إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الأربعون حديثاً للإمام الآجري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأربعون حديثاً للإمام الآجري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأربعون حديثاً
    أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي

    توفي سنة 360 هـ
    رواية عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور أبو سعد الصفار النيسابوري توفي سنة 600 هـ

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري:
    الله المحمود على كل حال وهو الموفق لكل سداد والمعين على سبل الرشاد وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    أما بعد:
    فإنه سأل سائل عن معنى حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيهاً عالماً.
    وروي معنى هذا الحديث عن معاذ بن جبل وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة).
    وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة جاء يوم القيامة في زمرة العلماء).
    قال لنا السائل: أنت تعلم أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تحصى قد صنفها كثير من أصحاب الحديث قديماً وحديثاً صنفوا كتاباً كتاباً فالطهارة فيها سنن كثيرة وفي الصلاة سنن كثيرة وفي الزكاة سنن كثيرة وفي الصيام سنن كثيرة وفي الحج سنن كثيرة وفي الجهاد سنن كثيرة وفي البيوع سنن كثيرة وفي النكاح والطلاق والحدود والأيمان والنذور وسائر الأحكام سنن كثيرة وفيما أدب النبي صلى الله عليه وسلم أمته فيما حثهم عليه ورغبهم فيه مثل أدب السلام وأدب المجالسة وأدب الأكل والشرب وأدب اللباس وأدب المؤاخاة والجوار وغير ذلك مما يطول شرحه سنن كثير يعرفها أهل العلم والأدب قد صنفها الناس وعنوا بها حتى إذا فرط فيها بعض من يصنف الحديث في شيء مما ذكرناه قيل له: قد بقيت عليك أشياء لم تأت بها وربما نسبوه إلى أنه عاجز عن جمعها وعن حفظها. قال لنا السائل: فما هذه الأربعون حديثاً التي إذا حفظها من قد كتب العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان له هذا الأجر والفضل العظيم؟ وهل تغنيه أو تغني غيره؟ عَرِّفْنَا معناها فإنا نحتاج إلى معناها.
    قيل له: اعلم رحمنا الله وإياك أني أجلت فكري فيما سألت عنه فلم أر لهذا الحديث وجهاً يحتمل إلا وجهاً واحداً والله أعلم.
    فإن قيل: ما هو؟
    قيل: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُون عليه من أحياء العرب البعيدة ومن القرى البعيدة النفر اليسير من كل حي ومن كل قرية فيسلمون ويتعلمون ما يجب عليهم في الوقت ثم ينصرفون إلى أحيائهم وإلى قراهم فيعلمونهم من أمر الإسلام مما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من شريعة الإيمان والإسلام ومما أحل لهم وما حرم عليهم فيقولون لهم: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم كذا وأمرنا بكذا ونهانا عن كذا وظاهر القرآن يدل على هذا قال الله عز وجل: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122) فدل والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه هؤلاء الوفود فأسلموا وتعلموا حثهم على حفظ السنن التي قد علمهم إذ كان يمكنهم حفظها للوقت حتى يمضوا بها إلى أهليهم وإخوانهم وعشائرهم فيعلمونهم ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقرب عليهم حفظها إذا كانت مقدار أربعين حديثاً يمكنهم حفظها فحثهم على ذلك لا أن مقدار أربعين حديثاً مجزئة عن غيرها من سنته صلى الله عليه وسلم ولكن على التقريب منه لهم على النعت الذي ذكرناه وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أدَّاها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
    قال محمد بن الحسين: لا أجد له وجهاً غير هذا وذلك أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة في كل معنى لا يسع كثيراً من الناس جهلها وكيف يسعهم جهلها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).

    (1)

    حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار حدثنا أبو جعفر محمد بن سعد بن الحسن العوفي حدثني أبي سعد حدثني عمي الحسين بن الحسن حدثني أبي عن جدي عن عطية العوفي عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122) قال: كان ينطلق من كل حي من أحياء العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتفقهون في دينهم ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما تأمرنا أن نفعله وأخبرنا بما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟) فيأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: (أن من أسلم فهو منا) وينذرونهم ويخبرونهم حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه وبما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما يرضى الله عز وجل به عنهم وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة.

    مسألة: قال محمد بن الحسين: لا بد لهؤلاء من أن يقولوا لقومهم: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وأحل لنا كذا وحرم علينا كذا وأمرنا بكذا ونهانا عن كذا فكأنه والله أعلم حثهم على أن يحفظوا عنه أربعين حديثاً من أمر دينهم تبعثهم على طلب الزيادة لعلم ما يجب عليهم والله أعلم فهذا وجه الحديث عندي لا أعلم له وجهاً غيره إن شاء الله.
    قال فإن قال قائل: فهل لك أن تؤلف لنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين حديثاً إذا حفظناها وحفظنا معانيها انتفعنا وانتفع بها من سمعها منا رجاء أن يكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً في أمر دينها) كان له ذلك الفضل الذي تقدم ذكره؟
    فإني أقول لك: سأجتهد لك في جمع أربعين حديثاً من سنته صلى الله عليه وسلم تنتفع بها في دينك وينتفع بها من يسمعها منك ويبعثك وإياه على طلب الزيادة لعلوم كثيرة ولا بد لك منها ولا يسعك جهلها والله تعالى الموفق لذلك والمعين عليه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    (2)

    حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال أخبرنا سليمان بن داود الشاذكوني قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

    قال محمد بن الحسين: يدل على أنه من لم يتفقه في دينه فلا خير فيه.
    فإن قلت: كيف صفة من فقهه الله عز وجل في دينه حتى يكون ممن قد أراده الله الكريم بخير؟
    قيل له: هو الرجل المسلم العاقل الذي قد علم أن الله عز وجل قد تعبده بعبادات وجب عليه أن يعبده فيها كما أمره لا كما يريد هو ولكن بما أوجب العلم عليه فطلب العلم ليفقه ما تعبده الله عز وجل به من أداء فرائضه واجتناب محارمه لا يسعه جهله ولا يعذره به العلماء العقلاء في تركه وذلك مثل الطهارة ما فرائضها وما سننها وما يفسدها وما يصلحها ومثل علم صلاة الخمس لله عز وجل في اليوم والليلة وكيف يؤديها إلى الله عز وجل ومثل علم الزكاة وما يجب لله عز وجل عليه فيها ومثل صيام شهر رمضان وما يجب لله عز وجل فيه ومثل الحج متى يجب وإذا وجب ما يلزم من أحكامه كيف يؤديه إلى الله عز وجل؟ ومثل الجهاد ومتى يجب؟ وإذا وجب ما يلزمه من أحكامه وعلم المكاسب وما يحل منها وما يحرم وليأخذ الحلال بعلم ويجتنب الحرام بعلم وعلم النفقات الواجبات عليه وغير الواجبات وعلم بر الوالدين والنهى عن العقوق وعلم صلة الأرحام والنهي عن قطعها وعلم حفظ كل جارحة من جوارحه مما أمره الله عز وجل بحفظها وعلوم كثيرة يطول شرحها لا بد من علمها والعمل بها فاعقلوا رحمكم الله ما حثكم عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يكون فيكم خير تحمدون عواقبه في الدنيا والآخرة.

    (3)

    قال أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبل أن يرفع) ثم جمع بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ثم قال: (العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في الناس بعد).

    قال محمد بن الحسين: اعقل رحمنا الله وإياك ما خاطبك به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحثك على طلب علم ما تقدم ذِكْرنا له قبل فناء العلماء ثم اعلم أن فناء العلم بقبض أهله ثم أُعْلِمُك أن الخير إنما هو فيمن يطلب العلم وفيمن تعلم العلم فمن لم يكن كذلك فلا خير فيه، اعقل هذا واطلب من العلم ما ينفى عنك به الجهل وتعبد الله به وتريد الله العظيم به فإنه عليك فريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ولقوله: (اطلبوا العلم ولو بالصين).

    (4)

    قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير يعني ابن معاوية حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي قال سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

    قال محمد بن الحسين: اعلم رحمنا الله وإياك أن هذا الحديث أصل من أصول الدين لا يجوز لأحد من المسلمين أن يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه من فريضة ولا يتقرب إليه بنافلة إلا بنية خالصة صادقة لا رياء فيها ولا سمعة ولا يريد بها إلا الله عز وجل ولا يشرك فيها مع الله عز وجل غيره لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أخلص له وأريد به وجهه لا يختلف في هذا العلماء.
    فإن قلت: فأي شيء معنى هذا الحديث في الهجرة؟
    قيل لك: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة أوجب على جميع المسلمين ممن هو بمكة أن يهاجروا ويدعوا أهاليهم وعشائرهم وديارهم يريدون بذلك وجه الله عز وجل لا غيره فكان الناس يهاجرون على هذا النعت فأثنى الله عز وجل على المهاجرين في كتابه في غير موضع وذم من تخلف عن الهجرة بغير عذر وعذر من تخلف بعذر إذا كان لا يستطيع فخرج رجل من مكة مهاجراً في الظاهر وقد شمله الطريق مع الناس والسفر ولم يكن مراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإنما كان مراده تزوج امرأة من المهاجرات قبله أراد تزوجها وأراد الدنيا فلم يعد من المهاجرين وإن كان الطريق قد شمله مع الناس والسفر وخرج من وطنه إلا أن نيته مفارقة لنياتهم هم أرادوا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو أراد تزوج أم قيس فكان يسمى مهاجر أم قيس فاعلم ذلك.

    (5)

    قال أخبرنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر حدثنا ابن أبي عمر يعني محمداً العدني حدثنا سفيان بن عيينة عن سعير بن الخمس عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت).

    قال محمد بن الحسين: اعرف معنى هذا الحديث تفقهه إن شاء الله تعالى، اعلم أنه أول ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها صادقاً من قلبه ومات على ذلك دخل الجنة ثم فرضت عليهم الصلاة بعد ذلك فصلوا ثم هاجروا إلى المدينة ثم فرضت عليهم الفرائض حالاً بعد حال كلما فرض عليهم فرض قبلوه مثل صيام شهر رمضان ومثل الزكاة ثم فرض الحج على من استطاع إليه سبيلاً فلما آمنوا بذلك وعملوا بهذه الفرائض قال الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً)(المائدة:3) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) فاعلم ذلك فمن ترك فريضة من هذه الخمس وكفر بها وجحد بها لم ينفعه التوحيد ولم يكن مسلماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر)، وقال ابن مسعود: (إن الله عز وجل قرن الزكاة مع الصلاة فمن لم يزك ماله فلا صلاة له) ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ارتد أهل اليمامة عن أداء الزكاة وقالوا: (نصلي ونصوم ولا نزكي أموالنا) فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع جميع الصحابة حتى قتلهم وسباهم وقال: (تشهدون أن قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة؟) كل ذلك لأن الإسلام خمس لا يقبل بعضه دون بعض فاعلم ذلك إن شاء الله.

  • #2
    (6)

    قال حدثنا الآجري قال أخبرنا الفريابي قال أخبرنا إسحاق بن راهويه قال أخبرنا النضر بن شميل قال حدثنا كهمس بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في هذا القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين قال: فقلنا: (لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر) فوافقنا عبد الله بن عمر داخل المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت له: (يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قِبَلَنا أناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف) قال: (فإذا لقيتموهم فأخبروهم أني منهم برئ وأنهم مني برآء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لأحدهم ملء الأرض ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله عز وجل منه ذلك حتى يؤمن بالقدر) ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد منا حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ثم قال: (يا محمد أخبرني عن الإسلام وما الإسلام؟) قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) قال: (صدقت) قال: فعجبنا أنه يسأله ويصدقه قال: (فأخبرني عن الإيمان) قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) قال: (صدقت) قال: فعجبنا أنه يسأله ويصدقه قال: (فأخبرني عن الإحسان) قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال: (صدقت) قال: (فأخبرني عن الساعة) قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) قال عمر رضي الله عنه: فلبثت ثلاثاً ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمر هل تدري من السائل؟) فقلت: (الله ورسوله أعلم) قال: (فإنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم أمر دينكم).

    قال محمد بن الحسين: اعلم رحمنا الله وإياك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمك في هذا الحديث أن جبريل عليه السلام إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه إنما أراد أن يعلمهم أمر دينهم فينبغي للمسلمين أن يعلموه.
    وأما قوله وسؤاله عن الإسلام فقد بينا لك في الحديث الذي قبله.
    وأما الإيمان فواجب على كل مسلم أن يؤمن بالله عز وجل وبجميع ملائكته وبجميع كتبه التي أنزلها الله على رسله وبجميع أنبيائه وبالموت وبالبعث من بعد الموت وبالجنة والنار وبما جاءت به الآثار في أحاديث أخر مثل أن يؤمن بالصراط والميزان وبالحوض والشفاعة وبعذاب القبر وبقوم يخرجون من النار فيدخلون الجنة وبالساعة وأشباه لهذا مما يؤمن به أهل الحق من أهل العلم ويجحد بها أهل الأهواء والبدع والضلالة ممن حذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرناهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وعلماء المسلمين ويؤمن بالقدر خيره وشره ويبرأ ممن لم يؤمن بالقدر خيره وشره كما تبرأ ابن عمر منه.
    وقوله: (وأخبرني عن الإحسان) قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فاعلم أنه من عبد الله عز وجل فيعلم أن الله عز وجل مطلع على عمله يعلم سره وعلانيته ويعلم ما تخفي من عملك وما تبديه وما تريد بعلمك ألله تريد أم غيره؟ يعلم السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور يعلم ما أنتم عليه فاحذروه فمن راعى هذه بقلبه وبعلمه خشي من الله عز وجل وخافه وعبده كما أمره فإن كنت عن هذه المراعاة في غفلة فإنه يراك ثم إليه مرجعك فينبئك بما كنت تعمله فاحذر الغفلة في عبادتك إياه واعبده كما أمرك لا كما تريد واستعن به واعتصم به فإنه لا يقطع من لجأ إليه وقد ضمن لمن اعتصم به أن يهديه إلى صراط مستقيم.

    (7)

    حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق: (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله عز وجل إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

    قال محمد بن الحسين: فينبغي لك أيها السائل أن تعلم أن الله عز وجل قد فرغ من أرزاق العباد وأن كل عبد مستوف رزقه لا يزيد فيه ولا ينقص منه وكذا قد فرغ من الآجال لا يزداد أحد على أجله ولا ينتقص منه حتى يأتيه آخر أجله وكذا كتب الله عز وجل عمله الذي يعمل خيراً كان أو شراً وكتبه شقياً أو سعيداً فكل العباد يسعون في أمر قد فرغ منه والإيمان بهذا واجب ومن لم يؤمن به كفر.

    (

    حدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد قال: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مِخْصَرَة فنكس رأسه فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: (ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة) فقال رجل: (يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟) فقال: (اعملوا فكل ميسر لعمله أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة) ثم قرأ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)(الليل:5-10).

    قال محمد بن الحسين: فاعلم رحمك الله أن الإيمان بهذا واجب قد أمر العباد أن يعملوا بما أمروا من طاعة الله وينتهوا عما نهوا عنه من المعصية والله بعد ذلك موفق من أحب لطاعته ومقدر معصيته على من أراد غير ظالم لهم، (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(النحل:93)، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)(الأنبياء:23)، أحب من عباده الطاعة وأمر بها فكانت بتوفيقه وزجر عن المعصية وأراد كونه غير محب لها ولا آمراً بها تعالى عز وجل عن أن يأمر بالفحشاء وجلّ أن يكون في ملكه ما لا يريد.
    هذا رحمك الله طريق أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان وأئمة المسلمين.
    قال ابن عباس: (القدر نظام التوحيد فمن آمن بالله وصدق بالقدر فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها ومن آمن بالله وكذب بالقدر كان تكذيبه للقدر نقصاً منه لتوحيده).

    (9)

    حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال حدثنا داود بن رشيد قال أخبرنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر الكلاعي قالا: دخلنا على العرباض بن سارية وهو من الذين نزل فيهم: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ)(التوبة:92) الآية دخلوا عليه وهو مريض قال: فقلنا له: (إنا جئناك زائرين وعائدين ومقتبسين) فقال عرباض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا صلاة الغداة ثم أقبل علينا فوعظنا بموعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: (يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟) قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).

    قال محمد بن الحسين: في هذا الحديث علوم كثيرة يحتاج إلى علمها جميع المسلمين ولا يسعهم جهله.
    منها أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم بما أمرهم الله عز وجل بتقواه ولا يعملون بتقواه إلا بالعلم قال بعض الحكام: (كيف يكون متقياً من لا يدري ما يتقي) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يتجر في أسواقنا إلا من قد فقه في دينه وإلا أكل الربا).
    قلت: فعلى جميع المسلمين أن يتقوا الله عز وجل في أداء فرائضه واجتناب محارمه ومنها أنه أمرهم بالسمع والطاعة لكل من ولي عليهم من عبد أسود وغير أسود ولا تكون الطاعة إلا بالمعروف لأنه أعلمهم أنه سيكون اختلاف كثير بين الناس فأمرهم بلزوم سنته وسنة أصحابه الخلفاء الراشدين المهديين وحثهم على أن يتمسكوا بها التمسك الشديد مثل ما يعض الإنسان بأضراسه على الشيء يريد أن لا يفلت منه فواجب على كل مسلم أن يتبع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعملوا أشياء إلا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وكذا لا يخرج عن قول صحابته رحمة الله عليهم فإنه يَرْشُد إن شاء الله.
    ومنها أنه حذرهم البدع وأعلمهم أنها ضلالة فكل من عمل عملاً أو تكلم بكلام لا يوافق كتاب الله عز وجل ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين وقول صحابته رضي الله عنهم فهو بدعة وهو ضلالة وهو مردود على قائله أو فاعله ومنها أن عرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب).
    قال محمد بن الحسين: فميزوا هذا الكلام لم يقل: صرخنا من موعظة ولا زعقنا ولا طرقنا على رءوسنا ولا ضربنا على صدورنا ولا زَفَنَّا ولا رقصنا كما فعل كثير من الجهال يصرخون عند المواعظ ويزعقون ويَنْغَاشون وهذا كله من الشيطان يلعب بهم وهذا كله بدعة وضلالة يقال لمن فعل هذا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق الناس موعظة وأنصح الناس لأمته وأرق الناس قلباً وأصحابه أرق الناس قلوباً وخير الناس ممن جاء بعدهم ولا يشك في هذا عاقل ما صرخوا عند موعظته ولا زعقوا ولا رقصوا ولا زَفَنوا ولو كان هذا صحيحاً لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه بدعة وباطل ومنكر فاعلم ذلك فتمسكوا رحمكم الله بسنته وسنة الخلفاء من بعده الراشدين المهديين وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

    (10)

    حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني حيوة بن شريح عن عقيل بن خالد عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى وجه واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم وانتهوا عما نهيتم واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا).

    قال محمد بن الحسين: اعلم رحمك الله أنه ينبغي لك أن تعلم أن القرآن نزل جملة في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في نيف وعشرين سنة ومعنى على سبعة أحرف يعني على سبع لغات: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة على ما تحمل من لغتها فلا ينبغي أن يعيب بعضهم قراءة غيره بل واجب على كل من التقن بحرف أن يلزمه ويحفظه ولا يعيب على غيره ما قد التقن فلا يجاوز ما في مصحف عثمان رضي الله عنه فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ولن يدرك علم هذا كله إلا بالسنن لأن السنن تبين مراد الله عز وجل فيما أمر به العباد ونهاهم عنه ألم تسمع إلى قول الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل:44)، فقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته ما أحله لهم وما حرمه عليهم وما فرض عليهم فمن أراد أن يعلم الحلال من الحرام لزم السنن وذلك أمر الله عز وجل له وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى وحذر من خالفه بقوله عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور:63)، ثم يؤمن بمتشابه القرآن ولا يماري فيه و لا يجادل فإن الله تعالى قد حذرك عن ذلك وتعتبر بأمثاله وتعمل بمحكمه وتؤمن بجميع ما فيه واعلم أن في القرآن ناسخاً ومنسوخاً فاسأل عنه العلماء على وجه التعلم لا على وجه الجدل والمراء قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)(آل عمران:7)، واعلم رحمك الله أن الآيات المحكمات قال ابن عباس: (ناسخه ومنسوخه وحلاله وحرامه وفرائضه وحدوده وما يؤمر به وما يعمل به ويدان به)، وهذا طريق فقهاء المسلمين وقوله عز وجل: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)(آل عمران:7) قال سعيد بن جبير: (هن أصل الكتاب وإنما سماهن الله عز وجل (أم الكتاب) لأنهن مكتوبات في جميع الكتاب) وقال مجاهد: (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(آل عمران:7) قال: (يُصَدِّق بعضه بعضاً).

    تعليق


    • #3
      (11)

      حدثنا أبو بكر قال حدثنا الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وسعد وسعيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة).

      قال محمد بن الحسين: فواجب على المسلمين أن يشهدوا لمن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شهد لهم فقد أحبهم ومن أحب هؤلاء وشهد لهم بالجنة سلم جميع الصحابة منه ويشهد لهم بالخلافة أولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم فهؤلاء الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم).
      قال محمد بن الحسين: اعلم رحمك الله، من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله عز وجل ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.

      (12)

      حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال حدثنا الحميدي وهو عبد الله بن الزبير قال أخبرنا محمد بن طلحة التيمي قال حدثنا عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة لا صرفاً ولا عدلاً).

      قال محمد بن الحسين: فمن سمع فنفعه الله الكريم بالعلم أحبهم أجمعين: المهاجرين والأنصار وأصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوج إليهم ومن زوجهم وجميع أهل بيته الطيبين وجميع أزواجه واتقى الله الكريم فيهم ولم يسب واحداً منهم ولم يذكر ما شجر بينهم وإذا سمع أحداً يسب أحداً منهم نهاه وزجره ونصحه فإن أبى هجره ولم يجالسه، فمن كان على هذا مذهبه رجوت له من الله الكريم كل خير في الدنيا والآخرة.

      (13)

      حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن سكين البلدي قال أخبرنا علي بن حرب الموصلي قال حدثني عبد السلام بن صالح الخراساني قال حدثنا الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان ويقين بالقلب).

      قال محمد بن الحسين: هذا الحديث أصل كبير في الإيمان عند فقهاء المسلمين قديماً وحديثاً وهو موافق لكتاب الله عز وجل لا يخالف هذا الأمر إلا مرجئ خبيث مهجور مطعون عليه في دينه وأنا أبين معنى هذا ليعلمه جميع من نظر فيه نصيحة للمؤمنين.
      اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو التصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ثم اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب وهو التصديق إلا أن يكون معه إيمان باللسان وحتى يكون معه نطق ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاثة كان مؤمناً وحقاً دل على ذلك الكتاب والسنة وقول علماء المسلمين.
      وأما ما لزم القلب من فرض الإيمان، فقول الله تعالى عز وجل في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) إلى قوله عز وجل: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(المائدة:41).
      وقال عز وجل: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) الآية(النحل:106).
      وقال عز وجل في سورة الحجرات: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(الحجرات:14).
      فهذا يدلك على أن على القلب فرض الإيمان وهو التصديق والمعرفة ولا ينفع القول إذا لم يكن القلب مصدقاً بما ينطق به اللسان مع العمل.
      وأما فرض الإيمان باللسان، فقول الله عز وجل في سورة البقرة: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) الآية(البقرة:136-137).
      وقال عز وجل في سورة آل عمران: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) الآية(آل عمران:84).
      وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله ...) وذكر الحديث.
      فهذا الإيمان باللسان نطقاً واجباً.
      وأما الإيمان بما فرض الله على الجوارح تصديقاً لما آمن به القلب ونطق به اللسان فقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الحج:77).
      وقال عز وجل: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)(البقرة:43) في غير موضع من القرآن ومثله فرض الصيام على جميع البدن ومثله فرض الحج وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح فالأعمال بالجوارح تصديق على الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه ومن رضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمناً ولم تنفعه المعرفة والقول وكان للعمل تكذيباً منه لإيمانه وكان العمل بما ذكرنا تصديقاً منه لإيمانه فاعلم ذلك هذا مذهب علماء المسلمين قديماً وحديثاً فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث احذره على دينك والدليل على هذا قول الله عز وجل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(البينة:5).

      (14)

      حدثنا الآجري قال حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال حدثني أبو بكر بن زنجويه قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم.
      قال الآجري وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال أخبرنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل تفرق بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة تزيد عليهم واحدة كلها في النار إلا ملة واحدة) قالوا: (من هذه الملة الواحدة؟) قال: (ما أنا عليه وأصحابي).

      وهذا لفظ حديث الصوفي.
      قال محمد بن الحسين: فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الملة الناجية باتباعه لكتاب الله عز وجل وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه رحمة الله عليهم وسنن التابعين بعدهم بإحسان وقول أئمة المسلمين ممن لا يستوحش من ذكرهم مثل سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد القاسم بن سلام ومن كان على طريقهم من الشيوخ فما أنكروه أنكرناه وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به ونبذنا ما سوى ذلك.
      قال الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا المسيب بن واضح قال سمعت يوسف بن أسباط يقول: (أصول البدع أربع: الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة ثم تتشعب كل فرقة ثماني عشرة طائفة فتلك اثنان وسبعون فرقة والثالثة والسبعون الجماعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الناجية، فمن الأدباء العقلاء من أهل السنة والجماعة يعتقدون أن القرآن كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق، والتصديق بالنظر إلى الله عز وجل يوم القيامة يراه المؤمنون يوم القيامة).
      قال محمد بن الحسين: فقد بينت في هذه الثلاثة عشر حديثاً من علوم الدين ما ينبغي لكل مسلم أن يتمسك به ولا يجهل عن أمر دينه فيزيغ عن طريق الحق إذ كان دين الإنسان هو رأس ماله.
      قال الحسن رحمه الله: (رأس مال المسلم دينه حيث ما زال زال معه لا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال).
      وأنا إن شاء الله أذكر بعد هذا من أمر السنن ما يتأدب بها المسلم فتبعثه على طلب الزيادة للعلم الذي لا بد منه والله الموفق لذلك إن شاء الله.

      (15)

      حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري ومحمد بن عبد الله بن عمرو الغزي قالا: حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا عبد الله بن عرادة عن زيد بن حواري عن معاوية بن قرة عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بوضوء فتوضأ مرة مرة فقال: (هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله عز وجل صلاة إلا به) ثم توضأ مرتين مرتين فقال: (هذا وضوء من توضأه أعطاه الله عز وجل كفلين من الأجر) ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي).

      قال محمد بن الحسين: هذا يدل على أن على الإنسان فرض الوضوء مرة مرة لكل عضو وهذا لا خلاف فيه ومن توضأ مرتين مرتين لكل عضو فهو أفضل ومن توضأ ثلاثاً ثلاثاً فهو أسبغ ما يكون وليس بعد هذا أكثر من هذا فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة:190).

      تعليق


      • #4
        (16)

        حدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: أتينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد صلى فدعا بالطهور فقلنا: (ما يصنع به وقد صلى ما يريد إلا ليعلمنا) قال: (فائتوني بإناء فيه ماء وطست) فأفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ثلاثاً ثم مضمض واستنشق ثلاثاً من الكف الذي يأخذ به الماء ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً ثم غسل يده اليسرى ثلاثاً يعني إلى المرفقين ومسح برأسه مرة واحدة ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله اليسرى ثلاثاً ثم قال: (من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا).

        قال محمد بن الحسين الآجري: وهذا أتم ما يكون من الوضوء وأحسنه فلله الحمد.

        (17)

        حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب قال حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً فاغتسل من الجنابة فكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه ثم أفاض على فرجه فغسله ثم قال بيده على الحائط أو على الأرض فدلكها ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه وأفاض على رأسه ثلاثاً ثم أفاض على سائر جسده الماء ثم تنحى ثم غسل رجليه قالت: فأتيته بثوب فقال هكذا فنفض وكيع يده كأنه يقول: (لا).

        (1

        حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال حدثنا زهير بن محمد المروزي قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا أبو العوام القطان قال حدثنا قتادة وأبان بن أبي عياش كلاهما عن خليد العصري عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من جاء بهن يوم القيامة مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهن وركوعهن ومواقيتهن، وأعطى الزكاة مع طيب النفس بها) قال: وكان يقول: (وايم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن وصام شهر رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً وأدى الأمانة) قالوا: (يا أبا الدرداء ما أداء الأمانة؟) قال: (الغسل من الجنابة فإن الله عز وجل لم يأمن ابن آدم على شيء من أمر دينه غيرها).

        قال محمد بن الحسين: هذا يدل العقلاء على أن الإيمان كما قلنا لا يتم إلا بالعمل وأن الله عز وجل كتب على المؤمنين خمس صلوات في كل يوم وليلة بتمام ركوع فسجودها ومن فقهها تمام ركوع ورفع اليدين بعد الركوع وسجود وتمام جلوس بين السجدتين مع التكبير الصحيح قبل هذا وحسن القراءة للحمد وغيرها مع كمال الطهارة بعلم والصلاة بعلم وكل فرض من شريعة الإسلام لا يؤديه إلا بعلم والله الموفق لذلك إن شاء الله.

        (19)

        أخبرنا الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو العامري قال: كنت في مجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا صلاته فقال أبو حميد الساعدي: (أنا أُعَلِّمُكُم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من همتي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قرأ فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح).
        قال محمد بن الحسين: يعني غير مقنع: لا يرفع رأسه في ركوعه على ظهره فلا صافة لا يُصَوِّبُه ولكن يمد ظهره ورأسه فيكون مستوياً كله.
        ثم رجعنا إلى الحديث قال: (فإذا رفع رأسه اعتدل قائماً حتى يعود كل عضو منه مكانه فإذا سجد أمكن الأرض من جبهته وأنفه وكفيه ومن ركبتيه وصدور قدميه ثم اطمأن ساجداً فإذا رفع رأسه اطمأن جالساً فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كانت الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة).

        (20)

        حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا الفريابي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن علي بن يحيى الزرقي عن أبيه عن عمه وكان بدرياً قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل المسجد فقام ناحية المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه وهو لا يشعر ثم انصرف فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام ثم قال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل) قال: لا أدري في الثالثة أو في الثانية قال: (والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت وحرصت فعلمني وأرني) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت الصلاة فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قم فاستقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً فإذا صنعت ذلك فقد قضيت صلاتك وما انتقصت من ذلك فإنما نقصته من صلاتك).

        وكذا روى هذا الحديث جماعة وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أو مثله.

        تعليق


        • #5
          (21)

          حدثنا الآجري قال حدثنا الفريابي قال أخبرنا صفوان بن صالح قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا شيبة بن الأحنف الأوزاعي قال حدثنا أبو سلام الأسود قال حدثنا أبو صالح الأشعري عن أبي عبد الله الأشعري قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم جلس في عصابة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل لا يركع وينقر في سجوده والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال: (ترون هذا لو مات على هذا لمات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم نقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين فما تغنيان عنه فأسبغوا الوضوء وويل للأعقاب من النار وأتموا الركوع والسجود).

          قال أبو صالح: قلت لأبي عبد الله الأشعري: (من حدثك هذا الحديث؟) فقال: (أمراء الأجناد خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة كل هؤلاء سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم).

          (22)

          حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال حدثنا الفريابي قال حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب أنه لقي أبا أمامة الباهلي فسأله عن حديث عمرو بن عبسة السلمي حين حدث شرحبيل بن السمط وأصحابه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رمى سهماً في سبيل الله فبلغ أخطأ أو أصاب كان سهمه ذلك كله كعدل رقبة من ولد إسماعيل ومن خرجت به شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة ومن عتق رقبة مسلمة كانت له فكاكه من نار جهنم ومن قام إلى الوضوء يراه حقاً عليه واجباً فمضمض فاه غفرت له ذنوبه مع أول قطرة من طهوره فإذا غسل وجهه فمثل ذلك فإذا غسل يديه فمثل ذلك فإذا مسح رأسه فمثل ذلك فإذا غسل رجليه فمثل ذلك فإن جلس جلس سالماً وإن صلى تقبل منه).

          قال شهر بن حوشب: فحدثني أبو أمامة بهذا الحديث كما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
          قال محمد بن الحسين: قد ذكرت في هذه الأحاديث من علم الطهارة وعلم الصلاة وفضل الطهارة مما فيه علم كثير ويبعث العقلاء على طلب علم الزيادة من علم ما ذكرت مما لابد من علمه والعمل به وهذه الأحاديث تنبيه لقلوب العقلاء ليزدادوا بصيرة في دينهم وحسن عبادة لربهم لأداء فرائضه واجتناب محارمه كما أمروا لا كما يريدون بغير علم فاعلم ذلك والله الموفق لذلك والمعين عليه إن شاء الله.

          (23)

          حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الرحمن عن عاصم بن سفيان الثقفي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من عمل)، (أكذلك يا عقبة؟) قال: (نعم).

          قال محمد بن الحسين: يعني أن أبا أيوب استشهد بعقبة بن عامر يقول له: (أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا؟) قال له: فقال عقبة بن عامر: (نعم).
          قال محمد بن الحسين: فمن توضأ بعلم واغتسل من الجنابة بعلم وصلى الصلوات بعلم كان فضله عظيماً ومن تهاون بذلك وتوضأ كما يريد وصلى كما يريد بغير علم تقدم فإنا لله وإنا إليه راجعون مصيبة فيه عظيمة.
          قال محمد بن الحسين: قد مضى من الطهارة والصلاة ما فيه مقنع ويبعث على طلب علم الزيادة إن شاء الله تعالى.

          (24)

          حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا إسحاق بن راهويه قال حدثنا النضر بن شميل قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما رجل له مال لم يعط حق الله تبارك وتعالى منه إلا جعله الله عز وجل شجاعاً قرعاً على صاحبه يوم القيامة له زبيبتان ثم ينهشه حتى يُقضى بين الناس، فيقول: (ما لي ولك؟) فيقول: (أنا كنزك الذي جمعت لهذا اليوم) قال: فيضع يده في فيه فيقضمها).

          قال محمد بن الحسين: هذا رحمكم الله إنما هو مال لا يؤدى زكاته فأما مال يؤدى منه الزكاة طيب المكسب فليس بكنز إن أنفق صاحبه منه أنفق طيباً وإن خلفه بعده خلف مالاً طيباً مباركاً إن شاء الله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نعم المال الصالح للرجل الصالح).

          (25)

          حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا الفريابي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال لي: (هم الأخسرون ورب الكعبة) قال: فجئت حتى جلست إليه فلم أتقار أن قمت فقلت: (يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟) قال: (هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم) ثم قال: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه حتى تنطحه بقرونها وتطأه بأخفافها كلما نفدت عليه أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الخلائق أو الناس).

          تعليق


          • #6
            (26)

            حدثنا أبو بكر قال أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح المصري وعبد الله بن محمد الزهري قالا: حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أوسق صدقة).

            قال محمد بن الحسين: معنى قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) يعني ليس في أقل من مائتي درهم صدقة والأوقية أربعون درهماً وهذا إجماع أنه لا تجب الزكاة في أقل من مائتي درهم فإذا تمت مائتي درهم وحال عليها الحول من وقت تمت مائتي درهم وجب فيها ربع العشر وهو خمسة دراهم وقوله: (ليس في أقل من خمس ذود صدقة) والذود: الواحد من الإبل فمن كانت عنده أقل من خمس ذود من الإبل فليس عليه فيها شيء فإذا تمت خمسة وكانت سائمة وهي الراعية وحال عليها الحول من يوم تمت خمسة ففيها شاة إلى تسع وقوله: (وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) هذا في زكاة الزرع من الحنطة أو الشعير أو الذرة أو الحبوب التي تؤكل وتطحن وتدخر وكذلك ثمر النخل والزبيب إذا بلغ مقدار كل صنف من هذه خمسة أوسق فصاعداً ففيها الصدقة وما دون خمسة أوسق فلا زكاة فيه والوسق ستون صاعاً مقدارها ثلاث مئة وعشرون رطلاً مقدارها ثلاثة عشر قفيزاً ومكوكان وكيلجتان فما كان مما سقي سيحاً أو بالمطر ففيه العشر وما كان مما سقي بالنواضح والدوالي وأشباه ذلك ففيه نصف العشر فاعلم ذلك.

            (27)

            حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين.
            حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا عباد قال حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرنه بسيفه فلما قبض عمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض فكان فيه: (في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت فيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وفي الشاء في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت فشاتان إلى مائتين فإذا زادت شاة فثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة وما كان من البطنين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب).

            وقال الزهري: (إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلث خيار وثلث أوساط وثلث شرار فيأخذ المصدق من الوسط) ولم يذكر الزهري البقر.
            قال محمد بن الحسين: ومعنى لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة كان الناس في الحي أو في القرية إذا علموا أن المصدق يقصدهم ليأخذ صدقاتهم فيكون مثلاً ثلاثة أنفس فيكون لكل واحد أربعون شاة فيقول بعضهم لبعض: (تعالوا حتى نختلط بها) فيقولون: (نحن ثلاثة خلطاء لنا عشرون ومائة شاة)، فيأخذ المصدق منهم شاة واحدة فقد نقصوا المساكين شاتين لأنهم لو تركوها على حالها لوجب على كل واحد شاة فنهوا عن هذا الفعل فهذا معنى لا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة أن تكثر عليهم.
            وقوله عليه السلام: (ولا يفرق بين مجتمع) هذا خطاب لعامل الصدقة قيل له: مثل إذا كانوا خلطاء اثنان لهما ثمانون شاة تجب عليها شاة واحدة لا يفرقها عليهما فيقول: إذا فرقتها عليهما أخذت من كل واحد شاة شاة فأمر كل واحد منهم أن يدع الشيء على حاله ويتقوا الله عز وجل.
            وقوله عليه السلام: (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية).
            قال محمد بن الحسين: فقد اختلف الفقهاء في معنى هذا فيقول مالك وهو قول أبي ثور: إذا كانا خليطين في غنم أو بقر كان في حصة كل واحد منهما الزكاة زكيا زكاة الواحد فإذا كانا خليطين في غنم لو فرقاها لم يجب في غنم كل واحد منهما الزكاة لم يجب عليهما فيها الزكاة فكأنهما شريكان لهما أربعون شاة خلطا لكل واحد عشرين شاة ولو تفرقا لم يجب على كل واحد منهما شيء وإذا كانا شريكين في ثمانين شاة لكل واحد أربعون شاة كان عليهما شاة على كل واحد نصف شاة أو كانا خليطين في عشرين ومائة شاة لواحد ثمانون شاة ولآخر أربعون شاة فجاء المصدق فأخذ منها زكاتها شاة واحدة تراجعا بينهما بالسوية كان على صاحب الثمانين شاة ثلثا شاة وعلى صاحب الأربعين ثلث شاة وأما على قول الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهما الله وغيرهما فإن الخليطين يزكيان زكاة الواحد ثم يتراجعا بينهما بالسوية كأنه رجل له ثلاثون شاة وآخر له عشر شياه خلطا أخذ من الجميع شاة على صاحب الثلاثين ثلاثة أرباع شاة ولزم صاحب العشر ربع شاة وهكذا فيما زاد على هذا المعنى فاعلم ذلك إن شاء الله.

            (2

            قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر الفريابي قال حدثنا إسحاق بن راهويه قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه).

            قال محمد بن الحسين: معناه والله أعلم إيماناً بأن الله تعالى فرضه عليه واحتساباً يحتسب ما يلحقه من الجوع والعطش والامتناع من الزوجة والأمة نهاراً في جنب الله عز وجل.

            (29)

            حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا محمد بن سعد العوفي قال حدثني أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن عن أبيه عن جده عطية العوفي عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ)(البقرة:183-184) قال: (كان الصوم ثلاثة أيام في كل شهر ثم نسخ ذلك بالذي أنزل الله تعالى من صيام شهر رمضان وهذا الصوم الأول من العتمة فمن صلى العتمة حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى القائلة وجعل الله في هذا الصوم الأول فدية طعام مسكين فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكيناً ويفطر كان ذلك رخصة لهم فأنزل الله عز وجل في الصوم الآخر إحلال الطعام والشراب وإحلال النكاح بالليل إلى الصباح الذي كان الله عز وجل حرم من الصوم الأول وأنزل في الصوم الأخير: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(البقرة:184و185) فلم يذكر الله عز وجل في الصوم الآخر فدية طعام مسكين فنسخت الفدية وبينها في الصوم الآخر بقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(البقرة:185) وهو الإفطار في السفر وجعله عدة من أيام أخر وقوله عز وجل: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ)(البقرة:187) كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة حتى إذا صليت العتمة حرم الله عليه الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا هو قائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله لبعض حاجته فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني أعتذر إلى الله عز وجل ثم إليك من نفسي هذه الخاطئة فإنها زينت لي مواقعة أهلي فهل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟) فقال: (لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر) فلما بلغ عمر بيته أرسل إليه فأتاه وقد أنزل الله عز وجل عذره في آية من القرآن فأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال الله عز وجل: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ)(البقرة:187) يعني بذلك الذي فعل عمر).

            قال محمد بن الحسين: وفي حديث عن معاذ بن جبل وغيره وابن عباس أيضاً في حديث غير هذا قالوا: وكانوا إذا صاموا فناموا قبل أن يفطروا لم يحل لأحد منهم الطعام ولا النكاح فجاء صرمة بن قيس وقد عمل في حائطه وهو شيخ كبير فضرب برأسه فنام قبل أن يفطر فاستيقظ فلم يأكل ولم يشرب فأصبح وهو ضعيف فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (مالي أراك ضعيفا؟) قال: (يا رسول الله كنت يومي أعمل في حائطي فجئت وأنا معي عياء فضربت برأسي قبل أن أفطر) وجاء عمر بن الخطاب فوقع بامرأته بعد ما نامت فأنزل الله عز وجل فيهما وفي جميع الناس: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) الآية(البقرة:187).

            (30)

            حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا مؤمل بن هشام قال حدثنا إسماعيل ابن علية قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له).

            قال نافع: فكان عبد الله بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون بعث من ينظر فإن رؤي فذلك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطراً وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائماً).
            وحدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الصيدلاني قال سمعت أبا بكر المروزي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول: (الهلال إذا حال دون منظره غيم فينبغي أن يعتقد من الليل أنه يصبح صائماً لأنه لا يدري من رمضان هو أو من شعبان؟) قال: (وكذا روي أنه لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل فيعتقده مخافة أن يكون من رمضان) ذهب إلى تقليد ابن عمر.
            قال أبو بكر المروزي: فقلت لأبي عبد الله: (أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الشك؟) قال: (هذا إذا كان صحواً وأما إذا كان في السماء قتر أو قال: غيم يصام على فعل ابن عمر).
            وحدثنا الآجري قال حدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال حدثنا الفضل بن زياد قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول في صوم يوم الشك فقال: أذهب فيه إلى حديث ابن عمر أنه قال: (إذا كان ليلة ثلاثين من شعبان نظر إلى الهلال فإن حال دونه سحاب أو قتر أصبح صائماً وإن لم يحل دونه سحاب أو قتر أصبح مفطراً).
            قال الفضل: وسمعته سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم فاقدروا له) ما معناه؟ قال: هذا رواه ابن عمر: (إذا حال دون منظره سحاب أو قتر ليلة ثلاثين من شعبان أصبح صائماً وإذا لم يحل دونه سحاب ولا قتر أصبح مفطراً) فهو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كان يفعل هذا.

            تعليق


            • #7
              (31)

              حدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي وعبد الله بن سعيد الأشج قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال حدثنا أبو إسرائيل عن الفضيل بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن العباس أو أحدهما عن الآخر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة).

              قال محمد بن الحسين: كأنه والله أعلم يقول: إذا أتى عليك وقت وأنت مستطيع الحج فقد وجب عليك الحج فبادر إليه ولا تشتغل عنه بما لا عذر لك فيه من إقبالك على الدنيا فإنك لا تأمن من أن تعرض لك أمور تقطعك عن الحج إما بمرض أو فساد الطريق أو ذهاب مالك فلا تكون معذوراً وقد كان يمكنك الخروج ففرطت في فريضة الحج بتوانيك فأثمت إثماً عظيماً.

              (32)

              حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا علي بن أحمد الجواربي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك عن الليث عن ابن سابط عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يمنعه من الحج حاجة ظاهرة ولا مرض حابس ولا سلطان جائر فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً).

              قال محمد بن الحسين: قال الله عز وجل: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران:97) فإذا استطاع الرجل الحج فقد وجب عليه الحج فإذا تخلف بعد وجوبه فعظيم شديد ليس من أخلاق المسلمين التواني عن فريضة من فرائض ما بني الإسلام عليه.
              وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (من مات ولم يحج وهو يجد سعة فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً ولقد هممت أن أبعث رجالاً إلى الأمصار فينظرون من كان له سعة ولم يحج أن يضربوا عليه الجزية والله ما هم بمسلمين والله ما هم بمسلمين).
              وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ملك زاداً وراحلة تبلغه فلم يحج إلى بيت الله عز وجل فلا يضره يهودياً مات أو نصرانياً).
              وروي عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد أنه قال لمولى له يقال له مقلاص: (لو مت ولم تحج لم أصل عليك).
              وعن سعيد بن جبير أنه قال: (لو مات جار لي وهو موسر ولم يحج لم أصل عليه).
              حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا أبو بكر عمر بن سعد القراطيسي قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران:97) قال: (والسبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به) ثم قال: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران:97) يقول: (ومن كفر بالحج فلم ير حجه براً ولا تركه إثماً).

              (33)

              حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو علي الحسن بن حباب المقرئ قال حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام قال حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن برد يعني ابن سنان عن سليمان بن موسى عن شرحبيل بن السمط أنه كان نازلاً على حصن من حصون فارس مرابطاً قد أصابتهم خصاصة فمر بهم سلمان الفارسي فقال: (ألا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عوناً لكم على منزلكم هذا؟) قالوا: (بلى يا أبا عبد الله حدثنا) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه ومن مات مرابطاً في سبيل الله كان له أجر مجاهد إلى يوم القيامة).

              (34)

              حدثنا الآجري قال حدثنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي قال حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن محمد الفزاري قال حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد في الحضر والسفر فإن الجهاد باب من أبواب الجنة وإنه ينجي صاحبه من الهم والغم).

              قال محمد بن الحسين: هذه الأحاديث تبعث العقلاء على الرباط في سبيل الله وعلى الجهاد وعلى النفقة في سبيل الله وعلى الغدو والرواح في سبيل الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها).

              (35)

              حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا عمرو بن علي وعلي بن نصر قالا: حدثنا معاذ بن هانئ البهراني قال حدثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان عن حديث عبيد بن عمير الليثي أنه حدثه أبوه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن في حجة الوداع قال: (إن أولياء الله تبارك وتعالى المصلون)، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يقم الصلوات الخمس اللاتي كتبن عليه ويصوم رمضان يحتسب صومه ويرى أنه حق عليه واجب ويعطي زكاة ماله يحتسبها ويجتنب الكبائر التي نهى الله عز وجل عنها) ثم إن رجلاً من أصحابه سأله فقال: (يا رسول الله ما الكبائر؟) قال: (هن تسع أعظمهن إشراك بالله، وقتل نفس مؤمن بغير حق، وفرار يوم الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً) ثم قال: (لا يموت رجل لم يعمل هذه الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا رافق محمداً صلى الله عليه وسلم في دار بحبوحة أبوابها مصاريع من ذهب).

              قال محمد بن الحسين: وقد اختلف الناس في الكبائر ما هن فروي عن ابن عباس رضي الله عنه روايات منها أنه قال في قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)(النساء:31) قال: (الكبائر كل ذنب ختمه الله عز وجل بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب)، وروي عنه أنه قال: (الكبائر إلى سبعين أدناهن إلى سبع)، وروي عنه أنه قال: (كل شيء عُصي الله عز وجل به فهو من الكبائر).
              وحدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال حدثنا أبو سعيد المفضل بن محمد الجندي في المسجد الحرام قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: سأل رجل عبد الرزاق عن الكبائر فقال: (هي إحدى عشرة كبيرة منها أربعة في الرأس وهي: الشرك بالله وقذف المحصنات واليمين الفاجرة وشهادة الزور ومنها ثلاث في البطن وهي: أكل الربا وشرب الخمر وأكل مال اليتيم وواحدة في الرجلين وهي: الفرار من الزحف وواحدة في الفرج وهي: الزنا وواحدة في اليدين وهي: قتل النفس التي حرم الله وواحدة في جميع البدن وهي عقوق الوالدين).

              تعليق


              • #8
                (36)

                حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا الفريابي أخبرنا منجاب بن الحارث قال حدثنا علي بن مسهر عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال أخبرني عبد الرحمن بن عوف قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى النخل الذي فيه ابنه إبراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه فوضعه في حجره ثم قال: (يا إبراهيم ما نملك لك من الله شيئاً) وذرفت عيناه فقلت: (صلى الله عليك أتبكي؟ أو لم تنه عن البكاء؟) قال: (ما نهيت عنه ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأنها سبيل مأتية وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا وإنا بك لمحزونون تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب).

                قال محمد بن الحسين: هذا يدل العقلاء على أن يكونوا إذا أنعم الله الكريم عليهم بنعمة مما يسرون بها ويفرحون بها فحكمهم أن يشكروا الله عز وجل عليها ويكثروا ذكره ويطيعوا الله عز وجل ويستعينوا بها على طاعته وذلك مثل تزويج وزفاف وختان أولادهم وولائمهم وما أشبه ذلك من الأفراح، ويواسوا من هذه النعم القرابة والجيران والضعفاء وغيرهم ويغتنموا دعاء الفقراء والمساكين حتى يكونوا قد استعانوا بنعمة الله عز وجل على طاعته فإن لم يفعلوا ذلك وأشروا وبطروا وأحضروا هذه الأفراح المعاصي: اللهو بالطبل والمزمار والمعازف والعود والطنبور والمغني والمغنيات فقد عصوا الله عز وجل إذا استعانوا بنعمه على معاصيه فآذوا بهذا الفعل قلوب المؤمنين ولزمهم الإنكار عليهم وتأذوا بجوارهم وكثر الداعي عليهم بقبيح ما ظهر مما نهوا عنه، وهكذا إذا مات الميت أو أصيبوا بالمصائب الموجعة للقلوب فالعقلاء من المؤمنين يستعملون في مصائبهم ما قال الله عز وجل من الصبر والاسترجاع والحمد لمولاهم الكريم والصلاة فأثابهم مولاهم الكريم على ذلك ورضي فعلهم وحمدهم العقلاء من الناس وإن بكوا وحزنوا فلا عيب عليهم لأن المؤمن رقيق القلب فبكاؤه رحمة فمباح ذلك له وأما الجهال من الناس وهم كثير فإنهم إذا أصيبوا بما ذكرنا سخطوا ما حل بهم ودعوا بالويل والثبور والحروب والسلب ولطموا الخدود ونشروا الشعور وجزوها وخمشوا وجوههم وشقوا جيوبهم وناحوا واستعملوا النوح وعصوا الله عز وجل في مصائبهم بمعاص كثيرة واستعملوا أخلاق الجاهلية في طعام يعملونه ويدعون إليه والبيتوتة عند أهل الميت وكثرة زيارة نسائهم إلى القبور وتضييعهم للصلوات وأشباه لهذه المعاصي، فالله عز وجل يمقتهم على ذلك والمؤمنون يتأذون بما ظهر من المناكير التي أظهروها ويتعاونون على الإثم والعدوان بنعم ويجدون على ذلك أعواناً لظهور الجهل ودروس العلم.

                (37)

                حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة ثلاث مرات) قال: (لمن يا رسول الله؟) قال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم).

                قال سهيل: قال لي أبي: (يا بني احفظ هذا الحديث).
                قال محمد بن الحسين: قد سألنا سائل عن هذا الحديث فقال: تخبرني كيف النصيحة لله عز وجل؟ وكيف النصيحة لكتاب الله جل ثناؤه؟ وكيف النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف النصيحة لأئمة المسلمين؟ وكيف النصيحة لعامتهم؟ فأجبناه فيه كيف النصيحة على هذا الترتيب الذي سأل عنه يجزئ فينبغي لكل مؤمن عاقل أريب يطلبه ويتعلمه والله الموفق لذلك.

                (3

                حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا محمد بن الحسن البلخي قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين وبينهما شبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله عز وجل محارمه).

                قال محمد بن الحسين: ولنا في هذا جواب آخر حسن وجميع الخلق فقراء إلى علمه لا يسعهم جهله فمن أراده طلبه ومن طلبه وجده إن شاء الله تعالى.

                (39)

                حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا الفريابي قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني خالي خبيب بن عبد الرحمن عن جدي حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة في ظل الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله: إمام مقتصد، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل وطاعته حتى توفي على ذلك، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل، ورجل لقي آخر فقال له: (والله إني لأحبك في الله عز وجل)، وقال الآخر: (والله إني لأحبك في الله عز وجل)، ورجل قلبه متعلق بحب المساجد حتى يرجع إليها، ورجل إذا تصدق أخفى صدقة يمينه عن شماله، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب فقال: (إني أخاف الله رب العالمين)).

                قال محمد بن الحسين: وقد رسمت جزءاً واحداً في صفة واحد واحد واحد من هؤلاء ونعتهم على الانفراد يفهمه من أراده وجده إن شاء الله فإنه حديث شريف يتأدب به جميع من يعبد الله تعالى لا يتعب في عمله إلا عاقل ولا يستغني عنه إلا جاهل.
                قال محمد بن الحسين: هذا الحديث الذي ختمت به هذه الأربعين حديثاً وهو حديث كبير جامع لكل خير يدخل في أبواب كثير من العلم يصلح لكل عاقل أريب.

                (40)

                قال محمد حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي إملاء في شهر رجب من سنة سبع وتسعين ومئتين حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقلت: (يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟) قال: (خير موضوع فاستكثر أو استقل) قال قلت: (يا رسول الله فأي الأعمال أفضل؟) قال: (إيمان بالله وجهاد في سبيله) قلت: (يا رسول الله فأي المؤمنين أفضل؟) قال: (أحسنهم خلقاً) قلت: (يا رسول الله فأي المسلمين أفضل؟) قال: (من سلم الناس من لسانه ويده) قلت: (يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟) قال: (من هجر السيئات) قلت: (يا رسول الله فأي الصلاة أفضل؟) قال: (طول القنوت) قلت: (يا رسول الله فأي صيام أفضل؟) قال: (فرض مجزئ وعند الله أضعاف كثيرة) قلت: (يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟) قال: (من عُقر جواده وأهريق دمه) قلت: (يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟) قال: (أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها) قلت: (يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟) قال: (جهد من مقل وسر إلى فقير) قلت: (يا رسول الله فأيما آية أنزل الله عليك أعظم؟) قال: (آية الكرسي) ثم قال: (يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) قال قلت: (يا رسول الله كم الأنبياء؟) قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً) قال قلت: (يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟) قال: (ثلاث مئة وثلاثة عشر جم غفير) قلت: (كثير طيب) قلت: (من كان أولهم؟) قال: (آدم عليه السلام) قلت: (يا رسول الله أنبي مرسل؟) قال: (نعم خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قِبَلاً) ثم قال: (يا أبا ذر أربعة سريانيون: آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بقلم ونوح، وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم محمد صلوات الله عليهم أجمعين) قال قلت: (يا رسول الله كم كتاباً أنزل الله عز وجل؟) قال: (مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله عز وجل على شيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزلت على موسى من قبل التوراة عشر صحائف وأنزلت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان) قال قلت: (يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم عليه السلام؟) قال: (كانت أمثالاً كلها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وكان فيها أمثال: وعلى العاقل أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر في صنع الله عز وجل وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا لثلاث: تزوداً لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير مُحَرَّم وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه) قال قلت: (يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟) قال: (كانت عبراً كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها وعجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم هو لا يعمل) ثم قال قلت: (يا رسول الله فهل بأيدينا شيء مما كان في يدي إبراهيم وموسى عليهما السلام مما أنزل الله عز وجل عليك؟) قال: (نعم، اقرأ يا أبا ذر: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى . بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) إلى آخر هذه السورة(الأعلى:14-19) يعني أن ذكر هذه الآيات لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى، قال قلت: (يا رسول الله أوصني) قال: (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي) قلت: (يا رسول الله زد) قال: (عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك) قلت: (زدني) قال: (أحبب المساكين وجالسهم فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (صل قرابتك وإن قطعوك) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (قل الحق وإن كان مراً) قال قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (لا تخف في الله لومة لائم) قلت: (يا رسول الله زدني) قال: (يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تجد فيما تحب وكفى بك عيباً أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تحب) ثم ضرب بيده على صدري وقال: (يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف عن محارم الله ولا حسب كخلق الحسن).

                قال محمد بن الحسين: فهذه أربعون حديثاً فيها علم كثير في أصناف شتى وتبعث العقلاء على طلب الزيادة لعلوم لابد منها مما لا يسعهم جهله ولا يعذره العلماء بجهلها وكلما علموها وعملوا بها زادهم الله الكريم بها شرفاً في الدنيا والآخرة والله الموفق لذلك والمعين عليه ونسأل الله العظيم لنا ولكم علماً نافعاً وعقلاً مؤيداً وأدباً صالحاً.
                حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار حدثنا أبو محمد جعفر بن محمد الخندقي وكان له حفظ حدثنا محمد بن إبراهيم السائح حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله عز وجل يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء).
                = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
                المصدر:
                موقع جامع الحديث النبوي

                تعليق


                • #9
                  وهذا رابط تحميل الكتاب على هيئة ملف وورد
                  من هنا

                  تعليق


                  • #10
                    نفع الله بك وبما نقلت . . وهذا الكتاب هو أصل ((الأربعين النووية)) للنووي .
                    قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                    تعليق


                    • #11
                      نفع الله بك وبما نقلت

                      تعليق

                      يعمل...
                      X