إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

وصيا لقمان الحكيم - تضمَّنت فوائدَ عظيمةً، وتوجيهاتٍ كريمةً، ولفتاتٍ مباركةً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [فوائد مستخلصة] وصيا لقمان الحكيم - تضمَّنت فوائدَ عظيمةً، وتوجيهاتٍ كريمةً، ولفتاتٍ مباركةً

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	7.gif 
مشاهدات:	3 
الحجم:	11.6 كيلوبايت 
الهوية:	199055
    وصيا لقمان الحكيم - تضمَّنت فوائدَ عظيمةً، وتوجيهاتٍ كريمةً، ولفتاتٍ مباركةً



    مِنْ وَصَايَا لُقْمَان


    إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالنا ، مَن يهدِه الله فلا مضِلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريكَ له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا ؛ أمَّا بعد:

    فهذه ساعة طيبة ووقت مبارك نقضيه مع وصيةٍ عظيمةٍ نافعة مفيدة نوَّه الله عز وجل بذكرها في كتابه وجعلها وحياً يُتلى في القرآن الكريم إلى يوم القيامة ؛ يتلوه المؤمنون ويقرؤونه ويتدبرونه ويعقلون حِكَمه ودلالاته ، وصيةٌ عظيمة ذكرها الله جل وعلا عن عبدٍ من عباده آتاه الحكمة ، والحكمة منَّةٌ من الله تبارك وتعالى يمنُّ بها على من شاء ويمنحها من شاء ويخص بها تبارك وتعالى من شاء ، ولها أسباب تُنال بها ويكون العبد بها من أهل الحكمة ، وهذه الوصايا التي استمعتم إليها في سورة لقمان - وصيا لقمان الحكيم - هي في الحقيقة تضمَّنت فوائدَ عظيمةً، وتوجيهاتٍ كريمةً، ولفتاتٍ مباركةً ، ونَهجٍ سديد في الدَّعوة إلى الله وتربيةِ الأبناء وتنشئةِ الأجيال ، وفيها بيانٌ للوسائل النَّاجحة والأساليب النَّاجعة في الدَّعوة إلى الله تبارك وتعالى وتعليم النَّاس الخيرَ ، ولهذا كان من المتأكِّد على المربِّين والآباء والمعلِّمين ومدرسي الطلاب أن يُعنوا بهذه الوصية وأن يقِفُوا عندها وقفاتٍ ووقفاتٍ ليأخذوا منها النَّهجَ السَّديدَ والطَّريق الرَّشيد في الدَّعوة إلى الله عز وجل وتعليم أبناء المسلمين العلم النافع والعمل الصالح الذي ينشئون عليه ويحيون عليه ، وإضافةً إلى ما في هذه الوصايا من علمٍ نافع ودعوةٍ مؤصلة فإن فيها الأسلوب الحكيم لجَلب القلوب ، وشدِّ الأذهان ، والتَّرغيب والتَّرهيب ، وحُسن الموعظة ، وحُسن الدُّخول على النَّاس في بيان الخير لهم ودعوتهم إلى دين الله تبارك وتعالى ؛ والدَّعوة كما أنَّها علمٌ يُدعى إليه وعملٌ يُرشَد إليه فإنَّها في الوقت نفسِه تحتاج إلى حكمةٍ ووسائلَ نافعةٍ وأساليبَ مؤثِّرةٍ حتَّى يكون لها بذلك الدخول إلى قلوب النَّاس، والله جلَّ وعلا آتى عبدَه لُقمان الحكمةَ وقذف في قلبه الحكمة ، وجعل كلامَه ووعظَه وتعليمَه وإرشادَه حكمةً ؛ وهذا كلُّه يقتَضي منَّا حُسن تدبُّرٍ وتعقُّلٍ ومُدارسةٍ لهذه الوصايا الَّتي أشاد الله تبارك وتعالى بها في كتابه القرآن الكريم.

    ولما أردتُ الحديث إليكم عن هذا الموضوع [ وصايا لقمان الحكيم ] تزاحم في ذهني طريقة عرضه وطريقة الحديث عنه ؛ هل أقف مع هذه الآيات آيةً آية نتدارسها تفسيراً موضوعياً لكل آية ونقف على المعاني والدلالات، أو أن الحديث يكون عن هذه الوصايا من حيث هي وما ينبغي أن يكون عليه المربي والمعلم من علمٍ وفهمٍ ودراية بدين الله وحسن تعليمٍ وتوجيه واستخدامٍ للأساليب والمناهج السديدة التي يوصل من خلالها إلى القلوب ، أو أن يكون الحديث عن هذه الوصايا التي جاء ذكرها في القرآن الكريم بذكر الفوائد التي يفيدها المسلم وطالب العلم والداعية إلى الله تبارك وتعالى عندما يتأمل هذه الآيات الكريمات .
    وحقيقة كما أخبرتكم وأنا في الطريق إلى هذه الديار وإلى هذا الجمع الطيب وإلى هذا المكان تردد في ذهني الطريقة المناسبة للحديث عن هذا الموضوع ، ثم إنني رأيتُ أن أكتب فوائد مستفادة من هذا السياق المبارك بدءً من قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} إلى انتهاء ما قصَّه الله تبارك وتعالى من مواعظ ووصايا لقمان الحكيم{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ إلى هنا ، فكتبتُ في الطريق عدداً من الفوائد ولعل الحديث يكون على ضوءها ، ولا أدري هل الوقت يتسع لها لكنني كتبتُ على عجلٍ خمسين أو ما يزيد على الخمسين فائدة ؛ وستكون هذه الفوائد محل مذاكرةٍ في هذا اللقاء . وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكتب لنا أجمعين العلم النافع والبصيرة في دينه وحسن الإتباع والائتساء لأهل الفضل وأهل الخير وأهل العلم ، وأن يوفِّقَنا كذلك لحُسن الاستفادة من هذه الوصَايا الحكيمة العظيمة المباركة التي ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه عن لقمان الحكيم .
    والآن – أيها الإخوة - مع جملة من الفوائد التي نستفيدها من هذه الآيات ومن هذا السياق المبارك :

     الفائدة الأولى: إنَّ الحكمة مِنحَةٌ ربَّانيَّة وهِبةٌ إلهيَّةٌ يُؤتيها الله جلَّ وعلا من شاء من عباده .
    وهذا مستفادٌ من قوله جلَّ وعلا : ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ ، فالحكمة منَّةُ الله جلَّ وعلا يمُنُّ بها على من شاء من عباده ، ولهذا إذا أرادَ العبد أن يُوفَّق إلى هذا الأمر وأن يوفق لكلِّ خيرٍ فإنَّ الخيرَ بيدِ الله والفضلَ بيدِ الله عزَّ وجلَّ يُؤتيه مَن يشاءُ والله ذو الفَضل العظيمِ . ولهذا لا يُنال الخيرُ إلَّا بالصِّدق مع الله، وحُسنِ الإقبالِ على الله جل وعلا والقيامِ بطاعتِه وطلبِ التوفيق منه والالتجاءِ في تحصيلِه إليه ؛ فإنَّ الهدايةَ بيده والتَّوفيقَ بيده والمنة منة الله والفضل فضل الله جل وعلا يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفَضل العظيمِ .

     الفائدة الثَّانية
    : أنَّ نَيْل الحكمةِ لابدَّ له مِن أسبَاب ؛ حتى ينال العبد بذلك الحكمة .
    ومَن يتأمَّل قصَّةَ لُقمان الحكيم وأيضاً يتأمل حياتِه يجد أنَّه عبدٌ صالحٌ عابدٌ لله جلَّ وعلا مُقبلٌ على طاعة الله ، أحسنَ في صِلتَه بربِّه ؛ وذُكر في ترجمتِه - كما ذَكر الحافظ ابنُ كثير وغيرُه من أهل العلم - : أنَّه كانَ رجلاً صالحاً ذا عبادةٍ وإقبالٍ على الله جلَّ وعلا وصدقٍ ، وكان قليلَ الكلام كثيرَ الفِكرة والتَّدبُّر ، وكانَ يستفِيدُ من مجالس الخَير ، ويأتي في وصاياه أيضاً الحثُّ على الاستفادة من مجالس العلم ومجالس الخير ، ومن وصاياه المأثورة الوصية بمُشاورة العلماء والاستفادة من أهل العلم ؛ فالشَّاهد أنَّ بذلَ العبدِ للأسباب النَّافعة المقرِّبة إلى الله تبارك وتعالى يَنال به الخيرَ والفلاحَ، وينالُ به الحكمةَ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِالله» ، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَه» ؛ لابدَّ من بذل السَّبب ، ولا يكفي أن يقول العبدُ: اللَّهم آتني الحكمةَ أو اللَّهم إنِّي أسألكَ العلمَ النَّافع والعملَ الصَّالحَ دون بذلٍ منه للأسباب ؛ بذل الأسباب لابد منه «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِالله» ، والله جلَّ وعلا يقول: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: 123] ، ويقول جلَّ وعلا: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5]. فلابد من بذل الأسباب النافعة المشروعة لنيل الحكمة ؛ وهي العلم النافع والعمل الصالح ووضع الأمور مواضعها .

    الأمر الثَّالث مما يستفاد من هذا السياق المبارك : أهمِّية شُكر نِعَم الله وعظيم أثَره في ثبات النِّعمة ودوامِها .
    قال عزَّ وجلَّ : ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ ، فشكر النعمة هذا له أثر عظيم على العبد في ثبات النعمة ونمائها وزيادتها ، والنِّعمة إذا شُكِرت قرَّتْ ، وإذا كُفِرت فرَّتْ ؛ ولهذا يسمِّي بعضُ العلماء الشُّكرَ: «الحافظَ» ، ويسمونه «الجالِبَ» ؛ يقولون لأنَّه يحفَظ النِّعمَ الموجودة ويجلِبُ النِّعم المفقودةَ ، وهذا يدل عليه قول الله تبارك وتعالى : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7] ، قال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ : اشكر لله على نعمتِه عليكَ ومَنِّه وإكرامِه ، ومِن إكرامِه سبحانه وتعالى لهذا العبد الصَّالح أن آتاه الله الحكمةَ ووفَّقه للعِلم النَّافع والعمل الصَّالح ، وهذا السياق المبارك يدلنا على أنَّ العبدَ إذا وُفِّق للعلم ووفق العمل ووفق الخَير أن يكون دائمًا وأبداً شاكرًا لله سبحانه وتعالى معترفًا بنعمة الله عليه وفضلِه وهدايتِه وتوفيقِه ؛ لأن المنة منة الله والفضل فضله سبحانه وتعالى .

     الأمر الرَّابع : أنَّ شُكر النِّعمة يكون بالقلب واللِّسان والجوارح .
    وهنا في هذا المقام إذا أوتي العبد نصيباً من الحكمة والعلم النَّافع والعمل الصَّالح فإن شكره لله تبارك وتعالى على هذه النعمة يكونُ بقلبه اعترافًا بنعمة المنعِم وأن ما أوتيه من علمٍ وحكمةٍ وفقهٍ وبصيرةٍ وهدىً وصلاحٍ هو من الله جل وعلا ؛ فيكون الشكر بالقلب اعترافاً بنعمة المنعم وأن النعمة من الله سبحانه وتعالى ، والأمر الثاني باللِّسان بالثناء على الله وحمده وشُكره ، والأمر الثالث بالجوارح بأن يستعملها المنعَم عليه في طاعة الله جلَّ وعلا ، ومن ذلك قوله عز وجل : ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ:13] ، فيَعملُ العبدُ الصَّالحات ويحرصُ على الطَّاعات وعلى صَرف هذه النِّعمة في سبيلِها وطريقِها الَّذي أمَرَه الله تبارك وتعالى به.

    الأمر الخامس من الفوائد المستفادة من هذا السياق المبارك : أنَّ الله جلَّ وعلا لا ينفعُه شُكر الشَّاكرين ولا يضرُّه كُفر الكافرين .
    كما قال الله جل وعلا : ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ فالله جلَّ وعلا لا ينفعه شُكر مَن شَكَر ، ولا يضُرُّه كُفر مَنْ كَفَر ، ولا تَنفَعُه طاعةُ مَن أطاع ، ولا تضرُّه معصيةُ مَن عصى ؛ وتأمَّل هذا في قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي -حديث أبي ذرٍّ في صحيح مسلم - : «يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا؛ يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا» ؛ فهو سبحانه وتعالى لا تنفعُه طاعة مَن أطاع ، ولا تضرُّه معصيةُ من عصَى ؛ بل ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [الإسراء:15] ، أمَّا الله جلَّ وعلا فهو غنيٌّ حميدٌ ، ومِن هذا قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) ﴾ [فاطر:15-16].

     الأمر السَّادس : أنَّ شُكر العبدِ لنعمة الله عائدٌ أثرُه على العبد .
    فالعبدُ إذا كان شَاكراً هو المنتفع من الشكر ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ ؛ فالعبدُ إذا شَكر شكرُه عائد عليه في الدُّنيا والآخرة ؛ في الدُّنيا ثباتًا للنِّعمة ودوامًا لها وأيضاً جَلبًا للنِّعم الأُخرى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] ، فالعبد إذا شكر عاد شكرُه عليه وانتفَع هو من الشكر ، ومِن ذلك قولُ الله تعالى: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [الإسراء:15] ، ولهذا العبد إذا كان شاكراً شكره لنعم الله يعود عليه ، وإن كان - والعياذ بالله - كافرًا عاد كُفرُه وبالًا عليه وحسرةً وندامةً في الدُّنيا والآخرة ، وهذا مقامٌ ينبَغي على العبد أن يعيَه ؛ عندما تشكر الله أنت المحتاجُ للشكر ، أمَّا الله جلَّ وعلا غنيٌّ عن شكرك . أنت الذي تحتاجُ إلى شكر الله سبحانه وتعالى ، لأنك إن شكرتَ الله سبحانه وتعالى على نعمه ومننه وعطاياه كان هذا الشكر حافظاً ، سبباً لحفظ النعمة الموجودة عندك وكان أيضا جالباً لك نعماً أخرى وعطايا عديدة في الدنيا والآخرة .



     الأمر السَّابع مما يستفاد من هذا السياق المبارك : الإيمانُ بكمال غِنى الله المطلَق من كلِّ وجه ، وافتِقار العباد إليه من كلِّ وجه ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ .
    نؤمنُ بأنَّ الله غنيٌّ ، و« الغنيُّ » اسمٌ من أسماء الله الحُسنى وهو متضمِّنٌ لوصفِه سبحانه وتعالى بالغِنى ، وهو جلَّ وعلا غنيٌّ عن عبادِه من كلِّ وجهٍ ، وعبادُه فقراء إليه من كلِّ وجهٍ ؛ المخلوقات كلها فقيرة إلى الله ، والله جل وعلا عن المخلوقات كلها ، نحن نؤمن بأنَّ ربَّنا سبحانه وتعالى الغنيَّ نؤمن بأنه مستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقِه كما أخبر هو بذلك في كتابه: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف:54] ، ونؤمنُ في الوقتِ نفسِه أنَّه سبحانه وتعالى غنيٌّ عنِ العرشِ وعمَّا دون العرش ، غنيٌ عن المخلوقات كلها ، وأما المخلوقات فإنها كلَّها فقيرةٌ إلى الله ، العرشَ وما دونَه الكل فقير إلى الله جل وعلا ، قال عزَّ وجلَّ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ [فاطر:41] ، فهو الممسك للعَرش، الممسك للسَّموات، الممسك للأرض، المخلوقات كلُّها قائمةٌ بإقامة الله تبارك وتعالى لها لا غِنى لها عن الله طَرفة عَين ، وأما الله جل وعلا فهو غني عن المخلوقات كلها ، والمخلوقات كلها فقيرةٌ إليه سبحانه وتعالى .

     الأمر الثَّامن مما يدل عليه هذا السياق المبارك : إثبات كمال حَمده سبحانه ، وأنَّ له المحامِد كلَّها على كريمِ نَعمائه وعظيمِ أسمائِه وصفاتِه .
    قال عزَّ وجلَّ : ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ ، و«الحميدُ» اسمٌ من أسماء الله الحُسنى، وهو دالٌّ على ثبوت الحَمد لله سبحانه وتعالى ، له الحمد المطلق الكامِل على كلِّ شيء ، فهو سُبحانه يُحمَد على أسمائه وصفاتِه ، ويُحمَد سبحانه وتعالى على نِعمِه وآلائه وأفضالِه وعطائِه ؛ فهو «الحميدُ» جلَّ وعلا الَّذي له الحَمد كلُّه ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ ﴾ [القصص:70]، له الحمد أوَّلًا وآخرًا ، وله الشُّكر تبارك وتعالى ظاهرًا وباطنًا ، الحمدُ كلُّه لله والنِّعمة كلُّها منَ الله، ما بالعباد مِن نعمَة فهيَ منَ الله ، الله مُوليها ، ولهذا ينبَغي أن يكونَ الحمد كلُّه مخصوصًا بالمنعِم ؛ ولهذا يقول الملبُّون في تلبيَتِهم: «إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك» ؛ فنؤمن بأن الله حميد ، وأنه تبارك وتعالى له الحمد أوَّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا ؛ وهذا مما يستفاد من هذا السياق المبارك .


     تاسعاً : مكانةُ الحكمة وعظيمُ نفعِها لمن حباه الله تبارك وتعالى بها ومَنَّ عليه بتحصيلِها .
    وهذا واضحٌ في هذا السِّياق المبارك مِن ثناء الله على لُقمان ، ومدحه بأنَّ الله عزَّ وجلَّ آتاه الله الحكمةَ ، وهذا يجعلُ العبدَ حريصًا على معرفة الحكمة ما هي ، وعند مطالعة كتب التفاسير لهذه الآية الكريمة يجد الأقاويل النافعة والتفسيرات السديدة التي قالها أهل العلم في بيان الحكمة وحقيقتها ، وأهل العلم قالوا في ذلك أقوالاً عدة ، وممَّا قيل في الحكمة : أنَّها العِلم النَّافع المقرونُ بالعمل الصَّالح ، وقيل: هي وضعُ الأمور في موضعِها ، وقيل: هي البَصيرة والفَهم والسَّداد وحُسن الرَّأي . قيل أقوال عديدة تدل عليها هذه الكلمة المباركة .
    الشَّاهد أنَّ الحكمةَ لها مكانةٌ عظيمةٌ ، وينبغي على كلِّ عبدٍ أن يجدَّ ويجتهدَ في نَيلها وتحصيلِها ببذلِ الوسائلِ المشروعةِ والسُّبل المشروعة الَّتي تُنال بها الحكمة ويوصَل مِن خلالِها إليها.

     الأمر العاشر من فوائد هذا السياق المبارك : أهميَّة أسلوب الوعظ في التَّربية والتَّعليم .
    وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ ؛ أسلوب الوعظ له أثرٌ بالغٌ في تربية النَّاس وتعليم النَّشء ؛ و«الوعظُ» ما هو ؟ قال العلماءُ : أن يكون العلم الَّذي يوجَّهُ النَّاس إليه ويُرشَدون إلى فعلِه مقرونًا بالتَّرغيب والتَّرهيب ، تذكُر الفائدة مع المرغِّبات ، تذكُر الأمرَ بالخير مع المرغِّبات ، تذكُر النَّهي عن الشَّرِّ مع المرهِّبات؛ فالوعظُ هو أمرٌ بالخير ونهيٌ عن الشَّرِّ مع التَّرغيب والتَّرهيب ؛ والتَّرغيبُ يكون بذكر الفَوائد وذكر الثِّمار وذكر الآثارِ الَّتي ينالُها العبدُ إذا فعَلَ هذا الأمر الَّذي رُغِّب فيه، وأيضاً عند النهي يكون كذلك يذكر الأخطار والأضرار الَّتي يحصِّلُها منْ وقَعَ فيما نُهي عنه.
    ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ ؛ يعني لم يأت بالكلام مع ابنه جافاً ، ولم يأت به بدون أن يصحبه بترغيب وترهيب ؛ وإنما جاء بترغيبٍ نافع وذكرٍ لأمور تشجِّعُ المدعوَّ على القيام بما دُعِي إليه على أحسن وجهٍ وأكملِ حالٍ .

     الأمر الحادي عشر من الفوائد المستفادة من هذا السياق : أهميَّة حُسن التَّودُّد وعظيم أثره على المتلقِّي والمتعلِّم .
    أنت عندما تُريد أن تَعِظ إنسانًا وتنصحَه ينبَغي أن تتودَّدَ إليه ، ما معنى تتودد إليه ؟ يعني أن تذكُر مِن العبارات اللَّطيفة والكلام الحلو الَّذي يجعَل كلامَك يدخُلُ قلبَه ، وأيضاً يجعَلُ قلبَه ينفتِحُ لكلامِك ، ولاحظ لقمان وهو يعظ ابنَه جاء بكلام حلو وأسلوبٍ مؤثِّرٍ وكلماتِ تدخُل إلى القَلب ، وانظُر لطفَه في حديثِه مع ابنِه في وعظه ، تتكرر عبارة «يا بني!» «يا بني!» «يا بني!» ، تجدها تتكرَّر معك في السِّياق ؛ هذه لها وقع في قلب الابن ولها تأثيرٌ وهي تفتح قلبه ، انظر الأثر المبارك عندما يكون الوعظ مع حُسن تودد وعندما يكون الوعظ بعيدًا عن التَّودُّد ، مثل: لو يقول قائل وهو ينصح أو يزجر أو ينهى : يا وَلد! ، أو بعضهم عندما يخاطب ابنَه أو من يريد أن ينهاه يذكر أسماءَ بعضِ الحيوانات !! كيف تريد قلبه ينفتح لكلامك وأنت تدعوه بهذه الطريقة !! أو يصفه بصفاتٍ تجعل قلبه ينغلق مثل أن يقول له يا أخرس أو مثلا يا كذا ، ويصفه بصفاتٍ تجعل قلبه يُغلق وذهنه يتبلد؛ شتَّان بين هذا الطَّريق وبين أن يستَخدم الواعظُ أسلوبَ التَّودُّد «يَا بُنَيَّ!» تأتي لطيفة بحنانٍ وأبوَّةٍ وعطفٍ ورأفةٍ فينفَتِح القلبُ ، لاحظ حُسن التَّودُّد يقول مُعاذ بن جبل رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ! إِنِّي لَأُحِبُّكَ»؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله وَأَنَا أُحِبُّكَ؛ قَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ! لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» ، الوصية هي « لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ » والذي قبلها تودُّد وتلطُّف وفتحٌ للقلب حتَّى يُقبل على الفائدة وتَنفتح أساريرُ القَلب ويتهيَّأ للتَّحصيل ؛ فهذه لابدَّ منها في الدَّعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتعليم النَّاس الخير .

     الأمر الثَّاني عشر : مراعاة الأولويَّات في الدَّعوة إلى الله .
    وهذا ينبغي أن يتنبَّه له الآباءُ والمربُّون والدُّعاة إلى الله جلَّ وعلا ؛ عندما يدعو النَّاسَ إلى الخير أن يراعي الأولويات وهذا ما فعَله لقمان الحَكيم ، لقمان أراد أن يُوصي ابنَه بجُملةٍ وصايا نافعة يحتاج أن يوصَى بها وأن يعرّف بها وأن يُدعى إليها ؛ بدأها بماذا ؟ ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ ؛ وهذا منه مراعاةً للأولويَّاتِ ، وأن العبد في الدعوة والتربية والتعليم يبدأ بالأهمِّ فالمهمِّ فالأقلُّ أهمِّيَّةً؛ حتَّى في تربية الأبناء وتنشِئة الأجيال نبدأ أوَّلًا بغَرس الاعتقاد الصَّحيح والإيمان النَّافع ثمَّ بعدَ ذلك يُعلَّمُون العبادات والآداب والأخلاق ، فيراعي العبد الأولويَّات في دعوته إلى الله سبحانه وتعالى ، ولهذا لما بعثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليَمن، ماذا قال له ؟ «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى» .

     الأمر الثَّالث عشر: أنَّ الشِّرك أعظمُ الذُّنوب وأخطرُها وهو أعظم ما نَهى الله تبارك وتعالى عنه .
    وهذا مستفادٌ من بدْء لقمان الحكيم به ، أول ما بدأ بالتحذير من أخطَر الأمور ، وهذا هُو سَبيل النَّاصحين ؛ عندما ينهى عن أمُور خطيرةٍ يُبدَأُ بأخفِّها أو بأشدِّها خطرًا ؟ بأشدِّها خطرًا ، ولهذا أول ما بدأ لقمان الحكيم بنهي ابنِه نهاه عن الشِّرك ، وأنتم ستلاحظون في هذا السِّياق المبارك: نهاه عن الكِبر، نهاه عن الغُرور، نهاه عن الخُيلاء ، نهاه عن أمور عديدة ، لكن أوَّل ما بدأ بنهيه عنه الشِّرك بالله قال : ﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} فدلَّنا ذلك على أنَّ الشِّرك أخطرُ الأمور ، وأشدُّها ضررًا.

     الأمر الرَّابع عشر: أهميَّة تنشئة الأبناء من الصِّغر على التَّوحيد والإخلاص والبُعد عن الشِّرك .
    وهذا أيضًا مُستفادٌ من هذه الوصيَّة ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ ، فيَحتاج الأبناءُ من الصِّغر أن يُحذَّروا منَ الشِّرك وأن يُدعَوْا إلى التَّوحيد والإخلاص لله تبارك وتعالى ، ومن نعمة الله علينا في هذه البلاد أن التوحيد يتكرر مع أبناء المسلمين في المدارس في كل مرحلة يلقنون التوحيد في الأصول الثلاثة التي كتبها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهي تلقن للأبناء منذ صغرهم في المدارس فينشئون على معرفة التوحيد الخالص ، وأنت تجد الفرق في ديار المسلمين بين من ينشئون على هذه النشأة وبين من ينشئون ولا يلقنون التوحيد درساً بعد درس ومرة بعد أخرى تجد الفرق الشاسع بين هذا وذاك ، ولهذا إذا لُقِّن الابنُ التَّوحيد مِن بداية الأمر ومن بداية نشأته ينشأ بإذن الله تبارك وتعالى ...
    ومنَ الحِكمة في تسميةِ الأبناء بعَبد الله وعَبد الرَّحمن وقد جاء في الحديث: «خَيرُ الأَسْمَاءِ عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَن» وأيضا التعبيد لله من الحكمة في ذلك أن ينشَأ الابنُ على التَّوحيد ، أن ينشأ وهو يعرف أنَّه عبدٌ لله ، ليس عبدًا للهوى، ولا عبدًا للدُّنيا، ولا عبدًا للشَّيطان، ولا عبدًا لحظوظ النَّفس ، وإنَّما عبدٌ لله تبارك وتعالى فيَنشَأ على التوحيد .
    إذاً من فوائد هذا السياق المبارك أهمية تنشئة الأبناء على التوحيد وغرسه في نفوسهم من الصغر ، والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما كتب كتابه المبارك الأصول الثلاثة كتبه بعدة أساليب ليناسب كافة الطبقات ؛ كتبه للصبيان وكتبه للعوام وكتبه أيضاً لمن هم فوق ذلك ، وجدتُ في بعض النسخ للأصول الثلاثة نسخةً كتبها الشيخ لعوام المسلمين ، كتبها بهذه الطريقة " إذا قيل لك وِشْ ربك ؟ قل ربي الله " ؛ فتنشئة الناس والنَّاشئة والأبناء على أصول الإيمان وعلى أُسُس العقيدة هذا من الضروريات ، لأن هذا هُو الأساس الَّذي يُقام عليه بناء الدِّين، وتؤسَّس عليه الملَّة، وتقوم عليه الدِّيانة ، لا تقوم الدِّيانة ولا تقوم الملَّة إلَّا على التَّوحيد والإخلاص لله تبارك وتعالى

     الأمر الخامس عشر: أنَّ الشِّرك أظلمُ الظُّلم وأعظم الجُرم .
    وهذا مأخوذٌ من قوله تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ، والظُّلم : هو وضْعُ الشِّيء في غَير موضعِه ، وأيُّ وضعٍ للشيء في غير موضعه بأن تُوضَع العبادةُ في غير موضعِها !! بأن تُعطى لمخلوقٍ ناقصٍ ومخلوق عاجزٍ لا يملكُ لنفسِه نفعًا ولا ضرًّا ولا حياةً ولا نشورًا ، أيُّ ظلم أعظم من أن يَخلُقَ اللهُ الإنسانَ ثمَّ يتَّجه الإنسان إلى غير الله يعبده !! يرزقُه الله ويتَّجه إلى غير الله يطلب منه !! يشافيه الله ويتَّجه إلى غير الله يطلب منه الشفاء !! أيُّ ظلمٍ أعظم من هذا !! ولهذا أظلم الظلم وأكبر الجرم الشرك بالله ، ليس هناك أفظع ظلماً من الشرك بالله ، ولهذا قال الله تبارك وتعالى {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [البقرة:254] أي ظلمٍ أعظم من الكفر وأي جريمةٍ أعظم من الشرك ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ .

     الفائدة السَّادسة عشر : حاجةُ المتعلِّم إلى معرفة ثَمرةِ الأوامِر وأيضاً خُطورةِ النَّواهي .
    حتى تتمكَّن منه الفائدة إذا ذُكر له الأمرُ يحتاج أن يُذكر له مع الأمر الفائدةُ والثَّمرةُ ، وإذا ذُكر له النَّهي أيضاً يُذكر له الخطر والعاقبة الوخيمة الَّتي ينالها مَن دخل في هذا الطَّريق ، وهذا مستفادٌ من القصَّة في عدَّة مواضع منها: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

     الفائدة السَّابعة عشر : الوصيَّة بالوالدين برًّا وإحسانًا وإكرامًا ورعايةً للحُقوق .
    وذلك في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ ؛ إذاً الوصيَّة بالوالدين لها شأنٌ عظيمٌ , والوصيَّة تكون بالأمور العظيمة ، والوصيَّة هنا ممن ؟ من الموصي ؟ ربّ العالمين جلَّ وعلا ؛ ولهذا قال غير واحدٍ من المفسِّرين : إنَّ قوله ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ هذا من كلام الله جاء معترضًا في أثناء وصيَّة لقمان ، أوصى الله جلَّ وعلا بالوالدين إحسانًا؛ فإذًا مِن الفوائد العظيمة من هذا السِّياق المبارك الوصيَّة بالوالدين ومعرفة حقِّهما والإحسان إليهما والبرِّ بهما والقيام بحقوقِهما.

     الأمر الثَّامن عشر : أنَّ مِن أعظَم الأمور المعينة على البِّرِّ بالوالدين تذكُّر الجميل السَّابق والإحسانِ المتلاحِق .
    مِن أعظَم الأمور المعينة على البِّرِّ بالوالدين تذكُّر الإحسان السَّابق ؛ هذا يُعينُ الإنسانَ على البرِّ، وأيضاً يجعله يبتعدُ عن العُقوق والقَطيعة ، تأمَّل هذا في قوله: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ أي تذكَّر أيُّها الابنُ ما حصَل من أُمِّك من أمومةٍ وحملٍ ورضَاعةٍ وتَربيةٍ ، كل هذه الأمور تذكَّرها ؛ الحملَ وأوجاعَه وأتعابَه والمدَّةَ الطَّويلةَ الَّتي قضيتَها في رحم أُمِّك ثِقلٌ تحملُك في بطنِها تسعةَ أشهرٍ ومعاناةُ في القيام والقُعود وعند النَّوم هذا أليس جميل ؟! تذكَّر الوهن الذي على وهن الذي أصاب أمك من حملها لك ، ضعف على ضعف وتعب على تعب ونصبٌ على نصب هذا جميل ينبغي أن لا يغيب عن ذهنك ، أيضاً الوضع وشدَّته وما تُعانيه الأمُّ عند الولادة حتَّى خرجتَ إلى هذه الحياة ، الرَّضاعة وما يكتنِفها من أتعاب وأوجاعٍ وسهرٍ وتعبٍ ؛ كلُّ هذا جميلٌ يُنسى!! إذاً تذكُّر الجميل والإحسان السابق من أعظم الأمور المعينة على البر ، وأنت تستفيد من هذا السياق المبارك إذا أردت أن تذكِّر الإنسان ببر الوالدين ذكره بالجميل السابق ذكِّره بالمعروف بالإحسان بالجهود التي كانت من الوالدين تجاه الأبناء .

     الأمر التَّاسع عشر مما يعين على البر : أنَّ التذكير بالمصير إلى الله والعودة إليه أيضاً يعينك على البر.
    انظر ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ ، فيعينك على البر أمور عديدة أهمها أمران :
    الأمر الأول أن تتذكر الجميل السابق .
    والأمر الثاني أن تتذكر أنك سترجع إلى الله ؛ إن كنت باراً ستلقى جزاء برك وإحسانك ، وإن كان الإنسان والعياذ بالله عاقاً فسيلقى عقوبة عقوقه عندما يرجع إلى الله تبارك وتعالى . لم ينته العقوق بانتهاء هذه الحياة ، قد يعق الإنسان والديه ويموت والعياذ بالله عاقاً ؛ انتهى الأمر إلى هنا ؟ أبداً والله ، أمامه العقوبة التي أعدها الله تبارك وتعالى لمن كان عاقاً لوالديه .

     الأمر العشرون : الدلالة على عظم حقِّ الأمِّ وأنَّها أَولى النَّاس بالبرِّ وحُسن المصاحبَة .
    وفي الحديث أنّ رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ ؛ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ» ؛ ثلاث مرَّاتٍ يذكر الأمَّ !! لماذا؟ لأنَّ الأم هي الأحقُّ والأَوْلى بحُسن المصاحبة ، ولأنَّ ما كان من الأم تجاه هذا الابن لم يكن من غيرها ، وما حصل منها لم يحصل من غيرها ، فهي حصل منها مراتب ومراتب من الإحسان لم تحصل من الأب ولا من العمة ولا من الخالة ولا من كافة الأقرباء ، حصل منها مراتب عديدة من الإحسان ؛ ولهذا بعض العلماء قالوا : إنَّ في هذه الآية دليلاً وشاهدًا لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : «أمُّك، ثمَّ أمُّك، ثمَّ أمُّك» ما وجه الشاهد ؟ أنَّ الله جلَّ وعلا ذكر في هذا السِّياق للأمِّ ثلاث مراتب في إحسانها للابنِ ما هي ؟ ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴾ الأمومة ، ثانيًا : الحمل ، ثالثًا : الرَّضاعة ؛ فهذه ثلاث مراتب من الأمِّ لم تحصُل لا منَ الأب ولا مِن كافَّة من أحسن إلى هذا الابن ، والجميل يقتضي ردَّ الجميل والإحسان وملاقاة الإحسان بالإحسان ، لكن من المصائب العظيمة أن تجد بعض النَّاس يلقى من أمِّه هذا الإحسان الدَّائم والجميل المتواصل ثمَّ تكون النِّهاية أنَّ برَّه ولُطفه وحُسنَ صُحبته يُقدِّمها إلى الآخرين الَّذين لم يقدِّمُوا له عُشر مِعشار ما قدَّمته الأمُّ!! والأم لا يعطيها من حسن مصحابته شيئًا ، وإن أعطاها أعطاها الفَضلةَ والقليل ؛ أهكذا يكون ردُّ الجميل!! أهكذا يكون رد الإحسان ومجازاة المحسنين!! ولهذا كان من أعظم الإثم وأشدِّ اللُّؤم العقوق بالأمِّ ، كيف يعقُّ الإنسانُ أمَّه وهي خيرُ من قدَّم له من الناس المعروف والمروفة والإحسان والإكرام .
    إذاً من الفوائد العظيمة المستفادة من هذا السياق المبارك حق الأم وأنها أولى الناس بحسن المصاحبة .

     الفائدة الحادية والعشرون : أنَّ ما تلقاه الأمُّ في الحملِ والوضع كذلك الأمومة من مشقَّةٍ وتعبٍ أمرٌ لا يلحق الابن جزاءَه مهما بَذل من البرِّ .

     الفائدة الثَّانية والعشرون: أنَّ قرْنَ حقِّ الوالدين بحقِّ الله دليلٌ على عظيم مكانة حقِّهما .

     الفائدة الثالثة والعشرون: أنَّ شكر الله يكون بالقلب حباً وتعظيما، وباللسان حمداً وثناءا، وبالجوارح ً للصالحات وانكفافاً عن المنهيات .

     الفائدة الرَّابعة والعشرون: أن الشُّكر للوالدين يكون بالحبِّ لهما والدُّعاء والبرِّ والصِّلة والإحسان .

     الفائدة الخامسة والعشرون : خطورة عقوق الوالدين ، وأنَّه من أعظم الإثم وأشدِّ اللُّؤم .

     الفائدة السَّادسة والعشرون : طريقة التَّعامل مع الأب أو الأمِّ إن كانا مُشركين أو فاسقين .
    وهذا تأمله في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ فلا يُطاع الأب ولا تُطاع الأمُّ إن دعت الابن إلى الشرك أو دعته إلى فعل المعصية ؛ لكن في الوقت نفسِه لابدَّ من المصاحبة بالمعروف ؛ حتى لو كان الأب مشركاً أو كان فاسقاً أو نحو ذلك لا يطاع فيما يدعو إليه من محرم لكن يصاحَب بالمعروف ، قال﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ .

     الفائدة السَّابعة والعشرون: كمال الشَّريعة في دعوتها إلى حفظ المعروف ومراعاة الجميل .
    وهذا واضحٌ مع أن الأب المشرك أو الأمُّ - والعياذ بالله - المشركة التي تدعو ابنها إلى الشِّرك مع هذا الله جل وعلا قال : ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ ، إذا كان الحال هذه والأبوان مشركيْن؛ فكيف إذا كان الأبوان مؤمنيْن لا يأمران إلَّا بالخير ولا يدعوان إلَّا إلى البرِّ والصلة والإحسان !! الأمر أعظم وأشد .


     الفائدة الثَّامنة والعشرون: أنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾.
     الفائدة التَّاسعة والعشرون: أنَّ أهل الضَّلال قد تكون منهم مجاهدةٌ وبذلُ وسعٍ في نشرِ باطلهم والدَّعوة إلى ضلالهم .
    وهذا واضحٌ في قوله: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ ﴾ فأهل الباطل قد تكون منهم مجاهدة وهو بذلُ وسعٍ واستفراغ للطاقة في نشر الباطل والعياذ بالله .

     الفائدة الثَّلاثون: التَّفريق بين عدم الطَّاعة والعُقوق .
    ينبغي أن يُنتبه لهذا ، في فرق بين عدم الطاعة وبين العقوق ، بعض النَّاس يخلِط فيجعل مع عدم الطاعة العقوق ؛ وفي فرق بينهما ، ولهذا لاحظ ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ ، لم يقل فعقهما وإنما قال : ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ . إذاً هناك فرق شاسع بين عدم الطاعة وبين العقوق .

     الفائدة الحادية والثَّلاثون: فضل الصَّحابة وخيار الأمَّة .
    من أين أخذنا هذه الفائدة ؟ من قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ ، وإذا نظرتَ في حال الصَّحابة وخيار الأمَّة تجد أنَّ حالهم هي حال المنيبين إلى الله جلَّ وعلا ، ولهذا تجد بعض المفسِّرين يقول: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ أي أبا بكر ، أو يقول : ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ أي الصَّحابة؛ وهذا كلُّه تفسيرٌ للشيء ببعض أفرادِه أو بأفضلِ أفرادِه أو بأفضل من يدخل فيه ؛ فإذاً هذا يدلُّنا على فضل الصَّحابة وفضل خيار الأمَّة، وأنَّه ينبَغي علينا أن نعرفَ سبيلَ هؤلاء الأخيار الأماثل وأن نتَّبعه .

     الفائدة الثَّانية والثَّلاثون: أهميَّة اختيار الجَليس .
    ليس للمؤمن أن يجلسَ مع مَن شاء ، وكم حصل من ضَرَر للإنسان بسَبَب الجضالِس، وأنت مُطالبٌ بأن لا تجلسَ مع كلِّ أحدٍ ، وإنَّما تُجالس أهلَ الخَير ، وهذا أيضًا مُستفادٌ من قوله: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ .


     الفائدة الثالثة والثَّلاثون : خطورة إتباع غير سبيل المؤمنين { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } [النساء:115] .

     الفائدة الرّابعة والثَّلاثون : فضلُ الإنابة إلى الله ومكانة المنيبين .
    وهذا ظاهرٌ من قوله: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ ، جَعل الله سبيلَ المنيبين سبيلًا تُتَّبع وطريقةً تُسلَك .

     الفائدة الخامسة والثَّلاثون: أنَّ أعمال العباد كلَّها مُحصاةٌ عليهم يجدونها حاضرةً يوم القيامة ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.

     الفائدة السَّادسة والثَّلاثون : أنَّ الشِّرك لا بُرهان عليه ولا حجَّةَ لأهلِه عليه .
    من أين أخذناها ؟ ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾، وهذا مثل قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ [المؤمنون:117] ، فالشِّرك أيًّا كان نوعه وأيًّا كانت صفتُه لا برهان عليه ، هذه صفة لازمة للشِّرك في كلِّ أحواله وفي جميع صُوَره.

     الفائدة السّابعة والثَّلاثون: أهميَّة التَّأكيد في الدعوةِ إلى الله بالرُّجوع إليه ومُجازاته العبادَ على ما قدَّموه في هذه الحياة .
    ينبغي على الدُّعاة أن يراعوا هذا الأمر ، دائماً وأبداً أن يذكِّروا بالرجوع إلى الله وهذا أمر مهم وضروري في الدعوة؛ ولهذا تلاحظ أنه تكرر عند لقمان ؛ جاء في قوله: ﴿ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ ، وجاء بعده: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ ، فهذا الأمر يحتاج النّاس أن يُذكَّر به مرَّاتٍ وكرَّاتٍ حتَّى يَرسَخَ في أذهانِهم قُدومُهم على الله ومُجازاةُ الله تبارك وتعالى لهم على الأعمال الَّتي قدَّموها في هذه الحياة .

     الفائدة الثّامنة والثَّلاثون: إحاطةُ علم الله جلَّ وعلا وأنَّه لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾.

     الفائدة التّاسعة والثَّلاثون: أثَرُ الإيمان بأسماء الله وصفاتِه في صلاح العبد وزكاءِ أعمالِه .
    ولهذا قال العلماء : كلما كان العبدَ بالله أعرف كان منه أخوَف ، ولعبادته أطلَب ، وعن معصيتِه أبعَد .

     الفائدة الأربعون: أهميَّة تربية الأبناء على مراقبة الله .
    إذا نبّهت ابنِكَ وقُلتَ له " لا تفعَل كذا " لا تقل له إن فعلت سأفعل بك ؛ لا تجعله يراقبُكَ أنتَ ، لا تقل له إن لم تفعل كذا سأفعل بك كيت وكيت ، إن لم تصلِّ سأعاقبك بكذا وكذا ، وإنّما اجعله يراقب الله ، يا بنيَّ صلِّ ، ابتعِد عن الحرام ، الله يراك يطَّلع عليك لا تخفى عليه منك خافيةٌ ، لو تَفعل يا بنيَّ خطأ صغير والخطأ هذا يكون في صخرةٍ صمَّاء في داخلها أو يكون في السَّماء أو يكون في أعماق الأرض الله يأتي به وستراه يوم القيامة يا بنيَّ انتبه! فينشأ الابن يراقب من ؟ يراقب الله جلَّ وعلا ، فهذا من الأمور المهمة في تربية الأبناء.

     الفائدة الحادية والأربعون: أنَّ الوزن يوم القيامة بمثاقيل الذَّرِّ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة:7-8]، وهذا أخذناه من السياق من قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾.

     الفائدة الثانية والأربعون: أنَّ المظالم لا تضيع وإنَّ قلَّت .
    وكلُّ مظلَمَة ستأتي يوم القيامة حتَّى وإن كان أمرًا قليلًا ، ولهذا قال بعض المفسِّرين في معنى: ﴿ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾، يعني المظلمة لو كانت صغيرة جدًّا يأتي الله جلَّ وعلا بها.

     الفائدة الثالثة والأربعون: الإيمان باسمَي الله «اللَّطيف» و«الخبير» .
    وأنه لا يخفى عليه خافية بل يصل علمه إلى كل خفي ، وأنه خبير بكل شيء لا يغيب عنه شيء سبحانه .

     الفائدة الرّابعة والأربعون: مكانة الصَّلاة وأهميَّة إقامتها والمحافظة عليها.

     الفائدة الخامسة والأربعون : تدريبُ الأبناء على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر .
    وفي ذلكَ نفعٌ لهم وللآخرين ؛ وهنا نلاحظ ملاحظة : عندما تعوِّد ابنك على الخير أيضا عوّده على الدعوة إلى الخير لماذا ؟ لأنَّه إذا نشأ منَ الصِّغر داعيةً إلى الخير سيستَفيدُ هو ويستفيدُ الآخرين ، أمَّا هو فالفائدة الَّتي تحصلُ له أنَّ دعوته للآخرين تكون تحصينًا له من أن يدعُوَه الآخرون إلى المنكرات؛ وقد قيل قديمًا: «إذا لم تَدعُ تُدعَى»، فإذا كانَ الابنُ داعيةً إلى الخير فهذه بحدِّ ذاتِها تكون له وقايةً من دُعاة الشَّر؛ لأنَّهم عرفُوه بأنَّه داعية إلى الخير فيجدون أنَّه لا سبيل لهم إلى مثله ، وربما يهتدي على يديه أناسٌ تكون هدايتُهم في ميزانِ حسناتِه «لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَم» .

     الفائدة السّادسة والأربعون: الوصيَّة بالصَّبر لاسيما الدُّعاة إلى الله ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾.

     الفائدة السّابعة والأربعون : عزائم الأمور لا ينهضُ لفعلِها إلَّا النُّفوس الكِبار .

     الفائدة الثامنة والأربعون : التَّحذير من الكبر والخيلاء.

     الفائدة التاسعة والأربعون : الدَّعوة إلى التَّوسُّط والاعتدال ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾.

     الفائدة الخمسون: إثبات صفة المحبَّة لله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾.

     الفائدة الحادية والخمسون: دعوة الشَّريعة إلى مكارم الأخلاق وتحذيرها من رديئها .

     الفائدة الثانية والخمسون: أهميَّة ضرب الأمثال في التَّعليم .

    على كل حال هذه بعض الفوائد المستنبطة من هذا السِّياق المبارك ، وبالمناسبة أدعو الإخوة إلى قراءة هذه الآيات مرات عديدة والتفقه فيها ، وقراءة كتب المفسرين وبخاصة تفسير العلامة ابن سعدي رحمة الله عليه وتفسير الحافظ ابن كثير وغيرها من التفاسير النافعة المفيدة .
    وأسأل الله جلَّ وعلا بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن ينفعَنا بما علَّمنا، وأن يجعلَ ما نتعلَّمه حجَّةً لنا لا علينا وأن يرزقَنا العلم النَّافع والعمل الصَّالح ، ونسأله تبارك وتعالى أن يجزيَ لقمان الحكيم خير الجزاء ، وأن يغفر لنا وله وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنَّه هو الغفور الرَّحيم ، وأسأله جل وعلا أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، وأن يوفقنا وإياكم لكل خير .
    والله تعالى أعلم وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه أجمعين .


    فضيلة الشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله

    المصدر: منتديات نور اليقين


يعمل...
X