إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الإِشَـارَة إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة (الحلقة الأولى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مقال] الإِشَـارَة إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة (الحلقة الأولى)


    الإِشَـارَة

    إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة
    (الحلقة الأولى)

    بقلم:
    نزار بن هاشم العباس
    خريج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
    والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيِّه محمَّد وآله، أمَّا بعد؛
    فهذه بعض إفاداتٍ يسَّر الله وحده تقييدها وجمعها -في فترةٍ ماضيةٍ- مع كلامٍ لأهل العلم السلفيِّين -أثابهم الله تعالى- نافعٍ ونفيسٍ عند النظر في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- عن أصحاب الأخدود، ثمَّ كان هذا بحمد الله وفضله وقوَّته أوان نشرها عسى أن ينفع الله بها أهل الإسلام وشبابهم -خاصَّة- وفَّقهم الله لكلِّ خير!!!
    وقد سمَّيتها:
    «الإِشَـارَة إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة»
    وهذه حلقتها الأولى، والحمد لله أوَّلاً وآخراً.
    قيَّدها
    نزار بن هاشم العباس
    خريج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
    والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان
    30/2/1434هـ
    12/1/2013م
    لإكمال القراءة حمِّل الملف:
    (صيغة بي دي إف) منسَّقة للطباعة
    [من هنا]
    صيغة (ملف وورد)
    [من هنا]

    منقول من موقع راية السلف

    http://rsalafs.com/play.php?catsmktba=554

  • #2
    رد: الإِشَـارَة إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة (الحلقة الأولى)

    الإِشَـارَة

    إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة





    (الحلقة الأولى)
































    بقلم:
    نزار بن هاشم العباس
    خريج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
    والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيِّه محمَّد وآله، أمَّا بعد؛
    فهذه بعض إفاداتٍ يسَّر الله وحده تقييدها وجمعها -في فترةٍ ماضيةٍ- مع كلامٍ لأهل العلم السلفيِّين -أثابهم الله تعالى- نافعٍ ونفيسٍ عند النظر في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- عن أصحاب الأخدود، ثمَّ كان هذا بحمد الله وفضله وقوَّته أوان نشرها عسى أن ينفع الله بها أهل الإسلام وشبابهم -خاصَّة- وفَّقهم الله لكلِّ خير!!!
    وقد سمَّيتها:
    «الإِشَـارَة إِلى مَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الأُخْدُودِ وَالغُلاَمِ وَالنَّاطِقِ فِي المَهْدِ مِنْ الإِفَادَة»
    وهذه حلقتها الأولى، والحمد لله أوَّلاً وآخراً.
    قيَّدها
    نزار بن هاشم العباس
    خريج الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّبويَّة
    والمشرف على موقع راية السَّلف بالسُّودان
    30/2/1434هـ
    12/1/2013م








    قصة أصحاب الأخدود
    قال تعالى: ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)).
    قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في «صحيحه/ كتاب الزهد والرقائق، حديث (3005)»:
    حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِيءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِيءُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ (سفينة)، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ (الصدغ: ما بين العين والأذن)، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ (حُفِرَت) وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ (أي يا أمِّي) اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ».

    • فأقول وبالله التوفيق والسداد:
    ممَّا يُستَفَاد من هذا الحديث العظيم إن شاء الله؛
    (1) أنَّ أعظم وأول واجبٍ على الناس -من المسلمين والكافرين رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً شيباً وشباباً- يُعْتَقَدُ ويُعْلَمُ ويُعْمَلُ به ويُدْعَى إليه: توحيد الله الصحيح ولا يُوفَّقُ له إلا من اختاره الله واصطفاه من خلقه فمن وُفِّقَ له عليه أن يشكر الله مستشعراً نعمة الله عليه داعياً ربه سبحانه بتثبيته حتى مماته. ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ))، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).

    (2) أنَّ غالب القصص القرآني -إن لم يقال كله- سيق لأجل تأسيس توحيد الله في نفوس عباده، ومنه هذه القصة التي شرَحَتْها السُّنَّة الصَّحيحة.

    (3) خطورة الشِّرك ومظاهره وما يترتَّب عليه من الفساد والذي من أعظمه في الدنيا: سخط الله، وسخط المخلوق، وإهلاك الحرث والنسل، وتدمير الخير وإزهاق الأرواح البريئة -كما فعل أهل الشِّرك بأصحاب الأخدود- مع ما ينتظر أهلَه من عذاب جهنم وبئس المصير.

    (4) خطورة السِّحر وأصحابه والدَّجل والشَّعوذة، وأنه سببٌ كبيرٌ في إضعاف الأمم وضلالها وخذلانها.

    (5) أنَّ السِّحر قرين الشِّرك، وأهله قرناء أخلاء؛ فإنَّ معلِّمه والدَّاعية إليه واحدٌ وهو الشَّيطان الرجيم -أعاذنا الله منه بفضله ورحمته-. وإذا تأمَّلت حال أصحاب الشِّرك -ولو تدثَّروا بأثواب الصلاح خداعاً لمساكين وعوام المسلمين- لرأيتهم في حقيقة الأمر وواقعه سحرةً أو يتعاطون علومَه ويتلقَّونه، والجامع بينهم (أهل الشرك وأهل السحر) قوله تعالى: ((وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)) الآية.

    (6) أنَّ من صفات الملأ الفاسد -قديماً وحديثاً-: الرُّكون غالباً إلى السِّحر وأهله كما في حال فرعون ومن سار على نهجه، وكذلك كفَّار مكَّة واليهود كما جاءت بذلك النُّصوص!!

    (7) أنَّ السَّحرة بطانة السوء لكلِّ من ولاَّه الله أمراً وسلطاناً، وأنَّها تُرْدِي وتسوق إلى أسوإِ العواقب كما حصل لهذا الملك الظَّالم المشرك المتألِّه!! ومن كانت بطانته على خيرٍ وُفِّقَ وسُدِّد وإلا فلا -كما أفادت السنة الصحيحة-!!

    ( أنَّ علم السِّحر وشُبَه الشِّرك علومٌ فاسدةٌ يستعاذ بالرحمن من شرِّها وفسادها، ويُحْفَظ الناس -بعد الله- بتعلُّمهم العلم النافع والعمل الصالح -عن أهل العلم الراسخين وطلابهم- الذي هو لبُّ التوحيد وانطلاقهم إلى الخير ويُحَذَّرُوا منها -أي تلك العلوم الفاسدة- وكذا الأطفال والنَّاشئة!! وانظر كيف حفِظ الله هذا الغلام من ذلك!!
    لذا جاءت الآثار تُهْدِرُ للسُّلطان دماءَ السَّحرة والدَّجالين صيانةً للدين وأهله!

    (9) مثالٌ وبيانٌ لمعنى من معاني قوله تعالى: ((وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى))!! فلم يُفلح السَّاحر هاهنا ولا الملك ولا جنوده!!! فالسِّحر والدَّجل فساده عامٌّ وخذلانه مُدرِكٌ أهله وجَمْعَه لا محالة!! فالواجب الحذر وسؤال الله العافية.

    (10) كلُّ علمٍ ومعرفةٍ أدَّت إلى فسادٍ وضررٍ فإنها تلحق بعلوم السِّحر وشُبَه الشرك كالتنجيم (علم التأثير) وعلوم الفلك والفلسفة والمنطق وعلم الجدل العقيم وإشارات أهل الطوائف؛ لأنها ما جاءت إلا من المشركين أو السَّحرة!! ومن لا دين له كالإغريق والهنود الوثنيِّين!! ويدخل في ذلك أيضاً علوم الذَّرَّة إذا أريدَ بها الحرب والإهلاك والإبادة!! ونحو ذلك.

    (11) أنَّ القوة الحقيقية هي قوَّة الله تعالى العظيم ((وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً))، ((الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ))، ((إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ))، ((فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)) فإنَّ الله تعالى يقوِّي ويُعِزُّ من يشاء من أهل الإيمان والدين ولا يخذلهم إن استقاموا وثبتوا على الحق ((إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ))؟! وكلُّ قوَّةٍ وكلُّ دولةٍ وأيُّ جماعة أو فردٍ قامت على غير دين الله الصحيح فإنَّها إلى ضعفٍ وزوالٍ ولو طال الزمان!! فالواجب الحيطة والحذر والبدار إلى تصحيح المسار!!

    (12) انظُر إلى عظمة الله سبحانه وقدرته الباهرة وجميل لطفه، كيف هيَّأ هذا الغلام برحمته ويسَّر له أسباب الصلاح -له ولغيره- والنَّجاة من الشرك والفساد ((فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)) وهنا نذكر قوله -صلى الله عليه وسلم- ودعاءه العظيم: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلَّه لا إله إلا أنت»، وقوله: «يا حيُّ يا قيُّوم، برحمتك أستغيث». وهذا لا شكَّ -إن شاء الله- يُثْمِرُ في القلوب الزَّكيَّة حبَّ الله وحبَّ دينه ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأوليائه!!

    (13) وانظر في مقابل ذلك إلى قدرة الله العظيمة وخطر مكره وكيده بأعداء دينه وأوليائه، كيف خَذَلَهم وأبطَلَ سعيهم ((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا))، ((فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)) وهذا يحملُ أهل العقل السليم والقلوب الحيَّة على الخوف من الله وعصيانه وعدم الأمن من مكره واستدراجه!

    (14) نعمة العلم الصَّحيح وآثاره الطَّيِّبة في الدُّنيا والآخرة، ومن أعظمه علم التَّوحيد وعقيدة السَّلف الصَّالح وما قام عليها من العلوم النَّافعة والأعمال الصالحة.

    (15) أنَّ من أعظم ثمار التَّوحيد والإيمان والعلم النَّافع: اطمئنان القلوب، والأمن النَّفسي والوجداني، واليقين والثَّبات. فانظر إلى موقف الغلام من الدَّابَّة ومحاولة قتله المتكرِّرة من قِبَلِ جنود الملك وحين قُتِلَ كيف كان آمناً ثابتاً راكزاً!!

    (16) أنَّ النَّصر لأهل نصرة الله له ساعةٌ وحينٌ معلومٌ فلا يُسْتَعْجَلُ له ولا يستبطؤ!!! ((إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ))

    (17) أنَّ النصر سبيله الوحيد -لمن أراده ووُفِّق له- التَّمسُّك بالدين الصحيح والحق والثبات عليه والدعوة إليه بكلِّ وضوحٍ وظهور لا بالعواطف والحماسات والشعارات الفارغة، وهذه هي نصرة الدين ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ))، ((إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) وإن تخلَّفت الأسباب المادِّيَّة وعُجِزَ عنها!

    (1 بيان القصَّة لمعنى النصر والفوز الحقيقي!! وما هو الانتصار المنشود؟! حيث علِمنا أن الانتصار والغلبة -لمن أرادها ووُفِّقَ لها- أن تكون على الحق وتموت عليه ولو كنت وحدك وإن ظهر عليك من ظهر وغلبك وعذَّبك من خالفك؛ لأنَّ العبرة بمآلك وعاقبتك عند الله ((فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا))، ((وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)). فالغلام وقومه لا شكَّ قُتِلوا وحرِّقوا لكنهم -بحمد الله- فازوا برحمة الله وجنَّته، فهم على الحقِّ والتَّوحيد وأعداؤُهُم -وإن غلبوا وقتلوا وسفكوا وعذَّبوا- على الباطل الأكيد، وإن لم يتوبوا ((فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ))!!
    فالنصر هو الثبات على الحق والصبر عليه حتى الممات ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)) وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفةٌ من أمَّتي على الحقِّ ظاهرين لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» فهذه هي الطائفة الناجية المنصورة! منصورةٌ -بفضل الله- بـ: أ) الحجة والبرهان والعلم الصحيح. ب) والنصر والغلبة على من خالفها بالحجة العلمية إلى يوم الدين. ج) والنصر والغلبة على من خالفها بالظهور والغلبة والتمكين في ساحة الحرب والوغى. لكن هذه الأخيرة قد تتخلَّف عنهم إما لضعفٍ أو ابتلاءٍ أو غفلةٍ أو مخالفةٍ أو تمحيصٍ... إلخ؛ فنبيُّنا -صلى الله عليه وسلَّم- وصحبُه الكرام هُزِمُوا في أُحُد لأجل مخالفة بعضهم -رضي الله عنهم- ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) ((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ومع تلك الهزيمة كانوا على الحقِّ المبين. فإن كان الضعف وعدم النصرة من أمر الله تعالى وحده وليس لعبدٍ فيه يدٌ -بقدر الله- (كما في قصة الغلام هذه) فالصبر والاحتساب للأجر والخير في الآخرة. وإن تخلَّف التمكين والغلبة في الدنيا فإنَّها دار عبورٍ لا قرار فلا نأسى عليها وما فيها!!!
    وإن كان بسبب المخلوق -بقدر الله- (كما في أُحُد) فالعظة والاعتبار والتوبة والاستغفار والاستفادة من الدَّرس والخطأ لتصحيح السَّير في باقي الأعمار!
    • وقبل الانتقال إلى إفادةٍ أخرى لا بدَّ من التنبيه على مسألةٍ مهمَّة تتعلَّق بالنقطة (ب) "الانتصار والنصر بالغلبة والحجة والبرهان"، وهي: أن نعلم أنَّ أهل السنة والحديث والأثر من السلف ليس من أصول علمهم ودينهم ومنهجهم (المناظرة والمجادلة والخُصومات) لنصرة الحق وأهله!! بل كانوا يؤصِّلون العلوم النافعة ويقرِّرونها ويدعون إليها وينافحون عنها ويردُّون على من خالفها وينصحون ويحذِّرون من أهل الشرور!! والأهواء والبدع!! وإن دعتهم الضرورة والحاجة إلى مناظرة ومجادلة المخالفين لهم من الفرق والأحزاب فعلوا لإحقاق الحقِّ وبيانه وردِّ الباطل وكشفِهِ والسعي إلى هداية المخالف وصيانة الموافق والغافل من المسلمين! بعلمٍ وحجَّةٍ من عالمٍ قادرٍ ناقدٍ متمكِّنٍ ثابتٍ أو طالب علمٍ راسخٍ على جادَّته كما ناظر وجادل نبيُّ الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- النَّمرود وقومه المشركين كما جاء في القرآن!! وكما ثبت عن ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مناظرتهُ ومخاطبته للخوارج وذلك بحمد الله موجودٌ متقرِّرٌ في السيرة السلفية!
    أمَّا أن تُتَّخذَ المناظرة والمخاصمة للمخالفين وسيلةً أصليَّةً في الدعوة ونشر العلم -كما هو واقعٌ عند كثيرين اليوم ممَّن يدَّعي العلم والدَّعوة إليه- فهذا لا شكَّ ولا ريب من الخطأ والخلل والجهل، ناهيك عن مخالفة الأسلاف والأعلام، وعاقبته وخيمة من ظهور التعالم والأدعياء وبُغض الحق وردِّه من بعض المسلمين وإن ادَّعى من يدَّعي أن تلك المناظرات جاءت بخيرٍ وعرف بسببها بعضُ الناس الحقَّ -بحسب الزعم- فإنَّه يقال: ليس في الإسلام (الغاية تبرِّر الوسيلة) بل الغاية الصحيحة تدعو إلى تصحيح الوسيلة والسَّير على المسالك المرضيَّة وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»[البخاري]!!
    • وإنَّ من أعظم الشر والخطر الذي يهدِّد المسلمين بعامَّة وطلاب العلم والشباب بخاصَّة أنَّه -بهذه الخصومات والمناظرات والمجادلات المخالفة لمنهج السلف وعلمهم- دخل وحُشِرَ من ليس من أهل العلم وطلابه في دائرة العلم والكلام في شرع الله تعالى!! حيث ظنَّ الكثيرون ولا يزالون -أصلحهم الله تعالى- أنَّ أولئك المناظرين والمخاصمين -ولو دافعوا عن الحق- من العلماء والمربِّين فحصل الفساد العلمي والفوضى المنهجيَّة واختلط الحابل بالنَّابل وجُعِلَ الجاهل عالماً وجُعِلَ العالم أو طالب العلم -السائر على منهج السلف- جاهلاً أو خائراً خائفاً من أهل البدع والضلال!!! ثمَّ وقعت حينها الطامَّة حيث ارتبط كثيرٌ من الشباب -أنقذهم الله- بالجهَّال والمخالفين واغترُّوا بهم فانصرفوا حينها وابتعدوا عن الحق وأهله العلماء وطلابهم فالله المستعان وإليه المشتكى!!!
    • فاعلم إذن يا طالب العلم والحق -رعاك الله- أنَّه ليس كل من ناظر وخاصم وجادل مخالفاً للحق من أهل البدع والضلال أنَّه على الحق والسنة يسير على المنهج السلفي!!!
    فليست المناظرة والمجادلة في ذاتها دليلاً وعلامةً على العلم والحقِّ!!! وقد قال الإمام الشَّافعي -رحمه الله- وهو من هو في العلم وإمامته: «ما ناظرتُ جاهلاً إلا وغلبني وما ناظرت عالماً إلا وغلبته» وهذا لا شك في الأمور الفقهيَّة والمسائل العلميَّة فكيف بنا نحن أيها المسلمون اليوم؟!!
    فقد يردُّ المبطل على مبطل آخر ويدحض المخالف مخالفاً آخر؛ فقد ردَّ بعض الجهميَّة والأشاعرة على الشيعة والروافض وكلٌّ مخالفٌ للمنهج السلفي وأهله وعن طريقهم منحرفٌ، وكذا قد يردُّ منتسبٌ إلى السنة على بعض الطوائف كالخوارج أو بعض المتصوفة والصوفية([1]) فلا يعني انتسابه إلى السنة أنَّه على الجادة والصواب!!! في أزمان الفتن هذه، فاحذر وانتبه يا طالب العلم والحق -حفظك الله تعالى- فكم خُدِعَ من خُدِعَ وزلَّ من زلَّ عن طريق الحق بهذه المناظرات والمجادلات المخالفة لمنهج الأسلاف!!!
    • ثمَّ اعلم -بُورك فيك- على ضوء ما مرَّ معنا أنَّ انتسابك ولزومك -بفضل الله وحده عليك- للمنهج السلفي منهج الحق وأهله لا يعني ذلك -ويحملك على- أن تناظر وتجادل -ولو بحسن نيَّةٍ من دعوةٍ ونصرة حقٍّ- وأنت في طريق العلم والتحصيل والتأصيل، بل من واجهك من المخالفين أو عوام المسلمين اربطه بالعلماء السلفيين وطلابهم وكلامهم وكتاباتهم وأشرطتهم وانقل لهم من ذلك ما تعلمه عنهم وتعيه بعلمٍ وحسن أدبٍ إن وجدتَ منهم إقبالاً وللحقِّ انصياعاً وإلا فاحذر وابتعد وانصرف عنهم وانشغل بعلمك تحصيلاً وعملاً!!! وسلِ الله العافية والثبات.
    لأنَّك إن ناظرتَ وجادلتَ وقَعْتَ في مخاطر ومهالك عظيمة منها؛
    - مخالفة السلف الصالح وما كانوا عليه من العلم الأصيل وعمق الفهم وجميل الورع، وكفى بهذا وحده شرَّاً وخطراً!!!
    - الانصراف عن العلم والعلماء السلفيين وطلابهم.
    - موت القلب أو قسوته بكثرة اللجاج والخصام!!!
    - الكبر والعجب والتعالم والتصدُّر!!!
    - فتح أبواب الشر على المسلمين وعوامهم وشبابهم خاصَّة (كما سيأتي قريباً بيان ذلك بحول الله)، ومن أعظمها؛
    - تمكين المخالفين في أوساط المسلمين وتلميعهم ورفع شأنهم والواجب عكس ذلك!!! فيتولَّد من ذلك:
    - صرف الناس -وهم في أحوج الضرورة- عن العلماء السلفيين وطلابهم وعلومهم!!! وهذا من الفساد العريض!!!
    - استخفاف أهل الأهواء والمخالفين وسخريتهم منك وزجهم بك شيئاً فشيئاً فيما لا يليق بالعلم وأهله ومكانته وآدابه من الوقار والهيبة وجميل السمت!!! من كثرة الضحك و(التنكيت) والتهريج واجتماع الغوغاء لا للعلم بل للفُرجَةِ وضياع الوقت!!!
    - تعرضك -والعياذ بالله- لنزع الله بركة العلم والفقه في دينه منك وهذا حرمانٌ وخذلانٌ يخاف منه كل مسلمٍ وطالب حقٍّ عاقل!!!... إلى غير ذلك من المحاذير والشرور. وكل خيرٍ في اتِّباع من سلف وكل شرٍّ في ابتداع من خلف!!!
    وأسوق هاهنا شيئاً من النصوص والآثار تبيِّنُ بإيجازٍ منهج السلف في باب مناظرة ومجادلة أهل الأهواء والبدع عسى أن تنفع وتردع؛
    روى مسلم في (صحيحه) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ))، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: «إذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم».
    قال أيوب السختياني: «لا أعلم أحداً من أهل الأهواء يخاصم إلا بالمتشابه» [ابن بطة في (الإبانة الكبرى)].
    وقال -صلى الله عليه وآله سلم-: «ما ضلَّ قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» ثمَّ قرأ: ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا)) [صححه الألباني -رحمه الله تعالى- في (الترغيب)، و(صحيح ابن ماجه) وهو عند (الترمذي)].
    فأفاد هذا الحديث والذي قبله أنَّ الجدل والخصومة واتِّباع المتشابه ليس من العلم في شيءٍ، وأنَّ الحذر واجبٌ من ذلك ومن أهله!!
    وقال أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» [البخاري ومسلم]. والألدُّ: هو شديد الخصومة.
    وعن ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنه-: «إنَّ التَّكذيب بالقدر شركٌ فُتِحَ على أهل ضلالة فلا تجادلوهم فيجري شركُهُم على أيديكم» [ابن بطة في (الإبانة الكبرى)، والآجريُّ في (الشريعة)].
    وعن الحسن البصري ومحمد بن سيرين -رحمهما الله-: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم» [(الإبانة) لابن بطَّة].
    وعن أبي قلابة -رحمه الله-: «لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لُبِّسَ عليهم» [الآجريُّ في (الشريعة)، وابن بطَّة واللالكائيُّ].
    • ثمَّ انتبه! فربَّما كان المناظرُ والمخاصمُ من أهل الأهواء ذا قوَّةٍ علميَّةٍ ومكرٍ وجدلٍ فيصرع ويغلب مناظِرَه وخصمَه من أهل السنة وهو على الحق لكنه الضعف والضحالة العلمية فتكون الطَّامَّة والكارثة والفتنة العامَّة والخاصَّة والسُّخرية بالحق وأهله.
    قال الإمام اللالكائيُّ -رحمه الله تعالى-: «ما جُنِيَ على المسلمين جنايةٌ أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهرٌ ولا ذلٌّ أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة –أي من عقائدهم وبدعهم وضلالهم- يموتون (درداً/ زرداً) -أي حنقاً وخنقاً ضيقاً وغيظاً وكمداً- ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً -أي لهم ولبدعتهم- وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم -أي أهل البدع- بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبهُ في الحجج -أي اختلطت على الناس والتبست أو صارت دليلاً- وبلغوا من التدقيق في اللجج، فصاروا أقراناً وأخداناً، وعلى المداهنة خلاَّناً وإخواناً، بعد أن كانوا في الله أعداءً وأضداداً... إلخ» [أصول الاعتقاد للالكائي].

    وقد أشار اللالكائيُّ -رحمه الله تعالى- في نفيس كلامه هذا إلى أمور مهمَّة (في ذمِّ المناظرات والخصومات) منها:
    1. أنَّها جنايةٌ عظيمةٌ على الدين وأهله.
    2. أنَّها مخالفةٌ لمنهج السلف الصالح.
    3. أنَّ تَرْكَهَا عند السلف من باب زجر وهجر وردع أهل الأهواء وليس من الضعف أو الخوف والجبن وعدم الحجة الظاهرة!
    4. أنَّ ذلك التَّرك كان يغيظ أهل الأهواء والبدع وهذا مطلبٌ شرعيٌّ أن يُغَاظوا ويُرْدَعوا ويُكْبَتُوا!
    5. أنَّ هذا الباب الذي أغلقه السلف إنَّما يفتحه أهل الجهل والغرور الأدعياء!!
    6. أنَّها باب شرٍّ فُتِحَ على الأمَّة!! فالواجب إغلاقه وعدم الإقدام عليه!!
    7. أنَّ السلف تركوا مناظرة أهل الأهواء لا لعجزهم وضعف علمهم، كلا والله؛ بل لصيانة المسلمين مما قد يوقعه أهل الأهواء في هذه المناظرات من الشُّبه والفتن التي قد تضلِّل الأمة فضلاً عن السامعين والحاضرين!.
    8. أنَّ من فتح باب المناظرة لهم مِن هؤلاء المغرورين والمتعالمين -قديماً وحديثاً- هو في واقع الأمر وحقيقته قد ساعد وخدم أهل الأهواء والبدع في نشر بدعهم وضلالهم في المسلمين وكفى بذلك من شرٍّ وفسادٍ!!
    9. أنَّ هذا المسلك (مناظرة أهل الأهواء) يُضْعِفُ صورة الحق وأهله ويُقَوِّي الباطل وتبعه، وهذا من أعظم الفساد أيضاً!
    10. أنَّها سببٌ خطيرٌ لتنكُّر وتقلُّب صاحبها (من أهل السنة) وتبدُّله وانتكاسه -والعياذة بالله- وانضمامه وموافقته لأهل الأهواء والبدع الذين خاصمهم ذلك لأنَّ دوام مناظرته لهم تقتضي خروجه ونزوله معهم وصحبته لهم وتنتقل إليه -بقدر الله- عدواهم إمَّا بتحايلهم عليه أو ملاطفتهم له أو إعجابه ببعض ما هم عليه إلى آخر ذلك من أسباب الاستدراج ومداخل شياطين الإنس والجن نسأل الله العافية والثبات، فيصير -المناظر من أهل السنة- بعد مناظرته ومخاصمته لهم مصاحباً وأخاً موافقاً وكفى بهذا ضياعاً ودماراً.
    • وأضيف أمراً مهمَّاً وهو أنَّه قد يأتي المخالف المخاصم من أهل الأهواء والبدع إلى مناظرة أحد أهل السنة وهو يعلم -أي صاحب الهوى ذاك- أنَّه سيُغْلَب ويُهْزَم من ذلك السني -المغرَّر به- أتدرون لماذا؟ ولم؟!! لأنَّه يريد فقط أن يُظْهِرَ منهجه وينشر باطله وأن يعلم الحاضر والسامع والناظر ما عنده من الشُّبه والأهواء، فهذا بالنسبة له غايةٌ ونصرٌ وتمكينٌ لكن من يعقل ويتفطَّن!!! إلا ((لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ))!!
    فاللهم ثبِّتنا وارحمنا وسلَفَنا الصالح واجمعنا في جنَّتك!!!

    (19) السُّنَّة بيانٌ وشرحٌ للقرآن الكريم، تفسِّره وتوضحه كما في هذا الحديث!

    (20) أنَّه لا سبيل لمعرفة القرآن وتطبيقه والانتفاع به إلا بسنَّة النبي -صلى الله عليه وسلَّم- الصحيحة فهي وحيٌ من الله محفوظةٌ بحفظه سبحانه ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)). بخلاف ما عليه أهل البدع والأهواء من المعتزلة كالقرآنيين رادِّي السنن الصحيحة وليسوا من القرآن في شيء!! وعليه؛

    (21) انظر إلى عناية الله وتوفيقه لأهل الإسلام ولأهل الحديث خاصة، كيف هيَّأهم ووفَّقهم فحفظوا ونقلوا لنا سنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها هذا الحديث العظيم!!

    (22) هذا الحديث وغيره مثالٌ على القصص الصحيح والسليم في الإسلام، وأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسوقه ويُخْبِر به أصحابه لبيان شرع الله وتفهيمه وأخذ الأحكام والعظات والعبر والسلوى، وعليه تقوم التربية الصحيحة للأمة صغاراً وكباراً لأنه شرعٌ منـزل، فهذا مسلكٌ من مسالك النبوة في التعليم بحسب الحال والمقام والمناسبة لا على سبيل الاستمرار والدَّوام!

    ومن هنا يظهر لنا خللٌ خطيرٌ وهو اتِّخاذ بعض الدعاة القصص -الصحيحة وغيرها- منهجاً وديدناً في دعوتهم الناس مهملين العقائد والأحكام وأصول الإسلام مع ما في قصصهم من الكذب والوضع والخيال الفاسد كقصص الأطفال والقصص التربويَّة -زعموا- ومسلسلات الأطفال وأفلام الكرتون والفوازير والتهريج بأنواعه... إلخ، فهؤلاء كان السلف قديماً -وأتباعهم اليوم- يذمونهم ويحذِّرون منهم ويسمُّونهم بالقُصَّاص، وردُّوا عليهم وبدَّعوا طريقتهم هذه تحت مسمَّى (بدع القُصَّاص) وما أكثر القصَّاص اليوم!! وما أكثر من يغتر بهم من المسلمين!! فضاعت أوقاتهم وأعمارهم، بل ضاعت أكثر معالم الحق وأصوله فيهم. والأدهى والأخطر أنَّ هذه القصص صارت وسيلةً لأهل الأهواء والبدع وستاراً وقناعاً ينشرون من ورائه بدعهم وضلالهم، كالخوارج وأهل الخروج (جماعة التبليغ) وغيرهم، بل يتمادى بعضُهم يُنَكِّت ويُهَرِّج ويُضْحِك ويسخر بلا أدب، ويتجرَّأ آخرون يصرِّحون بقصصهم الخاصة والعائليَّة ويتبع أساليب من لا دين له ولا خلق في الإغراء وأساليب التشويق والشَّد -كما يقولون- كقول أحدهم معلناً عن بعض كتبه في غلاف كتابٍ لأحد كبار أهل العلم السلفيين -متسلِّقاً عليه ومشوِّهاً-: (دخلت علينا جارتنا.....!)، (كنت في ألمانيا فطرقت عليَّ الباب امرأةٌ.....) إلى آخر هرائه وفساده وهو المدعو الدكتور محمد العريفي([2]) الذي لا يستحي!! ولا يغترُّ به عند التَّمحيص إلا جاهلٌ أو حزبيٌّ أو غبيٌّ!!! غاب وغُيِّبَ عن الحق وأهله!!! وعلى ذات الشاكلة والمَيَعَان المسمَّى بسليمان الجبيلان!!! فاللهم سلامة وعافية.

    (23) أهمِّيَّة وضرورة تربية النَّاشئة والأطفال على مباديء الإسلام وأحكامه وآدابه -ليحملوا رايته ويسيروا عليه عاملين داعين كما كان أسلافهم-، وما في ذلك من الخير العظيم للآباء والأمَّهات والمربِّين والدعاة المصلحين الصَّادقين والأمة بأسرها!!
    فإنَّ من شبَّ على شيءٍ شاب عليه إن شاء الله تعالى!!
    قال المـرُّوزيُّ: «كان يقال: إنَّما تقبل الطينةُ الخَتْمَ ما دامت رطبةً»! [نصيحة الخطيب إلى أهل الحديث].
    وقالوا في معنى ذلك: (العلم في الصِّغر كالنَّقش في الحجر)!! ولأجل ذلك أنبِّه على أمورٍ؛
    • أ. من الحديث نستفيد فائدةً عظيمةً أنَّ هؤلاء الناشئة والصِّبية والأطفال محلٌّ لصراعٍ كبيرٍ يجتهد في دائرته أهل الأحزاب والبدع والضلال والطوائف -قديماً وحديثاً-؛ فهذا الساحر سعى ليورث ذلك الغلام ما عنده من الضلال لكنَّ الله حفظه!! لأجل ذلك وغيره جاء الشرع في الكتاب والسنة الصحيحة برعاية هذه الشريحة -كما يقولون- والشبيبة والعناية بها، كما في سورة الكهف: ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى))، وكما في سورة لقمان: ((يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)).
    أما السنة ففيها الكثير -بحمد الله- من ذلك؛ ما في حديث ابن عبَّاس -رضي الله عنهما-: «احفظ الله يحفظك...»، ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له: «اللهم علِّمه التَّأويل وفقِّهه في الدين...»إلخ، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأنسٍ -رضي الله عنه-: «يا غلام، سمِّ الله وكل بيمينك وكل ممَّا يليك»، وكحديث الجارية: «أين الله!... ومن أنا؟».
    إذا تقرَّر ذلك وفُهِمَ وعُلِمَ فإنَّ؛
    • ب. هذه الرعاية وهذه التربية والتوجيه والعناية لا بدَّ أن تكون على أيدي وفي كنف أهل السنة السلفيين أهل الحديث والأثر أهل الأمانة والصدق إن أردنا سلامةً وعافيةً بعد الله لأبنائنا؛ لأنَّ التلميذ والمرَبَّى على مذهب وعقيدة شيخه ومعلِّمه ومربِّيه!! لذلك كان السلف -رحمهم الله- يحذِّرون كلَّ التحذير من تمكين أهل البدع والأهواء من أبناء المسلمين وأطفالهم وشبابهم من طلاب العلم والدين؛ لأنَّهم سيعملون على إضلالهم وصدِّهم أو تحييدهم عن الحق وأهله، وذلك موقفٌ معلومٌ عند أهل السنة من أهل الأهواء والبدع، وإليك بعض أقوالهم -رحمهم الله- في ذلك:
    فعن عليِّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنَّه قال: «انظروا عمَّن تأخذون هذا العلم فإنَّما هو دين» وكذا نُقِلَ عن ابن سيرين والضَّحَّاك بن مزاحم وغيرهم [(الكفاية) للخطيب البغدادي، وانظر مقدِّمة الإمام مسلم في صحيحه].
    وعن ابن عمر: «دينُك دينُك إنَّما هو لحمك ودمك فانظر عمَّن تأخذ: خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا» [الكفاية].
    وعن عمرو بن قيس الملائي من أئمَّة السلف: «إذا رأيت الشَّاب أوَّل ما ينشأ مع أهل السنة فارجُه -أي: يُرْجَى له الخير والصلاح والسداد إن شاء الله-، وإذا رأيته مع أهل البدع فيْأس منه» [(الإبانة) لابن بطَّة].
    ولكن وللأسف الشديد -والله المستعان- تجد كثيراً من أولئك الشباب وقعوا في شراك وكمائن أهل الأهواء والبدع والضَّلال بحجَّة العلم وأخذه أحياناً -وليس ثمَّة علم- أو التعاون على الخير وليس هنالك من خيرٍ في أهل الأهواء والبدع وساحاتهم بل هم في ضياعٍ وتخبُّطٍ وتيه، والأعظم جرماً ذاك الذي يؤصِّل لهم ذلك التعاون مع أهل البدع وأخذ العلم عنهم ويُنَظِّرُ مخالفاً أولئك السلف الأماجد -رحمهم الله-.
    وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وسلَّم فقد أخبرنا عن هذا الواقع حتَّى رأيناه رأي العين فقد قال
    -صلى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ من أشراط السَّاعة أن يُلْتَمَس العلم عند الأصاغر» [(الصحيحة) 695]. والأصاغر هم أهل الأهواء والبدع كما بيَّن السَّلف والعلماء، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: «لا يزال الناس بخيرٍ ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا» [(الجامع) لابن عبد البر].
    فـ(الأصاغر) ليس معناه صغار السن، بل هم أهل الصَّغار والشَّـرِّ والذُّلِ والضَّلال كما قال النبي -صلى الله عليه وسلَّم-: «وكُتِبَ الذُّلُّ والصَّغار على من خالف أمري» [صححَّه الألبانيُّ في (صحيح الجامع)].
    وقد سُئِلَ عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى- عن الأصاغر من هم أو من هو؟ فقال: «الذين يقولون برأيهم، فأمَّا صغيرٌ يروي عن كبيرٍ فليس بصغير» [(الجامع) لابن عبد البر]!!
    وهذا ما يسمَّى عند أهل الحديث برواية الأصاغر عن الأكابر ورواية الأكابر عن الأصاغر.
    لكن لـمَّا كان الشباب وصغار السِّنِّ فيهم العاطفة والحماسة والطَّيش وعدم التميُّز والتمييز كانت البدع إليهم أسرع ولهم أخطف!! إلا من عصم الله ورَحِم!!! فهؤلاء أصاغرٌ وصغارٌ.
    وصحَّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في وصف الخوارج وأهل البدع: «يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سُفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم -هذا خطابٌ لأهل السلطان أو جيشه- فإنَّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة»[البخاري]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «بادروا بالأعمال خصالاً ستَّاً: إمارة السفهاء، وكثرة الشُّرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفاف الدم، ونشواً -نشئاً وشباباً- يتخذون القرآن مزاميراً، يقدِّمون الرجل -أي للصلاة إماماً- ليس بأفقههم ولا أعلمهم، ما يقدِّمونه إلا ليغنيهم -أي يُطْرِبهم ويلحِّن لهم القرآن كما هو واقعٌ اليوم تماماً-»[السلسلة الصحيحة] فهذا من الابتداع والإحداث الذي ابتلى به الله كثيراً منهم هداهم الله تعالى.
    قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: «لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ؛ سفيهٍ معلن السفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ورجل له فضلٌ وصلاحٌ لا يَعرِفُ ما يحدِّثُ به» [ابن عبد البر في جامعه].
    وقال الشيخ حمود التويجريّ -رحمه الله تعالى-: «وقد صار تقريبُ أهل البدع وتوليتهم في وظائف التعليم والوثوق بهم في ذلك سبباً في إفساد عقائد كثيرٍ من المتعلِّمين وأخلاقهم فتراهم لا يبالون بترك المأمورات ولا بارتكاب المنهيَّات فلا حول ولا قوَّة إلا بالله» [تحفة الإخوان عمَّا جاء في الموالاة والمعاداة والحُبِّ والبغض والهجران].

    (24) شؤم المخالفة وسيئ آثارها وقبيح عاقبتها -إن لم يُتَب منها- ونتن ذكراها في الدنيا والآخرة.

    (25) حسن وجمال عاقبة موافقة الحق وأهله وطيِّب ثمارها وآثارها وعاطر ذكراها في الدنيا والآخرة.

    وللكتابة بقيَّةٌ موصولةٌ بحول الله تعالى وتوفيقه.
    هذا والله أعلم، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وآله وسلَّم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


    ([1]) راجع قريباً -بحول الله تعالى- (إيقاف مريد الطريقة النبوية على حقيقة التصوُّف والصوفيَّة). وما يقوم به البعض في حقل الدعوة الإسلامية تجاه هذا الفكر الصوفي وأهله في السودان وغيرها من تكفيرٍ جزافيٍّ وإساءة قولٍ وسخريةٍ أو اعتداءٍ وعنفٍ كما حصل من بعضهم فليس من الدعوة السلفية في شيءٍ فإنَّ علاج ما يخالف الشرع لا بدَّ أن يقوم على علمٍ ومنهجٍ سليمٍ يوافق ما كان عليه سلف الأمة الصالح وأتباعهم من أهل العلم.

    ([2]) راجع قريباً -بحول الله- (مجازفات العريفي وما ثبَّته على نفسه من أقوال الجهل والسوء حين زيارته للسودان وكلام العلماء فيه).

    تعليق

    يعمل...
    X