إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

تفريغ خطبه "محبة الله للعبد "لفضيله الشيخ الدكتور :محمد سعيد رسلان حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفريغ خطبه "محبة الله للعبد "لفضيله الشيخ الدكتور :محمد سعيد رسلان حفظه الله

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
    فهذا تفريغ خطبه "محبة الله للعبد "لفضيله الشيخ الدكتور :محمد سعيد رسلان حفظه الله
    والتي كانت بتاريخ
    الجمعة 15 من رجب 1429هـ الموافق 18-7-2008م
    وهذا رابط المحاضرة

    http://www.rslan.org/rm//703_01.rm

    أرجوا من الإخوة مراجعة التفريغ خشية وجود أخطاء


    محبة الله للعبد

    الخُطْبَة الأُولَى

    إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

    أَمَّا بَعْدُ:
    فإن أَصدقَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشرَ الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
    أَمَّا بَعْدُ:

    فقد قالَ العلامةُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى :
    "قد أَجمعَ العارفونَ على أن التوفيقَ : أن لا يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ
    وأن الخِذلان: أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِكْ "

    وهذا المعنى يَتَمَثلُ ، أَكبرَ ما يَتَمَثَّلُ ، في تَحْقِيق محبه الله تبارك وتعالى للعبد , كما قال اللهَ جل وعلا في حديثِ الأولياء ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَلئنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ))
    فهذه الكفاية ، وأن لا يَكِلَ اللهُ تباركَ وتعالى العبد إلى نفسه ، هي ثمرة محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، كما بين الله تبارك وتعالى في هذا الحديث القدسي العظيم ، والرسولُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بهذا المعنى الجليل أمر فاطمة رضي الله عنها ؛
    كما في الحديث الذي أخرجه النسَائيُ والبَزَّارُ والحَاكمُ ، وقال :صحيحٌ على شرط الشيخين ،
    والحَقُ أنه: حديث حسن ، قال فيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -كما روى ذلك أنسٌ رضي الله عنه :((يا فاطمةُ ما يَمنَعكي أنْ تَسْمَعِي ما أَقُول لَكِيْ ,تقولين إذا أصبحتي وإذا أمسيتي- في ذلك الحديث الذي في أذكار الصباحِ والمساءْ -يا حيُ يا قيومْ برحمَتِكَ أستغيثُ أصلح لِي شأني كُله ولا تَكِلْنِي إلى نفسي طَرفَة عَين أبدا))
    فجعل النبيُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -هذا السؤال من العبد لربه ، في أذكار الصباح والمساء ، ودل عليه فاطمة رضي الله وتبارك وتعالى عنها ، في سؤال الكفاية من الله تبارك وتعالى ، وأن لا يكل الله تبارك وتعالى العبد إلى نفسه.
    فهذا هو التوفيق : التوفيق هو أن لا يكلك الله إلى نفسك ؛((يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفه عين أبدا))
    لأن الإنسان إذا وُكِلَ إلى نفسه ، وُكِلَ إلى ضعف وعوره ، وذنبٍ وخطيئة ، وإذا كَفَاه الله تَبارك وتعالى شَر نَفسه ، فقد أَقامهُ على الصراطِ المستقيم ، فالنبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِعِظَمِ هذا الأمرِ، ولِكَبيرِ شأنه ، دَلَّنا على سؤال ربنا تبارك وتعالى في الصباحِ والمساءِ إياه ((لا تكلني إلى نفسي طرفه عينٍ أبداَ)) ؛

    والله ربُ العالمين سبحانه إذا أحب العبد ، كفاه أمر نفسه ، كما بين في الحديث القدسي سبحانه وتعالى ، والإنسانُ كما هو معلوم ، لا يستطيعُ أن يتحصل على محبه الله تبارك وتعالى إلا بأسبابها ، ومن أسباب تحصيل محبه الله تبارك وتعالى للعبد ، أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[ آل عمران :31]

    فعلق الله تبارك وتعالى في هذا الشرط ، الجزاء على الفعل ، فمن إتبع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أحبه الله تبارك وتعالى ، ومن أحبه الله تبارك وتعالى كفاه أمر نفسه ، ولم يكله إلى نفسه طرفه عين ، إذ يكون سَمْعه الذي يَسْمَع به ، وبَصَرَه الذي يُبصِر به ، ويده التي يَبطشُ بها ، ورِجلَه التي يمشي بها ،كما قال سبحانه . وذلك مترتب على محبه الله رب العلمين للعبد ، وثمره من ثمرات محبه الله رب العلمين للعبد ؛فلابد من متابعة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لِتَحْصِيل هذا المقصد الكبير، وهذه النِعْمَة الجليلة ، التي هي من أَكْبَر النِعَم إن لم تكن أكبرها ،

    لأن الله رب العالمين لا يُحب إلا المُتَّقِين ، لا يُحب إلا المُحسِنين ، لا يُحب إلا الْمُتَطَهِّرِينَ ، لا يُحب الله رب العالمين أهل الخُبثِ ، ولا يُحب أهل الْخَبَائِث ، ولا يُحب أهل الفُحش ، ولا أهل الفَواحِش ،فإذا أَحَبَ العبد فلابد أن يكون العبد مُستَحِقاً لأن يُحَبَ ؛
    وكما قال أهل السُلوكِ : إن الشأن ليس في أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، لأنك إن أَحببتَ ولم تُحَب ، فهذا هو العذاب ، فمن أَحب ولم يُحَب فهذا هو العذاب .
    وقد بين لنا نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -طرفا من ذلك:أنَّ الإنسان إذا أحب ولم يُحَب فهو في عذاب واصب وهو في هَمٍّ ناصب،

    والسُنَة قد أظْهَرَتْ لنا طَرَفَا من ذلك في مواضع ، منها :
    ما أَخرَجَهُ البُخاري في صحيحة بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :(أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وهى أخت عبد الله بن أبي ، جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فقالت يا رسول الله : ثابت بن قيس ، لا أَعتِبُ عليه شيئا في خُلُق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال -رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- :((تَرُدِّين عليه حديقته ؟
    قالت : نعم
    فقال -النبي صلى الله عليه وسلم - لثابت رضي الله عنه : اِقبل الحديقة وطلقها تطليقه))
    فافتدت هي نفسها من رجل ، لا تَعِيبُ عليه شيئا ، لا في خُلقٍ ولا في دين ، و ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - منْ خِيَارِ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بَشَّره النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بأنه يحيا حميدا ويموت شهيدا وأنه من أصحاب الجنة ،فَشَهِد له بالشهادة- رضي الله عنه -وشَهِدَ له بالجنة رضي الله عنه ، وذلك أنه لما أنزل الله رب العالمين قوله في الذين يرفعون أصواتهم فوق رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والذين يجهرون للنبي - صلى الله عليه وسلم-بالقول كجهر بعضهم لبعض ، ظن ثابت "وكان به ثِقَلٌ في السَمْع -فكان عالي الصوت" ، وهو كان - رضي الله عنه - مرزوقاً حسن الصوتِ وجمالهُ ، وكان خطيب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

    فكان يخطب إذا جاءت الوفود بين يدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فلما أنزل الله رب العالمين قوله ذلك ، ظن ثابت - رضي الله عنه - أنه داخل في هذا الوعيد { أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُون}[ الحجرات-2] فقال : حَبِط عَمَلِي لأني أرفع صوتي فوق صوت النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }[ الحجرات-2]
    فقال : حبط عملي حبط عملي وأعتزل الناس في بيته ، فلما افتقده رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -أرسل إليه فجاءه الخبر
    فقال: (( بل إرجع إليه فََبَشِّره أنك تحيا حميدا وتموت شهيدا وأنك من أهل الجنة ))
    هذا الرجل الصالح جاءت إمرأته لا تطيقه ، وقالت للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بدء يا رسول الله : ثابت بن قيس ، "هذا موضوع القضية التي تعرضها بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -"-ماله -
    قالت : لا أعيب عليه "لا أعتب عليه " وفى رواية(لا أنقم عليه شيئا في خلق ولا دين ، فأما خلقه فمن أكمل الخلق ، وأما دينه فأمتن دين يكون ، ومع ذلك أكره الكفر في الإسلام ) والكفر هنا هو ما قاله الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يكفرن يعنى:يكفرن العشير فخافت هي من هذا التقصير وجاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - تقول مقررة إنها لا تطيق هذا الرجل الصالح وليس فيه من عيب لا في خلق ولا في دين وأنها لَتَفتَدِى نفسها منه بالمهر الذي قدمه إليها ؛
    فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: تَرُدِين عليه حَدِيقَتَه ؟
    قالت :نعم
    فأمَرَهُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -بقبولها وأن يُطلقها
    فقال : إقبل الحديقة وطلقها تطليقه !

    فليس الشأن أن تُحِب .وإنما الشأن أن تُحَب .

    أقوام إدَّعَوا محبه الله تبارك وتعالى وليس الشأن أن يأتوا بدعوى فارغة لا حقيقة لها ، وإنما الشأن أن يُقام الدليل والبرهان على صِدْق المُدَعَى ، فإذا ما قامت الدعوى على ساقين من برهان ودليل ، فإنه حينئذٍ تؤتِي أُكُلَهَا ، بإذن ربها تبارك وتعالى ويُحب الله رب العالمين العبد إذا أتى بالبرهان ، وهو متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -
    فليس الشأن أن تُحِب ، وإنما الشأن أن تُحَب ، وأنت إذا ما أحببت ولم تُحب فهذا هو العذاب .
    والبرهان على ذلك أيضا في البُخاري من طريق عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنهما -في قصة مغيثٍ وبريره ، فإن مغيثاً كان عبدا لبنى فلان كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما- وكذا كانت بريره أَمَةً فلما أُعتِقَتْ صار الخيار إليها في أنْ تظل تحته وهو عبد ، وأن يفارقها وكان قد عَلِقَ قَلْبَه بها بما لا يمكن أنْ يَنفك عنها بحال ، فلما أن اختارت ، كان يدور ورائها في الأسواق كما قال بن عباس - رضي الله عنهما - لكأنِّى أنظر إلى مغيث يتبع بريره في سكك المدينة ودموعه قد أخضلت لحيته لأنها قد اختارت عليه ولم تُرِدْه حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عَجِبَ من هذا الأمر وعَجَّبَ منه فقال للعباس - رضي الله عنه -:يا عباس ألم تَعْجَب من حُب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيث "حتى إن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -رحمه به ، شفع له عندها " فقال ألا تراجعينه أي ألا ترجعين إليه فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟
    قال : إنما أنا أَشْفَع
    قالت : لا حاجه لي به ))
    كان يدور ورائها في السكك ، وفي الطرقات والأسواق ، من شدة حبه يسير خلفه دموعه على وجنتيه ، ثم تخضل لحيته من أثر مدامعه بدموعه ، ومع ذلك فلا يصادف ذلك بقدر الله رب العالمين في قلبها إستجابةً ولا حُنُواً عليه ، مع أنها كانت له زوجا ، وقال بعض أهل العلم أن هذا هو موطن العجب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -((ألا تعجبُ من حب مغيث بريره ومن بغض بريره مغيثاً ))فبعض أهل العلم قال : إنَّ العلماء قد قرروا أنه لا يمكن يحب إنسانٌ إنساناً وأن يُبغِضه المحبوب ، بل إذا ما أحبه هذا أَحَبه تِلوا ، لأنهم يَنظرون إلى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -(( الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ))[متفق عليه]
    قالوا : ليس كذلك ، بل إن موطن العجب ، في أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وجد هذا البغض من بريرةَ لمغيثٍ ، مع ما كان من إئتلاف بزواج ، وقد كان لها زوجا ، ثم إنه يحبها هذا الحب كله ، ومع ذلك هي تبغضه هذا البغض كله ، والله رب العالمين ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابِعِه يقلبها كيف يشاء ))
    فليس الشأنُ أن تحب وإنما الشأنُ أن تحب.
    وقد أنزل الله رب العالمين الآية التي قال العلماء "أنها آية المحنه ، أو آية الإختبار" لأن أقوماً يدعون محبه اللهِ رب العالمين ، فأنزل الله رب العالمين هذه الآية إمتحانا وإختبارا ، من أجل تقديمِ الدليل وإقامة البرهان على صدق الدعوى ، فأنزل الله رب العالمين قوله : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران/31] فهذه منح عظيمة جدا ، لأن الله تبارك وتعالى إذا أحب العبد ، لم يكله إلى نفسه ، وكان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ، كما قال الله ربُ العالمين .

    التوفيق أن لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نَفْسِك ، والخِذْلان أن يَكِلَكَ الله إلى نَفْسِك

    ولا يمكن أن لا يَكِلَكَ الله إلى نفسك وهو يبغضك ، بل لابد أن تكون محبوبا ، لأن الله رب العالمين إذا أحب العبد ، جاء هذا الأمر بالكفاية من الله رب العالمين على النحو الموصوف في كلام ربنا في الحديث القدسي الصحيح ، فإذن لابد من تحصيل محبه الله رب العالمين بأسبابها ، وأول ذلك أن يجتهد الإنسان في إتباع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -
    في إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -في العقيدة التي جاء بها ،
    أن لا يأتي بالتمثيل ولا التعطيل ،
    وأن لا يأتي بالتجسيم ولا بالتشبيه،
    أن لا يأتي بالغلو ،وأن لا يأتي بالجفاء ،
    أن لا يكون خارجيا وأن لا يكون مرجئيا ،
    وأن لا يكون مؤولا ولا مشبها ولا مجسما ، وإنما يكون آتيا بالعقيدة التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يعرف ربه بأسمائه وصفاته ويطيع ربه تبارك وتعالى فيما كلفه به من أمر آخذا بأسبابه ،فلا يكون جبريا يتواكل قائلا إن ذلك إنما قُدِّر ويحتج بالقدر على المعاصي ،
    ولا يكون قَدَرِياً فيجعلُ مشيئة العبد نافذة ولا مشيئة لربه ، وإنما يكون من أهل السنة وهم الذين جاء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بمنهاج النبوة الذي عليه يسير أهل السنة ، فينبغي أن يكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فى عقيدته ، فيما جاء به من الوحي من ربه ، فيما دل به على أسماء ربه وصفاته ، وقضاءه وقدره ، وما أمر الله رب العالمين أن يؤخذ به من أمر وما نهى عنه من نهى في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم-يأتي الإنسان بالمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة ، وفى القول ، فلا يتكلم إلا بما يوافق الشرع متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-لم يكن يجهل "يعنى يتكلم حتى في الغضب بالكلمة العوراء "حاشا وكلا بل كان سديد المنطق مؤَيداً مسددا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-يعرف ذلك أعدائُه ،كما يعرفهُ أوليائُه ويشهدُ بذلك أعدائه كما يشهد به أوليائه ، حتى إن اليهود لما حاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم -
    وقال :((ألا ترون أن الله قد أخزاكم يا إخوان القردة والخنازير))
    قالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-"يريدون بالجهل هنا الجهل الذي هو ضد الحلم" ،
    فقالوا : ما عهدناك جهولا يا أبا القاسم ، أما منطقك فالمنطق السديد ؛ يعلمون ذلك منه فيكون الإنسان متابعا للنبي - صلى الله عليه وسلم -في عقيدته وفى قوله لا يتكلم بالكلمة العوراء ، وإنما يكون مسددا في منطقه صائبا في قوله ، بعيدا عن الخنا والفحش ، ويجتهد أن يكون متابعا لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في حفظ المنطق واللسان؛
    اليهود يعلمون ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كما يعلمه أولياء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ومحبوه فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -لما مروا عليه فقالوا السّام عليك يا محمد "والسّام الموت"
    قال : ((وعليكم ))
    وأما عائشة رضي الله عنها فلم تحتمل قالت :(بل السام عليكم أنتم يا إخوان القردة والخنازير) وما قالت إلا حقا وصدقا - رضي الله عنها - ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مهلا يا عائشة ))قالت: يا رسول الله أما سمعت ما قال :((سمعت ورددت يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في)) - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-ثم أرشدها ،قال :((إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ))
    فمن أجل أن تكون متابعا من أجل أن يحبك الله رب العالمين ، ينبغي أن تتابع النبي- صلى الله عليه وسلم -بدأً في عقيدته إذ انه أرسل بهذا الأمر كما أرسل النبيون والمرسلون لتوحيد رب العالمين
    فتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقيدته
    وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله
    وتتابع النبي - صلى الله عليه وسلم - في فعله
    وتتابع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-في أخلاقه وفى سلوكه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }إذا أراد العبد أن يحصل الكفاية وأن لا يكله الله إلى نفسه فعليه أن يجتهد في تحصيل أسباب محبه الرب له ، وذلك لا يكون إلا بمتابعة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فإذا تابع العبد نبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحبه الله رب العالمين {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } قال ربنُا جل وعلا في كتابه العظيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }من يرتد منكم عن دينه فإن الله غنى عنه إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر {إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}
    ؛{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}وصِفَةُ المحبة ثابتة لله رب العالمين بكتاب الله رب العالمين وسنه سيد المرسلين- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{من يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}

    ثم بين الله رب العالمين صفاتِهم ، وبين أن هؤلاء من أول الصفات عندهم أنهم أذله على المؤمنين
    يقول :خدي مداس لك حتى ترضى ، كما كان الشأن مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فإن أبا ذر لما عَيَّر بلالاً بسواد أُمِه فقال يا ابن السوداء قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنك امرؤ ٌ فيك جاهلية ))ولم يقبل أبو ذر رضي الله عنه إلا أن يعتذر إعتذارا لا يزال الناس يتناقلونه إلى يوم الناس هذا ، وسيظلون ، فإنه جَعَلَ خَده على الأرض وأقسم ليطأن على خَدِّه بنعله ،خدي مداس لك حتى ترضى ، "ليكفر عن هذا الأمر الذي وقع منه في قوله له يا ابن السوداء"، ولم يقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }
    كما أمر بذلك ربنا تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ }
    والمؤمنون أصحاب العزة وان كانوا قله كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -((وإذا لقيتموهم في طريق فاضطرموهم إلى أضيقه وإن كنتم قله لأنكم أهل عزه)) وأما هم وأما نحن فبشر من خلق الله رب العالمين ، وأما العز والذل فأتى به الإيمان والكفر أتى الإيمان بالعز ، كما أتى الكفر بالمذلة للكافرين فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن بأن يستعلي بإيمانه وأن يقصد إلى سواء الطريق ، وأن يضطر الكافر إلى أضيقه ، النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -يدل العبد المسلم على أمر دينه وعظمته وجلال الأمر الذي جعله رب العالمين ممنونا به عليه ، وهو هذا الإيمان العظيم ، إذا ما أحس الإنسان بهذا الإحساس إحساسا صادقا ، علم أن رب العالمين قد أكرمه وأنعم عليه وقد أعلي شأنه في الدنيا والآخرة ، لأن الله رب العالمين جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين بإيمانهم بالله وبالرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فبين ربنا تبارك وتعالى صفات هؤلاء{أذله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }
    وهو الدلالة الصادقةُ والثمرةُ الناضجةُ للإيمان الحق ، تظهر على الجوارح بذلاً وعطاءً للرُوح وللنفس والنفيس في سبيل الله رب العالمين ، يجاهدون في سبيل الله بالسنان وباللسان وبالبنان

    فيجاهدون أهل الكفر بالسنان ، ويجاهدون أهل الزيغ والشبهات بالحجة واللسان والبنان
    فيجاهدون في سبيل الله بكل صوره ممكنه ،يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم ،

    لأنهم لا يرجون إلا رضوان الله ولا يبحثون عن رضا الناس عليهم بسخط الله رب العالمين ((ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ))، من التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس لأن الله رب العالمين يعامل العبد على قدر نيته !

    فبين لنا ربنا تبارك وتعالى صفات الذين يحبهم ويحبونه ، الله رب العالمين فى الحديث القدسي المعروف بـ "حديث الأولياء" ، الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -عن ربنا جل وعلا أنه قال ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) فجعل الله رب العالمين معاداة أوليائه معاداةً له ، وجعل الله رب العالمين الحرب المشنونه على أوليائه حربا عليه ،

    وعليه فإن الله رب العالمين يُعلِم من آذى أوليائه جل وعلا بالحرب مشنونة معلنه عليه ((من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) "أى أعلمته بها "والولي لا يعرف برسم ولا اسم ولا بشارة ولا بحركة ولا بِدَلْ ، وإنما يعرف الولي بخصلتين بينهما ربنا تبارك وتعالى لنا في كتابه العظيم ، كما قال شيخ الإسلام مستنبطا من الآية "كل مؤمن تقي هو لله ولى "فالولي لا يُعرَف بإسمه ولا يُعرَف برسمه ولا يُعرَف بثيابه ولا يُعرَف بصومعته وإنما "المؤمن التقي هو لله ولي " كما قال ربنا جل وعلا في كتابه العظيم {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فبين الله رب العالمين الأولياء بصفتهم في هذه الآية العظيمة ، وبين أن المؤمن التقي هو لله ولي ،

    وعليه تعلم سَفَهَ وشِرْك الذين يعتقدون في بعض الخلق أنهم أولياء لله رب العالمين ، فَيُنزِلون بهم الحاجات فَيُشرِكون بالله رب العالمين ويطلبون منهم مالا يُطلَب إلا من الله رب العالمين بهذا الإعتقاد الباطل ، وهذا الزيف الزائف وهذا الشرك المُعلَن ، والله رب العالمين بَيَّن صفات الأولياء فى كتابه العظيم حَصَر ذلك على صفتين بَيَّنهما في هذه الآية ، فكل مؤمن تقي هو لله ولي ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ))ثم بين لنا ربنا تبارك وتعالى ، أنه لا يَكِل من أحبه إلى نفسه ، بل يسدده يسدد بصره ويسدد سمعه ويسدد يده وبطشه ويسدد رجله ومشيه وسعيه ، كما بين ربنا تبارك وتعالى في هذا بالنتيجة التي يتحصل عليها العبد إذا ما أكثر من النوافل بعد أداء الفرائض ، كما قال الله جل وعلا((وما تقرب عبدي إلى بشيء أحب إلي من أداء ما فرضته عليه ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه -وهذا في تحصيل المحبوب - ولئن إستعاذني لأعيذنه)) -وهذا في الوقاية من المرهوب- فجعل له الخير بحذافيره لمّا أتي بموجِب محبه رب العالمين ولازِمِها ،

    فكما أن متابعه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هي الباب الوسيع لتحصيل محبه رب العالمين كما قرر ذلك في كتابه العظيم ، فأيضا : الإتيان بما افترض الله رب العالمين على العبد من الفرائض ، ثم شفع ذلك بعد بالإكثار من النوافل ، سبب لتحصيل الكفاية بالمحبة لله رب العالمين ثمره ونتيجة .

    وقد بين ربنا تبارك وتعالي ، أن الأعمال تتفاضل في جنسها ، فليست الفرائض كالنوافل ، فجنس الفرائض أحب إلى الله رب العالمين من جنس النوافل ، ثم إنها بعد ذلك تتفاضل بالنوع ، فالصلاة من الفرائض هي أفضل ما افترض الله رب العالمين علينا من الأعمال التي نتقرب بها إلى الله رب العالمين فهي أيضا تتفاضل نوعا كما تفاضلت جنسا،
    الله رب العالمين بين لنا ، أنه لا يتقرب العبد إليه بأحب مما افترض الله عليه ، أن يؤدي الإنسان ما فرض رب العالمين عليه من الفرائض ، يأتي بها مُقِيما إياها كما جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ومعلوم أن الإنسان إذا كان جاهلا بفرائض الله عليه ، وإذا كان غير عارف بكيفية أدائها ، فإنه لا يمكن أن يأتي بها علي وجهها ، بل لا يمكن أن لا يكون آتيا بها أصلا ، كما قال الرسول-صلي الله عليه وسلم-للمسيء في صلاته ((إرجع فصلي فإنك لم تصلي ))فجعله غير آت بالفريضة أصلا ((فإنك لم تصلي)) فلا بد أن يعرف الإنسان ما افترضه الله عليه حتى يؤديه كما افترضه الله رب العالمين عليه ، ولا يُعرف ذلك إلا من قِبَل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -فإذا ما أتي بذلك علي الوجه ، فعليه أن يُكثر من النوافل تقربا إلي الله رب العالمين ((ولا يزال ))وهذا من أفعال الإستمرار(( ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يَسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يَبطش بها ورِجله التي يمشى بها ))؛.

    أهل التأويل والتعطيل أرادوا أن يحتجوا على أهل السنة بهذا الحديث ،
    فقالوا : أنتم يا أهل السنة تؤولون ، لأن الله رب العالمين يقول ((كنت سمعه ))فإذا كنتم لا تؤولون فقد جعلتم الله سمع العبد وبصره ويده ورجله فأنتم بين أمرين :
    -إما أن تجعلوا ذلك علي ظاهرة فتكونون حينئذ من المجسمين.
    -وإما أن تؤولوا كما نؤول ولو في هذا الحديث ،
    وعليه فيفتح الباب أمام المؤولين للتأويل .وليس كذلك ، وإنما يقال لهؤلاء أنتم لم تفهموا اللغة ، ولم تحسنوا التعامل مع نصوص الكتاب والسنة ،
    أهل السنة يقولون : نَأْخُذُ الأحاديث والآيات على ظاهرها،
    ما هو ظاهر هذا النص ؟
    هل ظاهره أن الله تبارك وتعالى بعض صفة العبد ؟
    السمع بعض صفات العبد ، والبصر بعض صفات العبد ، واليد والرجل أبعاض للعبد فهل هذا من الظاهر المتبادر للذهن عند السماع نحن نقول:
    "نحن أهل السنة" نقول:- أننا نأخذ النصوص على ظواهرها المرادة من غير ما تأويل ولا تعطيل ومن غير ما تحريف ولا تمثيل ولا تجسيم ، وإنما نأخذ كتاب الله على مُراد الله وسُنة رسول الله على مُراد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-
    فظاهر النص هو المتبادر إلى الذهن السليم على حسب السياق اللُغَوي وعلى حسب التراتيب وما يدل عليه هذا النص الشريف لأنك عندما تسمع ((كنت سمعه الذي يسمع به))
    ما يتبادر إلى الذهن السليم ، على حسب السياق والتركيب ، أن الله تبارك وتعالى يقرر أنه صار بعض صفات العبد ولأنه صار بعض أبعاض العبد ، "حاشا وكلا"
    بل الذي يتبادر إلى الذهن من هذا النص "وهو ظاهره" الذي يدل عليه السياق والتركيب وهو الذي يدل عليه ظاهر اللغة الشريفة التي أنزل الله بها كتابه وأنطق بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنه يسدده ، يسدد سمعه ((كنت سمعه))
    بمعنى: أنه يلتزم أمره ونهيه ، ويسدد سمعه وبصره ويده ورجله
    فلا ينظر إلا إلى ما أحل الله النظر إليه
    ولا يمتد السمع إلا ما أحل الله رب العالمين أن يمتد السمع إليه
    ولا تمتد اليد إلا إلى ما أحل الله أن تمتد اليد إليه
    ولا تنتقل الرجل بِخَطوٍ إلا إلى ما أحل الله إنتقال الخطو إليه
    هذا هو التثبيت وهذا هو ظاهر النص بلا تأويل؛
    وشيء أخر أن أهل السنة لا يقولون بنفي التأويل مطلقا ، وإنما يقولون "التأويل الذي دل عليه الدليل هو الدليل "، التأويل الذي دل عليه الدليل هو الدليل ، فالأمر ليس كما يقولون فالله رب العالمين سبحانه يقول في هذا الحديث القدسي العظيم ((كنت سمعه الذي يسمع)) به يعني سددت سمعه ، ولذلك :إذا رأيت الرجل مقبلا على سماع الخنا فلا يمكن أن يكون محبوبا لله رب العالمين ،كيف؟ والله رب العالمين يقول ((كنت سمعه الذي يسمع به))
    وهذا لا يفتر ليل ولا نهار ولا ما بين ذلك عن سماع الخنا والموبقات وما حرم الله .

    وكذلك إذا رأيت الرجل ينظر إلى المحرمات فأعلم أنه غير محبوب لله ، لأنه لو كان محبوبا لله لصدق عليه قول الله رب العالمين ((فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به ))فإذا كان ذلك كذلك ، فإنه لا يمتد بصره إلى ما حرم الله فإذا رأيت الرجل مقبلا على النظر إلى ما حرم الله ، "فاعلم أنه غير محبوب لله"
    وكذلك إذا وجدته باطشا ساعيا إلى المنكرات ، مُقبِلا على ما حرم الله الإقبال عليه "فاعلم أنه غير محبوب لله" لأن الله رب العالمين قال :((فإذا أحببته كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ))وبين لنا ربنا تبارك وتعالى أمرا كبيرا يقول ((وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبدى المؤمن يكره الموت وأكره مسائته)) وهى صفه من صفات ربنا تبارك وتعالى أثبتها لنفسه ، وليست على ما يتبادر على الذهن من صفات المخلوقين المترددين الحيارى ، وإنما الأمر هاهنا بين أمر لابد منه ، وأمر محبوب للعبد
    فقال ربنا تبارك وتعالى :((وما ترددت عن شيء أنا فاعله عن قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مسائته )) . ولا بد له منه ، لابد أن يموت ، هذا أمر واقع لا محالة ولكن العبد يكره الموت ويحب الحياة ولكن لابد له من الموت ، فقال الله رب العالمين ((ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض روح عبد المؤمن يكره الموت وأكره مسائته)) الله جل وعلا بين لنا في هذا الحديث العظيم أن التوفيق لا يمكن أن يكون إلا بتحصيل محبه الله ، ولا يمكن أن تكون موفقا إلا إذا كنت محبوبا من ربك ، كما في الحديث ، ولا يمكن أن تكون محبوبا لله تبارك وتعالى إلا إذا حصلت أسباب المحبة ، ومما ذكر في هذا النص أن تأتي بالفرائض وافيه ، ثم تأتي بعد ذلك بالنوافل كثيرة ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته)) جاءه التوفيق من الله رب العالمين ، الكفاية كفاية الله تبارك وتعالى للعبد وتوفيق الله تبارك وتعالى للعبد ، ثمرة من ثمرات محبه الله رب العالمين للعبد ، ولها أسبابها بتحصيلها ، فعلى العبد أن يجتهد في ذلك ، وإلا فإنه يظل في الحياة كأنه نكتةٌ طافية على سطح الماء تعلو به موجه وتسفل به أخرى ، وتسيره الأمواج أين سارت وأينما توجهت ، وليس له من نفسه في نفسه من شيء ولكنه هكذا يسير حتى ترسو به ،
    والله أعلم على أي شيء يكون ؛.
    وأما العبد المؤمن ، فإنه يأخذ بأسباب الله في كونه متوكلا على الله رب العالمين بتحصيل محبه الله رب العالمين ، فيثمر ذلك فى نفسه توفيقا من الله ، ويبعده الله عنه الخذلان ، ولا يكله إلى نفسه ، رَبُنَا الرحيم الرحمن .

    نسأل الله رب العالمين أن يَمُنَ علينا بمحبته وتوفيقه وأن يُعيذنا من خِذلانه إنه على كل شيء قدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو محمد فضل بن محمد; الساعة 19-Oct-2008, 08:47 PM.

  • #2
    الخطبة الثانية


    الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له هو يتولى الصالحين, وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين مُتلازمين إلى يوم الدين.أما بعد:


    فقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم علامةً من علاماتِ تَحَقُقِ محبه الله للعبد ففي الصحيحين ، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال :((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ "ياجبريل" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثم ُينَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاوات ُويُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ)) . هذا متفق عليه

    وعند مسلم في رواية مثل ما مر (( إِذا اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نادى جِبْرِيلَ "ياجبريل" إِنِّي أُحِبُّ "عبدي" فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فيُنَادِي فِي السَّمَاءِ يا أهل السماء إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ويُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَإِذَا أَبْغَضَ الله عَبْدًا نادى جِبْرِيلَ ياجبريل إِنِّي أُبْغِضُ عبدي فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ فيُنَادِي "جبريل" فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُهُ أهل السماء ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ)) .


    هذه علامة من علامات تحقق محبه الله للعبد القبول في الأرض

    والقبول لا يكون بنفي المعاداة ، فهذا لا يعد قبولا بمرة بل لعله من البغضاء التي وضعت له في الأرض . لأن الناس لم يجمعوا على الأنبياء ، وإنما حاربوا الأنبياء وقاتلوا الأنبياء وقتلوهم ،وقد قتل ذبحا يحي بن زكريا عليهما الصلاة السلام ، ونشر بالمنشار زكريا من مفرق رأسه إلى أخمص قدمه حتى صار بنصفين .


    قُتل الأنبياء حتى وعذبوا وشردوا واضطهدوا وأخرجوا ، وهي سُنه الله رب العالمين في الأنبياء ، وفيمن سار على درب الأنبياء داعيا إلى الله رب العالمين ،وهذا معلوم .


    حتى إن خديجة رضي الله عنها لما أخذت بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ورقة بن نوفل "وكان قد قرأ في كتب أهل الكتاب وتَحَنَثْ وتحنف "ينتظر مقدم -رسول الله صلى الله عليه وسلم -فلما قص عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان من أمر الوحي ومن شأن جبريل قال :((قدوس قدوس هذا هو الناموس الذي كان ينزل على موسى ياليتني أكون حيا إذ يُخرجك قومك

    قال :أومخرجي هم قال ما جاء رجل قومه بمثل ما جئت به إلا عودي)).

    فهل يتنافى هذا مع القبول في الأرض؟

    وهل لا يحب الله أنبياءه ورسله؟

    وهم يُقَتَّلُونْ وهم يُشرَدون يُعذَبون يُضطَهدُون يُخرَجون.


    القبول في الأرض ، ليس كما يظن الناس ، لأن القبول الذي يظنونه هو محض النفاق والمصانعة والمداهنة ، وإنما حَمْلُ الناس وغطرهم على الحق ولو كان مرا، ببيان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي المعصوم ثم يوضع له القبول في الأرض "الحق عليه نور" .


    نُفوسٌ مُكذبة تُكذِب في الغالب لعوامل من الصوارف عن الحق ومنها الهوى ، والكبر ، والحسد ، والحقد ،

    وأنت خبير بأن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان اليهود يعلمون صدقه ويعلمون أنه رسول الله حقا ، ويعرفونه كما يعرفون أبنائهم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويعلمون أنه جاء بالوحي المعصوم ، وبآخر رسالات الله تعالى إلى أهل الأرض ، عن طريق خاتم الأنبياء والمرسلين. عندهم صفته وحليته وشيته ونعته { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ}[البقرة/146-الأنعام /20]

    -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومع ذلك كذبوه ، لأنهم جحدوا الحق وكذبوا ظاهرا ولم يكذبوا النبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر.


    وكفار قريش كانوا يعلمون صدقه ، ومع ذلك نعتوه بأنه لم يأتي بالصدق ، وهم على يقين من صدقه ، والله رب العالمين يخبره ، بأنهم لا يكذبونه { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }[الأنعام/33]

    كفر الجحود ،كفر العناد ،

    يعلمون صدقه ، ولكنهم يطلقون الألسنة في عرضه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

    إذا كنت على منهاج النبوة وعلى الحق ، فالقبول واقع لا محاله لما جئت به لأنه الصدق وما جاء به الرسول .

    عاند من عاند وكذب من كذب وحارب من حارب

    لا عليك ؛ ((ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد ))

    لا عليك ، وإنما تؤدى ما عليك .ولا عليك


    يقول النبي صلى الله عليه وسلم :((ثم توضع له البغضاء في الأرض ))

    إذا كان ممن أبغضه الله رب العالمين ، في المقابل : من أحبه الله تبارك وتعالى آتياً بأسباب تحصيل محبه الله للعبد ، يجعلُ الله رب العالمين له القبول في الأرض .


    ولو أنك نظرتَ في أحوال الأئمة ، لوجدتَ العجب .

    يحسب كثير من المساكين ، أن القبولَ رهن بلحظة زمنية زائلة ،"لا"


    قد لا يكون القبولُ محصلا إلا بعد حين ، بعد أن يذهب أبناء الفناء ، وتأتي موجة من موجات الموتِ لتكنس الأرض من غثائها ،


    ويبقى أهل الصلاح

    ويخرج الله رب العالمين مِن أصلابهم مَن يَعرِف الحق ويَتَّبِعَه


    من نظر في أحوال الأئمة وتَأمَّل عَلِمْ.

    هذا هو الإمام أحمد رحمه الله عليه يقول "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز"

    "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز"

    وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله عليه رَمَته الدنيا عن قوس واحده ، وكان يحارب اليهود والنصارى ، في الداخل والخارج في الثغور ، كان يحارب التتار

    ، يحاربهم بسنانه ولسانه وبنانه ، وكان يحارب الخرافيين القبريين من البطائحية وأضرابهم ، من المشعوذين الممخرقين المموهين على المسلمين عقيدتهم ودينهم ؛

    يحارب الفقهاء الجامدين المتعصبين الذين لا يلتزمون نهج الكتاب والسنة ولا يعرفون منهاج النبوة ، يحاربهم ويكيدون له ،حتى أدخلوه في الصراع حتى مع السلطة الزمنية ،وهو لا يحاربهم ولا يلتفت إليهم ،

    لأنه من المعلوم في قانون أهل الدعوة إلى الله على منهاج النبوة ،


    "أن عرش الداعية حصيرته "


    ، حصير الداعية عرشه ، وعرش الداعية حصيره ، وكلما تَقَلَّلْتَ صِرْتَ ملكاً متوجاً على هامات القلوب ، وأما إذا ما اسْتَفَزَّتْكَ الدنيا فَرَكَضتَ فيها رَكضَةً ، استَحْلَبَتْكَ حتى اسْتَنْزَفَتك؛

    فأما هو ، فإنه قد سعى من سعى للإيقاع بينه وبين السلطة الزمنية ، وهيهات أن يتورط في مخالفه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل يعاونهم ويخرج في الجهاد إلى سبيل اللهِ رب العالمين وينسب النصر إليهم ، وهو المقاتل بسيفه في سبيل اللهِ رب العالمين ، يقول لمن عنده : ضعني في موضع الموت الأحمر ،بين فكيه

    فيقول:ترى هذا الموضع هو ذاك

    ثم يقول :والله لقد صنع مالا أستطيع أن أصنع" وقد دله عليه" رحمه الله عليه، الشيخ رحمه الله تعالى ، أترى أن القبول قد وضع له في الأرض بمحض المتابعة صرفا !


    تأمل في هذا : أنه لما ذهب إلى غازان ، ذهب إليه مع الأعيان والفقهاء وأهل الدين من أصحاب المذاهب المتبوعة ، فذهب في كوكبه عظيمه ، فلما رآه غازان قادما قال لترجمانه : من هذا الشيخ ؟ فإن الله قد جعل المحبة في قلبي ، وجاء الشيخ ، ووقف بين يدي غازان وحاشيته وعسكره وجنده ، وهو عسكر لدب ، تتلاطم مترامية صفوفه بحديد في حديد ؛


    ووقف الشيخ شامخا كالطود بل كمثله الطود ، فتأمل في القبول والمنع في القبول والبغضاء ، تأمل أين هو وكيف يكون هذا الأمر الجليل

    وقف فكان هو المتكلم ،

    فقال له :ياغازان إن أباك وجدك كانا كافرين ولم يصنعا مثل ما تصنع وأنت تدعي الإسلام !


    قُدم لهذا الوفد ما هو حميد مشوي ، فمد القوم أيِدِيَهُم وقبض الشيخ يده فقال :لِمَ لَمْ تأكل ؟

    قال :وكيف أأكُل ، وهذه أشياء غصبتموها من المسلمين ، وأنضجتموها على الأشجار التي قطعتموها من أشجار المسلمين ، ولم يمد يده وقبضها رحمه الله عليه ، ثم أخذ يعظه ويذكره ، والآخر يتطامل له ويتطامل له حتى صار لاشيء والشيخ شامخ كالطود بل كمثله الطود ، ثم قال غازان للشيخ : أدعو لي

    قال نعم:

    اللهم إن كان عبدك غازان قد خرج جهادا في سبيلك وابتغاء مرضاتك ، فوفقه لكل خير ، وإن كان خرج لغير ذلك فافعل به وافعل ،

    " فكان الشيخ يدعو عليه وهو يؤمن "؛

    والفقهاء يجمعون ثيابهم مخافة أن يقتل فيترطس عليهم بدمه كما قالوا ، يجمعون ثيابهم ، فلما صُرِفوا معززين لأجله بفضل ربه ،

    قالوا :والله لا نمشي معك في طريق كدت تهلكنا ،

    قال: أفعلوا . فساروا جميعا في طريق وسار وحده في طريق ، فما دخل دمشق إلا وقد تَلَقَته العامة ومن بقي فيها من الأعيان ، فدخل في موكب ولا كواكب الملوك ، مرفوعا على هامات القلوب ؛


    وأما هم ، فقد طلع عليهم في الطريق قطاعه

    قال : فشلحونا ، حتى دخلنا دمشق على حاله لا تسر.

    أين القبول وأين البغضاء هنا ؟ تأمل ،كُنْ على الحق ولا تبالي ،

    وحصل محبه الله رب العالمين بأسبابها ، فمن أسبابها التي ذكرت اليوم :

    -إن تكون متابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}

    -ثم ينبغي عليك أن تأتي بما فَرَضَ الله عليك ، فهو أحب ما تؤديه لله رب

    العالمين

    -ثم عليك أن تكثر من النوافل كما أخبر الله رب العالمين فإنك إن فعلت أحبك ،

    وهذا إن عدت به إلى الآية وجدته مطابقا ، لأنك إن أديت الفرائض على الوجه وأكثرت من النوافل ، فعلت كما كان يفعل رسول الله ، فتكون حينئذ متابعا لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فإذا كان ذلك كذلك ، فقد انحصر الأمر في النهاية إلى متابعه النبي ، وفيها،


    في عقيدته وقوله وفعله وتركه أيضا ، كما قام المقتضي لفعله على عهده ، وأنتفى المانع من فعله ، ومع ذلك تركه ، فإياك أن تَفْعَلْه ، فإنك إن فَعَلْتَه كُنْتَ مُبتدعا وإنْ تَركتَه كُنتَ مُتَسَننا ، كل ما قام المقتضي والدافع لفعله على عهده وانتفى المانع الذي يمنع من فعله على عهده ، والزمان زمان وحي وتنزيل ومع ذلك تركه ، فتركه سنه ، وفعله بدعه ، فتابع نبيك صلى الله عليه وسلم في عقيدته ، وفي قوله ، وفي فعله ، وفي تركه ؛


    وإذا ما أردت أن تَعْرِفَ علامة فارقه ، في أن الله عز وجل يُحِبُك أو لا يُحِبُك فتأمل في القبول والبغضاء ، مِنْهَاج الحق مِنْهَاج النبوة ، فيه الصدق فيه التوحيد والإتباع ،فيه ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-

    ولا تَأخُذَنَّ الأمور بِظواهرها ، فالشيخ "كما قلت لك" لما حَرَّشوا بينه وبين أهل السلطة الزمنية في عهده ، جيء به ، وكان الناصر يحبه حبا ملك على الناصر جوانبه وجوانحه ، ومع ذلك مازالوا يأزونه بِدَسٍ وكَيد ومَكرٌ يُبَيَّتُ إليه حتى أَمَرَ بسجنه، فسجن في قلعه دمشق ، وما زال التضييقُ يَضِيقُ حتى مُنع عنه إلا الفحم فكان يَكتُب به على الجدران

    هذا رجل حياته في العلم ، فإذا ما منع عنه القلم والقرطاس والدواة مات،


    وكذا العلماء فحياة أهل العلم في العلم ، فإذا ما منعت العالم القلم والدواة والقرطاس مات ،

    شيخ الإسلام لم يحتمل فمات بعدها بيسير ، رحمه الله عليه،


    جيء به قبل فقال له :قد بلغني أن في نفسك أخذ الملك ،

    فغضب وقال :أنا ، والله إن ملكك وملك المغل لا يساوى عندي فلسين ، أي ملك ، "عرش الداعية حصيرته" ، هذه هي ، هي عرشه ،

    قال :مُلك أي ملك والله إن ملكك وملك المغل "أي التتار" لا يساوي عندي فلسين ، أنا رجل مِلَّه ولست برجل دوله ، وما زال يُضَيَّق عليه حتى سجن

    البغضاء موضوعه ؟

    لما أعلن نبأ وفاته رحمه الله عليه ، خرجت دمشق على بكرة أبيها ، لم يتخلف من المعلومين في تخلفهم إلا أربعة ، "خَشِيَ هؤلاءِ بخروجهم قَتْلَهُم" فتواروا ناحية ، وخرج جثمان الشيخ ،

    ليقول فيه القائل كما قيل قبل في بشر بن الحارث لما حمل بعد صلاه الصبح ، فلم يصل جسده إلى المقبرة إلا مع الغروب ، من الزحام ، من كثرة من شيعه ، من تدافعهم على نعشه ،

    "قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم يوم الجنائز"


    الشيخ رحمه الله عليه لما خرج نَبَأُه خرجت دمشق على بكرة أبيها لتشييعه ، ليصح فيه قول القائل كما قيل في هذا الرجل الصالح في بشر بن الحارث

    هَذِي المَكارِمُ، لا قَعْبانِ مِن لَبَنٍ ... شِيبا بماءٍ فَعادا بَعْدُ أَبْوالا

    هذي المكارم لا قعبان من لبن تقدم لضيفان شيبا بماء فعاد بعد أبوالا

    هذي المكارم ويحك فاحرص عليها.

    علامة فارقه: القبول في الأرض .


    علمه رحمه الله عليه ، بعد أن مات محاربا مطاردا يَكتب فاسق فاجر فيه

    "من سمى ابن تيميه شيخ الإسلام فهو كافر "يقول : من قال عنه إنه شيخ الإسلام فهو كافر !

    يَكْتُبُ في ذلك مُصَنفا ، وما زالت كتب القوم إلى اليوم تترى بخبثها فماذا صنعت ؟

    الشمس في رائعة الضحى ،

    والله المستعان وعليه التكلان ، اجتهد في تحصيل محبه الرب لك تفز وتنجح وتفلح دنيا وآخره ، والله يرعاك ، والله يتولاك ، والله يكلؤك والله على كل شيء قدير ، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير.

    تعليق


    • #3
      أحسنت أخي الكريم ..

      وانــتَــبِــه :
      الملفات المرئـيّـة وكل ما يحتوي على صور ممنوع .
      أتيتنا برابط الملفّ المرئيّ للخطبة ، فغيرته برابط الملفّ الصّوتي .

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرا

        وبارك فيكم

        تعليق


        • #5
          أحسن الله إليك أخي الكريم وجزاك خيرا على هذا الجهد المبارك .

          تعليق

          يعمل...
          X