إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

[تحديث : المقال كاملا][المقال نُشر في جريدة الشروق]:السَّلفيَّةُ هيَ مذهبُ الإمامِ مالك،ومذهبُ الإمامِ مالكٍ هو السَّلفيَّةُ بقلم: الشَّيخ السَّلفي سمير سمراد -حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تحديث : المقال كاملا][المقال نُشر في جريدة الشروق]:السَّلفيَّةُ هيَ مذهبُ الإمامِ مالك،ومذهبُ الإمامِ مالكٍ هو السَّلفيَّةُ بقلم: الشَّيخ السَّلفي سمير سمراد -حفظه الله

    قال الله تعالى : ﴿وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء:81]

    السَّلفيَّةُ هيَ مذهبُ الإمامِ مالك ، ومذهبُ الإمام مالكٍ هو السَّلفيَّةُ (1)

    بقلم : الشَّيخ السَّلفي-خادم العلم- : الأستاذ سمير سمراد – حفظه الله


    بسم الله الرحمن الرحيم
    [المقال نُشر في جريدة الشروق ليوم الثلاثاء 22 جانفي 2013م الموافق لــ : 10 ربيع الأول 1334هــ / العدد : (3903)]




    ماذا ينقمون من السَّلفيَّة ؟ وما الَّذي أفزَعهُم فيها ؟ وما العيبُ الَّذي أتتْ بِهِ ؟ وما ضَرَّهم إذا كان النَّاسُ يَرجعونَ إليها ويُقبلون عليها ؟ وماذا عليهم إذا كان مِن الأغْيَارِ مَنْ تبنَّاها ودعا إليها وثبَّتها في أرضِهِ وتحت سلطانه وجعلَ يُبَشِّرُ بها ويُقَرَّرُ حَقَّهَا ولُزَومَ الأخْذِ بهِ والرُّجوع إليه ؟!



    هي السَّلفيَّة ليست لقوم دون آخرين ولا من خصائص أُمَّةٍ دون أخرى ، بل هيَ لكلِّ بَنْي الإسلام وأتباع الرَسول عليه السَّلام ، فمَن أخذ بها منَّا : فَرْدًا كانَ أو جماعة ، فإنَّما قُدْوَتُهم القرآن والسُّنَّة وما كانَ عليه الصَّحابةُ والتَّابعُون والأئمَّة ، لا نِسبةَ لهم إلاَّ إليها ، ولا متبوع لهم إلاَّ إيَّاها ، فليست نسبتهم إلى شخص دون محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ولا انتماؤهم إلى طائفةٍ أو أمَّةٍ دونَ أُمَّةِ الصَّحابةِ رضوان الله عليهم ... وهذه أمثلةٌ لزيادةِ الإيضاح : قامَ بعضُ المنوّرين في إحدى مدن بلدنَا الجزائر في مطلع الثَّلاثينيَّات من القرن الماضي الإفرنجي بإزالة بعضِ بدع القبور وقطع مادّة الإفتتانِ بها ، فكتبَ عنه بعضُ المادحين فيمَا كتبَ إنَّ ما قام به هو عملٌ بسُنَّةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم واقتداءٌ بالملك السَّلفيّْ عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز ، فتعقَّبه من كتبَ باسمِ مُوَحِّد " اقتداءٌ بالسَّلفٍ الصَّالح لا بالإمام ابن سعود " ، وقال تحت هذا العنوان : " ... فإنَّنَا لا نشُكُّ أن مثلَ هذا الإمام يَأتون ما يأتون مِن إحْيَاءِ السُّنن وإماتة البدع اتباعًا للكتاب والسُّنَّة وعمل السَّلفِ الصَّالح ، إذ هذه هي الأصُول المرجُوعُ إليها والـمُقتدَي بها ، والـمُحتجُّ بها ، وما ابن السُّعود وغيرهُ إلاَّ واحدٌ مِن المتَّبعين لها ، يقبل ما وافقها ويردُ ما خالفها ، نُريدُ أن يُعْلَمَ أنَّا لا نُدْخِلُ الأشخاصَ في طريق الاتباعِ للكتاب والسُّنَّةِ ، ولاَ لَنا علاقةٌ في قوَّةِ الحَقّ بأحدٍ مِن أنْصَار الحقُّ في الأوطان الأخرى ، مُوَحِّد " إ.هــ


    وهذا الشَّيخ البشير الإبراهيمي الَّذي أقامَ في بلاد المشرق وفي الحجاز سنين عددَا ، قبل تأسيس مملكة ابن سعود ، بل في زمانِ اضطهاد الدَّعوةِ السَّلفيَّة ، ومُعاقبةٍ (اسْتِتَابةِ) مَن دعا إليها وأعلنَ بها ، في زمانِ تسلُّط أعداء هذه الدَّعوة ومُحاربي هذا الـمَشْرَب ، يُصّرح الإبراهيميِّ بأنَّ اهتداءَهم إلى السَّلفيَّة لم يكن تأثُّرًا بحالةٍ غالبة هنالِك ، بل لم يكن للإصلاح شأنٌ يُذكر ولم يكن يتبنَّاهُ سوى أشخاصٌ معدودون ، وأَرْجَعَ تأثرَهم وتأثَّرَهُ هُوَ خاصَّةً إلى : عنايته بكتب الحديث رواية ودرايةً وطبقات المحدّثين وسِيَر السَّلف الصَّالحين فانجذب إلى السُّنَّة وإلى السَّلفيَّة ، وطَالعَ كُتب الأئمَّة الفُحُول المصلحين كالقاضي ابن العربيِّ والحافظ ابن عبد البرّ وأبي إسحاق الشَّاطبي وشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم وغيرهم ، فقوَّى فيه ذلك النَّزعةَ السَّلفيَّة وزاده صلابةُ فيها ، وفي الدَّعوة إليها ، وهو القائل : " وإنَّ هذه الفئة الَّتي رجعت من الحجاز بالهَدْي المحمَّدي الكامل ، قد تأثّرت بالإصلاح تأثّرًا مُبَاشِرًا ، مُسْتَمْدًّا قُوَّتَهُ وحَرَارَتَهُ مِنْ كلام اللهِ وسُنَّةْ رسولِهِ مُبَاشَرَةٌ ، ولم تكن قطُّ مُتَأثّرَةً بحالٍ غالبةٍ في الحجاز ، فلم يكن الإصلاح في ذلك الوقت شأنٌ يُذكر في الحجاز إلاَّ في مجالس محدودةٍ وعند علماء معدودين " [ السجلّ (ص:42)]
    وهذا الإمامُ ابن باديس رحمه الله يُؤكِّدُ كلامَ الإبراهيميِّ ، إذْ لـمَّا صار ينعتُّهُ أعداءُ السَّلفيَّة الَّتي أعلنَ بها بأنَّه عَبْدَويٌّ وهَّابيٌّ ، وقال : إنَّه لم يقرأ كتابًا واحدًا لابن عبدّ الوهَّاب ، وقال تحت عنوان :"الدَّعوة الإصلاحيَّة هنا وهنالك" : " ... لم يَزَلْ في هذه الأمَّةِ في جميع أعصارها وأمصارها مَن يُجاهِدُ في سبيل إحيْاءِ السُّنَّة وإمَاتَةِ البدعة بكُلِّ ما أُوتِـيَ مِنْ قُدْرَةٍ ، وَلَـمَّا كانت كلُّ بدعة ضلالة محْدَثةٌ لا أصْلَ لها في الكتاب والسُّنَّة ، كان هؤلاء المجاهدون كلُّهُم : (يَدعون النَّاس إلى الرُّجُوعِ في دينهم إلى الكتاب والسُّنَّة وإلى ما كان عليه أهلُ القرون الثَّلاثة خير هذه الأمَّة الَّذين هُمْ أَفْقَهُ النَّاس فيها ، وأَشَدُّهُمْ تَمَسُّكًا بِهِمَا) ، هذه الكلمات القليلةَ المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة أي – صحيفة الشِّهاب – منذُ نشأتِها ويُجاهِدُ فيه المصلحُون مِنْ أنْصَارِهَا ... وهي ما كان يدعو إليه الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله ، وهي ما كان يَدعو إليه جميع المصلحين في العالم الإسلامي قبلهم ، وإنَّما عرف النَّاسُ هؤلاء وخصَصْنَاهُمْ لَهُمْ بالذِّكْرِ للمُعَاصَرةِ وقُرْبِ العَهْدِ وشُهْرَةِ الدَّعْوَةِ
    الكتابُ واحد ، والسُّنَّة واحدة ، والغاية – وهي الرّجوع إليهما – واحدةٌ ، فبالضّرورة تكونُ الدّعوة واحدة ، بلا حاجةٍ إلى تعارف ولا ارتباط ، إن تباعدت الأعصار والأمصار.
    هذه الحقيقة يَتَعَامَى الـمُبْدِعُونِ ذَوُو الأغراض عنها ، فَيُصَوِّرُونَ مِنْ خَيَالاتهم أشْبَاحًا وَهْمِيَّة للدَّعوة الإصلاحيَّة الدّينيَّة الـمَحْضَةِ الَّتي نقومُ بها فيقولون ... (وهَّابيَّة) ، ويقولون ... وهم في الجميع مُتَقَوِّلُونَ ، يقول الـمُتَقَوِّلُونَ على هذه الدَّعوة على ظهور حقيقتها ووُضوح طريقتها ويخصِّصون أتباع الشَّيخ ابن عبد الوهاب ، بالقِسْط الكبير " إ.هــ
    وقال في موضع آخر : " إنَّ الغاية الَّتي رمى إليها ابن عبد الوهَّاب ، وسعى إليها أتباعه ، هي الَّتي لازال يَسعَى إليها الأئمَّةُ المجدِّدون ، والعلماء المصلحون في جميع الأزمان ، فلهَا أَلَّفَ أبو بكر ابن العربيِّ العواصم من القواصم ... وأَلَّفَ الإمام الشَّاطبيّْ الاعتصام ... وغيرهم مِن الأئمَّة وكتبهم كثير .... " "آثار ابن باديس" (5/33)


    ولـمَّا زعم بعض أهل السِّياسة المغرضين بأنَّ جمعيَّة ابن باديس تنشر المذهب الوهَّابيِّ ، ردّ عليهم بقوله : " أَفَتَعُدُّ الدّعوة إلى الكتاب والسّنَّة وما كان عليه سلفُ الأمّة وطرْحَ البِدع والضّلالات واجتناب الـمُرْدِيَات والـمُهلكات نَشْرًا للوهَّابيَّة ؟... فأئمَّة الإسلام كلُّهم وهَّابيُّون ؟ ما ضَرَّنا إذا دعونَا إلى ما دعا إليه جميعُ أئمَّة الإسلام ؟ ... " "آثار ابن باديس (5/282-283)
    وبإختصار عبارةٍ ، قال ابنُ باديس على لسان النُّخبة الجزائريَّة : " 2 ...نحنُ والإصلاح الدّيني :ليس لنا إمامٌ في هذا السبيل إلاَّ القرآن والسّنَّة وسيرة السَّلف الصَّالح ، وليست لنا غاية إلاَّ تصحيح العقائد ، وتهذيب الأخلاق ، وتقويم الأعمال ، وتنزيه الدّين عمَّا أَحْدَثَهُ فيه الـمُحْدثُون ، وليس لنا دَاعٍ يَدْعُونَا إلى هذا إلاَّ الشُّعُورُ بواجبِ النُّصحِ ، ومحبَّة الخير لإخواننا المسلمين الجزائريِّين ، ذلك الشُّعُور وتلك المحبَّة اللَّذان لم يزالا يَحْمِلاَنِ أمثالَنا في جميعِ الأُمَمِ على سُلوكِ مثلِ هذا السَّبيل ، إنَّنَا نسعَى إلى الإصلاح الدّيني في خصوص الأمَّة الجزائريَّة الَّتي نحن منها دون غيرها من الأمم الغنيَّة برجالها عنَّا ، وبدون أن تكون لنا أدنى علاقة خاصَّة بأيِّ أُمَّةٍ أخرى ، فأعمالُنا في هذا السَّبيل كلُّهَا مِنَّا ولَنَا ... (النُّخبة) " إ.هـ "الشِّهاب" ، العدد (12) ، (ص:4-5)


    وآخرُ ما أَخْتِمُ به هذه الفقرة ما قال الشَّيخ ابن باديس : " الإصلاحيّون والسّلفيون عامٌ ، والوهَّابيون خاصٌ ، لأنهُ يُطلق على خصوص مَن اهتدَوْا بدعوة العلامة الإصلاحي السَّلفي الشَّيخ ابن عبد الوهَّاب ... وليعلم النَاقمون على السَّلفيَّة النَاظرُون إليها نظرَ السَّاخِطين ، ليعلمُوا أنَّ السَّلفيَّة هي المرجعيَّة الدِّينيَّة للجزائريِّين ، وهي الدَّعوةُ الأصليةُ في هذه الدِّيار ، لا كما يُحَاوِلُهُ مَنْ يَطْمِسُ الحَقَائقَ ويَعْمَى ويَصِمُّ عن الدَّلائل وَيولِّيها ظَهْرَهُ ، فيزعُمُ بأنَّها وافِدٌ دخيلٌ وجسمٌ غريبٌ في الأمَّة الجزائريَّة وخطرٌ دَاهَمَ ديارنَا وغَزْوٌ حَلَّ مَحلَّ أَصالتِنَا ! ... لا والله ! إذا كان هؤلاء يُرَدِّدُون في كلِّ مَناسبةٍ وبلا مُناسبةٍ أنَّهم لا يُريدون إلاَّ مذهبَ الإمام مالكٍ والطَّريقة المالكيَّة ، فإننا نقولُ لهم هاتُوا لنا مذهبَ الإمام مالكٍ ، فلا نجِدَهُ إلاَّ إمَامًا في السَّلفيَّة الحَقَّة ومَتْبُوعًا مِن كبار المتبُوعين في هذه الطَّريقةِ الشَريفةِ ، ولْنَعْرِضْ بَعْدُ مَن كان صادق الاتباعِ صحيحَ النِّسبةِ إلى هذا الإمام ، ممّن يَتمَوَّهُ بالنِّسبة إليه ، ومَنْ يُغطِّي انحرافَهُ عنِ السُّنَّةِ بالانتِماء إلى إمامِ السُّنَّة ....

    يُتبع ....
    سمير سمراد
    إمام مدرس - الجزائر العاصمة

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الجليل صالح الجزائري; الساعة 12-Feb-2013, 05:52 PM. سبب آخر: اضافة المقال كاملا

  • #2
    رد: [المقال نُشر في جريدة الشروق]:السَّلفيَّةُ هيَ مذهبُ الإمامِ مالك،ومذهبُ الإمامِ مالكٍ هو السَّلفيَّةُ بقلم: الشَّيخ السَّلفي سمير سمراد -حفظه الله

    ماذا ينقِمون مِن السَّلفيَّة؟ وما الّذي أفزَعهُم فيها؟ وما العيبُ الّذي أَتتْ بِهِ؟ وما ضَرَّهم إذا كان النّاسُ يَرجعونَ إليها ويُقبِلون عليها؟ وماذا عليهم إذا كانَ مِن الأَغْيَارِ مَنْ قد تبنَّاها ودعا إليها وثبَّتَها في أرضِهِ وتحتَ سلطانِهِ وجعلَ يُبَشِّرُ بِها ويُقَرِّرُ حَقَّهَا ولُزومَ الأَخْذِ بهِ والرُّجوعِ إليه؟؟

    هي السّلفيَّة ليست لقومٍ دون آخرين ولا من خصائصِ أُمَّةٍ دون أخرى، بل هيَ لكلِّ بَنِي الإسلام وأتباعِ محمَّدٍ عليه السَّلام، فمَن أخذَ بها مِنَّا: فَرْدًا كانَ أو جماعة، فإنّما قُدْوَتُهُم القرآنُ والسُّنَّةُ وما كانَ عليه الصَّحابةُ والتَّابعُون والأَئمَّة، لا نِسبةَ لهم إلاَّ إليها، ولا متبوعَ لهم إلاَّ إيَّاها، فليست نسبتهم إلى شخصٍ دونَ محمَّدٍ (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا انتماؤهم إلى طائفةٍ أو أُمَّةٍ دونَ أُمَّةِ الصَّحابةِ (رضوان الله عليهم)...وهذه أمثلةٌ لزيادةِ الإيضاح: قامَ بعضُ المنوّرين في إحدى مدن بلدنا الجزائر في مطلعِ الثّلاثينيّات من القرن الماضي الإفرنجيّ بإزالةِ بعضِ بدع القبور وقطعِ مادّة الاِفتتانِ بها، فكتبَ عنه بعضُ المادحين فيما كتبَ أنّ ما قام به هو عملٌ بسُنَّةِ الرَّسولِ (صلّى الله عليه وسلّم) واقتداءٌ بالملك السَّلَفيّ عبد العزيز بن سعود ملك الحجاز، فتعقَّبهُ مَن كتبَ باسمِ «مُوَحِّد»: «اقتداءٌ بالسَّلَفِ الصّالح لا بالإمام ابن السُّعود»، وقال تحت هذا العنوان:«... فإنَّنَا لا نشُكُّ أنَّ مثلَ هذا الإمام يَأتون ما يأتون مِن إِحْيَاءِ السُّنَن وإماتة البدع اتِّباعًا للكتاب والسّنَّة وعمل السَّلف الصَّالح؛ إذْ هذه هي الأصُول المرجُوعُ إليها والمُقْتَدَى بها والمُحْتَجُّ بها، وما ابن السُّعود وغيرُه إلاَّ واحدٌ مِن المتَّبِعين لها؛ يقبل ما وافقها ويردّ ما خالفها، نُرِيدُ أن يُعْلَمَ أنَّا لا نُدْخِلُ الأشخاصَ في طريقِ الاتِّباعِ للكتاب والسُّنَّةِ، ولا لَنَا علاقةٌ في قوّةِ الحقِّ بأحَدٍ مِن أَنْصَارِ الحقِّ في الأوطان الأُخرى. «مُوَحِّد»»اهـ[«النَّجاح»، العدد(1204)، 27ربيع الثاني1350هـ-11سبتمبر1931م، (ص:2)].ـ وهذا الشّيخ البشير الإبراهيميّ الّذي أقامَ في بلاد المشرق وفي الحجاز سنينَ عددًا، قبل تأسيس مملكة ابن سعود، بل في زمانِ اضطهاد الدَّعوةِ السّلفيَّة، ومُعاقبةِ (اسْتِتَابةِ) مَن دعا إليها وأعلنَ بها، في زمانِ تسلُّطِ أعداءِ هذه الدَّعوة ومُحارِبي هذا المَشْرَب، يُصّرح الإبراهيميّ بأنّ اهتداءَهم إلى السَّلفيَّة لم يكن تأثُّرًا بحالةٍ غالبةٍ هنالِك، بل لم يكن للإصلاح شأنٌ يُذكر ولم يكن يتبنَّاهُ سوى أشخاصٌ معدودون، وأَرْجَعَ تأثُّرَهم وتأثُّرَهُ هُوَ خاصَّةً إلى: عنايته بكتب الحديث رواية ودرايةً وطبقات المحدّثين وسِيَر السّلف الصّالحين فانجذب إلى السُّنَّة وإلى السَّلفيَّة، وطَالَعَ كُتب الأئمّة الفُحُول المصلحين كالقاضي ابن العربيّ والحافظ ابن عبد البرّ وأبي إسحاق الشّاطبيّ وشيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه ابن القيِّم وغيرهم، فقوَّى فيه ذلك النَّزعةَ السَّلفيَّة وزاده صلابةً فيها وفي الدَّعوة إليها، وهو القائل:«وإنّ هذه الفئة الّتي رجعت مِن الحجاز بالهَدْي المحمّديّ الكامل، قد تأثّرت بالإصلاح تأثّرًا مُبَاشِرًا، مُسْتَمِدًّا قُوَّتَهُ وحَرَارَتَهُ مِنْ كلامِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ مُبَاشَرَةً، ولم تكن قطُّ مُتَأَثِّرَةً بحالٍ غالبةٍ في الحجاز، فلم يكن للإصلاح في ذلك الوقت شأنٌ يٌذكر في الحجاز إلاّ في مجالس محدودةٍ، وعند علماء معدودين» [«السجلّ»(ص:42)].ـ وهذا الإمامُ ابن باديس (رحمه الله) يُؤكِّدُ كلامَ الإبراهيميّ، إذْ لمّا صار ينعتُهُ أعداءُ السَّلفيَّة التّي أعلنَ بها بأنَّه عَبْدَوِيٌّ ووهَّابيٌّ، قال: إنّه لم يقرأ كتابًا واحدًا لابن عبد الوهّاب، وقال تحت عنوان:«الدّعوة الإصلاحيّة هنا وهنالك»:«...لم يَزَلْ في هذه الأُمَّةِ في جميعِ أعصارها وأمصارها مَن يُجَاهِدُ في سبيل إِحْيَاءِ السُّنَّة وإِمَاتَةِ البدعة بِكُلِّ ما أُوتِيَ مِنْ قُدْرَةٍ. ولمّا كانت كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ مُحْدَثَةٌ لا أَصْلَ لها في الكتاب ولا في السُّنّة، كان هؤلاء المجاهدون كلُّهُم:«يَدعون النّاسَ إلى الرُّجُوعِ في دينهم إلى الكتاب والسُّنَّة وإلى ما كان عليه أهلُ القرون الثّلاثة خير هذه الأُمّة الّذين هُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ فيها، وأَشَدُّهُمْ تَمَسُّكًا بِهِمَا». هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة –أي: صحيفة الشِّهاب- منذُ نشأتِها ويُجَاهِدُ فيه المصلِحُون مِنْ أَنْصَارِهَا... وهي ما كان يدعو إليه الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب(رحمه الله)، وهي ما كان يَدعو إليه جميع المصلحين في العالم الإسلامي قبلهم، وإنمَّا عرف النّاسُ هؤلاء وخَصَصْنَاهُمْ لَهُمْ بالذِّكْرِ للمُعَاصَرَةِ وقُرْبِ العَهْدِ وشُهْرَةِ الدَّعْوَةِ.الكتابُ واحد، والسُّنّةُ واحدة، والغايةُ-وهي الرّجوع إليهما- واحدةٌ، فبالضّرورة تكونُ الدّعوةُ واحدة، بلا حاجةٍ إلى تعارف ولا ارتباط، إن تباعدت الأعصار والأمصار.هذه الحقيقة يَتَعَامَى المُبْدِِعُون ذَوُو الأغراض عنها، فَيُصَوِّرُونَ مِنْ خَيَالاتهم أَشْبَاحًا وَهْمِيَّةً للدّعوة الإصلاحيّة الدّيِنيَّة المَحْضَةِ الّتي نقومُ بها فيقولون عنها...(وهّابيّة)، ويقولونويقولون...وهم في الجميع مُتَقَوِّلُونَ. يقولُ المُتَقَوِّلُونَ على هذه الدّعوة على ظهور حقيقتها ووُضوح طريقتها ويخصِّصون أتباع الشّيخ ابن عبد الوهاب، بالقِسْط الكبير»اهـ[«الشِّهاب»، السَّنَة: 4، العدد(164)، 6 ربيع الثاني 1347هـ/20 سبتمبر 1928م، (ص:2-6)].وقال في موضعٍ آخر:«إنّ الغاية الّتي رمى إليها ابن عبد الوهّاب، وسعى إليها أتباعه، هي التّي لا زال يَسعَى إليها الأئمَّةُ المجدِّدون، والعلماء المصلحون في جميع الأزمان، فلهَا أَلَّفَ أبو بكر ابن العربيّ العواصم من القواصم... وألّف الإمام الشّاطبيّ الاِعتصام... وغيرهم مِن الأئمّة وكتبهم كثير...»[«آثار ابن باديس»(5/33)].ولمّا زعم بعض أهل السّياسة المغرضين بأنّ جمعِِيّة ابن باديس تنشر المذهب الوهَّابيّ، ردّ عليهم بقوله: «أَفَتَعُدُّ الدّعوة إلى الكتاب والسّنّة وما كان عليه سلفُ الأُمّة وطرْحَ البدع والضّلالات واجتناب المُرْدِيَات والمُهلِكات نَشْرًا للوهَّابيَّة؟...فأئمَّةُ الإسلامِ كلُّهُم وهّابيُّون! ما ضَرَّنا إذا دعونَا إلى ما دعا إليهِ جميعُ أئمَّةِ الإسلام؟...»[«آثار ابن باديس»(5/282-283)].وباختصارِ عبارةٍ: قال ابنُ باديس على لسان النُّخبة الجزائريَّة:«...2 ـ نحنُ والإصلاح الدّينيّ: ليس لنا إمامٌ في هذا السّبيل إلاّ القرآن والسّنّة وسيرة السّلف الصّالح، وليست لنا غايةٌ إلاّ تصحيح العقائد، وتهذيب الأخلاق، وتقويم الأعمال، وتنزيه الدّين عمّا أَحْدَثَهُ فِيهِ المُحْدِثُونَ، وليس لنا دَاعٍ يَدْعُونَا إلى هذا إلاّ الشُّعُورُ بواجبِ النُّصْحِ، ومحبّة الخير لإخواننا المسلمين الجزائريّين، ذلك الشُّعُور وتلك المحبّة اللّذان لم يزالا يَحْمِلاَنِ أمثالَنا في جميعِ الأُمَمِ على سُلُوكِ مثلِ هذا السّبيل.إنّنا نسعَى إلى الإصلاح الدّينيّ في خصوص الأمّة الجزائريّة الّتي نحن منها دون غيرها من الأُمم الغنيّة برجالها عنّا، وبدون أن تكون لنا أدنى علاقة خاصّةٍ بأيِّ مصلحٍ في أيِّ أُمَّةٍ أُخرى، فأعمالُنا في هذا السّبيل كلُّها مِنَّا ولَنَا...«النّخبة» »اهـ. [«الشّهاب»، العدد (12)، (ص4-5)].وآخرُ ما أَخْتِمُ به هذه الفقرة: ما قالالشّيخ ابن باديس: «الإصلاحيّون السّلفيّون عامّ، والوهّابيّون خاصّ، لأنّه يُطلق على خصوص مَنِ اهتدَوْا بدعوة العلّامة الإصلاحيّ السّلفيّ الشّيخ [ابن] عبد الوهّاب»[«الشّهاب»، العدد (98(ص:2-].ـ وليعلم النّاقمون على السّلفيَّةِ النَّاظرُون إليها نظرَ السَّاخِطين، ليعلمُوا أنّ السَّلفيَّةَ هي المرجعيَّةُ الدِّينيَّة للجزائريِّين، وهي الدَّعوةُ الأصيلةُ في هذه الدِّيَار، لا كما يُحَاوِلُهُ مَنْ يَطْمِسُ الحَقَائِقَ ويَعْمَى ويَصِمُّ عن الدَّلائل ويُولِّيهَا ظَهْرَهُ؛ فيزعُمُ بأَنَّهَا وافِدٌ دخيلٌ وجسمٌ غريبٌ في الأُمَّةِ الجزائريَّة وخطرٌ دَاهَمَ ديارنَا وغَزْوٌ حَلَّ مَحلَّ أَصَالتِنا!.. لا والله! إذا كان هؤلاء يُرَدِّدُون في كلِّ مُناسبةٍ وبلا مُناسبةٍ أنّهم لا يُريدون إلاَّ مذهبَ الإمامِ مالكٍ والطَّريقةَ المالكيَّة، فإنَّنا نقولُ لهم هاتُوا لنا مذهبَ الإمامِ مالكٍ، فلا نجِدُهُ إلاَّ إمامًا في السَّلفيَّةِ الحَقَّةِ ومَتْبُوعًا مِن كبارِ المتبُوعينَ في هذه الطَّريقةِ الشَّريفةِ، ولْنَعْرِضْ شيئًا من أقواله ومواقفِهِ وتصرُّفاتِهِ، ولْنَنْظُرْ بَعْدُ مَن كانَ صادقَ الاِتِّباعِ صحيحَ النِّسبةِ إلى هذا الإمام، ممّن يَتمَوَّهُ بالنِّسبةِ إليه، ومَنْ يُغطِّي انحرافَهُ عنِ السُّنَّةِ بالانتِماءِ إلى إمامِ السُّنَّةِ...[جريدة «الشُّروق اليوميّ»، الثّلاثاء 10 ربيع الأوّل 1434هـ- 22 جانفي 2013م، العدد (3903)، (ص19)]وقبلَ الولُوجِ في الموضوع أُعرِّجُ على أمثلةٍ مِن التَّاريخِ المُعاصر وأُذَكِّرُ بِأَعْلاَمٍ مِن العهْدِ القريب؛ فهذا البشير الإبراهيميّ يُصرِّحُ كذلك –زيادةً على ما مضى- بأنَّ السَّلفيَّةَ الّتي يتبنَّاها ويَدعُوا إليها إنَّما رَضَعَها وتشرَّبَها في بيئتِهِ الجزائريَّةِ المالكيَّةِ وفي بيتِ آبائه وأجدادِهِ، وأنَّهَا السَّبَبُ الأَصِيلُ في وِرَاثَتِهِ للسَّلَفِيَّةِ، فهِيَ إِرْثُ أَسْلاَفِهِ، ومِنْ وَحْيِ كلامِهِ (رحمه الله) أنَّ: «مذهب مالكٍ مَبْنِيٌّ على الأَثَر وعَمَلِ أهلِ المدينة –كما هو معلومٌ-، ولذلك فَهُوَ يَزْرَعُ في مُقَلِّدِيهِ حُبَّ الأَثَرِ والرُّجُوع إليه، كما يَظْهَرُ ذلكَ جَلِيًّا في سِيرَةِ أَئِمَّةٍ مِن فقهاء الأندلس والقيروان والحجاز والعراق»،«وجَرَى عُلَمَاءُ البيتِ كُلُّهُمْ على حَرْبِ البِدَعِ والتَّشَدُّدِ في الإنكار على أَهْلِهَا وإِقَامَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ في خَاصَّتِهِمْ وفي أتباعهم، وَلُهْم مَواقِفُ مشهورةٌ في إِقَامَةِ النَّكِيرِ على ضلالات العَقَائِدِ وعلى أَوْهَامِ مشايِخِ الطُّرُقِ»، وَ«كانُوا مُتَأَثِّرِينَ بالسُّنَنِ العَمَلِيَّةِ عامِلِينَ بِهَا وَاقِفِينَ عِنْدَ حُدُودِهَا مُنْكِرينَ عَلَى مُخَالِفِيهَا»اهـ[ترجمة ذاتيّة أملاها الإبراهيميّ انظرها في«فارس البيان» للأستاذ بشير كاشة].وهذا الإمامُ ابن باديس يُجيبُ المُغرضينَ الحَانِقِينَ على السَّلفيَّة، في دَعْوَاهُم أَنَّهُم إنَّما يُريدونَ مذهبَ الإمامِ مالكٍ، قال: «يَالَيْتَ النَّاسَ كَانُوا مالكيَّةً حَقِيقةً إِذًا لَطَرَحُوا كُلَّ بِدْعَةٍ وضَلاَلَةٍ، فَقَدْ كانَ مَالِكٌ -رحمه الله - كَثِيرًا ما يُنْشِدُ: وَخَيْرُ أُمُورِ النَّاسِ ما كَانَ سُنَّةً ° وَشَرُّ الأُمُورِ المُحْدَثَاتُ البَدَائِعُ»[«آثار ابن باديس»(5/283)].هذه السَّلفيَّةُ...
    1 ـالسّلفيَّةُ هي الرُّجوعُ إلى القرآنِ:ـ قال مالكٌ (رحمه الله): «القُرْآنُ هُوَ الإِمَامُ، فأَمَّا هذا المِرَاءُ فَمَا أَدْرِي مَا هُوَ؟» [رواه ابن بطّةَ في «الإبانة الكبرى»(2/510)].ـ وقال مالكٌ: «إن استطعتَ أن تتّخذَ القرآنَ إمامًا فافعل، فهو الّذي يَهْدِي إلى الجنَّةِ»[«الجامع» لابن أبي زيد(ص195)].
    2 ـ السّلفيَّةُ هي التَّمَسُّكُ بِالسُّنَّة:ـ قال ابنُ وهب: كُنَّا عند مالكٍ فذُكِرَتْ السُّنَّةُ، فقال مالكٌ: «السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ؛ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»[رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام»(872) والخطيب في «تاريخ بغداد»(7/336)].ـ وقال مالِكٌ: «مَنْ أَرَادَ النَّجاةَ فَعَلَيْهِ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وسلّم)» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام»(864)].ـ وقالَ ابنُ وهب: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «الْزَمْ مَا قَالَهُ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) في حجَّةِ الوداع:«أَمْرَانِ تَرَكْتُهُمَا فِيكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ»» [«الاِعتصام» للشّاطبيّ].
    ـ قال مَعْنُ: كتبَ إلى مالكٍ رجلٌ مِن العرب يسألُ عن قومٍ يُصَلُّونَ ركعتين، ويَجْحَدُونَ السُّنَّةَ، ويقولون: ما نَجِدُ إلاَّ صلاةَ ركعتين، قال مالِكٌ: «أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فإِنْ تَابُوا وإِلاَّ قُتِلُوا» [رواه ابن أبي زمنين في «السّنّة» (246)].
    3 ـ السّلفيَّةُ هي الرُّجوعُ إلى الدِّينِ الّذي كانَ عليهِ السَّلَفُ الصَّالِحون والوُقوفُ حيثُ وقفُوا:
    ـ قال أبو إسحاق الفَزَاريّ: «مَالِكٌ حُجَّةٌ رَضِيٌّ كَثِيرُ الاِتِّبَاعِ للآثَارِ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/153)].
    ـ ذُكَِرَ عن مالك بن أنس رجلٌ يقول: أنا عند الله مؤمن، قال السّائلُ للإمام: وما أنكرتَ مِنْ قولِهِ يا أبا عبد الله!فسكتَ عنِّي وأَطْرَقَ ساعَةً، ثمّ قالَ: «لَمْ أَسْمَعْ السَّلَفَ يَقُولُونَهُ». [رواه الخطيب في «تاريخ بغداد»(6/10].
    ـ قالَ أشهب: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «إيَّاكُمْ والبِدَع! قيلَ: يا أبا عبد الله! ومَا البِدَع؟ قالَ: أهلُ البِدَعِ الَّذِين يَتَكَلَّمُونَ في أسماءِ اللهِ وصفاته وكلامِهِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، ولاَ يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ والتَّابِعُونَ لهُمْ بإِحْسَانٍ»[رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (85].
    ـ قال أبو طالبٍ المكّيّ: «كان مالكٌ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ مَذَاهِبِ المُتَكَلِّمِينَ وَأَشَدَّهُمْ بُغْضاً –أو نَقْضًا- للعِرَاقيِّينَ،وأَلْزَمَهُمْ لِسُنَّةِ السَّالِفِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/39)].ـ وأنكرَ مالكٌ كثيرًا مِن المسائل، وقالَ فيها: «لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَمْرِ القَدِيم، وإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أُحْدِثَ، وَلَمْ يَأْتِ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ بِأَهْدَى مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا» [«الاِعتصام» للشّاطبيّ]، وقال:«ولا يُصْلِحُ آخِرَ هذهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، ولم يَبْلُغْنِي عن أَوَّلِ هذهِ الأُمَّةِ وصَدْرِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ» [«الشّفا» للقاضي عياض(2/8]، وقال:«مِن العِبْرَةِ أنَّ مَنْ مضى لم يَكن يفعلُ ذلكَ»[«الجامع» لابن أبي زيد(ص227)].4 ـ السّلفيَّةُ هيَ النُّفُور مِنَ البِدَع ومُخَالفةِ السُّنَن والإحْدَاثِ في الدِّين ما ليسَ منهُ:
    ـ «وقد كان مالِكٌ يَكْرَهُ كُلَّ بدعةٍ، وإِنْ كَانَتْ فِي خَيْرٍ»[رواه ابن وضّاح في «البدع والنّهي عنها»].ـ قال سفيان بن عيينة: سألتُ مالكاً عَمَّنْ أَحْرَمَ مِن المدينةِ وَرَاءَ المِيقات، فقال: «هذا مُخَالِفٌ للهِ ورسُولِهِ، أَخْشَى عليهِ الفِتْنَةَ في الدّنيا والعذابَ الأليم في الآخرة، أَمَا سمعتَ قولَهُ تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم﴾، ومِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وسلّم) أَنْ يُهِلَّ مِنَ المِيقَات» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/40)].ـ جاء رجلٌ إلى مالِكٍ وسَأَلَهُ عن مسألةٍ، فقالَ لهُ: «قالَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) كَذَا»، فقالَ الرّجُلُ: أَرَأَيْتَ...، قالَ مالِكٌ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء»(6/326)].ـ وقالَ مالِكٌ: «مَنْ أَحْدَثَ في هذه الأُمَّةِ شيئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) خَانَ الدِّينَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا لاَ يَكُونُ اليَوْمَ دِينًا»[«الاِعتصام» للشّاطبيّ].ـ وقالَ مالكٌ: «مَا قَلَّتِ الآثَارُ في قَوْمٍ، إلاَّ ظَهَرَتْ فِيهِم الأَهْوَاء» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (869) والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (384)].ـ وقال عبد الله بن نافع: سمعتُ مالكَ بن أنسٍ يقولُ: «...مَن مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيبْشِرْ، مَنْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيُبْشِرْ، مَنْ مَاتَ عَلَى السُّنَّةِ فَلْيُبْشِرْ» [رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (866)].
    5 ـ السّلفيَّةُ هي دعوةُ التَّعلُّم والتّفقُّه في الدِّين:ـ قالَ عُبيد بن أبي قُرَّةَ: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ، قالَ: «بِالعِلْمِ» [رواه البيهقيّ في«المدخل إلى السّنن» (251)].ـ قالَ سعد بن عبد الحميد بن جعفر: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ يَكُونُ عندَهُ العِلْمُ أَنْ يَتْرُكَ التَّعَلُّمَ» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (376)].ـ قالَ خالد بن خداش: وَدَّعْتُ مالكَ بنَ أنسٍ، فقلتُ: يا أبا عبد الله! أَوْصِنِي، قالَ: «تَقْوَى اللهِ، وطَلَبُ العِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ»[رواه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (873)].ـ قال سعيد بن بشيرٍ –وقد كان يقراُ على مالكٍ موطَّأَهُ-: قال لي: «يا ابنَ أخي! تَفَقَّهْ تَعْلُ-مِن العُلُوّ-، تَفَقَّهْ يَرْفَعْكَ اللهُ بالعِلْمِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، واعْلَمْ يا ابْنَ أَخِي! أنَّ العِلْمَ لاَ يَحْتَمِلُ الدَّنَس، وَفَّقََكَ اللهُ، أَرْشَدَكَ اللهُ، سَدَّدَكَ اللهُ» [رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (51/290)].6 ـ السّلفيَّةُ هيَ دعوةُ العَمَل بالعلمِ والتَّزكيَةِ للنَّفسِ:
    ـ قال ابنُ وهب: قيلَ لمالكِ بنِ أنسٍ: مَا تَقُولُ في طَلَبِ العِلْمِ؟ قالَ: «حَسَنٌ جَمِيلٌ، ولكن انْظُرِ الَّذِي يَلْزَمُكَ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ إِلَى حِينِ تُمْسِي فَالْزَمْهُ» [رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/319)].ـ وقالَ مالِكٌ: «وَحَقٌّ عَلَى مَنْ طَلَبَ العِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وخَشْيَةٌ، والعِلْمُ حَسَنٌ لِمَنْ رُزِقَ خَيْرَهُ..»[رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/320)].ـ وقالَ خالد بن نزار: سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ لفَتًى مِن قُرَيْشٍ: «يَا ابْنَ أَخِي! تَعَلَّمِ الأَدَبَ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ العِلْمَ»[رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/330)].
    7 ـ السّلفيَّةُ هي دعوةُ التَّعليم ونَشْرِ العِلْمِ والسُّنَن:ـ قال أَسَدُ بن الفرات عن رحلتِهِ إلى الإمامِ مالكٍ: ... فَلَمَّا ودَّعْتُهُ حينَ خُرُوجي إلى العراق، دَخَلْتُ عليه وصَاحِبَانِ لِي، وهُمَا: حارِث التّميميّ وغالِبٌ صِهْرُ أَسَدٍ، فقُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا، ... وَقَالَ لصاحِبَيَّ: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ والقُرْآنِونَشْرِ هَذَا العِلْمِ» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض].[جريدة «الشُّروق اليوميّ»، الخميس 12 ربيع الأوّل 1434هـ- 24 جانفي 2013م، العدد (3905)، (ص15)]
    8 ـ السّلفيَّةُ عِمَادُهَا الأحاديثُ والآثار فَهيَ تَصْدُرُ عن الوَحْيِ المعصُوم، ولا تُقلِّدُ دِينَهَا آرَاءَ الرِّجَال، فلا عِصْمَةَ لأَحَدٍ دُونَ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليهِ وسلّم):ـ قال مالِكٌ: «كلُّ أَحَدٍ يُؤخَذُ من قولهِ ويُترك إلاَّ صاحبَ هذا القبرِ، يعني النّبيَّ (صلّى الله عليه وسلّم) »[«الاِعتصام» للشّاطبيّ].ـ قال مالكٌ: «قُبِضَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) وقَدْ تَمَّ هَذَا الأَمْرُ واسْتَكْمَلَ، فيَنْبَغِي أَنْ تُتْبَعَ آثَارُ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابِهِ، ولاَ يُتْبَع الرَّأْي..» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (1102) وهو في«الاِعتصام» للشّاطبيّ].ـ قال أشهب: رآني مالكٌ أكتبُ جوابَهُ في مسألةٍ، فقال: «لا تَكْتُبْهَا؛ فإنِّي لا أدري أَأَثْبُتُ عليها أَمْ لا؟» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/190)].ـ قال مَعْنُ بن عيسى: سمعتُ مالكاً يقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِىءُ وأُصِيبُ؛ فانْظُرُوا في رَأْيِي، فَكُلّ مَا وَافَقَ الكتابَ والسُّنَّةَ فخُذُوا بِهِ، وكلّ مَا لَمْ يُوَافِقِ الكتابَ والسُّنَّةَ فَاتْرُكُوهُ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/182-183)].ـ قال مَعْنُ: سمعتُ مالكاً يقولُ: «إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ أُخْطِىءُ وأَرْجِعُ، وكُلَّمَا أَقُولُ يُكْتَبُ؟!» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض].ـ قالَ ابنُ وهب: سمعتُ مالِكًا سُئِلَ عن تخليل أصابع الرِّجلين في الوُضوء، فقال: «ليس ذلكَ عَلَى النّاس»، قال: فترَكْتُهُ حتَّى خَفَّ النَّاس، فقلتُ له: عندنا في ذلك سُنَّةٌ، فقالَ: «وَمَا هِيَ؟» قلتُ: حَدَّثَنَا ... –وذكَرَ السَّنَدَ- عن المستورِد بن شدّادٍ القُرشيّ، قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) يَدْلِكُ بخِنْصَرِهِ ما بينَ أصابِعِ رِجْلَيْهِ، فقالَ:«إنَّ هذا الحديثَ حَسَنٌ، وما سمعتُ بِهِ قَطُّ إلاَّ السَّاعَةَ». ثمّ سمعتُهُ بعدَ ذلك يُسْأَلُ، فيَأْمُرُ بتَخْلِيلِ الأصابِعِ [رواه ابن أبي حاتم في«الجرح والتّعديل» (1/31-32)].ـ قال القعنبيّ: دخلتُ على مالكٍ في مرضِهِ الّذي مَاتَ فيهِ، فسلّمْتُ عليه، ثمّ جلستُ، فرأيتُهُ يبكي، فقلتُ: يا أبا عبد الله! مَا الّذي يُبْكِيكَ؟ فقالَ: «يا ابنَ قعنبٍ! ومالي لا أَبْكِي، ومَنْ أَحَقُّ بالبُكَاءِ مِنِّي، واللهِ لوَدِدْتُ أَنِّي ضُرِبْتُ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ أَفْتَيْتُ بِهَا برَأْيِي بسَوْطٍ، ولقد كانت لي السَّعَةُ فِيمَا سَبَقْتُ إِلَيْهِ، ولَيْتَنِي لََمْ أُفْتِ بِالرَّأي» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (1086)].9 ـ السَّلفيَّةُ لا تُعَرِّضُ دِينَها لخُصُومَاتِ المُخاصِمين ولا لِتَلاَعُبات المُتلاعِبين ولاَ لِمُجادَلاتِ المُجادِلين المُشكِّكِين؛ لأنَّ أساسَها واضِحٌ متينٌ، وهِيَ لا تشُكُّ في دِينِها:ـ قال مالِكٌ: «مَهْمَا تَلاَعَبْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، فَلاَ تَلاَعَبَنَّ بأَمْرِ دِينِكَ» [رواه اللاَّلَكَائيّ في «أصول الاِعتقاد»(261)].ـ وقال مالِكٌ: «كان يُقالُ: لا تُمكِّن زائغَ القلبِ من أُذُنيكَ، فإنَّكَ ما تدري ما يعلِقُكَ مِن ذلك..»[«الجامع» لابن أبي زيد(ص152)].ـ قال ابنُ وهبٍ: وسمعتُ مالكاً يقول إذا جاءَهُ أحدٌ مِنْ أَهْلِ الأهواء: «أَمَّا أَنَا فَعَلَى بَيِّنَةٍ مِن ربِّي، وأَمَّا أَنْتَ فَشَاكٌّ؛ فَاذْهَبْ إلى شَاٍّك مِثْلِكَ فخَاصِمْهُ، ثمّ قرأَ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾»[يوسف: 108] [«الدّيباج» لابن فرحون(1/113)].ـ روى مَعْنُ أنَّ رجلاً يُتَّهَمُ ببِدْعَةِ الإِرْجَاءِ لَحِقَ مالكًا، وقال: يا أبا عبد الله! اسْمَعْ مِنِّي شَيْئاً أُعْلِمُكَ بِهِ وأُحَاجُّكَ وأُخْبِرُكَ بِرَأْيٍ، فرفضَ مالِكٌ الاِستماعَ لهُ، و قالَ لهُ: «يا عبدَ الله! بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً بدِينٍ واحِدٍ، وأَرَاكَ تَتَنَقَّلُ، وقال عمر بن عبد العزيز: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ عَرَضًا للخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّل» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/39)]، زاد ابن أبي زيد في«الجامع»(ص152): «والدِّينُ قد فُرِغَ منهُ وليس بأمرٍ متوقّفٍ فيهِ النَّظَر».10 ـ السّلفيَّةُ دعوةُ التَّحَرِّي؛ لا تأخُذُ دِينَهَا إلاَّ عن الأُمَنَاءِ المَرْضِيِّينَ في دِينِهِم وعِلْمِهِم:ـ قال ابنُ أبي أويس: سمعتُ مالكاً يقول: «إنَّ هذا العِلْمَ دِينٌ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/136)، ورواه الهرويّ في «ذمّ الكلام»(874) والخطيب في «الفقيه والمتفقّه»(846)].ـ روى مُطَرِّف عن مالكٍ أنَّهُ قالَ: «أَدْرَكْتُ جماعةً مِن أهلِ المدينة مَا أَخَذْتُ عنهُمْ شيئاً مِن العلم، وإنَّهُم ليُؤْخَذُ عنهُمُ العلم، وكانوا أَصْنَافاً؛ فمِنْهُم مَن كانَ يَكْذِبُ في حَدِيثِ النَّاسِ ولا يَكْذِبُ في عِلْمِهِ، ومنهُمْ: مَن كَانَ جَاهِلاً بما عنده، ومِنهُم: مَنْ كَانَ يُزَنُّ –أيْ: يُتَّهَمُ- برَأْيِ سُوءٍ»[«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/137)].ـ قالَ أبو مصعب الزّهريّ: سمعتُ مالكَ بن أنسٍ يقولُ: «لا يُحْمَلُ العِلْمُ عن أَهْلِ البِدَعِ كُلِّهِمْ، ولا يُحْمَلُ العِلْمُ عَمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ بالطَّلَبِ ومُجَالَسَةِ أَهْلِ العِلْمِ، ولا يُحْمَلُ العِلْمُ عَمَّنْ يَكْذِبُ في حديثِ النَّاسِ وإِنْ كان في حديثِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) صَادِقًا؛ لأنَّ الحديثَ والعِلْمَ إذا سُمِعَ مِنَ العَالمِ ِفإِنَّهُ قَدْ جعل حُجَّةً بينَ الَّذي سَمِعَهُ وبينَ اللهِ تبارك وتعالى» [«التّكملة لكتاب الصّلة» للقضاعيّ(1/206) و«نفح الطّيب» للمقّرّيّ(2/507)].ـ وقال: كان مالِكُ بنُ أنسٍ يقولُ: «لا يُؤْخَذُ العِلْمُ مِن أربعةٍ، ويُؤْخَذُ ممَّن سواهم: لا يُؤْخَذُ مِنْ سَفِيهٍ، ولا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو إلى بِدْعَتِهِ...» [رواه ابن عبد البرّ في «الاِنتقاء» (ص46)].11ـ السّلفيَّةُ كَمَا تُشِيدُ بأهلِ السُّنَّةِ، فإنَّهَا تَنْتَقِدُ الرِّجالَ وتُبيِّنُ أخطاءَهُم وتَكْشِفُ حالَهم تعديلاً وجَرْحًا؛ نُصْحًا للأُمَّةِ وصيانةً للدِّين وتَنْزِيهًا لَهُ عن خَطَأِ المُخْطِئِين وتَبْدِيلِ المُبدِّلين:ـ روى عليّ بن يونس المدنيّ، قالَ: كنتُ جالسًا في مجلسِ مالكِ بنِ أنسٍ حتَّى إذا اسْتَأْذَنَ عليهِ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ قال مالِكٌ: «رَجُلٌ صالِحٌ وصَاحِبُ سُنَّةٍ، أَدْخِلُوهُ...» [رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (58/365)].ـ قال الإمام سفيان بن عيينة: «رَحِمَ اللهُ مَالِكاً؛ مَا كَانَ أَشَدَّ انتقَادَهُ للرِّجَالِ والعُلَمَاءِ» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(1/13].ـ قال يحيى بن معين: «كان مالكُ بنُ أنسٍ يَكْرَهُ عِكْرِمَةَ –مولى ابن عبّاسٍ-»[رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»(41/115)]. وقال يحيى: «إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مالكُ بنُ أنسٍ عِكْرِمَةَ؛ لأَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَنْتَحِلُ رَأْيَ الصُّفْرِيَّة» –أي: مِنَ الخَوارِج-[«تهذيب التّهذيب» لابن حجر(7/237)].ـ قال عبدُ الرّحمن بن القاسم: سَأَلْتُ مالكَ بنَ أنسٍ عن (بن سمعان)، فقال: «كَذَّابٌ»، فقلتُ: فيزيد بن عياض، قال:«أَكْذَب وأَكْذَب» [رواه الخطيب في «تاريخ بغداد»(9/456)].ـ قالَ: إسماعيل بن داود المخارقيّ: سمعتُ مالكَ بنَ أَنَسٍ يقول: «كان ابنُ جُرَيْجٍ حَاطِبَ لَيْلٍ»[رواه الخطيب في«تاريخ بغداد»(10/404)].12ـ السّلفيَّةُ تتَبرَّأُ مِنَ الفِرَق والطَّوائفِ والجماعات التّي جَعلت الدِّينَ الواحِدَ أَدْيَانًا والجماعةَ الواحِدَةَ شِيَعًا وأحزابًا:ـ سأل رَجُلٌ مالكاً: مَنْ أَهْلُ السُّنَّة يا أبا عبد الله؟ قالَ: «الَّذِينَ لَيْسَ لهم لَقَبٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، لاَ جَهْمِيّ ولا رَافِضِيّ ولا قَدَرِيّ» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/41) و«الاِنتقاء» لابن عبد البرّ(ص72)].ـ قال الإمامُ عبد الرّحمن بن مهديّ: سمعتُ مالِكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هذِهِ الأَهْوَاء عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ولا أَبِي بكرٍ ولاَ عُمَرَ ولاَ عُثْمَانَ» [رواه الهرويّ في«ذمّ الكلام» (865)]، وزادَ الفريابيّ في«القدر» (347):«وكان مالِكٌ يُسَمِّي الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثمان الخَوَارِج».ـ قال الإمامُ عبد الرّحمن بن مهديّ: سُئِلَ مالكُ بنُ أنسٍ عن السُّنَّة؟ قالَ: «هِيَ مَا لاَ اسْمَ لَهُ غَيْرُ السُّنَّةِ، وتَلاَ:﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ» [«الاِعتصام» للشّاطبيّ].13ـ السّلفيَّةُ تتبرَّأُ وتُعادِي مَن يَطْعنُ في الصَّحَابةِ:ـ قال مصعبٌ الزّبيريّ وابنُ نافع: دخل هارونُ المسجدَ فركعَ، ثمّ أَتَى قبرَ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فسلَّم عليه، ثمّ أَتَى مجلسَ مالكٍ، فقالَ: السّلامُ عليك ورحمةُ الله وبركاته... ثمّ قالََ لمالكٍ: هَلْ لِمَنْ سَبَّ أصحابَ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) في الفَيْءِ حَقٌّ؟ قالَ: «لا، ولا كَرَامَةَ، ولا مَسَرَّة»، قالَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ ذلكَ؟ قالَ: قالَ اللهُ:﴿ليَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّار﴾، فَمَنْ عَابَهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ، ولاَ حَقَّ للكافِرِ في الفَيْءِ، واحتجَّ مرَّةً أخرى في ذلك بقولِهِ تعالى: ﴿للفقراء المهاجرين الذين...﴾ الثّلاث آيات، قالَ: فَهُمْ أصحابُ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) الّذين هَاجَرُوا معه، وأنْصَارُهُ، وَالّذين جَاءُوا مِن بَعْدِهِم: ﴿يَقُولُون رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَاولإِخْوَانِنَا..﴾ الآية. فَمَا عَدَا [فَمَنْ عَادَى] هَؤُلاءِ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض(2/46-47)].14 ـ السّلفيَّةُ لا تخُوضُ في كُلِّ فتنةٍ وكثيرًا مَا تَرَى الحكمةَ في الاِعْتِصَامِ بالصَّمْتِ والسُّكُوتِ؛ لأنَّ السَّلامةَ للنَّاسِ فيهِ:ـ كان مالكٌ يَسْأَلُ عن ابن أبي هِنْدٍ –مِن أهلِ طُلَيْطِلَة- يقولُ: «ما فَعَلَ الحَكِيمُ الَّذي عندكم بالأندلس؟»، لِكَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْهُ؛ وهي أَنْ قالَ مالكٌ يومًا: «مَا أَحْسَنَ السُّكُوتَ وَأَزْيَنَهُ بِأَهْلِهِ». فقال لهُ ابنُ أبي هند: «وَكُلُّ مَنْ سَكَتَ يا أبا عبد الله!»، فَأَعْجَبَتْ مَالِكًا كَلِمَتُهُ هذه، وكان كثيرًا مَا يَسْأَلُ عَنْهُ لَهَا.ـ وقال ابنُ وهب: حدَّثنا مالكٌ عن ابن أبي هندٍ قالَ: «وجدتُ الصَّمْتَ أَشَدَّ مِنَ الكَلاَمِ» [«تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس» للفرضيّ(1/190)].ـ وقال ابن مُضَر: سألتُ عن حالِنا بالأندلس وقلتُ: يا أبا عبد الله! إنِّي رسولُ مَن خلفي إليكَ، عندنا رجالٌ مِن أهل الفضل يُخرِجهم الإمامُ كرهًا إلى مَن بادَاهُ مِن أهلِ الإسلام....فما تَرى في خُرُوجهم على الضّغط وهُم يخافون على بقائهم؟ قال مالكٌ: «أمّا أنا، فلا أتكلَّمُ في هذا، ثمَّ أعادَ عليهِ الكلامَ في هذا، فقال: كُفَّ عن الكلامِ في هذا ومثلِهِ، وأنا لكَ ناصِحٌ ولا تُجيب»[«فتاوى البرزلي» (4/23)].15 ـ السّلفيَّةُ لا تَدْعُوا إلى الثّورةِ على الحُكَّامِ ولَوْ جَارُوا وظَلَمُوا؛ لأنَّها خلافُ طريقةِ السَّلفِ النَّاصِحين، وفيها تَوْرِيطٌ للنّاسِ في فِتنٍ، وهِيَ مَجْلبَةٌ لشُرورٍ، والتّارِيخُ مِن قرونِ يَشْهَدُ بأنَّ الّذينَ خَرَجُوا لم يأتُوا بخيرٍ للأُمَّةِ:ـ وهذا الفقيهُ طالوت بن عبد الجبّار الأندلسيّ، دخل مصر وحجَّ ولَقِيَ إمامنا مالكَ بنَ أنسٍ (رضي الله تعالى عنه) وعاد إلى قُرطبة، وكانَ مِمَّنْ خَرَجَ على الحَكَمِ بنِ هشام بن عبد الرّحمن مِن أهل رَبَضِ (شقندة) يُرِيدُ خَلْعَهُ وإقامةَ أخيه المنذر، وزَحَفُوا إلى قصرِهِ بقُرطبة، فحارَبَهُمْ وقَتَلَهُمْ وفَرَّ مَنْ بَقِيَ منهم، فاسْتَتَرَ الفقيهُ طالوت عامًا عند يهوديّ ...-إلى أن وَشَى بهِ صاحبٌ لهُ إلى الحَكَم-، فَأَحْضَرَهُ إليهِ فَعَنَّفَهُ ووَبَّخَهُ، فقال لهُ: «كَيْفَ يَحِلُّ لِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكَ، وقد سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ يقولُ: «سُلْطَانٌ جَائِرٌ مُدَّةً خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةِ سَاعَةٍ» »، فقالَ آللهَ تعالى، لَقَدْ سمعتَ هَذَا مِن مالكٍ؟ فقالَ طالوت: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سمِعْتُهُ، فقالَ: انْصَرِفْ إلى منزلِكَ وأَنْتَ آمِنٌ..[«نفح الطّيب»للمقّرّيّ(2/639)].ـ قال يحيى بن يحيى: «الصّوابُ في الفتنةِ أن لا يُعانَ فيها بشيءٍ ولا يُخرَج فيها....ولم يخرُج مالكٌ يومَ خروجِ ابن هُرمز ومحمّد بن العجلان ومَن خرجَ مِن أهل المدينة؛ لأنَّهُ لَمْ يَرَ ما يُعْجِبُهُ» [«فتاوى البرزلي» (4/23)].16 ـ السَّلفيَّةُ لا تَدَّخِرُ جهْدًا في النُّصْحِ للمُسلمين وإرشَادِهِم إلى ما فيهِ خيرُهُم وسعادتُهُم في دينِهِم ودُنياهُم:ـ قال أَسَدُ بن الفرات عن رحلتِهِ إلى الإمامِ مالكٍ: ... فَلَمَّا ودَّعْتُهُ حينَ خُرُوجي إلى العراق، دَخَلْتُ عليه وصَاحِبَانِ لِي.. فقُلْنَا لَهُ: أَوْصِنَا، فقالَ لِي: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ العَظِيم، والقُرْآن، ومُنَاصَحَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَيْرًا...» [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض].ـ وَقالَ خالد بن خداش: وَدَّعْتُ مالكَ بنَ أنسٍ، فقلتُ: يا أبا عبدِ الله! أَوْصِنِي، فقالَ: «عَلَيْكَ بتَقْوَى اللهِ في السِّرِّ والعَلاَنِيَةِ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ...» [رواه ابن عبد البرّ في «جامع العلم» (209)].* هذا ما تيسَّر جمعُهُ، وسنعودُ -بإذن الله تعالى- إلى بعضِ هذه السِّمَات والخصائص بشيءٍ مِن البَسْط، ونذكرُ ما حضرنا فيهَا مِن كلام أصحاب الإمام مالكٍ (رحمهم الله)، ولا عَتْبَ إذا قُلنا: ها هيَ السَّلَفيَّةُ التّي كانَ عليهَا المالكيَّةُ السَّلفيُّونَ، لا مَن يَنتسبُونَ إلى مالكٍ وهُم قد بدَّلُوا وغيَّرُوا، وليست السَّلفيَّةُ محصورةً في الحنبليَّة أو في المشرقيَّة، بل للمغاربةِ مواقفُ مشهورةٌ في السَّلفيَّةِ مِن أزمانٍ، وأخيرًا هيَ السَّلفيَّةُ: دينُ اللهِ تعالى نهضَ بها العلماءُ في كلِّ قطرٍ ومِصرٍ، مِن الحنابلة (أصحاب الإمام أحمد بن حنبل) ومن المالكيَّة (أصحاب الإمام مالك) ومن الشّافعيَّة والحنفيَّة ومِن غيرهم، والله الهَادِي.

    تعليق

    يعمل...
    X