلفون بينها، ولا يضربون بعضها ببعض، فيحدث هذا المنهج السديد في أنفسهم خوف الله ورجاءه.

    ملاحظة: ذكرنا فيما سلف النصوص من كلام الإمام أحمد-رحمه الله- في التكفير بترك الفرائض وعدمه.
    يؤكد ما نقلته عن هذا الإمام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.
    قال -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (7/610-611) بعد تكفيره لجاحد هذه الفرائض، أو استحلاله المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها- :
    " وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ فَفِي التَّكْفِيرِ أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ هِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ أَحْمَد :
    أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَمَتَى عَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَفَرَ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.
    وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ([10]) .
    وَالثَّالِثُ : لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد، وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ([11]) وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد .
    وَالرَّابِعُ : يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ الزَّكَاةِ فَقَطْ .
    وَالْخَامِسُ : بِتَرْكِهَا، وَتَرْكِ الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا دُونَ تَرْكِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ".

    أقول: فهؤلاء علماء السنة لهم خمسة أقوال في تارك الأركان الأربعة أو بعضها، وهي روايات عن الإمام أحمد -رحمه الله-.
    من هذه الأقوال أن التارك لها لا يكفر مع الإقرار بالوجوب، وهو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره كما يقول شيخ الإسلام.
    وقول شيخ الإسلام "وغيره" ، أي غير ابن بطة، فأرى أنه يتناول ابن البناء والبربهاري ومسدد الذي نقل عن أحمد عدم التكفير.
    وإذا اطلع القارئ على هذه الاختلافات بين أهل السنة، وعرف مذهب عادل ومن على شاكلته فقد تعترضه إشكالات.
    منها:1- أنه يَرِدُ على المقتصر على تكفير تارك الصلاة أنه لا يكفر بالثلاثة الأركان الأخرى، وهي الزكاة والصيام والحج، ولا يكفر بما بعدها من الأعمال من باب أولى، فعلى مذهب عادل ومن على شاكلته يكون هذا متهاوناً بهذه الأركان الثلاثة وما بعدها من الأعمال المهمة.
    2- وإذا كان لا يُكفِّر إلا بترك الأركان الأربعة فهو لا يُكفِّر بما بعدها من الأعمال، وكذلك لا يُكفِّر بترك الصلاة ولا بترك ركنين آخرين.
    فيكون معرضاً لسخط عادل ومن على شاكلته؛ لأنه يشارك من لا يكفر تارك العمل مشاركة كبيرة جداً يستحق الإلحاق به في الحكم عليه بأنه مرجئ على المذهب الحدادي وأخشى أن يكفروهما.
    ومن لا يكفر بترك الصلاة لا يكفر بترك باقي الأركان ولا بما بعدها من العمل، فهو مرجئ شديد الإرجاء، وإن كان مثل الزهري ومالك والشافعي وجميع من لا يكفر تارك الصلاة، ومنهم جماهير أهل الحديث وحتى عادل ومن على شاكلته واقعون في الإرجاء؛ لأنهم لا يكفرون بترك الأركان الثلاثة، فتصير الأمة كلها مرجئة على منهج عادل وأضرابه.
    إن الرمي بالإرجاء لسهل جداً عند الخوارج، وعند عادل ومن على منهجه.
    أما عند أهل السنة فلا، لعدلهم وورعهم واحترامهم لمن يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويخالف المرجئة، ويستنكر قولهم وما يؤدي إليه.
    قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (ص84):
    "وسمعت الحاكم يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن شعيب يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قدم ابن المبارك الري؛ فقام إليه رجل من العباد، الظن به أنه يذهب مذهب الخوارج؛ فقال له : يا أبا عبد الرحمن ما تقول فيمن يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ ، قال : لا أخرجه من الإيمان . فقال : يا أبا عبد الرحمن على كبر السن صرت مرجئاً ، فقال : لا تقبلني المرجئة . المرجئة تقول : حسناتنا مقبولة، وسيئاتنا مغفورة ، ولو علمت أني قبلت مني حسنة لشهدت أني في الجنة".

    وقال الخلال في "السنة" (3/581) رقم (1009):
    " أخبرني موسى بن سهل قال ثنا محمد بن أحمد الأسدي قال ثنا إبراهيم بن يعقوب عن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عن من قال: الإيمان يزيد وينقص، قال: هذا بريء من الإرجاء".
    وقال البربهاري في "شرح السنة" (ص123): "ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره"،

    أقول: انظر إلى قول ابن المبارك حيث جعل الحد الفاصل بين السني والمرجئ.
    أن المرجئ يعتقد أن حسناته مقبولة وسيئاته مغفورة.
    وابن المبارك يقول بقول أهل السنة من أن المسلم لا يجزم بقبول حسناته، كما أنه لا يجزم بأنه من أهل الجنة.
    وانظر إلى قول الإمام أحمد، حيث يبرئ من الإرجاء من يقول: " الإيمان يزيد وينقص".
    والبربهاري يُصرِّح بأن من قال: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.
    وأقوال هؤلاء الأئمة تدل على إنصافهم وعدلهم.
    قارن بين منهج هؤلاء الأئمة وبين منهج الحدادية الذين يخالفون أهل السنة في عدد من الأصول، وفي الحكم بالإرجاء على من يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة.
    ويرجف الحداديون كثيراً وكثيراً على من يعتقد ويقول بهذا التفصيل، ويؤمن بنصوص الوعد والوعيد، ويؤلف ويجمع بينها عندما يعرض له أن بينها تعارضاً.
    فكم المسافة بين منهجهم ومنهج أهل السنة، ولا سيما أئمتهم.

    أقوال العلماء في الحكم على تارك الصلاة
    قال ابن قدامة كما في "المغني" (2/329-332):
    " باب الحكم فيمن ترك الصلاة
    مسألة : قال : (ومن ترك الصلاة وهو بالغ عاقل جاحداً لها أو غير جاحد دعي إليها في وقت كل صلاة ثلاثة أيام فإن صلى وإلا قتل)([12]).
    وجملة ذلك: أن تارك الصلاة لا يخلو: إما أن يكون جاحداً لوجوبها، أو غير جاحد، فإن كان جاحدا لوجوبها نُظر فيه. فإن كان جاهلا به، وهو ممن يجهل ذلك - كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية - عُرِّف وجوبها، وعُلِّم ذلك، ولم يُحكم بكفره؛ لأنه معذور، فإن لم يكن ممن يجهل ذلك، كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يُعذر ولم يُقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمون يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، ولا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة. وهذا يصير مرتدا عن الإسلام، حكمه حكم سائر المرتدين في الاستتابة، والقتل، ولا أعلم في هذا خلافا.
    وإن تركها لمرض أو عجز عن أركانها وشروطها قيل له : إن ذلك لا يُسقط الصلاة، وإنه يجب عليه أن يصلي على حسب طاقته.
    وإن تركها تهاوناً أو كسلاً دُعي إلى فعلها، وقيل له : إن صليت وإلا قتلناك، فإن صلى، وإلا وجب قتله، ولا يُقتل حتى يحبس ثلاثاً، ويُضيّق عليه فيها، ويُدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها، ويُخوف بالقتل. فإن صلى وإلا قتل بالسيف.
    وبهذا قال مالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي.
    وقال الزهري : يُضرب ويُسجن وبه قال أبو حنيفة قال : ولا يقتل لأن النبي -صلى الله عليه و سلم- قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ،أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق" متفق عليه . وهذا لم يصدر منه أحد الثلاثة، فلا يحل دمه، وقال النبي صلى الله عليه و سلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" متفق عليه.
    ولأنه فرع من فروع الدين ، فلا يقتل بتركه، كالحج، ولأن القتل لو شرع لشرع زجرا عن ترك الصلاة([13])، ولا يجوز شرع زاجر يمنع([14]) تحقق المزجور عنه، والقتل يمنع فعل الصلاة دائما ،فلا يشرع. ولأن الأصل تحريم الدم، فلا تثبت الإباحة إلا بنص، أو معنى نص، والأصل عدمه.
    ولنا: قول الله تعالى ( 9 : 5 فاقتلوا المشركين - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة ،وآتوا الزكاة ، فخلوا سبيلهم) فأباح قتلهم. وشرط في تخلية سبيلهم التوبة، وهي الإسلام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فمتى ترك الصلاة متعمدا لم يأت بشرط تخليته، فبقي على وجوب القتل . وقول النبي -صلى الله عليه و سلم-: "من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة"([15]) وهذا يدل على إباحة قتله. وقال -عليه السلام-: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة" رواه مسلم، والكفر مبيح للقتل. وقال -عليه السلام-: "نهيت عن قتل المصلين" . وعن أنس قال : قال أبو بكر : إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة" رواه الدارقطني([16]) فمفهومه أن غير المصلين يباح قتلهم، ولأنها ركن من أركان الإسلام، لا تدخله النيابة بنفس، ولا مال، فوجب أن يقتل تاركه كالشهادة، وحديثهم حجة لنا، لأن الخبر الذي رويناه يدل على أن تركها كفرٌ. والحديث الآخر استثنى منه " إلا بحقها " والصلاة من حقها. ثم إن أحاديثنا خاصة، فنخص بها عموم ما ذكروه. ولا يصح قياسها على الحج ، لأن الحج مختلَف في جواز تأخيره، ولا يجب القتل بفعل مُختلَف فيه.
    وقولهم: إن هذا يفضي إلى ترك الصلاة بالكلية. قلنا : الظاهر أن من يعلم أنه يُقتل إن ترك الصلاة لا يتركها، سيما بعد استتابته ثلاثة أيام، فإن تركها بعد هذا كان ميؤوسا من صلاته، فلا فائدة في بقائه، ولا يكون القتل هو المفوت له ، ثم لو فات به احتمال الصلاة لحصل به صلاة ألف إنسان، وتحصيل ذلك بتفويت احتمال صلاة واحدة لا يخالف الأصل.
    إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأنه تارك للصلاة، فلزم قتله كتارك ثلاث، ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة، لكن لا يثبت الوجوبُ حتى يضيق وقت التي بعدها، لأن الأولى لا يُعلم تركها إلا بفوات وقتها، فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها، فإذا ضاق وقتها عُلم أنه يريد تركها، فوجب قتله، والثانية لا يجب قتله حتى يترك ثلاثَ صلوات، ويضيق وقتُ الرابعة عن فِعلها . لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة، فإذا تكرر ذلك ثلاثا تحقق أنه تاركها رغبة عنها، ويُعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها لما ذكرناه.
    وحكى ابن حامد عن أبي إسحاق بن شاقلا: أنه إن ترك صلاة لا تُجمع إلى ما بعدها، كصلاة الفجر، والعصر، وجب قتله، وإن ترك الأولى من صلاتي الجمع، لم يجب قتله؛ لأن الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء وهذا قول حسن.
    واختلفت الرواية: هل يقتل لكفره أو حداً؟ فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد، ولا يرثُ أحداً، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا و ابن حامد([17]) وهو مذهب الحسن والشعبي و أيوب السختياني والأوزاعي وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن:
    1- لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
    2- وفي لفظ عن جابر قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنّ بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة".
    3- وعن بريدة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "بيننا وبينهم تركُ الصلاة، فمن تركها فقد كفر" ، رواهنّ مسلم.
    4- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدونها الصلاة".
    قال أحمد : "كل شيء ذهب أخره لم يبق منه شيء".
    5- وقال عمر -رضي الله عنه- : "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
    6- وقال علي -رضي الله عنه- : "من لم يصل فهو كافر".
    7- وقال ابن مسعود : "من لم يصل فلا دين له".
    8- وقال عبد الله بن شقيق : "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" ، ولأنها عبادة يدخل بها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادة.
    والرواية الثانية: يُقتل حداً مع الحكم بإسلامه، كالزاني المُحصَن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة، وأنكر قول من قال : إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه([18]).
    وهذا قول أكثر الفقهاء وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي.
    وروي عن حذيفة أنه قال : "يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول : لا إله إلا الله، فقيل له : وما ينفعهم ؟ قال : تنجيهم من النار لا أبا لك"([19]).
    وعن والان قال : انتهيت إلى داري فوجدت شاة مذبوحة فقلتُ : من ذبحها ؟ قالوا : غلامك. قلت : والله إن غلامي لا يصلي، فقال النسوة : نحن علمناه فسمى، فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك فأمرني بأكلها.
    والدليل على هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " إن الله حرّم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ".
    وعن أبي ذر قال : أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : "ما من عبد قال : لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة".
    وعن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل".
    وعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة" ، متفق على هذه الأحاديث كلها ومثلها كثير.
    وعن عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة"([20]) ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة.
    وقال الخلال في جامعه : حدثنا يحيى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام بن حسان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي شميلة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما هذا ؟ قالوا : مملوك لآل فلان كان من أمره ، قال : ( أكان يشهد أن لا إله إلا الله ) ؟ قالوا : نعم ، ولكنه كان وكان ، فقال : ( أما كان يصلي ) ؟ فقالوا : قد كان يصلي ويدع ، فقال لهم: ( ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه وادفنوه، والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه ) ".
    وروي بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "صلّوا على من قال : لا إله إلا الله"([21]).
    ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة تُرك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ولا مُنع ورثتُه ميراثَهُ، ولا مُنع هو ميراثَ مورثه، ولا فُرّق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما، لكثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافاً في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام.
    وأما الأحاديث المتقدمة فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة، كقوله عليه السلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، وقوله : "كفرٌ بالله تبرؤ من نسب وإن دق"، وقوله : "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وقوله : " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد "، قال : "ومن قال : مُطرنا بنوء الكواكب فهو كافر بالله مؤمن بالكواكب "، وقوله : "من حلف بغير الله فقد أشرك "، وقوله : "شارب الخمر كعابد وثن"، وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، وهو أصوب القولين والله أعلم".
    وانظر "المجموع" للنووي (3/15-20).

    هذا وتقدم أن للإمام أحمد روايات أخر، منها أنه يُكفر بترك ركن واحد من الأربعة، ومنها أنه يكفر بالصلاة وحدها، ومنها أنه لا يكفر إلا بترك الأركان الأربعة.
    فهل هؤلاء العلماء مرجئة؟ وهل الإمام أحمد حينما كان يرى عدم التكفير بالأركان الأربعة مرجئاً؟، وهل كان ابن بطة من المرجئة حينما أخذ برواية الإمام أحمد؟ وهل ابن البناء مرجئ بتقريره الكلام السابق؟
    وهل الأئمة الزهري ومالك والشافعي وجمهور أهل الحديث مرجئة؟
    إنه لا يرمي هؤلاء بالإرجاء وأمثالهم إلا من عنده نزعة خارجية قوية.

    التعليق الرابع- على قول عادل معلقاً في (ص125-126) من "الشرح والإبانة":
    " وقد عقد ابن بطة –رحمه الله- في "الإبانة الكبرى" (2/ 117) باباً في تكفير تارك الصلاة فقال: (باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة وإباحة قتالهم، وقتلهم إذا فعلوا ذلك).
    وأسند حديث جابر –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة".
    وقول عمر –رضي الله عنه- لما طعن، قال: لا حظّ لامرئ في الإسلام أضاع الصلاة.
    وقول جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- لما سئل: ما كان يُفرّق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: الصلاة.
    وقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: تركها الكفر، وقال أيضاً: من لم يصل فلا دين له.
    وقول الحسن البصري: بين العبد وبين أن يشرك فيكفر: أن يدع الصلاة من غير عذر.
    وقول ابن المبارك: إذا قال: أصلي غداً، فهو عندي أكفر من الحمار.
    وأسند ابن بطة –رحمه الله- غيرها من الأحاديث والآثار، ثم قال: فهذه الأخبار والآثار والسنن عن النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين، كلها تدل العقلاء، ومن كان بقلبه أدنى حياة([22]) على تكفير تارك الصلاة، وجاحد الفرائض، وإخراجه من الملة...الخ، ثم ذكر الأدلة من كتاب الله تعالى على ذلك".
    قال عادل: "قلت: وتأمل قوله: (تارك الصلاة وجاحد الفرائض)، ففرّقَ بينهما، وأطلق الكفر على مجرد ترك الصلاة، وأما سائر الفرائض فجعل الكفر فيها على الجحود لها.
    وقال ابن بطة –رحمه الله- في "الإبانة الكبرى" (2/162/باب ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفر غير خارج عن الملة)، ثم ذكر تلك الأعمال ولم يذكر منها الصلاة التي أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم أن من تركها فقد كفر".
    أقول:
    1- إن هذا الكلام الذي قرره ابن بطة في "الإبانة الكبرى" لا ينفي ما قرره في "الإبانة الصغرى".
    فهو قد قال بإحدى الروايتين عن أحمد -رحمه الله- في "الإبانة الصغرى"، وهي القول بعدم التكفير، وقال بالرواية الأخرى في "الإبانة الكبرى"، وهي تكفير تارك الصلاة ومانع الزكاة، وكلتاهما من أقوال أهل السنة، فلم يخرج ابن بطة عن أقوال أهل السنة، وأقوال ابن بطة الأخرى لا تخرج عن أقوال أهل السنة، إلا في تعريفه للإيمان في "الصغرى" فإنه خطأ.
    2- إن قول ابن بطة: "تارك الصلاة" يحتمل أن يريد به الجاحد، بقرينة قوله في "الإبانة الصغرى" بعدم تكفير تارك العمل، وبما نسبه إليه الأئمة ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم من أنه لا يكفر تارك الصلاة، وهم أعرف بمذهبه من عادل وغيره، والظاهر أن هذا القول هو الذي استقر عليه رأيه، إذ أن هناك مؤلفات كثيرة لابن بطة غير الإبانتين.
    3- يرى عادل أن مما يدل على إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة أثر جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- لما سئل: " ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: الصلاة".
    وهذا الأثر ليس مما يحتج به.
    أ- لأن في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي.
    وهو مختلف فيه، فمن العلماء من يقول إنه صدوق، ومنهم من يكذبه.
    وأعدل الأقوال فيه قول الإمام أحمد فيه لما سئل عنه:
    فقال: أما في المغازي وأشباهه فيكتب عنه ، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا، ومد يده وضم أصابعه([23]).
    وقول ابن معين: صدوق وليس بحجة وقال فيه مرة أخرى: ليس بذاك، هو ضعيف.
    انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/191-194).
    ب- من الأدلة على ضعفه مخالفته لمن هو أحفظ منه في رواية هذا الأثر .
    قال محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" (2/904) رقم (947):
    حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير قال: سمعت جابراً -رضي الله عنه-، وسأله رجل: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا قال لا قال وسئل ما بين العبد وبين الكفر قال ترك الصلاة".
    فيرى القارئ أن جابراً -رضي الله عنه- لم ينقل عن الصحابة هذا الحكم على تارك الصلاة، وإنما هو الذي حكم عليه بالكفر، وشتان بين ما يدّعيه عادل من الإجماع وبين قول جابر وحكمه وحده.
    وأعتقد أن عادلاً وقف على قول جابر هذا فأغفله عمداً؛ لأنه لا يوافق هواه، والدليل على ما أقول أنه نقل قول عبد الله بن شقيق: " لم يكن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ، نقله من كتاب "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر (2/904) برقم (94.
    وترك أثر جابر قبله مباشرة تحت رقم (947)، باللفظ الذي نقلته آنفاً .
    ومما احتج به هنا قول الحسن البصري: " بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة "، وهذا القول يوهم القارئ أنه قول الحسن نفسه، وليس الأمر كذلك، إنما روى الحسن هذا القول عن الصحابة، فقال: بلغني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كانوا يقولون: " بين العبد وبين أن يشرك فيكفر أن يدع الصلاة من غير عذر".
    وهو أثر ضعيف؛ لأنه لم يسمعه من الصحابة – رضوان الله عليهم –، وإنما قال: بلغني ، فلا أدري ما السبب في سوق عادل له على أنه من قول الحسن.
    التعليق الخامس- على قول عادل في (ص126) من "الشرح والإبانة ":
    "ومسألة تكفير تارك الصلاة قد تكلمت عنها في تعليقي على "الرد على المبتدعة" لابن البناء تحت حديث (23، وذكرت هنالك أن هذه المسألة محل إجماع بين الصحابة والتابعين من غير تفريق عندهم بين من تركها جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً. وذكرت أن الخلاف إنما وقع بعد عصر الصحابة –رضي الله عنهم- فلا عبرة به، وإنما يُذكر لإنكاره وبيان ضعفه.
    عن عبد الله بن شقيق –رحمه الله- قال: لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". رواه الترمذي حديث (2622)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (94.
    وفي "تعظيم قدر الصلاة" (990) قال إسحاق بن راهويه –رحمه الله-: قد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم([24]) من لدن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
    وممن نقل الإجماع كذلك: محمد بن نصر المروزي -رحمه الله- في "تعظيم قدر الصلاة"([25]) (2/925)، وابن تيمية –رحمه الله- في "شرح العمدة" (2/75)".

    أقول:
    دعواه هنا وفي تعليقه على "الرد على المبتدعة" أن هذه المسألة محل إجماع بين الصحابة والتابعين من غير تفريق عندهم بين من تركها جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً.
    وقوله: "وذكرت أن الخلاف إنما وقع بعد عصر الصحابة –رضي الله عنهم- فلا عبرة به، وإنما يُذكر لإنكاره وبيان ضعفه...الخ".

    أقول: في هذه الدعوى نظر قوي من وجوه.
    1- انظر إليه يقول: إن هذه المسألة محل إجماع بين الصحابة والتابعين.
    ثم انظر إلى قوله مرة أخرى: "وذكرت أن الخلاف إنما وقع بعد عصر الصحابة -رضي الله عنهم-.
    فأسقط من حيث لا يدري إجماع التابعين.
    2- احتجاجه بقول عبد الله بن شقيق: " لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة". رواه الترمذي حديث (2622)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (94.
    فيه نظر قوي.
    وذلك أن الترمذي وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" قد رويا قول عبد الله بن شقيق هذا من طريق بشر بن المفضل عن سعيد بن إياس الجريري، والجريري هذا كان قد اختلط مدة ثلاث سنوات في آخر حياته.
    وقد نصّ العلماء على الرواة الذين سمعوا من الجريري قبل اختلاطه، وهم إسماعيل بن علية وهو أرواهم عنه، والسفيانان وشعبة وعبد الوارث بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ومعمر ووهيب بن خالد ويزيد بن زريع، وذلك لأن هؤلاء سمعوا من أيوب السختياني قبل اختلاط الجريري، وقد قال أبو داود فيما رواه عنه أبو عبيد الآجري: كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد.
    والذين سمعوا منه بعد التغير: إسحاق الأزرق وعيسى بن يونس ومحمد بن عدي ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون".
    انظر كتاب الاغتباط بمن رمي بالاختلاط مع التعليق عليه، لعلاء الدين علي رضا (ص127).
    وذكر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (4/7) أسماء عدد من العلماء الذين ذكروا أن الجريري كان قد اختلط، ثم قال: "وقال العجلي: " بصري ثقة واختلط بآخره".
    فزاد ابن المبارك فيمن روى عنه بعد الاختلاط.
    وابن المبارك لم يدرك أيوب السختياني.
    أقول: وكذلك بشر بن المفضل.
    وهذا مما يؤكد أن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط، فمن عنده دليل واضح أن بشراً سمع من الجريري قبل الاختلاط فليأت به.

    ومن المناسب أن أسوق رواية الترمذي لأثر عبد الله بن شقيق.
    قال الإمام الترمذي –رحمه الله-:
    " حدثنا قتيبة حدثنا بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق العقيلي : قال كان أصحاب محمد -صلى الله عليه و سلم- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة".
    وكذلك رواه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" عن محمد بن عبيد بن حساب وحميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل عن الجريري به.
    ولم يحكم له الترمذي بصحة ولا حسن، ولو كان صحيحاً عنده أو حسناً لصرّح بذلك، والظاهر أنه إنما سكت عن الحكم له بالصحة أو الحسن لتوقفه في رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
    فإن قيل إن البخاري ومسلماً قد رويا عن بشر بن المفضل عن الجريري.
    فالجواب أن البخاري لم يرو عن بشر بن المفضل عن الجريري إلا حديثاً واحداً؛ لأن لبشر بن المفضل متابعاً وهو إسماعيل بن علية، المقدم في الرواية عن الجريري على بقية أصحابه.
    قال البخاري –رحمه الله- في "صحيحه":
    2654 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ".
    ثم قال: وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
    6273 – وقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ مِثْلَهُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ".
    6919 – وقال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ.
    ح و حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلَاثًا أَوْ قَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ".
    فيرى القارئ أن الإمام البخاري لم يرو عن بشر بن المفضل عن الجريري إلا حديثاً واحداً فقط، وأنه أورده في ثلاثة مواطن، في موطنين منها يدعم رواية بشر برواية إسماعيل بن علية المقدم على بشر وعلى غيره في الرواية عن الجريري.

    وكذلك مسلم لم يرو لبشر إلا حديثاً واحداً له متابعات.
    قال –رحمه الله-:
    913- وحدثني عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن أبي العلاء حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بينما أنا أرمي بأسهمي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انكسفت الشمس فنبذتهن وقلت لأنظرن إلى ما يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انكساف الشمس اليوم فانتهيت إليه وهو رافع يديه يدعو ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلي عن الشمس فقرأ سورتين وركع ركعتين.
    913- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أرتمي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس فنبذتها فقلت والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس قال فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حسر عنها قال فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين.
    913- حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح أخبرنا الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بينما أنا أترمى بأسهم لي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خسفت الشمس ثم ذكر نحو حديثهما.
    فيرى القارئ أن الإمام مسلماً قد أورد عند رواية هذا الحديث متابعتين من عبد الأعلى ومن سالم بن نوح لبشر بن المفضل، وأن مسلماً لم يرو عن بشر عن الجريري إلا حديثاً واحداً فقط.
    وأحاديث المختلطين تروى إذا وجد لها ما يعضدها، فمن هنا روى له الشيخان الحديثين المذكورين.
    3- ضعف أثر عبد الله بن شقيق من جهة أخرى، وهي دعواه إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، تلك الدعوى التي لم تثبت على محك النقد، هذا بالإضافة إلى ضعف إسنادها من طريق بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق، وذلك أن عبد الله بن شقيق لم يرو إلا عن عدد قليل من الصحابة.
    وهم: 1- عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-. 2- وعثمان بن عفان –رضي الله عنه-. 3- وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. 4- وعبد الله بن عباس-رضي الله عنه. 5- وعبد الله بن أبي الجدعاء. 6- وعبد الله بن أبي الحمساء. 7- ومحجن بن الأدرع، وقيل بينهما رجاء بن أبي رجاء. 8- ومرة بن كعب البهزي، 9- وأبو ذر –رضي الله عنه-. 10- وأبو هريرة –رضي الله عنه-. 11- وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. 12- وعبد الله ابن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-([26])، وفيه نظر، فقد قال يعقوب بن سفيان الفسوي: حدثني محمد بن عبد الرحيم قال: سألت علياً عن عبد الله بن شقيق هل رأى عبد الله بن عمر؟ قال: لا، ولكنه رأى أبا ذر وأبا هريرة، فهذا علي بن المديني يصرح بأن عبد الله بن شقيق ما رأى إلا اثنين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، وعدم تكفيرهم بسائر الأعمال، وهو لم يرو إلا عن هذا العدد القليل؟
    كيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة وهم يزيد عددهم على مائة ألف؟
    فقد ذكر الحافظ ابن حجر عدداً من المؤلفات في الصحابة.
    ثم قال: "فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم؛ ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي، قال: توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية".
    انظر "مقدمة الإصابة" (1/4).
    4- والأقرب إلى الصحة ما رواه الخلال في "السنة" (4/144) رقم (137.
    قال: "حدثنا أبو عبد الله، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: "ما علمنا شيئاً من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة".

    فهذا الكلام لا إشكال فيه؛ لأنه ليس فيه دعوى إجماع الصحابة، بل ولا نسبة هذا الكلام إلى الصحابة، وقد يكون القائل واحداً أو اثنين أو ثلاثة من الصحابة أو من التابعين، ويحتمل أنه إنما ينفي علم نفسه، وقد عرفناك أن عبد الله بن شقيق لم يرو إلا عن عدد قليل حوالي العشرة من مجموع ما يزيد على مائة ألف من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومما يلفت النظر أنه لم يرو عن الصحابة الذين كانوا في موطنه العراق، ومنهم سعد بن أبي وقاص أمير العراق وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وأنس بن مالك الذي توفي سنة اثنتين وتسعين من الهجرة، وهو من سكان البصرة التي هي مسكن عبد الله بن شقيق.
    5- استعرضتُ كتب الإجماع: "مراتب الإجماع" لابن حزم، و"نقد مراتب الإجماع" لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"الإقناع في مسائل الإجماع" لأبي الحسن ابن القطان بحثاً عن هذا الإجماع المزعوم، فلم أقف له على عين ولا أثر، فلماذا لم يذكر هؤلاء الأئمة هذا الإجماع لو كان ادعاؤه صحيحاً؟
    بل لم أجد إلا ما يدفعه، وهو قول الإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر المتوفى (31 في كتاب "الإجماع" (ص15، نشر دار طيبة:
    " كتاب الساحر والساحرة
    كتاب تارك الصلاة
    قال أبو بكر([27]): لم أجد فيهما إجماعاً".
    فهذا الإمام المحدث الحافظ الواسع الاطلاع، الذي قلَّ نظيره في العلماء لم يجد إجماعاً على كفر تارك الصلاة.

    وقول عادل: " وذكرت أن الخلاف إنما وقع بعد عصر الصحابة –رضي الله عنهم- فلا عبرة به، وإنما يُذكر لإنكاره وبيان ضعفه".

    أقول: إن المخالفين لمن يكفر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً كثيرون، وفيهم أئمة عظماء من فقهاء ومحدثين، ولهم أدلتهم الكثيرة، وهم مجتهدون، فلخلافهم مكانته واعتباره، ومن هنا لا تجد الطرفين إلا يحترم بعضهم بعضا ويوقر بعضهم بعضاً؛ لأن اختلاف الطرفين قائم على الأدلة من الكتاب والسنة.
    وليس قائماً على الأهواء كما هو الشأن في مخالفات أهل البدع لأهل السنة، فافهم هذا وقف عند حدك.

    ثناء الإمام أحمد -رحمه الله- على الإمامين مالك والشافعي -رحمهما الله-
    قال يوسف بن عبد الهادي –رحمه الله- في "بحر الدم" (391-392).:
    "مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، أحد الأئمة: قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري ؟ قال: مالك أثبت في كل شيء.
    وقال الفضل بن زياد: سألت أحمد: من ضرب مالكا ؟ قال: ضربه بعض الولاة في طلاق المكره، وكان لا يجيزه، فضربه لذلك.
    وقيل له في رواية ابن إبراهيم: أي أصحاب الزهري أحب إليك ؟ قال: مالك أحبهم إلي في
    قلة روايته، وبعده معمر، وما يضمن إلى معمر أحد إلا أصبت معمرا فوقه، وأطلب منه للحديث.
    وقال ابن إبراهيم: سئل عن مالك وابن عيينة في الزهري، فقال: مالك في الزهري أثبت مع قلة ما روى.
    وقال في رواية المروذي: مالك حجة.
    وقال المروذي: سمعته يقول: مالك بن أنس عندي إمام من أئمة المسلمين ([28]).
    وقال في رواية الميموني: كان مالك من أثبت الناس، وكان يخطئ"،

    وقال المروذي في " العلل ومعرفة الرجال" ضمن الجامع (1/21):
    "وسئل أبو عبد الله عن شعيب، فقال: ما فيهم إلا ثقة، وجعل يقول: تدري من الثقة؟ إنما الثقة يحيى بن القطان، تدري من الحجة؟ شعبة وسفيان حجة، ومالك حجة، قلتُ: ويحيى؟ قال: يحيى وعبد الرحمن وأبو نعيم الحجة. الثبت، كان أبو نعيم ثبتاً".

    قال أبو زرعة: "وسمعت أحمد بن حنبل يُسأل عن سفيان ومالك إذا اختلفا في الرأي؟ قال: مالك أكبر في قلبي. قلت فمالك والأوزاعي؟ قال: مالك أحب إلي وإن كان الأوزاعي من الأئمة. قيل له: فمالك وإبراهيم؟ قال -كأنه شنعه-: ضعه مع أهل زمانه" "سؤالات أبي زرعة الدمشقي للإمام أحمد" (ص52-53) .

    وقال يوسف بن عبد الهادي –رحمه الله- في "بحر الدم" (ص361-362):
    "قال أحمد: إن الله يقيض للناس على رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن.
    وروى الفضل بن زياد عن أحمد، قال: هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بتُّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له.
    وقال الميموني: سمعت أحمد يقول: ستة أدعو لهم سحرا، أحدهم الشافعي.
    وقال أبو القاسم البغوي: حدثني صالح بن أحمد قال: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين، فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك.
    وقال أبو داود: ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي"([29]).

    أقول: هذان الإمامان الجليلان مالك والشافعي على رأس من لا يُكفر تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً، مع تكفيرهما للجاحد المعاند.
    ثم هكذا نرى الإمام أحمد يكثر من الإشادة بهما، والثناء العاطر عليهما، والمشي مع رِكاب الإمام الشافعي تأدباً واحتراماً.
    أرأيت لو كان عدم تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً يخرج به الرجل من السنة إلى الإرجاء عند أهل السنة حقاً أكان الإمام أحمد يتأخر عن الحكم بالإرجاء عليهما والتحذير منهما؟
    وهل باقي أهل السنة ممن يكفر تارك الصلاة سيتأخرون عن إصدار هذا الحكم عليهما وعلى من يسير على نهجهما؟ ، كلا.
    فثناء الإمام أحمد عليهما إلى هذه الدرجة التي أحلَّهما فيها ينطلق من منهج أهل السنة القائم على الكتاب والسنة في احترام إخوانهم المتمسكين بالكتاب والسنة في هذه القضية (عدم تكفير تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً).
    وهذا الإمام أحمد لا يرمي بالإرجاء من لا يُكفر تارك الفرائض، بل له قول يوافقهم فيه، كما أسلفنا نقل ذلك عنه؛ لأن لهم أدلتهم وبراهينهم من الكتاب والسنة.
    فكم هي المسافة بين منهج أهل السنة حقاً وبين منهج عادل ومن على شاكلته، الذين يرمون أهل السنة حقاً بالإرجاء، ويجعلون ذلك شغلهم الشاغل.

    ثناء العلماء على الإمام أحمد، ومنهم الشافعي –رحمهم الله جميعاً-:
    "قيل لأبي مسهر الغساني: تعرف من يحفظ على الأمة أمر دينها ؟ قال: شابٌّ في ناحية المشرق، يعني: أحمد.
    قال المزني: قال لي الشافعي: رأيت ببغداد شاباً إذا قال: حدثنا، قال الناس كلهم: صدق. قلتُ: ومن هو ؟ قال: أحمد بن حنبل.
    وقال حرملة: سمعتُ الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفتُ بها رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
    وقال الزعفراني: قال لي الشافعي: ما رأيت أعقل من أحمد، وسليمان ابن داود الهاشمي.
    قال محمد بن إسحاق بن راهويه: حدثني أبي، قال: قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك من لم يُر مثله، فذهب بي إلى الشافعي، قال أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل، ولولا أحمد وبذل نفسه، لذهب الإسلام - يريد المحنة.
    وروي عن إسحاق بن راهويه، قال: أحمد حجة بين الله وبين خلقه"، "سير أعلام النبلاء" (11/195-196).

    وأهل السنة متفقون على تكفير تارك الصلاة جحوداً وعناداً، ومتفقون على إطلاق الكفر عليه، لكن بعضهم يريدون بإطلاق الكفر الكفر الأكبر، والباقون يريدون بإطلاقه الكفر الأصغر، وإذا كان حال هؤلاء الباقون هو هذا يطلقون على الجاحد الكفر الأكبر، وعلى غير الجاحد الكفر الأصغر فقد عملوا بنصوص التكفير إلى حد بعيد، مع مراعاتهم لأحاديث الشفاعة وأحاديث الوعد لمن يقول: "لا إله إلا الله" بالجنة، ونحو ذلك.
    وهذا وذاك يجعلهم أقرب إلى الصواب؛ لأنهم جمعوا بين الأخذ بنصوص الوعد والأخذ بنصوص الوعيد.
    ومن أدلة هؤلاء على عدم الحكم على تارك الصلاة بالكفر الأكبر المخرج من الإسلام ما يأتي:
    1- قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
    وقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).
    والمشرك بالله يعبد غير الله، ويتخذ مع الله أنداداً، مفتر على الله.
    وتارك الصلاة كسلاً ليس كذلك، بل هو يكفر بالأنداد.
    وتارك الصلاة كسلاً مقر معترف بوجوب الصلاة وغيرها من الفرائض، وتاركها جحوداً مفتر على الله، معترض على تشريع الله، لذا أجمع العلماء على تكفير جاحد فرضية الصلاة أو غيرها من الفرائض.
    2- ومن أدلة من لا يكفر تارك الصلاة كسلاً، لا جحوداً أحاديث الشفاعة:
    أ- ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- الطويل.
    ومنه: "...ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما)، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
    أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (7439)، ومسلم في "صحيحه" حديث (183)، واللفظ له، وأحمد في "المسند" (3/94) تحقيق شعيب (18/394) رقم (1189، والضياء في "المختارة" (2345)، وأخرجه أبو داود الطيالسي برقم (2179)، وأبو عوانة في "مسنده" (1/156) (449) و (1/181-182،185)، وابن منده في "الإيمان" (ص776-779).
    فدلَّ هذا الحديث أن الشفاعة ستكون لأصناف من هذه الأمة:
    الصنف الأول: المصلون الصائمون القائمون بالحج، فهؤلاء مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوب أوبقتهم، فمن لا يقوم بها أشد عذاباً منهم وأشد.
    الصنف الثاني: من في قلبه مثقال دينار من خير، فهؤلاء خرجوا من النار بما في قلوبهم من الإيمان وأعمال القلوب، ومنها إخلاصهم في التوحيد.
    والصنف الثالث من في قلبه مثقال ذرة من خير، وهذا الخير هو الإيمان مع الإخلاص فيه.
    الصنف الرابع: صنف لم يعملوا خيراً قط، يخرجهم الله من النار بما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص وبمحض رحمة الله، ويسميهم أهل الجنة عتقاء الله، ويقولون أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه.
    وهذا النفي إنما هو لأعمال الجوارح لا لأعمال القلوب، ومنها إخلاص التوحيد.
    صرّح بهذا كله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يقول إلا الحق، ولا ينطق عن الهوى.
    ب- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الشفاعة.
    ومنه يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "... فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.
    قال معبد بن هلال العنـزي الراوي عن أنس –رضي الله عنه-:
    هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال فدخلنا عليه فسلمنا عليه فقلنا يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع مثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ما زادنا قال قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك شيئا ما أدري أنسي الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له حدثنا فضحك وقال: (خلق الإنسان من عجل). ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه.
    "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله".
    رواه البخاري في "التوحيد" حديث (7510)، ومسلم في كتاب الإيمان حديث (193/326)، وأحمد في "مسنده" (3/116)، وأبو عوانة (1/183-184)، وابن منده (ص820-822)، والضياء في "المختارة" (2345)، وابن خزيمة في "التوحيد" (2/710-711) .
    حديث أنس -رضي الله عنه- يفيد أن الشفاعة تنال أصنافاً.
    الصنف الأول: من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان.
    الثاني: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
    الثالث: من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.
    الرابع: صنف يشفع فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم من قال: "لا إله إلا الله"، فيقول الله له: " ليس ذاك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله ".
    فهذه الأصناف من أمة محمد أدخلوا النار بذنوبهم، وأخرجهم الله من النار بشفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    والصنف الأخير أخرجوا بعزة الله وكبريائه وعظمته وجبريائه ورحمته، وذلك بسبب توحيدهم وإيمانهم، وإن كان في نهاية الضعف. فهذان الحديثان يجمعان بين الترهيب والترغيب. الترهيب من الذنوب والعقوبة الشديدة عليها ليرتدع المسلمون عن الذنوب، والترغيب في الإيمان والتوحيد ليكونوا من أهله.
    وقد وردت أحاديث كثيرة في الترهيب من المعاصي كالربا، الذي قال الله في أهله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
    فحكم الله على هؤلاء المرابين بأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون.
    وقال فيهم: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
    ومع ذلك لم يُكفر أهل السنة من المرابين إلا المستحلين، ولا يُكفِّرون من عداهم.
    هذا ولم يرد في تاركي الصلاة مثل هذه الأحكام العظيمة.
    والذي يكفر تارك الصلاة، ويحكم على من لا يكفره بالإرجاء، ولا يكفر المرابين، ويحمل هذه الأحكام على المستحلين، فعلى منهجه يعتبر هو من غلاة المرجئة.
    وقال الله في قاتل النفس متعمداً: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
    وهذا الوعيد الصريح في خلود قاتل النفس متعمداً في النار مع غضب الله عليه ولعنه يلزم من يكفر تارك الصلاة أن يكفره؛ لأن الله حكم عليه بالخلود، ولم يحكم على تارك الصلاة بمثل هذا الحكم.
    أضف إلى ذلك قول الله تعالى في قاتل النفس: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).
    ولم يقل مثل هذا في تارك الصلاة.
    فإن حمل مُبدِّع من لا يُكفِّر تارك الصلاة هذين النصين - البالغين نهاية الشدة في الأحكام والزجر- على القاتل المستحل لزمه أن يحمل نصوص تكفير تارك الصلاة على المستحل، وإلا وقع في التناقض.
    وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [سورة المائدة: 44].
    وقال تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [سورة المائدة: 45].
    وقال تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [سورة المائدة: 47].
    فقد حكم الله على من لم يحكم بما أنزل بالكفر والظلم والفسق، بهذه الصيغ المفيدة للحصر، إذ جعل الكفر والظلم والفسق محصوراً فيهم.
    وهذه الأحكام أشد من الأحكام على تارك الصلاة.
    فإن قال عادل وأمثاله هذه الأحكام تحمل على المستحل للحكم بغير ما أنزل الله.
    قيل لهم: يلزمكم مثل هذا التأويل في تارك الصلاة.
    ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذي يؤذي جاره: (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ)، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (6016).
    فقد نفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإيمان عن من يؤذي جاره بأقوى أساليب النفي؛ من الإقسام بالله ثلاث مرات على نفي الإيمان عنه، وأكد هذا القسم المكرر بتكرار النفي.
    فإن حمل عادل وأمثاله هذا النفي المؤكد بأشد أنواع التأكيد على المستحل لإيذاء جاره صاروا مرجئة على مذهبهم.
    أما السلف المكفرون لتارك الصلاة فإنهم يحترمون إخوانهم غير المكفرين له، ويعتبرونهم من أهل السنة، ويعتبرون علماءهم من أعلام السنة، ولا يرمونهم بالإرجاء، حاشاهم أن يفعلوا ذلك.
    كيف وهم يعلمون أن إخوانهم مجتهدون، ولهم أدلتهم وبراهينهم على ما ذهبوا إليه.
    وأن لهم أجر المجتهدين في فهم النصوص، فإن أصابوا فلهم أجران.
    وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، كما نصَّ على ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    فهل يجوز لعادل وأمثاله أن يطعنوا فيهم وهم يؤمنون بهذه النصوص، ويقولون: إن كان مرتكبو هذه الكبائر مستحلين لارتكابها فهم كفار، وإن كانوا غير مستحلين فهم مجرمون ومستحقون للعذاب والنكال الشديد بالنار، وكذا يقولون في تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، والمرجئة لا تقول هذا، بل توجب على الله أن يدخل هذه الأصناف الجنة، إلى آخر ضلالاتهم.
    وانظر إلى هذا الترهيب لِمَنْ تَرَكَ ركناً من أركان الإسلام، وسأسوق مثالاً في الترهيب من منع زكاة الأموال.
    روى مسلم بإسناده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
    "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
    قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
    قيل: يا رسول الله فالخيل قال الخيل ثلاثة هي لرجل وزر وهى لرجل ستر وهى لرجل أجر فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام فهي له وزر وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات قيل يا رسول الله فالحمر قال ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)".
    "صحيح مسلم" حديث (987)، والإمام أحمد في "مسنده" حديث (7563).

    فهذا الوعيد الشديد لمانعي الزكاة، وأشد منه الوعيد لتارك الصلاة.
    بل هو أشد عذاباً وأنكى، كما دلَّ على ذلك أحاديث الشفاعة نفسها.
    فهل يجوز أن يُرمى بالإرجاء من هذا منهجه؟؛ يؤمن بنصوص الوعد ونصوص الوعيد، ويؤلف بينها، ويُنـزلها منازلها؟
    اللهم إنا نعوذ بك من الظلم والهوى.
    كتبه
    ربيع بن هادي عمير المدخلي
    17/11/1433هـ

    يتبعه الحلقة الثانية إن شاء الله

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

    [1] - يعني ابن بطة –رحمه الله-.
    [2] - في (1/182) من "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي.
    [3] - لأن الله تعالى قال في كاملي الإيمان: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
    [4] - لأن ابن بطة هو الراوي لرسالة الإمام أحمد كما في "طبقات الحنابلة".
    [5] - هو أبو جعفر الوراق، انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة" (1/30 رقم (435)، ثقة، قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" رقم (614): " الحافظ المتقن أبو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن مهران البغدادي الوراق...قال الخطيب: "كان فاضلاً حافظاً عارفا ثقة". ويحتمل أن يكون محمد بن علي ابن عباس النسائي وهو ثقة أيضاً، انظر "تأريخ بغداد" (3/69)، وكلاهما من شيوخ الخلال.
    [6] - كذا، ولعله: "لِقوم".
    [7] - عبارة ابن البناء: "في أصح الروايتين" ، فلا أدري ما الذي حمل عادلاً على تغيير هذه العبارة؟
    [8] - في الأصل: "جعلاً"، وهو خطأ واضح.
    [9] - كذا، ولعله: "جفاء".
    [10] - قول شيخ الإسلام: " اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ" ، أي من أصحاب الإمام أحمد، فلعل شيخ الإسلام يشير إلى قول ابن بطة في "الإبانة الصغرى".
    [11] - انظر إلى قول شيخ الإسلام -رحمه الله- : "وقول كثير من السلف" ، فإنه يبطل دعوى الإجماع على كفر تارك الصلاة.
    [12] - أي الخرقي-رحمه الله-.
    [13] - كذا في الأصل.
    [14] - هذه الكلمة ساقطة من الأصل، ونُبِّهَ عليها في الحاشية.
    [15] - رواه أحمد في "مسنده" (6/421) بإسناده إلى مكحول عن أم أيمن -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو بهذا الإسناد ضعيف، لأن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن، ولكن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن لغيره.
    [16] - معنى هذا النص في صحيح مسلم حديث (22) من حديث ابن عمر –رضي الله عنهما-، لا من قول أبي بكر –رضي الله عنه-.
    [17] - وهذا القول يدل على قلة من يكفر تارك الصلاة من الحنابلة، حيث لم يحك ابن قدامة التكفير إلا عن ابن حامد وابن شاقلا.
    [18]- نسبة ابن قدامة هذا القول إلى ابن بطة مع ما نسبه شيخ الإسلام إليه يؤكدان أن هذا هو مذهب ابن بطة الذي استقر عليه، فالظاهر أنه قال بهذا الرأي في غير "الإبانة الكبرى" من مؤلفاته الكثيرة، وذكر الإمام ابن القيم في كتابه "الصلاة" (ص30) الذين يرون أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، ثم ذكر أنه قول مالك والشافعي، ثم قال: "واختار أبو عبد الله ابن بطة هذه الرواية"، وانظر إلى إنكار ابن بطة القول بالتكفير، وأنه لم يجد في المذهب خلافاً فيه. وقال الإمام ابن القيم في كتاب "الصلاة وحكم تاركها" (ص29-30): "تارك الصلاة هل يقتل حداً كما يقتل المحارب والزاني، أم يقتل كما يقتل المرتد والزنديق ؟ فيه قولان للعلماء، وهما روايتان عن الإمام أحمد، إحداهما: يقتل كما يقتل المرتد، وهذا قول سعيد بن جبير، وعامر الشعبي (وذكر علماء آخرين)، والثانية: يقتل حداً لا كفراً، وهو قول مالك والشافعي، واختار أبو عبد الله بن بطة هذه الرواية" ، أقول: وهذا الاختيار منه يدل على أنه لا يكفر تارك الصلاة.
    [19] - صحيح، أخرجه ابن ماجه حديث (4049)، والحاكم (4/473).
    [20] - حديث عبادة هذا صحيح، وردَ من طرق رواها كل من مالك في "الموطأ" حديث (96) وعبد الرزاق (4575)، والحميدي (38، وابن أبي شيبة (2/296)، وأحمد (5/315، 319)، والدارمي (1585)، وأبو داود (1420)، والنسائي (1/230)، وفي الكبرى (314)، وابن حبان (1731) و (2417).
    [21] - هذا الحديث ضعيف جداً.
    [22] - في "الإبانة الكبرى": "أدنى حياء".
    [23] - يريد الإمام أحمد -رحمه الله- أنه لا يحتج برواية ابن إسحاق في الحلال والحرام؛ لأنه ليس بالقوي، وكذلك لا يحتج به في العقائد.
    [24] - انظر إلى قول الإمام إسحاق: " وكذلك كان رأي أهل العلم"، وأعتقد أنه استصعب ذكر الإجماع، ولا شك أنه موضع تهيّب.
    [25] - الظاهر أن قول ابن نصر هذا مبني على دعوى عبد الله بن شقيق الإجماع، وهذه الدعوى لم تثبت.
    [26] - انظر "تهذيب الكمال" (15/90).
    ([27]) يعني نفسه.
    [28] - " العلل ومعرفة الرجال" ضمن الجامع (1/32).
    [29] - وانظر "تذهيب تهذيب الكمال" (8/20، 22).
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 04-Apr-2014, 10:27 PM.

  • #2
    رد: متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء (الحلقة الأولى)

    "الحلقة الثانية"
    التَّحميل مِن المُرفقات

    التعليق السادس- قال عادل في تعليقه على "الشرح والإبانة" (ص126) مؤكداً ما يرى من الإجماع على كفر تارك الصلاة:
    "وفي "تعظيم قدر الصلاة" (990) قال إسحاق بن راهويه –رحمه الله-: قد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر".
    أقول: إن كلام الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- هذا فيه نظر إن أراد بهذا الكلام إجماع أهل العلم من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وقته على تكفير تارك الصلاة.
    1- فهذا الإمام محمد بن نصر المروزي، وهو ممن يقول بكفر تارك الصلاة يقول بعد نقله لأدلة من لا يكفر تارك الصلاة في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" (2/ 956-957):
    " قالوا: فهذه الأخبار تدل على أن تارك الصلاة حتى تجاوز وقتها غير كافر.
    قالوا: وفى اتفاق عامة أهل العلم على أن التارك للصلاة حتى خرج وقتها متعمدا، يعيدها قضاء، ما يدل على أنه ليس بكافر، لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة في قول عامة العلماء.
    وكان ممن ذهب هذا المذهب من علماء أصحاب الحديث الشافعي([1]) -رضي الله عنه- وأصحابه أبو ثور وغيره، وأبو عبيد في موافقيهم.
    قال أبو عبدالله:
    1035 - وقد حدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب أنه سئل عن الرجل يترك الصلاة؟ قال: إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينا غير دين الإسلام قتل، وإن كان إنما هو فاسق ضرب ضربا مبرحا وسجن".
    فالزهري وهو من أئمة التابعين لا يُكفر بترك الصلاة إلا الجاحد لها، ومن لم يجحد وجوبها فهو عنده فاسق، ولا يبعد أن له نظراء من التابعين، وما أعتقد أن تلاميذه يخالفونه.

    فهذه مجموعة من علماء الحديث الزهري والشافعي وأصحابه أبو ثور وغيره وأبو عبيد في موافقيهم، فهذه المجموعة منهم من سبق إسحاق، مثل الإمام الزهري والإمام مالك وأصحابه ومنهم الإمام الشافعي المتوفى سنة (204) وأصحابه، بينما إسحاق كان قد توفي سنة (23، ومنهم من عاصره كأبي ثور، فهذه المجموعة وغيرهم لا يُكفِّرون تارك الصلاة.
    وقال الإمام محمد بن نصر مرة أخرى في (2/ص936) تابع لرقم (1002):
    " قال أبو عبد الله رحمه الله تعالى (يعني نفسه): قد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمدا وحكينا جملة ما احتجوا به وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث وقد خالفتهم جماعة أخرى عن أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة إلا إن يتركها جحودا أو إباء واستكبارا واستنكافا ومعاندة فحينئذ يكفر وقال بعضهم تارك الصلاة كتارك سائر الفرائض من([2]) الزكاة وصيام رمضان والحج وقالوا الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة نظير الأخبار التي جاءت في الإكفار بسائر الذنوب.
    نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
    1003 - ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
    1004 - وقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر.
    1005 - وقوله -صلى الله عليه وسلم-: من حلف بغير الله فقد أشرك.
    1005 - والطيرة شرك.
    1006 - وما قال مسلم لمسلم كافر إلا باء به أحدهما" ، ومما أشبه هذه الأخبار.
    قالوا: وقد وافقنا جماعة أصحاب الحديث على من ارتكب بعض هذه الذنوب لا يكون كافرا مرتدا يجب استتابته وقتله على الكفر إن لم يتب وتأولوا لهذه الأخبار تأويلات اختلفوا في تأويلاتها.
    قالوا: وكذلك الأخبار التي جاءت في إكفار تارك الصلاة يحتمل من التأويل ما احتمله سائر الأخبار التي ذكرناها.
    واحتجوا مع هذا لتركهم الإكفار بترك الصلاة بأخبار استدلوا بها على أن تارك الصلاة حتى يذهب وقتها لا يكفر إذا لم يتركها إباء ولا جحودا ولا استكبارا".

    فهذان النقلان من الإمام محمد بن نصر يردان ما قاله الإمام إسحاق بن راهويه، ويبطلان مزاعم من يدَّعي أن الإمام إسحاق نقل الإجماع على تكفير تارك الصلاة.
    أضف إلى ذلك أن الإمام محمد بن نصر ذكر اختلاف أهل الحديث في الإيمان والإسلام، هل معناهما واحد أو أنهما مختلفان في المعنى، وقسمهم إلى ثلاث طوائف، كل هذه الطوائف ترى أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأن خروجهم بسبب ما في قلوبهم من إيمان.

    وقال الإمام محمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/529-530) متحدثاً عن الطائفة الثالثة من أهل الحديث:
    " قال أبو عبدالله: وقالت طائفة ثالثة([3]) وهم الجمهور الأعظم من أهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث([4]) الإيمان الذي دعا الله العباد إليه وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله دينا وارتضاه لعباده ودعاهم إليه وهو ضد الكفر الذي سَخِطَهُ، فقال: (ولا يرضى لعباده الكفر)، وقال: (ورضيت لكم الإسلام دينا)، وقال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)، وقال: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه).
    فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان وجعله اسم ثناء وتزكية فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه وهدى وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه فقد أحبه وامتدحه ألا ترى أن أنبياء الله ورسله رغبوا فيه إليه وسألوه إياه فقال إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل ذبيحه: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) وقال يوسف: (توفني مسلما وألحقني بالصالحين)، وقال: (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)".

    ثم استمر في سوق الأدلة على أن معنى الإيمان والإسلام واحد، إلى أن قال في (2/533-536):
    "وقد جامعتنا هذه الطائفة التي فرقت بين الإيمان والإسلام على أن الإيمان قول وعمل وأن الصلاة والزكاة من الإيمان وقد سماهما الله دينا وأخبر أن الدين عند الله الإسلام فقد سمى الله الإسلام بما سمى به الإيمان وسمى الإيمان بما سمى به الاسلام وبمثل ذلك جاءت الاخبار عن النبي صلى الله عليه و سلم.
    فمن زعم أن الإسلام هو الإقرار وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة ولا فرق بينه وبين المرجئة إذ زعمت أن الإيمان إقرار بما عمل فقد بين الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم أن الإسلام والإيمان لا يفترقان فمن صدق الله فقد آمن به ومن آمن بالله فقد خضع لله وقد أسلم لله.
    ومن صام وصلى وقام بفرائض الله وانتهى عما نهى الله عنه فقد استكمل الايمان والإسلام المفترض عليه ومن ترك من ذلك شيئا فلن يزول عنه اسم الإيمان ولا الإسلام إلا أنه أنقص من غيره في الإسلام والإيمان من غير نقصان من الإقرار بأن الله وما قال حق لا باطل وصدق لا كذب ولكن ينقص من الإيمان الذي هو تعظيم للقدر خضوع للهيبة والجلال والطاعة للمصدق به وهو الله عز و جل فمن ذلك يكون النقصان لا من إقراراهم بأن الله حق وما قاله صدق.
    قالوا: ومما يدلك على تحقيق قولنا أن من فرق بين الإيمان والإسلام قد جامعنا أن من أتى الكبائر التي استوجب النار بركوبها لن يزول عنه اسم الإسلام.
    وشر من الكبائر وأعظمهم ركوبا لها من أدخله الله النار، فهم يروون الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويثبتونه أن الله يقول أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان ومثقال برة ومثقال شعيرة.
    فقد أخبر الله تبارك وتعالى أن في قلوبهم إيمانا أخرجوا بها([5]) من النار وهم أشر أهل التوحيد الذين لا يزول في قولنا وفي قول من خالفنا عنهم اسم الإسلام.
    ولا جائز أن يكون من في قلبه إيمان يستوجب به الخروج من النار([6]) ودخول الجنة ليس بمؤمن بالله.
    إذ لا جائز أن يفعل الإيمان الذي يثاب عليه بقلبه من ليس بمؤمن كما لا جائز أن يفعل الكفر بقلبه من ليس بكافر.
    أجوبة أدلة القائلين بتغاير الإيمان والإسلام
    وأما ما احتجوا به مما روى في بعض الحديث في الزاني أنه يخرج من الإيمان وينزع منه الإيمان ونحو ذلك فقد روينا عن ابن عباس أنه قال ينزع منه نور الإيمان ونور الإيمان ليس هو كل الإيمان، فإنما أراد بقوله ينزع منه الإيمان بعض الإيمان لا كل الإيمان حتى لا يبقى فيه شيء من الإيمان، فلو كان كذلك لكان كافرا إذ زال عنه اسم الإيمان بأسره فلما قال النبي صلى الله عليه و سلم عن الله عز و جل أخرجوا من النار من كان في قلبه مثال خردلة من إيمان لأن من دخل النار فقد لقي الله بالكبائر وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في قلوبهم أجزاء من الإيمان استحقوا بذلك اسم الإيمان ووجب لهم عليه الثواب لولا ذلك ما دخلوا الجنة؛ لأنه لا يدخل الجنة من البالغين العاقلين من ليس بمؤمن لأن الله عز و جل قال في كتابه: (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله)، وقال -صلى الله عليه و سلم-: "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة"، وفي بعض الحديث "لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة" وليس ذلك بمتناقض ولا مختلف لأن معناهما واحد ولما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان فيدخله الجنة علمنا أنه لم يدخله الجنة إلا وهو مسلم مؤمن".

    أقول:
    1- هذا اعتراف من الإمام محمد بن نصر وطوائف أهل الحديث بأن الله يخرج مرتكبي الكبائر من النار، يخرجهم بما في قلوبهم من الإيمان، وأن الطوائف الثلاث لا تختلف في هذا.
    ويعترف بجميع طوائف أهل الحديث، وأنهم من أهل السنة.
    وهذا التقسيم منه إنما هو بالنسبة للخلاف بينها في هل الإيمان والإسلام شيء واحد، أو أن هناك فرقاً بينهما؟، والصواب في هذه المسألة:
    أنهما إذا اجتمعا في سياق واحد افترقا في المعنى، كما في حديث جبريل -عليه السلام-، الذي فرّق فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الإسلام والإيمان.
    وإذا افترقا اجتمعا في المعنى، كما في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام).
    فإن الإسلام في هذه الآية يدخل فيه الإيمان.
    2- يصرِّح الإمام ابن نصر بأن أهل الحديث والسنة يعتقدون أن الإيمان قول وعمل، وأن الصلاة والزكاة من الإيمان، وهذا اختصار منه لمعتقد أهل السنة والحديث من أن الأعمال الصالحة كلها من الإيمان، كما في الحديث الصحيح: "الإيمان بضع وستون، وفي رواية بضع وسبعون شعبة أعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق .
    3- وينكر على من يزعم أن الإسلام هو الإقرار وأن العمل ليس منه، ويدينه بأنه قد خالف الكتاب والسنة، وأنه لا فرق بينه وبين المرجئة إذ زعمت أن الإيمان إقرار بلا عمل.
    4- يصرِّح -رحمه الله- بأن من فرّق بين الإيمان والإسلام([7]) قد وافق الطائفة الثالثة في أن من أتى الكبائر التي تستوجب النار لن يزول عنه اسم الإسلام.
    5- استدل –رحمه الله- على أن مرتكب الكبائر لا يزول عنه اسم الإسلام([8]) بما رواه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن رب العالمين وأرحم الراحمين: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان ومثقال برة ومثقال شعيرة".
    فهو يعترف بأن طوائف أهل الحديث والسنة يثبتون هذا الحديث ويؤمنون بمضمونه.
    ويركز على إيمان القلب باسم طوائف أهل الحديث، وأن الذين أخرجوا من النار وأدخلوا الجنة من هذه الأصناف أنهم إنما استحقوا هذه الرحمة من الله عز وجل بسبب ما في قلوبهم من الإيمان، ولم يذكر شيئاً من أعمال الجوارح لا الصلاة ولا غيرها.
    ويؤكد هنا ابن نصر -رحمه الله- باسم إحدى الطوائف.
    وينقل عن ابن عباس –رضي الله عنه- أن المراد من قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ"، بأنه ينـزع منه نور الإيمان، ونور الإيمان ليس هو كل الإيمان؛ لأنه لو نزع منه كل الإيمان لكان كافراً.
    أقول:
    وهذا قول أهل السنة جميعاً، وخالفهم في هذا ونحوه الخوارج المكفرون بالذنوب والحاكمون على مرتكبيها بالنار والخلود فيها.
    6- ويحتج ابن نصر على قوله بأنه لا يزول الإيمان عن مرتكب الكبيرة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه -عز وجل- أنه يقول: "أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان"؛ لأن من دخل النار لقي الله بالكبائر، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في قلوبهم أجزاء من الإيمان، استحقوا بذلك اسم الإيمان، ووجب لهم عليه الثواب، لولا ذلك ما دخلوا الجنة([9])...الخ
    واحتج على هذا بالآية والحديث المذكورين.
    7- وأكد ذلك بقوله: "ولما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان فيدخله الجنة علمنا أنه لم يدخله الجنة إلا وهو مسلم مؤمن".
    ومعروف أن محمد بن نصر ممن يكفر تارك الصلاة، ومع ذلك يحكي أدلة وأقوال هذه الطوائف الثلاث، ويصفهم بأنهم أهل السنة والحديث، ولا يرد أقوالهم، ولا يرميهم بالإرجاء؛ لأنه على مذهبهم، ويعلم هو وغيره ممن يكفرون تارك الصلاة أن لإخوانهم الذين لا يُكفِّرون تارك الصلاة أدلتهم وبراهينهم على أن الله يخرج من النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان ومن في قلبه ، ومن في قلبه مثقال نصف دينار من إيمان ومن في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ومن في قلبه مثقال خردلة من إيمان، ومن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ومن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ومن لم يعمل خيراً قط.
    وهذه الأصناف مذكورة في الأحاديث الواردة في الصحيحين، تأتي الشفاعة فيهم بعد الشفاعة في القائمين بالصلاة والصيام والحج.
    ولا يخالف ما في هذه الأحاديث الصحيحة من الحقائق، ويرمي أهلها بالإرجاء إلا الخوارج ووراثهم.
    وبعض هؤلاء الوراث يضعفها انطلاقاًَ من منهجه الفاسد، وبعضهم لا ينكرها علانية، ولكن طعنه فيمن يؤمن بها ويقررها، ورميه إياهم بأنهم مرجئة يدل على أنه لا يؤمن بها، فهذا الطعن من أو ضح الأدلة أنه لا يؤمن بها، ولكنه يتخفى بذلك، فمثله كمثل النعامة التي تدس رأسها في الرمل ومؤخرتها بادية للعيان.
    وممن ينكر هذه الأحاديث المرجئة الذين يقولون: إن العمل ليس من الإيمان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وأن إيمان الفجار كإيمان محمد وجبريل وميكائيل - عليهم الصلاة والسلام-، فهم لا يؤمنون بأن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة.
    ثم إن أحاديث الشفاعة تدل على أمرين هامين:
    أحدهما- بيان عقوبة الله لأهل الكبائر بالنار، لاسيما تاركي الفرائض.
    وثانيهما- بيان فضل التوحيد، وأنه السبب في إخراج الجهنميين من النار، فالذي يتنكر لمضمون هذه الأحاديث، ويرمي من يؤمن بها ويقول بدلالاتها بالإرجاء لا يرى للتوحيد هذه المكانة العظيمة عند الله وعند رسوله والمؤمنين.
    ويرى القارئ اتفاق طوائف أهل الحديث على الإيمان الصادق بأحاديث الشفاعة التي تنص على أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ومن لم يعمل خيراً قط.
    وهذا يبطل مزاعم من يدّعي الإجماع على كفر تارك الصلاة.

    احترام أئمة السنة لأهل الحديث
    قال أبو نعيم –رحمه الله-: "حدثنا أبو أحمد الغطريفي([10]) ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث كأني رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" "حلية الأولياء" (9/109)، و"سير أعلام النبلاء" (10/59-60).
    وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في "معرفة علوم الحديث (ص4):
    "سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول : كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن : يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال : أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال : زنديق ! زنديق ! زنديق ! ودخل البيت".
    يقول الإمام أحمد هذا فيمن يشتم أهل الحديث، وهو يعلم أنهم قد يخالفونه فيحترمهم؛ لأنهم لا يخالفونه ولا يخالفون غيره إلا على أساس حجج وبراهين يستندون إليها.
    وقال الحاكم: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي: يقول سمعت أحمد ابن سنان القطان يقول : ليس في الدنيا متبدع إلا وهو يبغض أهل الحديث وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه".

    هذا ومن الآخذين بأحاديث الشفاعة وما يؤيدها من السنة الصحيحة الإمام ابن القيم -رحمه الله-.
    قال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273):
    "الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"، فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
    ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه([11]) عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)([12])".
    1- الإمام ابن القيم بنى حكمه هنا على حديث أبي سعيد وأيده بحديث هذا الرجل الذي لم يعمل خيراً قط، وأمر أولاده أن يحرقوه...الحديث.
    ولا شك أنه يؤمن بأحاديث الشفاعة الأخرى والأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله وفضل التوحيد.
    والذي نعرفه عن ابن القيم أنه يرى كفر تارك الصلاة.
    لكنه لما وقف أمام حديث أبي سعيد في الشفاعة وما تلاه لم يسعه إلا الاستسلام لها والصدع بمضمونها.
    وكذلك يقال عن الإمام أحمد، فإن له روايات عديدة في تكفير تارك الصلاة حيناً وعدم تكفيره حيناً آخر، وفي تكفير تارك الأركان تارة، وفي عدم تكفيره تارة أخرى.
    والظاهر أن سبب اختلاف رواياته ثم فيأتُهُ إلى عدم التكفير هو استسلامه وإيمانه بأحاديث الشفاعة.
    وقل مثل ذلك في شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه قد يرى كفر تارك الصلاة، لكنه إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة استسلم لها وصدع بمضمونها.
    قال –رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (1/31:
    "وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ أَنْكَرُوا شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ فَقَالُوا : لَا يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ عِنْدَهُمْ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ وَلَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلُوهَا لَا بِشَفَاعَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَمَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَحَدٌ ؛ بَلْ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ".
    والظاهر والله أعلم أن أخذ هؤلاء الأئمة بأحاديث الشفاعة هو الأخير، وهو الأصوب؛ لأن ذلك أخذ منهم بالجمع بين نصوص الوعد والوعيد، وهو المنهج الحق السديد الذي يخالف به أهل السنة الخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، ويهملون نصوص الوعد.
    ويخالفون به غلاة المرجئة الذين يأخذون بنصوص الوعد ويهملون نصوص الوعيد.
    2- وقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: " فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير".
    فالظاهر أنه يعتقد أنهم من أهل التوحيد، وأنهم ليس عندهم شيء زائد على التوحيد أي يعتقد بظاهر الحديث أنهم لم يعملوا خيراً قط، والله أعلم.
    3- لا ينسى المطلع على أحاديث رسول الله أن أحاديث الشفاعة تؤيد حديث أبي سعيد، ولا سيما حديث أنس، وكذلك قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لِمَنْ يَشَاءُ)كما يفهمها جمهور أهل السنة بخلاف الخوارج وغلاة المرجئة.
    هذا ومن أئمة السنة من لا يُكفِّر إلا بترك الشهادتين أو يقع في نواقضها.
    ومنهم:
    1- الإمام محمد بن عبد الوهاب إمام الدعوة السلفية بعد الإمامين ابن تيمية وابن القيم .
    قال في "الدرر السنية" (1/102): "وسئل الشيخ / محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب: أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".

    فعلماء الأمة اختلفوا في تكفير تارك الأركان كسلاً، وأجمعوا على تكفير تاركها جحوداً.
    وأجمعوا على كفر تارك الشهادتين.
    والإمام محمد لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه وهو الشهادتان .
    وقوله هذا نص واضح في عدم تكفير تارك العمل؛ إذ ليس وراء الأركان الخمسة من الأعمال ما يكفر به، بل نص على أنه لا يكفر إلا بما أجمعوا عليه، وهو الشهادتان .

    2- وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "الدرر السنية" (1/317) تأكيداً لما قاله الإمام محمد بن عبد الوهاب: "سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر... ".

    3- وقال الشيخ عبد اللطيف في "الدرر السنية" (1/467) مؤكداً ما قاله آباؤه:
    " وأخبرتهم ببراءة الشيخ، من هذا المعتقد والمذهب وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر والكفر بآيات الله ورسله أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً له فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية وهذا: مجمع عليه أهل العلم والإيمان".

    4- وقال ابن سحمان في الضياء الشارق (ص35)، مطابع الرياض: " فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة، ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب، ودان بحكم الكتاب والسنة، وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف، ووافق أهل السنة والجماعة. ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في "الإعلام" لابن حجر الشافعي".

    فهؤلاء كبار أئمة الدعوة السلفية في نجد لا يكفرون إلا بما أجمعت الأمة على أنه كفر.
    وعبارة الإمام محمد -رحمه الله-: "ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان".

    والظاهر أن هذه المواقف من هؤلاء الأئمة إنما هي مبنية على الأخذ بأحاديث فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وعلى أحاديث الشفاعة التي هي مبنية على فضل ومكانة كلمة التوحيد، وما لقائلها المعتقد لمعناها المخلص فيها من الجزاء عند الله على تفاوت أهلها في العمل بمقتضاها والتقصير فيه ، وعلى تفاوتهم في هذا التقصير، كما في أحاديث الشفاعة التي تبين هذا التفاوت، وقد سلف ذكرها قريباً.
    هذا ولهؤلاء الأئمة أقوال أخرى تخالف أقوالهم هذه.
    لكن المتأمل والناظر في الأدلة والإجماع الذي ذكروه يدرك أن المعتمَد عندهم هذا القول القائم على الأدلة المذكورة والإجماع، فما رأي عادل في أقوال هؤلاء الأئمة؟

    التعليق السابع- قال عادل في (ص207) من كتاب ابن البناء في "الرد على المبتدعة":
    "قلتُ: تتبع أقوال أهل السنة من المتقدمين والمتأخرين في أن العمل ركن من أركان الإيمان يطول، وبهذا تعلم ضلال وخطأ المرجئة في عدم قولهم بُركنية العمل في الإيمان، وأن العمل عندهم شرط كمال، وأن الإنسان يكون مؤمناً بقلبه ولسانه، وإن لم يعمل بجوارحه!! كما صرّح بذلك البيجوري والكوثري، وغيرهما ممن تلقّفَ هذا القول وصرّح به من مرجئة هذا العصر!! ممن يقول بأن الإيمان قول وعمل في الظاهر ثم يتناقضون بعد ذلك بأن تارك العمل بالكلية ليس بكافر بل هو مسلم، وأن مآله ومصيره إلى الجنة!! ويتناقضون كذلك في حصرهم الكفر في الجحود والتكذيب دون القول والعمل!! والأدهى من ذلك والأمرّ من يجعل إجماع أهل السنة على رُكنية العمل في الإيمان من أقوال الخوارج المارقة!!" .

    أقول:
    1- ونحن وجميع أهل السنة نقول: إن العمل من الإيمان، ونعتقد ذلك اعتقاداً جازماً، ونقول به باطناً وظاهراً، ونستدل على ذلك بالأدلة الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأقوال السلف الصالح.
    ونربي على ذلك، ونذم كل أهل البدع من خوارج وروافض ومعتزلة ومرجئة وصوفية وأحزاب ضالة، ونحذر منهم جميعاً، ونبيِّن ضلالاتهم وأباطيلهم بالأدلة والبراهين وأقوال السلف، ونربي الشباب على ذلك.
    2- وقول عادل: " وبهذا تعلم ضلال وخطأ المرجئة في عدم قولهم بُركنية العمل في الإيمان، وأن العمل عندهم شرط كمال، وأن الإنسان يكون مؤمناً بقلبه ولسانه، وإن لم يعمل بجوارحه!! كما صرّح بذلك البيجوري والكوثري".
    أقول: إن المرجئة أصناف، منهم من يقول: الإيمان هو المعرفة بالقلب فقط، وهم مرجئة الجهمية،
    ومنهم من يقول: الإيمان هو التصديق، وهم الأشاعرة.
    ومنهم من يقول: الإيمان هو النطق باللسان وهم الكرامية.
    ومنهم من يقول: الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان، وهم مرجئة الفقهاء.
    ومنهم من ينكر نصوص الوعيد.
    ومنهم من يرى أن مرتكب الكبائر والمصر على ترك الفرائض مؤمن مستكمل الإيمان، وإذا لقي الله أدخله الجنة، بل جميعهم يعتقدون أنه مؤمن مستكمل الإيمان.
    وكل هذه الأصناف يخرجون العمل من الإيمان.
    وأقوالهم كلها باطلة.
    فهؤلاء جميعاً خالفوا نصوص الكتاب والسنة، فضلّوا بذلك.

    قال شيخ الإسلام في مناقشته للمرجئة:
    " الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ غَلَطِ " الْمُرْجِئَةِ " :
    ظَنُّهُمْ أَنَّ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ لَيْسَ إلَّا التَّصْدِيقَ فَقَطْ دُونَ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ ؛ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ جهمية الْمُرْجِئَةِ . الثَّالِثُ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ"، "الإيمان"، (ص192).
    وقال شيخ الإسلام –رحمه الله- في "الإيمان" (ص172):
    " وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْمَدْحُ إلَّا عَلَى إيمَانٍ مَعَهُ الْعَمَلُ، لَا عَلَى إيمَانٍ خَالٍ عَنْ عَمَلٍ، فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ وَاقِعٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ نِزَاعُهُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ نِزَاعًا لَفْظِيًّا([13])، مَعَ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي اللَّفْظِ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ قَالُوا : إنَّهُ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ الْعَمَلِ فَهَذَا كُفْرٌ([14]) صَرِيحٌ ؛ وَبَعْضُ النَّاسِ يُحْكَى هَذَا عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ فَرَائِضَ وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَلَا يَضُرُّهُمْ تَرْكُهَا، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ قَوْلَ الْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ([15])، لَكِنْ مَا عَلِمْت مُعَيَّنًا أَحْكِي عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ، وَإِنَّمَا النَّاسُ يَحْكُونَهُ فِي الْكُتُبِ، وَلَا يُعَيِّنُونَ قَائِلَهُ وَقَدْ يَكُونُ قَوْلُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ مِنْ الْفُسَّاقِ وَالْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ : لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ أَوْ مَعَ التَّوْحِيدِ، وَبَعْضُ كَلَامِ الرَّادِّينَ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَصَفَهُمْ بِهَذَا".

    أقول: أهل السنة يقولون ويؤكدون أن الذم والعقاب الشديد واقع في ترك العمل، ويذمون من يخرج العمل من الإيمان ولا يقول: إن الإيمان يزيد وينقص، ويُكفِّرون غلاتهم.
    ونحن نقول: إن الإيمان يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة.
    وعادل يرمي جمهور أهل السنة السابقين واللاحقين بالإرجاء، فبأي طائفة من طوائف الإرجاء يلحقهم؟

    وقول عادل بعدما ذكر قول المرجئة:
    " كما صرّح بذلك البيجوري والكوثري، وغيرهما ممن تلقّفَ هذا القول وصرّح به من مرجئة هذا العصر!! ممن يقول بأن الإيمان قول وعمل في الظاهر ثم يتناقضون بعد ذلك بأن تارك العمل بالكلية ليس بكافر بل هو مسلم، وأن مآله ومصيره إلى الجنة!!".

    أقول: إن من يجعل أهل السنة المعاصرين الآخذين بنصوص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أهل الإرجاء لظالم شديد الظلم.
    ولا يستغرب هذا من إنسان يجعل جمهور أهل السنة والحديث السابقين واللاحقين وعلماءهم من المرجئة؛ لأنهم لم يكفروا تارك الصلاة، وعلى رأس هؤلاء الإمام الزهري والإمام مالك وحماد بن زيد والإمام الشافعي وأصحابهم من أهل السنة والحديث وغيرهم، ومنهم الإمام أحمد في عدد من أقواله والبربهاري وابن بطة وابن البناء الذين لا يكفرون تارك العمل بالكلية في بعض أقوالهم.
    وابن قدامة وكثير من الحنابلة لا يكفرون تارك الصلاة.
    فهؤلاء جميعاً ومن قال بقولهم مرجئة على مذهب عادل.
    وأقول: ومن يُكفِّر تارك الصلاة إذا وقف أمام أحاديث الشفاعة لا يسعه إلا الأخذ بها، والابتعاد عن تأويلها؛ لأنها تتضمن عقوبة تاركي الصلاة وغيرهم بإدخالهم النار.
    وتتضمن إخراجهم منها بتوحيدهم وبشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء والمؤمنين، ثم أخيراً برحمة أرحم الراحمين، وفيهم من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فأين عملهم وصلاتهم، وهذا إيمانهم؟
    وفيهم من لم يعمل خيراً قط.
    هذا ما عرفناه من تصرفات كثير من أئمة السنة والحديث، بل على هذا طوائف أهل الحديث كما أسلفنا.
    بخلاف عادل الذي يتظاهر هو وفرقته بالإيمان بهذه الأحاديث، ثم يحاربون حرباً شعواء من يؤمن بها ويسلم بصريح نطق رسول الله بها، فما ذنب من يأخذ بأحاديث الشفاعة، وهي قد تضمّنت تعذيب تارك الصلاة وتارك غيرها من الأعمال بجرائمهم، ثم يخرجهم الله من النار بسبب توحيدهم، وبما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص؟
    إن اعتبار أهل السنة المؤمنين بنصوص الكتاب والسنة ضُلّالاً ومخطئين ومرجئة لمن أشد الظلم، فالمرجئة كما يقول الإمام سفيان بن عيينة: " يقولون الإيمان قول ، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل. والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مُصراً([16]) بقلبه على ترك الفرائض ، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم ، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر([17])"، "السنة" لعبد الله بن أحمد (ص306) أثر (722)، وقد نقل عادل هذا القول عن سفيان –رحمه الله-.
    وبرأ الله أهل السنة سابقهم ولاحقهم من هذا القول الغالي في الإرجاء ومن أهله.
    فهل أهل السنة يقولون: الإيمان قول فقط ويخرجون الأعمال الصالحة من الإيمان، ويقولون بوجوب دخول الجنة لتارك الفرائض والأعمال؟
    وهل يقولون في أفجر الناس: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل ومحمد -عليهم الصلاة والسلام-؟
    والمرجئة يقولون: من لم يصم، ولم يصل بعد أن يقر به فهو مستكمل الإيمان.
    وأهل السنة الذين يرميهم عادل بالإرجاء يقولون ويعتقدون أن الإيمان قول وعمل، قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب والجوارح، وأنه يزيد حتى يصير أمثال الجبال، وينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة، كما دلَّ على ذلك أحاديث الشفاعة التي دلّت على تعذيب العصاة بالنار، وفيهم من يصلي ويصوم ويحج.
    إن من يلحق أهل السنة -الذين هذه عقيدتهم- بالمرجئة لظالم غشوم، ومثله مثل من يسوي بين الثرى والثريا، ومن يسوي بين الظلمات والنور والظل والحرور.

    وينسب عادل إلى أهل السنة المعاصرين أنهم يقولون: الإيمان شرط كمال، وهذا من البهت العظيم، فأهل السنة المعاصرين كسلفهم يقولون: إن العمل من الإيمان، ولا يقولون: شرط كمال.
    ورب السماء والأرض إني لأول من أنكر هذا القول في هذا العصر.
    أنكرته على خالد العنبري إذ نقل هذا القول، ونسبه إلى أهل السنة.
    فأنكرته عليه، وطلبت منه حذفه من رسالته قبل أن يطبعها.
    وأكدتُ هذا الإنكار عليه بشدة لما ذهب إلى الكويت وأثار هذا القول.
    واستمررت في إنكار هذا القول إلى يومنا هذا، ولا أعلم سلفياً في المملكة واليمن ومصر والجزائر والمغرب يقول بهذا القول.
    فليأت بالقائلين بهذا القول من أهل السنة في هذه البلدان من كتبهم أو مقالاتهم أو أشرطتهم، فإن عجز عرف الناس بهته وظلمه هو وفرقته التي تحارب أهل السنة بالتهاويل والافتراءات.

    وقول عادل هنا عن أهل السنة المعاصرين:
    "ويتناقضون كذلك في حصرهم الكفر في الجحود والتكذيب دون القول والعمل!!".

    أقول: إن أهل السنة المعاصرين كسلفهم لا يحصرون الكفر في الجحود والتكذيب دون القول والعمل، فهذا من الافتراء عليهم.
    وأنا وأهل السنة أول من أنكر ذلك على قائله.
    وندين الله بأن الكفر يكون بالجحود بالقلب وبالقول مثل من يسب الله أو يسب الرسول أو غيره من الأنبياء أو يسب الدين أو يكذب بآية من القرآن ونحو ذلك مما يكفر به القائل بلسانه.
    وأنه يكون بالفعل بالجوارح كمن يسجد للصنم أو يمتهن المصحف برجله، أو يتعمد الصلاة لغير القبلة.
    فنسبة هذا إلى أهل السنة المعاصرين أو السابقين من الفجور القاتل.
    وقوله: " والأدهى من ذلك والأمرّ من يجعل إجماع أهل السنة على رُكنية العمل في الإيمان من أقوال الخوارج المارقة!!" .

    أقول: إن أهل السنة السابقين واللاحقين متفقون على أن العمل الصالح كله من الإيمان بخلاف طوائف المرجئة الذين لا يعتقدون أن العمل من الإيمان، وأهل السنة يكفرون مرجئة الجهمية.
    ولا يقول أحد منهم في من يقول بأن العمل من الإيمان: إن هذا القول من أقوال الخوارج، وإن كان الخوارج يوافقون أهل السنة في أن العمل من الإيمان، لكنهم لما خالفوا أهل السنة في مرتكبي الكبائر فكفروهم وحكموا على من مات مصراً على كبيرة بأنه كافر مخلد في النار واستحلوا بذلك دماء المسلمين حاربهم أهل السنة بالسيف والسنان، وكثير من أهل السنة كفروهم بهذا وبغيره من ضلالاتهم.
    بل حذّر منهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم وأمر بقتلهم وقتالهم، ووصفهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ووصفهم بأنهم شر الخلق والخليقة، واتفق الصحابة على قتلهم وقتالهم، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أحد الخلفاء الراشدين، ولما اشتد الجهيمانيون الحداديون على أهل السنة، وصار شغلهم الشاغل الطعن فيهم، ورموهم بالإرجاء، وصاروا لا يفترون عن ذم أهل السنة والطعن فيهم شبهوهم بالخوارج، وقد قال السلف: "من علامة أهل البدع الطعن في أهل السنة.
    ولما بلغ الإمام أحمد أن ابن أبي قتيلة يقول: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال : زنديق ! زنديق ! زنديق ! ودخل البيت، "معرفة علوم الحديث" (ص4).
    وها أنت اليوم من أشد الناس على أهل السنة السابقين ، فترميهم بالإرجاء؛ لأنهم لا يكفرون تارك الصلاة.
    وتفتري على أهل السنة المعاصرين، وتقذفهم بالبوائق، وشمّرت عن ساعد الجد لتحقيق كتب أهل السنة في العقائد، ومن أعظم أهدافك في النهوض بتحقيق هذه الكتب حرب أهل السنة، فقد جعلتهم هدفاً لك في كل كتاب حققته، وهذا أمر لم يفعله خوارج العصر ولا مرجئتهم إلا الكوثري وتلاميذ سيد قطب، بل هؤلاء لا يلحقونكم في حرب أهل السنة.
    فإن كان عندك سلفية صادقة، فاحترم السلفيين أهل السنة السابقين واللاحقين، واعترف بظلمك لهم وتجنيك عليهم.
    وتب إلى الله توبة نصوحاً.
    ولقد كنا ندرك من أساليب الحدادية وطعونهم في بعض السلفيين المعاصرين أنهم يهدفون إلى الطعن في السلف، وفعلاً طعن الحداد في شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز، وتجاوب معه أتباعه، فلما بيّنا ظلم الحداد وافتراءه عليهم صار الحدادية يتظاهرون باحترام ابن تيمية، ونحن لا نصدقهم لقرائن عندنا.
    وها أنت اليوم تطعن في أهل السنة القدامى والمعاصرين وترميهم بالضلال والإرجاء وتسرف في ذلك، وما أظن الحدادية إلا يؤيدونك.
    ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
    وعند الله تجتمع الخصوم.

    التعليق الثامن- قال عادل معلقاً على "كتاب الرد على المبتدعة" (ص209-210) مدعياً إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة من غير تفريق عندهم بين من تركها جحوداً أو تهاوناً وكسلاً، وساق هنا كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذا نصه:
    " وَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَإِيمَانًا ؛ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّحْقِيقِ إلَّا مَا هُوَ دُونَ تَحْقِيقِ السَّلَفِ لَا فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي الْعَمَلِ وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّظَرِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وبالعمليات عَلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابَةِ دَائِمًا أَرْجَحُ مِنْ قَوْل مَنْ بَعْدَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يَبْتَدِعُ أَحَدٌ قَوْلًا فِي الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَ خَطَأً وَكَانَ الصَّوَابُ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ قَبْلِهِ".

    أقول: قد سلف في هذا البحث قريباً بيان بطلان دعوى الإجماع بالأدلة والبراهين، وسوف أناقشه في بعض الفقرات في هذا التعليق.
    أقول: إن شيخ الإسلام ابن تيمية ليصرِّح في العديد من أقواله بفضل أهل السنة والحديث وعلى امتداد العصور ويعتبرهم الطائفة المنصورة، ولا يريد بهذا الكلام الذي نقله عنه عادل إلا الملاحدة وأهل الضلالات من أهل الكلام الباطل، وسياق كلامه وسباقه واضح فيما أقول.
    قال -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (7/435-436):
    " وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَنْصُرُهُ لَا يَكُونُ عَارِفًا بِحَقِيقَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ وَلَا مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ . وَلَا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ . فَيَنْصُرُ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِغَيْرِ الْمَآخِذِ الَّتِي كَانَتْ مَآخِذَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ بِمَآخِذَ أُخَرَ قَدْ تَلَقَّوْهَا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَيَقَعُ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاضْطِرَابِ وَالْخَطَأِ مَا ذَمَّ بِهِ السَّلَفُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ وَأَهْلِهِ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ فِي ذَمِّ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرٌ . وَالْكَلَامُ الْمَذْمُومُ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُل مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ) . فَهَؤُلَاءِ لَمَّا اُشْتُهِرَ عِنْدَهُمْ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إلَّا إذَا جُعِلَ الْإِيمَانُ هُوَ مَا يَمُوتُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يُوَافِي بِهِ الْعَبْدُ رَبَّهُ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَ السَّلَفِ هُوَ هَذَا ؛ فَصَارُوا يَحْكُونَ هَذَا عَنْ السَّلَفِ ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ حَكَوْهُ عَنْهُمْ بِحَسَبِ ظَنِّهِمْ : لِمَا رَأَوْا أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ مَا نَصَرُوهُ مِنْ أَصْلِ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ هُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ وَالنُّظَّارِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ . وَمِثْلُ هَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ الَّتِي خَالَفَهَا بَعْضُ النُّظَّارِ وَأَظْهَرَ حُجَّتَهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ قَوْلِ السَّلَفِ ؛ فَيَقُولُ مَنْ عَرَفَ حُجَّةَ هَؤُلَاءِ دُونَ السَّلَفِ أَوْ مَنْ يُعَظِّمُهُمْ لِمَا يَرَاهُ مِنْ تَمَيُّزِهِمْ عَلَيْهِ : هَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ . وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ . وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ ؛ وَهَذَا كَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُبْتَدِعِينَ وَبَعْضِ الْمُلْحِدِينَ.
    وَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَإِيمَانًا ؛ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّحْقِيقِ إلَّا مَا هُوَ دُونَ تَحْقِيقِ السَّلَفِ لَا فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي الْعَمَلِ وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّظَرِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وبالعمليات عَلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابَةِ دَائِمًا أَرْجَحُ مِنْ قَوْل مَنْ بَعْدَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يَبْتَدِعُ أَحَدٌ قَوْلًا فِي الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَ خَطَأً وَكَانَ الصَّوَابُ قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُ".

    فشيخ الإسلام يقصد بكلامه هذا الملحدين وأهل الكلام الضالين، كما يرى ذلك القارئ الكريم.
    فتنـزيل عادل هذا الكلام الشديد - في أهل الضلال والملحدين - على أهل السنة والحديث وأئمتهم الذين لا يرون تكفير تارك الصلاة بناء على ما عندهم من الجج والبراهين تنـزيل باطل ظالم، فإن هؤلاء سائرون على منهج الصحابة عقيدة ومنهجاً وأخلاقاً وعداوة لأهل الضلال وبيان ضلالهم.
    وانظر إلى قول شيخ الإسلام: " وَهَذَا كَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُبْتَدِعِينَ وَبَعْضِ الْمُلْحِدِينَ" ، مع سائر طعنه في النوعين من أهل الضلال تدرك ما يكنه عادل لأهل الحديث والسنة من البغض، وأنه ينتهز أي فرصة للطعن فيهم وتشويههم.

    التعليق التاسع- قال عادل في (ص210) في تعليقه على كتاب "الرد على المبتدعة":
    "قلت: وقد جعل بعض أئمة السنة ترك تكفير تارك الصلاة من أقوال المرجئة:
    قال ابن معين –رحمه الله-: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء (يعني المرجئة) يقولون: من لم يصم، ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان.
    قال عبد الله: لا نقول نحن كما يقول هؤلاء، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى أدخل وقتاً في وقت فهو كافر. "تعظيم قدر الصلاة" (982)".
    أقول: أثر ابن المبارك لا يثبت عنه؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً هو أحمد بن حكيم، قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" رقم (519): "مجهول".
    وأعتقد أن عادلاً أدرك ضعف هذا الإسناد إلى ابن المبارك، فلجأ إلى قوله:
    " قال ابن معين –رحمه الله-: قيل لعبد الله بن المبارك...الخ
    وعلى فرض صحة قول ابن المبارك -رحمه الله- فهو لا يقصد بكلامه أهل السنة والحديث الذين لا يكفرون تارك الصلاة، وبينهم وبين المرجئة بعد المشرقين. وإنما يقصد إن صحَّ عنه هذا القول: المرجئة الذين يقولون من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به، فهو مؤمن مستكمل الإيمان. وبرأ الله أهل السنة والحديث من هذا القول الباطل، فإنهم يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة بناء على الأدلة والبراهين.
    وقول المرجئة يخالف البراهين من الكتاب والسنة، وما عليه الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، فظهر للقارئ أن عادلاً ينـزل الكلام في غير منازله، وأنه ينتهز أي فرصة للطعن في أهل السنة والحديث.
    ثم إن المرجئة يقولون: الإيمان قول، وأوجبوا دخول الجنة لمن ترك الفرائض.
    قال سويد بن سعيد الهروي: سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء، فقال: يقولون: (الإيمان قول) ، ونحن نقول: (الإيمان قول وعمل)، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسمّوا ترك الفرائض ذنباً بمنـزلة ركوب المحارم، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر...رواه عبد الله بن أحمد في "السنة" (722).
    وقد نقل عادل هذا الكلام في تعليقه على كتاب "الرد على المبتدعة" (ص20.
    ونسأل عادلاً هل أهل السنة يوجبون الجنة لمن يصر بقلبه على ترك الفرائض؟
    التعليق العاشر- على قول عبد الله ابن الإمام أحمد -رحمهما الله- في كتاب "السنة" (ص302-303) حديث (710):
    " حدثني سويد بن سعيد الهروي، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يزيد الرقاشي، قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك".
    علّقَ عليه عادل بقوله:
    "رواه ابن ماجه (1080)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" ( 897و 89، وروى مسلم (160)([18]) نحوه من حديث جابر –رضي الله عنه- وسيأتي برقم (744).
    وأهل السنة يوردون هذا الحديث في أبواب الرد على المرجئة الذين يرون ترك الصلاة ليس بكفر يخرج من الملة، فخالفوا بذلك أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين.
    قال ابن معين –رحمه الله-: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء (يعني المرجئة) يقولون: من لم يصم، ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان.
    قال عبد الله: لا نقول نحن كما يقول هؤلاء، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى أدخل وقتاً في وقت فهو كافر. "تعظيم قدر الصلاة" (982).
    قال محمد بن نصر -رحمه الله- في "تعظيم قدر الصلاة" (2/925): "... ذكرنا الأخبار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في إكفار تاركها - يعني: الصلاة-، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة -رضي الله عنهم- مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك...الخ.
    عن أبي الزبير قال: سمعت جابرا -رضي الله عنه- وسأله رجل: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا؟ قال: لا. قال: وسئل ما بين العبد وبين الكفر؟ قال: ترك الصلاة.
    وفي رواية: ما كان فرق بين الكفر وبين الإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: الصلاة. "تعظيم قدر الصلاة" (947)، والخلال (1379)، واللالكائي (1527)".

    أقول: الكلام على تعليقه هذا من وجوه.
    1- أن حديث أنس هذا ضعيف جداً؛ لأن في إسناده يزيد الرقاشي.
    قال فيه النسائي وغيره: متروك، وقال الإمام أحمد: منكر الحديث، وكان سعيد يحمل عليه، وقال الفلاس: ليس بالقوي.
    وفيه أقوال أخر، انظر "الميزان" (4/41، وساق الذهبي ثلاثة أحاديث من رواياته المنكرة.
    وفي إسناده الوليد بن مسلم، وهو مشهور بتدليس التسوية، وهو أشد أنواع التدليس وشرها، وقد عنعن في هذا الإسناد.
    فهذا الحديث في إسناده علتان، إحداهما أن صاحبها متروك، فمثل هذا الحديث لا يقبل التقوية ولا يعتضد به.
    ويؤخذ على عادل أنه لم ينبه القراء على ما في إسناد هذا الحديث من شدة الضعف، وأشار إلى حديث جابر ليشعر القراء أن الحديث صحيح، مرويٌ عن صحابيين، فكان عليه أن يبين شدة ضعف حديث أنس،وإذا جاءه حديث جابر بيَّن درجته من الصحة أو الحسن.

    2- قوله: "وأهل السنة يوردون هذا الحديث في أبواب الرد على المرجئة الذين يرون ترك الصلاة ليس بكفر يخرج من الملة، فخالفوا بذلك أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين".
    أقول:
    أ- إن عادلاً بهذا التقرير يخرج جمهور أهل السنة والحديث وأئمتهم من السنة إلى البدعة، ويحصر أهل السنة في من يكفر تارك الصلاة، والأدهى والأمرّ من هذا أنه يحكم على أهل السنة بأنهم خالفوا الأحاديث والإجماع،وهذا أمر خطير جداً، له دلالات خطيرة.
    فهم يعظمون سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويعملون بها، ويؤلفون ويجمعون بين نصوص الوعد والوعيد بفقه ووعي، ولا يخالفون أي إجماع، وما يدَّعيه من الإجماع لم يثبت، ولو ثبت عندهم لرفعوه على رؤوسهم.
    ب- كيف يعتبر عادل من لا يُكفِّر تارك الصلاة من أهل السنة وأئمتهم مرجئة؟
    وهم يؤمنون بأن من يترك فريضة من الفرائض يستحق دخول النار، ويؤمنون بنصوص الوعيد لكل أنواع أهل المعاصي، ويؤمنون بأحاديث الشفاعة التي تدل على دخول كثير من العصاة النار، وأنّ منهم من لا يبقى من إيمانه إلا مثقال ذرة، ومنهم لا يبقى من إيمانه إلا أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة([19]).
    ويحكم أهل السنة على الممتنعين عن الصلاة بالقتل، ويبغضون تاركي الصلاة، ويحكمون عليهم بأن عندهم كفر، ويستدلون بالأحاديث الواردة في تاركي الصلاة على ضلاله وفسقه.
    بينما المرجئة يعتقدون أن إيمان المجرمين - مهما بلغوا من الإجرام والفجور - مثل إيمان جبريل وميكائيل ومحمد -صلى الله عليهم وسلم-.
    وفي الوقت نفسه يؤمنون بالأحاديث التي تدل على فضل "لا إله إلا الله"، والأحاديث التي تضمّنت أن من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومنها حديث ابن مسعود وحديث جابر بن عبد الله وحديث أبي ذر –رضي الله عنهم-، التي رواها الإمام مسلم في "صحيحه"، حيث قال -رحمه الله-:
    " 92- حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي ووكيع عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، (قال وكيع: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.وقال ابن نمير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار"، وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.
    93- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار" .
    93- وحدثني أبو أيوب الغيلاني سليمان بن عبد الله وحجاج بن الشاعر، قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا قرة عن أبي الزبير، حدثنا جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار".
    قال أبو أيوب: قال أبو الزبير: عن جابر .
    93- وحدثني إسحاق بن منصور أخبرنا معاذ (وهو ابن هشام) قال حدثني أبي، عن أبي الزبير، عن جابر، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال، بمثله .
    94- وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن المعرور بن سويد، قال: سمعت أبا ذر يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أتاني جبريل -عليه السلام-، فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق".
    فهذه الأحاديث الصحيحة إلى جانب نصوص صحيحة كثيرة حجزت كثيراً من أهل السنة والحديث عن تكفير تارك الصلاة.
    جـ- من مجازفات عادل قوله: "وأهل السنة يوردون هذا الحديث([20]) في أبواب الرد على المرجئة الذين يرون ترك الصلاة ليس بكفر يخرج من الملة...".
    أقول: وأنا أسأل عادلاً أين أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي هذا الحديث؟ وهات تراجمهم التي يرمون فيها من لم يكفر تارك الصلاة بالإرجاء.
    إن ابن ماجه متساهل جداً في الرواية عن الضعفاء والمتروكين، وقد انفرد برواية هذا الحديث، ومع هذا أورده تحت ترجمة هذا نصها: "باب ما جاء فيمن ترك الصلاة"، ولم يقل: "باب من لم يكفر تارك الصلاة فهو مرجئ".
    وعبد الله بن الإمام أحمد أورده تحت ترجمة هذا نصها: "سئل([21]) عن الإيمان والرد على المرجئة" -وهي بعيدة جداً عن هذا الحديث-، ولم يقل: باب بيان أن من لم يكفر تارك الصلاة فهو مرجئ.
    فما هذه الأراجيف على أهل السنة وأئمتهم؟
    أيا عادل من يتابع تعليقاتك على كتب السنة والعقيدة يجدك شديد التسلط على أهل السنة السابقين واللاحقين، والحكم عليهم بالأحكام الجائرة وتضليلهم بما تزعمه من مخالفتهم لإجماع الصحابة والتابعين ولأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا تصح دعوى الإجماع.
    وهم لا يخالفون أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم-، بل هم يعظمونها ويجلونها ويتفقهون فيها، ويجمعون بين ما قد يظهر فيها من تعارض عند من لا يمعن النظر، وهم في الوقت نفسه يحترمون من يخالفهم من أهل السنة، ويعرفون لهم قدرهم، ويناقشون أقوالهم،لا بالجهل والهوى، وإنما بالحجج والبراهين.
    فلماذا هذا التسلط الظالم من عادل وأمثاله على أهل السنة الأجلاء المعظمين للسنة والمتمسكين بها، المحاربين لمن خالفها واتبع هواه من أهل البدع من المرجئة والخوارج والروافض والصوفية القبورية وأهل وحدة الوجود وأهل وحدة الأديان ومن شايعهم ودافع عنهم، وكل من انحرف عن منهج الله الحق.

    3- قوله: " قال ابن معين –رحمه الله-: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء (يعني المرجئة) يقولون: من لم يصم، ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان.
    قال عبد الله: لا نقول نحن كما يقول هؤلاء، من ترك الصلاة متعمداً من غير علة حتى أدخل وقتاً في وقت فهو كافر. "تعظيم قدر الصلاة" (982)".

    أقول: تقدّم الكلام على أثر عبد الله بن المبارك وبيان أنه ضعيف؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً.
    انظر بيان ضعفه، والتعليق عليه (ص1.

    4- قوله: "قال محمد بن نصر -رحمه الله- في "تعظيم قدر الصلاة" (2/925): "... ذكرنا الأخبار المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في إكفار تاركها - يعني: الصلاة-، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة -رضي الله عنهم- مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك...الخ.
    عن أبي الزبير قال: سمعت جابراً -رضي الله عنه- وسأله رجل: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا؟ قال: لا. قال: وسئل ما بين العبد وبين الكفر؟ قال: ترك الصلاة.
    وفي رواية: ما كان فرق بين الكفر وبين الإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: الصلاة. "تعظيم قدر الصلاة" (947)، والخلال (1379)، واللالكائي (1527)".

    أقول: لعل عادلاً يرى أن في كلام الإمام محمد بن نصر هذا ما يدل على إجماع الصحابة، والظاهر أن ابن نصر استند إلى كلام عبد الله بن شقيق الذي فيه دعوى الإجماع.
    والحق أن دعوى الإجماع هذه لا تثبت، وقد بيّنا بطلان دعوى هذا الإجماع بالأدلة فيما سلف.
    ومنها – ضعف الإسناد إلى عبد الله بن شقيق.
    ومنها – أنه لم يرو إلا عن عدد قليل جداً من الصحابة، بل صرّح علي بن المديني أن عبد الله بن شقيق لم يرَ من الصحابة إلا اثنين الذين يزيد عددهم على مائة ألف.
    انظر كتاب "المعرفة والتأريخ" (2/128-129).

    وقوله: " عن أبي الزبير قال: سمعت جابراً -رضي الله عنه- وسأله رجل: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا؟ قال: لا. قال: وسئل ما بين العبد وبين الكفر؟ قال: ترك الصلاة.
    وفي رواية: ما كان فرق بين الكفر وبين الإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: الصلاة. "تعظيم قدر الصلاة" (947)، والخلال (1379)، واللالكائي (1527)".

    أقول: إسناد هذه الرواية عن جابر صحيح.
    قال الإمام محمد بن نصر : " حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير قال: سمعت جابراً -رضي الله عنه-، وسأله رجل: أكنتم تعدون الذنب فيكم شركا؟ قال: لا. قال: وسئل ما بين العبد وبين الكفر؟ قال: ترك الصلاة".
    وفي هذا النص عن جابر:
    1- عدم التكفير بالذنوب عند الصحابة –رضي الله عنهم-.
    2- أن جابراً نفسه يرى كفر تارك الصلاة ولم ينسب قوله هذا إلى أحد غيره من الصحابة.
    ولا أدري لماذا حذف عادل إسناد هذه الرواية؟
    ألأنها لم تنص على تكفير الصحابة لتارك الصلاة؛ الأمر الذي يدّعي عادل أنه إجماع من الصحابة على تكفيره؟
    أم العجز عن كتابة الإسناد؟

    وقوله: "وفي رواية: ما كان فرق بين الكفر وبين الإيمان عندكم من الأعمال على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: الصلاة. "تعظيم قدر الصلاة" (947)، والخلال (1379)، واللالكائي (1527)".

    أقول: هذه الرواية ضعيفة، وقد بيّنتُ ضعفها فيما سلف من هذا البحث، انظر (ص1 من الحلقة الأولى.

    التعليق الحادي عشر- عرّف أبو الحسن ابن البناء في كتابه "الرد على المبتدعة" (ص206) الإيمان بأنه التصديق في اللغة، وهو في الشريعة: التصديق وجميع الطاعات والواجبات والنوافل مع اجتناب المعاصي.
    ثم قال: "وهو قول باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالجوارح".

    علّق عليه عادل بقوله:
    "نقل الإجماع غير واحد من أهل السنة على أن للإيمان ثلاثة أركان، وأنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل هذه الأركان الثلاثة، وممن نقل ذلك:
    1- قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يُجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، اللالكائي (1593)، و"الإيمان" لابن تيمية (ص197)".

    أقول:
    1- صحيح أن للإيمان ثلاثة أركان: الاعتقاد بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وأركان العمل بالجوارح أربعة: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكثير من أهل السنة لا يكفرون إلا بترك الصلاة فقط، ولا يكفرون بباقي الأركان، فعلى ما نقله عادل من الإجماع من أنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل هذه الأركان الثلاثة يكون من لا يكفر بترك الزكاة والصيام والحج، -وهي أركان عظيمة للإيمان- من المرجئة.
    2- من نقل هذا الإجماع - المنسوب إلى الشافعي- غير الشافعي؟ فهاته، وإلا فهذه الدعوى من الأباطيل التي لا أصل لها.
    3- لا يثبت هذا النقل عن الإمام الشافعي، ولا يوجد في كتبه لا "الأم" ولا غيرها، وقد صرّح محقق كتاب اللالكائي بأنه لم يجده في "الأم" للشافعي، والأمر كذلك.
    4- ومما يبطل هذه الدعوى ما نقله ابن أبي حاتم عن الإمام الشافعي في "آداب الشافعي ومناقبه" (ص192).
    حيث قال –رحمه الله-: "حدثنا أبي قال سمعت حرملة بن يحيى قال اجتمع حفص الفرد ومصلاق([22]) الإباضي([23]) عند الشافعي في دار الجروي يعني بمصر فاختصما في الإيمان فاحتج مصلاق في الزيادة والنقصان، واحتج حفص الفرد في أن الإيمان قول، فعلا حفص الفرد على مصلاق وقوي عليه، وضعف مصلاق، فحمي الشافعي وتقلّد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصاً الفرد وقطعه".

    وقال أبو نعيم في "الحلية" (9/114-115):
    " حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثني أبو أحمد حاتم بن عبدالله الجهازي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية : (ويزداد الذين آمنوا إيمانا ...الآية
    حدثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم قال: سمعت الربيع يحكي عن الشافعي قال ما أعلم في الرد على المرجئة شيئا أقوى من قول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)".
    وقال –رحمه الله-: " حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا عبدالله بن محمد بن يعقوب ثنا أبو حاتم قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول اجتمع حفص الفرد ومصلان الأباضي عند الشافعي في دار الجروي وأنا حاضر واختصم حفص الفرد ومصلان في الإيمان فاحتج على مصلان وقوي عليه وضعف مصلان فحمى الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فطحن حفصا الفرد وقطعه".
    وأورده البيهقي من هذا الوجه في "مناقب الشافعي" (1/387).

    وقال ابن عبد البر –رحمه الله- في "الانتقاء" (ص81):
    "وذكر أبو القاسم عبيدالله بن عمر البغدادي الشافعي الذي استجلبه الحكم المستنصر بالله أمير المؤمنين وأسكنه الزهراء حدثنا محمد بن علي قال: نا الربيع قال سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب ألا ترى قول الله عز وجل: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا وهي قول وعمل وعقد، قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول الإيمان يزيد وينقص".

    وقال البيهقي –رحمه الله- في "مناقب الشافعي" (1/385):
    " أخبرنا أبو عبد الله: محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثني الزبير بن عبد الواحد الحافظ، بأسداباذ، قال: حدثني يوسف بن عبد الأحد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي -رضي الله عنه- يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص".

    وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- في "فتح الباري" (1/46-47):
    "وقال الحاكم في مناقب الشافعي : حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال : سمعت الشافعي يقول : الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص . وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . ثم تلا (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) الآية" .

    أقول: يرى القارئ الكريم عدداً من الأسانيد مدارها على صاحبي الشافعي: الربيع بن سليمان وحرملة بن يحيى يخبران عن الإمام الشافعي بأنه يقول: " الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ، ولم ينقلا عنه الإجماع المزعوم، وهذا القول هو قول أهل السنة جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، لا يزيدون على هذا النص المنقول هنا عن الشافعي بهذه الأسانيد.
    قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري –رحمه الله-:
    " لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان منهم: المكي بن إبراهيم ويحيي بن يحيي وعلي بن الحسن بن شقيق وقتيبة بن سعيد وشهاب بن معمر".
    ثم ذكر عدداً من العلماء من مختلف البلدان، منهم الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو معمر وأبو خيثمة وأبو عبيد القاسم بن سلام.
    ثم قال : "واكتفينا بتسميه هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء أن الدين قول وعمل، وذلك لقول الله: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)" ، انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (1/194-195).
    وقال ابن أبي حاتم: " سالت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" ، انظر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (1/19.
    أقول: فهؤلاء الأئمة: البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة ينقلون تعريف الإيمان عن أئمة الإسلام في جميع أمصار المسلمين أنهم يقولون: "الإيمان قول وعمل"، كما نقل ذلك البخاري عن أكثر من ألف عالم، وكما نقل عنهم أبو حاتم وأبو زرعة .
    أنهم يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص .
    ولم يحكِ أحد منهم الإجماع الذي نسب إلى الإمام الشافعي.
    من أنه يقول: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يُجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"، اللالكائي (1593)، و"الإيمان" لابن تيمية (ص197)".
    فهل أئمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها تمالؤا على كتمان هذا الإجماع؟
    وهل يرى عادل وطائفته أن هؤلاء الأئمة في جميع الأمصار مرجئة؟
    إن منهجهم ليقتضي ذلك.
    لا سيما وعادل يخرج جماهير أهل السنة من أهل السنة؛ لأنهم لا يُكفِّرون تارك الصلاة، وقد مرّ بك هذا؛ ولأن طائفته لا يكفي عندها هذا التعريف للإيمان.
    إذ لا بد أن يقول المسلم: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء، فإذا قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة - كما دلَّ على ذلك سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فهو عندهم مرجئ .
    نعوذ بالله من هذا الغلو المدمر والمصادم لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

    5- أن الصحابة لم يُعرِّفوا الإيمان، وإنما عرَّفه أهل السنة بعد ظهور المرجئة في عهد التابعين؛ لأن أول من قال بالإرجاء طلق بن حبيب العنـزي المتوفى ما بين التسعين إلى المائة، وقيل: ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الذي مات قبل المائة، وهذا مما يوهن دعوى هذا الإجماع، الذي لو صحَّ لصار أكثر أهل السنة مرجئة، ولكان الخوارج أولى بالحق وبالصحابة.
    ومما يؤكد هذا قول ابن القيم -رحمه الله- في "شرحه لمختصر سنن أبي داود بحاشية عون المعبود" للعظيم آبادي (12/456):
    "والذي صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذمهم من طوائف أهل البدع هم : (الخوارج)، فإنه قد ثبت فيهم الحديث من وجوه كلها صحاح، لأن مقالتهم حدثت في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكلمه رئيسهم .
    وأما الإرجاء، والرفض، والقدر ، والتجهم، والحلول وغيرها من البدع فإنها حدثت بعد انقراض عصر الصحابة . وبدعة القدر : أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حيَّا: كعبدالله بن عمر، وابن عباس، وأمثالهما –رضي الله عنهم-.وأكثر ما يجيء من ذمهم فإنّما هو موقوف على الصحابة من قولهم فيه.
    ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة، فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها كما حكيناه عنهم ، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين. واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالإمام أحمد وذويه ". اهـ

    هل البدع


    ومما يُبطل نقل الإجماع قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي نقله عادل في (ص207) من تعليقه على كتاب "الرد على المبتدعة":
    "مذهب الصحابة وجماهير السلف من التابعين لهم بإحسان وعلماء المسلمين: أن الإيمان قول وعمل، أي: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح".
    فنسب شيخ الإسلام هذا المذهب إلى الصحابة وجماهير السلف، ولم ينسبه إلى كل السلف، ونحن نعتقد أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان يؤمنون كل الإيمان أن العمل من الإيمان، ولذا قاتل الصحابة مانعي الزكاة مع أهل الردة لأنهم امتنعوا عن أداء الزكاة، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1456)، ومسلم حديث (20).
    وعلى هذا أهل السنة جميعاً، لكن أعتقد أن الصحابة ما عرّفوا الإيمان بأي تعريف، لأن أسباب تعريفه من الإرجاء وغيره لم تظهر إلا بعد عصرهم، كما سلف بيان ذلك.
    وأن التابعين ومن بعدهم ما عرّفوه إلا بقولهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، كما نُقل ذلك عن أئمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وأنهم ما قالوا: لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر، وأنه لا يقبل إيمان أحد إلا إذا استكمل الثلاثة.
    وتأمل التعريف الذي نسبه شيخ الإسلام إلى من ذكرهم من أن الإيمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، ولم ينقل عنهم بقية هذا التعريف المنسوب إلى الشافعي -رحمه الله-.

    كيف يقولون هذا، وهم ينقلون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث الشفاعة، وفيها: أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال دينار من إيمان، ومن في قلبه مثقال نصف دينار من إيمان، ومن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ومن في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان.
    ويخرج الله من النار قوماً لم يعملوا خيراً قط.
    ويخرج أناساً من النار ويدخلهم الجنة من غير عمل عملوه ولا خير قدّموه.
    ويقول الله: " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله".
    فهل هؤلاء أتوا بكل الأركان واستكملوا الإيمان؟
    وهل يجرؤ أحد يخشى الله ويوقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخالف أقواله الثابتة ثبوت الجبال؟
    وهذه النصوص هي أسلحة أهل السنة في الرد على الخوارج الذين يُكفِّرون بالذنوب، ويحكمون على مرتكبيها بنار الخلود.

    وفي النهاية نقول:
    1- إنه قد تبيّن بالدراسة الجادة أن دعوى إجماع الصحابة والتابعين على تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً لم تثبت.
    وأن تعريف الإيمان المنسوب إلى الشافعي –رحمه الله- لم يثبت، وكيف يثبت وهو يتعارض مع قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، ومع أحاديث الشفاعة وأحاديث مكانة التوحيد وفضائله؟
    وهل أئمة الإسلام وعلماؤه في مشارق الأرض ومغاربها لم يعلموا هذا التعريف، أو أنهم تواطئوا على عدم نقله؟، حاشاهم وحاشاهم.
    2- إن تارك الصلاة إن كان مستحلاً لتركها فهو كافر، إلا إذا كان يجهل وجوبها كالحديث العهد بالإسلام، أو يعيش في بادية بعيدة عن أمصار المسلمين وقُراهم فيُبيَّن له أهميتها ووجوبها، فإن عاند واستمر في تركها فهو كافر.
    وإن كان تركها كسلاً وتهاوناً مع اعتقاده بوجوبها، فهذا يُدعى إلى الصلاة، فإن أبى أن يصلي هذه الصلاة حتى خرج وقتها، فالذي ندين الله به أنه فاسق مجرم يجب قتله إذا أصرَّ على تركها، ونبغضه في الله، ونحذر منه ومن شره، ونطلق عليه الكفر؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
    ولولا أحاديث الشفاعة وحديث صاحب البطاقة الذي لقي الله وليس عنده عمل ولكن عنده لا إله إلا الله فغفر له وأدخله الجنة.
    وحديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البر والبحر.
    وأحاديث "من قال: "لا إله إلا الله"، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (23).
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"، رواه مسلم في "الإيمان" حديث (26).
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (425، 1186)، ومسلم حديث (33).
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ"، أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (99).
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"، رواه مسلم حديث (27).
    وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار"، رواه مسلم حديث (29).

    لولا هذه الأحاديث العظيمة وقول الله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) لكفرنا تارك الصلاة الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإسلام.
    وإذا كان هذا واقعنا فنرى أنه لا يرمينا وأسلافنا بالإرجاء إلا ظالم لم يرفع رأسه بهذه الأحاديث النبوية.
    ونرى أن مذهبه يقتضي رمي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وأهل السنة والحديث بالإرجاء.
    فإن قالوا: ما رأيكم في من يكفر تارك الصلاة من السلف؟
    فنقول: إنهم على رؤوسنا نحبهم ونجلهم، ولهم أجر المجتهدين.
    ولأنهم يحترمون إخوانهم من أهل السنة ممن لا يُكفرون تارك الصلاة، ولا يصفونهم بالإرجاء، كما سلف في التعليق الخامس.
    لأنهم يرون أن عندهم من الأدلة والبراهين ما يمنع من رميهم بالإرجاء، بل ما يحملهم على احترامهم وتقديرهم.
    فإذا قيل: إن فلانا رمى بالإرجاء من لا يكفر تارك الصلاة.
    فجوابه: إن هذا من زلات العلماء التي حذّر السلف من اتباعها وتقليد صاحبها، ومن قلّده فقد خالف منهج السلف يجب التحذير والحذر منه؛ لأنه متبع لهواه ومن المتبعين للشواذ والغرائب من الأقوال التي يذم من تتبعها.
    ومما ينبغي التفطن له أن الذي يكفر بترك الصلاة من أهل السنة لا يكفر بما عداها من أركان الإسلام كالزكاة والصوم والحج وما بعدها من الأعمال الصالحة.
    والذي لا يكفر إلا بالأركان الأربعة لا يكفر بما وراءها من الأعمال الصالحة وغيرها؛ لأنه إذا كان لا يكفر بثلاثة من أركان الإسلام فلأن لا يكفر بغيرها من باب أولى.
    والذي لا يكفر إلا بترك الصلاة ومنع أداء الزكاة لا يكفر من ترك الصوم والحج، فعدم تكفيره لما وراءها من الأعمال من باب أولى.
    وإذن فأهل السنة مجمعون على عدم التكفير بما وراء الأركان الأربعة من الأعمال، فالذي يُكفِّر بما وراءها مخالف لإجماعهم، وسالك طريق الخوارج في التكفير بارتكاب الكبائر مطلقاً.
    وهذا يدين من يكفرون تارك جنس العمل ومرادهم بذلك ترك العمل، وهو قول جديد ابتدعوه لحرب أهل السنة والشغب عليهم.
    فلشدة فتنتهم وشغبهم على أهل السنة زادوا هذا الأصل، ولم يكتفوا بتكفير تارك الصلاة الذي يغنيهم عن التكفير بما بعده؛ لأن الذي يُكفِّر بترك الصلاة من السلف لا يعتد بأعمال هذا التارك مهما كانت.
    ومن شدة هوى هؤلاء المعاصرين المحاربين لأهل السنة يرى المتابع لهم أنهم لا يرفعون رأساً بأحاديث الشفاعة التي نصَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ويخرج من النار قوم لم يعملوا خيراً قط، ، وقول الله: " وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله" ، أي من النار .
    ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الشفاعة في من يخرج من النار من العاملين الذين كانوا يصلون ويصومون ويحجون.
    ولا يرفعون رأساً بأحاديث فضل "لا إله إلا الله، محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
    بخلاف من يُكفِّر تارك الصلاة من السلف، فإنهم إذا وقف أحدهم أمامها استسلم لها، وصدع بمضمونها كما قدّمنا ذلك عن الإمام أحمد والبربهاري وابن بطة وابن البناء وابن تيمية وابن القيم وغيرهم-رحمهم الله-.
    وما منع إخوانهم من أهل السنة من تكفير تارك الصلاة إلا قول الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )، وأحاديث فضائل التوحيد وأحاديث الشفاعة لا منهج المرجئة الباطل، الذي يقذفهم به عادل الذي لا يعرف قدرهم، ولا يقيم وزناً لعقائدهم ومناهجهم الصحيحة، ولا يُقدِّر جهودهم في التمسك بالكتاب والسنة والدعوة إليهما والذب عنهما.
    والموالاة والمعاداة من أجلهما، ومواجهة أهل البدع من المرجئة والخوارج والروافض والصوفية على اختلاف طرقها.
    ومواجهة هذه الفِرَق بالحجج والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
    مع التحذير منهم والأمر بهجرانهم، وفي الوقت نفسه الصبر على ما يواجهونه من ألوان الأذى ومن عداوات وتشويهات هذه الفِرَق الضالة.
    اللهم إنا نعوذ بك من الهوى.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    كتبه
    ربيع بن هادي عمير المدخلي
    17/11/1433هـ
    ــــــــــــــــــــــ

    [1] - تأمل جيداً احترام أهل السنة بعضهم لبعض، فالشافعي ممن لا يُكفِّر تارك الصلاة، ومحمد بن نصر ممن يُكفِّر تارك الصلاة، ومع هذا يُعظم الشافعي ويترضى عنه، وهكذا سائر أهل السنة؛ يحترم بعضهم بعضاً وإن اختلفوا في غير العقائد، فكم الفروق بينهم وبين عادل وحزبه الذين يرمون من لا يُكفِّر تارك الصلاة بالإرجاء، فعلى مذهبهم يكون أكثر أئمة الإسلام مرجئة.
    [2] - في الأصل: "عن"، وهو خطأ لعله من النساخ.
    [3] - أي من طوائف أهل الحديث، وهي التي لا تُفرِّق بين الإيمان والإسلام.
    [4] - فترى أن هذا الإمام يعترف ويصرِّح بأن الطوائف الثلاث كلها من أهل السنة والجماعة وأصحاب الحديث.
    [5] - كذا، والصواب: "به".
    [6] - في الأصل: "الإيمان"، وهو خطأ واضح يأباه السياق.
    [7] - والذين فرّقوا بين الإيمان والإسلام هما طائفتان من أهل السنة والحديث، وهنا اجتمعت أقوال الطوائف الثلاث.
    [8] - وهو لا يُفرِّق بين الإيمان والإسلام.
    [9] - تأمل جيداً هذه الفقرة التي تضمّنتْ خروج مرتكبي الكبائر من النار بما في قلوبهم من الإيمان، وبهذا الإيمان في القلوب استحقوا الخروج من النار، ثم دخول الجنة، وهذا قول طوائف أهل الحديث.
    [10] - إسناده صحيح، ابن خزيمة والربيع إمامان مشهوران، وأبو أحمد الغطريفي ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/ 971-972) برقم (912)، ووصفه بأنه الحافظ المتقن الإمام.
    [11] - لعله: لا تبلغها.
    [12]- رواه الترمذي في "سننه" حديث (2594)، ثم قال: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ". ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ورواه ابن خزيمة في "التوحيد" من طرق، صرّح مبارك بن فضالة بالسماع في إحداهن، انظر حديث (451, 452, 453). ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" حديث (833).وحسنه الألباني لأن مداره على مبارك بن فضالة.وابن فضالة قال فيه الحافظ ابن حجر: "صدوق يدلس ويسوي". وقال الذهبي في "الكاشف": قال عفان ثقة من النساك وكان وكان. وقال أبو زرعة إذا قال: حدثنا، فهو ثقة، وقال النسائي: ضعيف".
    [13] - يشير بذلك إلى مرجئة الفقهاء، الذين يعتقدون بوقوع الذم والعقاب لمن ترك العمل.
    [14] - يشير بهذا إلى غلاة المرجئة.
    [15] - سيأتي كلام للإمام محمد بن نصر يؤيد هذا القول.
    [16] - في النص الذي نقله عادل: "مقراً"، فصوّبناه من طبعة "دار ابن القيم"، تحقيق د: محمد بن سعيد القحطاني.
    [17] - هذا مذهب سفيان وبعض أهل السنة، وهو أحد الأقوال التي أسلفناها.
    [18] - الصواب برقم (134/82).
    [19] - والمرجئة لا يؤمنون بزيادة الإيمان ولا بنقصانه مخالفين بذلك نصوص الكتاب والسنة، ولا يعبؤون بنصوص الوعيد.
    [20] - يعني حديث أنس السالف الذكر بلفظ: "بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك".
    [21] - يعني الإمام أحمد -رحمه الله-.
    [22] - كذا، والظاهر أن الصواب: "مصلان"، كما في "الحلية"، و"مناقب الشافعي" للبيهقي.
    [23] - في "مناقب الشافعي" للبيهقي: "الأنماطي".

    وللفائدة أيضاً يُنظر في مقال الشَّيخ الأخير متَّعه اللهُ بالصِّحَّة والعافية
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم محمد الفاضل الجزائري; الساعة 04-Apr-2014, 10:05 PM.

    تعليق


    • #3
      رد: متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء (الحلقة الأولى والثانية)

      جزاك الله خيرا اخي الكريم ، ووقد جمع هذا المقال في الرد على عادل حمدان ، ومقال اخر في الرد على عبد الله صوان الغامدي ، في كتاب جمعه الاخ الشيخ احمد الزهراني واسماه:

      المقالات الأثرية في الرد على شبهات وتشغيبات الحدادية

      جاء في أسفل الكتاب:

      مقالات لشيخنا العلامة ربيع المدخلي حفظه الله تعالى في الرد على الحدادية في عدة قضايا ومسائل عقدية وحديثية وفقهية

      من إصدارات مكتبة الميراث النبوي

      وهو كتاب جدير بالشراء والقراءة ، وهو فيه كشف الحدادية وطرقهم ومنهجهم وأخطاءهم التي وقعوا فيها والزموا فيها اهل السنة بالزامات ومن خالفهم رموه بالتجهم والارجاء .

      تعليق

      يعمل...
      X