إعـــــــلان

تقليص
1 من 4 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 4 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 4 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
4 من 4 < >

تم مراقبة منبر المسائل المنهجية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

تعلم إدارة شبكة الإمام الآجري جميع الأعضاء الكرام أنه قد تمت مراقبة منبر المسائل المنهجية - أي أن المواضيع الخاصة بهذا المنبر لن تظهر إلا بعد موافقة الإدارة عليها - بخلاف بقية المنابر ، وهذا حتى إشعار آخر .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

عن إدارة شبكة الإمام الآجري
15 رمضان 1432 هـ
شاهد أكثر
شاهد أقل

"التكفير .. خطوط وأخطاء وأخطار" لفضيلة الشيخ: محمد بن عبد الحميد حسونة -حفظه الله تعالى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "التكفير .. خطوط وأخطاء وأخطار" لفضيلة الشيخ: محمد بن عبد الحميد حسونة -حفظه الله تعالى


    ((( المقدمة وفيها الباعث على الطرح )))
    ....
    ....إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    ....
    ...."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"سورة"آل عمران"الآية(102)
    ....
    ...." يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"سورة"النساء"الآية(1)
    ....
    ...."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"سورة "الأحزاب" الآية (70-71)
    ....
    ....فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتـها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
    ....
    ،،، أما بعد ،،،
    ....قضية تكفير المسلم قد اتفق أنها من أخطر القضايا في ذاتها وآثارها، ولعل حوادث الوقت كان لها أثر في تجليتها ومعالجتها المرة بعد المرة، ولا زلنا لم تقدم . والله تعالى الرافع الدافع سبحانه وبحمده .
    ....
    ....ولما كان ذلك كذلك، استعنت الرحمن، واستنفرت البيان، واستدعيت النصوص، ورصصت النقول، وقوّمت الكلم، لغزو غرور كل مغرور، ودك حصون كل جهول، راجيا من الله تعالى بذا الجهاد القبول، والخير للفحول .
    ....
    ....أجل .. قام بياني ناصعا ناصحا : تذكرة لمنتهي، وتبصرة لمبتدي، وتسكينا لمضطرب، وتحذيرا لمعتدي .
    والله تعالى العاصم، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل
    ....
    ....وأستهل البيان بـ :
    بيان بما يثبت به الإسلام وتقرير قاعدة
    "من ثبت إسلامه بيقين لا يزول عنه بالشك"
    ....
    اعلم - رحمني الله وإياك- أن :
    ....
    ....أهل القبلة : هم كل من نطق بالشهادتين .
    ....
    ....وسموا بهذا الاسم : لاستقبالهم بيت الله في صلاتهم ([1]) .
    ....
    ....وأصل هذه التسمية : مأخوذ من حديث النبي– صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا" رواه الإمام البخاري
    ....
    ....ومعنى الحديث : أن من ظهرت منه هذه الأفعال التي لا يفعلها إلا أهل القبلة حكمنا له بالإسلام، وأعطيناه حقوقه وحسابه على الله .
    ....
    ....ويدخل تحت هذه القاعدة جميع من ظهرت منه هذه الأفعال، وتخلق بأخلاقهم، هؤلاء كلهم إسلامهم في الظاهر يقينياً، لا يجوز تكفيرهم إلا بشيء أوضح من الشمس في رابعة النهار .
    ....
    ....قلت :
    فهذه الأقوال تدلّ على أنه لا يحكم على المعين بالخروج من الإسلام إلا إذا صرّح بأنه يقصد بعمله الخروج عن الإسلام .
    ....
    ....بل قد نقل القرطبي الإجماع على هذا : فقال - رحمه الله تعالى: " وليس قوله تعالى : "...أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" سورة "الحجرات" الآية(2) بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمناً إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافراً من حيث لا يقصد الكفر ولا يختاره، بإجماع""تفسير القرطبي (16/ 30
    ....
    ....وسيأتي معنا قول أبي حامد الغزالي – رحمه الله تعالى : "ولم يثبت لناأن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بدّ من دليل عليه، وثبت أنالعصمة مستفادة من قول : لا إله إلا اللهقطعاً، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع . وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان" "الاقتصاد في الاعتقاد" (223-224) .
    ....
    ....أقول :
    إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل إدخال الكافر في الإسلام بداية، بمجرد النطق بالشهادتين، فقد :
    ....روى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- عن أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لرجل :
    "أسلم .
    ....
    ....فقال الرجل : إني أجدني كارهاً ؟ .
    ....
    ....قال : وإن كنت كارهاً" انظره في "السلسلة الصحيحة"(3/439) برقم(1454)
    ....
    ....قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى : "... النبي- صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- لم يكرهه على الإسلام، بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه غير قابلة له، بل هي كارهة، فقال له : "وإن كنت كارهاً " فإن الله سيرزقك النية والإخلاص" انتهى"تفسير ابن كثير"(1/465)
    ....
    قلت :
    ....فيه : تأويل لوصف الرحمة التي بعث بها النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" سورة "الأنبياء" الآية(107)
    ....
    ....وفيه : تطويع النفس وتذليلها وتسييرها على طريق العبودية .
    ....
    ....وفيه : دليل على أن النبي - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-لم يكن حريصاً على جمع الأدلة التي تخرج الناس من الإسلام، بل كان يداري الناس للدخول في الإسلام، ويقبل ظواهرهم، ويكل سرائرهم إلى الله، حتى وإن بدت منهم أفعال وأقوال تناقض الإسلام .
    ....
    متممة : متى يخرج المرء من الإيمان ؟
    ....قال الإمام أبو جعفر الطحاوي- رحمه الله تعالى: " قال أصحابنا : لا يخرج الرجل من الإيمان إلا (بـ) جحود ما أدخله فيه، ثم ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها؛ إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك .
    ....
    ....وتأويلاً لم تقدم : جاء في "الخلاصة" : "إذا كانفي المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتي أن يميل إلى هذا الوجه الذي يمنع التكفير، تحسيناً للظن بالمسلم([2])"
    ....
    ....وزاد في "البزازية" : " إلا إذا صرّح بإرادة الكفرفلا ينفعه التأويل حينئذ" راجع"حاشية رد المحتار"(3/339)
    ....
    ....وجاء في"البحر الرائق" : " ولا يكفر بالمحتمل؛ لأن الكفر نهاية العقوبة، فيستدعي نهاية في الجناية، والذي تحرر أنه لا يفتى بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، إذا كان في كفره اختلاف، ولو رواية ضعيفة""البحر الرائق(3/42"
    ....
    ....وقال ابن حجر الهيثمي– عفا الله تعالى عنه:"ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره، وغلبة عدم قصده - ثم قال رداً على بعض فقهاء المذهب الحنفي الذين صدرت منهم فتاوى متسرعة في التكفير-
    ....
    ....قال الزركشي من فقهاء الحنفية : "هؤلاء لا يجوز تقليدهم؛ لأنهم غير معروفين بالاجتهاد، ولم يخرجوها على أصل أبي حنيفة؛ لأنه خلاف عقيدته التي منها : " إن معنا أصلاً محققاً هو الإيمان، فلا نرفعه إلا بيقين "
    ....
    ....ثم قال ابن حجر- رحمه الله تعالى : فلينتبه لهذا، وليحذر ممن يبادر إلى التكفير...
    ....
    ....قال أبو زرعة- رحمه الله تعالى : فيمن قيل له اهجرني في الله .
    ....
    ....قال : " هجرتك لألف الله .
    ....
    ....قال : لا يكفر؛ إذا أراد لألف سبب، أو ألف هجرة لله""تحفة المحتاج"(2/84)
    ....
    ....قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى-في معرض كلامه على أهل البدع([3][3]) وغيرهم من أهل القبلة :"فهؤلاء فيهم إيمان وفيهم نفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة، فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثالهم من المنافقين، فلأن تجري على هؤلاء أولى وأولى" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(7/617)
    ....
    ....وقال العلامة الشوكاني- رحمه الله تعالى- بعد أن نقل الأحاديث الدالة على وعيد تكفير المسلم : " ففي هذه الأحاديث وما ورد في موردها أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير، وقد قال اللهعز وجل: " ... وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرا([4][4]ً) ..." سورة "النحل" الآية(106)
    ....
    ....فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه .
    ....
    ....فلا اعتبار بما يقع من طوارئ عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام .
    ....
    ....ولا اعتبار بصدور فعل كفري لا يريد به صاحبه الخروج من ملة الإسلام إلى ملة الكفر .
    ....
    ....ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر، ولا يعتقد معناه""السيل الجرار".
    ....
    ((( خطوط في قضية التكفير )))
    خط :
    في حدّ الكفر؛ ليكفر :
    ....
    ....الكفر لغة : الستر والتغطية .
    ....
    ....وفي الشرع : يجليه الإمام أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى- بقوله : " جحد الربوبية, وجحد نبوة نبي من الأنبياء صحت نبوته في القرآن, وجحد شئ مما أتى به رسول الله r, مما صح عند جاحده بنقل الكافة, أو عمل شئ قام البرهان بأن العمل به كفر" "الفصل في الملل..." (3/253)
    ....
    هذا ..
    ....والنصوص في الكتاب والسُنَّة جرت عَلَى إطلاق لفظ الكفر على خمسة معان، وقد ذكرها ابن الجوزي - يَرْحَمُه الله تعالى- في كتابه " نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" وبيانها :
    ....
    ....الأَوّل : ضد للتوحيد .
    ....
    .... الثاني : ضد النعمة، ويقال : كَفَرَ بالنعمة .
    ....
    ....الثالث : التبري .
    ....
    ....الرابع : الجحود .
    ....
    ....الخامس : التغطية " إهـ
    ....
    ....فإذا كان معنى وحقيقة الكفر ينقسم إلى تلك الأقسام المذكورة عاليه، وجب التؤدة في الحكم، والاستبصار لمعرفة انداراجه تحت أي هاتيك الأحكام .
    ....
    خط :
    في بيان أقسام الكفر
    ....
    لينقسم معها ظهر الجهل فيه، وتكفر عاطفته، وتشنق شهوته :
    ....
    ...." أولا :أقسامه باعتبار حكمه .
    ينقسم الكفر من حيث الحكم إلى : أكبر وأصغر .
    ....الكفر الأكبر هو : الكفر بالله تعالى : ذاتا وأوصافا وأفعالا . وحكمه : مخرج من الملة – وفق ضوابط تالية .
    ....والكفر الأصغر هو : كفر النعمة . وحكمه : غير مخرج من الملة .
    ....
    ....ثانيا : أقسامه من حيث اعتبار بواعثه وأسبابه :
    ذكر العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى- أن الكفر الأكبر خمسة أنواع :
    "كفر تكذيب, وكفر استكبار وإباء مع التصديق, وكفر إعراض, وكفر شك, وكفر نفاق" "مدارك السالكين..."(1/337)
    ....
    ....ثالثا : أقسام الكفر باعتبار ما يقوم به من أعضاء البدن، وينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي :
    1 ـ كفر قلبي : وهو الكفر الاعتقادي .
    2 ـ كفر قولي : وهو ما يجري على اللسان من الأقوال المكفرة على وجه الإختيار، ومنه ما هو أكبر وأصغر .
    3ـ كفر عملي : وهو ما يقوم بالجوارح من الأعمال التي جاء في النصوص وصفها بالكفر, ومنه ما هو مخرج من الملة, وغير مخرج من الملة .
    ....
    ....رابعا : أقسام الكفر باعتباره أصليا أم طارئا . وينقسم إلى قسمين :
    1 ـ كفر أصلي : وهو كفر من لم يدخل في دين الإسلام .
    2ـ كفر طارئ : وهو كفر الردة : وهو كفر من أنتسب إلى دين الإسلام ثم ارتد عنه .
    ....
    ....خامسا : ينقسم الكفر في إصطلاح العلماء من أهل السنة باعتبار إطلاقه وتنزيله على المعينين ـ إلى قسمين : مطلق, ومعين .
    ....
    ....القسم الأول : التكفير المطلق : وهو تعليق الكفر على وصف عام لا يختص بفرد معين ...
    ....
    ....القسم الثاني : تكفير المعين : وهو تنزيل الحكم على شخص معين . كأن يقال فلان كفر ويسمى .
    والدليل قوله تعالى : "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ" سورة "التحريم" الآية(10) .
    ....
    خط :
    شروط تكفير المعين وموانعه هي :
    ....
    1 ـ أن يكون المعين بالغا عاقلا ( أي : مكلفا ) .
    2 ـ أن يقع منه الكفر على وجه الإختيار ( أي : ليس مكرها، ولا ذاهلا : لشدة فرح، أو حزن، أو حميّة ) .
    3 ـ أن تبلغه الحجة التي يكفر بخلافها . ( أي : عالما به، فيخرج الجاهل والمخطئ )
    4 ـ أن لا يكون متأولا " بتصرف من كتاب "التكفير وضوابطه" للشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي – زاده الله تعالى توفيقا .
    _______ (الحاشية) _______
    ....
    ([1]) ويوصف أهل الإسلام، أهل القبلة أيضاً بـ : أنهم أهل الصلاة؛ ولذلك سمى بعض من ألف في الفرق، قال : ... ومقالات المصلين، يريد بذلك أهل الإسلام .
    ....
    ([2]) وكذلك لو حصل التردد أو الظن في تكفير شخص بعينه كان الواجب الكف عن التكفير؛ استصحاباً للأصل، وهذا قول فصل، وذا مع كونه يدور مع الأصل ( الدليل) هو– كما قدمت- طلباً لليقين وحبا لسلامة المسلمين وصيانة لهم .
    ....
    ....وهذا ـ مما لا شك فيه ـ هو المذهب الحق الذيلا يجوز غيره؛ لتضافر الأدلة واعتباراً للقاعدة الكلية في الباب؛
    .....
    ...ذلك أن الإسلام.الصريح لا ينقضه إلا الكفر البواح الصريح الذي لا يحتمل وجها آخر غير الكفر .
    ....كما في.الحديث الصحيح:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان".
    ....
    ....قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله تعالى : أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لايجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل""فتح الباري"(13/
    ....
    ....وفي المقصود بـ "بواحا" قال الخطابي- رحمه الله تعالى : معنى قوله بواحاً، يريد ظاهراً بادياً من باحبالشيء يبوح به بواحاً، إذا أذاعه وأظهره.
    ....
    ([3]) دفع شبهة : قولنا على الفرق المعاصرة إنها فرق نارية عملا بقول رسول الله – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "كلها في النار" لا يعني تكفيرا لها، فضلاً عن تكفير آحاد أفرادها، وفي ذلك :
    ....
    ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : " ومن قال أن الثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عَنْ الملة فقد خالف الكتاب والسُنَّة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
    ....
    ....بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم مِنْ كفر كل واحد مِنْ الثنتين والسبعين فرقة؛ وإنما يكفر بعضهم بعضا مِنْ تلك الفرق ببعض المقالات" "مجموع الفتاوى" (7/21
    ....
    ([4]) في قوله تعالى : "... وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ..." سورة "النحل" الآية (106)
    ....
    ....قال الحافظ - رحمه الله تعالى : " وهي حجة لعدم المؤاخذة لما وقع حالة الإكراه" "فتح الباري" كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم" باب "حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم" (12/281)

  • #2
    يتبع إن شاء الله تعالى

    تعليق


    • #3
      (((برّ الأبرار في اعتبار الأعذار، تأويلاً للأخبار)))
      @@@
      ....
      خط :
      أولا : ذكر النصوص الدالة على اعتبار العذر بالخطأ ونحوه .
      ....
      ....الخطأ : ضد الصواب . " لسان العرب" (4/132) ط. دار الثبات .
      ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : " المخطئ : من أراد الصواب فصار إلى غيره .
      ....ويفرّق بينه وبين الخاطئ بأن : الخاطئ من تعمد الخطأ، ومنه قوله تعالى: ]... إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً [سورة " الإسراء" الآية(31)
      ....
      ....وأما الخطأ المعفو عنه : فهو مثل قوله تعالى : ]... وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... [( الأحزاب : 5) انظر "فتح الباري" (5/160).
      ....
      ....وقد جاءت نصوص الشريعة بالوعيد لمن تعمد الخطأ دون من أراد الحق فأخطأه أو لم يتعمد الخطأ لكنه وقع فيه، فقد توعد الله قاتل النفس عمداً بغير حق بقوله تعالى : ] وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [سورة "النساء" الآية(93)
      ....
      ....فقيَّد تبارك وتعالى الوعيد على قاتل المؤمن بالتعمد، بينما غفر عز وجل الخطأ بقوله على لسان المؤمنين : ] ... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ... [سورة "البقرة" الآية(286)
      ....
      .... وقد ثبت في "الصحيح" أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء، فقال : " فقد فعلت". رواه الإمام مسلم ح (126).
      ....
      ....ومثله قول النبي r : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". رواه الأئمة : ابن ماجة ح (2043) وابن حبان ح (149 وصححه العلامة الألباني في "صحيح ابن ماجة" ح (1662).
      ....
      ....وفي تعريف الخطأ بل والنسيان وحكمهما :
      ....قال الحافظ ابن رجب- رحمه الله تعالى : " الخطأ : هو أن يقصد بفعله شيئاً، فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً . والنسيان : أن يكون ذاكراً الشيء فينساه عند الفعل .
      ....
      ....وكلاهما معفو عنه : يعني لا إثم فيه ...
      ....والأظهر - والله أعلم - أن الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما، بمعنى : رفع الإثم عنهما، لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما، فلا إثم عليهما ". "جامع العلوم والحكم" (375).
      ....
      ....والخطأ المعفو عنه على ضروب :
      فمنه ما هو متعلق بالألفاظ التي لم يقصد قائلها ما أدّت إليه من معان مستقبحة، تكفر صاحبها لو أرادها وقصدها
      ....وفي ذلك أمثلة أصّلت هذه القاعدة الشرعية، منه ما جاء في حديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله r : "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح" رواه الإمام مسلم ح (2747).
      ....
      ....قال القاضي عياض- رحمه الله تعالى : " فيه أنّ ما قاله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به .. ويدل على ذلك حكاية النبيّ r ذلك، ولو كان منكراً ما حكاه". "فتح الباري" (11/10 .
      ....
      ....وقال العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى : " وقد تقدَّم أن الذي قال لما وجد راحلته : اللهم أنت
      عبدي وأنا ربّك. أخطأ من شدّة الفرح([1]) لم يكفر بذلك، وإن أتى بصريح الكفر، لكونه لم يرده""أعلام الموقعين..." (3/63).
      ....
      ....وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى في سياق حديثه عن الذي أمر بحرق جسده بعد موته : " ولعلّ هذا الرجل قال ذلك منشدّة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال : " أنت عبدي وأنا ربّك ..."
      ....
      ....وأظهر الأقوال : أنّه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتّى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذّاهل والنّاسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه" "فتح الباري" (6/523)
      ....
      ....وكذا ..
      كانت اليهود تؤذي رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- بقولهم له : ( راعنا ) وقد قالها أصحاب النبي e من غير أن يقصدوا مقصد اليهود، فلم يكفروا لسلامة مقصدهم، وناداهم القرآن باسم الإيمان، فقال : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ سورة "البقرة" الآية(104) .
      ....
      ....قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى : " إن المسلم إذا عنى معنىً صحيحاً في حق الله تعالى، أو الرسول e، ولم يكن خبيراً بدلالة الألفاظ، فأطلق لفظاً يظنه دالاً على ذلك المعنى، وكان دالاً على غيره أنه لا يكفر، ومن كفَّر مثل هذا كان أحق بالكفر، فإنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد قال تعالى : ] لا تقولوا راعنا[سورة "البقرة" الآية(104) وهذه العبارة كانت مما يقصد به اليهود إيذاء النبي e والمسلمون لم يقصدوا ذلك، فنهاهم الله تعالى عنها، ولم يكفرهم بها ". "الرد على البكري" (2/659) .
      ....
      ....ويقول العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى : " ومن تدبر مصادر الشرع وموارده تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم" "أعلام الموقعين ..." (3/124) .
      ....
      ....قال الإمام أبو محمد ابن حزم - رحمه الله تعالى : " ليس كل ضلال كفراً، ولا فسقاً إلا إذا كان عمداً، وأما إذا كان من غير قصد فالإثم مرفوع فيه كسائر الخطأ " . "الإحكام" (2/652) .
      ....
      ....ومثل هذا السوء([2]) في القول يصدر يوم القيامة من آخر أهل الجنة دخولاً إليها، فيقول مخاطباً ربه جل وعلا : " أتسخر بي" أو "أتضحك بي وأنت الملك؟ قال : لقد رأيت رسول الله e ضحك حتى بدت نواجذه" رواه الإمام البخاري ح (6571) ومسلم ح (186) .
      ....
      ....وهذا القول مستقبح لا يخاطَب به الله العظيم، لكنه عفي عن قائله؛ لفرط ذهوله .
      ....
      ....ونقل الإمام النووي عن القاضي عياض- رحمهما الله تعالى- قوله في معنى الحديث :
      " هذا الكلام صدر من هذا الرّجل وهو غير ضابط لما قاله، لما ناله من السّرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشاً وفرحاً، فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدّنيا في مخاطبة المخلوق". "شرح النووي على صحيح مسلم" (3/40) .
      ....
      ....كما لم يكفر الذين خاضوا بالإفك، وآذوا النبي eلعدم قصدهم إيذاءه .
      ....ومثلهم : حال أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم الذين أطالوا الجلوس عنده e في يوم زواجه، فآذوه بذلك ]... إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... [سورة "الأحزاب" الآية(53) .
      ....
      ....يقول السبكي- رحمه الله تعالى : " لكن الأذى على قسمين أحدهما : يكون فاعله قاصداً لأذى النبي e ولاشك أن هذايقتضي القتل، وهذا كأذى عبد الله بن أُبي في قصة الإفك .
      ....والآخر : أن لا يكون فاعله قاصداً لأذى النبي e مثل كلام مسطح وحمنة – رضي الله تعالى عنهما- في الإفك، فهذا لا يقتضي قتلاً.
      ....
      ....ومن الدليل : على أن الأذى لا بدّ أن يكون مقصوداً قول الله تعالى : ]إنّ ذلكمكانيؤذي النّبيّ [سورة "الأحزاب" الآية( 53) فهذه الآية في ناس صالحين من الصحابة ( وكل الصحابة صالحين - رضي الله تعالى عنهم أجمعين) لم يقتض ذلك الأذى كفراً، وكل معصية ففعلها مؤذي، ومع ذلك فليس بكفر، فالتفصيل في الأذى الذي ذكرناه يتعين" "فتاوى السبكي" (2/591).
      ....
      ....وقياساً على هذه المسائل توقف العلماء في تكفير أصحاب صور من الكفر لعدم إرادتهم هذا الكفر
      ....
      ....مثال ذلك :
      يورده القاضي عياض- رحمه الله تعالى بقوله : " وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له : صل على النبي محمد r، فقال له الطالب : لا صلى الله على من صلى عليه .
      ....
      ....فقيل لسحنون : هل هو كمن شتم النبي r، أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟
      ....
      ....قال : لا ، إذا كان على ما وصفت من الغضب، لأنه لم يكن مضمراً الشتم .
      ....
      ....وقال أبو إسحاق البرقي وأصبغ بن الفرج- رحمه الله تعالى : " لا يقتل، لأنه إنما شتم الناس، وهذا نحو قول سحنون، لأنه لم يعذره بالغضب في شتم النبي e، ولكنه لما احتمل الكلام عنده، ولم تكن معه قرينة تدل على شتم النبي e، أو شتم الملائكة صلوات الله عليهم، ولا مقدمة يحمل عليها كلامه، بل القرينة تدل على أن مراده الناس غير هؤلاء، لأجل قول الآخر له : صل على النبي، فحُمِل قوله وسبه لمن يصلي عليه الآن لأجل أمر الآخر له بهذا عند غضبه ...
      ....
      ....وذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل". "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/235) .
      ....
      ....يقول العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى : " ما يظهر بأن المتكلم لم يرد معناه، وقد ينتهي هذا الظهور إلى حد اليقين بحيث لا يشك السامع فيه ... كالمكره والنائم والمجنون ومن اشتد به الغضب والسكران" "إعلام الموقعين" (3/10.
      ....
      ....ويقول وهو يعدد بعض ما عفا الله عنه في أمة الإسلام : " فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله، حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر .. وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يرده والتكلم في الإغلاق". "إعلام الموقعين ..." (3/105-106) .
      ....
      ....ونختم بتلخيص جامع لمذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة، لعالم عصره الشوكاني رحمه الله إذ يقول : " لابد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه""السيل الجرار"(4/57 والنقل عن “التكفير وضوابطه” ص(61-65)

      ....


      خط :


      ذكر النصوص الدالة على اعتبار العذر بالتأويل

      ....
      أولاً : أدلة العذر بالخطأ في التأويل :
      ....وقد يقع الواحد من المسلمين في الكفر لتأول خاطئ أو فهم مغلوط للنصوص، فيقع في الخطأ، وهو لا يقصده، وهذا في الحقيقة فرع عن العذر بالخطأ، لكنه لفرط أهميته وتميز بعض صوره عن الخطأ استحق أن يفرد بالذكر.
      ....
      ....والمخطئ في فهم النصوص المتأول لبعضها على معان خاطئة مجتهد أخطأ في فهم مراد الشارع، فإن كان تأوله مع بذله الجهد، واستفراغ الوسع، فهذا مجتهد أخطأ في اجتهاده، وهو موعود بالأجر على لسان رسول الله e حيث قال : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" رواه البخاري ح (7353)، ومسلم ح (1716).
      ....
      ....قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله تعالى : " ولا يؤاخذ بإعطاء الحقّ لغير مستحقه لأنّه لم يتعمّد ذلك، بل وزر المحكوم له قاصر عليه، ولا يخفى أنّ محلّ ذلك أن يبذل وسعه في الاجتهاد وهو من أهله، وإلا فقد يلحق به الوزر إن أخلّ بذلك ". "فتح الباري..." (13/320).
      ....
      ....وكل مجتهد يبغي الحق، قد يصيبه، وقد يخطئه، وفي هذا يقول ابن حزم – رحمه الله تعالى : " لم يأمر الله قط بإصابة الحق، لأنه تكليف ما ليس بوسعه". "الإحكام" (2/652)
      ....
      ....قال الخطيب البغدادي– رحمه الله تعالى : " فإن قيل : كيف يجوز أن يكون للمخطئ فيما أخطأ فيه أجر، وهو إلى أن يكون عليه في ذلك إثم لتوانيه وتفريطه في الاجتهاد حتى أخطأ ؟
      ....
      ....فالجواب : إن هذا غلط، لأن النبي e لم يجعل للمخطئ أجراً على خطئه، وإنما جعل له أجراً على اجتهاده، وعفا عن خطئه، لأنه لم يقصده ". " الفقيه والمتفقه" (1/191).
      ....
      ....وقال أبو حامد الغزالي– رحمه الله تعالى : " ولم يثبت لناأن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أنالعصمة مستفادة من قول : لا إله إلا اللهقطعاً، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع. وهذا القدر كاف في
      التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان". "الاقتصاد في الاعتقاد" (223-224) .
      ....
      ....ولسبب الخطأ في التأويل مع قصد الحق عذر المسلمون أصحاب النبي e الذين شاركوا في الفتنة، وترضوا عن سائرهم، ولم يوقعوا فيهم النصوص الذي ذمت قاتل النفس المؤمنة كقوله : “لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض”رواه الإمامان البخاري ح (4 ، ومسلم ح (64) .
      ....
      ....ولعل أهم أدلة عذر السلف لمن أخطأ في التأويلعذرهم قدامة بن مظعون وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم- حين شربوا الخمر مستحلين شربها، لغلطهم في فهم معنى قوله تعالى : ] لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ...[سورة"المائدة"الآية(93) واعتقاد جواز شرب الخمر كفر
      ....
      ....لكن بسبب التأول لم يكفرهم عمر رضي الله تعالى عنه ولا الصحابة، بل بيّنوا لهم معنى الآية، واستتابوهم من استحلالها، وعاقبوهم على شربها .
      ....
      ....يقول الإمام الطحاوي– رحمه الله تعالى : " اتفق الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك، فإن قدامة بن عبد الله شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة، وتأولوا قوله تعالى : ] لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ... [سورة "المائدة" الآية(93) .
      ....
      ....فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين- على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصرّوا على استحلالها قتلوا .
      ....
      ....وقال عمر لقدامة : "أخطأت إستك الحفرة، أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر".
      ....
      ....وبعد أن نقل الإمام الطحاوي– رحمه الله تعالى- اتفاق الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- على عذر هؤلاء المتأولين قال : "وهذا الذي اتفق عليه الصحابة – رضي الله تعالى عنهم- هو متفق عليه بين أئمة الإسلام" .
      ....
      ....كما أزال الإمام الطحاوي – رحمه الله تعالى- اللبس حين بيّن أن هذه الآية "نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرم الخمر، وكان تحريمها بعد وقعة أحد، قال بعض الصحابة : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟
      ....
      ....فأنزل الله هذه الآية، بيّن فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يحرم فيها، فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين ... ". "شرح العقيدة الطحاوية" (324) .
      ....
      ....ومثل هذا التأول الخاطئ : وقع فيه ابن عباس([3])– رضي الله تعالى عنهما- وأصحابه، فاستحلوا بيع الصاعين بالصاع، إذا كان يداً بيد، وتأولوا في ذلك، وبيانه في الخبر :
      ....
      ....أن أبا سعيد الخدري لقي ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم- فقال له : أرأيت قولك في الصرف، أشيئاً سمعته من رسول الله r أم شيئاً وجدته في كتاب الله عز وجل؟
      ....
      ....فقال ابن عباس : كلا، لا أقول، أما رسول الله r فأنتم أعلم به، وأما كتاب الله فلا أعلمه، ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله r قال : " ألا إنما الربا في النسيئة". رواه مسلم ح (1596)
      ....
      ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى عن الأكابر من الصحابة والتابعين الذين قالوا بهذا القول الخاطئ : "هم من صفوة الأمة علماً وعملاً، لا يحل لمسلم أن يعتقد أن أحداً منهم بعينه، أو من قلده بحيث يجوز تقليده، تبلغهم لعنة آكل الربا لأنهم فعلوا ذلك متأولين تأويلاً سائغاً في الجملة" "مجموع الفتاوى"(20/263)
      ....
      ....ثم ذكر رحمه الله مثالاً آخر لتأول بعض أهل المدينة، الذين أباحوا إتيان محاش النساء، مع ورود الوعيد الشديد في ذلك : "من أتى امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد". رواه الترمذي بلفظ مقارب ح(135)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح(116)
      ....
      ....ويعقب رحمه الله فيقول : " أفيستحل مسلم أن يقول : إن فلاناً وفلاناً كانا كافرين بما أنزل على محمد؟!" "مجموع الفتاوى" (20/264).
      ....
      ....كما ذكر رحمه الله أمثلة كثيرة للخطأ بالتأويل والعذر في ذلك، نكتفي منها بخبر استلحاق معاوية لزياد بن أبيه المولود على فراش الحارث بن كلدة، فقد ألحقه بأبي سفيان، لأنه كان يقول : إنه من نطفته .
      ....
      ....ورسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- قضى أن الولد للفراش، وتوعد من ادعى إلى غير أبيه باللعن والحرمان من الجنة، فقال: “من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام” رواه الإمامان البخاري ح(4327) ، ومسلم ح(63)
      ....
      ....قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : " نعلم أن من انتسب إلى غير الأب الذي هو صاحب الفراش فهو داخل في كلام الرسول e، مع أنه لا يجوز أن يعين أحد دون الصحابة، فضلاً عن الصحابة، فيقال : إن هذا الوعيد لاحق به، لإمكان أنه لم يبلغهم قضاء رسول الله e بأن الولد للفراش ...
      ....
      ....وهذا باب واسع، فإنه يدخل فيه جميع الأمور المحرمة بكتاب أو سنة إذا كان بعض الأمة لم يبلغهم أدلة التحريم فاستحلوها، أو عارض تلك الأدلة عندهم أدلة أخرى". "مجموع الفتاوى" (20/26.
      ....
      ومن أمثلة توقف السلف وامتناعهم عن تكفير المتأول توقف الصحابة في تكفير الخوارج
      ...."وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفّروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟
      ....
      ....فلا يحل لأحد من هذه طوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال ([4]) بحقائق ما يختلفون فيه". "مجموع الفتاوى" (3/282-283)
      ....
      ....يقول ابن الوزير– رحمه الله تعالى : " فإذا تورع الجمهور من تكفير من اقتضت النصوص كفره، فكيف لا يكون الورع أشد من تكفير من لم يرد في كفره نص واحد، فاعتبر تورع الجمهور هنا، وتعلم الورع منهم في ذلك". "إيثار الحق على الخلق" (38.
      ....
      ....ويستشهد العلامة ابن القيم– رحمه الله تعالى بقصة الرجل الذي أمر بإحراق نفسه على عذر الله للمتأول، فيقول : " وأما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً". "مدارج السالكين..." (1/338-339)
      ....
      ....يقول ابن الوزير– رحمه الله تعالى عن هذا الدليل : "وهذا أرجى حديث لأهل الخطأ في التأويل". "إيثار الحق على الخلق" (394).
      ....
      ....وهكذا فإن الخطأ الذي يسببه التأويل مما لا يكفَّر به المسلم، لأن الحكم بكفره مبني على الجزم بتعمده جحد ما جحد من الدين، وعدم خطئه، و
      ....
      ...." قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ، والظاهر أن أهل التأويل أخطؤوا، ولا سبيل إلى العلم
      بتعمدهم([5]) لأنه من علم الباطن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى". "إيثار الحق على الخلق" (393)
      ....
      ثانياً : أقوال العلماء في العذر بالتأويل
      ....ولما سبق فإن أهل العلم والبصيرة ما فتئوا يعذرون من وقع في بعض المكفرات وهو متأول، وأطبق على ذلك جمهورهم، ومنه :
      ....
      ....قول الشافعي– رحمه الله تعالى : "ذهب الناس في تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها، فتباينوا فيها تبايناً شديداً، واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته، وكان ذلك منهم متقادماً، منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم، فلم نعلم أحداً من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله، ورآه استحل فيه ما حرم عليه ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول" "الأم" (6/205)
      ....
      ....ويقول شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى : " فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلاً، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطناً وظاهراً الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله، فهذا مغفور له خطأُه". "مجموع الفتاوى" (3/317).
      ....
      ....ومثل هذا المجتهد لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد قيام الحجة الرسالية، فإن أصرّ بعد بيانها فهو معاند كافر، وأما قبل ذلك : فلا .
      ....
      ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد r وقصد الحق، فأخطأ : لم يكفر، بل يغفر له خطؤه. ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين : فهو كافر .
      ....ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم : فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته، فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص" "مجموع الفتاوى"(12/180
      ....
      ....ولما عدّد شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى- الأعذار التي تمنع إطلاق الكفر على من وقع في المكفرات، فذكر بينها الشبهة، وهي صورة قريبة من التأويل، إذ بسبب الشبهة التي تنقدح في ذهنه يصرف المسلم النصوص عن معانيها الصحيحة إلى معانٍ غير مرادة شرعاً :
      ....
      ...." الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطؤه كائناً ما كان سواء كان في المسائل النظرية [العقدية] أو العملية [الفقهية] هذا الذي عليه أصحاب النبي r وجماهير أئمة الإسلام". "مجموع الفتاوى" (23/346).
      ....
      ....قال مرعي الكرمي المقدسي– رحمه الله تعالى : " ولا نكفر أحداً من أهل الفرق بما ذهب إليه واعتقده، خصوصاً مع قيام الشبهة والدليل عنده" "أقاويل الثقات"(1/69) ...
      ....
      ....وقال ابن العربي– رحمه الله تعالى : "الجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً، فإنّه يعذر بالجهل والخطأ حتى تتبيّن له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً قطعيّاً يعرفه كلّ المسلمين من غير نظرٍ وتأمّلٍ.. ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع ". "محاسن التأويل" (5/219-220).
      ....
      ومثَّل بعض أهل العلم بأمثال للمكفرات التي يعذر صاحبها بالتأويل، ومنه :
      ....قول الإمام أبو محمد ابن حزم– رحمه الله تعالى : " وكذلك من قال : إن ربه جسم من الأجسام، فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور لا شيء عليه، ويجب تعليمه، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن، فخالف ما فيهما عناداً، فهو كافر، يحكم عليه بحكم المرتد .
      ....
      ....وأما من قال : إن الله عز وجل هو فلان، لإنسان بعينه، أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد r نبياً غير عيسى ابن مريم، فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم عليه الحجة ". الفصل (3/ 293).
      ....
      والحجة التي يتحدث عنها العلماء ليست دعوى يدعي إقامتها كل أحد، بل هي منوطة بالعلماء، كما
      ....قال الحافظ العراقي– رحمه الله تعالى- تعليقاً على تكفير من غلط في حديث، فبُين له فلم يرجع، فقال :
      " قيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون الذي بيَّن له غلطه عالماً عند المبيَن له، أما إذا لم يكن عنده بهذه المثابة فلا حرج إذاً".
      ....
      ....وأضاف الشيخ أحمد شاكر– رحمه الله تعالى : " وهذا القيد صحيح، لأن الراوي لا يُلزم بالرجوع عن روايته إن لم يثق بأن من زعم أنه أخطأ فيها أعرف منه بهذه الرواية التي يخطِّئه فيها، وهذا واضح". انظر تحقيق أحمد شاكر لـ "لباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" (103).
      ....
      ....وقال ابن سحمان– رحمه الله تعالى : "الذي يظهر لي - والله أعلم - أنها لا تقوم الحجة إلا بمنيحسن إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكرهالعلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة""منهاج الحق والاتباع (6" .
      ....
      كما يجدر التنبيه هنا إلى أن قيام الحجة أمر نسبي، يختلف باختلاف فهوم الناس .
      ....قال العلامة ابن القيم– رحمه الله تعالى : " إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له" "طريق الهجرتين" (414).
      ....
      ....وقد عذر العلماء أتباع الفرق المنحرفة بسبب التأويل الخاطئ، فلم يكفروهم، وإن ضللوهم وخطؤوهم، لكن لا سبيل إلى تكفير المتأول المخطئ، الذي قصد الحق فأخطأه لشبهة أو دليل معارض، وهذا هو مذهب أئمة الإسلام وفحول العلم .
      ....
      ....ويقول شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى- في سياق عرضه لما حكاه البعض عن الإمام أحمد من تكفيره أهل البدع : " وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام، بل لا يختلف قوله : أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل، ولا يكفر من يفضل علياً على عثمان، بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم .
      ....
      ....وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول r ظاهرة بينة، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة.
      ....
      ....لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه .
      ....
      ....ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية : إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك، يمتحنونهم، ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم .. ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم" "مجموع الفتاوى" (23/348-349).
      ....
      ....وإذا تبين براءة السلف من تكفير المخالفين( من أهل القبلة دون مراعاة للضوابط العلمية ) فيحسن العلم أن هذا المذهب في تكفير المخالف من أقوال أهل البدع ومنهجهم، وتابعهم فيه من أخطأ من أهل السنة والحق .
      ....
      ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقاً، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية، وهذا القول أيضاً يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وليس فيهم من كفر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك" "منهاج السنة" (5/240).
      ....
      ....يقول محمد صديق خان- رحمه الله تعالى- متحسراً على تكفير بعض الفقهاء للمتأولين : "وأما قول بعض أهل العلم : إن المتأول كالمرتد، فههنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر، لا بسنة ولا قرآن، ولا ببيان من الله ولا برهان" "الروضة الندية …"(2/623)
      ....
      ....فالتأويل– كما رأيتَ – عذر ما زال العلماء يلوذون به من رمي مخالفيهم بالكفر والضلال، فلا كفر قبل قيام الحجة وزوال الشبهة، فهذا مذهب أهل السنة والحق في الاعتذار لمخالفيهم، بينما يهدر هذا العذر الأغرار ممن فاتهم لبوس العلم ومعارف العلماء، ومثله حال المبتدعة الذين مازال ديدنهم تكفير مخالفيهم مع غير إعذار ولا روية.
      ....
      ثالثاً : التأويل الذي لا عذر فيه
      ....وإذا كان التأويل عذراً يمنع من تكفير المتأول، فإنه لا يصلح جُنة وملاذاً يلوذ به كل متلاعب بالدين يبطن الكفر ويتقي بالتأويل .
      ....
      ....وقد بيّن العلماء نماذج من التأويل الذي لا عذر لمن ادعاه، لأنه لا وجه له ولا احتمال، فتعلق أهل البدع فيه، لكنه في حقيقته تكذيب، إذ ليس مرده شبهة عارضة أو سوء فهم، بل هو من باب المغالطة والجحود.
      ....
      ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى: " ولا بد من التنبيه لقاعدة أخرى، وهي أن المخالف قد يخالف نصاً متواتراً ويزعم أنه مؤول، ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلاً عن اللسان، لا على قرب، ولا على بعد، فذلك كفر، وصاحبه مكذب وإن كان يزعم أنه مؤول .
      ....
      ....مثاله : ما رأيته في كلام بعض الباطنية، أن الله تعالى واحد، بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم ويخلقه لغيره، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، فأما أن يكون في نفسه واحداً أو موجوداً وعالماً بمعنى اتصافه به فلا .
      ....
      ....وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوحدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً، ولو كان خالق الوحدة يسمى واحداً لخلقِه الوحدة لسمي ثلاثاً أو أربعاً، لأنه خلق الأعداد أيضاً، فأمثلة هذه المقالات تكذيبات، وإن عبر عنها بالتأويلات" "بغية المرتاد" (1/346) .
      ....
      ....قال ابن الوزير– رحمه الله تعالى –عن متعمدي تكذيب الأنبياء : " لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله، كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى، بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار" "إيثار الحق على الخلق" (376).
      ....
      ....ومثله فإن أصول الإسلام التي لا تخفى، والتي يعرفها المسلم بداهة، فإن جحدها كفر، لا يدفعه ادعاء التأول .
      ....
      ....قال الإمام الشافعي– رحمه الله تعالى: " العلم علمان : علم عامة لا يسع العاجز مغلوب على عقله جهله... مثل أن الصلوات خمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يفعلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عنه مما حرم عليهم منه، وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله عز وجل وموجود عاماً عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله r ولا ينازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم، هذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل، ولا يجوز فيه التنازع" "الرسالة" (356-357).
      ....
      ....ويبين الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- ضابطاً آخر للتأويل غير السائغ، وهو خروجه عن طريقة العرب وأساليبها في الكلام، يقول رحمه الله عن التأويل السائغ :
      ....
      ...." قال العلماء : كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم، إذا كان تأويله سائغاً في لسان العرب، وكان له وجه في العلم" "فتح الباري" (12/ 304).
      ....
      ومن التأويل المردود مخالفة قطعي الدلالة الذي لا يختلف المسلمون في تأويله :
      ....يقول أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى : " وأما من خالف الإسلام إلى دين آخر، وأقر بنبوة أحد بعد رسول الله، فإن كان بعد رسول الله ممن بلغته النذارة فهو كافر، لا يعذر بتأويل أصلاً، لأن النص ورد بأن من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وبأنه لا نبي بعد محمد r " "الدرة فما يجب اعتقاده" (414-415) "التكفير وضوابطه”(369).
      ....
      ....وهكذا فالتأويل عذر ما دام القول فيه منضبطاً بقواعد الشريعة ملازماً لفهوم العرب في دلالات الألفاظ والتراكيب وهو بذلك ليس جُنة للمتلاعبين لألفاظ النصوص، المعطلين لها، والجاحدين لما شرعه الله فيها، المستترين من إعمالها والإذعان لها بالتأويل الفاسد، الذي هو في حقيقته الجحود والتعطيل .
      ....
      ______ ( الحاشية ) ______
      ....
      ([1]) أقول : وهذا الأثر وسلفه في اعتبار مانع الذهول، والذهول فرع الخطأ، وكونه مانع من إلحاق الكفر بصاحبه: قولاً أو فعلا، فلينتبه .
      ....
      ([2]) أي : الكفر في القول : إذ الكفر غاية الإساءة، وأشد المعاصي .
      ....
      ([3]) فإذا وقع هذا من أتقى وأعلم الناس، الذين سبق لهم من ربهم الرضى، ناهيك عن وقوعه من الحبر البحر، وشاهده عاليه، بل ومن أعلم الأمة بالحلال والحرام، فكيف بعصرنا ومصرنا، الذي ضعف فيه العلم فالدين، والله تعالى العاصم وهو سبحانه الهادي
      ....
      ([4]) أقول : ما شاء الله .. ما شاء الله، انظر كلام السلف كم عليه من أنوار الهداية وآيات التسديد وبراهين التوفيق، نعم .. في قوله – رحمه الله تعالى- حق ورحمة .
      ....أما الحق : فوصفه لحالهم .
      ....وأما الرحمة : فالإيماءة لضرورة عذرهم لجهلهم .
      ....وفي زماننا يُنصح القطبيُ التكفيريُ فيصرخ أنه ليس بتكفيري، بل وأنه ردّ على "التكفير والهجرة" وما علم المسيكين أن التكفير دركات، هدى الله الجميع .
      ....
      ([5]) أقول : نعم .. لا سبيل إلى معرفة تعمدهم إلا بسؤالهم، الأمر الموجب إلى استصحاب : ما هذا ؟ لم هذا ؟ كيف هذا ؟ ما وراء هذا ؟ قبل استصدار الأحكام .

      تعليق


      • #4
        يتبع إن شاء الله تعالى

        تعليق


        • #5
          خط:
          ذكر النصوص الدالة على اعتبار العذر بالإكراه :
          ....
          ....الإكراه : هو إلزام الغير بما لا يريد، وعدم اعتباره مظهر من مظاهر رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم – وما أكثرها- حيث لم يكلفهم بما يشق عليهم، وسيأتي .
          ....
          أجل ..
          ....من الموانع التي تمنع تكفير المسلم إذا ارتكب مكفراً الإكراه : إذ قد يكره المسلم على أمر هو من الكفر، لكن لا مخرج منه، فهذا مما يعذر الله به عباده، فإن التكاليف الشرعية منوطة بالاستطاعة، والإكراه أمر خارج عنها، لذا فإن الله لم يكلف به عباده رحمة منه وفضلاً .
          ....
          ....ودليل هذه المسألة مقرر في قول الله تعالى : ] من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [ سورة "النحل" الآية(106) .
          ....
          ....قال الجصاص- رحمه الله تعالى : " قال أبو بكر : هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه" "أحكام القرآن" (5/13).
          ....
          ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : " وأمّا من أكره على ذلك فهو معذور بالآية([1]) لأنّ الاستثناء من الإثبات نفي، فيقتضي أن لا يدخل الذي أكره على الكفر تحت الوعيد.." "فتح الباري" (2/312).
          ....
          ....ومن أدلة قاعدة العذر بالإكراه أيضاً قوله تعالى : ] لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير [سورة "آل
          عمران " الآية (2.
          ....
          ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : "ومعنى الآية : لا يتّخذ المؤمن الكافر وليّاً في الباطن ولا في الظّاهر إلّا للتّقيّة في الظّاهر، فيجوز أن يواليه إذا خافه، ويعاديه باطناً..." "فتح الباري" (2/313).
          ....
          ....كما عذر الله في التخلف عن الهجرة المستضعفين المكرهين على البقاء في مكة، واستثناهم من أليم عذابه وشديد وعيده، حين قال متوعداً المتخلفين في مكة : ] َأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً [سورة "النساء" الآيتان(97-9 .
          ....
          ....قال الإمام البخاري– رحمه الله تعالى : " فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا ممتنعاً من فعل ما أمر به""الجامع لأحكام القرآن" (10/182).
          ....
          ....وجاء في الحديث المشهور المروي عن النبي r أنه قال : "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"رواه ابن ماجة ح(2043)وابن حبان ح(149وصححه العلامة الألباني في"صحيح ابن ماجة" ح(1662)
          ....
          ....قال القاضي أبو بكر ابن العربي- رحمه الله تعالى : " والخبر وإن لم يصح سنده، فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء " "أحكام القرآن" (3/13.
          ....
          ....وقال الشاطبي- رحمه الله تعالى في معنى الحديث : "هو معنى متفق عليه في الجملة، لا خلاف فيه" "الموافقات" (3/263).
          ....
          ....وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى عن هذا الحديث : " وهو حديث جليل, قال بعض العلماء : ينبغي أن
          يعدّ نصف الإسلام, لأنّ الفعل إمّا عن قصد واختيار أو لا, الثّاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه، فهذا القسم معفوّ عنه باتّفاق" "فتح الباري" (5/161) .
          ....
          أقوال أهل العلم في حدّ وتحديد الإكراه وشرطه
          ....واختلف أهل العلم في تحديد معنى الإكراه، كما اختلفوا في مقدار ما يباح للمسلم حال الإكراه .
          ....
          ....وفي تعريف الإكراه : يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى : " هو إلزام الغير بما لا يريده " "فتح الباري" (12/311).
          ....
          ....ويزيد الإمام ابن حزم- رحمه الله تعالى- التعريف شرحاً وبياناً، فيقول : " والإكراه هو كل ما سمي في اللغة إكراهاً، وعرف بالحس أنه إكراه، كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه إنفاذ ما توعد به، والوعيد بالضرب كذلك، أو الوعيد بالسجن كذلك، أو الوعيد بإفساد المال كذلك، أو الوعيد في مسلم غيره بقتل أو ضرب أو سجن أو إفساد مال " "المحلى" (8/330) .
          ....
          ....وقال القرطبي- رحمه الله تعالى : " وقال النخعي : القيد إكراه، والسجن إكراه، وهذا قول مالك، إلا أنه قال : والوعيد المخوف إكراه، وإن لم يقع، إذا تحقق ظلم المعتدي وإنفاذه لما يتوعد به ...
          ....
          ....وتناقض الكوفيون، فلم يجعلوا السجن والقيد إكراهاً على شرب الخمر وأكل الميتة، لأنه يخاف منهما التلف، وجعلوهما إكراهاً في إقراره : لفلان عندي ألف درهم .
          ....
          ....قال ابن سحنون– رحمه الله تعالى : " وفي إجماعهم على أن الألم والوجع الشديد إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون تلف نفس، وذهب مالك إلى أن من أكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب أنه يحلف ولا حنث عليه، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور " "الجامع لأحكام القرآن" (10/190) .
          ....
          ....واعتبار السجن والتعذيب والقيد من صور الإكراه منقول عن الصحابةرضي الله عنهم، فقد "أخرج عبد بن حميد بسندٍ صحيح عن عمر رضي الله عنهم قال : " ليس الرّجل بأمينٍ على نفسه إذا سجن أو أوثق أو عذّب"
          ....
          ....ومن طريق شريح نحوه وزيادة، ولفظه : " أربع كلهنّ كره : السّجن والضّرب والوعيد والقيد "
          ....
          ....وعن ابن مسعود رضي الله عنهم قال : "ما كلام يدرأ عنّي سوطين إلا كنت متكلماً به" وهو قول الجمهور" "فتح الباري"(12/314)
          ....
          ....وعلى الرغم من اعتبار العلماء لهذه الصور المختلفة إكراهاً، فإنهم لم يجيزوا التلفظ بكلمة الكفر في كل من هذه الصور، إذ لا يكفي أن يوضع القيد في معصم مسلم ليتقيه بالكفر، بل الإكراه أمر نسبي، يختلف باختلاف المكره عليه([2]) .
          ....
          ....يقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد، ولا يكون الكلام إكراهاً .
          ....
          ....وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها، فلها أن ترجع بناء على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها في الهبة.. ومثل هذا لا يكون إكراهاً على الكفر، فإن الأسير إذا خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر" "الفتاوى الكبرى" (4/567-56.
          ....
          ....قال ابن العربي- رحمه الله تعالى : "والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به، فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر""أحكام القرآن" (5/13).
          ....
          ....ونقل ابن بطّال- رحمه الله تعالى- الإجماع على جواز التقية من القتل بالكفر، فقال : " أجمعوا على أنّ من أكره على الكفر حتّى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئنّ بالإيمان أنّه لا يحكم عليه بالكفر ولا تبين منه زوجته.." "فتح الباري" (2/313) .
          ....
          ولئن اتفق العلماء على جواز التقية في الأقوال، فإنهم اختلفوا في جوازها في الأفعال، والراجح :
          ....أن الإكراه يبيح تقية القول والفعل على السواء، إلا في قتل النفس المعصومة، فإنه لا يجوز قتلها تقية بالإجماع
          ....
          ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : " ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور, ويستثنى من الفعل ما هو محرّم على التّأبيد كقتل النّفس بغير حقّ... فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي : انعقد الإجماع على أنّ المكره على القتل مأمور باجتناب القتل والدّفع عن نفسه، وأنّه يأثم إن قتل من أكره على قتله , وذلك يدلّ أنّه مكلََّف حالة الإكراه ""فتح الباري" (12/312) .
          ....
          ....ويوافق الإمام ابن حزم- رحمه الله تعالى- على اعتبار إتيان بعض الأفعال حال الإكراه مستوجباً العذر، لكنه يضيف أن ثمة " ما لا تبيحه الضرورة كالقتل والجراح والضرب وإفساد المال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان، لأنه أتى محرماً عليه إتيانه" "المحلى" (8/330).
          ....
          ....ويردّ العلامة الشوكاني- رحمه الله تعالى- على من منع تقية الفعل([3]) متعلقاً بسبب ورود قوله تعالى: ] إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [سورة "النحل" الآية(106) فإنها نزلت في عمار، وقد أباح له الرسول e القول، فقالوا التقية تكون بالقول لا الفعل، لكن الشوكاني يرده، ويرى أنه قول مردود : " يدفعه ظاهر الآية، فإنّها عامّة فيمن أكره من غير فرق بينالقول والفعل،ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ، كما تقرّر في علم الأصول" "فتح القدير" (3/197).
          ....
          وبعد هذا كله لن يفوتنا التذكير
          ....بأن الصبر على البلاء والامتناع عن هذه الرخصة من عزم الأمور وفضائل العبادات، وزهوق نفس المؤمن وفوات مصالحه الدنيوية في هذا السبيل تجعله في مصاف سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، فقد قال e : "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله" رواه الحاكم في "مستدركه" ح(4884) والمنذري في "الترغيب والترهيب" ح(3483) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ح(374)
          ....
          ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : " قال ابن بطال : " أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة([4])" "فتح الباري" (12/317).
          ....
          ....وأما قوله e لعمار بن ياسر – رضي الله تعالى عنهما : “إن عادوا فعد” رواه الحاكم في "مستدركه" ح(3362)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/20 قال الحافظ ابن حجر: "ورجاله ثقات مع إرساله، وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضاً" فتح الباري (12/312).
          ....
          ....فهو رخصة و "هو على وجه الإباحة، لا على وجهة الإيجاب، ولا على الندب" "أحكام القرآن" (5/13).
          ....
          ....وهكذا فإن إعذار المكره وترك عقوبته صورة من صور رحمة الله تعالى وأثر من آثار فضله وعدله، فإنه تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يؤاخذ واحداً بكسب غيره وعدم اختياره، فهذا مما تجاوز الله عنه لأمة محمد r تكرماً منه وفضلاً" “التكفير وضوابطه” ص (66-77) ص(83 )
          ....
          ....أقوال أهل العلم في الشروط المعتبرة في اعتبار وصف الإكراه المبيح للتلفظ بالكفر فما دونه :
          أشترط أهل العلم شروطا قاضية باعتبار الإكراه، ومن ثم رفع الإثم عن المكرَه، وهي :
          ....أ- أن يكون التهديد بما يؤذي عادة .
          ....ب- أن يكون التهديد بالقتل، أو القطع، أو الحبس، أو الضرب المبرح، على تفاصيل في الآخرين
          ....ج- أن يكون المكرِِه قادراً على تحقيق وعيده .
          ....د - أن يكون المكرََه عاجزاً عن الذب عن نفسه بالدفع – بمراتبه- أو التورية، أو الاستغاثة -الشرعية لا الشركية، حي سامع قادر- أو التحايل، أو الهرب، ونحو ذلك .
          ....هـ - أن يغلب على ظن المكرَه وقوع الوعيد .
          فإذا اجتمعت هذه الشروط كان الإكراه معتبراً شرعاً، وجرت أحكامه، والله تعالى العاصم، وهو سبحانه المسلِّم .
          ....
          لا تقية لقدوة :
          ....وبعد هذا كله لن يفوتنا التذكير بأن الصبر على البلاء، والامتناع عن هذه الرخصة من عزم الأمور، وفضائل العبادات، وزهوق نفس المؤمن وفوات مصالحه الدنيوية في هذا السبيل تجعله في مصاف سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه فقد قال e : "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله" رواه الحاكم في مستدركه ح(4884) والمنذري في "الترغيب والترهيب" ح(3483)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح(374) .
          ....
          ....قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى : " قال ابن بطال : أجمعوا على أن من أكره على الكفر، واختار القتل، أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة" "فتح الباري"(12/317) مختصرا من “التكفير وضوابطه” ص(66-77) ص(83)
          ....
          ....قلت : فإذا كان هذا لآحاد الرعية، فكيف برؤوس الناس ؟! مع اعتبار المسألة والمآل .
          ....
          خط:
          ذكر بعض النصوص الدالة على اعتبار العذر بالجهل :
          ....
          ....وروى الإمام البخاري (6/494) كتاب أحاديث الأنبياء"والإمام مسلم (17/70) كتاب التوبة "باب سعة رحمة الله" عن حذيفة – رضي الله تعإلى عنه – قال : سمعت رسول الله e يقوم : "أن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله : إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيراً وأوقدوا فيه نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحونها ثم انظروا يوما راحا فذروة في اليم، ففعلوا، فقال له : لما فعلت ذلك ؟ قال : من خشيتك . فغفر الله له " وتحته :
          ....
          ....قال الإمام أبو محمد ابن حزم– رحمه الله تعالى : " فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله" "الفصل ... "(3/205)
          ....
          ....وفي تعليقه على هذا الحديث قال شيح الإسلام– رحمه الله تعالى : " وكنت دائما أذكر هذا الحديث .. فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك" "مجموع الفتاوى" (11/409)
          ....
          ....وقال عنه في موضع آخر : " فهذا الرجل ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان، وأن تفرقت : كفر . لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلا بذلك، ضالا في هذا الظن مخطئا، فغفر الله له ذلك .
          ....
          ....والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك، وأدني هذا أن يكون شاكاً في المعاد، وذلك كفر، إذا قامت حجة النبوة على منكره، حكم بكفره " "مجموع الفتاوى" (11/409)
          ....
          ....وفيه أيضاً قال خطيب أهل السنة أبو محمد أبن قتيبة– رحمة الله تعالى: " وهذا رجل مؤمن بالله مقرّ به خائف... إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بينته وبمخافته من عذابه، وجهله بهذه الصفة من صفاته " "تأويل مختلف الحديث" (136)
          ....
          ....وقال العلامة الوادعي – رحمه الله تعالى : " فهذا دليل على أن الشخص يعذر بجهله" " فضائح ونصائح"ص(185)
          ....
          ....ثم قال شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى : " ومن تتبع الأحاديث الصحيحة وجد فيها من هذا الجنس ما يوافقه ، كما روى مسلم في "صحيحه" عن عائشة- رضي الله تعالى عنها – قالت : ألا أحدثكم عني وعن رسول الله e قلنا لي وذكرت قصة استغفار النبي e لأهل البقيع... قالت : قلت : مهما يكتم الناس يعلمه الله . قال : نعم ! ...
          ....
          ....فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- هل يعلم الله كل ما يكتم ؟ فقال لها النبي e : نعم . وهذا يدل عل أنها لم تكن تعلم, ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شئ يكتمه الناس، كافرة . وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان" "مجموع الفتاوى " (11/412-413)
          ....
          ....وفي حديث أبي واقد الليثي، الحارث بن عوف – رضي الله تعالى عنه – قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله تعالى –في "شرح كتاب التوحيد"ص (152) : " فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسنا ، وطلبوه من النبي e حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل " اجعل لنا إلها " فكيف بغيرهم مع غلبة الجهل " انظر "سعة رحمة رب العالمين... " للغباشي ص (51)
          ....
          ....وعن عبد الله بي أبي أوفي قال : لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي e .. " رواه ابن ماجة وابن حبان وحسنه العلامة الألباني في الإرواء (7/56)
          ....
          .... وقال العلامة الشوكاني– رحمة الله تعالى : " من سجد جاهلا لغير الله لا يكفر " " نيل الأوطار" (6/210)
          ....
          ....وفي هذا يقول شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى - مفتيا في تقبيل بعض الناس الأرض، ورفع الرأس، ونحو ذلك مما في السجود، مما يفعل قدام الشيوخ والملوك، وبعد ذكره لحديث معاذ – رضي الله تعالى عنه –السابق قال :
          ....
          ...." لا يجوز ... وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهم ضال مفتر بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصرّ على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل ..." انظر تفاصيل الفتوي في "مجموع فتاوي شيخ الإسلام" (1/372)
          ....
          ....وعن أم المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها – أن رسول الله e بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً، فلاجه رجل في صدقته ( أي : تمادي معه في الخصومة ) فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي e فقالوا : القود ... فخطب النبي e فقال : إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا، فرضوا . أرضيتم؟ قالوا : لا !!! فهمّ المهاجرون بهم . فأمر النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أن يكفوا، فكفوا. ثم دعاهم فزادهم، وقال أرضيتم ؟ قالوا : نعم "
          ....
          وفي هذا :
          ....قال الإمام أبو محمد بن حزم – رحمه الله تعالى - "وفي هذا الخبر عذر الجاهل، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافرا، لأن هؤلاء الليثيين كذّبوا النبي e وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف ؛ لكنهم بجهلهم وأعرابيتهم عذروا بالجهالة فلم يكفروا " " المحلي" (10/410-411) .
          ....
          ....وقال العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى : " وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل" "طريق الهجرتين" (384)
          ....
          خط :
          التكفير حكم شرعي يفتقر إلى التدليل وضوابط التنزيل :
          ....
          ....أقول : باب التكفير باب متين، لا يقتحمه التمني، ولا يخرمه التشهي، ولا تجرحه العواطف، ولا تكْلمه سقطة، بل هو باب توقيفي، أي : مرجعه الوحي، التعويل فيه على النقل، مردّه السمع .
          ....
          إن إطلاق قول التكفير على المرء قبل بيان الحجة وقيام المحجة ليس بشيء .
          ....يقول شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى : " وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون، وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا حينئذ، ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك، كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل". "مجموع الفتاوى" (7/110).
          ....
          ....وقال – رحمه الله تعالى : " المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه » "مجموع الفتاوى" (35/165-166).
          ....
          ومن أظهر ضوابط التنزيل : مراعاة التفريق بين الحكم المطلق وأنزاله على معين :
          ....يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى:" ومسألة تكفير المعين، مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون يكون القول به كفراً، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر، ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك، لا يجكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها" "الدرر السنية"(8/244)
          ....
          ....ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله تعالى:"ثم هنا شيئان :
          ....أحدهما: الحكم على هذا الشيء أنه كفر .
          ....والثاني : الحكم على الشخص بعينه شيء آخر" "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم"(12/191)
          ....
          ....وقال العلامة الألباني- رحمه الله تعالى "لا نكفر إنساناً ولو قع في الكفر، إلا بعد إقامة الحجة" "الطريق للجماعة الأم" لعثمان بن عبد السلام نوح.....
          ....
          ....وقال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله تعالى:"وبهذا يعلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفراً أو فسقاً ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافراً؛ أو فاسقاً؛ إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق، أو وجود مانع شرعي يمنع منه""القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى"(92)
          ....
          ....وفي الأخير يقول شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى: "وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات، يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه .
          ....
          ....كما في الحديث : "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا عمرة إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبير يقولون : أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال : تنجيهم من النار”مجموع فتاوى شيخ الإسلام(35/165) والحديث قال عنه الحافظ في"الفتح"(13/16) إسناده: قوي. وانظره في"السلسة الصحيحة"برقم (87)
          ....
          خط :
          التكفير حكم شرعي لذا لا بد مع توفر دليله ( المتابعة ) توفر شطره المتمم.أعني : الإخلاص
          ....
          أجل ..
          ....التكفير حكم شرعي لذا لا بد مع توفر دليله ( الاتباع )مع حسن القصد ( الإخلاص )
          ....
          ....والأصل : حديث الصحيح " إنما الأعمال بالنيات" على تنوع ألفاظه، وتفرع قواعده .
          ....
          ....والقاعدة المستمرة المستقاة من قوله –صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم : "إنما الدين النصح" "صحيح الجامع... "برقم(2324) بل النصح- وهو إرادة الخير للمنصوح له، والخير كل الخير في الاتباع- دين – خلق- الأنبياء، بالغوا فيه حال البلاغ([5]) كفرع عن بصيرة، بل البصيرة، كما
          ....
          ....ومِمَّا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مع حسن القصد من موافقة السنَّة : قصة الصحابي الذي ذبح أُضحيته قبل صلاة العيد، وقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " شاتُك شاةُ لحم " رواه الإمام البخاري (955) والإمام مسلم (1961)
          ....
          ....وتحتها قال الحافظ – رحمه الله تعالى- في شرح الحديث : " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : وفيه أنَّ العملَ وإن وافق نية حسنة لَم يصح إلاَّ إذا وقع على وفق الشرع" "فتح الباري..." (10/17).
          ....
          ....وما تقدم ينافي الحكم بالهوى والعاطفة، أو الانتقام والتشفي، أو تكفير من يكفرك، كما يستوجب أيضاً الاستبيان فالبيان قبل إطلاق الأحكام، وتكرار نصح الأنام .
          ....
          خط :
          وكذلك : لما كان التكفير حكم شرعي يفتقر إلى التدليل، اعتبر فيه قول أهله :
          ....
          ....باب التكفير باب توقيفي لا توفيقي كما تقدم، التعويل فيه على النقل، لأجل ذلك يقوم به أهله، وفي ذلك :
          ....
          ....قال العلامة شمس الدين ابن القيم- رحمه الله تعالى : " من أفتى الناس، وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاصٍ، و من أقرّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضاً ...
          ....
          ....ثمّ نقل عن أبي الفرج ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - قوله " ... إذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة و لم يتفقه في الدين! " "إعلام الموقّعين..." (4/17)
          ....
          ....قلت : فكيف إذا تعلق الأمر بباب الردة، وهو باب عظيم، ذو أثر جسيم، وسيأتي
          ....
          ______ ( الحاشية ) ______
          ....
          ([1]) وقد تقدم معنا قوله - رحمه الله تعالى - في الآية : " وهي حجة لعدم المؤاخذة لما وقع حالة الإكراه" "فتح الباري" كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم" باب "حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم" (12/281)
          ....
          ([2]) قلت : ولو اعتبر كذلك حال المكرَه نفسه، لكان حسنا، وهو ما اعتبره شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى- في موضع آخر، بقوله " لا تقية لقدوة " وسيأتي .
          ....
          ([3]) وهو قول مروي عن الحسن البصري رحمه الله وهو قول الشافعي والأوزاعي وسحنون. "الجامع لأحكام القرآن"(10/182)
          ....
          ([4]) وقول ابن بطال –رحمه الله تعالى- ذكره الحافظ – رحمه الله تعالى- في كتاب "الإكراه" تحت باب"من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر مستدلاً له بحديث : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ..."
          ....
          ....قال تحته الحافظ – رحمه الله تعالى : " أن بلالاً كان ممن اختار الضرب والهوان على التلفظ بالكفر، وكذلك خباب ... وأن والدي عمار ماتا تحت العذاب " "فتح الباري" كتاب"الإكراه" باب" من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر"(12/330-331)
          ....
          ([5]) ذكر تعالى عن نوح – عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام – أنه قال : "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" سورة "الأعراف" الآية(62) وكان يكفيه البلاغ، ولكنها شريعة الاصطفاء، خلق الكمل، رحمة الرحيم، وشفقة العليم، وكذا أزواجه من بعده .
          ....
          ....إذ قال نبي الله هود – عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام : " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" سورة "الأعراف" الآية(6
          ....
          ....وهذا نبي الله صالح – عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام : " فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ" سورة "الأعراف" الآية(79)
          .....
          ...وهذا نبي الله شعيب – عليه وعلى نبينا وإخوانهما الصلاة والسلام : " فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ" سورة "الأعراف" الآية(93)
          .....
          ...وكذلك في شريعتنا الكاملة الناسخة قام النصح مقام العمد منها، ففي الصحيح من حديث تميم الداري – رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله– صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم: " الدين النصيحة..." الحديث في حصر وقصر دال على عظيم مكانة، وبالغ أثر

          تعليق


          • #6
            يتبع إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #7
              خط :
              لا تكفير بقول: قيل . ولا فعل: فعل. وإن عظم؛ إلا بعد استبيان :
              ....
              ....اعتبر ذلك بما كان من الصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة- رضي الله تعالى عنه-وحديثه في"الصحيحين " ثم قال مستنبطاً :" والشاهد من القصة : أن هذا العمل في ظاهره كفر؛ لأنه مظاهرة للمشركين ضد المسلمين، وأما بعد الاستبيان ومعرفة القصد تبيّن أن نية الفاعل كانت لأجل غرض دنيوي وليس بقصد الردة عن الإسلام، فصارت كبيرة من الكبائر، غفرها الله تعالى له بسبب حسنة كبيرة فعلها من قبل .
              ....
              وفي هذا دليل على أن الأعمال التي ظاهرها السوء! لا يحكم على صاحبها حتى يناقش ويعرف مراده
              ....
              ....وأيضاً: ما رواه الأئمة : عبد الرزاق في" مصنفه "وأبو داود في"سننه" والبيهقي وأحمد - رحمهم الله تعالى-عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً، فلاجه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم-وقالوا : القود يا رسول الله .
              فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " لكم كذا وكذا"فلم يرضوا، قال : "فلكم كذا" فرضوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم"
              قالوا : نعم .
              فخطب، فقال : " إن هؤلاء الليثيين أتوني يريد القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟
              قالوا : لا .
              فهمّ المهاجرون بهم، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يكفوا، فكفوا، ثم دعاهم، فزادهم .
              فقال : أرضيتم ؟
              قالوا : نعم ."

              قال الإمام ابن حزم- رحمه الله تعالى: " وفي هذا الخبر: عذر الجاهل، وأنه لا يخرج من لإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافراً؛ لأن هؤلاء الليثيين كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم -وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف..." "المحلى (ج14/10)

              ....وأيضاً : قصة العسيف، وهي في"الصحيحين"وفيها، قال الرجل : يا رسول الله إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم .

              فقال رسول الله : " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم ردّ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم ..."الحديث.

              قلت : فهذا رجل حكم بغير حكم الله وهو يعلم، ولكنه فعل ذلك إشفاقاً على ابنه، ولم يقصد الكفر بشرع الله، فحكم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -على الزنا بما يستحقون، ولم يعامل ذلك الرجل بأحكام الكفار .

              ....وأيضاً : حادثة حواري رسول الله، المبشر، الزبير- رضي الله تعالى عنه -وخصومته مع رجل من الأنصار وهي في"صحيح الإمام البخاري" وفيها : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -للزبير"اسق أرضك يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك"
              فقال الأنصاري : أن كان ابن عمتك يا رسول الله"
              وفي رواية : " أراك تحابي ابن عمتك .
              فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال للزبير "اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر"
              وفيهم أنزل الله-عز وجل" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ..." الآيةسورة "النساء" الآية(65)

              قال ابن العربي- رحمه الله تعالى : " كل من اتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم، فهو كافر، لكن الأنصاري زلّ زلة فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-وأقال عثرته؛ لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم.

              ....وقال القرطبي- رحمه الله تعالى: وهو الصحيح " "تفسير القرطبي"(5/267)([1])

              وأضيف تأكيداً لم تقدم وتوكيداً :
              ....( صورة ) وفي"الصحيحين"من حديث أنس- رضي الله تعالى عنه : "أن ابنة النضر أخت الرّبيّع([2]) لطمت جارية، فكسرت سنها، فاختصموا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأمر بالقصاص .
              فقالت أم الرّبيّع يا رسول الله! أتقتص من فلانة، لا والله لا يقتص منها .
              فقال النبي- صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله، يا أم الرّبيّع! كتاب الله القصاص .
              فقالت : لا والله ، لا يقتص منها أبداً .
              فعفا القوم، وقبلوا الدية .
              فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" "صحيح الإمام البخاري" باب الصلح في الدية(5/224) و"صحيح الإمام مسلم"في القسامة "باب إثبات القصاص في الأسنان"برقم(1675) وانظر"زاد المعاد"(5/19)

              قلت :
              وكلما ذكر هذا الحديث أعجب، كيف أن الصحابية العظيمة- رضي الله تعالى عنها- بحضرة النبي الأعظم- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- وهو بنفسه الشريفة الذي يقضي، بل واستدل لقوله- وقوله- صلى الله تعالى عليه وسلم-حجة في ذاته- بكلام الله- تعالى- ومع ذا، كان ما كان، فاجتمعت الشروط وانتفت الموانع في حق الحادثة، غير أن الذي لا ينطق عن الهوى لم يحكم بردتها بل أعقبها مع ذا ثناءًا .

              وفي هذا دلالة واضحة بل صارخة على أن الشارع لا يتشوف إلى تكفير الناس، ولا يعجل عجلة النسناس-أشباه الناس، كما قال حبر الأمة رضي الله تعالى عنه .

              كما ألمع إلى ذلك العلامة ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع "القواعد المثلى ..." حيث قال : "...الإنسان بشر، وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق لمناظرات دون التفكير في لوازمهم، ونحو ذلك"أهـ "القواعد المثلى..." ص(12-13)

              ( صورة ) وعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رجلاً جاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال له : " ما شاء الله وشئت" فقال- صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله نداً، ما شاء الله وحده" رواه ابن ماجة برقم(2117) والإمام البخاري في"الأدب المفرد"(783) والإمام أحمد(1/214) وحسنه العلامة الألباني كما في"السلسلة الصحيحة" برقم(139)

              إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل إدخال الكافر في الإسلام بداية، بمجرد النطق بالشهادتين، فقد روى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى- عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لرجل :" أسلم"فقال الرجل : إني أجدني كارهاً . قال : "وإن كنت كارهاً"انظره في "السلسلة الصحيحة"(3/439) برقم(1454)


              قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى : "هذا حديث ثلاثي صحيح، ولكن النبي - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- لم يكرهه على الإسلام بل دعاه إليه فأخبره أن نفسه غير قابلة له، بل هي كارهة، فقال له :" وإن كنت كارهاً" فإن الله سيرزقك النية والإخلاص"انتهى"تفسير ابن كثير"(1/465)

              قلت:
              وفي هذا دليل على أن النبي - صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم-لم يكن حريصاً على جمع الأدلة التي تخرج الناس من الإسلام، بل كان يداري الناس للدخول في الإسلام، ويقبل ظواهرهم، ويكل سرائرهم إلى الله، وإن بدت منهم أفعال وأقوال تناقض الإسلام .

              خط :
              لأن يخطئ المجتهد في العفو، أرجى وأسلم من الخطأ في العقوبة :

              وفي سياق الكلام عن العفو، مما له تعلق بما نحن بصدده هنا :

              ....قال ابن الوزير– رحمه الله تعالى : " أن في الحكم بتكفير المختلف في كفرهم مفسدة بينة تخالف الاحتياط ...أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبةنعوذ بالله من الخطأ في الجميع، ونسأله الإصابة والسلامة والتوفيق والهداية"."إيثار الحق على الخلق" (405)

              ويدعو العلامة الشوكاني– رحمه الله تعالى- إلى تلمس المعاذير للمسلمين والإحجام قبل المسارعة إلى تكفيرهم معللا : "فحينئذ تنجو من معرَّة الخطر، وتسلم من الوقوع في المحنة، فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه، ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولا عائدة، فكيف إذا كان يخشى على نفسه إذا أخطأ أن يكون في عداد من سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كافراً، فهذا يقود إليه العقل فضلاً عن الشرع .

              فحتمٌ على كل مسلم أن لا يطلق كلمة الكفر إلا على من شرح بالكفر صدرا ([3]ً)ويقصر ما ورد مما تقدم على موارده، وهذا الحق ليس به خفاء، فدعني من بُنيات الطريق
              يأبى الفتى إلا اتباع الهوى *** ومنهج الحق له واضح"
              "السيل الجرار" (4/578-579)

              ويقول الزركشي– رحمه الله تعالى : " فلينتبه لهذا، وليحذر ممن يبادر إلى التكفير... "" تحفة المحتاج..."(9/8

              ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب– رحمه الله تعالى : "وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه، واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام، أو إدخاله فيه من أعظم أمور الدين"."الدرر السنية"(8/217)

              خط :
              "يجب ترك اجتهادك؛ لاجتهاده"
              قعّد أهل العلم قاعدة هامة يجب مراعاتها عموما، ومن باب أولى في بابنا خصوصاً :
              نصّوا على أنه "يجب ترك اجتهادك؛ لاجتهاده "

              والمعنى : "يجب ترك اجتهادك" أي : أيا مجتهد . " لاجتهاده" أي : اجتهاد السلطان سواء كان بنفسه أو من أنابه؛ والعلة اجتماع الكلمة، وإغلاق باب الفرقة والاختلاف، وإيصاد باب الهوى، لا سيما في التكفير .

              ومستندهم في ذلك :
              حادثة مانعي الزكاة، وفيها : " قال القاضي عياض – رحمه الله تعالى : " يستفاد من هذه القصة أن الحاكم إذا أداه اجتهاده في أمر لا نصّ فيه إلى شيء تجب طاعته فيه، ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه..."

              وعلّل ذلك : "بأن عمر أطاع أبا بكر فيما رأى في حق مانعي الزكاة مع اعتقاده خلافه، ثم عمل في خلافته بما أداه إليه اجتهاده، ووافقه أهل عصره من الصحابة وغيرهم" "فتح الباري" كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم والمعاندين وقتالهم" باب"قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة"(12/292-293)

              خط :
              الأصل في التكفير العمل باليقين و استصحاب الأصل .

              قال الحافظ ابن حجر– رحمه الله تعالى: " أي في أمر سرائرهم... وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر.. ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد"."فتح الباري"(1/77) "قواعد التكفير"ص(41-42)

              وتقدم معنا قول أبي حامد الغزالي– رحمه الله تعالى : "ولم يثبت لنا([4])أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أنالعصمة مستفادة من قول: لا إله إلا اللهقطعاً، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع. وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان". "الاقتصاد في الاعتقاد"(223-224)

              خط :
              المعول عليه في نزاعنا مع إخواننا : هو حكم الدنيا، لا الآخرة .

              في حادثة مانعي الزكاة : قال الخطابي – رحمه الله تعالى- في الحديث : " أن من جهر بالإسلام أجريت عليه أحكامه الظاهرة، ولو أسرّ الكفر في نفس الأمر" "فتح الباري" كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم والمعاندين وقتالهم" باب"قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة"(12/293)

              "وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر، والله يتولى السرائر" "فتح الباري" كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم" باب"حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم"(12/285)

              وقال الحافظ الفقيه ابن رجب– رحمه الله تعالى: " وأما في الآخرة فحسابه على اللهعز وجل،فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار" "جامع العلوم والحكم" (8

              وفي "شرح الطحاوية" : "... لكن هذا التوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا، لمنع بدعته، وأن نستتيبه، فإن تاب وإلا قتلناه .

              ثم إذا كان القول في نفسه كفراً قيل : إنه كفر، والقائل له يكفر بشروط وانتفاء موانع"إهـ "شرح العقيدة الطحاوية ص(357-35 نقلاً عن "العذر بالجهل عقيدة السلف" لشريف هزاع ص(130) .

              خط :
              لو شهد الناس على كفره وأنكر هو؛ فالقول قوله :

              وليعلم بأن الشارع حرص أشد الحرص على بقاء المسلم يرفل في رياض الإسلام، ويفرح ويمرح في دوحة الإيمان " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"سورة"يونس"الآية(5

              ومن استقرأ النصوص وقف، ولعل من الدلالة على ذلك، ما جاء في أبواب الردة من أنه :

              "إذا شهد الشهود على ردّته، وأنكر هو، فالقول قوله .
              نص على ذلك شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى - وعزاه لأبي حنيفة والشافعي وأحمد" "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم ص(185) والنقل عن حاشية"أحاديث في ذم الكلام"ص(81)
              خط :

              وفي المقابل : لو أنكر إسلامه، فالمعتبر الإسلام :

              يستتاب، وإلا فالردة وتوابعها، في دلالة على اعتبار الإسلام، والحرص على سلامة الناس ونجاتهم .
              ....
              قال البهوتي– رحمه الله تعالى :" وإن أتى الكافر بالشهادتين، ثم قال لم أرد الإسلام، صار مرتدا، ويجبرعلى الإسلام نصاً؛ لأنه قد حكم بإسلامه، فلم يقبل رجوعه، كما لو طالتمدته".اهـ "كشاف القناع"

              خط :
              اعتبار المقاصد في الأحكام عموما، وباب التكفير خصوصاً .

              قال العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى-تقريراً لذلك : " وهذا الذي قلناه من اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ، وأنها لا تلزم بها أحكامها حتى يكون المتكلم بها قاصداً لها مريداً لموجباتها، كما أنه لا بد أن يكون قاصداً للتكلم باللفظ مريداً له، فلا بد من إرادتين :

              إرادة التكلم باللفظ اختياراً.

              وإرادة موجبة ومقتضاه .

              بل إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ ([5]) فإنه المقصود واللفظ وسيلة، هو قول أئمة الفتوى من علماء المسلمين وكذلك لو نطق بكلمة الكفر ما لم يعلم معناها، لم يكفر .
              ....
              وفي مصنف وكيع- رحمه الله تعالى- أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قضى في امرأة قالت لزوجها : سمني فسماها الطيبة .
              فقالت له : لا .
              فقال لها : ما تريدين أن أسميك ؟
              قالت : سمني خلية طالق .
              فقال لها : أنت خلية طالق .
              فأتت عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنها- فقالت : إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة .
              فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها : خذ بيدها، وأوجع رأسها .

              وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان، وإن تلفظ بصريح الطلاق .
              ....
              وقد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته : "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح، ولم يكفر بذلك، وإن أتى بصريح الكفر؛ لكونه لم يرده، والمكره على الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر بذلك لعدم إرادته""إعلام الموقعين" (3/53-54) ط . دار الحديث
              ....
              خط :
              التفريق بين الحكم النظري والتطبيق العملي :
              ....
              وقد سبق تضمينا، ورأيت هنا إن أفراده تخصيصاً، وما ذاك إلا لأهميته من جهة، وتلبية لحاجة الوقت إليه من جهة أخرى .
              ....
              قال شيخ الإسلام بن تيمية- رحمه الله تعالى : "... من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع .
              ....
              [SIZE=4]يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة ـ الذين أطلقوا هذه العمومات ـ لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ‏.‏ [/SIZE[SIZE=4]....فإن الإمام أحمد ـ مثلا ـ قد باشر ‏[ ‏الجهمية‏ ]‏ الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين ؤمنات ـ الذين لم يوافقوهم علي التجهم ـ بالضرب والحبس والقتل والعزل على الولايات، وقطع الأرزاق، ورد الشهادة، وترك تخليصهم من أيدي العدو، بحيث كان كثير من أولى الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم، يكفرون كل من لم يكن جهميًا موافقًا لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن، يحكمون فيه بحكمهم في الكافر، فلا يولونه ولاية، ولا يفتكونه من عدو، ولا يعطونه شيئًا من بيت المال، ولا يقبلون له شهادة، ولا فتيا ولا رواية‏؛ ويمتحنون النا عند الولاية والشهادة، والافتكاك من الأسر وغير ذلك؛‏ فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان، ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان ومن كان داعيًا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه أو حبسوه ‏.‏ [/SIZ....
              ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب‏؛ ز....
              ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر .
              ....
              ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع""مجموع الفتاوى" (3/127) .
              ....
              ....ولقد طبق شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى-هذا المسلك مع الذين عارضوا كلام الله تعالى وتنقصوه سبحانه، فكان يقول:" ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم : أنا لو وافقتكم كنت كافراً؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(23/326)
              ....
              ....وكذلك كان الشافعي- رحمه الله تعالى-لما قال لحفص الفرد حين قال : "القرآن مخلوق، كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك؛ لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد؛ لسعى في قتله" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام("(23/34 باختصار
              ....
              قال الربيع– رحمه الله تعالى : " سمعت الشافعي وسئل عن القرآن؟ فقال : أفٍّ أُفٍّ، القرآن كلام الله، من قال : مخلوق، فقد كفر" "سير أعلام النبلاء" (10/1
              ....
              وفي الحاشية : وعلّق البيهقي على الخبر، فقال : " وكل من لم يقل من أصحابنا بتكفير أهل الأهواء من أهل القبلة، فإنه يحمل قول السلف – رضي الله تعالى عنهم- في تكفيرهم على : كفر دون كفر، وهو المروي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما-في تفسير الآية(44) من سورة المائدة أي : كفر عملي لا يخرج من الملة" "معرفة السنن والآثار" (1/114)
              ....
              ....ومن ذلك : ماقاله إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق ابن خزيمة– رحمه الله تعالى : " من لم يقرّ بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته، فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئا .
              ....
              ....قلت– الحافظ الذهبي- من أقرّ بذلك تصديقاً لكتاب الله، ولأحاديث رسول الله – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- وآمن به مفوضاً معناه ( أي: الكيفية ([6]) ) إلى الله ورسوله، ولا يخض في التأويل ولا عمق، فهو المسلم المتبع .
              ....
              ومن أنكر ذلك، فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر، والله يعفو عنه، إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك .
              ....
              ومن أنكر ذلك بعد العلم، وقفا غير سبيل السلف الصالح، وتمعقل على النص، فأمره إلى الله، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى .
              ....
              وكلام ابن خزيمة هذا– وإن كان حقا- فهو فج، لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء" "سير أعلام النبلاء" (14/373-374)
              ....
              خط :
              لا تكفير إلا بعد قيام الحجة وبيان المحجة :
              ....
              قول الله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "سورة "الإسراء" الآية(15) وتحت هذه الآية جاءت أقوالهم ناطقة - بل صارخة- قاطعة بعموم العذر، وهاكموها :
              ....
              ....قال الإمام أبو محمد ابن حزم– رحمه الله تعالى : " فنص تعالى على أن النذارة لا تلزم إلا من بلغته، لا من لم تبلغه، وأنه تعالى لا يعذب أحد حتى يأتيه رسول من عند الله عز وجل، فصحّ بذلك أنه من لم يبلغه الإسلام أصلا فأنه لا عذاب عليه .
              ....
              وهكذا جاء النص عن رسول الله e أنه يؤتي يوم القيامة بالشيخ الخرف والأصمّ ومن كان في الفترة والمجنون فيقول المجنون "يا رب أتاني الإسلام وأنا لا أعقل، ويقول : الخرف والأصم والذي في الفترة أشياء ذكرها، فيوقد لهم نار، ويقال لهم : أدخلوها، فمن دخلها وجدها بردا وسلاما" انظر السلسلة الصحيحة للعلامة الألباني برقم (1434)
              ....
              وكذلك من لم يبلغه الباب من واجبات الذين فأنه معذور لا ملامة عليه""الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4/105) و"الاحكام في أصول الأحكام " له (895 )
              ....
              ....وقال أيضا– رحمه الله تعالى :" فصحّ أنه لا عذاب على كافر أصلا حتى تبلغه نذارة الرسول e "
              ....
              ....وقال الحافظ أبن كثير– رحمه الله تعالى : " إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسل إليه " "تفسير القرآن العظيم "(3/2
              ....
              ....وقال العلامة الآلوسي- رحمه الله تعالى :" حتى نبعث إليه رسولا يهدي إلى الحق ويردع عن الضلال، ويقيم الحجج ، ويمهد الشرائع ""روح المعاني"(15/33"
              ....
              ....وقال العلامة الشنقيطي– رحمه الله تعالى –في "أضواء البيان" (3/439)" إن الله عز وجل لا يعذب أحداً من خلقه لا في الدنيا ولا في الآخرة حتى يبعث إليهم رسولا ينذر ويحذر .
              _____ ( الحاشية ) _____
              ....
              ([1]) انظر- رحمنا الله وإياك وسائر إخواننا المسلمين- كيف احتوت هذه الأحرف على عدم الرضى بحكم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والانقياد لقوله، مع الإقرار ثم الإنكار، وما شاب ذلك من تكذيب، ومع ذا فقد روعي حال أصحابها-رضي الله تعالى عنهم-ولم تقم ساحاتهم على قدم وساق ولم يمتطوا شهوات نفوسهم، ويركبوا رؤوسهم، ولم تنشب بينهم حروب التكفير ولم يتراموا الطعون، ويتبارزوا بالظنون، ولم ترفع ألوية الباطل تحت شعارات ظاهرها فيها-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الغيرة الإيماني، كلمة حق-الرحمة وباطنها من قبلهم العذاب-تكفير فتكتل"تحزب"فخروج فتفجير، وما يصاحب ذلك من اضطراب الأمن وهتك الأعراض وزيادة الأمراض والفقر، ثم استغفار وندم-كما هو حال بعض إخواننا أبناء أيامنا هداهم الله تعالى .
              ....
              ([2]) قال الإمام النووي– رحمه الله تعالى : " قال العلماء المعروف رواية البخاري، ويحتمل أن يكونا قصتين .
              .... قلت : وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان وقعتا بامرأة واحدة، إحداهما أنها جرح إنسانا، فقضى عليها بالضمان، والأخرى: أنها كسرت ثنية جارية فقضى عليها بالقصاص، وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية .
              ....وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين : ظاهر الخبرين يدلّ على أنهما قصتان ...
              ....قلت: في القصتين مغايرات" .
              ....قال الحافظ : وقد ذكر جماعة أنهما قصتان والمذكور هنا طرف من حديث أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : " أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنساناً فاختصموا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-
              ....فقال : القصاص القصاص .
              ....فقالت أم الربيع : يا رسول الله! أيقتص من فلانة ؟ والله لا يقتص منها .
              ....فقال : سبحان الله يا أم الربيع! القصاص كتاب الله، فما زالت حتى قبلوا الدية .
              ....فقال : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" .
              ....قلت : فتأمل هذا التكرار وتدبر هذا الإلحاح مع القسم وتفكر في قوله : "فما زالت" وهذا بعد بيان النبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- وهو المؤيد المعصوم ولي الأمر الأكبر، بل واستل لحكمه بحكم ربه من فوق سبع سماوات، ينبيك على مراعاة الحال والاستفصال قبل استصدار كل الأحكام فكيف بأعظمها : التكفير؟!!
              ....
              ([3]) ومغاليق الصدور لا يطلع عليها إلا الغفور- سبحانه ، ومن ادعى اقتحام هذا الباب، أو حكم دون النظر فيه، هلك هلاكاً بعيدا .
              ....
              ([4]) يقال للكاتب : انظر إلى الأدب، مع سعة علم الرجل وتبحره في العلوم، الصالحة منها والطالحة، قال محترزاً ( لم يثبت لنا ) فسلم، هذا هو الخلق الذي دندنا حوله مراراً .
              ....
              ([5]) وفي الباب، ما ذكره السيوطي - رحمه الله تعالى- عن تاج الدين السبكي في "الترشيح" حيث قال : " كنت يوماً في دهليز دارنا في جماعة، فمر بنا كلب يقطر ماء، يكاد يمس ثيابنا، فنهرته، وقلت: يا كلب يا ابن الكلب .
              ....وإذا بالشيخ الإمام – يعني : والده الشيخ تقي الدين السبكي – يسمعنا من داخل، فلما خرج ، قال : لم شتمته ؟
              .... فقلت : ما قلت إلا حقاً، أليس هو كلب ابن كلب ؟
              .... فقال : هو كذلك ، إلا أنك أخرجت الكلام مخرج الشتم والإهانة ، ولا ينبغي ذلك .
              ....فقلت : هذه فائدة " "تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغبياء"للسيوطي ص(5 ط . دار الصفا- الأولى 1423هـ
              ....
              ([6]) وإنما ذكرت ذلك لأمرين :
              .... الأول : مؤرخ الإسلام من أئمة أهل الاتباع ولطالما عالج مثل هذا الطرح على طريقة السلف الصالح، بل
              ....والثاني : قوله بعدها : " فليعذر من تأول الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا ( أي: آمنوا باللفظ وكفوا عن الكيفية ) وفوضوا ( أي : كيفية لا معنى ) علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده- مع صحي إيمانه، وتوخيه لأتباع الحق- أهدرناه وبدّعناه؛ لقلّ من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه" "سير أعلام النبلاء" (376)
              E]
              سوالم]

              تعليق


              • #8
                يتبع إن شاء الله تعالى

                تعليق


                • #9
                  وفي "الصحيحين" من حديث ابن مسعود– رضي الله عنه – قال : قال رسول الله e " لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

                  ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه .

                  ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه" صحيحا الإمامين : البخاري (13/33 كتاب "التوحيد" ومسلم " (10/132) كتاب "اللعان"

                  وفي "الصحيحين" أيضاً عن أسامة بن زيد– رضي الله تعالى عنه – قال : بعثنا رسول الله e في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله، فطعنته .
                  قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح .
                  قال : أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟!! فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"

                  ....وتحته : قال الحافظ– رحمه الله تعالى–قال ابن التين : في هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة حتى لا يقوم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد وتواتر عن رسول الله e أنه قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى"صحيح الإمام البخاري " (7/517) كتاب المغازي و "صحيح الإمام مسلم " (2/99) كتاب الإيمان .

                  أقوال السلف تدور في فلك ما قد سلف :
                  ....قال شيخ الإسلام- رحمه الله تعالى :"وهذا أصل لا بد من إثباته وهو أنه قد دلّت النصوص على أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه رسولا تقوم به الحجة عليه""الجواب الصريح..." (1/309)

                  ....وقال الإمام الشاطبي– رحمه الله تعالى "جرت سنته سبحانه في خلقه، أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل, فإذا قامت الحجة عليهم "فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ" سورة "الكهف" الآية(29) ولكل جزاء مثله " "الموافقات" (3/377)

                  ....قال مؤرخ الإسلام الحافظ شمس الدين الذهبي– رحمه الله تعالى : " رأيت للأشعري كلمة أعجبيني، وهي ثابتة، رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول : لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في دار ببغداد، دعاني، فاتيته .

                  فقال : اشهد علي أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة؛ لان الكلّ يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات "

                  ....قلت– الحافظ الذهبي – وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيمية – رحمه الله – في أواخر أيامه، يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة " " سير أعلام النبلاء " (15/8

                  ....وقال شيخ الاسلام– رحمه الله تعالى :" الكتاب والسنة قد دلّا على أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة لم يعذب رأساً، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسإلية " "مجموع الفتاوى" (12/493) ، (17/30

                  هذا ..
                  وقد بوّب الإمام البخاري – رحمة الله تعالى –في "جامعه الصحيح" كتاب استنابة المرتدين والمعاندين وقتالهم(12/269) " باب قال فيه باب قتل الخوارج والملحدينبعد إقامة الحجة عليهم، وقول الله تعالى "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ..." سورة "التوبة" الآية(115)" ومن المعلوم عند أهل العلم أن تراجم البخاري دالة على عظيم فقهه، وهو كذلك.

                  ....قال البدر العيني– رحمه الله تعالى : أشار – البخاري – بهذه الآية الكريمة إلى أن قتال الخوارج والملحدين لا يجب إلا بعد إقامة الحجة عليهم " "عمدة القاري" (19/369) .

                  ....وقال العلامة الألباني – رحمه الله تعالى : "... أنت – أي : يا عبد الله عزام – من أعرف الناس بذلك، لأنك تتابع جلساتي، لا نكفر إنسانا ولوقع في الكفر إلا بعد إقامة الحجة" انظر "الطريق للجماعة الأم" لعثمان بن عبد السلام نوح.

                  ....وقال العلامة الوادعي– رحمه الله تعالى: " فالأدلة متكاثرة على العذر بالجهل من الكتاب والسنة" "فضائل نصائح " ص (186)

                  ....نقل الإجماع : بعد أن سقنا طرفاً من أدلة الكتاب والسنة على أن الجاهل غير مؤاخذ بجهله في أصول العقائد أو في الفروع في عصر العلم أو غيره، في دار الإسلام فضلا عن غيرها، حتى تقام عليه الحجة التي يكفر مخالفتها

                  ....وفي ذكر الإجماع على ذلك يقول الإمام أبو محمد ابن حزم– رحمه الله تعالى : "وبرهان ضروري لا خلاف فيه، وهو : أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم، وهو أن كل من بدل آيه القرآن عامدا ([1]) وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك، أو أسقط كلمة عمداً كذلك، أو زاد فيه كلمة عامداً فإنه يكفر بإجماع الأمة كلها .

                  ثم أن المرء يخطئ في التلاوة، فيزيد كلمة وينقص أخرى، ويبدّل كلامه جاهلا مقدراً أنه مصيب، ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ولا يكون بذلك عند أحد من الأئمة كافراً ولا فاسقا ولا آثماً .

                  فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القرّاء من تقوم به الحجة بخبره؛ فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة، وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة " "الفصل ..." (3/253)

                  هذا..
                  ....وقد قال شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى: " أهل الحديث وجمهور الفقهاء من : المالكية والشافعية والحنبلية وعامة الصوفية وطوائف من أهل الكلام من متكلمي السنة وغير متكلمي السنة من المعتزله وغيرهم متفوقون علي أن من لم يؤمن بعد قيام الحجة بالرسالة فهو كافر" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (20/86).

                  وفي منع الزكاة، ونحوها : قال الحافظ – رحمه الله تعالى : "واستقر الإجماع عليه في حق من جحد شيئاً من الفرائض بشبهة، يطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة، فإن رجع؛ وإلا عومل معاملة الكافر حينئذ([2])" "فتح الباري" كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم والمعاندين وقتالهم" باب"قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة"(12/292)

                  قال شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى" وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط؛ حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنهم بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة
                  الشبهة " "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(12/466)

                  ....قال الإمام الشاطبي- رحمه الله تعالى : "جرت سنته سبحانه في خلقه، أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ولكل جزاء مثله""الموافقات" (3/377)

                  وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى: " وهذا أصل لابد من إثباته وهو أنه قد دلت النصوص على أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه رسولاً تقوم به الحجة عليه " "الجواب الصريح"(1/309)"

                  وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى:" والذي ينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلا " "فتح الباري" (12/300)
                  ....
                  ....ونتحف القارئ بهذا الأثر أيضاً :روى أبو يعلى والطبراني في"الكبير" أن رجلاً سأل جابراً : هل كنتم تدعون أحداً من أهل القبلة مشركاً؟ قال: معاذ الله، ففزع لذلك. قال: هل كنتم تدعون أحداً منهم كافراً؟ قال: لا " وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. رواه الإمام أحمد وصححه الحافظ ابن حجر في"المطالب العالية"(3294) "مجمع الزوائد"(1/107) ورواه أبو عبيد في كتاب "الإيمان" تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني ص(9 وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم

                  كلام أئمة الدعوة - رحمهم الله تعالى- في مسألة إقامة الحُجَّة على المُعيَّن ([3])

                  ....قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب– رحمه الله تعالى–في بيان عقيدته :
                  » وأمّا التكفير : فأنا أكفّر من عرفدين الرسول ثمَّ بعد ما عرفه سبَّهُ، ونـهى الناس عنه، وعادى من فعله؛ فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة – وللَّه الحمد – ليسواْ كذلك «"الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (1/73)

                  ....وقال أيضاً– رحمه الله تعالى: » وأمّا : ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتِهم وتعظيم قبورهم، ببناء القباب عليها والسرج، والصلاة عندها، واتخاذها أعياداً، وجعل السدنة، والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي r وحذر منها كما في الحديث عنه r أنه قال : " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان"

                  وهو r حمى جناب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم منحديث جابر- رضي الله تعالى عنه .

                  وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ألا يضع قبراً مشرفاً إلا سوّاه، ولا تمثالاً إلا طمسه

                  ولهذا قال غير واحد من العلماء : يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنـها أسست على معصية الرسولr

                  فهذا : هو الذي أوجب الإختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بِهم الأمر إلى أن كفرونا، وقاتلونا، واستحلوا دماءنا، وأموالنا، حتى نصرنا الله عليهم، وظفرنا بـهم؛

                  وهو الذي ندعو الناس إليه، ونقاتلهم عليه بعد مانقيم عليهم الحجة، من كتاب الله وسنة رسوله، وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى : ] وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله [سورة "الأنفال" الآية (39) .

                  فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان([4]) كما قالتعالى ] لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة "الحديد" الآية(25) «"الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(1/87) .

                  ....وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب– رحمه الله تعالى –عما يقاتل عليه ؟ وعما يكفر الرجل به ؟
                  فأجاب : » أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان؛ ثمَّ الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقربـها، وتركها تـهاونا، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود؛ ولا نكفر إلاّ ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان، وأيضاً : نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر..." "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (1/102-104)

                  ....وقال أيضاً– رحمه الله تعالى –فيما نقله عنه الشيخ ابن سحمان في رسالته للشريف ما نصه :
                  » ... وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمدالبدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبّههم فيكف نكفر من لم يشرك بالله أولم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل سبحانك هذا بـهتان عظيم"

                  ....وعلق على هذا الكلام الشيخ ابن سحمان– رحمه الله تعالى –بقوله : » فإذا كان هذا كلام الشيخ – رحمه الله تعالى –فيمن عبد الصنم الذي على القبور إذا لم ييسر له من يعلمه ويبلغه الحجة فكيف يطلق التكفير لجميع أهل الأرض ويقاتلهم على ذلك وينهب أموالهم ؟!

                  وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه ؟

                  بل لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة .

                  بل ولا عن أهل السنة والجماعة منهم

                  وجميع أقواله في هذا الباب أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات وأجمع عليه المسلمين، لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم كالجهمية والمعتزلة وغلاة عباد القبور

                  بل قوله مما أجمعت عليه الرسل واتفقت عليه الكتب كما يعلم ذلك بالضرورة من عرف ما جاءوا به وقصدوه، و لا يكفر إلاّ على هذا الأصل بعد قيام الحجة المعتبرة، فهو في ذلك على صراط مستقيم متبع لا مبتدع «كتاب "تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة" و"تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين" ص(120. 122-123) .

                  ....كلام صريح من أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومعهم الشيخ حمد بن ناصر آل معمر– رحمهم الله تعالى – في اشتراطهم إقامة الحجة على المعيّن .
                  ».... وورد عليهم سؤال، هذا نصه : بلغنا أنكم تكفرون أناساً من العلماء المتقدمين، مثل ابن الفارضوغيره وهو مشهور بالعلم، من أهل السنة ؟

                  فأجابوا : ما ذكرت أنّا نكفّر ناساً من المتقدمين وغيرهم، فهذا من البهتان الذي أشاعه عنا أعدائنا، ليجتالوا به الناس عن الصراط المستقيم، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة، وجوابنا عليها أن نقول : ] سبحانك هذا بـهتان عظيم [ سورة "النور" الآية(16) .

                  ونحن لا نكفّر إلا رجلا عرف الحق وأنكره، بعد ما قامت عليه الحجة، ودعي إليه فلم يقبل، وتمرّد وعاند، وما ذكر عنا من أنّا نكفّر غير من هذا حاله، فهو كذب علينا …

                  ....ثم قالوا رحمهم الله تعالى : » فتأمل كونه– رحمه الله –أطلق على هذا القول أنه كفر، ولم يتعرض لتكفير قائله، فافهم الفرق، لأن إطلاق الكفر على المعيّن الذي لم تقم عليه الحجة، لا يجوز، وأظن أن هذا الإمام الذي قال فيهم هذا الكلام – رحمه الله – ظن أن الحجة لم تقم على قائل هذا الكلام، وأن ابن الفارض وأمثاله لجهالتهم لا يعلمون ما في كلامهم ومذهبهم من الكفر …« "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (3/20-23)

                  ....وسئل أيضاً الشيخ عبد الله بن الشيخ– رحمهما الله تعالى –عن حال من صدر منه كفر؛ من غير قصد منه بل هو جاهل، هل يعذر، سواء كان قولاً، أو فعلاً، أو توسلاً ؟

                  فأجاب : إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله ورسوله، ما يكون فعله كفراً، أو اعتقاده كفراً، جهلاً منه بما بعث الله به رسوله r، فهذا لا يكون عندنا كافراً، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، التي يكفر من خالفها، فإذا قامت عليه الحجة، وبُيّن له ما جاء به الرسولr، وأصر على فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهذا هو الذي يكفر وذلك لأنّ الكفر : إمّا([5]) يكون بمخالفة كتاب الله وسنة رسوله r، وهذا مجمع عليه بين العلماء في الجملة«"الدرر السنية" (10/239-240) .

                  ....وقال – رحمه الله تعالى: « عمن مات على التوحيد، وإقامة قواعد الإسلام الخمس، وأصول الإيمان الستة، ولكنه كان يدعو وينادي، ويتوسل في الدعاء، إذا دعا ربه، ويتوجه بنبيه في دعائه معتمداً على الحديثين([6]) الذين ذكرناهما، أو جهلاً منه وغباوةً ؛ كيف حكمهم ؟

                  فالجواب أن يقال : قد قدمنا الكلام على سؤال الميت والإستغاثة به، وبينا الفرق بينه وبين التوسل به في الدعاء، وأنّ سؤال الميت والإستغاثة به في قضاء الحاجات وتفريج الكربات من الشرك الأكبر الذي حرمه الله
                  ورسوله، واتفقت الكتب الإلهية، والدعوات النبوية على تحريمه وتكفير فاعله، والبراءة منه ومعاداته .

                  ولكن في أزمنة الفترات وغلبة الجهل، لا يكفر الشخص المعين بذلك حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة، ويبين له، ويعرف أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله ورسوله، فإذا بلغته الحجة، وتليت عليه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ثم أصر على شركه فهو كافر، بخلاف من فعل ذلك جهالة منه، ولم ينبه على ذلك، فالجاهل فعله كفر، ولكن لا يحكم بكفره إلاّ بعد بلوغ الحجة إليه، فإذا قامت عليه الحجة ثمَّ أصرّ على شركهفقد كفر، ولو كان يشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، ويصلي ويزكي ويؤمن بالأصول الستة « "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (10/273-274)

                  وقال الشيخ سليمان بن سحمان– رحمه الله تعالى : « محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – من أعظم الناس توقّفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها .

                  قال في بعض رسائله : " وإن كنا لا نكفر من عبد قبة الكوّاز؛ لجهلهم وعدم من ينبههم، فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها، يكفر بعبادة القبور» " الضياء الشارق ..." ص(372)

                  ....كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسنفي بيان منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة إقامة الحجة"
                  » وقال شيخنا، شيخ الإسلام، محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – سألني ( الشريف ) عما نقاتل عليه، وما نكفر به ؟

                  فقال في الجواب : إنا لا نقاتل إلاّ على ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان بعد التعريـف؛ إذا عرف ثمَّ أنكر «"الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (11/317)

                  ....وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمنعند تعليقه على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال فيه : " ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم ما جاء بهالرسول مما يخالفه" :
                  فقال الشيخ عبد اللطيف : » وشيخنا – رحمه الله تعالى – ([7]) قد قرر هذا وبينهوفاقاً لعلماء الأمة واقتداء بـهمولم يكفر إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليلحتى إنه – رحمه الله تعالى – توقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا لم يتيسر له من ينبهه، وهذا هو المراد بقول الشيخ ابن تيمية – رحمه الله تعالى – ( حتى يبين له ما جاء به الرسول r )"مصباح الظلام" (324-325) .

                  « وغير هذه الأقوال كثيرة جداً في رسائل الشيخ محمد – رحمه الله – ورسائل أحفاده وتلاميذه من أئمة الدعوة، وليس المجال هنا للاستقصاء، ولكن للتدليل والتمثيل لما قلنا من وجوب قيام الحجة الشرعية على من تلبّس بشيء من الشرك ثم يصر معانداً حتى يمكن الحكم عليه بالكفر.

                  كما لا بد من إزالة الشبهة مع الإبلاغ، وإلا فالعذر ثابتٌ في حق أولئك العوام المتلبسين بأنواع من الشرك حتى يوجد من ينبههم ويقيم عليهم الحجة الشرعية، والله أعلم » " الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه" ص(444) بتصرف يسير .

                  خط :
                  ومن متممات قيام الحجة : فهما :

                  ....قال الإمام أبو محمد ابن حزم - رحمه الله تعالى- عند الكلام في بيان صفة قيامها "وصفة قيام الحجة، أن تبلغه فلا يكون عنده شيء يقاومها" "الأحكام"(1/67)

                  ....فلم يكتف - رحمه الله تعالى- بمجرد البلاغ الحرفي، بل أعقبه برفع الالتباس والاشتباه، والتجرد من شتى أنواع الجهالات، ويعدّ هذا الأثر من هذا الإمام نصّ في المسألة التي نحن بصددها قاطع للنزاع .

                  ....جاء في كتاب "مجموعة الرسائل النجدية" (5/63 تعليقاً لمحمد رشيد رضا على نص للشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول فيه : « .. وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره »

                  فعلق الشيخ محمد رشيد رضا في حاشية الكتاب قائلاً : « هذا القيد الذي قيد الشيخ به الفهم هنا قد أزال اللبس الذي يتبادر إلى الذهن من بعض اطلاقاته في مواضع أخرى([8]) واتبعه فيه بعض علماء نجد فصار بعضهم يقول بأن الحجة تقوم على الناس ببلوغ القرآن وإن لم يفهمه من بلغه مطلقا وهذا لا يعقل ولا يتفق مع قوله تعالى ] من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى[سورة"النساء"الآية(115) الذي بنى عليه المحققون قولهم : إن فهم الدعوة بدليلها شرط لقيام الحجة »"مجموعة الرسائل النجدية" (5/63 .

                  ....وهذا الذي قدمته لك أخي القارئ من منهج أئمة الدعوة في اشتراط إقامة الحجة وفهمها هو منهج العلماء المتقدمين والمتأخرين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من العلماء الربانيين أهل الحديث

                  وإليك أخي القارئ نص كلامهم في هذه المسألة :
                  قال أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري- رحمه الله تعالى-في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم من صحيحه : « باب([9]) قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى : ] وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [سورة "التوبة" الآية(115) » .

                  قال البدر العيني- رحمه الله تعالى : « أشار البخاري بهذه الآية الكريمة أن قتال الخوارج والملحدين لا يجب إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإظهار بطلان دلائلهم، والدليل عليه هذه الآية ؛ لأنها تدل على أن الله لا يؤاخذ عباده حتى يبين لهم ما يأتون وما يذرون » "عمدة القاري"(19/369).

                  قال الإمام الشافعي– رحمه الله تعالى : « لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه r أمته لا يسع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة ردها، لأن القرآن نزل بها وصحّ عن رسول الله r القول بها فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها » "فتح الباري"(12/407) و"معارج القبول" (1/329) .

                  وقال ابن قدامة المقدسي– رحمه الله تعالى - بعد ذكره لجماعة من السلف استحلوا بعض المحرمات بتأويل فلم يكفروا : » فيخرّج فيمن كان مثل حكمهم، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك وتزول عنه الشبهة ويستحله بعد ذلك « "المغني" لابن قدامة (10/85-86) .

                  ويقول في موضع آخر : « فمن أنكر وجوبـها – يعني الزكاة – جهلاً به، وكان ممن يجهل ذلك، إما لحادثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية نائية من الأمصار؛ عرِّف وجوبـها ولا يحكم بكفره؛ لأنه معذور .. » "المغني"(2/435) .

                  قال ابن العربي– رحمه الله تعالى :» فالجاهل والمخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ حتى يتبين له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً جلياً قطعياً يعرفه كل من المسلمين من غير نظر وتأمل « "تفسير القاسمي (5/1307-130.

                  قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد كلام له طويل في مسألة التكفير والتفسيق ما نصه :
                  « وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الاقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنه مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر

                  وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين، مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض .

                  فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة » "الفتاوى" (12/500-501)

                  وقال شيخ الإسلام وهو بصدد الكلام على الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع ما نصه :
                  « وحقيقة الأمر في ذلك : أن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ] إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا [سورة "النساء" الآية(10)فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق .

                  لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز ألا يلحقه الوعيد لفوات شرط، أو ثبوت مانع

                  فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع .

                  وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بـها

                  فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق، وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية .

                  هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وجماهير أئمة الإسلام وما قسموا المسائل إلى مسائل يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها" " مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (23/345-346)

                  ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " وهكذا من كان مؤمناً بالله ورسوله إيمانه مطلقاً ولم يبلغه من العلم ما يبين له الصواب، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي من خالفها كفر .

                  إذ كثير من الناس يخطئ فيما يتأوله من القرآن، ويجهل كثيراً مما يرد من معاني الكتاب والسنة، والخطأ والنسيان مرفوعان عن هذه الأمة ([10]) والكفر لا يكون إلا بعد البيان «"المسائل الماردينية" ص(66)

                  وقال شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : "… والإستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال، وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله r فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها «"مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (11/407)

                  وقال – رحمه الله تعالى- في رده على البكري ما نصه : « فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي ([11] )فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى .
                  وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله .
                  وأيضاً : فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها،
                  وإلا فليس كل من جهل شيء من الدين يكفر، ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين كقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة([12])

                  واتفق علماء الصحابة كعمر وعلي وغيرهما على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال ([13]) ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق وإذا أصروا على الجحود كفروا .
                  وقد ثبت في "الصحيحين" حديث الذي قال لأهله : إذا أنا مت فاسحقوني ثم ذروني في اليم …
                  فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته وأنه لا يعيده أو جوز ذلك وكلاهما كفر، لكن كان جاهلاً لم يتبين له الحق بياناً يكفر بمخالفته فغفر الله له

                  ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية من النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم : أنا لو وافقتكم كنت كافراً لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهال، وكان هذا الخطاب لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم » "الرد على البكري" ص(258-260) المطبعة السلفية بمصر .

                  _______ ( الحاشية ) _______

                  ([1]) وسأنقل لك هنا كلامَ أئمة الفتوى في هذا الزمان إنزالا لهذه القاعدة الشرعية وتأويلا لها : لما عرض الشيخ علي بن حسن الحلبي على العلامة الألباني- رحمه الله تعالى- فتوى اللجنة الدائمة (2/14) في مسالة حكم ساب الدين، وقولهم : " وينبغي أن يبيّن له أن هذا كفر، فإن أصرّ بعد العلم : فهو كافر " قال : وعرضت عليه كذلك فتوى فضيلة أستاذنا الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح العثيمين – رحمة الله– ضمن "مجموع فتاويه"(2/154) واشتراطه "الإرادة والقصد " للحكم بتكفير المعين للفعل بذلك .

                  ثم سألته بعد : هل ترون غير هذا الحكم؟ فكان جوابه حاسماً حازماً جازماً: بل هذا عين ما تقول به" "التعريف والتنبئة "ص(44)

                  وسئل الشيخ عبد الزارق عفيفي– رحمه الله تعالى- في "فتاويه" ص(372) " ما حكم المستهزئ بالدين أو سابّ الدين أو الرسول e أو القرآن العظيم، هل يكفر ؟ ولو كان جاهلا ؟

                  فقال الشيخ – رحمه الله تعالى - هذا الباب كغيره من أبواب الكفر، يُعلم ويؤدب، فإن علم وعاد بعد التعليم والبيان كفر،

                  وإذا قيل : لا يعذر بالجهل ، فمعناه يُعلم ويؤدب ، وليس معناه انه يكفر "

                  ([2]) قلت :وفي هذا دليل على أن الجاحد وإن جحد، لا ينبغي المبادرة إلى الحكم بردّته فالإطاحة برقبته، قبل إقامة الحجة .

                  وكذلك في حديث شارب الخمر مستحلا لها، دليل على أن المستحل تقام عليه الحجة كذلك، أي : لا يكفر بمجرد استحلاله .

                  فإذا كان هذا هو الواجب المتعين في بابي الجحود والاستحلال، فكيف بما دونها من أبواب ؟!!!

                  بل في باب الردة، فإن أعلن آبق الردة، فما الواجب تجاهه، آلستبيان والتبين، أم التكفير فالقتل؟
                  في "استتابة المرتد" قال ابن القصار بعد أن نقل الإجماع على الاستتابة مستدلاً بقول عمر – رضي الله تعالى عنه - أنه : " كتب في أمر المرتد : هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه في كل يوم رغيفاً؛ لعله يتوب فيتوب الله تعالى عليه؟

                  قال : "ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله – صلى الله عليه وسلم : "من بدل دينه فاقتلوه" أي إن لم يرجع ، وقد قال تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ }سورة "التوبة" الآية(5)""فتح الباري" كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم" باب"حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم" (12/282)

                  وفي حادثة أمير المؤمنين علي – رضي الله تعالى عنه- مع السبئية، وإمهالهم ثلاث في أمر عظيم عظيم، شاهد آخر شاهق .

                  فسلم لنا القول بأنه : لا يكفر مسلم – أي: مسلم-تعيينا، لقول قاله، أو فعل فعله، وإن عظم؛ إلا بعد استبيان .

                  ([3]) أقول:هذه الترجمة لجمع ماتع يحمل اسمها، جمعها رجل لبحثه حظ من اسمه، رشيد عويش، على "شبكة سحاب السلفية" .

                  ([4]) قلت : ولا يغيب عن الأذهان، أن الشيخ الإمام ولي الأمر، أقول هذا تذكيراً وتنبيهاً، حتى لا يتذرع جويهل، أو يفسد حويمق

                  ([5]) هكذا في الأصل، ولعلها مقحمة في الكلام .

                  ([6]) الحديثان اللذان ذكرا قبل هما : حديث الأعمى وحديث ( أعوذ بمعقد العز من عرشك ) .

                  ([7]) يريد هنا بالشيخ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى .

                  ([8]) قلت : هذا هو النهج، هذا هو الواجب تجاه ما ظاهر تعارض أو مخالفة في كلام إمام متبع، شهد له بالإمامة والدراية، فأشدد عليه فإنه نفيس، مزيل للالتباس، ودافع للتدليس، وقاطع لأهل التلبيس والتزييف.
                  ([9]) قلت : وقد تقرر أن فقه هذا الإمام في تراجمه، وأنها قامت على أصل متصل بالباب أو منفصل عنه.

                  ([10]) قلت : وكذا التأويل والإكراه وتقدم معنا في صدر هذا السفر تخصيص كل عذر مشفوعاً بأدلته الدالة على اعتباره، وربنا الموفق .

                  ([11]) ويؤكد القاضي عياض – رحمه الله تعالى- أن : " كشف اللبس فيه، مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه". "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2/282)

                  ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى : " الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يُعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأً في العقل، يكون كفراً في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صوابـاً في العقل، تجب في الشــرع معرفته". "درء تعارض العقل والنقل" (1/242)

                  ويقول ابن الوزير – رحمه الله تعالى : " إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه" ويقول : "إن الدليل على الكفر والفسق لا يكون إلا سمعياً قطعياً". "العواصم والقواصم" (4/178, 179) "التكفير وضوابطه" ص( بتصرف

                  ويروي ابن نجيم عن الطحاوي وغيره من علماء الحنفية – رحمهم الله تعالى- قولهم بأن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بأمر يتيقن كفر صاحبه : " ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام". "البحر الرائق" (5/134)

                  ([12]) قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } سورة "المائدة"الآية (93) .

                  ([13]) وفي هذا الإجماع المعتبر، دليل على ما ذهب إليه أهل العلم والتحقيق على أنه حتى المستحل، لا يبادر إلى تكفيره قبل الاستبيان، وهذا الإجماع مستنده، ما كان من أمر متؤلوا شرب الخمر، وما كان من أمر خلفاء فتنة خلق القرآن مع الإمام أحمد-رحمه الله تعالى، هذا هو معتقدنا، وهذه أدلتنا، وهذا قولنا .

                  تعليق


                  • #10
                    يتبع إن شاء الله تعالى

                    تعليق


                    • #11
                      ....ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى- أيضاً : « وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلِّغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، أو كان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة ([1]) فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسولr». "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(11/407)

                      وسئل – رحمه الله تعالى – عن هؤلاء "القلندرية" الذين يحلقون ذقونهم : ما هم ؟ ومن أي الطوائف يحسبون ؟ وما قولكم في اعتقادهم أن رسول الله r أطعم شيخهم قلندر عنباً، وكلمه بلسان العجم ؟

                      فأجاب : أما هؤلاء "القلندرية" المحلقي اللحى، فمن أهل الضلالة والجهالة، وأكثرهم كافرون بالله ورسوله، لا يرون وجوب الصلاة والصيام ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، بل كثير منهم أكفر من اليهود والنصارى، وهم ليسوا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة وقد يكون فيهم من هو مسلم، لكن مبتدع ضال، أو فاسق فاجر .

                      ومن قال : إن "قلندر" موجود في زمن النبيr فقد كذب وافترى، بل قد قيل : أصل هذا الصنف أنهم كانوا قوماً من نساك الفرس، يدورون على ما فيه راحة قلوبهم بعد أداء الفرائض واجتناب المحرمات . هكذا فسرهم الشيخ أبو حفص السهروردي في عوارفه .

                      ثم إنهم بعد ذلك تركوا الواجبات، وفعلوا المحرمات، بمنـزلة " الملامية " الذين كانوا يخفون حسناتهم، ويظهرون ما لا يظن بصاحبه الصلاح من زي الأغنياء، ولبس العمامة، فهذا قريب . وصاحبه مأجور على نيته

                      ثم حدث قوم فدخلوا في أمور مكروهة في الشريعة ؛ ثم زاد الأمر ففعل قوم المحرمات من الفواحش والمنكرات، وترك الفرائض والواجبات ؛ وزعموا أن ذلك دخول منهم في " الملاميات " ولقد صدقوا في استحقاقهم اللوم والذم والعقاب من الله في الدنيا والآخرة ؛ وتجب عقوبتهم جميعهم، ومنعهم من هذا الشعار الملعون، كما يجب ذلك في كل معلن ببدعة أو فجور .

                      وليس ذلك مختصاً بهم، بل كل من كان من المتنسكة، والمتفقهة، والمتعبدة، والمتفقرة، والمتزهدة، والمتكلمة، والمتفلسفة، ومن وافقهم من الملوك، والأغنياء، والكتّاب، والحسّاب، والأطباء، وأهل الديوان والعامة، خارجاً عن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله، لا يقر بجميع ما أخبر الله به على لسان رسوله ؛ ولا يحرم ما حرمه الله ورسوله ؛ أو يدين بدين يخالف الدين الذي بعث الله به رسوله باطناً وظاهراً ؛ مثل من يعتقد أن شيخه يرزقه ؛ أو ينصره أو يهديه، أو يغيثه، أو يعينه، أو كان يعبد شيخه أو يدعوه ويسجد له، أو كان يفضله على النبيr تفضيلا مطلقاً، أو مقيداً في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى، أو كان يرى أنه هو أو شيخه مستغن عن متابعة الرسولr، فكل هؤلاء كفار إن أظهروا ذلك، ومنافقون إن لم يظهروه .

                      وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان؛ وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك .

                      وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات : يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف : " يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة . ويقولون : أدركنا آباءنا وهم يقولون : لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة بن اليمان : ما تغني عنهم لا إله إلا الله ؟ فقال : تنجيهم من النار" انظر تخريج هذا الحديث في "السلسة الصحيحة" (87) .

                      وأصل ذلك : أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه .

                      مثل من قال : إن الخمر أو الربا حلال ؛ لقرب عهده بالإسلام ؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول اللهr كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبيr قاله .

                      وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا ذلك رسول اللهr

                      ومثل الذي قال : إذا أنا مت فسحقوني، وذروني في اليم، لعلي أضل عن الله" البخاري في الأنبياء ( 3478 ) ومسلم في التوبة ( 2757/27 ) كلاهما عن أبي سعيد الخدري. ونحو ذلك .

                      فإن هؤلاء { لا } يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى : ] لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ سورة "النساء" الآية(165). وقد عفا الله عن لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان » "مجموع الفتاوى" (35/165-166).

                      وقال العلامة ابن القيم– رحمه الله تعالى : " إنّ العذاب يستحق بسببين :
                      أحدهما : الإعراض عن الحجة وعدم إرادتـها والعمل بموجبها .
                      الثاني : العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد .
                      وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل« "طريق الهجرتين" ص(414) .

                      وقال– رحمه الله تعالى : « فإن قيل : فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى : ] ويحسبون أنهم مهتدون [ سورة "الزخرف" الآية(32).
                      قيل : لا عذر لهذا وأمثاله من الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول r ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أتي من تفريطه وإعراضه .
                      وهذا بخلاف من كان على ضلالة لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكمٌ آخر، والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول ([2]) .

                      وأما الثاني : فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه كما قال تعالى : ] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ وقال تعالى : ] رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ النساء / 165 وقال تعالى في أهل النار : ] وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين [ » النحل / 118 "مفتاح دار السعادة"تحت فصل : [ المعرضون عن الذكر] (1/20 تحقيق الشيخ علي حسن الحلبي الأثري – حفظه الله .

                      وقال أيضاً– رحمه الله تعالى : " وأما بأي شيء تقوم الحجة ؟
                      فهذا يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، فما تقوم الحجة في عصور ازدهار العلم غير ما تقوم به في عصور انحطاطه .
                      وما تقوم به في المدن غير ما تقوم به في البوادي البعيدة عن العلم وأهله .
                      كما أن الحجة تختلف من شخص إلى آخر بحسب تفاوت الناس في العلم وقدراتهم، فليراع كل ذلك .

                      والعبرة في قيام الحجة بأن يفهمها ذلك الشخص المعيّن فهماً يدرك به مخالفته للحجة التي يكفر بخلافها، ولا يشترط فهمه لها فهماً دقيقاً، كما يفهمها أهل العلم والإيمان.

                      كما لا يشترط إقراره بالفهم بل يرجع ذلك لتقدير المبلغ له هل فهمه أو لم يفهم؛ لأن كثيراً من أهل الكفر والنفاق ينكرون الحجة بعد فهمهم لها، وعلمهم بها، كما أخبر الله تعالى بذلك عن قوم فرعون في قوله : ] وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [ والله أعلم" "طريق الهجرتين" ص(412-413)

                      ....وقال– رحمه الله تعالى : » إنّ قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية، دون أخرى، كما أنـها تقوم على شخص، دون آخر إما لعدم عقله، وتمييزه، كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بنـزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً، ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذي يدلون على الله بالحجة يوم القيامة «"طريق الهجرتين" ص(414) وقد تقدم حديث الأربعة ص (32) .


                      فائدة مهمة :


                      علق الشيخ محمد رشيد رضا على كلام للشيخ أبي بابطين في مسألة الفرق بين قيام الحجة وفهمها ما نصه :

                      ....
                      « في هذه المسألة نظر، وقد اختلف فيها كبار علماء نجد المعاصرون في مجلس الإمـام عبد العزيز بن فيصل آل سعود الملك بمكة المكرمة فكانت الحجة للشيخ عبـد الله ابن بليهد بأن العبرة بفهم الحجة لا بمجرد بلوغها من غير فهم وأورد لهم نصاً صريحاً في هذا من كلام المحقق ابن القيم – رحمه الله تعالى–فقنعوا به »"مجموعة الرسائل والمسائل النجدية"(4/ القسم 2 ص515)انتهى "كلام أئمة الدعوة - رحمهم الله تعالى- في مسألة إقامة الحُجَّة على المُعيَّن" بتصرف
                      ....
                      قلت : لعل النص الذي احتج به ابن بليهد – رحمه الله تعالى- هو : ما قاله العلامة شمس الدين ابن القيم – رحمه الله تعالى : " وأما بأي شيء تقوم الحجة : فهذا يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، فما تقوم الحجة في عصور ازدهار العلم غير ما تقوم به في عصور انحطاطه، وما تقوم به في المدن غير ما تقوم به في البوادي البعيدة عن العلم وأهله، كما أن الحجة تختلف من شخص إلى آخر بحسب تفاوت الناس في العلم وقدراتهم، فليراع كل ذلك .
                      ....
                      والعبرة في قيام الحجة بأن يفهمها ذلك الشخص المعيّن فهماً يدرك به مخالفته للحجة التي يكفر بخلافها، ولا يشترك فهمه لها فهماً دقيقاً، كما يفهمها أهل العلم والإيمان، كما لا يشترط إقراره بالفهم بل يرجع ذلك لتقدير المبلغ له هل فهمه أو لم يفهم؛ لأن كثيراً من أهل الكفر و النفاق ينكرون الحجة بعد فهمهم لها وعلمهم بها كما أخبر الله تعالى بذلك عن قوم فرعون في قوله : ] وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [ والله أعلم" انظر "طريق الهجرتين..." ص(412-413) .
                      ....
                      وأقول : وفي قناعتهم بنص من إمام – لا من معصوم- لما احتف به من نور، دليل على تقواهم، وصدق طلبهم للحق، وعشقهم له، وسعيهم إليه ودعوتهم إليه، لله درهم .

                      أجل ..
                      " إن الحجة لا يمكن أن تقوم على شخص إلا بعد فهمه لها ، لدلالة كثير من النصوص على العذر بعدم الفهم في أحكام الشرع ، فكيف لا يعذر في أهم وأخطر مسألة وهي مسألة التكفير، وها هي ذي الأدلة على ذلك :
                      ....
                      أولاً : يقول الله تعالى في آخر آية في سورة البقرة : { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... } سورة "البقرة" الآية (286) .
                      ....
                      فأخبر الله تعالى أنه لا يكلف أحد من هذه الأمة إلا وسعه ثم حكى دعاءها إياه بألا يؤاخذها بالنسيان والخطأ وما ذكر من الدعاء في الآية وثبت أيضاً في صحيح مسلم أن الله تعالى قال : " قد فعلت " " صحيح الإمام مسلم" كتاب الإيمان "باب أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق" (1/116)ح(125) .

                      ....
                      فدلت الآية والحديث على عذر الله تعالى لهذه الأمة بعدم الفهم، من ثلاثة أوجه :
                      ....
                      الوجه الأول : أن أخبر أن لا يكلف نفساً إلا وسعها، وعدم الفهم إذا لم يصاحبه الإعراض ليس من وسع الإيمان، والتكليف به تكليف بما ليس في الوسع وهذا قد نفاه الله تعالى .

                      الوجه الثاني : أن الله عذر من علم ثم نسي وإذا كان الفهم هو العلم بالشيء – انظر "مختار الصحاح" ص(215)- فمن لم يفهم أصلا أولى بالعذر من الناسي .

                      الوجه الثالث :أن عدم الفهم نوع من الخطأ كما يقال : "أخطأ فلان فهم المسألة" وقد دلت الآية على العذر بالخطأ ""موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع" للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي (1/206-207) الطبعة الأولى لعام 1422هـ ، ط. مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة .
                      ....
                      وفي المقام أزيد، ليرسخ عند مستفيد، ويقنع مستزيد، ويخنس عربيد :
                      قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى : " وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئًا " "مجموع الفتاوى"(3/231)

                      وقال – رحمه الله تعالى : " وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنـده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون([3]) قد عرضت له شبهات يعذره الله بها

                      [SIZE=4]فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه - كائنا ما كان- سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية‏ .‏ [/SIZE
                      هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم، وجماهير أئمة الإسلام وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها، ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها‏ " "مجموع الفتاوى"(27/346) .
                      يقول شيخ الإسلام– رحمه الله تعالى- بعد ما ذكر الاستغاثة المشروعة والاستغاثة الشركية :
                      " ولاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع في مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر أن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال .

                      وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها" أهــ "مجموع الفتاوى" (1/112)

                      وقال – رحمه الله تعالى- في كلامه على وجوه زيادة الإيمان :
                      " الوجه الثامن : أن الإنسان قد يكون مكذبًا ومنكراً لأمور لا يعلم أن الرسول أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدق بما كان مكذبًا به، ويعرف ما كان منكراً، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد ازداد به إيمانه، ولم يكن قبل ذلك كافراً بل جاهلاً " "مجموع الفتاوى"(7/237) .

                      وقال أيضا ً- رحمه الله تعالى - كلاماً بديعاً في العذر بالجهل وحشد الأدلة عليه، في "بدائع الفوائد" إذ ذكر كلام أبي القاسم السهيلي في قول النبي - صلى الله عليه وسلم- للبراء بن معرور قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . يعني لما صلى إلى الكعبة قبل الأمر بالتوجه إليها ، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه كان متأولاً .

                      ....ثم قال رحمه الله تعالى: " قلت : ونظير هذا أنه لم يأمرمن أكل في نهار رمضان والإعادة لما ربط الخيطين في رجليه وأكل حتى تبيناً له لأجلالتأويل .

                      ونظيره : أنه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة إذ لميعرف شرع التيمم للجنب . فقال : يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهروالشهرين . لا أصلي يعني في البادية . فقال : أين أنت عن التيمم .

                      ونظيره أيضاً: أنه لم يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحةوإنما بالإعادة في الوقت ، لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه بخلاف ما تقدم له .

                      ونظيره أيضاً : أنه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيممبالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم .

                      ونظيره أيضاً : أنه لم يأمر معاوية بنالحكم السلمي بإعادة الصلاة . وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها .

                      ونظيره أيضاً : أنه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة .
                      ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع . فالتأويلوالاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين .

                      وقاعدة هذاالباب : أن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه. فكما لايترتب في حقه قبل بلوغه هو، فكذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه .

                      وهذا مجمع عليه في الحدود ([4]) أنها لا تقام إلا على من بلغه تحريم أسبابها، وما ذكرناه منالنظائر يدل على ثبوت ذلك في العبادات والحدود .

                      ويدل عليه أيضاً في المعاملات: قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" سورة "البقرة" الآية(27 فأمرهم تعالى أن يتركوا ما بقي من الربا وهو ما لم يقبض ، ولم يأمرهم برد المقبوض ، لأنهم قبضوه قبل التحريم فأقرهم عليه . بل أهل قبا صلوا إلى القبلة المنسوخة بعد بطلانها ولم يعيدوا ما صلوا . بل استداروا في صلاتهم وأتموها، لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم .. الخ" إنتهى المقصود
                      ....
                      قال العلامة شمس الدين ابن القيم– رحمه الله تعالى : " ... وكذلك لو نطق بكلمة الكفر من لا يعلم معناها لم يكفر". وبه أقول .
                      ....
                      يقول الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى : « فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، والله لطيف رؤوف قال تعالى : ] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [ وقد كان سادة الصحابة – رضي الله عنهم – بالحبشة ينـزل الواجب والتحريم على النبي r فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص، والله أعلم » "كتاب الكبائر" له ص(12).

                      ويقول صاحب كتاب "غاية الأماني" عندما نقل كلاماً لشيخ الإسلام- يقول (1/22-23) : " والذي تحصل مما سقناه من النصوص أن الغلاة ودعاة غير الله تعالى وعبدة القبور إذا كانوا جهله بحكم ما هم عليه، ولم يكن أحد من أهل العلم ينبههم على خطئهم فليس لأحد أن يكفرهم .
                      ....
                      وأما من قامت عليه الحجة وأصرّ على ما عنده واستكبر استكباراً أو تمكن من العلم فلم يعلم فسنذكر حكمه ... " نقلاً عن "سعة رحمة رب العالمين للجهال المخالفين للشريعة من المسلمين وبيان عموم العذر في الدارين لأصول وفروع الدين مع ذكر الأدلة واتفاق جمهور الأئمة من الأولين والمتأخرين والرد على شبهات الخالف المخالف مع بيان جهله وتلبيسه" لسيد بن سعد الدين الغباشي والذي أقره وأذن بطبعه سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز. بتصرف .
                      ....
                      وسئل الشيخ المحدث الحافظ الحكمي– رحمه الله تعالى– عن مهية البدع المكفرة ؟
                      ....
                      فأجاب – رحمه الله تعالى : هي كثيرة، وضابطها : من أنكر أمراً مجمع عليه متواتر من الشرع معلوما من الدين بالضرورة؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله رسله كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل وإنكار أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وغير ذلك من الأهواء .
                      ....
                      ولكن هؤلاء منهم من عُلِم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوع بكفره بل هو أجنبي عن الدين من أعدى عدو له .
                      ....
                      وآخرون مغرورون ملبس عليهم فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليه وإلزامهم بها" انظر كتاب "أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة" للحافظ الحكمي –رحمه الله تعالى– ص(219)

                      وفي كتاب "العقائد السلفية" للقاضي أحمد بن حجر (1/39) يقول : " ولكن هل يحكم على الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة –المتلوثة بتلك الخصال المنافية للتوحيد- بالشرك والكفر ؟ مع أنه مؤمنة بالله والرسول وآتية بسائر الشرائع .

                      الجواب : يقال هذا العمل شرك أو كفر مثلاً كالسجود لولي أو الطواف بقبره والنذر له، ولكن الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة لا نبادرها بالتكفير، بل الواجب تبليغها بآيات القرآن وأحاديث الرسول –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - المبينة للشرك والمحذرة عنه وأن ليس لصاحبه نصيب من الجنة، وأن هذه الأعمال هي شرك ، فإذا أصر الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة وعاندت ولم تقبل ، فعند ذلك يحل عليها إطلاق الشرك أو عليه إن كان فرداً معيناً ... " نقلاً عن "سعة رحمة رب العالمين للجهال المخالفين للشريعة من المسلمين وبيان عموم العذر في الدارين لأصول وفروع الدين مع ذكر الأدلة واتفاق جمهور الأئمة من الأولين والمتأخرين والرد على شبهات الخالف المخالف مع بيان جهله وتلبيسه" لسيد بن سعد الدين الغباشي ، والذي أقرّه سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز. بتصرف.

                      وقال العلامة الألباني - حفظه الله تعالى : في ردّ له على شخص افترى عليه بأنه يقول من اتبع أحد المذاهب الأربعة فهو مشرك .

                      قال : كثيرون من المسلمين اليوم من أهل السنة والجماعة يعيشون بين ظهراني أهل السنة والجماعة ، ومع ذلك فهم لم يفقهوا التوحيد الذي هو أس الإسلام والذي بدونه لا ينفع من يدعي الإسلام شيء من عقائده وآماله وكل خير يقدمه بين يدي لقاء ربه لأن الله عز وجل يقول : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

                      كثير من جماهير المسلمين اليوم يعيشون بين المسلمين يصومون ويصلون ومع ذلك لم يفقهوا التوحيد الذي هو أس الإسلام كما ذكرنا .

                      هل بلغتم الدعوة ؟

                      أنا أقول : لم يبلغوهم الدعوة، المفروض أن هؤلاء تبلغهم الدعوة من مشايخهم الذين يتلقون عنهم العلم، ولكن لا أقول أن هؤلاء ( أي : المشايخ ) ينطبق عليهم الكلام المأثور فاقد الشيء لا يعطيه، من الذي يقدم التوحيد إلى من كان بحاجة إلى التعرف ؟ من هو العارف والعالم المؤمن بالتوحيد ؟

                      فهؤلاء المشايخ قسمان : أقولها بصراح :

                      قسم منهم : يعرف التوحيد على حقيقته، ولكنه قنع بنفسه وترك الناس وما يعتقدون أما خوفاً وإما حرصاً على الدنيا أو على الجاه أو منصب أو وظيفة أو ما شابه ذلك .

                      ومنهم : من يصدق عليهم قول الله تبارك وتعالى : { وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } فهؤلاء يقال فيهم فاقدي الشيء لا يعطيه .

                      فعامة المسلمين اليوم الذي نسمع منهم الشرك وهو يدخل المسجد الذي بني لعبادة الله وحده الذي قال : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً } وهو داخل المسجد تزل القدم فيقول يا "باز" ( لعله أحد المدفونين بالأضرحة ) أأنت ذاهب مسجد الباز أم تعبد خالق الباز ورب الباز؟

                      مسكين هذا لا يعلم لكنه يجهل ومن علمه يجهل أن قوله "أغثني يا باز" هو عبادة للباز من دون الله تبارك وتعالى

                      كلهم يجهلون هذه الحقيقة ولا يعلمون أن دعاء الله تعالى هو عبادة له وبالتالي لا يعلمون أن دعاء غير الله هو أيضاً عبادة له وإشراك له مع الله تبارك وتعالى .

                      هذه حقائق لا يعرفها جماهير الناس ذلك، لأن دعوة التوحيد مضى عليها زمن طويل دخلها كثير من الشركيات والوثنيات حتى رانت هذه الجراثيم والميكروبات على التوحيد، حتى صار أكثر الناس مرضى مرضاً هو الموت الحقيقي لأنه ما فائدة حياة الإنسان في هذه الدنيا وهو يعيش يعبد غير الله وهو يجهل أنه يعبد غير الله .

                      وليس هذا فقط فهو يدخل المسجد ويكون في المسجد قبر فيأتيه ويطلب منه ما يطلب من الله تعالى .

                      أقول :
                      مع هذه الدلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفر هؤلاء المسلمين؛ لأنه لم تقم الحجة عليهم، لأنه ليس هناك دعاة أكفاء سيطروا على جو سوريا مثلاً، فضلاً عن بلاد أخرى وبلغت هذه الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها

                      ليس هناك من يسيطرون إنما هناك أفراد قليلون جدا،ً فأصواتها ضائعة ليس لها تأثير، إلا بأفراد يتصلون بهم في مناسبات خاصة أو عامة ، لكنها ليست شاملة .
                      ....
                      هذه عقيدتنا : لو وقع الفرد من هؤلاء الذين يصلون معنا ويصومون معنا ، لو وقع في الكفر نحن لا نكفره لكن إذا علمنا ذلك نبين له أن هذا هو الكفر وهذا هو الشرك بالله عز وجل فإياك وإياه" إهــ من شريط مسجل، انظر "سعة رحمة رب العالمين للجهال المخالفين للشريعة من المسلمين وبيان عموم العذر في الدارين لأصول وفروع الدين مع ذكر الأدلة واتفاق جمهور الأئمة من الأولين والمتأخرين والرد على شبهات الخالف المخالف مع بيان جهله وتلبيسه" لسيد بن سعد الدين الغباشي، والذي أقرّه وأذن بطبعه سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز

                      هذا ..
                      والجامع لم تقدم، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية– رحمه الله تعالى :« وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان، فيهم العلم والعدل والرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون فيمن خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى : ] كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [سورة "المائدة" الآية(
                      ....
                      ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون لهم الشر ابتداء بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق [5]والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يكون الدين
                      كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا » الرد على البكري ص (257) .

                      ....


                      خط :


                      بيان مقصودهم بقولهم لا يعذر :


                      سئل الشيخ عبد الزارق عفيفي– رحمه الله تعالى -نائب رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء :
                      "ما حكم المستهزئ بالدين أو سابّ الدين أو الرسول e أو القرآن العظيم، هل يكفر؟ ولو كان جاهلا؟
                      فقال الشيخ – رحمه الله تعالى -هذا الباب كغيره من أبواب الكفر،يُعلم ويؤدب، فإن علم وعاد بعد التعليم والبيان كفر، وإذا قيل: لا يعذر بالجهل، فمعناه يُعلم ويؤدب، وليس معناه انه يكفر" "فتاويه" ص(372).

                      وفي المقام : نبرز مرام شيخ الإسلام في عصره من قوله : عدم العذر، ردّ على سؤال الكاتب هنا، مع ضميمة ما تقدم من نقول تربوا عن الثلاثين كلها قاضية على بدعة الكاتب – هداه الله تعالى .

                      " قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب–رحمه الله تعالى : " ... لكن هذه القصة – قصة ذات أنواط-

                      تفيد : أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك لا يدري عنها، فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل "التوحيد فهمناه" أن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان .

                      وتفيد أيضاً : أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري، فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

                      وتفيد أيضاً : أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكلام تغليظاً شديداً كما فعل رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم" أهـ ([6])انظر "سعة رحمة رب العالمين للجهال المخالفين للشريعة من المسلمين وبيان عموم العذر في الدارين لأصول وفروعالدين مع ذكر الأدلة واتفاق جمهور الأئمة من الأولين والمتأخرين والرد على شبهات الخالف المخالف مع بيان جهله وتلبيسه” لسيد بن سعد الدين الغباشي ، والذي أقره وأذن بطبعه سماحة الشيخ : عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة ، ط. دار المسلم للنشر والتوزيع - الرياض ،الطبعة الأولى 1415هـ ص(50) .
                      ويمكن أن نستدل لم سبق أيضاً بما سلف من فتوى العلامة السيوطي- رحمه الله تعالى- وفيها:
                      "...الحال الأول:أن يكون هذا صدر منه على وجه سبق اللسان، وعدم القصد، وهذا هو الظن بالمسلم واللائق بحاله. ولعله أراد مثلاً أن يقول : ولو قام مالك من قبره، فسبق لسانه إلى الجناب الرفيع؛ لحدة حصلت عنده.

                      فهذا لا يكفر، ولا يعزر، إذا عرف بالخير قبل ذلك، ويقبل دعوى سبق اللسان، ولا يكتف منه في خاصة نفسه بذلك، بل عليه أن يظهر الندم على ذلك، وينادي على نفسه في الملأ بالخطأ، ويبالغ في التوبة والاستغفار، ويحثو التراب على رأسه ويكثر من الصدقة والعتق والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والاستقالة من هذه العثرة..." "تنزيه الأنبياء عن تسفيه الأغنياء" للسيوطي ص(60-62) إذ نص على أن العقوبة : قد تكون تكفيرا، أو تكون تعزيرا .

                      وبذا .. وما تقدم نكون قد جلّينا مراد من أطلق القول بعدم العذر، وأنه إنما أراد الزجر والتأديب لا التكفير .

                      ______ ( الحاشية ) ______

                      ([1]) كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق وغيرها كما تقدم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله . انظر بداية السؤال إلى ص 407 من الفتاوى .
                      ([2]) أقول : وهذا التناول على سبيل الإطلاق لا التعيين .

                      ([3]) ( قد ) هنا ودلالة دخولها على الفعل المضارع ، قاضية بالاستبيان قبل استصدار الأحكام، وهو المراد إثباته .

                      ([4]) قلت : ومع استصحابنا لهذا الإجماع المحتف بالأدلة والمكلل بالبراهين، نذكر ونذكّر متفقين ومجمعين على أن الردة حدّ من الحدود. وهذه حجة قاضية وقاطعة أيضاً، وقول فصل أيضاً قاض في المسألة، لقوم يعقلون .

                      ([5]) برهان ذلك : ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى – من كون المبتدع في الجملة خير من الكافر : « وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار، فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا» "مجموع الفتاوى" (13/96)
                      قد تقرر أن البدع متفاوتة - قربا من الحق وبعدا- لذا فالسلف الصالح، يفرقون بين مبتدعة أهل القبلة، وبين الكافر الأصلي، وأن كان الأول أخطر من جهة .
                      ([6]) ولعل هذه الجملة الأخيرة توضح مراد الشيخ بقوله عقب هذا الحديث في كتاب التوحيد أنه –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لم بعذرها بالجهل وكذا في حديث صاحب الواهنة "أنه لم يعذر بالجهل" أي أنه غلظ عليه بقوله "أنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا" وعند الحاكم "لو كلت إليها" وكذلك تغليظة هنا، وإلا فالشيخ لم يقل ليس هناك عذر بالجهل، ولا يتضح المعنى إلا بالذي ذكرنا، فقد صرح هنا أنهم لم يكفروا فما معنى عدم عذرهم؟ وعلى قول ذلك المجهول فإنه لا ينفي العذر في الشرك الأصغر، وكذلك في قوله –صلى الله تعال عليه وآله وسلم "إنك لو مت وهي عليك" أي بعد النهي، وقوله "ما أفلحت أبداً" تفسير رواية الحاكم "لوكلت إليها" فيكون ذلك خذلاناً لأنها لا تنفع ولأن التعليق لمثل هذا ذكره العلماء في الشرك الأصغر .

                      ........قلت : أضف إلى ما ذكره إقرار الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى .

                      تعليق


                      • #12
                        يتبع إن شاء الله تعالى

                        تعليق


                        • #13
                          خط :
                          في بيان من يقيم الحجة : علمياً :
                          لا يكون النظر والحكم في التكفير إلا لأهل العلم المخولين من قبل ولي الأمر، الراسخين في العلم، القادرين على الإقناع النابع عن قوة في الحفظ ومتانة في الفهم وغوص في الاستنباط مع رفق وحلم، وقوة في حزم .

                          وإذا كان العلماء اشترطوا شروطا في المجتهد والمفتي في مسائل الأحكام، كمسائل الحلال والحرام مما هو متعلق بفروع الدين باعتبار هذه الشروط في الناظر في مسائل أصول الدين كمسائل الكفر والإيمان والتفسيق والتبديع أولى .

                          قال الشيخ سليمان بن سحمان- رحمه الله تعالى : " الذي يظهر لي - والله أعلم- أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكره العلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة فيما أعلم، والله أعلم" "منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع"ص(85)

                          خط :
                          في بيان من ينزل حكم الردة على من ثبت كفره : عملياً .

                          إن إنزال الحكم على معين بالتكفير يحتاج إلى قوة وسلطان للقيام بها وعليها، ولكيلا يكون ذلك الأمر الخطير سائمة لكل مدعي، فتهراق الدماء المعصومة .
                          " اتفق الفقهاء على أن الحاكم أو من ينيبه عنه، هو الذي يقيم الحدود، وأنه ليس للأفراد أن يتولوا هذا العمل من تلقاء أنفسهم .

                          روى الإمام الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال : " كان رجل من الصحابة يقول : الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة إلى السلطان .

                          قال الإمام الصحاوي- رحمه الله تعالى: " لا نعلم له مخالف من الصحابة .

                          وروى البيهقي- رحمه الله تعالى-عن خارجة بن زيد عن أبيه، وأخرجه أيضاً عن أبي الزناد عن أبيه، عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون : لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان، إلا أن للرجل أن يقيم حدّ الزنا على عبده أو أمته" "البيهقي "كتاب الحدود" باب حدّ الرجل أمته إذا زنت (8/245) و" عبد الرزاق"(7/394)

                          .وذهب جماعة من السلف، منهم الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- إلى أن السيد يقيم الحد على مملوكه، واستدلوا بما روي عن أمير المؤمنين علي- رضي الله تعالى عنه-أن خادمة للنبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-أحدثت، فأمرني النبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-أن أقيم عليها الحد، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها، فأتيته فأخبرته، فقال : " إذا جفت من دمها، فأقم عليها الحد، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم"رواه الإمام مسلم بمعناه كتاب الحدود"باب تأخير الحد على النفساء إذا زنت برقم(34) وكذا رواه الائمة: أبو داود والترمذي وغيرهم . انظر"فقه السنة"(3/115-116) دار الفتح للإعلام العربي ط. الثانية 1419هـ

                          ....قال العلامة السندي- رحمه الله تعالى : في شرحه على سنن النسائي لحديث النبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-وإهداره دم المرأة التي كانت تسبّه، وإقراره لسيدها في قتلها : " لعل النبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-علم بالوحي صدق قولهلبيان إلا يجوز لأحد الناس فعل هذا الرجل الأعمي؛ لأن هذا من وظائف أمام المسلمين".

                          وقال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى- في"جامعه" تحت تفسير آية النور"رقم(2):" لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر: الإمام زمن ناب منابه. وزاد ( الإمام ) مالك - رحمه الله تعالى: السادة في العبيد . قال ( الإمام ) الشافعي - رحمه الله تعالى : في كل جلد وقطع ... الحدّ الذي أوجب الله تعالىفي الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم .

                          يختارهم الإمام لذلك، وكذلك كانت الصحابة تفعل كلما وقع لهم شيء من ذلك - رضي الله تعالى عنهم- وسبب ذلك أنه قيام بقاعدة شرعية وقربة تعبدية تجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وحالها، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها؛ فإن دم المسلم وحرمته عظيمة فيجب مراعاته بكل ما أمكن" "الجامع لأحكام القرآن"للإمام القرطبي(6/12/144) مكتبة الرشد .


                          ((( أخطاء في التكفير؛ لتكفر )))

                          تعليق


                          • #14
                            لتحميل البحث
                            اضغط هنــا

                            تعليق

                            يعمل...
                            X