إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

"تقييدات في إعجاز القرآن"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "تقييدات في إعجاز القرآن"

    تَقييداتٌ في إِعجَازِ القُرآنِ
    بقَـلم
    الدّكتُور محمَّد بن عَبْدالرّحمن أبو سَيْف الشظيفي
    دار ابن عفان للنشر والتوزيع

    ***

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة
    الحمد لله وحده لا شريك له, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأصلى على النبي محمد وأسلم تسليماً كثيراً .

    أما بعد :
    فإنني كنت بتوفيق من الله قد قيدت تقييدات في إعجاز القرآن, في معناه وفي دلالته وفي أنواعه .
    فجمعتها في هذه المطبوعة وقدمت عليها تمهيداً في بيان الأولى من التسميات للمعجزة .
    وترجمت لها بـ: "تقييدات في إعجاز القرآن" وأتقدم بها للقراء رجاء تعدية نفعٍ مظنون إليهم, محتسباً عند الله الأجر.
    والله ولي التوفيق لاشريك له, وله الحمد أولاً وآخراً لاشريك له.


    محمد عبدالرحمن أبو سيف الشظيفي


    تمهيد

    إن الأولى في تسمية ما أجراه الله لأنبيائه من الخوارق أن تسمى: آيات, أو بينات أو براهين, وذلك أجدر بها من تسميتها: معجزات, لوجوه:

    الأول: أن لفظ "المعجزة" لم يرد في الكتاب ولا في السنة (1) , وإنما فيهما تسمية الخارق الذي يجري لنبي من الأنبياء آية أو بينة أو برهاناً, قال سبحانه: { وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله } (2) , وقال نبي الله صالح عليه السلام لقومه فيما حكاه الله عنه في كتابه: { قد جئتكم ببينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية } (3) وقال سبحانه: { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } (4) وقال سبحانه: { فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه } (5) .

    الثاني: أن لفظ "آية" و "البينة" و "البرهان" في تسمية خوارق الأنبياء أدل على مقصودها من تسميتها معجزة, ولذلك اختصت بها هذه الألفاظ فلا تقع على غيرها, إذ حدها حد الدليل على صدق النبي, ولم تقم لمجرد الإعجاز. أما لفظ المعجزة فإنه وإن كان من بعض صفات آيات الأنبياء وشرط فيها وهو من لوازمها إلا ان العجز عن معارضتها غير مقصود لذاته وليس هو بمراد الله من إيتائه الآيات اأنبيائه بل المراد كونها دليلاً على ثبوت النبوة وبرهاناً لها وآية عليها (6) , كما سيأتي إيضاحه عند الكلام على معنى الإعجاز المقصود في آيات الأنبياء ودلالاته.

    الثالث: أن عرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره جرى على تسميتها آيات (7) .
    وقد جرى عرف من صنف في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم على تسمية مصنفاتهم فيها باسم " دلائل النبوة " ولم يسموها معجزات , ومن ذلك :
    - دلائل النبوة لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ ( 8 ).
    - دلائل النبوة لابن أبي الدنيا المتوفى سنة 281 هـ (9).
    - دلائل النبوة لإبراهيم بن إسحاق الحربي المتوفى سنة 285 هـ (10).
    - دلائل النبوة لأبي بكر الفريابي المتوفى سنة 301 هـ (11).
    - دلائل النبوة لإبراهيم بن حماد المتوفى سنة 323 هـ (12).
    - دلائل النبوة للنقاش المتوفى سنة 351 هـ (13).
    - دلائل النبوة للطبراني المتوفى سنة 360 هـ (14).
    - دلائل النبوة للقفال الكبير المتوفى سنة 365 هـ (15).
    - دلائل النبوة لابن شاهين المتوفى سنة 385 هـ (16).
    - دلائل النبوة للخركوشي المتوفى سنة 407 هـ (17).
    - دلائل النبوة لأبي نعيم المتوفى سنة 430 هـ ( 18 ).
    - دلائل النبوة للمستغفري المتوفى سنة 432 هـ (19).
    - دلائل النبوة لأبي ذر الهروي – أحد رواة صحيح البخاري – المتوفى سنة 435 هـ (20).
    - دلائل النبوة للبيهقي المتوفى سنة 458 هـ (21).
    - دلائل النبوة لابن دلهاث المتوفى سنة 478 هـ (22).
    - دلائل النبوة لقوام السنة التميمي المتوفى سنة 535 هـ ( 23 ) .
    - دلائل النبوة لأبي بكر محمد بن حسن المعري المتوفى سنة 851 هـ (24).

    وربما سموا تصانيفهم في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم بـ " أعلام النبوة " ومنه :
    - أعلام النبوة لأبي داود السجستاني المتوفى سنة 275 هـ (25).
    - أعلام النبوة لابن قتيبة المتوفى سنة 276 هـ (26).
    - أعلام النبوة لابن أبي الدنيا (27).
    - أعلام النبوة لابن فطيس المتوفى سنة 402 هـ ( 28 ).
    - أعلام النبوة للماوردي المتوفى سنة 450 هـ (29).
    - أعلام النبوة للبكري المتوفى سنة 478 هـ (30).
    - أعلام النبوة لابن ظفر المتوفى سنة 565 هـ (31).

    وإطلاق لفظ " المعجزة " و " الإعجاز " في ذكر آيات الأنبياء كان معروفاً في أواخر القرن الثالث وكان ربما يقرن بلفظ الدلائل ولفظ الأعلام ,ومن هذا تسمية أبي عوانة الاسفرائيني المتوفى سنة 316 هـ كتاباً له في دلائل النبوة باسم : "دلائل الإعجاز" (32) , وذكر أبو الحسن الأشعري المتوفى سنة 324هـ مما اختلف فيه المتكلمون اختلافهم في ظهور الأعلام المعجزات على غير الأنبياء جائز أم لا (33).

    وكان لفظ المعجزة يطلق على كل خارق سواء ظهر لنبي أو لولي غير نبي, لا فرق في ذلك عندهم ويدل عليه قول الأشعري رحمه الله في كتابه مقالات الإسلاميين: " واختلفوا هل يجوز أن تظهر الأعلام على غير الأنبياء, فقال قائلون : لا تجوز أن تظهر الأعلام المعجزات على غير الأنبياء "إلى أن قال:" وقال قائلون: جائز أن تظهر المعجزات على الصالحين الذين لا يدعون النبوة " (34).

    ولكن استقر الاصطلاح عن المتأخرين على قصر اسم "المعجزة" على خارق النبي, وسموا خارق الولي "كرامة" (35).


    ------------------
    (1) انظر الجواب الصحيح لابن تيمية 4/67-70, والمواهب اللدينة 1/348.
    (2) الرعد 38 وغافر 78.
    (3) الأعراف 73.
    (4) الحديد 25.
    (5) القصص 32.
    (6) انظر: النبوات 287و289و310.
    (7) قاله ابن تيمية . انظر الفتاوى 11/311.
    ( 8 ) ذكره ابن النديم في الفهرست 116 وصاحب كشف الظنون 1/760 .
    (9) ذكره الذهبي في السير 13/402.
    (10) ذكره ابن أبي يعلى في الطبقات 1/86.
    (11) وهو مطبوع .
    (12) ذكره ابن النديم في الفهرست 282 وصاحب ايضاح المكنون 1/477.
    (13) ذكره الذهبي في السير 15/574.
    (14) ذكره الذهبي في السير 16/128.
    (15) ذكره الذهبي في السير 16/284.
    (16) ذكره في الرسالة المستطرفة ص78.
    (17) ذكره الذهبي في السير 17/256.
    ( 18 ) وهو مطبوع.
    (19)ذكره الذهبي في السير 17/564 , وانظر : كشف الظنون 1/760.
    (20) ذكره في السير 17/560.
    (21) وهو مطبوع.
    (22) ذكره في السير 18/568 وسماه صاحب إيضاح المكنون 1/104: "أعلام النبوة".
    (23) وهو مطبوع.
    (24) ذكره في كشف الظنون 1/760.
    (25) ذكره في الرسلة المستطرفة 79 وسماه في كشف الظنون 1/760: " دلائل النبوة" وقال: "ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب".
    (26) ذكره الذهبي في السير 13/397 وسماه صاحب الفهرست ص116: "دلائل النبوة" وكذا في كشف الظنون 1/760.
    (27) ذكره الذهبي في السير 13/401 وأفرده عن دلائل النبوة ولعله هو.
    ( 28 ) ذكره في السير 17/212 وسماه في تذكرة الحفاظ 2/1061: "دلائل الرسالة" وسماه الداودي في طبقات المفسرين 1/292 "أعلام النبوة ودلالات الرسالة", وكذا في هدية العارفين 1/515, وفي الرسالة المستطرفة 79: "دلائل الرسالة".
    (29) وهو مطبوع.
    (30) ذكره في السير 19/35, وانظر: ايضاح المكنون 1/104.
    (31) ذكره في كشف الظنون 1/126.
    (32) ذكره في الرسالة المستطرفة ص79 معطوفاً على كتاب دلائل النبوة.
    (33) انظر: مقالات الإسلاميين ص438.
    (34) انظر: مقالات الإسلاميين ص438.
    (35) انظر الفتاوى 11/311.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله الوهراني; الساعة 15-Dec-2008, 01:32 PM.

  • #2
    تَقييداتٌ في إِعجَازِ القُرآنِ

    وفيه ثلاثة تقييدات:
    التقييد الأول: معنى الإعجاز.
    التقييد الثاني: دلالتـــه.
    التقييد الثالث: أنوعــه.

    ***
    تقييدات في إعجاز القرآن

    التقييد الأول: معنى الإعجاز:
    المعجزة والإعجاز مشتقان من الفعل:عجز, ومعنى عجز: ضعف, يقال: عَجِز عن الشيء وعَجَز -بفتح الجيم وكسرها- عجْزاً ومَعْجِزَةً ومَعْجَزَةً ومَعْجِزَاً ومَعْجَزَاً فهو عاجز أي ضعيف.
    قال ابن الأعرابي: لا يقال: عجز الرجل إلا إذا عظم عجزه. (1)
    قال الراغب: "العَجْزُ أصله التأخر عن الشيء وحصوله عند عَجُزِ الأمر أي مؤخَّرِه",قال: "وصار في التعارف اسماً للقصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة". (2)
    قال الأزهري: "معنى الإعجاز: الفوت والسبق" قال: "وقال الليث: أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه". (3)
    ومنه سميت آيات الأنبياء معجزات لأن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثلها, خارجة عن مقدورهم, وإن طلبوا الإتيان بمثلها وسعوا إليه فلن يدركوه.
    ووجه الإعجاز في آيات الأنبياء أنها لا تدخل تحت قدرة العباد مطلقاً, ولا تكون إلا للأنبياء, خاصة بهم, وليست هي من جنس معجزات السحرة والكهنة إذ معجزات هؤلاء ليست خارقة لعادات بني آدم, بل كل ضرب منها معتاد لطائفة من الناس مقدور عليه عندهم وليست خارجة عن مألوفهم, وخرقها إنما هو لعادة من لم يعتد عليها ولا علم له بها ولم يألفها وليست هي خارجة عن سنن الله التي أجراها في كونه, بل فيها استخدام سنن الله الجارية في تغيير ما جرت به العادة الظاهرة, فمثلاً:
    جرت سنة الله في كونه أن الزئبق يضطرب ويميد إذا أصابته حرارة, فإذا لُطخت به عصيٌ وحبالٌ ثم ألقيت هذه العصي والحبال في أرض أصابتها حرارة الشمس في وقت ضحىً وهو وقت ارتفاع الشمس واشتداد حرارتها ومع حرارة الأرض أصابت حرارة الشمس العصي والحبال أيضاً, فإنها ستميد وتضطرب وتهتز حتى يخيل لمن يراها أنها تسعى, كما فعل السحرة بين يدي موسى عليه السلام في الموعد الذي جمع الناس له. (4)
    ففي هذا استخدام سنة كونية أجراها الله وهي: اضطراب الزئبق من الحرارة, في خرق عادة مألوفة عند الناس وهي: كون العصي والحبال لا تضطرب ولا تسعى.
    أما معجزات الأنبياء فليست مقدورة لأحد من البشر مطلقاً, لأن فيها خرقاً للسنن التي أجراها الله في الكون, ولا يخرق سنة جارية إلا من أجراها سبحانه وتعالى.
    فمثلاً: أجرى الله في خلقه أن الجمادات كالحبال والعصي لا حياة فيها ذاتها ولا تنقلب عن أصلها إلى حيوانات حية تسعى,ويستحيل على الخلق أن يفعلوا ذلك, ولكن الله أخلف سنته الجارية في ذلك لنبيه موسى عليه السلام فلما ألقى عصاه قلبها الله حية حقيقة تسعى, ولذلك آمن السحرة وخروا سجداً لأنهم تيقنوا أن ما أجراه الله لموسى عليه السلام لم يكن من قبيل استخدام سنة كونية في مخالفة مألوف, بل هو إخلاف سنة جارية بنقيضها حقيقة على نحو لا يفعله ولا يقدر عليه إلا من خلق وأجرى سبحانه. (5)


    ------------
    (1) انظر: الصحاح 3/884, ومعجم مقاييس اللغة 4/232.
    (2) المفردات 322.
    (3) تهذيب اللغة 1/340.
    (4) انظر تفسير البغوي 3/224, وتفسير القرطبي 11/222, وتفسير ابن كثير 3/159, وتفسير أبي السعود 6/27, وروح المعاني 16/227.
    (5) ولكن الذي ينبغي التنبه له, أن الله لا يخلف سنة أجراها إلا لسبب وحكمة, وقد اقتضت حكمته إجراء آيات الأنبياء التي فيها خرق سنة أجراها لسبب النبوة, ولذلك فإن آيات الأنبياء لا تكون إلا مع النبوة وهي مختصة بالأنبياء وبرسالاتهم ولا تقع إلا لتأييد الأنبياء وتثبيت الرسالات.
    وعلى هذا فهذه سنة لله في كونه أن يجري هذه الآيات لهذه المقتضيات , فتكون سنة الله عز وجلّ وعادته في الأنبياء ورسالاتهم أن يميزهم بخصائص تمتاز بها عن غيرها ويعلم أن أصحابها من ذلك الصنف المخصوص.
    فعند التحقيق والتدبر لا يكون في آيات الأنبياء خرقاً للسنن الكونية الجارية مطلقاً بل إنها سنن أجراها الله بإزاء سننه الجارية في كونه, قال ابن تيمية -رحمه الله- في النبوات ص330-331: " الرب تعالى في الحقيقة لا ينقض عادته التي هي سنته التي قال فيها: { سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً } وقال: { فهل ينظرون إلا سنة الأولين , فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً }, وهي التسوية بين المتماثين والتفريق بين المختلفين فهو سبحانه إذا ميز بعض المخلوقات بصفات يمتاز بها عن غيره ويختصه بها قرن بذلك من الأمور ما يمتاز به عن غيره ويختص به, ولا ريب أن النبوة يمتاز بها الأنبياء ويختصون بها".
    إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: " ولم تكن له سبحانه عادة بأن يجعل مثل آيات الأنبياء لغيرهم حتى يقال: إنه خرق عادته ونقضها, بل عادته وسنته المطردة أت تلك الآيات لا تكون إلا مع النبوة والإخبار بها, لا مع التكذيب بها أو الشك فيها, كما أن سنته وعادته أن محبته ورضاه وثوابه لا يكون إلا لمن عبده وأطاعه, وأن سنته وعادته أن يجعل العاقبة للمتقين وسنته وعادته أن ينصر رسله والذين آمنوا كما قال تعالى: { ولو قاتلمكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً, سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً } , وكل ما يظن أنه خرقه من العادات فله أسباب انخرقت فيها تلك العادات, فعادته وسنته لا تتبدل إذ أفعاله جارية على وجه الحكمة والعدل".
    ولعله يمكن القول : إن آيات الأنبياء هي سنن خاصة جارية على خلاف السنن العامة لحكمة اقتضت ذلك.
    التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 01-Oct-2008, 01:03 AM.

    تعليق


    • #3
      قال ابن تيمية -رحمه الله-: " إن ما يأتي به الساحر والكاهن وأهل الطبائع والصناعات والحيل, وكل من ليس من أتباع الأنبياء لايكون إلا من مقدور الإنس والجن, فما يقدر عليه الإنس من ذلك هو وأنواعه, والحيل فيه كثير, وما يقدر عليه الجن هو من جنس مقدور مقدور الإنس وإنما يختلفون في الطريق, فإن الساحر قد يقدر على أن يقتل إنساناً بالسحر , أو يمرضه, أو يفسد عقله أو حسه وحركته وكلامه بحيث لا يجامع أو لا يمشي أو لا يتكلم ونحو ذلك, وهذا كله مما يقدر الإنس على مثله لكن بطريق أخرى "إلى أن قال -رحمه الله-: "وكذلك الجن كثيراً ما يأتون الناس بما يأخذونه من أموال الناس من طعام وشراب ونفقة وماء وغير ذلك وهو من جنس ما يسرقه الإنسي ويأتي به إلى الإنسي, لكن الجن تأتي بالطعام والشراب في مكان العدم, ولهذا لم يكن مثل هذا آية لنبي, وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده في الماء فينبع الماء من بين أصابعه وهذا لا يقدر عليه لا إنس ولا جن, وكذلك الطعام القليل يصير كثيراً, وهذا لا يقدر عليه لا الجن ولا الإنس , ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم قط بطعام من الغيب ولا شراب". (1)
      وقال -رحمه الله-: "إن آيات الأنبياء مما يعلم العقلاء أنها مختصة بهم ليست مما تكون لغيرهم, فيعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير الأنبياء, وسواء في آياتهم التي كانت في حياة قومهم وآياتهم التي فرق الله بها بين أتباعهم وبين مكذبيهم بنجاة هؤلاء وهلاك هؤلاء, ليست من جنس ما يوجد في العادات المختلفة لغيرهم, وذلك مثل تغريق الله جميع أهل الأرض إلا لنوح ومن ركب معه في السفينة, فهذا لم يكن في العالم نظيره.
      وكذلك إهلاك قوم عاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد مع كثرتهم وقوتهم وعظم عماراتهم التي لم يخلق مثلها في البلاد, ثم أهلكوا بريخ صرصرٍ عاتية مسخرة سبع ليال وثمانية أيام حسوماً, حتى صاروا كلهم كأنهم أعجاز نخل خاوية ونجا هود ومن اتبعه, فهذا لا يوجد نظيره في العالم.
      وكذلك قوم صالح أصحاب مدائن ومساكن في السهل والجبل وبساتين أهلكوا كلهم بصيحة واحدة, فهذا لم يوجد نظيره في العالم.
      وكذلك قوم لوط أصحاب مدائن متعددة رفعت إلى السماء ثم قلبت بهم واتبعوا بحجارة من السماء تتبع شاذهم ونجا لوط وأهله إلا امرأته أصابها ما أصابهم, فهذا لا يوجد نظيره في العالم.
      وكذلك قوم فرعون وموسى جمعان عظيمان ينفرق لهم البحر كل فرق كالطود العظيم, فيسلك هؤلاء ويخرجوا سالمين, فإذا سلك الآخرون انطبق عليهم الماء, فهذا لم يوجد نظيره في العالم". (2)
      إلى أن قال -رحمه الله-: "والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم أنه لم يوجد له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته, فلفظه آية, ونظمه آية, وإخباره بالغيوب آية, وأمره ونهيه آية, ووعده ووعيده آية, وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية, وإذا ترجم بغير العربي كانت معانيه آية, كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم". (3)
      والحاصل أن جنس خوارق الأنبياء جنس خاص ليس من جنس سائر الخوارق المعلومة عند الناس المقدورة لبعضهم.
      وهذا هو وجه الإعجاز فيها : عدم دخولها تحت قدرة العباد وإنما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليها, وهي فعله سبحانه الذي لا يستطاع وكيف يشبه فعل المخلوق فعل الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له.
      والأمر كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: "دلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية". (4)
      وعلى هذا جاء إعجاز القرآن, فإن سر إعجاز القرآن وحقيقته أنه كلام الله لا يقدر أحد من البشر أن يقول مثله وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الله.
      وثمت مسألة, وهي: إذا كان إعجاز القرآن في كونه خارجاً عن مقدور البشر أصلاً لكونه كلام الخالق ولا يرد كلام مخلوق على مثاله تعالى الله, فما وجه التحدي به؟ فإن ما تسنحيل قدرة العباد على أعظم من أن يُتحدوا فيه, وظهور بينته وتمكن برهانه مغنٍ عن التحدي به.
      الجواب عن هذا من وجهين:
      الأول: أن القرآن نزل في أصل نزوله بينة ودلالة على النبوة ولم ينزل للتحدي, وإنما وقع التحدي به مع ورود الطعن فيه والشك منه والشغب عليه بالجدال والمماحكة, وعلى هذا تدل الآيات الوارد فيها التحدي.
      فآية سورة البقرة قال الله فيها: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين } .
      ورود التحدي به بعد ذكر ريبهم منه.
      وآية سورة هود قال الله فيها: { أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين }.
      ورد التحدي به فيها بعد ذكر طعنهم فيه.
      وآية سورة يونس قال الله فيها: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين }.
      ورد التحدي به فيها بعد ذكر طعنهم فيه.
      وآية سورة القصص قال الله فيها: { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى, أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل, قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون, قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين }.
      ورد التحدي به فيها بعد ذكر جدالهم وطعنهم فيه.
      وآية سورة الطور قال الله فيها: { أم يقولون تقوله, بل لا يؤمنون, فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }.
      ورد التحدي به فيها بعد ذكر طعنهم فيه.
      وآية سورة الإسراء التي قال الله فيها: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } .
      ورد التحدي به فيها في سياق ذكر جدالهم ومماحكتهم وشغبهم على القرآن باقتراح الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم فالآيات بعدها في بيان ذلك, قال سبحانه: { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا, أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً, أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً, أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه, قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا } .
      فذكر اقتراحهم الآيات بعد آية التحدي وارد على ذات المعنى الذي في قوله سبحانه: { وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه, قل إنما الآيات عند الله ةإنما أنا نذير مبين, أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } . (5)
      أي أن آية القرآن كافية والتحدي به مغن في قيام الحجة وانقطاع المعارض عن قرنه بآيات أخر.
      الثاني: أن التحدي بالقرآن ورد من باب مجاراة الخصم لإلزامه بالحجة وإتمامها عليه وقطع المعذرة وسد الذرائع من جميع وجوهها , وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف ربنا تبارك وتعالى أنه قال: "لا أحد أحب إليه العذر من الله, ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين". (6)
      ولذلك تمم الله الحجة عليهم وأكملها بعد تحديهم بالقرآن فجاء عقب آيات التحدي بيان إنقطاع المكذبين وتمام الحجة عليهم, وأن تكذيبهم بعد التحدي إنما هو جحد ومعاندة, وأنه ليس لهم بعد التحدي إلا الإذعان أو استحقاق العقوبة.
      ففي سورة البقرة قال سبحانه في الآية بعد آية التحدي: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين }.
      فأخبر عز وجلّ أنه لا سبيل لهم بعد التحدي وعجزهم إلا أن يتقوا النار بالتسليم لله ولكتابه ورسوله أو فإنها قد أعدت لهم.
      وفي سورة هود قال سبحانه في الآية بعد آية التحدي: { فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون }.
      فأخبر سبحانه أنهم إن لم يأتوا بمعارض بعد التحدي فقد انتفى المعارض واستقر الدليل على أن لا إله إلا هو سبحانه وأن القرآن من عنده متضمن أمره وعلمه ولم يبق بعد ذلك إلا الإذعان والتسليم , فهل أنتم مسلمون؟
      وفي سورة يونس قال سبحانه في الآية بعد آية التحدي: { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله, كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين }.
      فأخبر سبحانه أن تكذيبهم بعد التحدي وعجزهم هو من جنس تكذيب من قبلهم, تكذيب ظلم وعناد وعلو وكفر, فلينظروا إلى عاقبة أولئك وليحذروها أن تصيبهم كما أصابتهم.
      وفي سورة القصص قال سبحانه في الآية بعد آية التحدي: { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم, ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله, إن الله لا يهدي القوم الظالمين }.
      فأخبر سبحانه أن عدم إيمانهم بعد التحدي وعجزهم إنما هو إتباع للهوى لا دليل لهم ولا حجة يتبعونها سوى العناد والظلم.
      وفي سورة الطور قال سبحانه: { أم يقولون تقوله, بل لا يؤمنون } فبين سبحانه أن كفرهم وجحدهم هو الحامل لهم على الطعن في القرآن وادعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم افتراه من عند نفسه ثم اتبع هذا التقرير بدليله وهو تحديهم أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في دعواهم فقال سبحانه: { فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين }.
      وفي سورة الإسراء قال سبحانه في الآية بعد آية التحدي: { ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفوراً }.
      فأخبر أن كفر الناس ليس عن قصور البينة وعجز في الدليل وضعف في الحجة ولكنه جحود للحق ورد للحجة ومكابرة.
      وهذاكما قال الله عز وجلّ في فرعون وقومه لما جاءهم موسى عليه السلام بالآيات المعجزات: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } (7) هذا بعد قوله سبحانه: { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين } ( 8 ) أي: أن الآيات المعجزات التي جاء بها موسى ظاهرة وأرادوا معارضتها فغلبوا فجحدوا بها في ظاهر الأمر واستيقنت أنفسهم العلم بأنها حق من عند الله ولكنهم أخذتهم المكابرة ظلماً وعلواً .
      وقد أحكم الله حلقة إعجاز كتابه وأتمها من كل وجه فجعل إنزاله على رجل تحكم أحواله وصفاته حلقة الإعجاز وتمنع خدشه بأي شيء يرتاب به المبطلون,فأنزله على رجل أمي ما كان يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه كما قال سبحانه: { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون, بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون }. (9)
      فهذا كتاب عجيب فيه تفاصيل أخبار الأولين وأحوال الأرض والسماء يأتي هذا النبي الذي عرفه قومه عرفوا صدقه وأمانته وعرفوا مدخله ومخرجه وسائر أحواله وهو لا يكتب بيده خطاً ولا يقرأ خطاً مكتوباً وهم يعرفون ذلك فقد لبث فيهم عمراً من قبله: { قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون }. (10)
      فهذا من أظهر البينات على إعجازه, ولو كان صلى الله عليه وسلم قارئاً أو كاتباً لكان للريب لا للتكذيب وجه فكيف وهو ليس كذلك فلا وجه لمجرد الريب فضلاً عن التكذيب فلا يكون التكذيب والحال هذه إلا جحد ظالم: { وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون }.
      ولمعرفة المشركين بأمية النبي صلى الله عليه وسلم سلكوا طريقاً آخر في الجدال فزعموا أنه صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن عن معلم علمه إياه, وهذه دعوى لم تصدر عن جد وإنما هي دعوى عبثية هزلية, ولذلك لم يجدوا من ينسبون إليه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرآن إلا غلاماً قيناً رومياً لا يحسن العربية إلا بقدر ما لابد منه من جواب الخطاب, كان بين أظهرهم غلاماً لبعض بطونهم, ولذلك كان الجواب عن هزلهم هذا وكان نقض هذه الدعوى العبثية واضحاً سهلاً بسيطاً دالاً على أن هذه الدعوى خارجة عن وقار العقل لا يدعيها من له أدنى مسكة من عقل, قال تعالى: { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر, لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين }. (11)
      هذا ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم غير أمي وكان قارئاً كاتباً لما خدش ذلك في إعجاز القرآن ومن وقعت في نفسه ريبة منه رده تدبر القرآن وتحقيق العلم به عن ريبه فكيف والحال ماذكر من شأنه صلى الله عليه وسلم.
      فانعقدت أزمة الإعجاز من أطرافها ولم يبق لريب موضع بوجه من الوجوه إلا وجه العناد واللعب.
      وقد جمع الله عز وجلّ في إقامة الحجة على المشركين بإعجاز القرآن بين دلالتي: القرآن وسيرة النبي المنزل عليه القرآن: { أفلم يدبروا القول, أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين, أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون }. (12)


      ----------------
      (1) النبوات 168-169.
      (2) النبوات 159-160.
      (3) النبوات 164.
      (4) الجواب الصحيح 4/79.
      (5) العنكبوت 50-51.
      (6) متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة, البخاري مع الفتح 13/399 ح 7416 , ومسلم 2/1136 ح1499.
      (7) النمل 14.
      ( 8 ) النمل 13.
      (9) العنكبوت 48-49.
      (10) يونس 16.
      (11) النحل 103, وانظر سبب نزولها في تفسير ابن جرير 14/119, وأسباب النزول للواحدي 162, والسيرة النبوية 1/405.
      (12) المؤمنون 70-71.
      التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 04-Oct-2008, 09:58 PM.

      تعليق


      • #4
        التقييد الثاني: دلالة إعجاز القرآن

        إن المقصود من تأييد الأنبياء بالمعجزات هو إقامة الدليل على صدق الرسول وصحة الرسالة وإسقاط شبه المبطلين وتمحكات المعاندين لتحقيق فائدة الرسالة ومقصودها وهو اجتماع الناس على رسول والتدين لله بالرسالة, ولذلك سماها الله بينات وبرهان.
        فدلالة المعجزات هي صدق الأنبياء وثبوت نبوتهم في حقيقة الأمر وأصله وليس مدلولها مجرد إشاعة دعوى النبوة والإخبار عنها.
        ولذلك جعل الله عز وجلّ آيات أنبيائه من خصائص قدرته خارجة عن مقدورات البشر , لأنه لما كانت النبوة منه سبحانه والرسول رسوله مرسلاً من عنده وبأمره ومبلغاً عنه وواسطة بينه وبين خلقه اقتضى المقام أن تكون العلامة الدالة على صحة الرسالة وصدق الرسول منه سبحانه, من خصائص قدرته, فهو المرسل وهو معطي العلامة, وإذا كانت العلامة التي مع الرسول من خصائص المرسِل ولاتكون إلا منه ولا تعرف إلا له دل هذا على صدق الرسول وصحة الرسالة.
        وعلى هذا ورد إعجاز القرآن فهو دليل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وثبوتها له صلى الله عليه وسلم وصحة نسبتها إلى الله عز وجلّ لأنها كلام الله الذي يخصه فلا يشبهه كلام, فعجز الخلق على الإتيان بمثله وثبوت كونه كلام الله نفسه سبحانه علامة بينة للنبي صلى الله عليه وسلم على صدق دعواه صلى الله عليه وسلم أنه مرسل من الله وأن ما يبلغه هو مطلوب الله من خلقه.
        وهاهنا أمور تتعلق بدلالة إعجاز القرآن على ثبوت النبوة:
        الأول: أن العلم بدلالة إعجاز القرآن على ثبوت النبوة علم ضروري والأدلة النظرية توافقه (1), ولذلك فإن القرآن دليل على النبوة وإن لم يقع التحدي به, فليس من شرط دلالته أن يتحدى به, ولذلك لما سمع النجاشي ما تلاه عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من القرآن, قال: " إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحده" (2) فهذا من النجاشي علم ضروري.
        ومن هذا القبيل قول المغيرة بن شعبة لقريش لما سمع شيئاً من القرآن: والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني, ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني, ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة, وإن عليه لطلاوة, وإنه لمثمر أعلاه, ومغدق أسفله, وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته". (3)
        ومنه قول أنيس أخي أبي ذر: "لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم, ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر, والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون". (4)
        الثاني: أن دلالة إعجاز القرآن على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم غير مختصة بزمنه صلى الله عليه وسلم ولا بقومه العرب, ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أو حاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة". (5)
        ولذلك لما كانت رسالته صلى الله عليه وسلم عامة في الخلق أجمعين وهي مراد الله منهم إلى يوم القيامة لا يقبل ديناً غير ولا يُعبد إلا بشرعة محمد إلى قيام الساعة, لما كان ذلك كذلك كان القرآن باقياً محفوظاً إلى يوم القيامة لا يدخله تحريف ولا تبديل لأنه دليل ثبوت النبوة وصحة الرسالة وإعجازه فيها ناطق إلى يوم القيامة بصحة الرسالة: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }. (6)
        وهو كلام الله, والخلق عن بكرة أبيهم واستقصاء أماكنهم وتوالي أزمنتهم لا قدرة لهم على الإتيان بمثل سورة منه (7), { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }. ( 8 )
        الثالث: أن القرآن بإعجازه ليس دالاً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وحده, بل وعلى صدق من دعى إلى ملته وأخبر على نبوته من جميع الخلق في كل زمن.
        وهذا الأمر فرع عن سابقه.


        ------------
        (1) انظر النبوات ص338.
        (2) هذا وارد في حديث جعفر بن أبي طالب الطويل, وهو حديث حسن أخرجه أحمد 1/202, وابن اسحاق-السيرة النبوية- 1/347-351, وأبو نعيم في الحلية 1/115-116, وفي الدلائل 1/246-250, والبيهقي في الدلائل 2/301-.., وابن عساكر في تاريخه, انظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/71-74 , وصحح الحديث: أحمد شاكر في ترتيبه المسند 3/180, وصاحب الفتح الرباني 20/229.
        (3) أخرجه الحاكم 2/506, وقال: "هذا حديث صحيح الاسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي, وعن طريقه أخرجه البيهقي في الدلائل 2/198, وأخرجه ابن جرير في التفسير 16/98, والواحدي في أسباب النزول 250.
        (4) ورد هذا في سياق حديث إسلام أبي ذر, أخرجه مسلم في صحيحه 4/1917,ح 2471.
        (5) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, البخاري مع الفتح 9/3,ح4981, ومسلم 1/134,ح152.
        (6) الحجر 9.
        (7) وهذا من خصائص القرآن فإنه هو آية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسالته وشرعته, فاجتمع فيه الإعجاز والمنهج, النبوة ودليلها, وكانت معجزات الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم منفكة عن المنهج مستقلة بنفسها.
        ( 8 ) الإسراء 88.

        تعليق


        • #5
          التقييد الثالث: أنواع إعجاز القرآن

          القرآن كلامٌ, والكلام ألفاظ ومعان, وإلى هذا تنتهي أنواع إعجاز القرآن.
          فإعجازه: على الجملة إعجاز لفظ, وإعجاز معنى, وينظم إليهما نوع آخر مستقل من الإعجاز, وهو تأثيره في النفوس وصنيعه في القلوب, قال الخطابي: "إنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراًً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال, ومن الروعة والمهابة في حال أخرى وما يخلص منه إليه". (1)
          قال سبحانه وتعالى: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } (2), وقال: { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } (3).
          فهذه الثلاثة جملة أنواع الإعجاز, ثم تتعدد أنواعه بتعدد وجوهها, فهو أنواع متعددة بتعدد جمل الألفاظ وراكيبها, وبتعدد إنشاءات المعاني وأخبارها, وتعدد آثاره في النفوس من رغبة ورهبة ومهابة وسكينة ونحو لك.
          قال الخطابي:"وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلالثة: لفظ حامل, ومعنى به قائم, ورباط لهما ناظم, وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه, ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاؤماً وتشاكلاً من نظمه, وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها.
          وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام وأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير الذي أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً.
          فتفهم الآن واعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف, مضمناً أصح المعاني, من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته, ودعاء إلى طاعته, وبيان لمنهاج عبادته, في تحليل وتحريم وحضر وإباحة, ومن وعظ وتقويم, وأمر بمعروف ونهي عن منكر, وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها, واضعاً كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه, ولا يرى في صورة الغقل أمر أليق به منه, مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم, منبأً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الماضية من الزمان, جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له, والدليل والمدلول عليه, ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعى إليه وإنباءً عن وجوب ما أمر به ونهى عنه". (4)
          وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "بل هو [أي القرآن] آية بينة معجزة من وجوه متعددة, من جهة اللفظ, ومن جهة النظم, ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى, ومن جهة معانيه التي أمر بها, ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك, ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل, ومن جهة ما أخبر به عن المعاد, ومن جهة مابين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى: { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } (5), وقال تعالى: { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا } (6), وقال: { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون, قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون } (7), وكل ماذكره الناس من وجوه إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ولا يناقض ذلك,بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له". ( 8 )
          وقد عدد أهل العلم أنواع إعجاز القرآن حتى أوصلها السيوطي في جمعه في كتاب: "معترك الأقران في إعجاز القرآن" إلى خمسة وثلاثين نوعاً.
          وأرادأ أقوال الناس وأبعدها عن الحق قول من قال: إن إعجاز القرآن في صرف الناس عن معارضته مع قدرتهم على ذلك وقيام الداعي إليه (9), وهذا القول بالصرفة باطل من وجوه:
          الأول: أن القرآن تحدى الخصوم أن يأتوا بمثله, واستثار حميتهم, وكرر التحدي والتقريع به, ودعى إلى الإستعانة بكل من يمكن الإستعانة به للإتيان بمثله.
          وهذا التحدي إنما هو دعوة إلى المعارضة وإغراء بها واستثارة إلى محاولة وممارستها.
          الثاني: أنهم لم يجدوا أنفسهم مصروفيين عن المعارضة بل قد حاولوا وجاءوا بما زعموه معارضاً فافتضحوا وتمكن إعجاز القرآن, قال ابن تيميه -رحمه الله-: "وقد إنتدب غير واحد لمعارضته, لكن جاء بكلام فضح به نفسه, وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز الخلق عن الإتيان بمثله, مثل قرآن مسيلمة الكذاب, كقوله ( يا ضفدع بنت ضفدعين, نقي كم تنقين, لا الماء تكدرين , ولا الشراب تمنعين, رأسك في الماء وذنبك في الطين ) ". (10)
          الثالث: أنه لو كان الإعجاز في الصرفة لكانت هي المعجزة لا القرآن نفسه, ولكان تحداهم بأن ينصرفوا إلى معارضته لا بالمعارضة نفسها.
          قال الباقلاني: "ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزاً وإنما يكون المنع معجزاً, فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه". (11)
          وحاصل القول في أنواع إعجاز القرآن أنها في الجملة ثلاثة أنواع:
          الأول: إعجازه في ألفاظه وأسلوبه, وهو الإعجاز اللغوي.
          الثاني: إعجازه في المعاني التي دلت عليها الألفاظ, وهو الإعجاز في علومه التي تضمنها, وهو يشمل: نوعان عامان:
          الإعجاز التشريعي: وهو إعجازه في أوامره ونواهيه وسائر أحكامه وأقضيته.
          الإعجاز العلمي: وهو إعجازه في أخباره بالمغيبات الماضية والمستقبلة وبما تضمنه منأخبار عن أسرار الكون والآيات في الآفاق وفي أنفس بني آدم.
          الثالث: إعجازه في آثاره في نفوس سامعيه,وهو الإعجاز المعنوي.
          هذا ولعله يلاحظ وقوع التعبير بلفظ "الأنواع" مكان لفظ "الوجوه" الذي جرى العرف به في كتب العلم فيغلب في الإستعمال أن يقال: وجوه إعجاز القرآن, ولكن لفظ "الأنواع" أولى , لأن وجه إعجاز القرآن واحد وهو كونه كلام الله سبحانه منه بدأ, ومهما تعددت أنواع الإعجاز فإن سر إعجاز كل منها ووجهه هو كونه كلام الله الذي لا يشبه كلام مخلوق ولا يشبهه كلام المخلوقين, تعالى الله وتقدس عن المشابهة, { قل هو الله أحد, الله الصمد, لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفواً أحد }, { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }.


          --------------
          (1) بيان إعجاز القرآن ص65.
          (2) الحشر 21.
          (3) الزمر 23.
          (4) بيان إعجاز القرآن 22 وما بعدها.
          (5) الكهف 56.
          (6) الروم 58.
          (7) الزمر 27-28.
          ( 8 ) الجواب الصحيح 4/74-75.
          (9) هذا هو القول بالصرفة, وقد اشتهر به النظام أحد رؤوس المعتزلة.
          (10) الجواب الصحيح 4/76-77.
          (11) إعجاز القرآن 54.
          التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 03-Oct-2008, 09:12 PM.

          تعليق


          • #6
            تم النقل ..
            انتظر من يقوم بمراجعتها وتنسيقها على ملف وورد
            التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 03-Oct-2008, 04:52 PM.

            تعليق


            • #7
              .
              أخي أبا إبراهيم علي بن إبراهيم وفقك الله ، هذا ما وعدتك به :












              للعلم العمل لبعض إخوتي وليس لي ونحن في الخدمة بعون الله و توفيقه .

              أنصح بتحميل الـ ( pdf ) لأن الوورد يحتاج إلى بعض الخطوط التي لا تتوفر
              عند الكثير و أيضا : الآيات من مصحف المدينة .
              وأيضًا لأن الـ ( pdf ) فيه هذا الغلاف الجميل من تصميم صاحب التنسيق !!

              ( الموافقة ) لعلهم يقصدون بها الصفحات أيضا حتى يستعين بها من لا يتوفر لديه الأصل ،
              وليس لدي الأصل حتى أجعل الصفحات موافقة فكان ينبغي ترك كلمة ( موافقة ) .
              لكن تبقى الموافقة متحققة فيما يتعلق بمادة الكتاب فإنه يحتمل أن تعدل و يتصرف فيها في غير هذه الطبعة المعتمدة .
              .
              التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 17-Nov-2009, 08:53 PM.

              تعليق


              • #8
                ما شاء الله، لا قوَّة إلا بالله .
                قال يحيى بن معاذ الرازي: " اختلاف الناس كلهم يرجع الى ثلاثة أصول، لكل واحد منها ضد، فمن سقط عنه وقع في ضده: التوحيد ضده الشرك، والسنة ضدها البدعة، والطاعة ضدها المعصية" (الاعتصام للشاطبي 1/91)

                تعليق


                • #9
                  بقَـلم
                  الدّكتُور محمَّد بن عَبْدالرّحمن أبو سَيْف الشظيفي
                  أرجو التعريف بالمؤلف -فضلاً-

                  تعليق


                  • #10
                    نعم نريد تعريفًا بالمؤلف...والتنسيق جدًا رائع.
                    بارك الله في يدٍ نسَّقت ويدٍ نقلت.

                    تعليق


                    • #11
                      ها هو على المرفقات :

                      الأول ( وورد ) والثاني ( بي دي إف )
                      الملفات المرفقة
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 22-Oct-2008, 05:49 PM.

                      تعليق


                      • #12
                        الأخ الفاضل
                        أبو محمد فضل بن محمد

                        أقدر لك هذا المجهود ,,, وفقكم الله وسددكم


                        ***

                        أما بالنسبة للمؤلف : اقتنيت هذا الكتاب من مكتبة وتسجيلات البينة - وهم إن شاء الله لا يقدمون إلا الموثوق - , وذكر الشيخ أسامة العتيبي -حفظه الله- المؤلف ضمن المشايخ الذين درس عليهم هنا . هذا الذي أعرف ...

                        تعليق


                        • #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة أبو محمد فضل بن محمد مشاهدة المشاركة
                          ها هو على المرفقات :

                          الأول ( وورد ) والثاني ( بي دي إف )
                          أين الثاني أخي ؟

                          تعليق


                          • #14
                            الأخ أبو محمد قد رفع ملف pdf ولكن وقع خلل في الموقع نتج عنه حجب الملف

                            وهاهو أرفعه من جديد:
                            الملفات المرفقة
                            كتبه أخوكم شـرف الدين بن امحمد بن بـوزيان تيـغزة

                            يقول الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في رسالته - عوائق الطلب -(فـيا من آنس من نفسه علامة النبوغ والذكاء لا تبغ عن العلم بدلا ، ولا تشتغل بسواه أبدا ، فإن أبيت فأجبر الله عزاءك في نفسك،وأعظم أجر المسلمين فـيك،مــا أشد خسارتك،وأعظم مصيبتك)

                            تعليق

                            يعمل...
                            X