إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

قصص الملائكة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [فصل]
    ذكر الحالات التى لايقبض ملك ُ الموت فيها الأرواح

    الحالة الأولى: قبض روح نفسه على أحد القولين.

    الحالة الثانية: عند النوم، وهى الوفاة الصغرى.
    قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام: 60]
    وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42]
    وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ[1] بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
    قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ."
    قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ.
    فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ
    فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ: "يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟"
    قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ
    قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ" فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى.[2]
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ[3] فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ."[4]
    وقال بعض السلف: يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فيتعارف ما شاء الله – تعالى – أن تتعارف فيمسك التى قضى عليها الموت أى التى قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى أى إلى بقية أجلها.[5]

    الحالة الثالثة: قرب قيام الساعة يرسل الله ريحا باردة من قِبَل الشام فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة
    فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد فى قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل فى كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه"
    قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم [6].
    قلت: لم يذكر فى الحديث أن ملك الموت هو الذى يقبض أرواح المؤمنين بل نسب قبض الأرواح إلى هذه الريح الباردة، ولكن هذا ليس بلازم بل الظاهر أن ملك الموت هو الذى يقوم بقبض الأرواح فى هذه الريح الباردة وأن نسبة القبض إليها على سبيل المجاز، فتأمل والله أعلم.

    الحالة الرابعة: الصعق الذى يكون فى عرصات القيامة، إذا كان هذا الصعق موتا وهو مرجوح كما تقدم.

    الحالة الخامسة: من دخل النار من الموحدين: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ[7] فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ."
    فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ.[8]
    قال الإمام النووى: إن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التى أرادها الله تعالى
    وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس
    ويكون عذابُهم على قدر ذنوبهم
    ثم يميتهم
    ثم يكونون محبوسين فى النار من غير إحساسٍ المدةَ التى قدرها الله تعالى
    ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما فيُحْمَلون ضبائرَ كما تُحْمَلُ الأمتعةُ ويُلْقَوْنَ على أنهار الجنة فيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياة وينبتون نبات الحبة فى حميل السيل فى سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراءَ ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم
    فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه
    وحكى القاضى عياض – رحمه الله – فيه وجهين:
    أحدهما: أنها إماتة حقيقية.
    والثانى: ليس بموت حقيقى ولكن تغيب عنهم إحساسهم بالآلام
    قال: ويمكن أن تكون آلامهم أخف.
    فهذا كلام القاضى
    والمختار ما قدمناه، والله أعلم.[9]
    وقال القرطبى: هذه الموتة للعصاة موتة حقيقية لأنه أكدها بالمصدر وذلك تكريما لهم حتى لا يحسوا ألم العذاب بعد الاحتراق...[10]
    قلت: والمتبادر أن الله – عز وجل – هو الذى يتوفاهم وليس ملك الموت، ولكن لا على سبيل الجزم فليتأمل، والله أعلم.

    الحالة السادسة: شهيد البحر. روى هذا فى حديث ضعيف عند ابن ماجه وفيه: "... وإن الله – عز وجل – وَكَّلَ ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم... الحديث[11]


    _________________________________
    [1] عَرَّس بالمكان: أقام فيه

    [2] صحيح: رواه البخارى (595، 7471)

    [3] داخلة الإزار: هى طرفه الذى يلى الجسد ومعناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل فى يده مكروه إن كان هناك.انظر (11 /153 / فتح البارى) و( 9 / 17 / 33 / نووى )

    [4] صحيح: رواه البخارى ( 6320، 7393) ومسلم ( 2714)

    [5] العظمة لأبى الشيخ ( 444 ) وتفسير القرآن العظيم: 7 / 65

    [6] صحيح: وقد تقدم، رواه مسلم (2940)

    [7] ضبائر ضبائر: جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها أى جماعات فى تفرقة

    [8] صحيح: رواه مسلم ( 185)

    [9] مسلم بشرح النووى ( 2 / 3 / 30 – 31 )

    [10] الصحيح من التذكرة: 244

    [11] ضعيف جدا: رواه ابن ماجه ( 277)

    تعليق


    • [فصل]
      [ملك الموت مع الأنبياء عليهم السلام]
      وفيه فصول:
      [فصل منه: ملك الموت مع آدم عليهما السلام]

      عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَىْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ
      فَقَالَ: أَىْ رَبِّ مَنْ هَؤُلاَءِ؟
      قَالَ: هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ.
      فَرَأَى رَجُلا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَىْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟
      فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ.
      فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟
      قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً.
      قَالَ: أَىْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِى أَرْبَعِينَ سَنَةً.
      فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِى أَرْبَعُونَ سَنَةً؟!
      قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟
      قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ ».[1]

      وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام أَوْ أَوَّلُ مَنْ جَحَدَ آدَمُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا يَزْهَرُ
      فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟
      قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ.
      قَالَ: أَيْ رَبِّ كَمْ عُمْرُهُ؟
      قَالَ: سِتُّونَ عَامًا.
      قَالَ: رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ.
      قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ.
      وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ فَزَادَهُ أَرْبَعِينَ عَامًا
      فَكَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ
      فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ وَأَتَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لِتَقْبِضَهُ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ عَامًا
      فَقِيلَ: إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لِابْنِكَ دَاوُدَ
      قَالَ: مَا فَعَلْتُ.
      وَأَبْرَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ
      ."[2] ويستفاد من هذه الأحاديث أن آدم - عليه السلام - كان يعلم عمره يقينا وكم مضى منه وأنه كان يعد لنفسه كما فى لفظ عند ابن حبان من حديث أبى هريرة رضي الله عنه


      ____________________________
      [1] صحيح لغيره: رواه الترمذى (3076) وقال: حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن أبى هريرة عن النبى ﷺ والحاكم (3257، 4132) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى فى التلخيص، وابن سعد فى الطبقات: 1 / 9 والبزار فى مسنده (8892)

      [2] صحيح لغيره ( وإسناده ضغيف ): رواه أحمد (2270-3519) وابن سعد فى الطبقات: 1 / 9 وأبو يعلى فى مسنده (2710) والطيالسى (2815) وابن أبى شيبة (36955) والطبرانى فى الكبير ( 1292 والبيهقى فى الكبرى (20518، 20519)

      تعليق


      • [فصل منه:
        ملك الموت مع موسى عليهما السلام]


        عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ
        فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ
        قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ[1] ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ
        قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ؟[2]
        قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ
        قَالَ: فَالْآنَ
        فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ[3]
        فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ."[4]
        وفى لفظ عند مسلم من طريق آخر عن أبى هريرة: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ
        قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا
        قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي
        قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ: آلْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً
        قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟
        قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ
        قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَمِتْنِي مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ
        ."
        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ".


        وفى لفظ عند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
        وَقَالَ يُونُسُ: رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا
        قَالَ: فَأَتَى مُوسَى فَلَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ
        فَأَتَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوسَى فَقَأَ عَيْنِي وَلَوْلَا كَرَامَتُهُ عَلَيْكَ لَعَنُفْتُ بِهِ"
        وَقَالَ يُونُسُ: "لَشَقَقْتُ عَلَيْهِ"
        فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جِلْدِ أَوْ مَسْكِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ وَارَتْ يَدُهُ سَنَةٌ
        فَأَتَاهُ
        فَقَالَ لَهُ: مَا بَعْدَ هَذَا؟
        قَالَ: الْمَوْتُ.
        قَالَ: فَالْآنَ.
        قَالَ: فَشَمَّهُ شَمَّةً فَقَبَضَ رُوحَهُ."
        قَالَ يُونُسُ: "
        فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَيْنَهُ وَكَانَ يَأْتِي النَّاسَ خُفْيَةً
        ."[5]

        ______________________________________
        [1] متن ثور: أى ظهره

        [2] ثم مه: أى ثم ماذا

        [3] رمية بحجر: أى دنوا لو رمى رامٍ بحجر من ذلك الموضع الذى هو قبره لوصل إلى بيت المقدس

        [4] صحيح: رواه البخارى (1339، 3407) ومسلم (2372)

        [5] صحيح : رواه أحمد ( 10904، 10905)

        تعليق


        • فائدة:
          فى بيان الحكمة من طلب موسى أن يدنيه الله من الأرض المقدسة رمية بحجر ولِمَ لم يطلب دخولها:


          حكى ابن بطال: أن الحكمة فى أنه لم يطلب دخولها لِيُعَمَّىَ موضع قبره لئلا يعبده الجهال من أهل ملته.

          قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما منع بنى إسرائيل من دخول بيت المقدس
          وتركهم فى التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت
          فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم،
          ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها
          ومات هارون ثم موسى – عليهما السلام – قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح
          فكأن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينتقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشئ يعطى حكمه.[1]

          ___________________________________________

          [1] فتح البارى: 3 / 248 - 249

          تعليق


          • استشكال وجوابه:

            إن قيل: كيف جاز لموسى – عليه السلام – أن يقدم على ضرب ملك الموت حتى فقأ عينه؟

            فالجواب: قال الإمام البيهقى: قال أبو سليمان الخطابي: هذا حديث يطعن فيه الملحدون وأهل البدع، ويغمزون به في رواته ونقلته، ويقولون: كيف يجوز أن يفعل نبي الله موسى هذا الصنيع بملك من ملائكة الله، جاءه بأمر من أمره، فيستعصي عليه ولا يأتمر له؟
            وكيف تصل يده إلى الملك، ويخلص إليه صكه ولطمه؟
            وكيف ينهنه الملك المأمور بقبض روحه، فلا يمضي أمر الله فيه؟
            هذه أمور خارجة عن المعقول، سالكة طريق الاستحالة من كل وجه.

            ثم أجاب بقوله: والجواب أن من اعتبر هذه الأمور بما جرى به عرف البشر، واستمرت عليه عادات طباعهم، فإنه يسرع إلى استنكارها والارتياب بها؛ لخروجها عن سوم طباع البشر، وعن سنن عاداتهم،
            إلا أنه أمر مصدره عن قدرة الله عز وجل، الذي لا يعجزه شيء، ولا يتعذر عليه أمر،
            وإنما هو محاولة بين ملك كريم وبين كليم،
            وكل واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوام البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص به من آثره الله باختصاصه إياه،
            فالمطالبة بالتسوية بينهما وبينهم فيما تنازعاه من هذا الشأن حتى يكون ذلك على أحكام طباع الآدميين وقياس أحوالهم غير واجبة في حق النظر،
            ثم إنه لما دنا حين وفاته، وهو بشر يكره الموت طبعا، ويجد ألمه حسا، لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه قهرا وقسرا، لكن أرسله إليه منذرا بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشر،
            فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجر منه دفعا عن نفسه بما كان من صكه إياه،
            فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية التي هو مجبول الخلقة عليها،
            ومثل هذه الأمور مما يعلل به طباع البشر، وتطيب به نفوسهم في المكروه الذي هو واقع بهم، فإنه لا شيء أشفى للنفس من الانتقام ممن يكيدها ويريدها بسوء .

            ثم قال: وقد جرت سنة الدين بحفظ النفس، ودفع الضرر والضيم عنها، ومن شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم ما سنه فيمن اطلع على محرم قوم من عقوبته في عينه، فقال: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه"
            ولما نظر نبي الله موسى - عليه السلام - إلى صورةٍ بشريةٍ هجمت عليه من غير إذن تريد نفسه، وتقصد هلاكه، وهو لا يثبته معرفة، ولا يستيقن أنه ملك الموت، ورسول رب العالمين، فيما يراوده منه، عمد إلى دفعه عن نفسه بيده وبطشه، فكان في ذلك ذهاب عينه
            وقد امتحن غير واحد من الأنبياء صلوات الله عليهم بدخول الملائكة عليهم في صورة البشر،
            كدخول الملكين على داود - عليه السلام - في صورة الخصمين، لما أراد الله عز وجل من تقريعه إياه بذنبه، وتنبيهه على ما لم يرضه من فعله،
            وكدخولهم على إبراهيم عليه السلام حين أرادوا إهلاك قوم لوط عليه السلام، فقال: {قوم منكرون}، وقال: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم، وأوجس منهم خيفة
            وكان نبينا - صلوات الله عليه - أول ما بدئ بالوحي يأتيه الملك فيلتبس عليه أمرُه،
            ولما جاءه جبريل - عليه السلام - في صورة رجل فسأله عن الإيمان لم يتبينه، فلما انصرف عنه تبين أمره، فقال: "هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم"
            وكذلك كان أمر موسى عليه السلام فيما جرى من مناوشته ملك الموت وهو يراه بشرا ،
            فلما عاد الملك إلى ربه عز وجل مستثبتا أمره فيما جرى عليه، رد الله - عز وجل - عليه عينه وأعاده رسولا إليه بالقول المذكور في الخبر الذي رويناه، ليعلم نبي الله - صلوات الله عليه - إذا رأى صحة عينه المفقوءة، وعود بصره الذاهب، أنه رسول الله بعثه لقبض روحه،
            فاستسلم حينئذ لأمره وطاب نفسا بقضائه،
            وكل ذلك رفق من الله عز وجل به، ولطف به في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه.[1]

            ==============================

            وقد أجاب ابن حبان نحو هذه الإجابة فذكر ما حاصله: أن ملك الموت لما قال له هذا لم يعرفه لمجيئه على غير صورة يعرفها موسى – عليه السلام – كما جاء جبريل فى صورة أعرابى وكما وردت الملائكة على إبراهيم ولوط فى صور شبان حسان فلم يعرفهم إبراهيم ولا لوط أولا.

            وكذلك موسى لعله لم يعرفه؛ لذلك لطمه ففقأ عينه لأنه دخل داره بغير إذن وهذا موافق لشريعتنا فى جواز فقأ عين من نظر إليك بغير إذن.[2]
            =============================

            وأجاب الإمام القرطبى عن هذا الاستشكال بستة أجوبة:

            الأولى: أنها كانت عينا متخيلة لا حقيقة لها.
            وهذا القول باطل؛ لأنه يؤدى إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة لها وهذا مذهب السالمية.
            أقول: نسبه الحافظ ابن حجر إلى ابن قتيبة ثم قال: ومعنى رد الله عينه أى أعاره إلى خلقته الحقيقية.

            الثانى: أنها كانت عينا معنوية ففقأها بالحجة.
            وهذا مجاز لا حقيقة له.

            أقول: قال ابن حجر: وزعم بعضهم أن معنى قوله: "فقأ عينه" أى أبطل حجته
            وهو مردود بقوله فى نفس الحديث: "فَرَدَّ اللهُ عَيْنَهُ"، وبقوله: "لطمه وصكه" وغير ذلك من قرائن السياق.


            الثالث: أنه لم يعرفه وظنه رجلا دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عنها فلطمه ففقأ عينه. وتجب المدافعة فى مثل هذا بكل ممكن.
            وهذا وجه حسن لأنه حقيقة فى العين والصك. قاله الإمام أبو بكر ابن خزيمة.

            أقول: وهو نفس جواب ابن حبان والبيهقى وابن كثير كما سبق.


            الرابع: أن موسى – عليه السلام – كان سريع الغضب وسرعة غضبه كانت سببا لصكه ملك الموت.
            قاله ابن العربى فى الأحكام.
            وهذا فاسد؛ لأن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداءا مثل هذا فى الرضا والغضب.

            الخامس: ما قاله ابن مهدى – رحمه الله –: أن عينه المستعارة ذهبت لأجل أنه جعل له أن يتصور بما شاء فكأن موسى - عليه السلام - لطمه وهو متصور بصورة غيره بدلالة أنه رأى بعد ذلك معه عينه.

            السادس: وهو أصحها إن شاء الله وذلك أن موسى – عليه السلام – كان عنده ما أخبر نبينا – عليه السلام – من أنه – تعالى – لا يقبض روحه حتى يخيره خرجه البخارى وغيره
            فلما جاء ملك الموت على غير الوجه الذى أعلم بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه فلطمه ففقئت عينه امتحانا لملك الموت إذ لم يصرح له بالتخيير
            ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم.
            والله بغيبه أعلم وأحكم.
            وذكره ابن العربى فى قبسه بمعناه.
            والحمد لله.[3]

            --------------------------------------------------------
            [1] الأسماء والصفات للبيهقى: 482 - 484

            [2] انظر صحيح ابن حبان: (14 / 114 – 116 / بلبان ) واختصر جوابه الحافظ ابن كثير فى البداية والنهاية: 1 / 286 – 287 وقصص الأنبياء: 318

            [3] التذكرة: 84 ، وفتح البارى: 6 / 530 - 531

            تعليق


            • استشكال ثان وجوابه:
              قال ابن حبان: هذه اللفظة: "أَجِبْ رَبَّكَ" قد توهم مَنْ لم يتبحر فى العلم أن التأويل الذى قلناه للخبر مدخول وذلك فى قول ملك الموت لموسى: "أَجِبْ رَبَّكَ" بيان أنه عرفه.

              الجواب: أجاب ابن حبان عن هذا فقال: وليس كذلك؛ لأن موسى – عليه السلام – لما شال يده ولطمه قال له: أجب ربك،
              تَوَهَّمَ موسى أنه يتعوذ بهذه اللفظة دون أن يكون رسول الله إليه
              فكان قوله: "أجب ربك" الكشف عن قصد البداية فى نفس الابتلاء والاختبار الذى أريد منه.

              قلت: اعترض على هذا الجواب الحافظُ ابنُ كثير فقال: وهذا التأويل لا يتمشى مع ما ورد به اللفظ من عقيب قوله: "أجب ربك." بلطمه،
              ولو استمر على التأويل الأول لتمشى له،
              وكأنه لم يعرفه فى تلك الصورة، ولم يحمل قوله هذا على أنه مطابق؛ إذ لم يتحقق فى تلك الساعة الراهنة أنه ملك كريم؛ لأنه كان يرجو أمورا كثيرة كان يحب وقوعها فى حياته: من خروجهم من التيه، ودخولهم الأرض المقدسة.
              وكان قد سبق فى قدر الله: أنه – عليه السلام – يموت فى التيه بعد هارون أخيه.

              تعليق


              • استشكال ثان وجوابه:
                قال ابن حبان: هذه اللفظة: "أَجِبْ رَبَّكَ" قد تُوهِمُ مَنْ لم يتبحر فى العلم أن التأويل الذى قلناه للخبر مدخول وذلك فى قول ملك الموت لموسى: "أَجِبْ رَبَّكَ" بيان أنه عرفه.

                الجواب: أجاب ابن حبان عن هذا فقال: وليس كذلك؛ لأن موسى – عليه السلام – لما شال يده ولطمه قال له: أجب ربك، تَوَهَّمَ موسى أنه يتعوذ بهذه اللفظة دون أن يكون رسول الله إليه فكان قوله: "أجب ربك" الكشف عن قصد البداية فى نفس الابتلاء والاختبار الذى أريد منه.

                قلت: اعتَرَضَ على هذا الجواب الحافظُ ابنُ كثير فقال: وهذا التأويل لا يتمشى مع ما ورد به اللفظ من عقيب قوله: "أجب ربك." بلطمه، ولو استمر على التأويل الأول لتمشى له،
                وكأنه لم يعرفه فى تلك الصورة،
                ولم يحمل قولَه هذا على أنه مطابق؛ إذ لم يتحقق فى تلك الساعة الراهنة أنه ملك كريم؛ لأنه كان يرجو أمورا كثيرة كان يحب وقوعها فى حياته: من خروجهم من التيه، ودخولهم الأرض المقدسة. وكان قد سبق فى قدر الله: أنه – عليه السلام – يموت فى التيه بعد هارون أخيه.
                ===========================
                استشكال ثالث وجوابه:
                وموضع الاستشكال هو قول الملَك فى الحديث: "أرسلتنى إلى عبد لك لا يريد الموت"
                والسؤال هو: هل كان موسى - عليه السلام - يكره الموت؟
                وإذا كان كذلك فكيف يتفق هذا مع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أنه من كره لقاء الله كره الله لقاءه؟
                فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ".

                والجواب: أن كراهية الموت أمر فطرى جِبِلِّىٌّ فُطر الناس عليه، كما قال أبو الطيب المتنبى:
                إِلْفُ هذا الهواء أوقع فى الأنــ *** ـفس أن الحِمَامَ مُرُّ المذاق

                يريد أن التعود على هذا الهواء الذى نتنفسه أوقع فى الأنفس أن الحِمَام أى الموت مر المذاق وشئ مكروه.
                وقال قتادة: لم يتمن الموت نبى ولا غيره إلا يوسف – عليه السلام – حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله – عز وجل – فقال: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]
                وعن ابن عباس قال: ما تمنى الموت نبى قبل يوسف.

                وقد سبق أن آدم – عليه السلام – لما حضرته الوفاة جحد أنه أعطى ابنه داود بعض عمره وهذا يدل على أنه لا يحب الموت ولم يكن هذا قادحا فيه.
                وأما ما ورد فى هذا الحديث من أنه من كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقد أشكل على بعض الصحابة والتابعين ولكن بينه النبي صلى الله عليه وسلم أوضح بيان وأتمه.

                فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ."
                فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ.
                فَقَالَ: "لَيْسَ كَذَلِكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ."

                وقد أشكل معنى هذا الحديث على بعض التابعين أيضا.
                فعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ »
                قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا.
                فَقَالَتْ: إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ؟
                قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ.
                فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بِالَّذِى تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتِ الأَصَابِعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.

                فالكراهة المعتبرة - كما قال الإمام النووى – هى التى تكون عند النزع فى حالة لا تقبل فيها التوبة ولا غيرها فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعده الله له وما يكشف له عند ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم، وأما أهل الشقاوة فإنهم يكرهون لقاء الله لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم. ا.هـ

                وقال القسطلانى: وفى حديث حميد عن أنس المروى عند أحمد والنسائى والبزار: "ولكن المؤمن إذا حُضِرَ جاءه البشير من الله وليس شئ أحب إليه من أن يكون قد لقى الله فأحب الله لقاءه."
                وفى رواية عبد الرحمن بن أبى ليلى: حدثنى فلان ابن فلان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حديثه: "ولكن إذا حضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله، والله للقائه أحب." رواه أحمد بسند جيد قوى وإبهام الصحابى لا يضر.

                تعليق


                • استشكال رابع وجوابه:
                  هل يجوز تَعَرُّضُ الملائكة للعاهات التى تعرض للبشر مثل العور والعرج ونحو ذلك؟

                  الجواب: لا شك أن عالم الملائكة من الغيبيات التى تُتَلَقَّى عن طريق السمع، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فقأ عين ملك الموت فلا مانع من حدوث مثل هذه العاهات للملائكة الكرام.
                  وربما يكون هذا أمرا خاصا بملك الموت – عليه السلام – ابتلاءا واختبارا من الله تعالى.
                  قال الإمام النووى: لا يمتنع أن يأذن الله لموسى فى هذه اللطمة امتحانا للملطوم.
                  هذا على أن هذه العاهةَ حدثت للصورة البشرية التى تَشَكَّل بها ملك الموت، فكما تَعْرِضُ العاهاتُ للبشر فكذلك يجوز أن تَعْرِضَ للملائكة إذا تشكلوا بها.
                  أما الصورة الملائكية التى خلقوا عليها فلا يَعْرِضُ لها مثل هذه العاهات لأنه لم يَرِدْ أوْ لا نعلم أنه ورد بذلك نص، وإن كان يجوز عقلا لأنهم خلق من المخلوقات.
                  والله أعلم.


                  فوائد:

                  الأولى: لقاءُ الله – عز وجل – ليس هو الموت ففى بعض طرق الحديث عن عائشة رضي الله عنهـا: "والموت دون لقاء الله"
                  قال ابن الأثير: المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت.

                  وقال الطيبى: إن قول عائشة: إنا لنكره الموت يوهم أن المراد بلقاء الله فى الحديث: الموت وليس كذلك لأن لقاء الله غير الموت بدليل قوله فى الرواية الأخرى: "والموت دون لقاء الله" لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبر عنه بلقاء الله.

                  وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ليس وجهه عندى كراهة الموت وشدته لأن هذا لا يكاد يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة.
                  قال: ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس: 7]

                  الثانية: أن المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلا على أنه بُشِّرَ بالخير وكذا بالعكس.

                  الثالثة: أن محبة لقاء الله – عز وجل – لا تدخل فى النهى عن تمنى الموت لأنها ممكنة مع عدم تمنى الموت كأن تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وأن النهى عن تمنى الموت محمول على حالة الحياة المستمرة وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهى بل هى مستحبة.

                  الرابعة: أن فى كراهية الموت فى حال الصحة تفصيلا: فمن كرهه إيثارا للحياة على ما بعد الموت من نعيم الآخرة كان مذموما ومن كرهه خشية أن يفضى إلى المؤاخذة كأن يكون مقصرا فى العمل لم يستعد له بالأهبة بأن يتخلص من التبعات ويقوم بأمر الله كما يحب فهو معذور.
                  لكن ينبغى لمن وجد ذلك أن يبادر إلى أخذ الأهبة حتى إذا حضره الموت لا يكرهه بل يحبه لما يرجو بعده من لقاء الله تعالى.

                  تعليق


                  • [فصل]
                    [ذكر فضائل ملك الموت عليه السلام]

                    1- أنه أحد رؤساء الملائكة الأربعة الكبار الذين هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام.

                    2- أنه ممن استثناهم الله – عز وجل – عند النفخ فى الصور على أحد الأقوال كما تقدم.

                    3- أنه آخر من يموت من الخلائق حتى يقبض أرواح جميع الخلائق ثم يبقى هو ورب العزة جل وعلا.
                    فانظر إلى هذه الفضيلة وكيف أنه المخلوق الوحيد الذى يبقى مع الجبار عز وجل ثم يموت بعد ذلك.

                    4- أنه الملَك الوحيد الذى يراه جميع الخلائق.

                    5- أنه الملك الموكل بإنهاء الحياة:
                    فأما المؤمن فيستريح من الدنيا وعنائها
                    وأما الكافر فيُسْتراح منه ومن كفره.
                    فعن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَراحٌ مِنْهُ."
                    قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ؟ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟
                    قَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤمِنُ يَسْتَريحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَريحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ."

                    6- ومن فضائله – عليه السلام – أنه يظهر للمؤمن فى صورة حسنة ويسلم عليه ويبشره برحمة الله ورضوانه فيحب لقاء الله ويحب الله لقاءه.

                    تعليق


                    • [فصل]
                      [ذكر موت ملك الموت عليه السلام]

                      روى فى حديث الصور الطويل: "... ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبُّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَنَتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لَمَّا رَأَيْتُ، فَمُتْ، فَيَمُوتُ.."

                      وروى ابن أبى الدنيا من طريق إسماعيل بن رافع عن محمد بن كعب القرظى من قوله فيما بلغه،
                      وعنه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ - تَعَالَى – يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: أَنَتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لَمَّا رَأَيْتُ، فَمُتْ ثُمَّ لاَ تَحْيَا."

                      وقال محمد بن كعب فيما بلغه: "مُتْ مَوْتا ثُمَّ لاَ تَحْيَا بَعْدَهُ أَبَدا؛ فَيَصْرُخُ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْخَةً لَوْ سَمِعَهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُواْ فَزَعا."

                      وقوله: "ثم لا تحيا بعده أبدا." قال الحافظ أبو موسى المدينى: لم يُتابَع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة ولم يقلها أكثر الرواة.
                      قال الحافظ ابن كثير: وقد قال بعضهم فى معنى هذا: مت موتا ثم لا تحيا بعده أبدا يعنى لا يكون بعد هذا مَلَكُ موت أبدا؛ لأنه لا موت بعدُ،
                      ثم ذكر الحديث الصحيح عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ،
                      فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرونَ،
                      فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟
                      فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هذَا الْمَوْتُ، وَكلُّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ
                      ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ
                      فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟
                      فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآه،
                      فَيُذْبَحُ
                      ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ، فَلاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّار خُلُودٌ، فَلاَ مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ:

                      {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم:39]

                      ثم قال ابن كثير: فملك الموت فانٍ حتى لا يكون بعد ذلك موت أبدا. والله أعلم.
                      وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر ذلك أنه لا يحيا بعد ذلك أبدا، وهذا بعيد بتقدير صحة الحديث.

                      أقول وبالله التوفيق:
                      إذا مات ملك الموت – عليه السلام – لأنه لا يكون هناك موت بعد ذلك فليمت جبريل - عليه السلام - لأنه ليس هناك وحى
                      وليمت ميكائيل - عليه السلام - لأنه ليس ثمت حاجةٌ إلى ملك للمطر والرياح والأرزاق،
                      وليمت إسرافيل - عليه السلام- لأنه لا نفخ فى الصور بعد ذلك
                      وليمت منكر ونكير - عليهما السلام - لأنه لا فتنة للقبر بعد ذلك
                      وليمت الكتبة والحفظة فلا حاجة لهما
                      وليمت جميع الملائكة غير خزنة الجنة وخزنة النار
                      وهذا لم يقل به أحد أبدا ولا يُتَصور أن يصدر عن عاقل. فتأمل، والله أعلم.

                      هذا، وقد اختلف العلماء فيمن يقبض روح ملك الموت على قولين:
                      الأول: أنه هو الذى يقبض روح نفسه.
                      الثانى: أن الله عز وجل هو الذى يقبض روحه.
                      ولم أقف على نقل فى ذلك، فالله أعلم.

                      تعليق


                      • [باب]
                        [ذكر قصة منكر ونكير عليهما السلام]

                        اسمهما:
                        الموكل بسؤال القبر من الملائكة ملكان اسم أحدهما: "المُنْكَر"، واسم الآخر "النكير".

                        فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ
                        فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
                        فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
                        فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا
                        ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ
                        ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ
                        ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ
                        فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ
                        فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ

                        وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي
                        فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ

                        فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ؛ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ
                        ."

                        ويطلق عليهما أيضا فتانا القبر:
                        فعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ."

                        وفى لفظ عند الترمذى : مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ
                        قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
                        قَالَ: بَلَى
                        قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ وَرُبَّمَا قَالَ: خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ."

                        وفى لفظ عند أحمد: "وَوُقِيَ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ."

                        سبب تسميتهما بذلك:
                        قال الإمام القرطبى: إنما سميا فَتَّانَي القبر لأن فى سؤالهما انتهارا وفى خلقهما صعوبة
                        ألا ترى أنهما سميا منكرا ونكيرا
                        فإنما سميا بذلك لأن خَلْقَهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق الطير ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام،
                        بل هما خلق بديع وليس فى خلقتهما أُنس للناظرين إليهما،
                        جعلهما الله تكرمة للمؤمن يثبته وينصره وهتكا لستر المنافق فى البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب. قاله أبو عبد الله الترمذى.

                        تعليق


                        • اعتراض وجوابه:


                          ذهب جمهور المعتزلة إلى أنه لا يجوز تسمية ملائكة الله – عز وجل – بمنكر ونكير.
                          قالوا: إن "المنكر" ليس اسما ولا وصفا للملَك وإنما هو ما يبدو من تلجلجه عند السؤال،
                          وإن معنى "النكير" هو تقريع الملكين للميت وانتهارهما له.

                          والجواب:

                          أن هذا مخالف لما ثبت فى الأحاديث الصحيحة من تسميتهما بذلك.
                          قال الإمام ابن القيم: قال أحمد بن القاسم: قلت: يا أبا عبد الله (1) نُقِرُّ بمنكر ونكير وما يُروَى فى عذاب القبر؟
                          فقال: سبحان الله ! نعم نقر بذلك ونقوله.
                          قلت: هذه اللفظة: نقول: "منكر ونكير" أو نقول ملكين؟
                          قال: منكر ونكير.
                          قلت: يقولون: ليس فى الحديث منكر ونكير.
                          قال: هو هكذا – يعنى منكر ونكير. (2)


                          _______________________

                          (1) هو الإمام أحمد بن حنبل
                          (2) الروح لابن القيم: ص72.


                          تعليق


                          • [فصل]



                            [ذكر وصفهما وصفاتهما]




                            1- أسودان أزرقان كما تقدم فى الحديث: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ..."[1]

                            2- شديدا الانتهار كما فى حديث البراء بن عازب المشهور: "ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه و يجلسانه"[2]

                            3- أن فى خُلُقِهما صعوبة ولذلك سمى أحدهما المنكر والآخر النكير كما سبق.

                            4- أنهما يسألان كل من مات إلا المستثنى من عذاب القبر.

                            5- أنهما يعلمان جواب المسئول كما فى حديث أبى هريرة السابق: "فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا...
                            وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ.
                            "[3]

                            6- أن سؤالهما هذا فتنة للناس فى قبورهم ولذا سميا "فَتَانَا القبر"

                            7- أنهما يثيران الأرض بأنيابهما ويلحفان أو يلجفان[4] الأرض بشفاههما

                            8- أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف

                            9- معهما مرزبة لو اجتمع عليها مَنْ بين الخافقين لم يقلوها يشتعل منها القبر على الكافر والمنافق نارا

                            وقد وردت هذه الصفات فى بعض ألفاظ حديث البراء بن عازب.
                            قال الحافظ المنذرى فى"الترغيب والترهيب"[5] بعد أن ذكر حديث البراء بن عازب المشهور وتكلم على صحته: وقد رواه عيسى بن المسيب عن عدى بن ثابت عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه اسم الملكين فقال فى ذكر المؤمن: "فيرد إلى مضجعه فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلجفان الأرض بشفاههما فيجلسانه ثم يقال له: يا هذا من ربك؟..." فذكره


                            وقال فى ذكر الكافر: "... فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلجفان الأرض بشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثم يقال: ياهذا من ربك؟ فيقول: لا أدرى. فيُنادَى من جانب: لا دريتَ ويضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها مَنْ بين الخافقين لم يقلوها ثم يشتعل منها قبره نارا..."[6]



                            والحاصل أنك أمام مخلوقين غريبين عجيبين من مخلوقات الله – عز وجل –
                            جعلهما الله فتنة للناس فى قبورهم
                            لا يشبهان فى خِلقتهما شيئا مما أَلِفَتْهُ النفوس من خلقة الإنس أو الطير أو الوحش
                            وإنما يأخذك الفزع ويتملكك الرعب إذا رأيتهما
                            فكيف وأنت وحيد فى قبرك وجاءك هذان الملكان الكريمان – عليهما السلام – فى هيئة منكرة:
                            - أسودان شديدا السواد
                            - أزرقان
                            - غزيرا الشعر
                            - أعينهما ينبعث منهما بريق يخطف الأبصار
                            - أنيابهما شديدة صلبة يثيران الأرض بها كما يثير المحراث الأرض
                            - ويغطيان الأرض ويحفرانها بشفاههما

                            فإذا هَالَكَ ذلك إذا بك تجد معهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يستطيعوا حملها
                            فإذا هالَكَ ذلك انتهراك بشدة وصعوبة وبصوت مرعب مخيف كأنه الرعد القاصف
                            وأنت مع هذا وحيد لا ناصر لك ولا معين ولا مغيث ولا ملجأ ولا مهرب، إلا أن يثبتك الله – عز وجل –
                            وعلى هذا فمهما كان معك من عقل فلن يسعفك ولن ينجيك إلا أن يثبتك الله – عز وجل -: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]


                            __________________________

                            [1] صحيح لغيره: تقدم قريبا

                            [2] صحيح: تقدم فى قصة ملك الموت

                            [3] صحيح لغيره: تقدم

                            [4] يلحفان الأرض بشفاههما أو يلجفانها: إن كان بالحاء المهملة ( يلحفان ) فالمعنى أنهما يغطيان الأرض بشفاههما ويثيرانها بأنيابهما كما يثير المحراثُ الأرض. أما إن كان بالجيم المعجمة ( يلجفان ) وهو الأقرب فمعناه يحفران الأرض بشفاههما ويحرثانها بأنيابهما.

                            [5] الترغيب والترهيب: 4 / 241 حديث رقم ( 5185)

                            [6] تقدم فى قصة ملك الموت

                            تعليق


                            • [فصل]


                              [ذكر عمل منكر ونكير عليهما السلام]


                              فتنة الناس وسؤالهم فى قبورهم. وقد تقدم من الأحاديث ما يدل على ذلك.
                              وتبشير المؤمن بعد إجابته بأنه كان على اليقين ثم يريانه مقعده من الجنة وما أعده الله له فيه ومقعده من النار وما أذهبه الله عنه.
                              وأما الكافر أو المنافق فيُبَكِّتَانه وينتهرانه ويقولان له بعد الجواب: على الشك كنتَ وعليه مت وعليه تبعث ثم يريانه مقعده من الجنة وما صرفه الله عنه فيزداد حسرة، ومقعده من النار وما ينتظره منها.


                              فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ فَاسْتَطْعَمَتْ عَلَى بَابِي
                              فَقَالَتْ: أَطْعِمُونِي أَعَاذَكُمْ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
                              قَالَتْ: فَلَمْ أَزَلْ أَحْبِسُهَا حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
                              فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ؟
                              قَالَ: "وَمَا تَقُولُ؟"
                              قُلْتُ: تَقُولُ: أَعَاذَكُمْ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
                              قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا فِتْنَةُ الدَّجَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ وَسَأُحَذِّرُكُمُوهُ تَحْذِيرًا لَمْ يُحَذِّرْهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ.
                              فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تُفْتَنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ:
                              فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ[1] ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟
                              فَيَقُولُ فِي الْإِسْلَامِ
                              فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟[2]
                              فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَدَّقْنَاهُ
                              فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -
                              ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَيُقَالُ عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
                              وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟
                              فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي
                              فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟
                              فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُ كَمَا قَالُوا
                              فَتُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ
                              ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا كُنْتَ عَلَى الشَّكِّ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُعَذَّبُ
                              ."[3]



                              وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ: "مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ؟"
                              قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
                              فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ."
                              قَالُوا وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
                              قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
                              فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ
                              فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
                              فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
                              فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا
                              فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
                              فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي
                              فَيُقَالُ لَهُ اسْكُنْ
                              وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
                              فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي
                              فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ[4] وَلَا تَلَيْتَ[5]
                              فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
                              فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ
                              فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ
                              ."[6]



                              وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةً
                              فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
                              فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
                              فَيَقُولُ: صَدَقْتَ
                              ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ: اسْكُنْ.
                              وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ
                              وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
                              فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا
                              فَيَقُولُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ
                              ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا
                              وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ
                              ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ."


                              فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ
                              فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27][7]


                              _____________________________________

                              [1] قوله: "غير مشعوف": قال المنذرى ( الترغيب والترهيب: 4 / 237): هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء. قال أهل اللغة: الشعف: هو الفزع حتى يذهب بالقلب.

                              [2] قوله: "ما هذا الرجل الذى كان فيكم" إنما يقولان ذلك من غير تفخيم ولا تعظيم ليتميز الصادق فى الإيمان من المرتاب فيجيب الأول كما فى الحديث ويقول الثانى: لا أدرى فيشقى شقاء الأبد.

                              [3] صحيح: رواه أحمد (25143)، وصححه المنذرى فى الترغيب والترهيب حديث رقم (5184)

                              [4] لا دريتَ: دعاء عليه، والمعنى: لا كنت داريا فلا توفق فى هذا الموقف ولا تنتفع بما كنت تسمع أو تقرأ.

                              [5] ولا تليت: أى قرأتَ، أصلها تلوت بالواو، أى لم تدر ولم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك. وقيل: تليتَ: أى تبعت من حَقَّق الأمر على وجهه.

                              [6] صحيح: رواه البخارى (1338، 1374) ومسلم (2870) وأبوداود (3231، 4751، 4752) وهو لفظه، والنسائى (2048 ،2049 ،2050 ) وأحمد (13447)

                              [7] صحيح لغيره: رواه أحمد (11000)

                              تعليق


                              • [فصل]

                                [وجوب الإيمان بسؤال القبر وعذابه ونعيمه]


                                الإيمان بفتنة القبر وسؤال الملكين واجب، والتصديق به لازم
                                فنؤمن بما جاءت به الأخبار وصحت بل وتواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك
                                وأن العبد:
                                - يحيا فى قبره،
                                - وترد إليه روحه
                                - ويرد إليه عقله كما كان فى الدنيا بكيفية يعلمها الله
                                - ويأتيه الملكان فيجلسانه ويسألانه
                                - ثم يُنَعَّم أو يعذب

                                والله على كل شئ قدير.


                                قال الإمام ابن القيم: وقال حنبل: قلت لأبى عبد الله[1] فى عذاب القبر.
                                فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها كلها جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به،
                                إذا لم نقر بما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]
                                قلت له: وعذاب القبر حق؟
                                قال: حق، يعذبون فى القبور.
                                قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير وأن العبد يسأل فى قبره فـ: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] فى القبر.


                                وقال أحمد بن القاسم: قلت: يا أبا عبد الله، نقر بمنكر ونكير وما يروى فى عذاب القبر؟
                                فقال: سبحان الله ! نعم نقر بذلك ونقوله.
                                قلت: هذه اللفظة نقول منكر ونكير.
                                قال: هو هكذا. يعنى: أنهما منكر ونكير ا.هـ[2]

                                وقال شارح الطحاوية: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وسؤال الملكين؛ فيجب اعتقادُ ثبوت ذلك والإيمان به ولا يُتَكَلَّمُ فى كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته بكونه لا عهد له به فى هذه الدار.[3]


                                ____________________________________
                                [1] أبو عبد الله هو الإمام أحمد بن حنبل

                                [2] الروح لابن القيم: 72

                                [3] شرح العقيدة الطحاوية: 398

                                تعليق

                                يعمل...
                                X