إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد

    الملفات في المرفقات
    الملفات المرفقة

    تعليق


    • #17
      رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد

      الملفات في المرفقات
      تم بحمد الله
      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #18
        رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد




        [صوتية وتفريغها]

        (مجالس رمضان في التعليق على تفسير الحافظ ابن كثير لآيات من القرآن الكريم عقدها فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله تعالى ورعاه-، في بيته بمكة المكرمة خلال شهر رمضان المبارك لعام اثنين وثلاثين وأربع مئة وألف (1432) للهجرة النبوية الشريفة.)


        الشيخ العلَّامة ربيع المدخلي-حفظه الله-: ...هذه من الآيات العظيمة الداعية إلى توحيد الله-تبارك وتعالى-.


        بسم الله الرحمن الرحيم


        يقول الله-تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة/ 12-22).


        التعليق:


        هذه من الآيات العظيمة الداعية إلى توحيد الله-تبارك وتعالى-، وإخلاص الدين له، ومحاربة الشرك واتخاذ الأنداد مع الله-تبارك وتعالى-، ساق هذه الآية يدعوهم إلى توحيد العبادة ويسوق الأدلة والحجج والبراهين على أنَّه المعبود الحق وحده لا شريك له في ذلك.
        وهو الذي خلق السماء وجعلها سقفًا محفوظًا لكم، وجعل الأرض لكم قرارًا، وجعل لكم خلالها أنهارًا، وأنزل من السماء ماءً فأنبت لكم به من أنواع النباتات وضروب الثمرات-سبحانه وتعالى-.
        فالذي خلقكم-أوجدكم من العدم-وأنعم عليكم بهذه النعم وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض هو المعبود وحده الذي يستحق العبادة لا شريك له-سبحانه وتعالى-في شيء من العبادات.
        فطريقة القرآن أنَّه يأتي بالآيات الداعية إلى التوحيد ويدعمها بالأدلة الدالة على توحيد الإلهية، ويدعمها بالأدلة الدالة توحيد الربوبية، فالرب هو الخالق الرازق المحيي المميت، والرب هو المعبود وهو الذي يستحق العبادة لأنَّه هو الرب الخالق الرازق المحيي المميت-سبحانه وتعالى-، فلا يجوز أن يتَّخذ معه ندًّا فإنَّ ذلك من أعظم الجرائم وأكفر الكفر وأشد الشرك بالله-تبارك وتعالى-.
        والقرآن مليء بالدعوة إلى توحيد الله-تبارك وتعالى-بأنواعه، توحيد العبادة، توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات، والسنَّةُ كذلك، ولكنَّ كثير من الناس جهلوا هذا فوقع كثير منهم في الشرك في العبادة، وكثير منهم يخلط بين الشرك في العبادة وبين الشرك في الربوبية ويضيف إلى ذلك تعطيل صفات الله-تبارك وتعالى-.
        والله-سبحانه وتعالى-ميَّز الطائفة الناجية المنصورة بأن تبقى على هذا الدين الحق وعلى إثبات أنواع التوحيد لله-تبارك وتعالى-، ومحاربة كل أنواع الشرك وألوانه، هم الوحيدون الذين ثبتوا على هذا الحق وعلى هذا النور وعلى هذا الهدى ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ [تبارك وتعالى] وَهُمْ كَذَلِكَ)[1].
        فاعرفوا هذا المنهج وتمسكوا به وعضُّوا عليه بالنواجذ وادعوا الناس إلى ذلك بالعلم وبالحجج والبراهين ( ...فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)[2].
        فالآيات كثيرة في القرآن حرَّم الله الدعاء وجعله شركًا أكبر ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)(الأحقاف/ 5-6).
        فهنا يقرِّر في هذه الآية من سورة الأحقاف أنَّه لا أضل مِمَّن يدعو غير الله، ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ...)، لو وقفت تدعو مئات السنين، تدعو الأموات والأنبياء والملائكة من دون الله-تبارك وتعالى-لا يمكن أن يستجيبوا لك (...وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) كما قال الله-تبارك وتعالى-، ولا يدرون ولا يشعرون بهذا الدعاء الباطل وهذا الشرك الأكبر-والعياذ بالله-.
        ثمَّ حكم في آخر الآية على هذا الدعاء بأنَّه كفر، قال: ( ...وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)، أي: دعائهم يجحدونه، يقولون: نحن ما أمرناكم أن تتخذونا أندادًا مع الله وأن تدعونا مع الله-سبحانه وتعالى-، يتبرؤون منهم.
        وحكم الله في هذا الدعاء بأنَّه ضلال، الدعوة لله، وأنَّه كفر بالله-تبارك وتعالى-، ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(فاطر/ 13)، افهموا هذا أيها الإخوة.
        ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ...)، هناك من يدعو عيسى[عليه الصلاة والسلام]، هناك من يدعو العزير[عليه الصلاة والسلام]، هناك من يدعو الرسول[صلى الله عليه وسلم]، هناك من يدعو الأولياء.
        ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)، هذا الكون كله ملك الله (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ...)(البقرة/ 284)، سبحانه وتعالى، لا شريك له في شيء من ذلك ولا في مثقال ذرَّة، فهؤلاء المدعوُّون من دون الله وإن كانوا أنبياء وإن كانوا صالحين الله لا يرضى أن يتخذ معه أندادًا-سبحانه وتعالى-، وإن كان الله يحبهم ويرضى عنهم لأنَّهم دعاة إلى توحيده وإلى إخلاص الدين لله، فكيف يتخذون أندادًا مع الله-تبارك وتعالى-؟.
        ومع هذا في المقام تقرير التوحيد يبين الله الحقائق كما هي واضحة جليلة ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)، الملائكة والأنبياء والصالحين ما يملكون من هذا الكون مقدار قطمير، القطمير هو: (الخيط في النواة)، والنقير هو: (النقرة في ظهرها) ما يملكون من قطمير.
        الذي لا يملك قطميرًا من هذا الكون كلُّه كيف تتخذوه ندًا لله-تبارك وتعالى-وتدعوه وتستغيثوا به وهو لا يملك قطميرًا من هذا الكون؟، والله هو المنفرد بخلق هذا الكون وملكه-سبحانه وتعالى-ولا شريك له في شيء من ذلك، فالآية هذه من ضمن آيات كثيرة تبين توحيد الله-تبارك وتعالى-.
        ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ...)، هل هناك يعني: هل يليق بإنسان ينتمي إلى الإسلام أن يقرأ هذه الآية التي يصدع الله فيها أنَّ المدعوِّين لا يملكون قطميرًا وأنَّهم لا يسمعون الدعاء (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ...)، كيف ما تصدِّق ربك؟، كيف ما تؤمن بالقرآن؟، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ...)، هذا كلام الحق كيف تشك فيه؟، الله يقول: ما يسمعون! أنت تقول: يسمعون! والله أعتقد في أنَّهم يعلمون الغيب وأنَّهم يتصرفون في الكون!.
        ويدعونهم من آلاف الأميال: يا عبد القادر! يا بدوي! يا جيلاني! يا فلان! يا فلان! يا رسول الله!، يكون في الهند وهو يدعو عبد القادر في العراق ميِّت مات من زمان، يعتقد أنَّه يسمعه وأنَّه يستجيب دعائه وأنَّه يغيثه وينقذه من الكربات، وكذلك البدو! وكذلك...وكذلك، هذا ضلال مبين-والعياذ بالله-.
        الذي أوقع كثيرًا من الأمَّة في هذا الضلال إنَّما هم الروافض الزنادقة، والصوفية وفيهم زنادقة وملاحدة، أوقعوا الأمَّة في هذا الضلال ودعوهم إلى عبادة غير الله، والذبح لهم، والنذر لهم، وتشييد القباب والبناءات على قبورهم، ما فعل اليهود والنصارى فعلًا إلَّا وفاقهم كثير من المسلمين في هذه الأفاعيل الشنعاء.
        فادعوا الله-سبحانه وتعالى-وحده وعلِّموا الناس هذا واعبدوه وحده وربُّوا أنفسكم وربُّوا أولادكم وأسركم وعشائركم على توحيد الله الخالص، فإنَّك والله معرض للنار والخلود فيها إن لم تتقن التوحيد، تتقن معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، التي تسأل عنها في قبرك وتخرج بها إن كنت عاصيًا من النار، تخرج بهذا التوحيد.
        فلو جئت بمليء الدنيا من نفقات من الذهب والفضَّة وأنت مشرك بالله يجعل الله ذلك كلَّه هباءً منثورًا، ولو عبدت الله ما عبدتَّه وأنت تتخذ معه أندادًا مع الله-تبارك وتعالى-فلن يقبل الله ذلك منك ويراه شركًا-سبحانه وتعالى-ويعاملك معاملة المشركين.
        نسأل الله أن يثبتنا وإيَّاكم على دينه الحق وعلى توحيده وأن يهيئ للأمة دعاة صادقين ناصحين مخلصين ليخرجوهم بعد الله من هذه المتاهات ومن هذه الضلالات التي أوقعهم فيها الروافض والصوفية والمتكلمون.
        المتكلمون لهم دور في تضليل الأمَّة، أهل الكلام وهم المعتزلة والجهمية والخوارج لهم دور كبير في تضليل الناس حتى في معنى لا إله إلا الله، يقولون لك: معنى لا إله إلا الله: لا خالق لا رازق!، الله لا خالق ولا رازق غيره لكن ليس هذا معنى لا إله إلا الله، لا إله إلَّا الله معناها: لا معبود بحق إلَّا الله، فلمَّا ضيعوا هذا المعنى-معنى لا إله إلَّا الله-وقعوا في المتاهات هذه.
        فبينوا للناس معنى لا إله إلَّا الله التي لو وضعت في كفَّة والسماوات بمن فيها والأرض بما فيها في كفَّة لرجحت بهنَّ لا إله إلا الله، كلمة التوحيد هذه لها منزلة عند الله-تبارك وتعالى-، لا يرقى إليها أي عمل.
        وفَّقنا الله وإيَّاكم وثبَّتنا على الحق إن ربنا لسميع الدعاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه [3]

        -----------------------------------------------
        [1] (عن ثوبان-رضي الله عنه-/ صحيح مسلم/ 170)

        [2] (عن سهل بن سعد-رضي الله عنه-/ صحيح البخاري/ 3701)

        [3] (مجالس رمضان في التعليق على تفسير الحافظ ابن كثير لآيات من القرآن الكريم عقدها فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله تعالى ورعاه-، في بيته بمكة المكرمة خلال شهر رمضان المبارك لعام اثنين وثلاثين وأربع مئة وألف (1432) للهجرة النبوية الشريفة.)



        المادة الصوتية



        تعليق


        • #20
          رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد


          وقفات مع آية الكرسي
          وما تضمنته
          من أقسام التوحيد الثلاثة

          3 رمضان 1431هـ

          للعلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
          حفظه الله
          الملفات المرفقة

          تعليق


          • #21
            رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد




            قال الشيخ ربيع حفظه الله في شرح وصايا لقمان الحكيم لإبنه


            ومن الحكمة أن تسير على منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوة الناس وتريبتهم على دين الله؛ تبدأ بالأهم فالأهم .
            فلا شك أن العقيدة والتوحيد وتطهير العقول والمجتمعات من الشرك هذا هو الأساس الأصيل الذي لا يجوز أن يُبدأ بشيء قبله، والذي يتجاوز هذا المنهج ويخترع مناهج تخالف هذا المنهج فقد ضل سواء السبيل .
            ﴿ لا تُشْرك بالله إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيم ﴾ لا أعظم من الشرك بالله تبارك وتعالى؛ لأنه ذنب لا يغفر قال تبارك وتعالى ﴿إن الله لا يغفرُ أن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء﴾ ﴿ومن يشرك بالله فكأنما خَرَّ مِنالسماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مَكان سَحيق﴾ ،قال: ﴿ إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيم ﴾.
            عن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُواإِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شَقَّ ذلك على أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: أَيُّنَا لم يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟! فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( ليس كما تَظُنُّونَ إنما هو كما قال لُقْمَانُ لإِبْنِهِ: يا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).([1])
            فبين لهم أن المراد بالشرك إذا أطلق إنما هو الشرك الأكبر، والكفر العظيم الذي يستحق صاحبه غضب الله الشديد وتعذيبه الخالد المؤبد؛ذنب لا يغفر ولهذا قال لقمان لابنه : ﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾.

            ----------------------------
            [1]- أخرجه البخاري في صحيحه برقم (653.


            ثم قال حفظه الله


            بعد هذا استكمل الله تعالى وصية لقمان ووعظه لابنه فقال : ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ .دعاه إلى التوحيد وبين له علم الله وعظمته وقدرته؛ علمه الذي أحاط بكل شيء في السماوات وفي الأرضين، وأن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، فهذا العلم علمه الأنبياء؛ كل الأنبياء يعرفون هذا ويلقنون الناس هذه العقائد، وهذا مما تلقاه لقمان من النبوات، ويذكر أنه كان معاصرا لداود عليه الصلاة والسلام، بعد رسالة نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى والأنبياء بعد موسى عليه الصلاة والسلام إلى داود، فهذه الأمور موجودة عندهم؛ الأمربتوحيد الله ووصف الله بصفات الكمال، ومنها قدرته على كل شيء؛ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء صغيرا كان أو كبيرا ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَاأَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ .
            وإن الله أحاط بكل شيء علمًا وأن العباد لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء سبحانه وتعالى، فكل ذرة في الكون وكل قطرة وكل ورقة وكل شيء يعلمه الله تبارك وتعالى لا يخفى عليه من خافية ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّهُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّيَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍإِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام 59)، علمها الله سبحانه وتعالى وسجلها في لوحه المحفوظ، وسجل الأعمال في الصحف التي تكتبها الملائكة على العباد منخير أو شر .
            والله ما سجل في الكتاب هذا لأنه ينسى -تعالى الله عن ذلك-،وإنما هو يعلمها قبل أن تكتب وبعد أن تكتب، وفي كل لحظة من اللحظات لا يغيب عنه شيءسبحانه وتعالى في السماء ولا في الأرض؛ هذه الجبال، هذه الرمال، هذه القطرات، هذهالبحار بأمواجها وقطراتها وما فيها من حيوانات وما فيها من مخلوقات، فالله يعلمهابكلياتها وجزئياتها صغيرها وكبيرها، أحاط بكل شيء علما سبحانه وتعالى .
            هذه العقيدة يلقنها لقمان لابنه ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُمِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ﴾ صخرة صماء يعني قوية متينة لا ينفذ أحد إلى ما فيها الله يعلمها ويخرج هذا المثقال حبة من هذه الصخرة؛ يخرجها ويحاسب عليها فاعلها إن كانت سيئة أو خطيئة وإن كانت حسنة لا تضيع عند الله تبارك وتعالى﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراًعَظِيماً ﴾ (النساء 40).
            ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ أَدَقّ الأشياء لا وزن لها والله سبحانه وتعالى يعلم وزنها ومقدارها وأين كانت في السماوات أو في أعماق البحار أو في صخرة من الصخرات، بعضهم يقول الصخرة التي تحت الأرضين، لكن الظاهر أعم؛ في أي صخرة من الصخرات، يعني هذه مبالغة في بيان نفوذ علم الله وقدرته سبحانه وتعالى وأنه لايعجزه شيء ولا يخفى عليه مثقال ذرة سبحانه وتعالى .
            هذه عقيدة عظيمة يجب أن يستحضرها المسلم في كل لحظة من لحظات حياته؛ يستحضر أن الله مطلع عليه ورقيبٌ عليه وعالمٌ به سبحانه وتعالى وقادرٌ عليه وقادرٌ على كل شيء هذه عقيدة عظيمة يجب أن يلاحظها المسلم وأن يستحضرها دائما .
            ولهذا؛ لقمان -أولا- دعا ابنه إلى ترك الشرك ونهاه عنه ومعنى هذا أنه يأمره بالتوحيد وبين له خطورة الشرك بالله ﴿ إنَّ الشِّرك لَظُلْمٌ عَظيم ﴾ثم بين له عظمة الله تبارك وتعالى عظمة الله لألا يتخذ السفهاء معه أندادا وهذا بعد صفات كماله سبحانه وتعالى وإلا فلله الأسماءالحسنى ولا يحيط بها إلا هو(لا أُحْصِي ثناءً عليك أنتَ كمَاأثنيتَ على نفسكَ)([3]) وأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في مناجاته لربه أن لله أسماء أخرى قد يعطيها ويعلمها من يشاء من عباده وقد يستأثر بها .
            ( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لك سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوعَلَّمْتَهُ أَحَداً من خَلْقِكَ أو أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَبِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) ([4]).عليه الصلاة والسلام؛ فهاتان الصفتان من صفات الله؛ القدرة على كل شيء، والعلم المحيط بكل شيء، فيجب على المسلم أن لا يغفل عن هذين الوصفين؛ العلم المحيط والقدرة الشاملة ويستحضر بقية أسماء الله وصفات كماله؛ فإنه كلما استحضر كمالات الله بصفاته وأسمائه كلما ازداد له هيبةوحياء وتعظيما وإجلالا وخوفا ورغبة ورهبة؛ كلما استحضر أسماء الله الحسنى وصفاتهالعليا كلما وجدت هذه المعاني والآثار الطيبة في نفسه، وهذا توفيق من الله؛ من أرادالله توفيقه منحه هذه الذاكرة الطيبة والمشاعر الطيبة النبيلة ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾(الكهف 2 فنعوذ بالله من الغفلة والنسيان؛ الغفلة عن ذكر الله وذكر الله ليس باللسان فقط وإنما الغفلة عن استحضارعظمته وجلاله سبحانه وتعالى وقدرته وعلمه واطلاعه وعدله سبحانه وتعالى وإحسانه وكرمه .


            -----------------------------------------

            [3] - أخرجه مسلم في صحيحه برقم (486).

            [4] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3712) وصححه الألباني في الصحيحة رقم (199).

            تعليق


            • #22
              رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد




              عقيدة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
              لفضيلة الشيخ العلامة
              ربيع بن هادي عمير المدخلي
              رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية <سابقا>



              السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
              إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
              ﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
              أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ  وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
              عقيدة الأنبياء عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم جاؤوا كُلُّهم بعقيدةٍ واحدة ودينٍ واحد أخبر الله عنه بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [آل عمران/19] ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران/85] وهذا دين جميع الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلام، وسَمَّى الله جميعَ الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلام مسلمين، والآيات في ذلك كثيرة، هذا الدِّين دينُ الأنبياء، هذه العقيدة هذا التوحيد يتمثل في توحيد الرُّبوبية وتوحيد الأسماء والصِّفات وتوحيد العبادة، توحيد الرُّبوبية يُؤتَى به كأدلة وبراهين على الكافرين لإلزامهم؛ لأنَّهم يعترفون به؛ فتأتي أدلة وبراهين لإلزامهم بما خالفوا فيه الرُّسُل وكَذَّبوا فيه الرُّسُل وعَانَدوا فيه الرُّسُل الكرام عليهم الصَّلاّةُ وَالسَّلاَم، تأتي الحُجَج تُلزِمُهم بطاعة الرُّسُل واتِّبَاعِهم وتصديقهم؛ لأنهم ما جاؤوا إلاَّ بالحقِّ، وهذا الحق دليله هو توحيد الربوبية؛ لأنَّهم إذا كانوا يعترفون بأنَّ الله هو الذي خلق السَّموات والأرض ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [لقمان : 25] ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس : 31] تُسَاق هذه الأدلة والحديث عن خلق السَّموات وعن خلق الأرض وعن خلق الإنسان والحيوان والنَّبات والجبال والبحار وتسخير الرِّياح وتسخير الشمس والقمر، كلُّ هذه الآيات دالة على أن الله هو ربُّ هذا الكون وخالقه ومدبِّرُه؛ وبالتالي هو الذي يستحق أن يُعبَد، فإذا قال الرَّسول  لأمته اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت كان حقًا عليهم أن يُهرَعوا إلى الاستجابة، يستجيبون له ويصدِّقوه، وكان لكلِّ نبيٍ من الأدلة والآيات والبراهين ما تقوم به الحُجَّة على أمته التي يدعوها للحق، ثمَّ تخالفه! وأريد أن أدخل في توحيد العبادة الذي ضَلَّت فيه الأمم، وبُعِثَت إليهم الرُّسُل لتصحيح هذا الانحراف وهذا الضَّلال في هذا الميدان، كان الناس يتَّخذون من عبادة الأوثان ومن عبادة القبور ومن عبادة الكواكب والشَّمس والقمر يتخذون منها في زعمهم مُنطَلَقًا إلى التقرب إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ، يتقرَّبون إلى هذه المعبودات التي ذكرناها لغرض ـ في زعمهم ـ وقصد أن تُقَرِّبَهُم هذه المعبودات، وتشفع لهم إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ في تحقيق مطالبهم الدنيوية، ويأتي الرُّسُل يوجهونهم إلى طريق الحق وإلى إخلاص الدِّين لله ـ تبارك وتعالى ـ، ويؤمن من يؤمن، ويكفر من يكفر، ثم في النهاية يأتي عقاب الله ـ تبارك وتعالى ـ الصَّارم للمُكَذِّبين؛ كما قصَّ الله عن قوم نوح أنَّه أغرقهم بعد أن دعاهم ألف سنة إلاَّ خمسينَ عامًا وهم يُكَذِّبُونه، وقال الله  في شأنهم لما تحدَّث عن الكافرين قال: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾ [النجم : 52]؛ وإذا جاء يوم القيامة يَّسأل الله نوحًا هل بَلَّغت قومَك؟ فيقول: نعم بَلَّغتُهم، فيقول: ومن يشهد لك؟ يقول أُمَّةُ محمَّد ، وهم يُكَذِّبون يقولون: ما بلَّغتَنا، وما جاءنا من نذير! ـ قاتلهم الله ـ؛ لهذا قال الله فيهم: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾ [النجم : 52]. وجاء قومُ هود وكذَّبوه فأهلكهم الله بالرِّيح الصَّرْصَر ﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة : 7] .
              ثم جاء قوم صالح فكذّبوا نبيّهم صالحًا؛ فأهلكهم الله بالصَّيْحَة، وهكذا تتالتْ القُرُون على تكذيب الرُّسُل، وتتابعت الرِّسالات تدعو إلى الله، وتُوَاجَه كلُّ رسالة ويُوَاجَه كلُّ رسول بما وَاجَه به أَسلاَفُها الأنبياء السَّابقين، وبعث الله محمدًا  خاتم النَّبيين مُتَمِمًا وَمُكَمِّلاً لدعوات هؤلاء الأنبياء، وجاء كتابُه مُشتملاً على مضامين الرِّسالات كلِّها، ومُهيمِنًا عليها، وفَتح الله قلوبَ أهلِ الأرض أو مُعظمَهم في ذلك الوقت للإيمان بهذه الرِّسالة، ودخلت أُمَمٌ ودخلت شعوبٌ في هذا الدِّين الحق، ورفرفت رايةُ الإسلام على شطر المعمورة في ذلك الوقت أو أكثر فَتَنَبَّهَ الأعداءُ والحاقدون للطُّرُق الخبيثة التي يهدمون بها هذا المجد الذي شاده الإسلام؛ فكادوا للإسلام ودَسُّوا من الزَّنادقة ومن الملاحدة من يلبس لباسَ الإسلام، ويَبُثُّ سمومَ الإلحاد والكفر والضَّلال في نفوس كثير من ضعفاء المسلمين؛ فأصبحت الأُمَّة هذا جهمي وهذا معتزلي... ومرَّ الزَّمان وجاءت الفِرَق الصُّوفية وهي مُرَكَّبَة من أديانٍ شتَّى من الهندوكية من النَّصرانية، من المجوسية، من اليهودية، جاءت الفِرَق في طرقِ كثيرٍ من ضُعَفَاء المسلمين باسم الإسلام، وشاعت عبادةُ القبور ودعاءُ غير الله، وأصبح مُعظم من ينتمي إلى الإسلام يقرأ القرآن يقرأ نصوص التوحيد لا يفهمها، أصبح معنى لا إله إلا الله: لا خالق ولا رازق إلا الله !.
              كان للمتكلِّمين دورٌ كبير في تجهيل النَّاس بمعنى لا إله إلا الله التي هي رسالة جميع الأنبياء عليهم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم؛ فَفَسَّرُوها بلا خالق ولا رازق ولا مالك إلا الله..!، وأخطؤوا المعنى الصَّحيح المعنى الأساسي للا إله إلا الله وهو لا معبود بحق إلا الله، وإذا كان لا معبود بحق إلا الله فمعناه أنَّه لا ندعو إلاَّ الله، ولا نستغيث إلاَّ به، ولا نلجأ ولا نَضرَع في الشَّدائد إلاَّ إليه وحده؛ وحتى المشركين كان هذا المعنى يقوم في نفوسهم إذا هم واجهوا الصِّعاب، وواجهوا المشاكل، وواجهوا الأحداثَ الخطيرة التي لا يستطيعون حلَّها، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنَّ معبوداتهم لا تملك حلاًّ في مثل هذه الظروف ولا حلاًّ لهذه المشاكل، يقول الله  : ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت : 65] ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) ﴾ [الأنعام : 40-41] هذه الحقيقة قرَّرَها الله، وهم لا ينكرونها أبدًا، وما أكثر ما يواجهونها في الأحداث إذا جاءت الأحداث الغريبة ينسون الأصنام، وينسون اللاَّت، وينسون العُزَّى، وينسون الملائكة، وينسون الأنبياء، وينسون الصَّالحين، وينسون الكواكب، وينسون كلَّ ما يعبدونه من دون الله ـ تبارك وتعالى ـ، وتتعلَّق قلوبهم بالله وحده، وتتجه إلى الله وحده مخلصين له الدِّين، ويوقنون في قرارة أنفسهم أنه لا يُنقذهم من هذه الشِّدَة إلا ـ الله تبارك وتعالى ـ؛ ولهذا ما قالوا: والله أنت كذَّاب أبدًا، أَقرُّوا واعترفوا، ما جادلوا في هذا ولا مَارَوْا في هذه الحقيقة؛ لأنها قضية واقعة متقرِّرة كما قرَّرها الله ـ تبارك وتعالى ـ، ومما يُؤسَف له أنَّه لمَّا استشرى داء الفتنة فتنة الشِّرك ودعاء غير الله والاستغاثة بغير الله واللجوء إلى غير الله في الشَّدائد بلغ الأمر بكثيرٍ ممن ينتمي إلى الإسلام من عُبَّاد القبور أنَّه في الشِّدة ينسى الله ويتجه إلى عبد القادر والبدوي وإلى الرفاعي وإلى الدسوقي وإلى العيدروس، وإلى المعبودات من دون الله ـ تبارك تعالى ـ؛ وهذه الأخبار متواترة عن كثير من هؤلاء الضُّلاَّل.
              من أسباب جهل الناس بحقيقة التوحيد كما ذكرت هو ذلك الخطأ الكلامي في العقائد الذي ألَّف كُتبًا طويلة عريضة في تقرير توحيد الرُّبوبية، ولم يهتد إلى تقرير توحيد الألوهية؛ وإذا رجعت إلى كتب أهل الكلام وإلى كتب أهل التصوُّف وما أكثرها لا تجد لهذه الحقيقة ـ حقيقة لا إله إلا الله ـ فيها أثرًا ولا عينًا أبدًا، ما تجد إلاَّ تقرير توحيد الرُّبوبية الذي يعرفه المشركون ويعترفون به، كان هذا من العوامل ومن الأسباب الكبيرة التي أوقعت كثيرا من الناس في الشِّرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ، وعبادة القبور، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب، ويتصرَّفون في الكون، حتى إنَّ بعضهم يبلغ به الأمر إلى أن يدَّعي لنفسه الألوهية مع الأسف الشَّديد !
              أحب أن أستعرض بعض الآيات التي تعالج قضية واحدة من قضايا هذا الشِّرك الخطير وهي الذَّبح والنَّذر والطواف وشدُّ الرِّحال والاستغاثة .. أريد أن أذكر آياتٍ واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار تَدمَغُ من يدعو غير الله بالشِّرك والضَّلال، ويقرؤها كثيرٌ من النَّاس، وبسبب تفسير أهل الكلام لكلمة التوحيد لا إله إلا الله بأنَّه لا خالق ولا رازق إلا الله، وبسبب تفسير بعض المُفسِّرين الذين إذا جاؤوا يُفَسِّرون هذه الآيات ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ..﴾ [الأحقاف : 5-6]أنَّ المراد بها الأصنام ، يخطر في ذهنه إلى أنَّ الشِّرك لا يكون إلاَّ بدعاء الأصنام، أمَّا إذا دعا رسول الله واستغاث به أو بأبي بكر أو بعمر أو بالجيلاني أو بالرِّفاعي أو بالملائكة أو بغيرهم من الصَّالحين أو غير الصَّالحين هذا ليس من الشِّرك في شيء عندهم؛ بسبب هذا الانحراف في تفسير كلمة التوحيد، وتفسير آيات التوحيد التي تدمغ من يدعو غير الله بالشِّرك الأكبر والضَّلال البعيد.
              يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة فاطر : ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر : 13-14] آية واضحة في غاية الوضوح في أنَّ غير الله لا يملك في هذا الكون قطميرًا واحدًا، والقطمير هو اللُّفافة الرقيقة على النَّواة؛ كم وزنه؟ كم قيمته؟ لا شيء! الملائكة، الأنبياء، الرُّسل، الصَّالحون، الملوك لا يملكون هذا القطمير، كلُّ هذا الكون مُلك الله؛ هو الذي خلقه، هو الذي دَبَّره، وهو الذي أنشأه من العدم، وهو الذي يفنيه ، وكلُّ من في السَّموات والأرض لا يملكون من هذا الكون الهائل الواسع لا يملكون منه هذا القطمير ولا النَّقير؛ يبيِّن كمال غنى الله ـ تبارك وتعالى، ـ وأنَّه المنفرد بالملك والتدبير، وأنَّ غيره في غاية الافتقار إلى الله، وفي غاية الحاجة، وفي فقر مدقع؛ بحيث إنَّه ما يملك من هذا الكون ذَرَّةً ولا قطميرًا؛ انفرد ـ الله تبارك وتعالى ـ بملكه، وإذا كان هذا هو الواقع فلماذا يتجه الناس يطلبون من غير الله شيئًا قد يكون من أعظم المطالب؛ قد يكون المطلوب ولدًا، وقد يكون المطلوب مالاً، وقد يكون المطلوب إنقاذاً من شدة، وقد يكون مطالب كثيرة من مطالب البشر ومطالب الحياة؟! يطلبون مِمَّن؟ مِمَّن يملك هذه الأشياء، هذا الذي يجب؛ وهذا الذي يقتضيه المنطق، وصَدَع به مَنطِقُ النُّبوات ورسالاتهم ـ عَلَيْهِم الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ .
              ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ انتبهوا! ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ﴾ هذه حقيقة يُقَرِّرُها الله ـ تبارك وتعالى ـ عن الأنبياء والملائكة والصَّالحين وغيرهم والأوثان لو وَقَفْتَ طول حياتك تدعو بأقوى المُكَبِّرَات!.
              لو فرضنا أنَّ إنساناً أخذ مُكَبِّرا عظيماً وقال: يارسول الله عند قبره أنقذني والله ما يسمعه رسولُ الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ولو كان عند القبر فضلاً إذا كان بعيدًا، ولو وقف عند عبد القادر قريباً منه ، يكون أحدهم في الهند أو في أقصى اليمن أو في أقصى المغرب إذا واجه شِِدةً قال يا عبد القادر! فيقع في شرك الرُّبوبية وفي شرك العبادة لماذا؟ لأنَّه أعطى هذا المدعو صفةَ الله علاَّم الغيوب، مفرِّج الكروب، أعطاه صفة الرُّبوبية، وهو لا يستفيد شيئاً؛ لأنَّ هذا المدعو من ملايين المخلوقات، كلُّهم لا يملكون قطميرًا، كم نصيبه من القطمير ؟! كم نصيب الواحد من ملايين من الملائكة، من الإنس، من الجن .. كلُّهم إذا اجتمعوا لا يملكون قطميرًا واحدًا؛ فإذا دعوت واحدًا كم يكون نصيب الواحد منهم من القطمير؟ لا يملك أقل جزء من ملايين الأجزاء من الذَرَّة كيف تدعوه؟! الله قال لك: ما يملكون، ثم أخبرك أنهم لا يستجيبون؛ فنحن نقسم بالله واثقين أنَّك لو دعوت نبيًّا أو وليًّا أو ملكًا أو جِنيًَّا والله ما يسمع هذا النِّداء أبدًا؛ لأنَّ الله قال: لا يسمعون؛ ﴿لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ﴾ هذا الدُّعاءَ الشِّركي، قد يسمع دُعاءًا آخر؛ كأن تُسَلِّم على الميِّت أو على الرَّسول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ؛ فيبلغه سلامُك أو تصلي عليه قد تبلغه هذه الصَّلاة ؛ أمَّا أن تشرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ؛ فإنَّ الله يصون مسامعَ أنبيائه ومسامعَ ملائكته ومسامعَ الصَّالحين من عباده أن يسمعوا هذا الهُرَاء الشِّركي أبدًا؛ لأنَّ هذا والله يؤذيهم أشدَّ الأذى، ولا يفرحون به أبدًا؛ فالله يُسدّ كلَّ المنافذ أن تصل هذه الأصوات الخبيثة إلى مسامعهم ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ﴾، افرض من باب فرض المستحيل أنهم سمعوا ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾، لو فرضنا من باب فرض المستحيل أنَّ هذا الصوت يصل إلى من دعوته أو إلى مجموعة تدعوها من دون الله لا يستجيبون، لماذا؟ لأنهم لا يملكون شيئًا؛ لم يعطهم الله حقَّ الإجابة، حقُّ الإجابة لله الذي يملك هذا الكون، أمَّا الفقراء المساكين الضِّعاف أمام الله الذين لا يملكون قطميرًا كيف يُلَبُّونَ دعوتَك؟ وكيف يستجيبون لك وهم لا يملكون شيئًا؟! فهذه الأشياء تحسم مادة الشِّرك وتستأصل شأفته عند كلِّ من يعقل عن الله ـ تبارك وتعالى ـ مثل هذه التوجيهات ومثل هذه التصريحات الصَّادعة بهذ الحقائق الكبرى العظيمة التي لا يليق بعاقل أن يجهلها أو يتجاهلها؛ فيقع في حمأة الشِّرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ؛ ثم أخبر الله أنَّ هذا الدُّعاء شرك، شرك خطير وأنَّ هؤلاء الذين تدعوهم وتستنجد بهم وتستغيث بهم وتطلب منهم وتُعَلِّق قلبك بهم يصبحون خصومَك يوم القيامة، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ هذا نص في أنَّ دعاء غير الله شرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ ما هو هذا الشِّرك؟ هذا الدُّعاء الذي ساقه الله في هذه الآيات محفوفًا بالأدلة الواضحة أنَّه لا يفيد ولا يجدي، ولا أهله يملكون شيئًا، ولا يسمعون منه شيئًا، هذا كلُّه شِرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ، يوم القيامة هذا الذي يدعو البدوي والذي يدعو الدسوقي والذي يدعو الحسين الذي يدعو علياً والذي يدعو محمدًا والذي يدعو عيسى يوم القيامة يقف النَّبي ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ويقف الرّجل الصَّالح ويقف الرَّسول ويقف المؤمن الذي يدعونه من دون الله، ويتبرؤون إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ من هذا الشِّرك، هذا الشِّرك إن كان المدعو رسولاً يقول: أنا بلَّغتكم وحذَّرتكم هذا الشِّرك، ودعوتكم إلى توحيد الله وإلى إخلاص الدِّين له، وإن كان عالمًا وصالحًا يقول: والله أنا كنت أُدَرِّس ـ إذا كان مُوَحِدًا سلفيًا وليس خرافياً قبورياً ـ وأقول: إنه لا يجوز دعاء غير الله ـ تبارك وتعالى ـ، وأنه شرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ.
              فهنا نستحصل من هذه الآية: أنَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ انفرد بالمُلك؛ ملك هذا الكون كلُّه سمواته وأرضه وجباله وبحاره وأشجاره وأنهاره وحيواناته وجِنُّه وإنسه وملائكته كلُّ هذه الأشياء مملوكة لله ـ تبارك وتعالى ـ، لا يشاركه أحدٌ في ذَرَّة ًمنها ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾
              وأنَّ دعاءَ غير الله شركٌ بالله ـ تبارك وتعالى ـ؛ لا يُسمِعُه الله ـ تبارك وتعالى ـ ملائكته ولا أنبياءه ولا الصَّالحين من عباده إذا هم دعاهم أناس بُلَهاء واستنجدوا بهم من دون الله ـ تبارك وتعالى ـ، وأنَّه على فرض أن يحصل منهم سماع لهذا الهراء فإنهم لا يملكون حقَّ الإجابة، وأنَّ هذا الدُّعاء شرك بالله ـ تبارك وتعالى ـ؛ ونأتي إلى آيات من سورة الأحقاف تؤكد أنَّ دعاء غير الله كفرٌ وشرك وأنَّه ضلال، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ في سورة الأحقاف: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف : 4-6] يعني سَمَّى دعاء غير الله هنا عبادة، عبادة غير الله هي شرك، لا أحد أضَّل ممن يدعو غيرَ الله ـ تبارك تعالى ـ، تصور الضَّلال وكلَّ أنواع الضَّلال فتجد أنَّ أضل النَّاس وأغرقهم في الضَّلال هو الذي يدعو غير الله ـ تبارك وتعالى ـ، وقبل هذا ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ هنا استنكر الله ـ تبارك وتعالى ـ دعاء غيره؛ ثم قال: هؤلاء الذين تدعون ماذا يملكون؟ هل يملكون شيئا في السَّموات ؟ لا يملكون شيئاً! هل لهم شرك في السَّموات؟ ما عندهم شيء! عندكم أدلة؟ أظهروها ما عندكم أدلة! عندكم أثارةٌ بَقِيَّةٌ من العلم تستدلون به على جواز دعاء غير الله؟ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ لأنَّه لا يُدعى إلا الخالق جلّ وعلا، أمَّا المخلوق فهو عبد ويتجه بالدُّعاء إلى خالقه فكيف تدعونه؟! هذا المخلوق الذي خلقه الله ـ تبارك وتعالى ـ هو عبد من عبيدي كيف تدعونه وهو عبد ولا يملك شيئًا في هذا الكون وليس له مشاركة؟! لأنَّه لا يُدعى إلاَّ من يملك، فإنَّكم تطلبون من مسكين ليس له مُلك، وليس له مشاركة في ملك شيء من هذا الكون، أروني أيَّ جزء من السَّموات أو من الأرض خلقه عيسى أو خلقه إبراهيم أو خلقته الملائكة أو خلقه صنم من الأصنام أو وثن من الأوثان، لا شيء، ولا يملكون الأدلة مهما افترضنا ضعف هذه الأدلة، فلا يملكون ولا معشار دليل ضعيف على أنَّ غير الله يَستحق الدُّعاء من دون الله أو مع الله ـ تبارك وتعالى ـ، تحدَّاهم أن يأتوا بالأدلة ولا يملكون، ماقالوا: الأدلة عندنا؛ أبو لهب وأبو جهل وغيرهم من الوثنيين وفرعون وهامان وقارون وغيرهم، والله ما منهم أحد يقول: أنا شاركت في خلق السَّماء، أو شاركت في خلق الأرض، أو أملك الشَّمس، أو أملك القمر، أو أنا خلقت ذلك الجبل، أو هذا الجبل مُلكِي أنا أوجدته، لا أحد يقول هذا الكلام؛ مهما ضَلَّ الإنسان وانحرف لا يصل به الضَّلال والانحراف إلى أن يقول أنا عندي دليل والدَّليل هو هذا؛ ما يملك ثم عقَّبَ الله هذا بقوله:﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ﴾ لو وقفت إلى يوم القيامة وأنت تدعو يا فلان! يارسول الله! يا عيسى! يا أبا بكر! يا عمر! تدعو والله لا يسمعون، ولا يستجيبون؛ هنا قال : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ﴾.
              وقد أخبرنا الله في سورة فاطر أنهم لا يسمعون هذا النِّداء من أساسه فكيف يستجيبون؟! ثم بَيَّن الله ـ تبارك وتعالى ـ أنَّ هذا الدعاء عبادة لغير الله؛ فأنت إذا دعوت حيًا غائبًا أو ميتًا فأنت بهذا الدُّعاء جعلته إلهاً مع الله، وجعلته شريكًا مع الله ـ تبارك وتعالى ـ في العبادة .
              ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءا﴾ هذا النَّبي الذي تدعوه يصبح عدوَّك، وهذا الولي الذي تدعوه يصبح عدوَّك، وهذا المَلَك الذي تدعوه يصبح عدوَّك! وهذا الصَّديق يصبح عدوَّك!، ويتبرأ من هذا الشِّرك الذي وقعت فيه .
              هذه العبادة التي تقدَّمت بها ظلمًا وعدوانًا هو نفسه لا يرضاها ولا يقبلها ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ فسمَّاها عبادة، والكفران هو الجحود،يقول: إنَّني ما أمرتك أن تعبدني، ولا أردت منك هذا الأمر، بل كنت أُحَذِّركَ وأُنذِرُكَ أنت وأمثالَك من دعائي ودعاء غيري من مخلوقات الله ـ تبارك وتعالى ـ مهما علا شأنهم من الأنبياء والملائكة وغيرهم.
              نستفيد من هذه الآيات ومن هذا التعليق الضعيف عليها أنَّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قد أقام الحُجج وأقام الأدلة على بطلان دعاء غير الله، وأنَّه شرك بالله، وأنَّ هذا لون من ألوان العبث الدَّنيء أن تدعوَ من لا يسمع دعاءَك ولا يستجيب لك، وهو مع كونه عبثًا هو كفر بالله، وهو شرك بالله، وهو تأليه لغير الله ـ تبارك وتعالى ـ، وأنَّ هؤلاء المعبودين المدعوِّين الذين كنت ترجوهم وتظن أنهم ينقذونك من الشَّدائد يتبرَّؤون منك، ويخذلونك أحوج ما تكون إليهم؛ وفي هذا عبرة لمن له عقل وعنده وعي أن ينصرف عن عبادة غير الله ـ تبارك وتعالى ـ وعن دعاء غيره، ويفرد الله ـ تبارك وتعالى ـ بعبادته، ولا سيَّما هذا الدُّعاء الذي تحدثت عنه هذه الآيات، وأقامت فيه الحُجج والبراهين على بطلانه وأنَّه شرك.
              ونكتفي بهذا القدر، نسأل الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يتيح لنا مثل هذه الفرص التي نرجو أن نستفيد منها نحن ويستفيد منها إخواننا، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه.

              تحميل المقال بمراجعة الشيخ حفظه الله من هنا او من المرفقات

              الملفات المرفقة

              تعليق


              • #23
                رد: جمع كلمات وصوتيات الشيخ ربيع بن هادي في الدعوة إلى التوحيد



                دحر افتراءات أهل الزيغ والارتياب عن دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب (نقد لحسن المالكي)

                – المؤلف: ربيع بن هادي عمير المدخلي

                – عدد الصفحات: 260

                ▼ التحميل: اضغط هنا




                تعليق


                • #24
                  رد: الجمع السديد لكلمات وصوتيات الشيخ ربيع في الدعوة إلى التوحيد


                  ثلاث مقاطع صوتية حول التوحيد للعلامة ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله -

                  - مما يرسخ عقيدة التوحيد أن نعرف اسماء الله و صفاته
                  - الدعاة السياسيون يضربون صفحاً عن التوحيد و يقول عنه بأنه يفرق لأنهم يريدون الوصول للكراسي
                  - فالتوحيد يتغلغل في كل العبادات، بل هو أصلٌ أصيل في كل العبادات

                  للاستماع ( من المرفقات)
                  الملفات المرفقة

                  تعليق

                  يعمل...
                  X