إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

فتاوى شرعية متنوعة في الرقائق للشيخ محمد على فركوس حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [جمع] فتاوى شرعية متنوعة في الرقائق للشيخ محمد على فركوس حفظه الله





    فتاوى شرعية متنوعة في الرقائق للشيخ محمد على فركوس حفظه الله

    في شروط التوبة من المعاصي

    السؤال: أنا شاب ممن أبتلي بالفتنة كثيرا فأغواني الشيطان فوقعت في فاحشة الزنى ولكن ندمت على فعلتي هذه وعدت إلى الله تائبا منيبا وأصبحت من المواظبين على الصلاة، سؤالي هو: هل تكون توبتي مقبولة؟ مع العلم أنّ الحدود انعدمت في وقتنا الحالي.
    الجواب: الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
    فاعلم أنّ الله يقبل التوبة عن عباده لقوله تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:٥٣]، ولقوله تعالى: ﴿وَالذينَ لا يدْعونَ معَ اللهِ إلهاً آخر ولا يَقْتُلُونَ النَفْسَ التي حَرَمَ اللهُ إلا بالحَقِ ولا يَزنونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إلاَ منْ تابَ وآمنَ وعَمِلَ عَمَلاً صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان:٦٨-٦٩-٧٠]، ويفرح بها كما ورد في الحديث: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا»(١) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ»(٢) وللتوبة شروط منها:
    الرجوع إلى الله والإنابة إليه، وذلك بالتخلي عن الذنوب والمعاصي، والندم على كل ذنب سالف، وعدم الإصرار على العودة إلى الذنب في مقبل العمر لقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يُصِرُوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:١٣٥]، وعليك أن تعمل جاهدا في تزكية نفسك وتطهيرها بأخذها بالآداب المزكية، وتجنيبها بما يدنسها من سيء المعتقدات، وفاسد الأقوال والأفعال، فتدفعها إلى الطاعة وتصرفها عن الشر والفساد، ويتم إصلاحها وتأديبها بالتوبة والصدق فيه لقوله تعالى: ﴿يا أيها الذينَ آمَنوا توبوا إلى اللهِ توبةً نَصوحاً عسى ربكم أنْ يُكفِرَ عنكم سيئاتكُم ويدخلكم جنات تجري من تحْتِها الأنهار﴾ [التحريم:٨]، كما تلزم نفسك بمراقبة الله تعالى في كل لحظات حياتك حتى تتيقن اطلاع المولى عز جل عليك لقوله تعالى: ﴿إنَّ اللهَ كانَ عليكم رقيبًا﴾ [النساء:١]، ولقوله تعالى: ﴿واعلموا أنّ اللهَ يعْلَم ما في أنفسكم فاحذروه﴾ [البقرة:٢٣٥]، ولقوله تعالى: ﴿وما تكون في شأن وما تتلوا من قرآن ولا تعمَلونَ من عَمَلٍ إلا كنا عليكُم شهوداً إذ تُفيضون فيه﴾ [يونس:٦١]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»(٣)، ومن طرق إصلاحها وتزكيتها محاسبة النفس، فإن رأيت نقصا في عبادتك جبرتها بالنوافل إن كانت مما تنجبر وإلاّ استغفرت وندمت وأنبت وعملت من الخير ما تراه مصلحا لما أفسدت، قال تعالى: ﴿يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قَدَمَتْ لغدٍ واتقوا اللهَ إنَّ اللهَ خبيرُ بما تَعْمَلونَ﴾ [الحشر:١٨]، هكذا أهل التقوى والصلاح يخافون ربهم من فوقهم ويحاسبون أنفسهم عن تفريطها ويلومونها عن تقصيرها ويلزمونها التقوى، وينهونها عن الهوى تجاوبا مع قوله تعالى: ﴿وأما من خاف مقام ربه ونهى النفسَ عَنِ الهوى فإنَّ الجنّة هي المأوى﴾ [النازعات:٤٠-٤١-٤٢].
    والعلم عند الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّـد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    الجزائـر:٢١ صفر ١٤٢٦ﻫ
    الموافـق ﻟ:٣١ مارس ٢٠٠٥م

    (١) أخرجه مسلم في التوبة (٧١٢٩)، وأحمد: (٨٤١٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (٢) أخرجه ابن ماجه في «الزهد»: (٤٢٥٠)، والبيهقي: (٢١١٥٠)، والطبراني في «المعجم الكبير»: (١٠٢٨١)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال ابن حجر في «فتح الباري»: (١٣/ ٥٥٧): «سنده حسن»، وحسّنه الألباني في «صحيح الجامع»: (٣٠٠٨).
    (٣) أخرجه البخاري في الإيمان(٥٠)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في الإيمان(١٠٢)، وأبو داود في السنة(٤٦٩٧)، والترمذي في الإيمان (٢٨١٥)، والنسائي في الإيمان وشرائعه(٥٠٠٧)، وابن ماجة في المقدمة(٦٦)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


    في الوسائل المانعة للفتن

    السؤال:
    ما هي أعظم الوسائل لسد أبواب الفتن؟

    الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
    فالفتنة على قسمين: فتنة الشهوات وفتنة الشبهات.
    - أمّا فتنة الشهوات فسدُّ أبوابها بغضّ البصر وعدم الاختلاط والخلوة وحفظ الفرج بتحصينه بالزّواج، أو الصيام بتضييق مجاري الشيطان.
    - أمّا فتنة الشبهات: ففي فتنة الكفر فالواجب محاربة الكفر ووسائله الموصلة إليه بالحجّة والبرهان والدليل والبيان والقوة بحسب الحاجة والاستطاعة، أمّا فتنة البدعة فالواجب التعريف بحال أهل البدعة والتّحذير منهم وإظهار السنّة وتعريف المسلمين وقمع البدع بما يوجبه الشّرع من ضوابط، أمّا فتنة أهل السنّة فإنّ السّلامة لا يعدلها شيء والقعود أسلم إلاّ إذا ظهر الحقّ بالأدلّة الشّرعية فالواجب النّصرة والإعانة بحسب الاستطاعة.
    والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وسلّم تسليما.

    الجزائر في : ٣٠ جمادى الثانية ١٤٢٦هـ
    الموافــق لـــ: ٥ أوت ٢٠٠٥م

    تحريم الكذب

    السؤال:
    ما هو نوع الكذب الذي يعتبر إثما؟ وما حكم الكذب بغير قصد؟
    الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
    فإنّ الأصل في الكذب التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ فَإِنَّهُ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»(١).
    والكذب حرم لما فيه من الضرر على المخاطب أو من غيره فإن تعلقت به مصلحة شرعية أجيز كما إذا كان لا يتمّ مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنى عليه أو تعاشر الزوجين إلاّ به، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَحِلُّ الكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالكَذِبُ فِي الحرْبِ والكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الناسِ»(٢)
    غير أنّ إباحته مقتصرة على حد الضرورة لئلا يتجاوز إلى ما يستغنى عنه قال ثوبان مولى رسول الله: «الكَذِبُ كُلُّهُ إِثْمٌ إِلاَّ مَا نَفَعَ بِهِ مُسْلِمًا أَوْ دَفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا»(٣) ومع ذلك إذا أمكنه جلب هذه المنفعة أو دفع هذه المضرة عن المسلم بالمعاريض فـ «إِنَّ فِي المَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الكَذِبِ» كما نقل عن السلف هذه المقولة.
    والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

    (١) أخرجه مسلم في «صحيحه» كتاب البر والصلة والآداب، (٦٨٠٣)، والترمذي في «سننه»كتاب البر والصلة، باب في الصدق والكذب: (٢٠٩٩)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
    (٢) أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب البر والصلة، باب ما جاء في إصلاح ذات البين: (١٩٣٩)، وأحمد في «مسنده»: (٢٧٠٥٠)، من حديث أسماء بنت يزيد. والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع»: (٧٧٢٣)، وانظر «السلسلة الصحيحة»: (٢/ ٨٣).
    (٣) أخرجه مرفوعا الروياني: (٢٤/ ١٢٦/ ٢)، والبزار: (٢٠٦١)، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: (٥/ ١٩٢):"ضعيف". وورد موقوفا.

    تكرار التوبة من الكبيرة

    السؤال:
    ما حكم من يرتكب الكبائر وأمَّ الكبائر ثمَّ يتوب عنها ويعود إلى الله ومع مرور الوقت يعود إلى هذه الكبائر، هل تُقبل التوبة منه مرَّةً أخرى؟
    الجواب:
    الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
    فإنَّ نفس التائب هي إمَّا نفسٌ لوَّامةٌ، وإمَّا نفسٌ مسوِّلةٌ، والتوبة مقبولةٌ إذا استجمعت شروطها لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥]، وفي الحديث «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»(١)، فإنَّ من أقدم على معصيةٍ بعد توبته من غير قصدٍ ولام نفسه وندم وتأسَّف وجدَّد عزمه على أن يتشمَّر للاحتراز من أسبابها التي تعترض لها فهذه هي النفس اللوَّامة، لا تُلحق صاحبَها بدرجة المصرِّين ولا تنتقص توبتَه، أمَّا من أقدم على معصيةٍ عن قصدٍ لعجزه عن قهر شهوته مع مداومته على الطاعات لكنْ تسوِّل له نفسه ويسوِّف توبته يومًا بعد آخر فهذه هي النفس المسوِّلة، فهذا من حيث مداومته على الطاعة وكراهية ما يفعله مرجوٌّ عودته إلى التوبة غير أن عاقبتها خطيرةٌ نتيجةَ تسويفه وتأخيره التوبةَ، إذ قد يخترمه الموت ولم يتب منها، وأمرُه في ذلك على المشيئة.
    والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

    الجزائر في: ٢٩ ذي القعدة ١٤٢٢ﻫ
    الموافق ﻟ : ٢١جانفي ٢٠٠٢ م

    في حكم إسقاط الزانية حملها قبل نفخ الروح فيه

    السـؤال:
    امرأةٌ حاملٌ من الزِّنا تسأل: هل يجوز لها إسقاط حملها قبل نفخ الروح فيه؟
    الجـواب:
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
    فينبغي التفريقُ بين الإجهاض في حدِّ ذاته وبين الإجهاض لوجود مُسوِّغٍ شرعيٍّ.
    فأمَّا الإجهاض في ذاته إذا خلا من أي عُذرٍ شرعيٍّ مقبولٍ فهو عملٌ غيرُ مشروعٍ في جميع أطوار الجنين ومراحله؛ لأنه جنايةٌ على موجودٍ حاصلٍ، سواءٌ كان الحمل من نكاحٍ أو من سفاحٍ.
    علمًا أنَّ التحريم تزداد شِدَّتُهُ إذا بلغ الجنينُ الطورَ الثالثَ ونُفِخَ فيه الروحُ، فالعلماء يُجمعون على تحريم الإجهاض بعد مائةٍ وعشرين يومًا مِن بدءِ الحمل قولاً واحدًا، ويُعَدُّ إسقاطه -في هذه المرحلة- جريمةً موجِبةً للدِّية على تفصيلٍ في مقدارها مع وجوب الكفَّارة على الصحيح من اجتهاد الفقهاء، وتتمثَّل في صيام شهرين متتابعين بالنظر إلى عدم وجود رقبةٍ مؤمنةٍ يُعتقها؛ ذلك لأنَّ الإجهاض في هذه المرحلة يدخل في عموم النصوص القرآنية والحديثية وإجماعِ المسلمين على تحريم إزهاق نفسٍ حرَّم اللهُ قَتْلَها بغير حقٍّ، وعرَّض مَن فَعَل ذلك نَفْسَه لسخط الله عليه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: ٣٣]، وقال -أيضًا-: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣]، وفي حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»(١)، وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: وَشَهَادَةُ الزُّورِ»(٢)، وقد أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير وجه حقٍّ(٣).
    أمَّا الطوران الأوَّلان -وإن كان إثمُ جِنايةِ الإسقاطِ بينهما يختلف غِلظةً بحسَب المرحلة التي بلغ إليها الجنين- إلاَّ أنهما دون الطور الثالث في شِدَّة الذنب والإثم، فيُعَدُّ الإجهاض فيهما عملاً محرَّمًا، وإذا كان الجنين مُضغةً مخلَّقةً كان ذلك بمثابة الموؤودة، والوأدُ جنايةٌ على موجودٍ حاصلٍ يصيرُ مآلاً وبالقوَّة إنسانًا إذ «كُلُّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يَأْخُذُ حُكْمَهُ»، وضمن هذه الرؤية الفقهية المقاصدية يقول ابن الجوزيِّ -رحمه الله-: «لمَّا كان موضوع النكاح لطلب الولد، وليس مِن كُلِّ الماء يكون الولد، فإذا تكوَّن فقَدْ حصل المقصودُ، فَتعمُّد إسقاطه مخالَفةٌ لمراد الحكمة، إلاَّ أنه إن كان ذلك في أَوَّلِ الحمل قبل نفخ الروح فيه إثمٌ كبيرٌ؛ لأنه مُتَرَقٍّ إلى الكمال وسارٍ إلى التمام، إلاَّ أنه أقلُّ إثمًا من الذي نُفِخَ فيه الروح، فإذا تعمَّدتَ إسقاطَ ما فيه الروح كان كقتل مؤمنٍ، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٨-٩]»(٤)، وقال ابن جُزَيٍّ -رحمه الله-: «وإذا قَبَضَ الرَّحِمُ المَنِيَّ لم يجزِ التعرُّضُ له، وأشدُّ مِن ذلك إذا تخلَّق، وأشدُّ مِن ذلك إذا نُفخ فيه الروحُ فإنه قتلُ نفسٍ إجماعًا»(٥).
    هذا، وتختلف المسوِّغات الشرعية لإسقاط الحمل باختلاف أطوار نموِّ الجنين ومراحل تطوُّره، فإن كان الحمل في مدَّة الأربعين فإنَّ العذر في إسقاطه يتمحور على دفع ضررٍ حسِّيٍّ أو نفسيٍّ متحقِّقِ الوقوع، أو متوقَّعٍ غير متوهَّمٍ أو ظنِّيٍّ غالبٍ يلحق أُمَّه بالدرجة الأولى.
    ومن الأعذار المبيحة لإسقاط الجنين قبل نفخ الروح: العلاجُ للمرض، أو ضعفُ بدن المرأة و عجزُها عن تحمُّل الوضع، أو وجودُ مصلحةٍ شرعيةٍ كالسفرِ الطويلِ الشاقِّ، أو في حالٍ غيرِ آمنةٍ أو كون الولادة تسبِّب إرهاقًا، أو تزيد في المرض، وبعبارةٍ أخرى مقتضَبةٍ: أنَّ الجنين يشكِّل خطرًا على النفس وضررًا بالبدن.
    وليس من الأعذار في إسقاطه خشيةُ إعالة الولد أو الخوفُ من تربيته والقيام على رعايته صحِّيًّا وفكريًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا لعدم وجود الكفاية المالية للنهوض بتكاليف معيشتهم وتعليمهم، فهذا من المنطق الجاهليِّ الذي وُعظوا به مِن مثل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١]، ولحوقُ العار بالزانية الحامل ليس عُذرًا بمفرده في إسقاط الجنين إذا لم تقترن به مصلحةٌ شرعيةٌ أو دفعُ ضررٍ؛ لأنه يباح لمرتكب الزنا أن يستر على نفسه كما يباح له أن يراجع القاضيَ الشرعيَّ ويعترف بالزِّنا، وهو محلُّ إجماعٍ، مع اختلاف العلماء في الأفضلية منهما، بخلاف المرأة الحامل من نكاحٍ أو سفاحٍ فلا يجوز لها أن تكتم حَمْلَها، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، والآية -وإن وردت في شأن الحامل من الزوجات المطلَّقات- إلاَّ أنَّ «العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ»؛ ذلك لأنَّ أمر الحمل لا يُعلم إلاَّ من جهتهنَّ، فردَّ الأمرَ إليهنَّ وتوعَّدهنَّ فيه لئلاَّ يخبرن بغير الحقِّ، ويؤيِّده حديث عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: «جَاءَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي»، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدُّنِي، لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى»، قَالَ: «إِمَّا لاَ فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي»، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: «هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ»، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: «هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ»، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلاً يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ»(٦)، والحديث يحتمل أن يكون حملُها –حالَ اعترافها- في بداية تكوين الجنين أو في نهايته، وحملُه على الطور الثالث وإن كان يحرم إسقاطه بالإجماع -فيما تقدَّم- إلاَّ أنه يُحتاج في تعيينه إلى دليلٍ مبيِّنٍ، فضلاً عن أنَّ حياةَ الجنين أَوْلى مصلحةً، وإسقاطه أشدُّ مفسدةً من لحوق العار بالزانية.
    - ولا يجوز إجهاض الجنين -أيضًا- إذا كان عَلَقَةً أو مُضْغَةً للأسباب السابقة إلاَّ إذا تقرَّر طِبًّا من هيئةٍ مختصَّةٍ موثوقٍ فيها بأنَّ نموَّ الجنين ينعكس سلبًا على صِحَّة أُمِّه وسلامتها، بحيث يُفضي إلى اضطراب بعض أجهزتها الجسمية أو يُخشى فتقُ موضعِ عملياتٍ جراحيةٍ أُجريت لأُمِّه سابقًا، ونحو ذلك من الأخطار التي تسوِّغ إسقاطَ الجنين بعد استنفاد كافَّة السبل الوقائية لتفادي هذه الأخطار.
    هذا، ولو أجهضت المرأةُ ما في بطنها في الطور الأوَّل والثاني من مراحل تكوين الجنين من غير مسوِّغٍ شرعيٍّ يخوِّل لها إسقاطَه فإنَّ إثم الفاعلِ والمُعينِ يثبت من غير ترتُّبٍ لأحكام المسؤولية الجنائية من جهة وجوب الدية والكفَّارة؛ ذلك لأنَّ النطفة والعَلَقَة لا يُطلق عليهما مُسمَّى الجنين ولا تأخذان حكمَه، لذلك لا تترتَّب عليهما آثار المسؤولية الجنائية.
    أمَّا المضغة المُخَلَّقة التي صوَّرها الله بصورةِ الآدميِّ، وظهر فيها الرأس واليدان والرجلان أو بعضها؛ فهي بهذا الاعتبار تسمَّى جنينًا على الأصحِّ، سواءٌ ظهرت الصورة عيانًا أو كانت الصورة خفيَّةً تعرفها القوابل ويشهدن بوجودها، وهو مذهب الشافعية والحنابلة(٧)، أمَّا مذهب الحنفية فلا يُعطون المضغةَ حكم الجنين إلاَّ إذا تبيَّن شيءٌ من خَلقه(٨)، وعلى العكس من الرأيين السابقين فإنَّ المالكية يعتبرون العَلَقَة في حكم الجنين إذا كانت مهيَّأةً للانتقال إلى طور المضغة، وتُعرف بعدم ذوبان الدم المجتمع فيها إذا صُبَّ عليها الماء الحارُّ، بخلاف ما يذوب فلا يُعطى له حكمُ الجنين(٩).
    وإذا أُعطيت المضغةُ المُخَلَّقةُ حكمَ الجنين دون ما تقدَّمها من مراحل الحمل على الصحيح؛ فإنَّ إسقاطها تترتَّب عليه أحكام المسؤولية الجنائية.
    هذا، ومن بابٍ أَوْلى وأوكد أنه لا يحلُّ إسقاطه بعد الطور الثالث عند تمام أربعة أشهرٍ من الحمل ونفخ الروح فيه إلاَّ إذا كان بقاء الجنين ونموُّه في بطن أُمِّه يُؤدِّي حتمًا إلى موتها بتقرير هيئةٍ طبِّيةٍ موثوقٍ بها فإنه -والحال هذه- يرخَّص في إسقاطه محافظةً على أصل الجنين -وهو أُمُّه- لأنها سببٌ في وجوده فلا يكون سببًا في موتها، وهو عذرٌ شرعيٌّ مقبولٌ عملاً بأهون الضررين وأخفِّ المفسدتين، وجلبًا لأعظم المصلحتين.
    والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
    الجزائر في: ٥ جمادى الثانية ١٤٣٠ﻫ
    الموافق ﻟ: ٢٩ مايو ٢٠٠٩م

    (١) أخرجه البخاري في «الديات» (٦٨٧٨)، ومسلم في «القسامة» (١٦٧٦)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
    (٢) أخرجه البخاري في «الديات» باب قول الله تعالى: ﴿ومن أحياها﴾ (٦٨٧١)، ومسلم في «الإيمان» (٨٨)، من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
    (٣) «المغني» لابن قدامة (٧/ ٦٣٥).
    (٤) «أحكام النساء» لابن الجوزي (١٠٨-١٠٩).
    (٥) «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (٢٠٧).
    (٦) أخرجه مسلم في «الحدود» (١٦٩٥)، من حديث بريدة رضي الله عنه.
    (٧) انظر: «مغني المحتاج» للشربيني (٤/ ١٠٣-١٠٤)، «المغني» لابن قدامة (٧/ ٨٠٢).
    (٨) «الدرُّ المختار وردُّ المحتار» لابن عابدين (٦/ ٥٩٠).
    (٩) «الشرح الكبير» للدردير معه «حاشية الدسوقي» (٤/ ٢٦٨).

    في خطر السفر إلى ديار الكفر على دين المسلم

    السـؤال:
    أنا أستاذٌ جامعيٌّ أسافرُ كُلَّ سنةٍ إلى بلاد الكفر من أجل البحث العلمي، وفي يومٍ من الأيَّام وبينما أنا داخل الحافلة، جَلَسَتْ إلى جنبي فتاةٌ بدأت تلامس يدي وأماكنَ حسَّاسةً من جسدي ممَّا أثار غريزتي وشهوتي فخرج منِّي المني، وأنا إلى اليوم متحسِّرٌ ونادمٌ على ما اقترفتُ، فما حكم هذا العمل؟ وما يلزمني؟ وما هي نصيحتكم؟ وبارك الله فيكم.
    الجواب:
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
    فلا يخفاك أنَّ مساكنةَ أهل الكفر في ديارهم والإقامةَ بين أَظْهُرِهِمْ تُورثُ المشاكلةَ والانصهارَ، وفيها خَطَرٌ على دِينِ المسلمِ وعلى أخلاقِهِ، خاصَّةًَ مَن يرى نفسَهُ بعيدًا عن أنظار ذويه من المقرَّبين أو إخوانِه، لذلك ينبغي على المرء إذا اقتضت الحاجةُ الذهابَ إلى هذه البلدانِ أن يصون نفسَهُ بعلم الشريعة وبإظهار شعائرِها حتى يأمن الفتنةَ، وأن يجعل اللهَ رقيبًا على أفعاله حتى يحرص على الابتعاد عن أماكن الهوى وبُؤَرِ الفتنة، ومع ذلك إن وقع في مثل محظورك الذي هو وسيلةٌ إلى الزنا والفاحشة المحرَّمةِ شرعًا فإنه دون المقصد المحرَّم، إذ الوقوعُ في الوسائل المحرَّمة ليس كالوقوع في مقاصدها من حيث الجزاءُ والعقاب، ولا يترتَّب على الوسيلة المحرَّمة كالاختلاط الماجن والخلوة الآثمة وغيرها ممَّا هي ذرائع إلى المحرَّمات إلاَّ التوبة النصوح المتمثِّلة في الندم على ما ارتكبَ والإقلاعِ عنه وعدمِ الإصرار عليه من مكفِّرات الآثام مهما عظمت خاصَّةً إذا استتبعها بالعمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٦٩-٧٠]، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ»(١)، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ»(٢).
    والعودةُ إلى الله والإنابةُ إليه مرفقةً بالعمل الصالح مع عزيمةٍ وثباتٍ وصَبْرٍ لَهِي أعظم طُرُقِ الاستقامة والاعتدال الموصِلة إلى رضوانه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦].
    نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى لنا ولكم الهدايةَ والرشاد وقَبولَ الأعمال والاستقامة على الهدى والخير، وأن يبعدنا وإياكم من الزَّلَلِ والخطأ والفتن ما ظهر منها وما بطن.
    وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
    الجزائر في: ٢٤ صفر ١٤٢٨ﻫ
    الموافق ﻟ: ١٣ مارس ٢٠٠٧م

    (١) أخرجه ابن ماجه في «الزهد» باب ذكر التوبة (٤٢٥٠)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. قال ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٥٥٧) «سنده حسنٌ»، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (٣٠٠٨).
    (٢) أخرجه مسلم في «التوبة» (٢٧٤٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

    في دفع الوسواس والخطرات الشيطانية

    السؤال:
    أعاني من وساوس الشيطان، حيث أجد في نفسي سؤالاً محيِّرًا، وهو: ما هو الشيء الحسِّيُّ الذي يُثبت صحَّةَ نبوَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فما هو الحلُّ لهذه المشكلة؟ وجزاكم الله خيرًا.
    الجواب:
    الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
    فالواجب على المسلم أن يملأ نفسَه بالإيمان، وأن يطرح كلَّ ما يجول في خاطره من حديث نفسٍ ووسواس الشيطان، يحول بينه وبين الله سبحانه وتعالى، ويدَعَ الشكوك والظنون التي إن لم يحاربها جادًّا بقوَّة العزيمة والثبات وقع في شباكها وشراكها، لكن إذا كانت المقاومة ودفع الوساوس بصبرٍ واحتسابٍ فإنَّ ذلك من الإيمان، كما جاء بعض الصحابة رضي الله عنهم النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فَسَأَلُوهُ: «إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ»، قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ؟» قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ»(١)، هذا إذا وردت على قلبه دون شبهةٍ فليستعذ بالله وليقل: «آمنتُ بالله ورسله» لقوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠]، ولقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ، وَلْيَنْتَهِ»(٢)، ومن طريقٍ آخر: «فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ»(٣)، ولذلك ينبغي للإنسان اللجوءُ إلى الله سبحانه وتعالى لطرح الوساوس، ويدفعها بالإعراض عن الإصغاء إليها والمبادرة إلى قطعها بأن يتعوَّذ بالمعوِّذات وقراءة آية الكرسيِّ وكثرة الذكر، ومنها قوله: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» عشر مرات عقب صلاة المغرب وعقب صلاة الصبح(٤) أيضًا، وكذلك إذا قال: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ َكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ(٥)، ومن الذكر أيضًا قراءةُ سورة البقرة والتعوُّذُ «بكلمات الله التامَّات من غضبه وعقابه ومن شرِّ عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرونِ»، ومن جملة الأدعية أن يتعوَّذ من الشيطان بقوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ»(٦).
    أمَّا الخواطر المستقرَّة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تُدفع إلاَّ باستدلالٍ ونظرٍ في إبطالها، ومن الأدلَّة الحسِّيَّة على صحَّة نبوَّته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فكثيرةٌ منها: ما أخبر بالغيوب المستقبَلة المطابِقة لخبره صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من إظهار دينه وإعلاء كلمته واستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمَّته الأرضَ، وما أخبر به من غلبة الروم فارسَ في بضع سنين، وما أخبر به أنَّ كنوز كسرى وقيصر ستُنْفَق في سبيل الله، وأخبر يوم بدرٍ قبل الوقعة بيومٍ بمصارع القتلى واحدًا واحدًا فكان كما أخبر، وبشَّر أمَّتَه بأنَّ مُلْكَهم سيمتدُّ في طول الأرض فكان على نحو ما أخبر، وأخبر أيضًا بأنْ لا تقومَ الساعة حتى تقاتل أمَّتُه قومًا صغارَ الأعين ذُلْفَ الأنُوف، كأنَّ وجوههم المَجانُّ المُطرَقَةُ وهي حليةُ التتار فكان كذلك، كما أخبر أنَّ عمَّارًا ستقتله الفئة الباغية، فقُتل يوم صِفِّين مع عليٍّ رضي الله عنه، كما أخبر أنَّ الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما سيُصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما أخبر، وأخبر بقتال الخوارج، ووصف لهم ذا الثُدَيَّةِ، فوُجد كما وَصف سواءً سواءً.
    ومنها: ما بشَّرت الكتبُ السماوية المتقدِّمة برسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من التوراة والإنجيل مكتوبٌ فقال الله تعالى عن نبيِّه عيسى بن مريم أنه قال: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]، وروى البخاريُّ عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنه وجد صفتَه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وذَكَرها، وفي توراة اليوم التي يُقِرُّ اليهود بصحَّتها في السفر الأوَّل أنَّ الله تعالى تجلَّى لإبراهيم وقال له ما معناه: «قم فاسلك في الأرض طولاً وعرضًا لولدك تعظيما» ومعلومٌ أنه لم يملك مشارقَ الأرض ومغاربَها إلاَّ محمَّدٌ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كما جاء في الصحيح عنه أنه قال: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»(٧)، وأمَّا معجزاته فكثيرةٌ منها: انشقاق القمر وقد رُئي بالعيان، وحنين الجذع، وتسبيح الحصيات، وخروج الماء بين أصابعه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ومنها إخبار النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بقوافل قريشٍ التي كانت برحلة الشتاء والصيف عند الإسراء به إلى المسجد الأقصى، ومن أعظم المعجزات القرآنُ الكريم الذي تحدَّى العربَ وفُصَحائهم وبُلَغائهم بأن يأتوا بآيةٍ من مثله، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، ومعجزاتٌ أخرى حسِّيَّةٌ فيه فهو صادقٌ فيما أخبر ويجب على المسلم حتى يصحَّ إيمانُه أن يصدِّق به، فمن شكَّ فيه أو في رسالته ممَّا يستقرُّ في النفوس التي توجبها الشبهةُ فعليه أن يجدِّد إيمانَه.
    نسأل اللهَ العظيم ربَّ العرش العظيم أن يقيَنا وإيَّاك شرَّ الشيطان ومكائده ومصائده ويثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وأن يسدِّد خطانا، ويجعلنا من حماة الدين ومن الذابِّين عن سنَّته، اللَّهمَّ إنَّا نسألك إيمانًا يباشر قلوبَنا ويقينًا صادقًا، ويجعلنا من الراشدين، اللَّهمَّ إنَّا نعوذ بك من الشكِّ والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.
    والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
    الجزائر في: ١٤ ربيع الأول ١٤٢٧هـ
    الموافق لـ: ١٢ أفريل ٢٠٠٦م

    (١) أخرجه مسلم في «الإيمان» (١٣٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (٢) أخرجه البخاري في «بدء الخلق» (٣٢٧٦)، ومسلم في «الإيمان» (١٣٤)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (٣) أخرجه أحمد (٢١٨٦٧)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٣٧١٩) من حديث خزيمة بن ثابتٍ رضي اله عنه، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (١٦٥٧).
    (٤) أخرجه الترمذي (٣٤٧٤)، من حديث عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله عنه.
    (٥) أخرجه البخاري في «الدعوات» (٦٤٠٣)، ومسلم في «الذكر والدعاء» (٢٦٩١)، من حديث أَبِي هريرةَ رضي الله عنه .
    (٦) أخرجه الترمذي في «الدعوات» (٣٥٢٩)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وحسَّنه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠/ ١٢٢)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (٧٨١٣).
    (٧) أخرجه مسلم في «الفتن وأشراط الساعة» (٢٨٨٩)، من حديث ثوبان رضي الله عنه.

    في حُكم تَعداد حلقِ اللِّحية من الكبائر

    السـؤال:
    هل حلقُ اللحية من الكبائر؟ وجزاكم الله خيرًا.
    الجـواب:
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
    فاللِّحيةُ من شعائرِ المسلمِ التي يتميَّزُ بها عن الكافِرِ امتثالاً لأوامر النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بها في عِدَّة نصوصٍ مخالَفةً لليهود والنصارى، لذلك كان حلقُها معصيةً لأمر النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الذي قال تعالى في شأنه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، لكنَّها دون الكبيرة؛ لأنَّ الكبيرة هي: كلُّ ذنبٍ يوجب حدًّا في الدنيا أو وعيدًا في الآخرة كأن يتوعَّد الله تعالى مرتكبه بنارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذابٍ، أو سمَّاه الله ورسوله كبيرًا، فكلُّ ذلك وعيدٌ وإكبارٌ، وما عداه فلا يدخل فيه.
    والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
    الجزائر في: ١٩ من ذي الحجة ١٤٢٧ﻫ
    الموافق ﻟ: ٠٨ جانفي ٢٠٠٧م

    في نصيحة من يسوِّف التوبة

    السـؤال:
    ما هي النصيحة التي تقدِّمونها لشابٍّ أعزبَ يُدَرِّس الصبيانَ وتميل نفسُه إليهم كثيرًا إلى درجةِ أنه وَقَع في هذه الذنوب والمعاصي بسبب مخالطتهم، وهو يُسَوِّفُ التوبةَ؟
    الجـواب:
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
    فاعلم أنَّ طريق الخلاص من الذنوب إنما هو بالتوبة واستغفار الله تعالى، قال جلَّ وعلا: ﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ [المائدة: ٧٤]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣]، فتعيَّن على التائب مِن ذنوبه الإقلاعُ عن الذنب بالقلب والجوارح مع الندم على المعصية، والعزمِ على عدم الرجوع إليه، ولا بدَّ للمغفرة من الإقلاع عن الذنب وإصلاح الحال، قال تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٩]، كما أنَّ الواجب عليه أن يستبدل العملَ السيِّئَ بالعمل الصالح حتى تصدق توبتُه، قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: ٧٠-٧١]، وتغييرُ العملِ السيِّئ باجتناب موارد الفتن المُوقِعَة في الشهوات والفاحشة كمخالطة الصبيان والمِرْدان والنسوان، وإذا لم يتمَّ ذلك إلاَّ بترك التدريس فعليه فِعْلُه؛ لأنَّ «مَا لاَ يَتِمُّ تَرْكُ الحَرَامِ إِلاَّ بِتَرْكِ الجَمِيعِ فَتَرْكُهُ وَاجِبٌ».
    والتوبةُ واجبةٌ بظاهر الآيات والأخبار، ولا خلافَ في وجوبها، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: ٨]، أي: خاليةً من الشوائب، وهي واجبةٌ على الفور لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٧]، قال النووي -رحمه الله-: «اتَّفقوا على أنَّ التوبةَ من جميع المعاصي واجبةٌ، وأنها واجبةٌ على الفور لا يجوز تأخيرُها، سواءٌ كانت المعصية صغيرةً أو كبيرةً»(١).
    ثُمَّ اعلم أنَّ المعاصيَ مهلكاتٌ تبعث بالضرورة على تركها، فمن لم يتركها فهو فاقد الإيمان المطلق، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(٢).
    فعليك أن تسلك سُبُلَ الهِداية، وأن تترك سُبُل الغواية، وأن تلتزم الاستقامةَ حتى تنال الكرامةَ، وطالعْ لزومًا كتاب «الداء والدواء»(٣) لابن قيِّم الجوزية، فتجد فيه ما يُعينك على إصلاح حالك، ويساعدك على تقويم سلوكك وأخلاقك، فترجع إلى الحقِّ وتَحْذَر من الرجوع إلى فِتَن الشهوات بعد التوبة؛ لأنَّ العودة إلى تلك المعاصي خطرٌ على دِين المرء، وكذا مَن ترك المبادرةَ إلى التوبة بالتسويف كان بين مَهلكتين عظيمتين: إمَّا أن تتراكم الظُلمة في قلبه من المعاصي حتَّى يَسْوَدَّ، فيصير طبعًا له فلا يقبل المحو، وإمَّا أن يستعجله المرضُ أو الموتُ فلا يجد سبيلاً للتدارك أو مُهلةً للاشتغال بمحو الذنوب والمعاصي.
    والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
    الجزائر في: ٢١ ربيع الأول ١٤٢٩ﻫ
    الموافق ﻟ: ٢٩ مارس ٢٠٠٨م

    (١) «شرح مسلم» للنووي (١٧/ ٥٩).
    (٢) أخرجه البخاري في «المظالم» باب النهبى بغير إذن صاحبه (٢٤٧٥)، ومسلم في «الإيمان» (٥٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    (٣) يمكن مراجعة الكلمة الشهرية ضمن الموقع الموسومة: «طُرُق الخلاص من الذُّنوب وتكفير السيِّئات».


يعمل...
X