إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

بحوث مميزة في الحديث

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بحوث مميزة في الحديث

    بحوث مميزة في الحديث

    إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونَستَعينُه ونستَغْفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمَالِنا، من يهدهِ الله فَلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَه.
    وأَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه-.
    وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه.
    أمَّـا بعـدُ:
    فهذه سلسلة
    "بحوث مميزة في الحديث"

    شرعت فيها بعد استخارة الله عز و جل مع سلاسلي الأخرى " ردود مميزة" "بحوث مميزة في الفقه و أصوله" "و "بحوث مميزة"
    حاولت أن أضم فيها أهم البحوث و المواضيع من مختلف المنتديات لتسهيل مراجعتها و تقريبها لطلبة العلم و الله من وراء القصد.
    فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم وأنا في الثلث الأخير من الليل أن يغفر لي و لزوجتي و لكل المسلمين ما تقدم وما تأخر من ذنوبنا وأن يجعل هذا العمل عملا متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول.

    أبوجهاد سمير الجزائري

    أبو حنيفة بين الجرح والتعديل

    (هذا البحث استفدته من بعض المنتديات!!! )
    مع بعض الإختصارلأهميته مع التذكير بأن للإمام محيي السنة بالديار اليمنية مقبل الوادعي كتاب رائق عن أبي حنيفة عنوانه "نشر الصحيفة في ذكر الصحيح من أقوال أئمة الجرح و التعديل في أبي حنيفة"
    أبوجهاد سمير الجزائري

    أبو حنيفة –رحمه الله– إمامٌ فحلٌ صاحب مدرسة فقهية كبيرة لها وقعها الكبير قديماً و حديثاً. و قد اختار ابن تيمية كثيراً من أقواله، جمعها أحد الاخوة في جزء. وهو من أذكياء العالم، لا يستريب في هذا أحد! وأبو حنيفة هو إمام علم في الفقه والاستنباط، وإمام في الزهد والورع. ولا يعيبه أن تكون بضاعته في الحديث مُزجاة، أو أنه لم يُذكر في عداد أهل الصناعة والدراية. ومن قال ذا يعيبه؟ فهذا الشأن لكل من انصرف لفن دون آخر.
    وأما كونه ضعيفاً في الحديث فلا يجرح في إمامته في الفقه والدين. فكم من فقيه جليل لا يعتد بروايته للحديث، كما أنه كم من محدث جليل لا يقيم الفقهاء لرأيه واستنباطه وزناً. وكل علم يسأل عنه أهله. وإذا كان الراوي أحياناً يكون ثقة في روايته عن شيخ، وضعيفاً في روايته عن شيخ آخر، أو يكون ثقة في روايته عن أهل بلد، وضعيفا في روايته عن أهل بلد آخر، فكذلك يكون الرجل ثقة في روايته لعلم، وضعيفاً في روايته لعلم آخر.
    قال الذهبي في السير (5|260) في ترجمة عاصم: «وما زال في كل وقت يكون العالم: إماماً في فن، مقصراً في فنون. وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتاً في القراءة واهياً في الحديث. وكان الأعمش بخلافه: كان ثبتاً في الحديث، ليّناً في الحروف. فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب "المنهج" وغيره، لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر. والله أعلم».
    والأحناف في كل كتاب حديث تقريبا يضيعون مساحة شاسعة منه للدفاع عن أبي حنيفة وإثبات أنه ثقة. بل ويغيرون كل علم الجرح والتعديل حتى يحصلون على تعديل إمامهم. وكل من جرح أبا حنيفة يصبح متعنت أو مجروح. والعكس بالعكس.
    يا من تنشدون الكمال لأبي حنيفة من كل وجه، لقد سودتم الصحيفة بِرَميِكُم المحدّثين بالتعصب والحسد.
    وبهذا أسقطتم كبار القوم للدفاع عن رجل واحد، اعترف له الكل بفضله وتقدمه في فنه، ونطق المحدثون بضعفه في الحديث، وفق ما تقتضيه الأمانة والديانة، ودلّ على ذلك الشواهد والواقع.
    أمانة حملوها فوق أعناقهم، لم يسعهم السكوت عنها. ما أتوا ظلماً ولا هضماً. بل أنزلوا أبا حنيفة منزلة غيره من المحدثين، ممن لا يُحصون عدداً، مروا جميعهم على ميزان النقد. لم يحابوا والداً ولا ولداً، شريفاً ولا وضيعاً، أميراً ولا وزيراً. إنها الأمانة والعدالة، صيانة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فلماذا ترون هذا واجباً في حق جميع الرواة دفاعاً عن السنة، وترونه ظلماً وحسداً في حق فردٍ واحد؟ أليس هذا هو التعصب؟

    الثناء على أبي حنيفة:
    أبو نعيم الحافظ، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي (أبو بكر العطار، ثقة)، قال: سمعت حمزة بن علي البصري يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه». وقال حرملة بن يحيى: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: «من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة». قال: و سمعته -يعني الشافعي- يقول: «كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه».
    وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (6|404): قال حفص بن غياث: «كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل». وقال الذهبي أيضاً: وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: «إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت، وأظنه بورك له في علمه». وقال جرير: قال لي مغيرة: «جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه». قلت –أي الذهبي–: «الإمامة في الفقه ودقائقه، مسلّمة إلى هذا الإمام. وهذا أمر لا شك فيه». انتهى. وقال الذهبي عنه: «برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه، وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال، وتخرج به الأصحاب». ثمَّ قال: «وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة، وقيام الليل رضي الله عنه».
    وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (10|110): «الإمام أبو حنيفة... فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة». وقال ابن العماد في "شذرات الذهب" (1|22: «وكان من أذكياء بني آدم. جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه». ويروى عن سفيان الثوري –كما في الفقيه والمتفقه (2|73)– قوله: «كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه».
    وقال محمَّد بن مُزاحِم: سمعت ابن المبارك يقول: «أفقَهُ الناس أبو حنيفة. ما رأيتُ في الفقه مثله». وقال ابن المبارك أيضاً: «لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس».
    توثيق أبي حنيفة:
    لم أجد من وثق أبا حنيفة من المحدثين إلا ابن معين (ولم يصح) وابن المديني، وسائر ما يذكر في ترجمته من الثناء إنما هو في علمه وفضله ورأيه. وقد جاء عن ابن معين وابن المديني تضعيفها لأبي حنيفة، وهو ما يخفيه الأحناف ولا يذكرونه! وإليكم كلامهما:
    ففي تهذيب التهذيب (1|401): قال محمد بن سعد العَوْفي (ضعيف) سمعت ابنَ معين يقول: «كان أبو حنيفة ثقةً لا يُحدِّث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يُحدِّث بما لا يحفظ». وقال صالح بن محمد الأسدي الحافظ (مجهول): سمعت يحيى بن معين يقول: «كان أبو حنيفة ثقة في الحديث». و قال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز (لم أجد فيه توثيق)، عن يحيى بن معين: «كان أبو حنيفة لا بأس به».
    وقال ابن عبد البر في "الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء" (ص127): قال عبد الله بن أحمد الدَّورقي (مجهول): سئل يحيى بن مَعين وأنا أسمع عن أبي حنيفة؟ فقال ابنُ مَعين: «هو ثقةٌ ما سمعتُ أحداً ضعَّفه (!!). هذا شعبةُ بن الحجاج يكتب إليه أن يُحدِّث، ويأمُرُه. وشعبةُ شعبة». وهذا الدورقي قد قال ابن حزم عنه في "حجة الوداع": «لا أعرفه». نقل هذا الذهبي في ميزان الاعتدال (8|132) مقراً له. وقال الحسيني في الإكمال (1|237): «فيه جهالة». والمقولة منكرة لما نعلم من ذم شعبة لأبي حنيفة.
    فإذا عرفنا أن توثيق ابن معين لأبي حنيفة لم يصح، نذكر أنه قد صح عنه تضعيف حديث أبي حنيفة. قال ابن أبي مريم –كما في الكامل لابن عدي (8|236)–: سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة، فقال: «لا يكتب حديثه». وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة –كما في الضعفاء للعقيلي (4|285)–: سمعت يحيى بن معين وسئل عن أبي حنيفة، قال: «كان يضعف في الحديث». وقال محمد بن حماد المقرئ –كما في تاريخ بغداد (13|445)–: وسألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة، فقال: «وإيش كان عند أبي حنيفة من الحديث حتى تسأل عنه؟!».
    وعلى فرض صحة روايات التوثيق (وقد رأيت أنها لا تصح مطلقاً)، فيجاب عليها بأن ابن معين مشهور ميله لأبي حنيفة واستحسانه لرأيه، ولعل هذا التوثيق كان في أول أمر يحيى بن معين، ثم اطلع بعد ذلك على ما له من أوهام وأخطاء فضعفه في الحديث.
    قال الإمام علي بن المديني: «أبو حنيفة روى عنه الثوري وابن المبارك، وهو ثقة لا بأس به». وقد جاء عنه التضعيف كذلك. إذ قال عبد الله بن علي بن عبد الله المديني –كما في تاريخ بغداد (13|450)–: وسألت –يعني أباه– عن أبي حنيفة صاحب الرأي، فضعفه جداً، وقال: «لو كان بين يَدَيّ ما سألته عن شيء». وروى خمسين حديثاً أخطأ فيها. انتهى.
    قال المعلمي في التنكيل (1|35 جواباً عن توثيق علي بن المديني لأبي حنيفة: «كان من دعاة المحنة حنفية، وكانوا ينسبون مقالتهم التي امتحنوا الناس فيها إلى أبي حنيفة، ويدعون إلى مذهبه في الفقه، كما مرت الإشارة إلى طرف منه في ترجمة سفيان الثوري، فكأنهم استكرهوا ابن المديني على أن يثني على أبي حنيفة ويوثقه فاضطر إلى أن يوافقهم. وقد يكون ورّى فقصد بكلمة "ثقة" معنى أنه لم يكذب، ثم لما سأله ابنه أخبره بما يعتقد».
    وبهذا نفهم سبب حدة بعض العلماء القدامى على الإمام أبي حنيفة رحمه الله. ثم استقر الأمر على إمامته في الفقه. لذلك لا تجد الفقهاء السلفيين كالذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والمزي وابن عبد الهادي وابن عبد الوهاب إلا ويذكرونه بالخير.
    قال ابن عبد البر في التمهيد (14|13) عن حديث "المتبايعان بالخيار": «وقد روي عن أبي حنيفة أنه كان يرد هذا الخبر، باعتباره إياه على أصوله، كسائر فعله في أخبار الآحاد: كان يعرضها على الأصول المجتمع عليها عنده، ويجتهد في قبولها أو ردها. فهذا أصله في أخبار الآحاد. وروي عنه أنه كان يقول في رد هذا الحديث: "أرأيت إن كانا في سفينة؟ أرأيت إن كانا في سجن أو قيد؟ كيف يفترقان؟ إذن فلا يصح بين هؤلاء بيع أبداً"! وهذا مما عيب به أبو حنيفة. وهو أكبر عيوبه وأشد ذنوبه عند أهل الحديث الناقلين لمثالبه، باعتراضه الآثار الصحاح، ورده لها برأيه. وأما الإرجاء المنسوب إليه، فقد كان غيره فيه أدخل وبه أقوَل، لم يشتغل أهل الحديث من نقل مثالبه ورواية سقطاته مثل ما اشتغلوا به من مثالب أبي حنيفة. والعلة في ذلك ما ذكرت لك. وذلك ما وجدوا له من ترك السنن وردها برأيه، أعني السنن المنقولة بأخبار العدول الآحاد الثقات، والله المستعان».
    أهم الكتب التي ذكرت جرح أبي حنيفاً مسنداً هي:
    1- تاريخ بغداد للخطيب.
    2- المجروحون لابن حبان.
    3- الكامل لابن عدي.
    4- السنة لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.
    وأظنها استوعبت الجرح كله، وبخاصة الأول. وبعض تلك الأقوال منصف وكثير منها غير منصف.
    1– فقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه، وأن أبا حنيفة لا يميز بين صحيح الحديث وضعيفه.
    وهذا أمر صحيح أجمع عليه علماء الحديث قاطبة، وذكروا أدلته. وسبب ذلك أنه كان اهتمامه منصباً على الفقه والاجتهاد والعبادة. وإذا روى الحديث رواه بالمعنى على إسلوب شيخه حماد. وقد اعترف الإمام به بنفسه. إذ أخرج الإمام ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8|449): عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن أبي عبد الرحمان المقرئ، قال: كان أبو حنيفة يُحدثنا، فإذا فرغ من الحديث، قال: «هذا الذي سمعتم كله ريحٌ وباطلٌ». وقال الترمذي: سمعت محمود بن غيلان، يقول: سمعت المقرئ، يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: «عامة ما أحدثكم خطأ». وهذا سند صحيح كالشمس. وهو موافقٌ لكلام النقاد، واعترافٌ من الإمام بأنه ليس ضابطاً لحديثه. وهذا حمله عليه ورعه ومعرفته بقدر نفسه في الحديث، لأنه ليس من فرسان الأسانيد والعلل.
    وقد اعترف الإمام الزيلعي (وهو من أكبر الحفاظ الحنفية) بضعف أبي حنيفة في حديث "نهى عن بيع وشرط". وهناك رسالة نوقشت قديماً بعنوان "الإمام أبو حنيفة بين الجرح والتعديل" نوقشت في جامعة أم القرى. وانتهى -كما قيل لنا- إلى أن أبا حنيفة من حيث الحفظ في مرتبة الصدوق. وأظنه بنى ذلك على تخريج الأحاديث المروية من طريق أبي حنيفة.
    2– وقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد و الكلام في الأصول.
    لكن القوم أصروا على أن يفتروا عليه أقوال ومسائل بهدف التشنيع، وظاهرها الكفر والضلال. قال الإمام ابن تيمية في المنهاج (2|619): «كما أن أبا حنيفة –وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه– فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه. وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً».
    ومن ذلك اتهامه –والعياذ بالله– بالقول بخلق القرآن. واتهامه بأنه استتيب من الكفر مرتين! روى عبد الله في "السنة" (ص192) قال: «سمعت أبي –رحمه الله– يقول (عن أبي حنيفة): أظن أنه استتيب في هذه الآية {سبحان ربك رب العزة عما يصفون}. قال أبو حنيفة: "هذا مخلوق". فقالوا له: "هذا كفر". فاستتابوه».
    ثم إن الإمام أحمد، قد ظهر له خطأ ظنه، وثبت عنده أن أبا حنيفة ما قال بخلق القرآن قط. قال أبو بكر المروزي (كما في تاريخ بغداد 13|37: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: «لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق». وهذا يكذب كل الروايات التي تتهم الإمام أبا حنيفة بالكفر، والعياذ بالله.
    فقال إسماعيل بن سالم البغدادي (كما في تاريخ بغداد 13|327): «ضرب أبو حنيفة على الدخول في القضاء، فلم يقبل القضاء». قال: «وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى، وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضرب أحمد».
    وبالنسبة لمسألة استتابته من الكفر فقد رد الأئمة الأحناف على هذه الفرية.
    قال الفقيه المحقق علي بن محمد القاري في مناقب الإمام:
    قال أبو الفضل الكرماني: لما دخل الخوارج الكوفة مع الضحاك –ورأيهم تكفير كل من أذنب وتكفير كل من لم يكفَّر مرتكب الذنب– قيل لهم: هذا شيخ هؤلاء.
    فأخذوا الإمام أبا حنيفة وقالوا له: تب من الكفر. فقال: أنا تائب من كل كفر. فقيل لهم: إنه تائب من كفركم، فأخذوه فقال لهم: أبعلم قلتم أم بظن؟ قالوا: بظن، قال إن بعض الظن إثم، والإثم ذنب فتوبوا من الكفر. قالوا: تب أنت أيضاً من الكفر، فقال أنا تائب من كل كفر. فهذا الذي قاله أهل الضلال من إن الإمام استتيب من الكفر مرتين، ولبّسوا على العامة من الناس. ا.هـ
    3– وقوم طعنوا لقوله الرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح. وهذا تجد تفصيله في "التنكيل".
    4– وقوم طعنوا فيه بأمور باطلة أو أنها ليست جرحاً. مثل قول يزيد بن زريع: «كان أبو حنيفة نبطياً»، وهذه جاهلية عنصرية وفوق ذلك فالقول خطأ لأن أبا حنيفة فارسي.
    5- وقوم ما ذكروا طعناً، لكنهم أفحشوا في السب واللعن والاستهزاء (مثل تسميته بأبي جيفة). وليس المؤمن بلعان ولا فاحش ولا بذيء. إنما صفة المنافق أنه إذا خاصم فجَر.
    وأما عن تحامل الكثيرين عليه فهذا لا ريب فيه. قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2|149): قال يحيى بن معين: «أصحابنا (أي أهل الحديث) يُفْرِطون في أبي حنيفة وأصحابه».
    قلة حديث أبي حنيفة:
    ولا بد من التنبيه أن ما قيل من قلة أحاديث أبي حنيفة ليس على إطلاقه. نعم، لم يصله الكثير جداً من الأحاديث الصحيحة. وليس معنى ذلك أنه ليس عنده حديث.
    قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مدة، وكان حماد كثير الحديث. ثم أخذ عن عدد كثير غيره كما تراه في مناقبه. وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده، ذلك أنه لم يتصدى للرواية. وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها. بل إذا كان عارفاً بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل. وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل. والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه. وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء. ولم يدع هو العصمة لنفسه ولا ادعاها له أحد. وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله. وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله. فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة، فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم. بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة. بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعاً لحديث ضعيف (وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره). ومن ثُمّ، ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف –بله الصحيح– على القياس».
    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
    [CENTER]
    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

  • #2
    الحلقة
    (2)

    حديث:
    $ مَنْ قَالَ: إنِّي عَالِم فَهُوَ جَاهِلٌ #



    كَتَبَهُ صديقي
    أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنٍ الزَّنْدِيُّ الكُرْدِيُّ




    $ مَنْ قَالَ: إنِّي عَالِم فَهُو جَاهِلٌ #

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم القيامة.
    وبعد؛
    قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾[النساء: 49].
    بل قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾[النجم:32].
    قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في $ صحيحه # ( الأدب/ بَابٌ: مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّمَادُحِ ):
    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ فَقَالَ:
    $ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ #.
    وهو عند الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- ( كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ /بَابُ: النَّهْيِ عَنْ الْمَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ ).
    وقال الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله تعالى – فيما بوَّب عليه النووي -رحمه الله تعالى - ( كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ /بَاب النَّهْيِ عَنْ الْمَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ ):
    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ: $ وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا! إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا #.
    - وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ( ح ) ، وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا!
    فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
    $ وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ #، مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
    $ إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا #.
    - وحَدَّثَنِيهِ عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ( ح ) وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ مِنْهُ.
    * حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى جَمِيعًا، عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى أَمِيرٍ مِنْ الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ؛ وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَحْثِيَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ.
    - وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ -وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ؛ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
    $ إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ #.
    - وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ ( ح )، وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ الْمِقْدَادِ، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ.

    قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له-:
    هذا إذا كان التمادح أو المدح مِن شخصٍ آخرَ فكيف بِمَنْ يمتدح أو يمدح نفسه؟!
    بل من قال عن نفسه: إني عالم؟!
    فقد وقع كثيرٌ – نسأل الله تعالى العافية – من الشباب، أو ممن يزعم أنَّه صاحبُ سُّنَّةٍ، ومتبع لأهلها في هذه الآفة، والله المستعان، أو من يدعي أن طالب علم، وربما تعالى على إخوانه، وانتفخ وأبرز شيئًا من عضلاته، فمَا أدري بماذا يتطاول ذا على إخوانه؟!
    قال ابن فرحون المالكي -رحمه الله تعالى- في $ نصيحة المشاور وتعزية المجاور #، كما في $ الإعلان بالتوبيخ # ص31 ط-دار الكتاب العربي، للسخاوي:
    ولله رد مالك -رحمه الله تعالى- حيث قال: لا خير فيمن يرى نفسه بحالة لا يراه الناس لها أهلاً، وما جلست بالمسجد حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم بالتأهل، رحمه الله وإيانا. اهـ.
    أقول: فرحمه الله تعالى الإمام أبا عبد الله مالكًا، فأين مِثلُ مالك، بل من يدانيه أو يقاربه، في هذا الزمان؟!
    قال أبو حاتم ابن حِبَّانَ البُسْتِيُّ -رحمه الله تعالى- في $ روضة العقلاء # ص52 ط-العصرية: لا يمتنع من التواضع أحد، والتواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد، وثمرة التواضع المحبة، كما أن ثمرة القناعة الراحة، وإن تواضع الشريف يزيد في شرفه، كما أن تكبر الوضيع يزيد في ضعته، وكيف لا يتواضع من خلق من نطفة مَذِرَةٍ (أي: نتنة)، وآخره يعود جيفةً قَذِرَةً، وهو بينهما يحمل العَذَرَةَ (أي: فضلات الإنسان)؟! انتهى.
    وقال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في $ صحيحه # (كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ /بَابُ: اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ وَالتَّوَاضُعِ ):
    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ -وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ-، عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
    $ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ # .
    قال أبو حاتم -رحمه الله تعالى- بعد إيراده هذا الحديث بإسناده في $ روضة العقلاء # ص50:
    الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خَصلة تُحمد إلاَّ أن المرء كلَّما كثُر تواضعه ازداد بذلك رفعةً لمكان الواجب عليه أن لا يتزيَّا بغيره.
    والتواضع تواضعان:
    أحدهما: محمود، والآخر مذموم. والتواضع المحمود: ترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم.
    والتواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا رغبةً في دنياه.
    فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلِّها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلِّها.
    ولقد أنبأنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن ابن عجلان عن بكير بن عبد الله عن عبيد الله بن عدي، أن عمر بن الخطاب قال: إن الرجل إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر العبد وعدا طوره وهصه الله إلى الأرض، وقال: اخسأ أخسأك الله! فهو في نفسه كبيرٌ وفي أعين الناس صغير(1).
    قال أبو حاتم -رضي الله عنه-: التواضع يرفع المرء قدرًا، ويعظم له خطرًا، ويزيده نبلاً. انتهى.
    قال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- في مقدمة $خراج يحيى بن آدم# ص11 ط-المعرفة، في ترجمة ( يحيى -رحمه الله تعالى- ):
    أنَّه يروى عن شيوخ قاربوه في العمر، بل ويروي عن بعض أقرانه، كعادة المحدثين القدماء؛ فإنهم لا يكبر عليهم أن يأخذوا العلم عن أمثالهم، وعن أصغر منهم، وتراه يروي عن الرجل وابنه، كحاله مع عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي وابنه، وعبد العزيز بن سياه وابنيه يزيد وقطبة. انتهى.

    فصلٌ
    الكلام على حديث: مَنْ قَالَ: إنِّي عَالِمٌ فَهُو جَاهِلٌ

    * قال الإمام الطبراني -رحمه الله تعالى- في $ الأوسط # 7/59:
    حدثنا محمد بن معاذٍ، ثنا محمد بن كثيرٍ، نا همامٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر -لا أعلمه إلاَّ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
    « من قال أنا عالم، فهو جاهل ».
    « لا يروى هذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ بهذا الإسناد، تفرد به: محمد بن كثير».
    قال الحافظ الهيثمي -رحمه الله تعالى- في $ المجمع # 1/186 ط2-دار الكتاب: رواه الطبراني في $الأوسط#، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. انتهى.
    وقال السخاوي -رحمه الله تعالى- في $ المقاصد الحسنة # ص485 ط1-العلمية:
    الطبراني في $ الأوسط # عن ابن عمر، بسندٍ فيه ليث بن أبي سليم. وفي $ الصغير # بزيادة لفظ: من قال: أنا مؤمن فهو كافر، ومن ...إلخ. من أوله. من قول يحيى بن أبي كثير، بلفظ : من قال أنا في الجنة فهو في النار، وسنده ضعيف(!)، وهو عند الديلمي في $مسنده# عن جابر بسند ضعيف جدًّا. ورواه الحارث بن أبي أسامة، من جهة قتادة، عن عمر بن الخطاب موقوفًا عليه، وهو منقطع. اهـ.
    وأمَّا العجلوني الصوفي فقد قال في $ كشف الخفا # 2/239-240 ط-الباز، بعد أن ذكره بلفظ –كما أورده السخاوي، لعله أخذه من السخاوي(!؟)، بل منه نقل ذلك-:
    $ من قال أنا مؤمن فهو كافر، ومن قال أنا عالم فهو جاهل #.
    رواه الطبراني في $الأوسط# بالشطر الثاني منه، عن ابن عمر بسند فيه ليث بن أبي سليم . وفي $الصغير# بالشطر الأول من قول يحيى بن أبي كثير بلفظ: من قال أنا في الجنة فهو في النار، وسنده ضعيف. ورواه الديلمي عن جابرٍ بسندٍ ضعيفٍ جدًا. ورواه الحارث بن أبي أسامة عن عمر بن الخطاب موقوفًا عليه، وهو منقطعٌ.
    ومن ثَمَّ ناقلاً عن أهل نحلته الصوفي ابن حجر الهيتمي - بالتاء المثناة من فوق قبل الميم -، كلامًا لا جدوى من ذكره، ولا حاجة لنا به! وسيأتي نفس الكلام من االسيوطي، نسأل الله العافية.
    لعل السخاوي والعجلوني نقلوا ذلك عن الحافظ العراقي رحمه الله تعالى، إذ قال في $ المغني # 1/125، بهامش $إحياء علوم الدين#، طبعة المعرفة:
    حديث: $من قال أنا مؤمن فهو كافر، ومن قال أنا عالم فهو جاهل#، أخرجه الطبراني في $الأوسط# بالشطر الأخير منه من حديث ابن عمر، وفيه ليث بن أبي سليم.
    والشطر الأول روي من قول يحيى بن أبي كثير، رواه الطبراني في الأصغر بلفظ: من قال أنا في الجنة فهو في النار، وسنده ضعيف. انتهى.
    أقول: سيأتي الكلام على بقية الآثار بعدما ننتهي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- إن شاء الله تعالى.
    وأورده الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة ليث، من $ الميزان # 5/512 ط1-العلمية، ساكتًا عليه.
    أقول: شيخ الطبراني: محمد بن معاذ، هو الشعيري، ترجمه الخطيب في $تاريخه#، وسكت عنه!
    ومحمد بن كثير، هو العبدي، أبو عبد الله البصري، وهو ثقة، أخرج له الجماعة.
    وهمام، هو ابن يحيى بن دينار، العوذي، وهو ثقةٌ أيضًا.
    وليث، هو ابن أبي سُليمٍ، الَّذي به أعلَّ الحديث، كما سبق من كلام الحفَّاظ، وقد أخرج له البخاري تعليقًا، ومسلمٌ مقرونًا، وأصحاب السنن.
    قال الإمام البخاري في $تاريخه# 1/3/246: ليث بن أبي سليم، أبو بكير الكوفي، سمع مجاهدًا...إلخ.
    قال العلامة المعلمي بهامشه: بنسخة: أبو بكر، وقال ابن أبي حاتم: أبو بكير، ويقال: أبو بكر. اهـ.
    قال ابن عدي -رحمه الله تعالى- في $الكامل# 7/233-238 ط-العليمة، بعد أن نقل تضعيف ابن معين، والنسائي وغيرهما، وبعض أحاديثه المنكرة:
    وليث له من الحديث أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وقد روى عنه شعبة، والثوري، وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه. انتهى.
    قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له-:
    وبه فالحديث ضعيفٌ، وأما الحكم عليه بالبطلان فلا، كما سيأتي من كلام السيوطي في رسالته $أعذب المناهل#! والله المستعان.
    فصلٌ
    * قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في $مسنده#، كما في $تفسير ابن كثير# 1/681 ط-الفيحاء والسلام:
    حدثنا معتمر، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر بن الخطاب: من قال: أنا مؤمن، فهو كافر. ومن قال: هو عالم، فهو جاهل. ومن قال: هو في الجنة، فهو في النار.
    قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-:
    ورواه ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنه مؤمن، فهو كافر، ومن قال: إنه عالم فهو جاهل، ومن قال: إنه في الجنة، فهو في النار.
    أقول: ورواه مسدد في $مسنده#، من طريق موسى بن عبيدة، به، كما في $إتحاف السادة المهرة# 1/96، للحافظ البوصيري، ثم قال عقبه:
    سنده ضعيفٌ، وفيه انقطاعٌ.
    ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (17-زوائد)، وقال:
    حدثنا عفان، ثنا همام، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب قال: من زعم أنه مؤمن فهو كفر، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار، ومن زعم أنه عالم فهو جاهل، قال: فنازعه رجل فقال: إن تذهبوا بالسلطان فإن لنا الجنة!!
    قال فقال عمر : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
    $من زعم أنه في الجنة فإنه فهو في النار #.
    وعزاه الحافظ -رحمه الله تعالى- في $المطالب العالية# 3/98-المجردة، إلى الحارث، وسكت عليه!
    وقال الحافظ البوصيري -رحمه الله تعالى- في $الإتحاف# 1/96-المجردة: ورجال إسناده ثقات، إلاَّ أنه منقطعٌ، ورواه أحمد بن حنبل، وابن مردويه في $تفسيره#، وله شاهد من حديث عن ابن مسعود...إلخ.
    قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له-:
    الذي يظهر أنَّ هذا الأثر سقط من $مسند أحمد#، فبعد الرجوع إليه، فلم أجده، وكذا لم يعزه الحافظ إليه في $المطالب#، و$إتحاف المهرة#، على خلاف عادته، والله المستعان.
    وكذا قال محقق $زوائد مسند الحارث#: إنه لم يجده في $مسند عمر# من $المسند#، والله المستعان.
    وكذا أنا بدوري بحثتُ عنه في $مسند عمر#، من $المسند#، فلم أقف عليه، فليستدرك، ولينبه، والله المستعان.
    وكذا عزاه إلى $المسند#، و$تفسير ابن مردويه#، العلامة الشيخ حمود التويجري -رحمه الله تعالى- في $الرد القويم# ص104.
    أقول: لعل الشيخ التويجري اعتمد على $تفسير ابن كثير# في ذلك، والله أعلم.
    وهذا سندٌ ضعيفٌ؛ إذ لم يذكروا سماع قتادةَ عن عمر ا، ولا نعيمٍ عنه أيضًا.
    وقد خرَّجه الإمام الخلال -رحمه الله تعالى- في $السنة# (1282)، من طريق الإمام أحمد، حيث قال:
    حدثنا أبو عبد الله، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، أن عمر بن الخطاب، رحمه الله قال:
    «من زعم أنه مؤمن، فهو كافر، ومن زعم أنه في الجنة، فهو في النار، ومن زعم أنه عالم فهو جاهل». قال: فنازعه رجل، فقال: إن يذهبوا بالسلطان، فإن لنا الجنة. فقال عمر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « من زعم أنه في الجنة ، فهو في النار ».
    وقال أيضًا (1290):
    حدثنا أبو عبد الله، قال: ثنا معتمر، عن ليث، عن نعيم بن أبي هند، قال: قال عمر بن الخطاب: « من قال أنا مؤمن، فهو كافر، ومن قال: هو عالم، فهو جاهل، ومن قال: هو في الجنة، فهو في النار».
    وخرجه -أيضًا- من طريق أبي عبد الله الإمام أحمد، عن معتمر، به، الإمامُ الحافظ أبو القاسم اللالكائي في $أصول الاعتقاد# (1777).
    وخرجه أيضًا عن عمر -رضي الله عنه-، ابنُ بطة -رحمه الله تعالى- في $الإبانة الكبرى# 3/203، حيث قال:
    حدثنا أبو ذر أحمد بن محمد بن الباغندي قال: حدثنا علي بن سهل بن المغيرة، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا همام، قال: أخبرنا قتادة، أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه قال: من زعم أنه مؤمن فهو كافر، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار، ومن زعم أنه عالم فهو جاهل قال: فنازعه رجل، فقال: إن تذهبوا بالسلطان فإن لنا الجنة، قال: فقال عمر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من زعم أنه في الجنة فهو في النار».
    وقد قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن -رحمه الله تعالى- كما في $الدرر السنية# 12/366-368، عندما ردَّ على أبي بكر بن محمد؛ لما غضب من كلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن فيه، فقال:
    ثم إنك تذكر أن الرد صار للعوام والطغام سلماً للوقيعة في أعراض علماء الإسلام! وفي هذا من تزكية نفسك، والتنويه بذكرها ما لا يخفى، وما أظنُّ عالماً يقول: أنا عالم، وقد قال عمر -رضي الله عنه-:
    $من قال أنا عالم فهو جاهل ...#، والعالم من يخشى الله! ... وبالجملة فلو عرفت حقيقة العلم لأحجمت عن عد نفسك من أهله ... فهذا ونحوه من أضل الناس وأبعدهم عن هدي المرسلين، فضلاً عن أن يكون من علماء المسلمين ... انتهى.



    فصلٌ
    * وأخرج الإمام الطبراني -رحمه الله تعالى- في $المعجم الصغير# 1/65:
    حدثنا أحمد بن مجاهد الأصبهاني، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا زافر بن سليمان، حدثنا عبد الله بن الحسين المصيصي، حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال:
    $من قال إني عالم فهو جاهل، ومن قال إني جاهل فهو جاهل فهو جاهل، ومن قال إني في الجنة فهو في النار، ومن قال إني في النار فهو في النار#. (176-الروض الداني).
    قال الحافظ الهيثمي -رحمه الله تعالى- في $المجمع# ج1/ص186:
    رواه الطبراني في $الصغير#، وفيه محمد بن أبي عطاء الثقفي، ضعفه أحمد، وقال: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في $الثقات#، ومع ذلك فهو من قول يحيى، موقوفًا عليه. انتهى.
    أقول: محمد بن أبي عطاء الثقفي!! هو محمد بن كثير بن أبى عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، ثم المصيصي. ضعَّفه أحمد، وقد قال ابن عدي: له أحاديث لا يتابعه عليها أحدٌ.
    وفي السند مَن هو شر من ابن أبي عطاء، وهو تلميذه: عبد الله بن الحسين المصيصي، فكان الأولى عصب الجنابة به! والله أعلم. وقد قال فيه ابن حبان / في $المجروحين# (ق141/2):
    يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ... كتبناها عنه في نسخة أكثرها مقلوبة. انتهى.
    وانظر $ميزان الاعتدال# 4/82، وتبعه الحافظ في $اللسان# 3/272.
    وقد قال العلامة الآلوسي : في $تفسيره# 19/70:
    ( وما شاع من حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل، إنما يعرف من كالم يحيى بن أبي كثير، موقوفًا عليه، على ضعف في إسناده ...إلخ ).
    أقول: لعل الآلوسي أخذ هذا من كلام السيوطي في $أعذب المناهل#، وسيأتي -إن شاء الله- كلام السيوطي قريبًا...

    فصلٌ
    * قال الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في $تهذيب الآثار# 2/681/رقم1026 ط-المدني:
    حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن موسى بن زياد أبي الديلم ، عن الحسن ، قال : قال النبي ه:
    « من قال : إني مؤمن فهو كافر ، ومن زعم أنه عالم فهو جاهل ، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار »
    قال الأستاذ الأديب محمود شاكر / في هامش $التهذيب#:
    ( الخبر من مرسل الحسن البصري، وموسى بن زياد أبو الديلم، لم أر له ذكرًا، فيما بين يدي ، بهذه الكنية ، ووأرجح أنه: موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي، روى عنه مغيرة بن مقسم الضبي، وذكره ابن حبان في $الثقات#، مترجم في $التهذيب# ، و$الكبير# 4/1/284، وابن أبي حاتم 4/1/143 ...). انتهى.
    أقول: كذا قال الأستاذ! ولم يتعرَّض لابن حميد، شخ ابن جرير في السند، والله المستعان.
    وهذا الأثر له عدة علل، منها:
    1) من مراسيل الحسن البصري، ومراسيله كالريح، كما يقول العلماء.
    2) في سنده: ( موسى بن زياد بن عمرو بن حذيم السعدي، أبو الديلم )، لا يعرف، وإن كان أورده ابن حبان في $ثقاته# 7/452، إلاَّ أنَّه قال: يروي المراسيل. لعله يشير في ذلك إلى مرسل الحسن هذا، والله أعلم.
    وابن حبان -رحمه الله تعالى- معروفٌ بتوثيق المجاهيل، والله المستعان.
    وترجمته في $تهذيب الكمال# 29/63، و$تهذيب التهذيب# 4/174 ط-الرسالة، وأورد البخاري في $تاريخه# 4/1/284، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا، وبيَّض له ابن أبي حاتم في $الجرح والتعديل# 4/1/143، وقال الذهبي في $الكاشف# 2/304: وثق! وهذا -والله أعلم- عادة الذهبي في كتابه هذا إذا لم يجد من يوثق الراوي إلاَّ قول ابن حبان فيقول فيه كذا! وقال الحافظ في $التقريب#: مقبول!
    3) في سنده أيضًا: ابن حميد، فهو محمد بن حميد الرازي، قال الذهبي : في $الكاشف# 2/166: الحافظ .. وثقه جماعة والأولى تركه.
    وانظر إلى ما قال الشيخ الألباني / في $الضعيفة# ج12/ق1/ص 176-181.

    فصلٌ
    * وللسيوطي / رسالة في تضعيف هذا الحديث، باسم: $أعذب المناهل في حديث من قال أنا عالم فهو جاهل#. وقد طبعت ضمن كتابه $الحاوي# ج2/ص9-12 ط-الفكر، بل حكم عليه بالبطلان!!
    وسأنقل ما قاله السيوطي في رسالته مختصرًا، وأحاول بقدر الإمكان مناقشته فيما بعدُ بإذن الله تعالى، حيث قال:
    ( هذا إنما يعرف من كلام يحيى بن أبي كثير، موقوفًا عليه، على ضعف في إسناده إليه ... وقد وهم بعض الرواة فرفعه إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .... وذلك أن الحديث أخرجه الطبراني في $الأوسط#، من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر ... وهذا الحديث حكم عليه الحفاظ بالوهم في رفعه؛ فإن ليث بن أبي سليم متفق على ضعفه ... [ وقد ذكر أقوال أهل العلم في ليث ثم قال]:
    وسرد الذهبي في $الميزان# لليث بن أبي سليم أكثر من عشرة أحاديث أنكرت عليه، منها هذا الحديث .... ومما يؤيِّد بطلان هذا الحديث الَّذي نحن فيه من جهة المعنى ثبوت هذا اللَّفظ عن جماعة من الصَّحابة منهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعودٍ، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عبَّاسٍ -رضي الله عنهم-، وما كان هؤلاء ليقعوا في شيءٍ ورد فيه ذمٌّ عن النَّبِّيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذا ثبت مثل ذلك عن خلائق لا يحصون من التابعين فمن بعدهم كما سقت رواياتهم وألفاظهم في الكتاب المسمى بـ: $الصواعق على النواعق# ... ولا شكَّ أنَّ مثل هؤلاء الأئمِّة لا يطبقون على التَّلفُظ بما ذمَّ النَّبِيُّ ه التَّلفظ به!
    ذلك قول نبي الله يوسف ÷ فيما حكاه(!؟) الله عنه في التنزيل: ﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55].
    فإن قلتَ: كيف حكم على الحديث بالإبطال وليثٌ لم يتهم بكذب؟!
    قلت: الموضوع قسمان قسم تعمد واضعُه وضعَه، وهذا شأن الكذابين، وقسم وقع غلطًا لا عن قصد، وهذا شأن المخلطين والمضطربين في الحديث، كما حكم الحفاظ بالوضع على الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في $سننه# وهو: $من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار#، فإنهم أطبقوا على أنه موضوع وواضعه لم يتعمد وضعه وقصته في ذلك مشهورة وإلى ذلك أشار العراقي في $ألفيته# بقوله:
    ومنه نوع وضعه لم يقصد، نحو حديث ثابت: $من كثرت صلاته... الحديث#. ... ). انتهى.
    وقد بيَّن تناقض السيوطي / في هذا ، المناوي / في $فيض القدير# 6/213؛ حيث قال:
    ومن العجب العجاب أنَّ المؤلِّف قال في كتابه: $أعذب المناهل#: إنَّ الحفَّاظ حكموا على هذا الحديث بالوضع، وأطبقوا على أنَّه موضوع؛ هذه عبارته، فكيف يورده في كتاب ادِّعى أنَّه صانه عما تفرد به وضاع؟!..انتهى.
    أقول: الظاهر -والله أعلم- أنَّ الحامل للسيوطي / في حكمه على بطلان هذا الحديث، لكي يتسنى أن يدعي الاجتهاد المطلق لنفسه(!؟)، نسأل الله تعالى العفو والعافية والسلامة!
    إلاَّ أنَّ المناوي : سخر منه في مواطن من كتابه $فيض القدير#، من فعل هذا، حيث قال 3/401:
    فأعجب له -أي السيوطي- من قصور من يدعي الاجتهاد المطلق(!؟) . انتهى.
    وأمَّا استدلال السيوطي بقصة يوسف -عليه السلام-، فبعيدٌ عما رام إليه السيوطي، ولا يمكن أن يفهم من الآية إلاَّ إذا ذكرت الآية السابقة؛ فدونك ما قاله الحافظ المؤرخ المفسر العماد ابن كثير -رحمه الله تعالى- في $تفسيره# 2/633 ط2-الفيحاء والسلام، عن هذه الآية:
    يقول تعالى إخبارًا عن الملك حين تحقق براءة يوسف ÷، ونزاهة عرْضه مما نسب إليه، قال: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ أي: أجعله من خاصّتي وأهل مشورتي ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ﴾ أي: خاطبه الملك، وعرفه، ورأى فضله وبراعته، وعلم ما هو عليه من خَلْق وخُلُق وكمال؛ قال له الملك: ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾ أي: إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة، فقال يوسف ÷: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جُهِل أمرُه، للحاجة. وذكر أنه ﴿حَفِيظٌ﴾ أي: خازن أمين، ﴿عَلِيمٌ﴾ ذو علم وبصيرة بما يتولاه.
    قال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني، عليم بِسِني الجَدْب . رواه ابن أبي حاتم.
    وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه، ولما في ذلك من المصالح للناس، وإنما سأل أن يُجْعَل على خزائن الأرض، وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلات، لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها، ليتصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبةً فيه، وتكرِمَةً له ... انتهى.
    وبالله التوفيق
    سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
    والحمد لله رب العالمين
    كَتَبَهُ
    أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنٍ الزَّنْدِيُّ الكُرْدِيُّ
    29/10/1429 هـ
    عمان البلقاء



    -------------------------
    -------------
    الهوامش:
    (1) قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له-: ورجال سند أثر عمر -رضي الله عنه- ثقات، إلاَّ ابنَ عجلان فهو صدوقٌ، فمن رجال الجماعة، إلاَّ البخاريَّ، فتعليقًا.
    وأخرجه ابن أبي شيبة في $المصنف# 8/607 ط-الرشد، وتصحف فيه $عبيد الله# إلى $عبد الله#(!؟) وابن أبي الدنيا في $التواضع# (7، والبيهقي في $المدخل إلى السنن# (601)، وقال الحافظ، بعد أن خرَّجه في $الأمالي المطلقة# ص88: هذا موقوف صحيح الإسناد. وأشار إلى سقط $ابن أبي حبيبة# عند ابن حبان!
    وقد أشار -أيضًا- الحافظ نفسه في $إتحاف المهرة# ج12/ص320-321 /(رقم15675)، إلى ذلك، فلينظر!
    (2) لم أقف على هذا الكتاب! حتى انظر إلى إدعاءات السيوطي مما نسبه إلى أولئك الصحابة رضي الله تعالى؛ لأن السيوطي كثير الوهم والمجازفة، والله المستعان.
    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
    [CENTER]
    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

    تعليق


    • #3
      الحلقة
      (3)

      تكحيل العينين بثبوت لفظ وبركاته في التسليمتين

      بقلم
      عبد الله عبد الرحيم البخاري





      الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم.
      أمَّا بعد، فهذه المقالة الرَّابعة في سلسلة الذَّبِّ عن سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، وهي متعلِّقة بصفةٍ في صَلاة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
      و مِمَّا لا يخفى على أهل الإسلام مَا للصَّلاة مِنْ أهميَّةٍ بالِغَةٍ، كيفِ لا وَ هِيَ الرُّكن الثَّاني من أركان الدِّين، وأعظم ركنٍ في الإسلام بعد الشَّهادتين، ومعرفة هديه صلَّى الله عليه وسلَّم فيها من الأهمية بمكانٍ، ويظهر لك ذلك جلياً بالتأمِّل فيما رواه الصَّحابة في صفة صلاته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حرصاً منهم على اتِّباعه و تطبيق أمرهِ في قوله الثَّابت في (البخاري) (صلُّوا كما رأيتموني أصلي(
      قَال الإمامُ شَيخ الإسلام ابن القَيِّم رحمه الله في (زاد المعاد)(1/69-70):" ومنْ هَا هُنَا تَعلم اضِّطرارُ العِبَاد فَوق كُل ضَرورةٍ إلى مَعرفةِ الرَّسولِ، وما جَاء بهِ، وَتصديقهِ فيما أخبرَ بهِ، وطَاعتِهِ فيما أمرَ، فإنَّه لا سبيلَ إلى السَّعادةِ والفَلاحِ لا في الدُّنيا، و لا في الآخرة إلا عَلى يدي الرُّسل، و لا سَبيلَ إلى مِعْرفةِ الطًّيب والخبيث على التَّفصيل إلاَّ مِنْ جِهَتِهِم، لَيس إلاَّ هديهم وما جاؤوا به، فَهُم الميزانُ الرَّاجحُ الَّذي عَلَى أَقْوالهم وَ أَعْمَالهم وأخْلاَقهم تُوزنُ الأقَوال والأَخْلاق والأعمال، وبمتابعتهمِ يَتميَّز أهل الهُدى مِنْ أهْلِ الضَّلال، فالضَّرورة إليهم أَعْظمُ مِنْ ضَرورةِ البَدن إلى رُوحهِ، وَالعين إلى نُورها، والرُّوح إلى حياتها، فأيُّ ضَرُورةٍ وَحَاجةٍ فُرضَتْ، فَضرورةُ العَبْدِ وَحَاجتهُ إلى الرُّسل فَوقَها بِكَثير".
      إلى أنْ قال رحمه الله:" وإذا كَانت سَعَادةُ العَبْدِ في الدَّارين مُعَلَّقةً بهدي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيجبُ علَى كلِّ مَنْ نَصَحَ نفسهُ، وأحبَّ نجاتها وسَعَادتها، أنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيه وَسِيرته وشَأْنِهِ مَا يَخْرُج به عن الجاهِلينَ به،، ويَدْخُل به في عِداد أتْباعه وشِيْعتهِ وحِزْبهِ، والنَّاسُ في هَذَا مَا بَيْن مُسْتَقلٍّ ومُسْتَكْثِرٍ، وَمَحْرومٍ، والفضْلُ بيدِ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاء، وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيْم"، انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
      و لما كان الأمر بهذهِ المثَابَة والفَضْل، رغبتُ في التَّنْبيهِ إِلَى أمرٍ في صِفَةِ صَلاَتِهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنكرهُ بعضُ طَلَبة الْعِلْمِ، بِنَاءً على كلامٍ للإمام الهُمام المحدِّثِ الألباني- رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى- حيث قالَ في كتابه النَّافع العظيم (صفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم..)(ص 149) من (الطبعة الرابعة عشر/ 1408هـ/ عن المكتب الإسلامي) في فصل (التسليم):"...وكان أحياناً يزيد في التَّسليمة الأولى (وبركاته)".
      و قال معلِّقاً على قول (سيد سابق):" قوله في السَّلام: وعن وائل بن حجر...-فذكر الحديث وفيه زيادة (وبركاته) في التسلمتين- قال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): رواه أبوداود بإسناد صحيح". علَّق الشيخ الألباني بقوله في (تمام المنِّة)(ص 171):" قلتُ: هو كما قال الحافظ رحمه الله، لكن ليس في النُّسخ الَّتي وقفتُ عليها من (سنن أبي داود) زيادة (وبركاته) في التسليمة الثانية، وإنما هي في التسليمة الأولى فقط، وكذلك أخرجه الطيالسي من حديث ابن مسعود موقوفاً بسند رجاله ثقات، والطبراني في (الكبير)(10191) مرفوعاً، ولذلك رجحت في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) أنْ لا تزاد هذه الزيادة في التسليمة الثانية حتى تثبت بطريق تقوم به الحجة".
      وينظر: (إرواء الغليل)(2/ص30-32) و (مختصر صحيح مسلم)(ص8.
      وجواباً عن هذا النفي، فأقول مستعيناً بالله العظيم:
      قد ثبتت زيادة (وبركاته) في التَّسلمتين من حديث وائل بن حجر، وابن مسعود رضي الله عنهما، وبيانه:
      الحديث الأول: حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أولاً:
      لفظه:قال رضي الله عنه: (صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
      ثانياً: تخريجه باختصار :
      أخرجه أبو داود في (السُّنن) (ك الصَّلاة: باب في السَّلام) (ج 1/ ل 198- نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية/ مخطوط رقم 4541- مكبر) وهي نسخة يمنية، تملَّكها: عبدالله بن عيسى،كان الفراغ من نسخها في 13/ 1/1222هـ، وهذه النُّسخة لم يتكلَّم عنها عوَّامة في تحقيقه لسنن أبي داود، ولعلَّه لم يقف عليها! مع أنَّها في مكتبة مخطوطات الجامعة، والتَّي أخذ منها عدداً من النُّسخ الَّتي ذكرها في مقدِّمة تحقيقه!! لذا فالحديث في طَبعتهِ لَيست فيه هذه الزِّيادة!.
      و حديث الباب هو في المطبوع من (السُّنن) (تحقيق عزَّت عبيد الدعاس)(1/607 رقم 997) عن عبدة بن عبدالله.
      و أخرجه أيضاً ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/221) من طريق أسلم بن سهل ثنا علي بن الحسن كلاهما- أعني عبدة وعلي- عن يحيى بن آدم ثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة ابن وائل عن أبيه. الحديث.
      الحديث سكت عنه أبو داود.
      وقال الحافظ النَّووي عن إسناد أبي داود- بذكر (وبركاته) في التَّسليمتين-:" إسنادٌ صحيحٌ " (المجموع) (3/459).
      وقال الحافظ ابن عبد الهادي: " رواه أبو داود بإسناد صحيح"، (المحرر) ( ك الصَّلاة: باب صفة الصَّلاة) (1/207 رقم 271)، وفيه كذلك ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
      وقال الحافظ ابن حجر عقبه في (نتائج الأفكار) (2/222): " حديثٌ حسنٌ، أخرجه أبوداود عن عبدة بن عبدالله والسَّراج عن محمد بن رافع كلاهما عن يحيى بن آدم، ولم أر عندهم (وبركاته) في الثانية".
      وقال في (بلوغ المرام)(رقم 316/ 95):" رواه أبو داود بإسنادٍ صَحيحٍ" وفيه ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
      قلتُ: رواية أبي داود التي بين أيدينا هي من طريق عبدة بن عبدالله عن يحيى بن آدم، و فيها ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين كما تقدَّم، ولعل ما ذكره الحافظ هو في إحدى روايات السُّنن، فالله أعلم.
      ولم أقف على رواية السَّرَّاج- في (المطبوع من مسنده بتحقيق إرشاد الحق)- عن محمد بن رافع عن يحيى بن آدم، والله أعلم.
      و الحديثُ صحَّحه العلاَّمة الصَّنعاني في (سبل السلام) (1/395) حيث قال:"حديث التَّسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة، ففيها صحيح، وحسن، وضعيف، ومتروك، وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلاَّ في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه، وعند ابن حبان، ومع صحَّة إسناد حديث وائل كما قال المصنِّف - يقصد ابن حجر- يتعين قبول زيادته، إذ هي زيادة عدل، وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها".
      ثالثاً: تنبيه:
      جاء الحديث في بعض نسخ سنن أبي داود بدون زيادة (وبركاته) في التَّسليمة الثَّانية، وهو مثبتٌ في أخرى. والصَّحيح أنَّها ثابتة لما يلي:
      1/ أنَّها جاءت مثبتةً في بعض النُّسخ الخطِّيَّة للسُّنن، كما تقدَّم بيانه في التَّخريج.
      2/ أنَّ جمعاً من الحفَّاظ المصحِّحين لها اعتمدوا على النُّسخة التي فيها زيادة (وبركاته) في التَّسليمتين، ومن أولئك الحفَّاظ:
      أ/ الحافظ ضياء الدِّين المقدسي رحمه الله (ت643هـ) (صاحب المختارة) حيث رمز للحديث بعد أنْ رواه بلفظه المتقدِّم بـ( د) إشارة إلى أنَّ أبا داود رواه كذلك في (السُّنن).
      ينظر كتابه العظيم (السُّنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام)(2/ رقم1534/120).
      ب/ الحافظ النَّووي رحمه الله (ت676هـ)، وتقدَّم قوله من (المجموع)، و يزاد قوله في كتابه (الأذكار) (ص109-110) (باب السلام للتحلل من الصلاة):"..واعلم أنَّ الأكمل في السلام أن يقولَ عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يُستحبُّ أن يقول معه: وبركاته؛ لأنَّه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في روايةٍ لأبي داود، وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين...".
      ج/ الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله (ت702هـ) حيث قال في كتابه (الإلمام)(1/ رقم 297/ص179) بعد أنْ ذكر الحديث :" أخرجه أبوداود".
      د/ الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله (ت744هـ)، وتقدَّم قوله في المصحِّحين.
      هـ/ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (ت 852هـ) وتقدَّم النقل عنه قبلُ، و يزاد أيضاً قوله في (التَّلخيص) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاًً في حديث وائل بن حجر، فيُتعجب من ابن الصَّلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيءٍ من كتب الحديث".
      وقال أيضاً في (نتائج الأفكار)(2/219) متعقباً النووي في كلامه المتقدم من كتاب (الأذكار):
      " قلتُ: بل جاء في رواية أخرى"؛ قلتُ: يقصد أنَّ الزِّيادة جاءت من غير حديث وائل رضي الله عنه أيضاً، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، كما بيَّنه رحمه الله في المصدر السَّابق، ثم ختم بروايته لحديث وائل رضي الله عنه وفيه (وبركاته) في التَّسليمتين، وحسَّنه.
      و/ العلاَّمة الأمير الصَّنعاني رحمه الله (ت 1182هـ) وتقدَّم قوله أيضاً.
      و في هذا القدر كفاية في بيان المراد وإثباته، والله أعلم.
      الحديث الثَّاني: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
      أولاً: لفظه: قال رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلِّم عن يمينه حتى يرى بياض خده،السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وعن شماله حتى يبدو بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

      ثانياً: تخريجه باختصار:
      أخرجه ابن ماجه في (السُّنن) (ك إقامة الصَّلاة والسُّنَّة فيها: باب التَّسليم) (ل29: ب: نسخة المكتبة الوطنية: باريس/ فرنسا) وابن خزيمة في (الصَّحيح) (ك الصَّلاة: باب صفة السَّلام في الصَّلاة) (1/359-360 رقم 72 واللفظ له، من طريق عمر بن عبيد الطَّنافسي عن أبي إسحاق السَّبيعي عن أبي الأحوص به.
      وتوبع الطَّنافسي من: سفيان الثَّوري، وسماع الثَّوري من السبَّيعي قديم.
      وأخرجه ابن حبَّان في (الصَّحيح) (موارد الظَّمآن) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم من الصَّلاة) (رقم 516/ 13 وأبو العباس السَّراج في (المسند) كما في (نتائج الأفكار) (2/221و222) و- من طريقهِ- ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/222و 223) من طريق الثوري به مثله.
      وفيه إثبات لفظ (وبركاته) في الجهتين. والحديثُ صحَّحه ابنُ خزيمة وابن حبَّان.
      و توبع أبو إسحاق السَّبيعي عليه متابعة قاصرة من: أبي الضحى مسلم بن صبيح- وهو ثقة فاضل-. أخرجها عند الرزاق الصَّنعاني في (المصنَّف) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم) (2/218 رقم 3127) و – من طريقه – الطَّبراني في (المعجم الكبير) (10/153 رقم 10177) و ابن حزم في (المحلَّى) (3/275 مسألة رقم 376) عن سفيان الثوري ومعمر عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ابن مسعود قال: ( ما نسيت فيما نسيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرَىَ بَياض خدِّه، وعن يساره: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرىَ بَياضُ خدِّه أيضاً).
      واللفظ لابن حزم. وعند عبد الرزاق والطبراني مختصراً. وإسناده صحيح.

      ثالثاً: تنبيه:
      في الطَّبعة المتداولة لسنن ابن ماجه، بتحقيق الشَّيخ محمد فؤاد عبد الباقي، والدًُّكتور محمد مصطفى الأعظمي، وكذا النُّسخة التي بحاشية العلاَّمة السندي، سقطت كلمة (وبركاته)، وجاء اللفظ فيها هكذا: ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شمالهِ حتى يُرى بياض خدِّه: السَّلام عليكم و رحمة الله).
      و الصَّواب ثبوتها في (السُّنن) لابن ماجه، للأدلة التَّالية:1-
      ثبوت هذه اللفظة في عِدَّة نسخ خطِّية للسُّنن، منها:
      أ) نسخة : المكتبة الوطنية، باريس، فرنسا، محفوظة في مكتبة الجامعة الإسلامية – قسم المخطوطات فلم رقم 1327، في (301) ورقة، تاريخ نسخها (730)، وهي من طريق الحافظ الذَّهبي، وسبق عزو الموضع إليها في التخريج.
      ب) نسخة: المكتبة السُّليمانية، تركيا، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فلم رقم (8770) في (294) ورقة. والموضع فيها، (ل45/أ).
      ج) و نسخة تركيَّة ثانية، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، مصورة (مكبر) رقم (4066) في (236) ورقة. وهي نسخة مصحَّحة ومقروءة ومقابلة. والموضع فيها (ل 57/ب).
      2- أثبتها الحافظ ابن حجر لابن ماجه في (السُّنن) من الطِّريق نفسه الموجود في النُّسخة المطبوعة، وهو (طريق ابن نمير)، حيث قال في (التَّلخيص الحبير) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاً من حديث وائل بن حجر ..".
      3- وأثبتها أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/219 – وما بعدها) لابن ماجه في (السُّنن) إذ قال متعقباً كلام الحافظ النَّووي في كتابه (الأذكار) المتقدِّم نقله قبلُ.
      قال:" قلت- أي ابن حجر-: بل جاء في رواية أخرى … - ثم قال- وهكذا أخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن عمر بن عبيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وفيه (وبركاته)، فهذه عدة طرق ثبت فيها (وبركاته) بخلاف ما يوهمه كلام الشَّيخ أنَّها رواية فردة".
      4- ما قاله العلاَّمة الأمير الصَّنعاني في (سبل السَّلام) (1/395 رقم 301):" وحديث التَّسلمتين رواه خمسة عشر من الصحابة … وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلا في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبِّان … -إلى أنْ قال- قال ابن رسلان في شرح السُّنن: لم نجدها في ابن ماجه. قلت: راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه: باب التسليم: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد عن [أبي] إسحاق عن [أبي] الأحوص عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
      ما بين المعقوفتين [ ] سقط من (السُّبل) والصَّواب إثباته.
      5- أنَّ هذه اللفظة مثبتة في الطَّبعة التي حقَّقها خليل مأمون شيحا لسنن ابن ماجه (1/ 493 رقم 914: 1) من الكتاب والباب السَّابقين. وهي طبعة حديثة، الأولى منها عام 1416هـ، دار المعرفة بيروت، توزيع دار المؤيد بالرياض، واعتمد محقِّقها على النُّسخة الفرنسية آنفة الذِّكر، كما نصَّ على ذلك في مقدِّمة التَّحقيق (1/12-م).
      فهذه أدلة كافيه – في نظري – تثبت أنَّ لفظة (وبركاته) في التَّسليمتين، مثبتة في (السُّنَن) لابن ماجه، والعلم عند الله.

      وهنا تنبيه آخر:
      وهو: أنَّ عزو رواية ابن حبان للموارد، دون (الإحسان) له سببٌ؛ هو سقوط لفظة (وبركاته) أيضاً من التَّسليمة الأولى، وذُكرت في التَّسليمة الثَّانية.
      إذْ جاء في (الإحسان) (ك الصَّلاة: فصل في القنوت: ذكر كيفية التَّسليم الذي ينفتل المرء به من صلاته) (5/333 رقم 1993): أخبرنا الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله: ( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده: السَّلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
      هكذا عنده بإثباتها في الثَّانية دون الأولى، ولعل ذلك من تصرف بعض نُسَّاخ (الإحسان).

      ومما يدل على ثبوتها في (صحيح ابن حبان) وسقطها من مطبوعة ترتيبه (الإحسان)، ما يلي:
      1- أنَّ الحافظ الهيثمي أَثْبتَها على التَّمام في كتابه (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان) كما تقدَّم العزو إليه.
      2- ما تقدَّم نقله عن الحافظ ابن حجر من كتابه (التَّلخيص الحبير)(1/271) حيث أثبتَ أنَّ هذه اللفظة عندَ ابن حبَّان.
      3- ما قاله الحافظ ابن حجر أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/221-223) متعقِّباً الحافظ النَّووي في قوله: إنَّ زيادة (وبركاته) خلاف المشهور عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن كانت قد وردت عند أبي داود، قَال:" وَ زَادَ ابنُ حبَّان في روايته المشار إليها من طريق سفيان الثوري (وبركاته) وكذا زادها أبو العباس السَّراج من طريق الثَّوري ومن طريق إسرائيل … - ثم قال بعد أن أسندها بزيادة وبركاته- وهكذا أخرجه ابن حبَّان في (صحيحه)، عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وذكر فيه (وبركاته) ..".
      4- ما تقدَّم نقله أيضاً عن العلاَّمة الصَّنعاني من كتابه (سبل السَّلام) (1/395) بإثباته لها أيضاً في صحيح ابن حبان.
      فهذا ما رغبتُ التَّنبيه عليه والذَّبِّ عنه، مُبيِّناً ذلك كلّه بالأدلة مترسِّماً قول شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني رحمه الله (ت 728هـ):" العلمُ شيئان: إمَّا نقلٌ مصدَّقٌ، وإمَّا بحثٌ مُحقَّقٌ، وما سوى ذلك فهذيانٌ مزوَّقٌ" (الرَّد على البكري)(2/729).
      فالله أسأل بمنِّه وكرمه وجوده أنْ يوفقنا لما يحبُّه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

      المدينة النَّبويَّة
      كان الفراغ منها عام 1419هـ، ثم نظرتُ فيها وزدت بعض الزِّيادات في 21/4/1428هـ

      [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
      [CENTER]
      [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

      تعليق


      • #4
        الحلقة
        (4)

        التنكيل بما عند المليبارية من أباطيل

        لأبي جهاد سمير الجزائري

        بسم الله الرحمن الرحيم

        إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُهُ ونَستَعينُه ونستَغْفِرُه، ونَعوذُ بِالله مِن شُرورِ أنفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمَالِنا، من يهدهِ الله فَلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَه.
        وأَشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه-.
        وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه.
        أمَّـا بعـدُ:
        فهذا مختصر وجيز لكتاب " مصطلح منهج المتقدمين والمتأخرين مناقشات وردود " تصنيف فضيلة الشيخ محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله تعالى .
        أكملته في الثلث الأخير من ليلة الثالث عشر من محرم 1430هـ راجيا من المولى العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لي و لزوجتي و لكل المسلمين ما تقدم وما تأخر من ذنوبنا وأن يجعل هذا العمل عملا خالصا لوجهه الكريم متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول وأن يكتبني عنده من جنوده المنافحين عن دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
        مقدمة:
        1- قال احدهم و هو يبين الفارق بين المتقدمين و المتأخريين: "ولم يكن استثناء الحافظ ابن خزيمة والحافظ ابن حبان والحاكم من منهج النقاد إلا على ذلك الأساس. وأن هذا الاستثناء متفق لدى الجميع، مع بيان تفاوت مراتبهم في التساهل؛ فمعنى ذلك أنه من الضرورة استثناء كل من يسلك طريقة هؤلاء الحفاظ المعروفين بالتساهل في التصحيح والتضعيف، سواء كان متقدما أو متأخرا، وبأي مصطلح كان ذلك، والمهم هو عدم الخلط بين المناهج المختلفة في التصحيح والتضعيف، وقواعدهما ومعاني المصطلحات المنبثقة عنها - أقول: هذا غير مستقيم، وذلك لأن القضية قضية منهج عام عرف به أهل الحديث، وهذا المنهج العام يشمل تحته أهل الاعتدال فيه وأهل التشدد وأهل التساهل، خاصة إذا عرفت أن القضية نسبية في الوصف بالشدة أو التساهل، كما أن القضية يدخلها الاجتهاد من جهات، و لا أرى إخراج أمثال هؤلاء الأئمة من منهج أهل الحديث إلا من باب "تحجرت واسعاً"، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
        والإنصاف يقتضي أن هؤلاء الأئمة وأمثالهم هم على منهج المحدثين، وليسوا على منهج الفقهاء، وتساهلهم في بعض المسائل هو في حقيقته ما أداهم إليه اجتهادهم فيها، و لا تثريب عليهم فيه، ولنا حرية النظر فيما اختاروه وذهبوا إليه، فيعتبر بحسب الحجة والبرهان، والله المستعان.
        ثم انظر هل يقبل أحد – من أهل العلم - أن ابن خزيمة وابن حبان والحاكم - وهم من هم علماً و مكانة - أن يقال عنهم: إنهم يستثنون من منهج النقاد؛ بمعنى أنهم على منهج الفقهاء في مسائل علم الحديث، فهم من المتأخرين منهجاً، وإن كانوا متقدمين زماناً؟ هكذا حكماً عاماً مطلقاً باتاً!!
        هل هذا كلام يسيغه منصف يعرف حق العلماء : أهل الحديث؟!
        2- ما ذكره من أن استعمال مصطلح الفقهاء والمحدثين "يساعد على رسوخ خطأ فادح في نفوس الأجيال، ألا وهو الفصل بين المحدثين والفقهاء ، وأن المحدثين ليسوا فقهاء، هذا في الحقيقة نكران التاريخ. ثم إن ذلك يوهم أن المحدثين كانوا جميعا يمارسون النقد، وليس الأمر كذلك"
        - أقول : هذا غير مسلم، فلا زال أهل العلم يطلقون اسم الفقيه والمحدث، دون أن يخطر على بال أحد أن في ذلك ما يساعد على رسوخ أن المحدثين ليسوا بفقهاء. و لا زال أهل العلم يفصلون بين علم الفقه، وعلم الحديث، ولم يلزم من الفصل بين العلمين المساعدة على رسوخ الفصل بين الحديث والفقه، أو أن المحدثين ليسوا فقهاء. ففي هذا التبرير نظر كما ترى.
        بل لو قال قائل: إن إحداث هذا المصطلح (منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين) هو الذي أحدث مشكلة وبلبلة، لما أبعد؛ فإن المصطلح المتداول بين العلماء وطلبة العلم وهو (منهج الفقهاء ومنهج المحدثين)، لم يثر مثل هذه المشاكل، ولم يحدث ما أحدثه هذا المصطلح الجديد (منهج المتقدمين والمتأخرين) وبالله التوفيق. 3- وقوله : "ثم إن ذلك يوهم أن المحدثين كانوا جميعا يمارسون النقد، وليس الأمر كذلك.
        - أقول: هذا غير دقيق، لأن القضية قضية منهج ينسب إليه المحدث، سواء كان من النقاد أم لا، فأهل السنة هم أهل السنة علماء وعوام، و الملحوظ في المصطلح هو المنهج الذي يعرف به أهل الحديث، لا ما عليه أفرادهم. وهذا واضح إن شاء الله تعالى.
        4- زعم أن ابن حجر والذهبي استعمل مصطلح المتقدمين والمتأخرين بمعنى مصطلح المحدثين والفقهاء، - أقول : وهذا غير مسلم، فإنه بتأمل تلك المواضع التي استعمل فيها ابن حجر والذهبي وغيره من علماء الحديث لفظة (المتقدمين والمتأخرين) نجد أنهم إنما أرادوا مجرد التقدم والتأخر الزماني، لا بمعنى أن من وصف بأنه من المتأخرين فهو على منهج الفقهاء، ومن وصف بالمتقدمين فهو على منهج المحدثين، فليراجع من شاء تلك المواطن ليرى ما ذكرته واضحاً إن شاء الله تعالى. وقد سبق قبل قليل ذكر موطن من هذه المواطن التي جرى فيها استعمال لفظة (المتقدمين والمتأخرين) فإنه واضح في الدلالة على أن المراد المتقدم والمتأخر باعتبار الزمان لا بالمعنى الذي يريده هذا القائل من أن المتقدمين هم المحدثون، وأن المتأخرين هم الفقهاء!
        الخلاصة:
        1- أن لفظة (المتقدمين والمتأخرين) جاءت في عبارات العلماء بمعنى البعد الزماني، بدون أي شائبة اصطلاحية خاصة.
        2- أن استعمال لفظة (المتقدمين والمتأخرين) بمعنى غير البعد الزماني، هو مصطلح حادث؛ لم يجر استعماله عند العلماء بهذا المعنى الذي يستعمل به عند هؤلاء القائلين به.
        3- أن الذين استعملوا هذا المصطلح مرّ عندهم تحرير معناه المراد بأطوار، واستقر أخيرا على أن الفرق بين المتقدمين والمتأخرين هو في المنهج لا في الزمان.
        4- أن مما يقرره الواقع وجود منهجين في مسائل الحديث، المنهج الأول: هو منهج المحدثين، والمنهج الثاني: هو منهج الفقهاء والأصوليين.
        5- أن الفرق بين المنهجين واضح عند العلماء (أعني: منهج المحدثين ومنهج الفقهاء في مسائل الحديث)، ولم يثر عندهم يوماً هذه المشاكل، كل ما في الأمر أن ينظر في المنهجين ويقرر الصواب بحسب الدليل والبرهان.
        6- لم يرتب أحد من العلماء على هذا الفرق بين المنهجين اطراح كلام المتأخرين على الأحاديث.
        7- ولم يقل أحد: لا يصح الاعتماد في معرفة مسائل علم الحديث على كتاب ابن الصلاح، أو على كتاب ابن حجر العسقلاني نزهة النظر!
        8- ولم يقل أحد: باطراح منهج الفقهاء !
        أهم أدلتهم و تفنيدها:

        الشبهة الاولى:
        أن كلام الأئمة في الحكم على الأحاديث وعلى الرجال من باب الأخبار، وخبر الثقة يلزم قبوله، فكيف يصح أن يخالف المتأخرون ما قرره المتقدمون من أحكام الأحاديث أو أحكام الرواة؟
        جوابها:
        - أحكام الأئمة المتقدمين على الأحاديث هي مثل كلامهم على رواته سواء بسواء، وتوضيح ذلك من خلال تطبيقه على الحديث؛ فإن كلام أئمة الحديث على الأحاديث لا يخلو من أن يكون تصحيحاً منهم للحديث، أو تضعيفاً منهم للحديث، أو اختلافاً منهم في حكم درجة الحديث، فينتج لنا من ذلك الأقسام التالية:
        القسم الأول : أحاديث اتفقوا على تصحيحها.
        القسم الثاني : أحاديث اتفقوا على تضعيفها.
        القسم الثالث : أحاديث اختلفوا فيها.
        القسم الرابع : أحاديث لم نقف إلا على كلام بعضهم فيها.
        القسم الخامس : أحاديث لم نقف لهم على كلام فيها.
        فالقسم الأول والثاني لا تسعنا مخالفتهم؛ إذ هذا إجماع منهم؛ واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة
        وأمّا القسم الثالث فينظر ويرجح فيه بحسب القرائن! وهنا يوافق المتأخر قول بعض المتقدمين ويخالف قول آخرين و لا تثريب في هذه المخالفة على أحد؛ إذ هذا من مواضع الاجتهاد والحالة هذه.
        وأمّا القسم الرابع فإن انفرد إمام منهم بحكم على حديث، فلم نجد من يخالفه أو يوافقه، فلا يخلو الحال من أن يكون كلامه على طريق بعينه للحديث، أو مطلقاً؛
        ففي الحال الأولى لا مخالفة بين كلامه وبين ما تسفر عنه الدراسة لطرق ومخارج الحديث الأخرى، التي يشملها بكلامه!
        وفي الحال الثانية يقال: هذا الحكم منهم خبر مشوب باجتهاد، فإن تبين محل اجتهادهم نظر فيه بحسب القرائن، وإلا فإن الأصل أنهم أئمة لا يصدرون أحكامهم إلا عن علم؛ وأحكامهم أصلها أنها خبر والخبر من الثقة، إذا لم يعارضه غيره فإنه يجب اتباعه. وهذا مثل قضية الجرح المجمل في حق من لم يُوثق.
        وأما القسم الخامس فإن البحث عن درجة الحديث عن طريق دراسة الطرق والمخارج هو الأصل، وذلك بحسب ما تقرر في قواعد هذا العلم الشريف، والله الموفق.
        والخلاصة :
        1- أن كلام الأئمة في جرح وتعديل الرواة وفي أحكامهم على الأحاديث الأصل أنه خبر من ثقة يقبل خاصة إذا صرح بالعلة، و مالم يقم ما يخالفه؛ فإن ذلك يوجب النظر والترجيح بحسب ما تقرر في علوم الحديث؛ لأن كلامهم ليس بخبر محض بل يدخله الاجتهاد من الجهات السابقة(مذكورة في الكتاب)
        2- ومنه تعلم أن إطلاق القول باعتماد حكم لإمام من المتقدمين على حديث بناء على أنه خبر؛ إطلاق غير مطابق للواقع.
        3- وأن إطلاق القول بالاجتهاد في تطبيق قواعد علوم الأحاديث على أسانيد الأحاديث التي أجمعوا على صحتها أو ضعفها ؛ إطلاق هذا القول خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي الصحيح، واتباع لغير سبيل المؤمنين.
        4- وأن إطلاق القول بالاجتهاد في تطبيق قواعد علوم الأحاديث على أسانيد الأحاديث التي أجمعوا على صحتها أو ضعفها ؛ إطلاق هذا القول خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي الصحيح، واتباع لغير سبيل المؤمنين.
        فإن قيل : هل يمكننا اليوم أن نغير مرتبة راوٍ من المرتبة التي أنزله فيها أئمة الجرح والتعديل؟ نقول:
        الرواة لا يخرجون عن حالات أربع :
        الحال الأولى : رواة أجمع الأئمة على توثيقهم.
        الحال الثانية : رواة أجمع الأئمة على تضعيفهم.
        الحال الثالثة : رواة اختلف الأئمة فيهم.
        الحال الرابعة : رواة لم نقف للأئمة على كلام فيهم.
        ففي الحال الأولى والثانية نحن أمام إجماع لا يجوز خلافه!
        وفي الحال الرابعة يُعامل الراوي معاملة مجهول الحال أو العين بحسبه، و لا يمكننا الحكم عليه لأن العدالة الحديثية لابد فيها من ثبوت العدالة الدينية والضبط، وليس بإمكاننا إثبات ذلك أو نفيه، فيتوقف فيه، والنتيجة العملية لذلك أن يحكم بضعف خبره، لجهالة حاله أو عينه.
        وفي الحال الثالثة غاية ما نستطيعه هو تطبيق قواعد أهل العلم في ذلك،
        فتجمع بين أقوال الجارحين والمعدلين بأن من جرحه إنما جرحه في حال خاصة؛
        فمن جرح في روايته عن أهل بلد ما يقبل عند روايته عن غيرهم.
        ومن جرح في روايته عن شيخ ما يقبل عند روايته عن غيره.
        ومن جرح عند روايته من حفظه يقبل إذا روى من أصوله.
        أو ترجح أحد القولين على الآخر؛
        بتقديم الجرح المفسر على التعديل، إذا كان الجرح المفسر قادحاً.
        بإعمال الجرح المجمل في حق من لم ينص أحد على عدالته.
        بإثبات عدالة من عدل واشتهرت عدالته ولا تقبل فيه إلا الجرح المفسر إذا كان قادحاً.
        ونحو ذلك، فلا نخرج عن أقوالهم رحمهم الله!
        فإن قيل: ألا نستطيع نحن اليوم أن نجمع مرويات الراوي ونعيد النظر في وصف مرتبته؟
        فالجواب : جمعنا اليوم لمرويات الراوي فيه قصور؛ لأننا لا نستطيع أن نزعم أننا جمعنا جميع أصوله ومروياته ومرويات تلاميذه وأقرانه وشيوخه، غاية ما في الأمر أننا جمعنا حديثه الذي وقفنا عليه في هذه الكتب، وهذا لا يدل على أنه كل أو أغلب حديث الراوي حتى يبنى عليه شيء.
        فإن قلت: وما دخل هذا جميعه في الحكم على الراوي؟
        فالجواب : الأئمة يصدرون حكمهم على الراوي بعد دراسة ذلك جميعه، وتفصيل ذلك: أن الأئمة يأتون ويجمعون حديث الرجل عن شيخ، ويقابلوه بحديث الثقات عن ذلك الشيخ، فإن وجدوا مخالفة نظروا هل هذه من الراوي نفسه موضوع الدراسة أو هي من غيره، فاحتاجوا إلى النظر في مرويات أقرانه عن هذا الشيخ، وينظرون في أصول السماعات للشيوخ الذين يروي عنهم هذا الراوي، فتراهم يقولون: هذا الراوي يروي عن فلان أحاديث لا تشبه أحاديثه، أو يقولون: هذا الراوي يروي عن فلان أحاديث لم نجدها في أصوله.

        الشبهة الثانية:
        أن المتأخرين وضعوا اصطلاحات لم تأت في كلام المتقدمين، وأدخلوها في مباحث علوم الحديث، كما تراهم في (المتواتر) حيث أدخلوه في كتب المصطلح وهو ليس منه.
        جوابها:
        - لم يدخل المتأخرون شيئاً في علوم الحديث وهو خارج عنه، وكل الدعوى منحصرة عندهم في قضية المتواتر، وأنه نوع أدخله المتأخرون في علوم الحديث وهو ليس من مباحثه؛ وللجواب على هذه الدعوى أقول:
        أولاً : إنما ذكر المتأخرون المتواتر في علوم الحديث من أجل إيضاح القسمة، لا أنه نوع مستقل من أنواع علوم الحديث، فهم يذكرونه لما يتكلمون عن هيئة نقل الأسانيد إلينا، فمنها ما ينقل عن طريق الآحاد ومنها ما ينقل عن طريق المتواتر.
        ثانياً : وهم لمّا يذكرون المتواتر ينصون على أنه ليس من مباحث علوم الحديث، فكيف يلامون على شيء تبرؤوا منه ونصوا على أنه ليس من مباحث الفن؟!
        ثالثاً : مجرد إيراد معلومات عن أمر له علاقة بعلم الحديث ليس معناه إدخاله في مباحث هذا العلم، وهذا أمر ظاهر لا أظن أنه محل شك في قبوله! فكيف يجعل مجرد ذكرهم لهذه الأمر أو غيره أنه إدخال في مباحث العلم ما ليس منه؟!
        الشبهة الثالثة:
        أن المتأخرين حرروا الاصطلاحات على أساس المنطق اليوناني، فراعوا شروط التعريف عند المناطقة ومشوا على صناعة الحدود، ليكون التعريف بزعمهم جامعاً مانعاً؛ وهذا جر المتأخرين إلى إحداث معاني للمصطلحات تخرج عن كلام المتقدمين الذين عنهم يؤخذ هذا العلم ومن كلامهم يستفاد، و لا نصل إلى سعة دائرتهم في معرفة طرق الحديث وعلله، فكيف يصح الخروج عن معاني كلامهم في هذا العلم؟ ومن الأمثلة على ذلك كلامهم على الشاذ، فإن ابن الصلاح ومن جاء بعده قصروه على تعريف الشافعي بينما هو في كلامهم أوسع من ذلك.
        جوابها:

        هنا أول قضية وهي قضية التعريف، فبأي تعريف يُقدّم النوع الحديثي للطالب المبتدي؟
        فهل يقدّم على أساس التعريف المستفاد من كلام ابن معين رحمه الله ، أو على أساس التعريف المستفاد من كلام ابن مهدي رحمه الله، أو على أساس كلام أحمد بن حنبل رحمه الله، أو غيرهم من أئمة الحديث؟
        وهل يورد في النوع الحديثي كلامهم هكذا بدون تحرير لوجهه، هل هو من باب التقعيد العام، أو من باب الضابط لقضية خاصة تتعلق برواية بعينها؟
        وهل هذا التعريف متفق عليه بين الأئمة أو هو رأي خاص يخالفه فيه غيره؟
        و هذه القضايا كلها واجهت الخطيب البغدادي رحمه الله، فكان ينظر في كلامهم محرراً كل ذلك على أساس اعتبار هدف العلم وغايته أصلاً ينطلق منه في اختيار التعريف للنوع الحديثي، فهدف العلم وغايته طلب التمييز بين الصحيح والسقيم من الحديث، وبناء على هذا الأساس اختار التعريف لكل نوع خاصة في كتابه "الكفاية"، وهذبه وقربه ونقحه ابن الصلاح رحمه الله في كتابه "أنواع علم الحديث" فالواقع أنهم لاحظوا في التعريف ما ينسجم مع مقصد العلم بحسب ما عليه اتفاق أهل الحديث أو جمهورهم، مع الإشارة إلى التعاريف الأخرى وبيان وجهها بل ونقدها أحياناً.
        تنبيه:
        إن النظرة العجلى إلى كتاب ابن حجر (نخبة الفكر) قد تورد اعتراضاً على الحافظ أنه تحكم في مصطلح أهل الحديث، فهو يختار تعريفاً ويعلله بأنه به يحصل التمييز والتفريق بين الأنواع وعدم تداخلها!
        والحقيقة أن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم يتحكم، وكيف له أن يغير أو يبدل تعريف لمصطلحات من عند نفسه، ولأثبت لك هذا تأمل معي هذه النقاط:
        1- لم يأت بتعريف لنوع حديثي من عند نفسه، إنما اختار من ما جاء عن الأئمة رحمهم الله.
        2- لا حظ في اختياره ما يحصل به التمييز بين الأنواع. ولم ينف التعاريف الأخرى للنوع.
        3- أنه اعتبر هذا العمل من نخبة فكره لإعطاء صورة النظرية المتكاملة لعلوم الحديث، فهو من عنوان الكتاب ينسب هذا لنخبة فكره.
        كما ان قصور بعض الناس في عرض هذه القضية أحدث خللاً في فهم واقع علم الحديث، وجعل بعضهم يطالب بالتخلي عن كتب المتأخرين (زماناً) في المصطلح لأنها لا تمثل واقع العلم!!
        الشبهة الرابعة:
        نص الأئمة على وجود مفارقة بين منهج الفقهاء والمحدثين في أوصاف الخبر المقبول والمردود، ولكل فريق أصوله في التعليل التي لا تتفق بينهما تماماً، والملاحظ أن كثيراً من المتأخرين يقررون أقوال الفقهاء والأصوليين في علوم الحديث، والواقع أن بين المنهجين مفارقة، فليس كل ما يرد به الخبر عند المحدثين هو علة يلزم منها ذلك عند الفقهاء.
        جوابها:
        ينبغي ملاحظة الأمور التالية :
        1) أن من المقرر وجود مفارقة بين منهج المحدثين ومنهج الفقهاء والأصوليين في صفات قبول الخبر ورده.
        2) أن هناك أقوالاً لأهل الحديث في كثير من مسائل علم الحديث قد لا تكون مشهورة أو معتمدة تتفق مع ما هو المختار عند الفقهاء والأصوليين؛
        وقد يظهر لبعض العلماء باجتهاده الخاص رجحان قول في مسألة حديثية خلاف القول المعتمد الراجح عندهم، فلا ينبغي أن يقال عن المحدث إذا قال بهذا القول: إنه خرج عن ما عليه أهل الحديث، لأنه في الحقيقة أخذ بقول بعضهم، و لا يضره أن يكون هذا القول هو المعتمد عند الفقهاء والأصوليين!
        3) أن بعض الناس يظن للمتقدمين مذهباً في مسألة والواقع خلافه.
        4) أن بعض تصرفات المتأخرين معدودة من التساهل أو الخروج على منهج المحدثين، والواقع خلافه.
        5) ينبغي أن تعلم أن ما قرره المتقدمون في مسائل علم الحديث ليس وحياً ملزماً، فلو ظهر للعالم بهذا العلم المتأهل للنظر فيه رجحان قول في مسألة من مسائله خلاف ما يُظن قولاً لإمام من الأئمة، فلا مانع يمنع من ذلك، ما دام الأمر منوط بالحجة والبرهان.
        الشبهة الخامسة:
        وهو تساهل المتأخرين في تطبيق قواعد علم الحديث، فتراهم يقوون الأحاديث الضعيفة، بطرق ما جرى عليها المتقدمون، بل هم يقوون الأحاديث بتعدد الطرق، وهذا شيء لا يوجد عند المتقدمين، فإن المنكر منكر أبداً كما قال أحمد بن حنبل رحمه الله .
        بل هم يتساهلون في علل الحديث فبعض ما كان علة عند المتقدمين ليس بعلة عند المتأخرين، كالتفرد، و الزيادة من الثقة التي يطلقون القبول بقبولها.
        جوابها:
        أن من المقرر حصول تساهل لدى بعض العلماء في تطبيق مسائل الحديث، وخاصة في باب تقوية الحديث الضعيف، وفي باب العلل الحديثية.
        وهذا التساهل يلاحظ فيه ما يلي:
        1: أنه أمر نسبي، فما كان تساهلاً بالنسبة إلى فلان مثلاً، قد يكون تشدداً بالنسبة إلى فلان. وقد يكون القول تساهلاً من جهة ومن جهة أخرى فيه تشدداً.
        2 : أن التساهل لم ينج من الوصف به حتى بعض الأئمة من المتقدمين، سواء منهم من كان في القرون الثلاثة، أم من جاء بعدهم كابن خزيمة وابن حبان والحاكم رحمهم الله.
        و لا ينفع القول: إن المراد بالمتقدمين من عرف بالتشدد أو الاعتدال في لزوم المنهج؛ لأن هذا الوصف أمر نسبي، فالإمام الواحد الموصوف بالاعتدال وعدم التساهل والتشدد، قد يقع وصفه في قضية بالتساهل وفي أخرى بالتشدد.
        3 : قضية التساهل في تطبيق مسائل المصطلح هي كقضية التساهل الموجود عند بعض الأئمة في الجرح والتعديل، فكما أن هؤلاء الأئمة – رغم تساهلهم – لم يطرح قولهم، وإنما يستفاد منه، ويعتمد في مواطن، كذا هنا.
        4 : التساهل في التطبيق له حالتان :
        الأولى : التساهل بحيث يجعل الحديث الصحيح ضعيفاً، والضعيف صحيحاً.
        والثانية : التساهل الذي لا يترتب عليه إلا تغيير في مسمى الحديث.
        والحالة الأولى هي الخطيرة، ولكن وجودها ليس كثيراً فيما نسب إليه المتأخرون من تساهل، والله اعلم.
        الشبهة السادسة:
        بعض الناس يقول: إن المتقدمين لا يقوون الحديث الضعيف بتعدد الطرق التي بمثله أو دونه.
        وبعضهم ينسب تقوية الحديث الضعيف شديد الضعف التي جرى عليها بعض المتأخرين إلى التساهل والخروج عن ما عليه أهل الحديث.
        جوابها:
        1- قال سفيان الثوري (ت161هـ) رحمه الله : "إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه:
        أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا .
        وأسمع الحديث من الرجل أوقف حديثه [اعتبر به].
        وأسمع من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته".

        2- الامام أحمد سئل عن كتابة أحاديث الضعفاء قال: "قد يحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتابة عنهم باساً".

        3- ما أطلقه بعضهم من أن المتقدمين لا يقوون الحديث الضعيف بتعدد الطرق، غير مسلم، والواقع أن لهم في كل حديث نظر خاص، فقد يتقوى عندهم حديث ما بتعدد طرقه، وقد لا يتقوى عندهم حديث آخر بتعدد طرقه، لا منعاً للتقوية بتعدد الطرق، ولكن لما قام لديهم من النظر الموجب عدم التقوية في هذا الحديث على خصوصه دون الآخر.
        4-الإمام الشافعي (ت204هـ) رحمه الله من أئمة المتقدمين الجامعين بين الإمامة في الفقه والحديث، قرر تقوية الحديث المرسل وهو من نوع الضعيف بتعدد الطرق
        5- عن أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله : "ابن لهيعة ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار و الاستدلال، إنما قد أكتب حديث الرجل كأني استدل به مع حديث غيره يشدّه لا أنه حجة إذا انفرد"
        وقال رحمه الله: "ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب اعتبر به، ويقوِّي بعضه بعضاً".
        وقال أيضاً رحمه الله، لما ذكر له الفوائد: "الحديث عن الضعفاء قد يحتاج إليه في وقت، والمنكر أبداً منكر".
        وفي رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري: "قيل له (يعني: لأحمد بن حنبل) فهذه الفوائد التي فيها المناكير، ترى أن يكتب الحديث المنكر؟
        قال: المنكر أبداً منكر.
        قيل له: فالضعفاء؟
        قال: قد يحتاج إليهم في وقت، كأنه لم ير بالكتاب عنهم باساً"
        عن أحمد بن أبي يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول: "أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها".
        6- بل نص الترمذي رحمه الله على تسمية حديث من لا يتهم إذا روي من غير وجه ولم يكن شاذا بأنه حديث حسن عنده.
        قال الترمذي (ت279هـ) رحمه الله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى:
        لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب.
        ولا يكون الحديث شاذا .
        ويروى من غير وجه نحو ذلك.
        فهو عندنا حديث حسن"
        7- من ذلك ما تراه من وصف بعض الأئمة حديثاً بالحسن مع تصريحه بأن الحديث منقطع، وذلك لأن للحديث شواهد، كما يصنعه الترمذي في مواطن من سننه.
        8- قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "ورأيت لأبي عبدالرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثاً من رواية أبي عبيدة عن أبيه ثم قال: أبوعبيدة لم يسمع من أبيه إلا أن هذا الحديث جيد.
        وكذا قال في حديث رواه من رواية عبدالجبار بن وائل بن حجر: عبدالجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد.
        وبهذا التقرير تعلم صواب ما ذكره الزركشي رحمه الله من شذوذ ابن حزم رحمه الله في ما ذهب إليه من منع التقوية بتعدد طرق الحديث مطلقاً.
        9- في الاختيارات الفقهية لابن تيمية بعد إيراده لآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ قال: "فعلينا التبين والتثبت إذا جاءنا خبر الواحد، ولم نؤمر به عند خبر الفاسقين، وذلك أن خبر الاثنين يوجب من الاعتقاد ما لا يوجبه خبر الواحد، أمّا إذا علم أنهما لم يتواطآ فهذا قد يحصل به العلم".
        فهذا مسلك من مسالك العلم غير ما جاء عن طريق الأثبات الثقات، ومن ذلك أن الله عزوجل جعل شهادة المرأة الواحدة على النصف من شهادة الرجل، كما تقدم. فليس هناك دليل يحتم أن لا يستفاد العلم إلا عن طريق خبر الثقة عن مثله، بل من مسالك العلم بالأخبار أن يحتف الخبر الضعيف سنداً بقرائن تدل على ثبوته، فيجب العمل به، وقد يوجب العلم.
        وكل ما يحتاج إليه المسلمون من أمور الدين فإن الله تعالى نصب الأدلة على بيان ما فيه من صحيح وغيره.
        10- حفظ الله لهذا الدين لا يلزم منه أن لا يثبت إلا برواية العدل الضابط عن مثله، إذ لا دليل على هذا في الشرع، بل حتى العقل يقضي بأن يثبت بخبر الضعيف إذا احتفت به قرائن ما يثبت بخبر العدل الضابط عن مثله؛ وذلك أننا إنما رددنا خبر الضعيف عند انفراده ولم نرده إذا عضده غيره، إذ بهذه الهيئة المجموعة (من خبر الضعيف وما احتف به من القرائن ومنها المتابعات) يكتسب الخبر قوة قد لا يحصلها خبر الثقة المنفرد.
        11- ما تجده في كتب العلل والتخريج من عدم تقوية بعض الأئمة لأحاديث رغم تعدد طرقها، ليس هذا منهم طرحاً لتقوية الحديث بتعدد الطرق، ولكنه منهم بياناً أن ليس كل حديث تعددت طرقه يتقوى بذلك، فقد تتعدد طرق الحديث و لا يتقوى لمانع قام يمنع من ذلك، وقد تتعدد طرق الحديث وتتقوى لعدم قيام المانع، وقد يكون قام ما يوجب حصول هذه القوة ويوجبها.
        12- لا يقولن قائل: عدم تقوية الحديث الضعيف بتعدد الطرق، أحوط للسنة من أن يدخل فيها ما ليس منها؛ لأننا نقول : اتخاذ جانب الحيطة ينبغي أن يكون من جهتين : أن لا يدخل في السنة ما ليس منها، وأن لا يخرج منها ما هو فيها، فليست الحيطة بإدخال ما ليس من السنة فيها، بأهم من الحيطة بعدم إخراج ما هو من السنة منها، فلابد من الاحتياط على الجهتين، واتخاذ الحيطة في جانب واحد للسنة لا يكفي؛ بل هو ضياع لبعض ما هو منها!
        13- قال ابن تيمية رحمه الله: "إن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول لكن هذا ينتفع به كثيرا في علم أحوال الناقلين، وفى مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيىء الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك؛ ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح لغيره.
        14- وقال ابن تيمية رحمه الله: "وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ويكون حديثه إذا الغالب عليه الصحة لأجل الاعتبار به والإعتضاد به فإن تعدد الطرق وكثرتها يقوى بعضها بعضا حتى قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط".
        15- يعترض بعض من لم يتنبه لهذا المسلك على الأئمة بتقويتهم للحديث مع الضعف الشديد في طرقه، والواقع أنهم إنما أرادوا إثبات أصله، وقصته لا ذات ألفاظه.
        ثالثاً : شروط تقوية الحديث الضعيف يسير الضعف تقوية تخرجه عن حيز الرد إلى حيز القبول:
        يتقوى الحديث الضعيف يسير الضعف بتعدد الطرق، بالشروط التالية:
        الأول : أن يكون الضعف يسيراً، فلا يكون في السند متهماً بالكذب و لا من هو في درجته و لا من هو أسوأ من باب أولى.
        الثاني : أن يكون المتابع مساوياً للضعيف في درجته أو أعلى منه.
        الثالث : أن تتعدد الطرق تعدداً حقيقياً في محل الضعف، بحيث ينتفي عنه التواطؤ والخطأ.

        قال أبو عيسى الترمذي (ت279هـ) رحمه الله، حينما عرّف الحديث الحسن عنده، وهو الحديث الحسن لغيره عند المتأخرين، قال : "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا: كل حديث يروى:
        لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب.
        ولا يكون الحديث شاذا .
        ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن".
        16- قول ابن رجب (ت795هـ) رحمه الله عن حديث: "لا ضرر و لا ضرار"، بعد أن ذكر طرقه، وأنه لم يسند من وجه صحيح: "فهذا ما حضرنا من ذكر طرق أحاديث هذا الباب، وقد ذكر الشيخ رحمه أن بعض طرقه تقوى ببعض، وهو كما قال.
        17- قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبدالله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قوتها.
        18- قال الجوزجاني : إذا كان الحديث المسند من رجل غير مقنع (يعني: لا يقنع بروايته) وشد أركانه المراسيل بالطرق المقبولة عند ذوي الاختيار؛ استعمل واكتفي به، وهذا إذا لم يعارض بالمسند الذي هو أقوي منه.
        18- استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وقال: قال النبي  : "لا ضرر ولا ضرار".
        19- وقال أبو عمرو بن الصلاح : هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه ومجموعها يقوّي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم، واحتجوا به .
        20- قال أبو داود: "إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها" يشعر بكونه غير ضعيف والله أعلم" قاله ابن رجب في جامع العلوم.
        21- تساهل بعض المتأخرين في تطبيق هذه الحال لا يعني ضعف المسلك و لا رده، فإن المتأخرين لم يخرجوا في تقرير هذا المسلك عن كلام المتقدمين، ووقوع التساهل في تطبيقه من بعضهم لا يبرر اتهامهم بأن منهجهم في علوم الحديث خلاف ما قرره المتقدمون بل الحال كما ترى خطأ في التطبيق لا خطأ في التأصيل، إذ المنهج عند المتقدمين والمتأخرين واحد. ومن صور التساهل في تطبيق هذا المسلك:
        - أن يقوى الحديث بجميع ألفاظه بتعدد الطرق دون ملاحظة أن التقوية إنما تكون للفظ المشترك في هذه الطرق دون ما انفرد به طريق ضعيف منها دون متابع.
        - أن يقوى الحديث إلى درجة الحسن لغيره، مع أن أسانيده ضعيفة جدا، فلا يترقى منها إلى حيز القبول، غايته أن يخرج عن شدة الضعف إلى حيز الضعيف القابل للمتابعة، بحيث يتقوى إلى الحسن لو جاءت متابعة صالحة له.
        - أن يقوى الحديث بتعدد الطرق إلى درجة الحسن لغيره مع أن بعض طرقه هي من قبيل الخطأ والشذوذ التي لا يحصل بها التقوي.
        - أن يقوى الحديث بتعدد الطرق مع أن الحديث لم تتعدد طرقه تعدداً حقيقياً.

        الخلاصة:
        -: أن تقوية الحديث بالمتابعات تارة يحصل منها تقوية أصل الحديث وقصته دون ألفاظه ودقائقه، وهذا ما ينتج عن تقوية الحديث شديد الضعف بحديث يسير الضعف، أو عن تقوية الحديث شديد الضعف بطريق آخر شديد الضعف. ومنها ما يحصل منه تقوية ألفاظ الحديث ودقائقه، وهذا ما ينتج عن سائر صور تقوية الحديث الضعيف.
        - وأن للعلماء رحمهم الله شروطاً وقيوداً لابد من ملاحظتها عند تقوية الحديث الضعيف، يؤدي ترك مراعاتها إلى الخلط والخطأ في تقوية الحديث الضعيف بالمتابعات.
        - وأن المتأخرين يسيرون في ذلك على ما اختطه المتقدمون، و لا يخالفونهم في شيء، غاية ما في الأمر أنه قد يقع التساهل من بعضهم في التطبيق، و هذا لا يبرر نسبتهم إلى مخالفة ما عليه المتقدمون، إذ إن الخطأ في التطبيق لا يعني الخطأ في التأصيل.
        وأن ترك ملاحظة حالات تقوية الحديث بالمتابعات توقع في اللبس في فهم تصرفات أهل العلم .

        وأمّا مسألة علل الحديث، فلأنبه على ما يلي:
        أولاً : إن التساهل في تطبيق قواعد علم الحديث ينبغي أن تتناول على أساس أنها قضايا فردية لبعض العلماء أو حتى في بعض الكتب للعالم دون جميع كتبه، مع ملاحظة أن قضية التساهل قضية لم يسلم منها حتى بعض المتقدمين كابن حبان والحاكم رحمهما الله.
        ثانياً : أخطر أنواع التساهل في تطبيق كلام الأئمة هو ما يترتب عليه تصحيح ما هو ضعيف أو تضعيف ما هو صحيح، كأن يعل أهل الحديث رواية الحديث عن صحابي بعينه، إعلالاً يلزم منه ضعف الحديث عنه، فيأتي من يحسن الحديث عن هذا الصحابي لأن لمتنه شواهد عن صحابي آخر، فهذا التحسين لم يلاحظ فيه تصريح أهل الحديث بعدم صحة الحديث عن هذا الصحابي بعينه، مما يقتضي صحة المتن دون صحة نسبته إلى هذا الصحابي الذي أعل الحديث أهل الحديث من طريقه
        وتصحيح النسبة هو المقصد الأصلي للمحدث، فالعلل التي يلزم منها الخلط في تصحيح النسبة، هي أخطر ما يكون، أمّا العلل التي لا يلزم منها ذلك فالخطب فيها أخف ووقعها أسهل، والله اعلم.
        نقض الاعتراض على كتاب نزهة النظر
        من المسالك التي سلكها بعض القائلين بمنهج المتقدمين والمتأخرين: الدعوة إلى إعادة كتابة وتقعيد قواعد المصطلح، بحجة ما أسماه: تطوير المصطلحات.
        وقد ركز الهجوم هذه المرة على كتاب "نزهة النظر" لابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، فنسب إليه أنه في مواضع من كتابه هذا قام بتطوير المصطلحات.‍
        وقضية تطوير المصطلحات التي يرمي بها بعضهم الإمام ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله، يُعْنى بها: "تغيير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، لأي غرض يظنه ذلك المُغير حسناً"‍؛
        فهل يصح أن يقال: إن ابن حجـر غيّر معاني المصطلحات الحديثية عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً لأي غرض؟
        لنأخذ الآن في ذكر الأمور التي ذكرها المعترض على ابن حجـر لبيان وتوضيح الحق الذي يعتقده في تبني الحافظ ابن حجـر رحمه الله لـ (فكرة تطوير المصطلحات)! فمن ذلك:
        1ـ أنه قسم الأخبار إلى متواتر وآحاد.
        2ـ أنه حصر العزيز فيما لم يروه أقل من اثنين عن اثنين، والمشهور فيما رواه ثلاثة فصاعداً ما لم يبلغ حد التواتر، مع أن الذي قرره ابن الصلاح (ت643هـ) متابعة لأبي عبدالله ابن مندة (ت301هـ) رحمه الله وهو من أهل الاصطلاح : أن العزيز ما رواه اثنان أو ثلاثة.
        3ـ أنه حصر مصطلح (المرسل) فيما سقط من آخره من بعد التابعي، و (المنقطع) ما سقط من أثنائه واحد، أو أكثر بشرط عدم التوالي. وذكر أن هذا التغاير عند إطلاق الاسم وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط!
        4ـ اقتصر في تعريف العلة على العلة الخفية القادحة، مع أن المحدثين يستعملونها في القادحة وغير القادحة، وفي الظاهرة وغير الظاهرة!
        5ـ فرق الحافظ بين (المنكر) و (الشاذ)، مع أن ابن الصـلاح لم يفرق!
        6ـ ادّعى الحافظ أن مقابل (الشاذ) (المحفوظ), ومقابل (المنكر) (المعروف), وكتب العلل مليئة بإطلاق المحفوظ والمعروف دون التفات إلى هذا التقسيم أو اعتباره. ‍‍‍‍
        7ـ قصر الحافظ مختلف الحديث في الحديث المقبول الذي عارضه مثله معارضة ظاهرية وأمكن الجمع، كذا بقيد إمكان الجمع، كما هو واضح من كلامه.
        علماً بأن ابن الصـلاح وابن قتيبة والشافعي استعملوا هذا المصطلح فيما أمكن فيه الجمع أو لم يمكن فيه وقيل فيه بالترجيح أو بالنسخ. وأعلن المعترض على ابن حجـر: أن (مختلف الحديث) ليس من مصطلحات أقسام الحديث، التي كان يعبر بها عن حال المروي كـ (الصحيح) و(الضعيف) ونحوهما، وإنما هو اسم لمصنفات في شرح أحاديث شملتها صفة واحدة، هي: وقوع اختلاف أو تناقض بينها وبين غيرها من كتاب أو سنة أو عقل صحيح، لتزيل إشكال ذلك الاختلاف وحرج ذاك التناقض. ‍
        8ـ تفريقه بين المرسل الخفي والتدليس.
        9ـ تفريقه بين مسمى الطعون في أحاديث الرواة.
        10ـ تفريقه بين المصحف والمحرف.
        هذه عشرة أمور ذكرها بعضهم لتبيين أن الحافظ ابن حجـر رحمه الله كان متبنياً فكرة (تطوير المصطلحات).
        والحقيقة إن هذه القضية فيها نظر كبير، و هي قضية غير واضحة عند من يثيرها، إذا لوحظت الأمور التالية:
        أولاً : أن الاصطلاحات التي يذكرها ابن حجر (ت852هـ) إنما هي لمعانٍ معروفة، دون أدنى تغيير منه لمعنى مصطلح الأئمة أو إحداث معنى يحمله عليه!
        ثانياً : ليُعْلم أن ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله ـ حسب ما يظهر ـ إنما اصطلح في قضايا تتداخل بعضها في بعض وتتشابك فيها عبارات الأئمة، أو فيها أكثر من قول، فاختار رحمه الله أحد هذه الأقوال وجعله المراد بالمصطلح، ليحصل التمايز والتباين بين الأنواع، دون مساس لمعنى المصطلح عند الأئمة بل بمراعاته! وذلك لإعطاء الهيئة الكلية للعلم، من نخبة فكره ونظره، ولم يزعم أن المصطلح استقر على ما ذكره، و لا حصر معاني المصطلحات فيما أورده.
        ثالثاً : كلمة (مصطلح أهل الأثر) عَلَم على مسائل الدراية المتعلقة بالأحاديث، تصحيحاً وتضعيفاً، وبرواة الحديث جرحاً وتعديلاً، وليس المراد بها أن هناك مصطلحاً عاماً مقرراً لدى العلماء المتقدمين وجاء ابن حجـر ورمى به ولم يلتفت إليه وغيّر معاني مصطلحاته، بل الحال كما قدّمت لك في أوّل هذا الفصل، ولعل هذا الواقع يلقي الضوء على سبب تسمية هذا العلم بمصطلح الحديث، وذلك لغلبة الاصطلاحات الخاصة فيه من كلام المتقدمين.
        ومحاولة وضع الاصطلاح العام في كلام المتأخرين، إنما هي لتقريب العلم، لا لحصر المصطلحات فيما أوردوه، كيف هذا والواقع أن عبارات الأئمة لا تتطابق مع كل ما عرفوا به الأنواع الحديثية؟
        فالقضية في النهاية تدور حول تحديد مصطلح ما وتحديد المراد منه! لا أن هناك مصطلحاً عاماً مستقراً جاء ابن حجـر وخرج عليه، أو حاول أن يقرر غيره!
        وواقع الحال هذا كما ترى، يصيح بقوة في نفي تهمة التحكم أو التطوير للمصطلحات عن ابن حجـر ومن قبله ابن الصـلاح رحم الله الجميع!
        الرد المجمل:
        الأول : لا أعتقد عصمة أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا أعتقد عصمة ابن حجـر رحمه الله حين الدفاع عنه، و لا قدسية كتابه (نزهة النظر)؛ إنما قصدي تقرير ما يظهر لي أنه الحق والصواب فلا اعتقد من البداية أن الصواب كله مع ابن حجـر، أو الباطل كله في كلام المعترض عليه، وسأبذل كل جهدي ـ إن شاء الله ـ في طلب الحق والدوران مع الدليل حيث دار؛ سائلاً الله عزوجل سلامة القلب والتوفيق والهدى والرشاد والسداد!
        الثاني : أن هذا المعترض على الحــافظ له علينا حق، بل حقوق منها الأخذ على يده إذا ظلم، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ".
        الثالث : أن الدفاع والذب عن ابن حجـر رحمه الله حمية ليست حمية جاهلية، ولكنها حمية لرجل من أهل الحديث وأهله، قام بجهود مشكورة في شرح صحيح البخــاري، فأسقط عن الأئمة ديناً تعلق برقبتها لحق هذا الإمام، ومن حق ابن حجـر علينا الذب عنه، وبيان حجته، ونقض الاعتراض عليه، والانتصاف له، فيما نظن أنه الحق!
        وتبرئة لساحته رحمه الله من وصفه بأن لبعض كتبه في مواضع منها أثراً مدمراً لعلوم الحديث، ومنهجاً غريباً على علوم السنة.
        علماً بأن ابن حجر رحمه الله تعالى نادى مبيناً جلالة المتقدمين في هذا الفن وعلو كعبهم في هذا العلم، ومن ذلك قوله رحمه الله: "وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم ، وقوة بحثهم ، وصحة نظرهم ، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه" .
        وقال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله: "متى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه.
        بل وتجده (أعني: ابن حجر رحمه الله) يفصِّل النقل، فيميز مذاهب المحدثين عن الفقهاء والأصوليين، فيقول: "إنما أراد بإيراد هذا بيان أن الأصوليين لم يطبقوا على القول مطلقاً بل الخلاف بينهم. وسأحكي - إن شاء الله تعالى - كلام أئمة الحديث وغيرهم في ذلك ، في النوع السادس عشر".
        فهل هذا كلام ينسب صاحبه إلى (تغيير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً)؟! .
        وهذا ابن أبي حاتم يضع مراتب الجرح والتعديل، ولم يسبقه أحد إلى ذلك، على الوضع الذي ذكره!
        بل تجد في بعض كلامه ما لا ينطبق على كلام جميع الأئمة المتكلمين في الرجال إنما على كلام بعضهم فقط، فقد ذكر من الألفاظ في كل مرتبة ما لا يتفق مع عباراتهم وألفاظهم جميعاً!
        فهل يصح أن يقال: إن ابن أبي حاتم بصنيعه هذا قد دخل في تطوير المصطلحات؟
        المناقشة التفصيلية للمعترض على النزهة:
        أنه قسّم الأخبار إلى متواتر وآحاد
        وتوضيح هذا الاعتراض : أن المتواتر ليس من مباحث علم الحديث، فلم أدخله فيه؟!
        و الجواب:
        أولاً : أن الحافظ نص على أن المتواتر ليس من مباحث علم الحديث؛ وذلك حيث قال الحافظ ابن حجـر (ت852هـ) رحمه الله في النزهة : "وإنما أبهمت شروط المتواتر في الأصل (يعني: في متن نخبة الفكر) لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد؛ إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يُترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث".
        فهل يلام الحافظ على شيء بينه، وتبرأ من عهدته، وإنما أورده لأمر اقتضاه التأليف؟
        ثانياً : أين "تغيير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، لأي غرض يظنه ذلك المُغير حسناً"‍؟!
        هل فيما صنعه ابن حجـر رحمه الله في ذكره للمتواتر وتصريحه أنه ليس من علم الحديث؛ تطوير للمصطلحات؟!
        ثالثاً : قضية وجود الحديث المتواتر أو عدم وجوده ليست هي موضوع البحث هنا، ولنفترض ـ تنزلاً في الحوار ـ أن الحافظ أخطأ في شيء مما قاله حول المتواتر، فهل يكون في هذا تطوير للمصطلحات؟
        رابعاً : إنكار وجود المتواتر في الحديث خلاف ما جرى عليه أهل العلم وتداولوه فيما بينهم! نعم الصواب في المسألة أن لا يحد للتواتر عدد معـين. وأن لا تحصر إفادة العلم على مجرد هذه الهيئة الخاصة.
        خامسا:
        إذا قيل : ما محل ما نسمعه من أهل العلم من أن تقسيم الأخبار إلى آحاد ومتواتر لم يكن من علوم السلف، وأنه مما دخل إلى الثقافة الإسلامية تأثراً لمناهج المدرسة العقلية اليونانية؟
        فالجواب : لم ينكر العلماء رحمهم الله ما تقدم ذكره في النقطتين السابقتين، فهم لم ينكروا تنوع طرق النقل للأخبار، وهذا أمر واقعي عندهم، ولم ينكروا تفاوت الأخبار في إفادتها للعلم، وهذا أمر بدهي عندهم، إنما أنكروا الأمور التالية :
        1- أنكروا حصر إفادة العلم على المتواتر، وذلك أن أتباع المدرسة العقلية الذين ساروا على خطى المدرسة اليونانية حصروا إفادة العلم على المتواتر، فعندهم أن خبر الآحاد يفيد الظن مطلقاً، والمتواتر يفيد العلم مطلقاً. أمّا جمهور أهل العلم من أهل المذاهب الأربعة فقالوا: العلم قد يستفاد من المتواتر، وقد يستفاد من قرائن أخرى، منها ما يرجع إلى صفات النافلين، ومنها ما يرجع إلى أمور أخرى كإخراج صاحبا الصحيح له أو أحدهما، أو تلقي الأمة له بالقبول ونحو ذلك.
        2- أنكروا إطلاق القول في أن الآحاد يفيد الظن و لا يفيد العلم، فقالوا: قد يقترن بخبر الآحاد ما يجعله يفيد العلم. بل قال أهل الحديث: إذا ثبت الخبر عن رسول الله  أفاد العلم وأوجب العمل.
        3- أنكروا تقسيم أبواب الشرع إلى العقيدة والأحكام.
        بيان أنه لا لوم على ابن الصلاح ومن بعدهم في ذكر المتواتر ضمن كتبهم في علم الحديث.
        أولاً : ذكر المتأخرون المتواتر في علوم الحديث من أجل إيضاح القسمة، لا أنه نوع مستقل من أنواع علوم الحديث، فهم يذكرونه لما يتكلمون عن هيئة نقل الأسانيد إلينا، فمنها ما ينقل عن طريق الآحاد ومنها ما ينقل عن طريق المتواتر.
        ثانياً : وهم لمّا يذكرون المتواتر ينصون على أنه ليس من مباحث علوم الحديث، فكيف يلامون على شيء تبرؤوا منه ونصوا على أنه ليس من مباحث الفن؟!
        ثالثاً : مجرد إيراد معلومات عن أمر له علاقة بعلم الحديث ليس معناه إدخاله في مباحث هذا العلم، وهذا أمر ظاهر لا أظن أنه محل شك في قبوله! فكيف يجعل مجرد ذكرهم لهذه الأمر أو غيره أنه إدخال في مباحث العلم ما ليس منه؟!.
        رابعاً : هل في ذكر ابن الصلاح و ابن حجـر للمتواتر عند ذكرهما أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا، مع تنبيههما إلى أنه ليس من مباحث علم الحديث؛ عيب، أو لوم، أو شيء ينسب فيه إلى تغيير مصطلحات القوم؟!
        وهل ذكر المتواتر جرّ إلى مفسدة أو مفاسد حتى تثار حوله هذه الضجة؟
        بل لقد جر ذكره إلى خير كثير، ودعم للسنة النبوية .
        خامسا: قال ابن تيمية: وإذا كان الخبر قد تواتر عند قوم دون قوم وقد يحصل العلم بصدقه لقوم دون قوم فمن حصل له العلم به وجب عليه التصديق به والعمل بمقتضاه كما يجب ذلك في نظائره ومن لم يحصل له العلم بذلك فعليه أن يسلم ذلك لأهل الإجماع الذين أجمعوا على صحته كما على الناس أن يسلموا الأحكام المجمع عليها إلى من أجمع عليها من أهل العلم فإن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وإنما يكون إجماعها بأن يسلم غير العالم للعالم إذ غير العالم لا يكون له قول، وإنما القول للعالم فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم"
        قلت: فإنكار وجود المتواتر خلاف إجماع أهل العلم، وعلى من أنكره أن يتبع إجماع أهل العلم! نعم أنكر أهل العلم المحققون حصر إفادة العلم على التواتر، كما أنكروا حصر ما يحصل به التواتر بعدد معيّن! وليس معنى هذا إنكارهم وجود المتواتر!
        [بالله عليك أنْصِف؟!]
        مناقشة الأمر الثاني :
        أن ابن حجـر حصر العزيز فيما لم يروه أقل من اثنين عن اثنين، والمشهور فيما رواه ثلاثة فصاعداً ما لم يبلغ حد التواتر، مع أن الذي قرره ابن الصـلاح متابعة لأبي عبدالله ابن مندة (ت301هـ) رحمه الله وهو من أهل الاصطلاح : أن العزيز ما رواه اثنان أو ثلاثة. قال هذا المعترض: فما حجة الحافظ في ذلك الحصر؟! وفي مخالفة أهل الاصطلاح؟!!
        والجواب هو التالي:
        أولاً : اختار ابن حجـر رحمه الله في تعريف العزيز أحد القولين الذين ذكرهما ابن مـندة رحمه الله، فهل في هذا تحكم منه؟ هل في هذا تغيير لمعاني هذا المصطلح؟.
        ثانياً : فإن قيل: لقد سمى الحافظ كتابه بـ (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) ولم يقل: في (مصطلحي)!!!
        فالجواب :
        1- هل منْ بيّن اختياره في مسائل علم الحديث يكون قد غير معاني مصطلحات هذا العلم؟
        2- ألا تلاحظ أن ابن حجـر سمى كتابه: (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، فهو يقدم نخبة فكره في مصطلحات أهل الأثر، ولم يزعم في عنوان كتابه أنه سيقدم كل اصطلاحات هذا العلم في كل مسألة من مسائله!
        3- ألم تلاحظ أنه سمى هذا العلم (مصطلح أهل الأثر)، هل وقفت على من سمى هذا العلم بهذه التسمية قبل ابن حجـر؟ ألا يدل هذا على شيء؟.
        ثالثاً : بعد هذا هل يصح أن يقال أن ابن حجـر رحمه الله قد خالف أهل الاصطلاح؟
        رابعا: ابن حبان في مقدمة صحيحه قرر جملة من مسائل علم الحديث بحسب ما يراه، وبعض المسائل كلامه فيها خلاف ما تقرر عند أهل الحديث، فهل يقال عنه: إنه طور المصطلحات؟ هل يقال إنه خالف أهل الاصطلاح؟.
        مناقشة الأمر الثالث :
        أن ابن حجـر حصر مصطلح (المرسل) فيما سقط من آخره من بعد التابعي، و (المنقطع) ما سقط من أثنائه واحد، أو أكثر بشرط عدم التوالي. وذكر أن هذا التغاير عند إطلاق الاسم وأما عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط!
        أوّلاً : الحافظ رحمه الله لم يتحكم في الاصطلاح، بل أشار إلى الخلاف في العبارة فإذا اعترف الحافظ بدءاً بأن المغايرة بين المرسل والمنقطع ليست من مواضع الإجماع عند المحدثين، واختار في تعريف المرسل والمنقطع ما جرى عليه أكثر المحدثين، فهل يُلام بذلك؟! هل يقال عنه أنه تحكم في الاصطلاح؟! أليس في تنبيهه هذا ما يصرح بأن يلاحظ ذلك في كلام الأئمة؟! هل في ذلك ما يمنع فهم هذا في كلام أئمة الحديث؟! يا سبحان الله!!
        ثانياً : إذا أردت أن تعترض على الحافظ فأثبت أن أكثر المحدثين لم يفرقوا بين المرسل والمنقطع، إذ هذا هو محل اعتماد الحافظ في دعواه، فهلا فعلت هذا!.
        ثالثاً : الحافظ رحمه الله كان دقيقاً في عبارته حيث قال: "أكثر المحدثين على التغاير (يعني: بين مصطلح (المرسل) و(المنقطع)) لكنه عند إطلاق الاسم، وأمّا عند استعمال الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط، فيقولون: أرسله فلان، سواء كان ذلك مرسلاً أو منقطعاً".
        وأريدك أخي القارئ الكريم أن تعلم أن الحافظ ابن حجـر رحمه الله، لم يقرر ما قرر عن جهل منه أو تحكم، بل عن علم ومعرفة ودراية، فهو قد درس المرسل في كلام أهل العلم، وحرر أوجه كلامهم في حده خاصة في كتابه: "النكت على كتاب ابن الصـلاح":
        مناقشة الأمر الرابع :
        أن ابن حجراقتصر في تعريف العلة على العلة الخفية القادحة، مع أن المحدثين يستعملونها في القادحة وغير القادحة، وفي الظاهرة وغير الظاهرة!
        والجواب عن هذا الاعتراض هو التالي :
        أولاً : على فرض التسليم أن أهل الحديث يسمون الحديث الذي فيه علة غير قادحة: (حديثاً معلولاً)؛ فإن تصرف الحافظ ابن حجـر هنا إنما يدل على اختياره كما سبق تحريره، فلا يقال عنه أنه تحكم أو طور مصطلحات علوم الحديث!
        ثانياً : الواقع أن ابن حجـر تبع في تعريف العلة ما قرره ابن الصلاح (ت643هـ)، وقد نبّه ابن الصـلاح إلى أنه قد يأتي في كلام أئمة الحديث وصف ما ليس بقادح بأنه علة.
        ثالثاً : يؤكد ما تقدم من تقرير الحافظ ابن حجـر: أن أبا عبدالله الحاكم (ت405هـ) قد اقتصر في ذكر العلة على ما تابعه عليه ابن الصلاح (ت643هـ) رحم الله الجميع!
        فهل يقال عن الحاكـم أنه تحكم، أو أنه طور مصطلحات علم الحديث، فغير معانيها عما يريده أهل الحديث؟!

        مناقشة الأمر الخامس :
        فرّق الحافظ بين (المنكر) و(الشاذ)، مع أن ابن الصـلاح لم يفرّق!
        والجواب عن هذا هو التالي :
        أولاً : الحافظ ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله فرّق بين المنكر والشاذ من حيث النوع، فقد جعل في كتابه علوم الحديث، النوع الثالث عشر في معرفة الشاذ، والنوع الرابع عشر في معرفة المنكر من الحديث.
        ثانياً : أرجو من القارئ الكريم أن يتنبه للأمور التالية:
        ـ أن البرديجي عرّف المنكر بعبارة مطلقة، فجعله الحديث الذي ينفرد به الرجل و لا يعرف متنه من غير روايته.
        ـ أن الحاكم (ت405هـ) عرّف الشاذ فقال: "وهو غير المعلول فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة.
        فهل يقال: إنهما تحكما في مصطلح الشاذ والمنكر؟!.
        فإذا نظرت بعين الإنصاف لم تجد في تعريف الحافظ ابن حـجر أي تحكم، أو أي افتئات على أئمة علم الحديث، بل ينطق بلسانهم ويعبر عن معاني كلامهم، كما رأيت، فهل يصح ـ بالله عليك ـ وصف الحافظ ابن حجـر بأنه غير معاني المصطلحات عما كانت عليه عند أهل الحديث؟! فهل إذا ذكر ابن حجـر في كتابه ما هو المختار، مما عليه الأكثرون من أهل الحديث، يكون قد تحكم؟! يلزم على هذا أن من ذكر اختياراته في علم من العلوم أن يكون قد طور المصطلحات، وغيّر ما كان عليه أهل ذلك العلم؟! فهل هذا أمر يرضاه أحد مرضي؟!
        مناقشة الأمر السادس :
        ادّعى الحافظ أن مقابل (الشاذ) (المحفوظ), ومقابل (المنكر) (المعروف), وكتب العلل مليئة بإطــلاق المحفوظ والمعروف دون التفات إلى هذا التقسيم أو اعتباره.
        إحتج المعترض !! قائلا: وقد نبه إلى ذلك ابن قطلوبغا في حاشيته على (النزهة)! قال ابن قطلوبغا عند تقسيم الحافظ وتعريفه لـ (المنكر) و (الشاذ) وما يقابلهما: "وما ذكره في توجيهه ليس على حد ما عند القوم"
        جوابه:
        أولا : من العجائب أن المعترض على ابن حجر يتباكى لعلوم الحديث من إدخال ابن حجر اصطلاحات المنطقيين والأصوليين هذه العلوم ثم يفرح باعتراض ابن قطلوبغا على ابن حجر باصطلاح المنطقيين والأصوليين ويحتج بذلك على ابن حجر.
        ثانيا: الكلام كله حول قضية هل بينهما عموم وخصوص من وجه بمعنى ما هو مصطلح القوم (المنطقيين والأصوليين)، أو هو بغير هذا المصطلح، فبين ابن حجـر أنه لا يريد ما عليه مصطلح القوم (يعني: المنطقيين والأصوليين)؛ وصاحب الدار أدرى بما فيها!
        ثالثا: ذكر الحافظ ابن حجـر (المعروف) و(المحفوظ)، وجعلهما مقابل (المنكر) و(الشاذ)، وميزهما بذلك، ورأى أنهما نوعان من أنواع علوم الحديث، ووافقه على ذلك السيوطي (ت911هـ) حيث قال عن المحفوظ والمعروف: "وهما من الأنواع التي أهملها ابن الصـلاح والمصنف (يعني: النووي). وحقهما أن يذكرا كما ذكر المتصل مع ما يقابله من المرسل والمنقطع والمعضل".
        وهذا يقابل كلام ابن قطلوبغا الذي يقول: "وكأن (المحفوظ) و (المعروف) ليسا بنوعين حقيقيين، تحتهما أفراد مخصوصة عندهم، وإنما هي ألفاظ تُستعمل في التضعيف، فجعلها المؤلف أنواعاً، فلم توافق ما وقع عندهم"اهـ
        وما قرره الحافظ تابعه عليه أهل العلم، والله اعلم!
        وأخيراً : وقد وقفت على حقيقة هذا الأمر الذي زعمه هذا المعترض على ابن حجـر دليلاً على تطويره وتغييره معاني المصطلحات في علم الحديث؛
        هل تجد في شيء مما تقدم تغييراً لمعاني المصطلحات؟
        هل تجد في كلام الحافظ خروجاً عما قرر في علم الحديث؟.

        مناقشة الأمر السابع :
        قصر الحافظ مختلف الحديث في الحديث المقبول الذي عارضه مثله معارضة ظاهرية وأمكن الجمع، كذا بقيد إمكان الجمع، كما هو واضح من كلامه.
        والجواب عن هذا هو التالي:
        أولاً : لا يظهر - والله اعلم - أن مراد ابن حجـر قصر نوع مختلف الحديث على ما أمكن فيه الجمع فقط، فإن تمام كلامه يدل على أن ذلك كله عنده من باب مختلف الحديث، فقد قال في ختام كلامه على مختلف الحديث:
        "فصار ما ظاهره التعارض واقعاً على هذا الترتيب:
        ـ الجمع إن أمكن.
        ـ فاعتبار الناسخ والمنسوخ.
        ـ فالترجيح إن تعين.
        ـ ثم التوقف عن العمل بأحد الحديثين. والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، لأن خفاء ترجيح أحدهما على الآخر، إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحالة الراهنة مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه، والله اعلم".
        ثانياً : فإن قيل: قد فصل ابن حجـر بين الكلام الذي نقلته عنه وبين كلامه عن مختلف الحديث بالكلام عن الناسخ والمنسوخ، فكيف يكون كلامه هذا متعلقاً بمختلف الحديث؟
        فالجواب : الكلام عن الناسخ والمنسوخ داخل في مختلف الحديث إذ كل ناسخ ومنسوخ مختلف حديث و لا عكس.
        فكلام ابن حجر (ت852هـ) عن الناسخ والمنسوخ داخل في كلامه عن مختلف الحديث، وهو امتداد له.
        ثالثاً : إن قيل: فما توجيه عبارة ابن حجـر حيث قال: "فإن أمكن الجمع فهو النوع المسمى مختلف الحديث" فقيده بإمكان الجمع؟
        فالجواب : هذا القيد وصف كاشف لا مفهوم مخالفة له، مقصوده ذكر الغالب من أفراد هذا العلم، أو حكاية الواقع، لا أنه قيد حقيقي في المعرّف!
        ولم أجد أحداً من أهل العلم فهم كلام ابن حجـر هنا كما فهمه هذا المعترض!
        رابعا: (هذا من كلام الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي) هل هذه الكتب تضمنت أنواعاً من علوم المنطق والفلسفة أدى إلى فساد عقائدي ومنهجي كسائر آثار المنطق والفلسفة، أو تضمنت أنواعاً هامة من علوم الحديث، لا يستغني عنها أهل الحديث ومن أجل ذلك نبه إليها الحافظان ابن الصلاح وابن حجر؟
        فإن كان قد ترتب على ذلك خير ونفع لأهل الحديث فلماذا الاعتراض؟ وإن كان ترتب على ذلك فساد وأضرار نزلت بالأمة في عقيدتها ودينها فينبه ! ‍‍
        فإن عجزت عن ذلك فالأولى بك وبمن يسير على نهجك هذا أن تريحوا أنفسكم والأمة من هذه الجهود الضائعة بل الضارة، وأن توجهوا جهودكم ونشاطاتكم لمحاربة البدع والضلالات التي مزقت الأمة، وأفسدت على كثير منها عقائدها ومناهجها.
        ومن هذه البدع علم المنطق وعلم الكلام وما نشأ عنهما في الأمة من ضلالات، ومنها الديمقراطية والاشتراكية والدعوة إلى وحدة الوجود ووحدة الأديان، وذلك من أوجب الواجبات، وأفضل من سل السيوف على الأعداء.
        أما عملكم هذا فإنما هو من سل السيوف على غيرالعدو.
        مناقشة الأمر الثامن :
        تفريقه بين المرسل الخفي والتدليس.
        الجواب:
        أوّلاً : ابن حجـر لم يتفرد بهذا، بل له سلف.
        وهذا الأمر متقرر، حتى إن ابن قطلوبغا - وهو المولع بالاعتراض والإيراد - لم يعترض عليه في حاشيته بشيء، بل قرره.
        ثانيا: قد سبق ابن حجـر إلى التفريق بين المرسل الخفي والتدليس أئمة منهم: الشافعي (ت204هـ) والبزار (ت 292هـ) والخطيـب (ت463هـ) والقطــان (ت628هـ) وابن الصلاح (ت643هـ) وابن رشيد (ت721هـ) والعلائي (ت761هـ) وبرهان الدين ابن الأبناسي (ت802هـ) والسبط ابن العجمي (ت841هـ).
        فلِمَ تعصيب الجناية به على فرض وقوعها؟
        هل يقال : إن جميع هؤلاء الذين تابعهم ابن حجـر قد وقعوا في تطوير المصطلحات؟
        وإذا ثبت أن هذا هو مما جرى عليه أهل الحديث فهل ينسب فيه ابن حجـر إلى تطوير المصطلحات؟
        و هنا: أتساءل ماذا يُقصد من هذا الهجوم على ابن حجر؟!!
        ثالثا : ابن حجـر لم يزعم أن كل أهل الحديث على ما حرره من التفريق! بل هو قد أشار إلى اختلافهم في ذلك، وصوّب في هذا الاختلاف ما رأى أنه الأولى، بحسب ما أدّاه إليه اجتهاده بل واستدلاله!
        مناقشة الأمر التاسع :
        تفريقه بين مسمى الطعون في أحاديث الرواة
        يقول هذا المعترض في نقده لكتاب (نزهة النظر) لابن حجـر: "فإذا مضينا مع (النزهة) نقف عند أنواع الطعن في الراوي، ومسمى حديث من طُعن فيه بأحدها، لتلمح (التطوير) والتحكم في ذلك من النظرة الأولى! فإذا فحصت عن ذلك ظهر لك تأكيد تلك الملامح!!".
        أقول : والجواب عن هذا هو التالي:
        قد راجعت كلام ابن حجـر رحمه الله في الموضع المشار إليه، فوجدته على سنن أهل الحديث.
        ولم يذكر هذا المعترض شيئاً بيناً واضحاً محدداً لألمح فيه (التطوير) أو التحكم المزعوم!

        مناقشة الأمر العاشر:
        تفريقه بين المصحف والمحرف.
        يقول هذا المعترض، شارحاً هذا الأمر: "فإذا عجلت المضي في (النزهة)، يستوقفك قول الحافظ: "فإن كان ذلك (يعني: التغيير) بالنسبة إلى النقط؛ فـ (المصحف)، وإن كان بالنسبة إلى الشكل؛ فـ (المحرف)..".
        يقول هذا المعترض على ابن حجـر: وهذا التفريق تفريق حادث، واصطلاح خاص بالحافظ، لم يسبقه إليه أحد!!
        فالجواب : ابن حجر رحمه الله لم يحدث اصطلاحاً جديداً، - كما سبق بيانه في جملة المواضع التسعة التي سلفت مع مناقشتها - كل ما في الأمر أنه استعمل المصطلح بالمعنى الجامع لاستعمالات الأئمة، والمتفق مع شرط الصحة، مع التنبيه على الاصطلاحات الخاصة لديهم إن وجدت. فهو بهذا لم يغير معاني المصطلحات، ولم يخرج عن نهج الأئمة في كلامهم على مسائل علم الحديث تصحيحاً وتعليلاً.

        خطورة إهدار ما كتبه علماء الحديث المتأخرون زماناً
        إن بعض الناس يتشدد في تعصبه للمتقدمين حتى يطرح كل ما جاء في كتب المصطلح جملة وتفصيلاً، فمن كتاب معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح إلى كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر لابن حجر، بله ما كتب بعدهما، كل ذلك لا عبرة به، و لا يمثل علم الحديث الذي قرره المتقدمون و لا بد من إعادة كتابة المصطلح على أساس الاستقراء والتقعيد من كلام الأئمة المتقدمين!
        ولست أشك أن هذا من التشدد المذموم، فقد تحجر صاحبه واسعاً.
        وقوله هذا من الحرمان من خير يسره الله تعالى للناس على أيدي هؤلاء العلماء.
        وفيه إنكار لجهودهم وعلمهم، وفي ذلك خروج عن سبيل المؤمنين، الذين أقروا وأجمعوا على فضلهم وفضل جهودهم وعلى علمهم.
        ويلزم من هذا القول لوازم شديدة، كل واحد منها يكفي في نقض هذا القول ورده، وهي مسلمات علمية، وهي التالية:
        المسلمة الأولى: أنه تحصيل حاصل كما تقدم! ودخول من باب لا تنتهي قضيته، فأنت تزعم أنك تستقري وتقعد، يأت آخر لا يرضى ما قعدته و لا استقراءك فيعيد العملية لأنك متأخر، وهكذا بعد، وهذا كله جهد ضائع، لا مبرر له!.
        المسلمة الثانية: أن استقراءنا مهما زعمنا ناقص، إذ هناك كتب ومصادر علمية يذكرها ابن الصـلاح وغيره من المتأخرين لم نقف عليها إلى اليوم! فمن أين لنا الاستقراء التام المزعوم أو حتى الأغلبي!
        المسلمة الثالثة :أننا لو خيرنا أدنى طلبة العلم بين قواعد يقعدها أناس في عصرنا هذا وبين قواعد قعدها العلماء وجروا عليها أجيالاً كثيرة مع التحرير والتدقيق، فإنهم بلا شك سيختارون الجري على القواعد المقررة لا القواعد المحدثة!
        المسلمة الرابعة: هل هؤلاء الذين ينادون بوضع مصطلحات جديدة ، وبإهدار جهود المتأخرين؛ موضع لثقة الأمة علماً و عقيدة ومنهجاً، بل وصدقاًً وأمانة؟؟؟.(هذا من كلام الشيخ العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي).
        المسلمة الخامسة: أن الدعوة إلى طرح ما قرره العلماء من ابن الصلاح (ت643هـ) إلى اليوم ، جملة وتفصيلاً، والعودة إلى الاستقراء لكلام أئمة الحديث والتقعيد مرة ثانية، تستلزم إلغاء جميع أحكام العلماء على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً، من بعد ابن الصـلاح إلى يومنا، وهذا هدم للدين، وإضاعة للسنة.
        المسلمة السادسة: وذلك أن هذا القول سيؤول إلى خلل كبير، إذ لا يعود أصحابه قادرين على الحكم على حديث ما بالتصحيح أو التضعيف، خاصة عندما يختلف كلام الأئمة المتقدمين في حديث ما، أو لم يضبط مصطلح ما لهم، فما صححه فلان ضعيف عند فلان، وهذه العبارة من فلان بهذا المعنى عند فلان وبهذا المعنى عند الآخر! فالذي عنده غير الذي عندك!
        ومعلوم أن شعب السفسطة، هي: العندية، والعنادية، واللا أدرية! ومآل أصحاب هذا القول؛
        إما إلى العناد في إثبات ما يظنونه من الحقائق، على سبيل: "عـنـز ولو طارت"!
        وإما إلى العندية، فكل واحد منهم عنده من فهم الحقائق والمراد منها ما ليس عند الآخر، وكل راضٍ بما عنده، فهذا الحق عندك وهذا الحق عندنا في المسألة الواحدة!
        وأما اللا أدرية فجواب كل شيء عندها: لا أدري ممكن كذا وممكن كذا!
        وكفى بهذا سفسطة ونفياً للحقائق!
        المسلمة السابعة: أن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون، وكل واحد من العلماء يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب القبر صلوات ربي وسلامه عليه، فادعاء لزوم الأخذ بكلام أفراد المتقدمين وترك مخالفته، حتى ولو قام الدليل على خلافه، هو حكم لهم بالعصمة، وهذا يخالف بدهية شرعية أن لا معصوم إلا من عصمه الله!
        المسلمة الثامنة: أن الحكم باختلال قواعد علم الحديث التي قعدها ابن الصلاح (ت643هـ) رحمه الله، مستقرئاً لها من كلام أئمة الحديث، متبعاً تقريراتهم وكلامهم على الرواة والأحاديث، مقتدياً بمن سبقه إلى هذا كأبي عبدالله الحاكم (ت405هـ)، والخطيب البغدادي (ت463هـ)، وسار عليها العلماء إلى يومنا هذا، حكم باجتماع الأمة على ضلالة، واتهام للعلماء بالقصور والتقصير، وكفى بهذا جهلاً!.
        المسلمة التاسعة: وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصـلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
        ـ تهمتهم بإدخال مسائل في علم الحديث هي ليست منه! كإدخالهم مبحث المتواتر في علوم الحديث، وهو ليس منها، لأن المتواتر لا يبحث عن رجاله!
        والواقع أنه لا محل للاعتراض أو القدح هنا، لأن ابن الصـلاح ومن تبعه من العلماء تبرؤا من ذلك، ونبهوا إلى إدراكهم هذه الأمور؛ وقد سبق نقل كلام ابن الصلاح وابن حجر في ذلك، عند مناقشة الدليل الثاني.
        فكيف يُجعل ذكر المتواتر في كتب علوم الحديث، دليلاً على أنهم لم يلتزموا بكلام المتقدمين، والحال أنهم تبرؤا من عهدة نسبته إلى علوم الحديث، وإنما ذكروه من أجل بيان القسمة والصورة التي يقع عليها النقل، وتحرير النقل الذي هو موضوع علم الحديث؟!.
        المسلمة العاشرة: و هي مابني على باطل فهو باطل وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصـلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
        تحكمهم في تعريف النوع الحديثي، باختيار معنى له، دون مراعاة ما عليه بعض الأئمة المتقدمين! كما تراهم في تعريف الشاذ حيث اعتمدوا تعريف الشافعي (ت204هـ) رحمه الله وأهملوا تعريف غيره!
        و لو جئت إلى تعريف الشاذ، فهل سنرى هذه التهمة قائمة؟ هل تحكم ابن الصـلاح في تعريفه وأهمل تعريف غير الشافـعي؟!.
        المسلمة الحادية عشرة: الخطأ في التطبيق لا يلزم منه خطأ القاعدة .
        المسلمة الثانية عشرة: مراعاة النسبية في كلام المتقدمين و بيان ذلك : أن كثيراً مما يتخذ ذريعة للطعن في ما قرره المتأخرون من علوم الحديث، هو في حقيقته كلام من الإمام المتقدم بالنظر إلى خصوص حديث بعينه، وكلامه من هذه الحيثية قد يقع مخالفاً للقاعدة، وذلك ليس طرحاً للقاعدة المتقررة، بل لأن لكل حديث نظراً خاصاً به.
        و خذ مثلاً : تقوية الحديث الضعيف ضعفاً يسيراً بتعدد الطرق، هذه قاعدة قررها المتأخرون، وعليها المتقدمون، فإذا وقفت على كلام لأحد المتقدمين يمنع فيه تصحيح حديث بعينه مع تعدد طرقه وكونها يسيرة الضعف، فهذا ليس طرحاً للقاعدة ورداً لها، وإنما من منطلق خصوصية النظر في هذا الحديث بعينه؛ و لا يصح أن نتخذ ذلك ذريعة للطعن في أصل القاعدة التي قررها المتأخرون، ودعوى أن القواعد التي يقررها المتأخرون تخالف ما عليه المتقدمون.
        المسلمة الثالثة عشر: و هو التفريق بين منهج الفقهاء والمحدثين، وعدم تحميل المتأخرين من المحدثين بتصرفات من تأثر بمنهج الفقهاء وهذا أمر مسلم، أعني أن للفقهاء منهجاً في الحديث يخالف ما عليه منهج أهل الحديث، وقد نبه على ذلك أهل العلم، وبأدنى نظرة في كتب أصول الفقه فيما يتعلق بوصف الحديث الصحيح عندهم، وبما يرد به الحديث إذا رواه الثقة عن الثقة، تجد الفرق واضحاً والبون شاسعاً بين المحدثين والفقهاء، وكذا قضية وجود من تأثر أو له اختيارات جرى فيها على طريقة الفقهاء، فإن هذا من المسلمات، وعليه فلا يحمّل أهل الحديث من المتأخرين ما عليه هؤلاء! والواقع أنه وجد من تأثر بمنهج الفقهاء في الحديث في بعض اختياره ونظره في الحديث من أمثال الطحاوي (ت321هـ)، والنووي (ت676هـ)، والزركشي (ت794هـ).
        - فهذه المسلمات تدل على بطلان الدعوة إلى عدم اعتماد المتأخرين - ابن الصلاح ومن بعده - في تقريراتهم وتقعيداتهم لعلوم الحديث، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث (المتقدمين)، وأن علينا إعادة تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لكلام المتقدمين؛ لأن كلام المتأخرين ـ بزعم أصحاب هذه الدعوة ـ مليء بالتحكم وفكرة تطوير مصطلح الأئمة!!.
        .

        وسبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك.
        وكتبه أبوجهاد سمير الجزائري بمدينة بلعباس في 16 محرم1430
        الموافق ل : 13يناير2009
        [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
        [CENTER]
        [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

        تعليق


        • #5
          الحلقة
          (5)

          إرواء الغليل من ضوابط الجرح و التعديل

          لأبي جهاد سمير الجزائري

          بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله هذا بحث لطيف اختصرته من كتاب "ضوابط الجرح والتعديل" في الثلث الأخير من الليل فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغفر لي ما تقدم وما تأخر من ذنبي وأن يجعل هذا العمل عملا متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول. فإليك هذه الضوابط:
          1. الموصوف بما يقتضي تضعيف روايته لا يخلو تضعيفه من ثلاث حالات هي: الأولى: أن يكون تضعيفاً مطلقاً فهذا لا تقبل معه رواية الراوي عند تفرّده بها ولكن تتقوى بالمتابعة من مثله فترتقي إلى حسن لغيره. الثانية: أن يكون تضعيفاً مقيداً بالرواية عن بعض الشيوخ أو في بعض البلدان أو في بعض الأوقات فيختص الضعف بما قُيد به دون سواه. الثالثة: أن يكون تضعيفاً نسبياً وهو الواقع عند المفاضلة بين راويين فأكثر فهذا لا يلزم منه ثبوت الضعف المطلق في الراوي بل يختلف الحكم عليه بحسب قرينة الحال في تلك المفاضلة. وأمّا الموصوف بما يقتضي ردَّ روايته فهو الضعيف جداً فمن دونه لا يُقَوِّي غيره ولا يَتَقَوَّى بغيره.
          2. ما يخرج الراوي عن دائرة الضبط: ـ كثرة الوَهْم: أن تكثر من الراوي الرواية على سبيل التَّوهُّم فَيَصِلَ الإسناد المرسل، ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك. ـ كثرة مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه أو لجمع من الثقات. ـ سوء الحفظ: أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه بل يتساوى الاحتمالان. ـ شدّة الغفلة: أن لا يكون لدى الراوي من اليقظة والإتقان ما يميّز به الصواب من الخطأ في مروياته . - فحش الغلط: أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة. ـ جهل الراوي بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يُحيْلُ معانيها ـ عند الرواية بالمعنى ـ حيث يتعيّن عند ذلك الأداء باللفظ الذي سمعه اتفاقاً لئلا يقع فيما يَصْرِفُ الحديث عن المعنى المراد به. ـ تساهل الراوي في مقابلة كتابه وتصحيحه وصيانته.
          3. تثبت عدالة الراوي بأحد أمرين: الأمر الأول: الاستفاضة: بأن يشتهر الراوي بالخير ويشيع الثناء عليه بالثقة والأمانة فيكفي ذلك عن بيّنة تشهد بعدالته . الأمر الثاني: تَنْصيصُ الأئمة المُعَدِّلين على عدالة الراوي.
          4. الإخراج للرواي في الصحيحين فإنه يُكْسِبُه توثيقاً ضمنياً في العدالة مطلقاً، وأما في الضبط فإنه يكتسبه أيضاً إن كان الإخراج له في الأصول مع مراعاة وجه الإخراج له، وإن كان الإخراج له في المتابعات والشواهد ونحوها فبحسب حاله.
          5. شروط المعدّل والجارح: يشترط في المعدل والجارح أربعة شروط هي: ـ أن يكون عدلاً. ـ أن يكون وَرِعاً يمنعه الورع من التعصب والهوى. ـ أن يكون يَقِظاً غير مغفّل لئلا يغتر بظاهر حال الراوي. ـ أن يكون عارفاً بأسباب الجرح والتعديل لئلا يجرح عدلاً أو يعدّل من استحق الجرح.
          6. قبول الجرح والتعديل مفسّرين أو مبهمين: أ ـ إن كان مَنْ جُرِحَ مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يُقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلّا مفسراً؛ لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلّا بأمر جلي. ب ـ وإن كان مَنْ جُرِحَ جرحاً مبهماً قد خلا عن التعديل قُبِلَ فيه الجرح وإن كان مبهماً إذا صدر من إمام عارف.وذلك لأن الراوي إذا لم يُعدَّلْ فهو في حَيِّزِ المجهول، فإعمالُ قول المجرِّح فيه أولى من إهماله وإنما لم يُطْلبْ من المجرِّح تفسير جرحه لأنه لو فسره فكان جرحاً غير قادح لمنعت جهالة حال الراوي من الاحتجاج به
          7. يرد الجرح في كتب الجرح والتعديل مبهماً في الغالب ولا مناص من أخذ تلك الجروح المبهمة بالاعتبار لئلا يتعطّل النقد ولكن يتأكد طلب تفسير الجرح حيث توجد قرينة داعية إليه.
          8. تعارض الجرح والتعديل لتعارض الجرح والتعديل صورتان هما: ـ أن يكون تعارضهما بصدورهما من إمامين فأكثر. ـ أن يتعارضا وقد صدرا من إمام واحد والمراد بالجرح هنا الجرح المفسّر.
          9. إذا تعارض الجرح المفسّر مع التعديل بصدورهما من إمامين فأكثر فمذهب الجمهور تقديم الجرح على التعديل مطلقاً، سواء زاد عدد المُعدِّلين على عدد المُجرِّحين أو نقص عنه أو استويا وذلك لأن مع الجارح زيادةَ علمٍ بخفي حال الراوي لم يطَّلعْ عليها المعدِّلُ فالجارح مصدِّقٌ للمعدِّل في الحال الظاهرة ومبيّن لحال الراوي الخفية
          10. إذا تعارض الجرح المبهم مع التعديل فقد حكى السخاوي عن أبي الحجاج المزّي وغيره: ((أن التعديل مُقدّم على الجرح المبهم) لكن ليس ذلك على إطلاقه أيضاً فإن توثيق الإمام المتساهل لا يُقدّم على جرح الإمام المعتدل.
          11. إذا تعارض الجرح والتعديل الصادران من إمام واحد، فلذلك حالتان. هما: الحالة الأولى:- أن يتبين تغيرُ اجتهاد الإمام في الحكم على ذلك الراوي، فالعمل حينئذ على المتأخر من قوليه. الحالة الثانية:- أن لا يتبين تغيُّرُ اجتهاد الإمام في حكمه على الراوي، فالعمل على الترتيب التالي: أ ـ يُطْلبُ الجمع بين القولين إن أمكن، كأن يكون التوثيق أو التضعيف نِسْبياً لا مطلقاً، فإن المعدِّل قد يقول: (فلان ثقة) ولا يريد به أنه ممن يُحْتجُّ بحديثه وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسألُ عن الرجل الفاضل المتوسط في حديثه فيُقْرَنُ بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان وفلان؟. فيقول: (فلان ثقة) يريد أنه ليس من نمط من قُرنَ به وقد يُقْرنُ بأوثقَ منه فيقول: (فلان ضعيف) أي بالنسبة لمن قُرِنَ به في السؤال، فإذا سئل عنه بمفرده بيَّن حاله في التوسط. فقد سأل عثمان الدارمي يحيى بن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه. فقال: ((ليس به بأس. قال: قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقْبُري؟ فقال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف)) فتضعيف ابن معين للعلاء إنما هو بالنسبة لسعيد المقْبُري وليس تضعيفاً مطلقاً. ب ـ إذا لم يمكن الجمع، طُلِب الترجيح بين القولين بالقرائن، كأن يكون بعضُ تلاميذ الإِمام أكثر ملازمة له من بعض، فتقدَّم روايةُ الملازم على رواية غيره، كما هو الشأن في تقديم رواية عباس الدُّوري عن ابن معين لطول ملازمته له. جـ ـ إذا لم توجد قرينة خاصة يرجّح بها فيؤخذ بأقرب القولين إلى أقوال أهل النقد وبالأخص أقوال الأئمة المعتدلين. د ـ إذا لم يتيسّر ذلك كله فالتوقف حتى يظهر مرجّح.
          12. ضوابط تعارض الجرح والتعديل: ـ اعتبار مناهج الأئمة في جرحهم وتعديلهم فإنهم على ثلاثة أقسام. هي: أ ـ من هو متعنِّتٌ في الجرح متثبِّتٌ في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه. ومن هؤلاء: شعبة بن الحجاج (ت 160هـ)، ويحيى ابن سعيد القطان (ت 198هـ)، ويحيى بن معين (ت 233هـ)، وأبو حاتم الرازي (ت 277هـ) ، والنسائي (ت303هـ). ب ـ من هو معتدل في التوثيق منصف في الجرح. ومنهم: سفيان الثوري (ت 161هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ)، وابن سعد (ت 230هـ)، وابن المديني (ت 234هـ)، والإمام أحمد (ت 241هـ)، والبخاري (ت256هـ)، وأبو زرعة الرازي (ت 264هـ)، وأبو داود (ت 275هـ)، وابن عدي (ت 365هـ)، والدارقطني (ت 385هـ). جـ ـ من هو متساهل مثل:أبي الحسن أحمد بن عبد الله العجلي (ت261هـ)، وأبي عيسى الترمذي
          (ت 279هـ)، وابن حبان (ت354هـ) والدارقطني (ت 385هـ) في بعض الأوقات، وأبي عبد الله الحاكم (ت 405هـ)، وأبي بكر البيهقي (ت 458هـ).وفائدة هذا التقسيم: النظر في أقوال الأئمة عند إرادة الحكم على الراوي فإذا جاء التوثيق من المتشددين، فإنه يُعضُّ عليه بالنواجذ لشدة تثبُتِهم في التوثيق إلّا إذا خالف الإجماع على تضعيف الراوي أو كان الجرح مفسّرا بما يجرح فإنه يقدم على التوثيق، ولكن إذا جرَّحوا أحداً من الرواة، فإنه يُنظر هل وافقهم أحد على ذلك؟.فإن وافقهم أحد على ذلك التضعيف ولم يُوثِّق ذلك الراوي أحدٌ من الحُذَّاق فهو ضعيف، وإن لم يوافقهم أحد على التضعيف، فإنه لا يؤخذ بقولهم على إطلاقه، ولكن لا يطرح مطلقاً، بل إن عارضه توثيق من معتبر فلا يقبل ذلك الجرح إلّا مفسّراً.فإذا قال ابن معين في راوٍ: "إنه ضعيف" فلا يكفي أن يقول ذلك دون بيانٍ لسبب تضعيفه وغيرهُ قد وثّقه، بل مثل هذا الراوي يُتوقَّف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب. كما قاله الحافظ الذهبي.وإذا جاء التوثيق من المتساهلين فإنه يُنظر. هل وافقهم أحد من الأئمة الآخرين على ذلك؟.فإن وافقهم أحد أُخِذَ بقولهم، وإن انفرد أحدهم بذلك التوثيق فإنه لا يُسلَّم له فإن من عادة ابن حبان توثيق المجاهيل.وأما الجرح فليسوا فيه على منهج واحد، بل منهم من يتساهل مع الضعفاء أيضاً كالعجلي.ومنهم من يتعنّت أحياناً كابن حبان. ولذلك يتعقّبه الذهبي على التعنت في مواضع كثيرة.وأما المعتدلون المنصفون. فإنه يُعتمد على أقوالهم في الحكم على الرواة جرحاً وتعديلاً ما لم يُعارض توثيقهم بجرح مفسّر خال من التعنّت والتشدد فإنه يقدم على التوثيق.
          13. كل طبقة من طبقات نقّاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط: فمن الأولى: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وشعبة أشدّهما. ومن الثانية: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن. ومن الثالثة : يحيى بن معين، والإمام أحمد، ويحيى أشد من أحمد. ومن الرابعة: أبو حاتم الرازي، والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري والفائدة من معرفة ذلك، طلب المقارنة بين أقوال النقّاد من الطبقة الواحدة في حكمها على الراوي.
          14. يُتوقف في قبول الجرح إذا خُشِيَ أن يكون باعثه الاختلاف في الاعتقاد أو المنافسة بين الأقران ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب فكثيراً ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره فكل هذا ينبغي أن يُتأنَّى فيه ويُتأمَّل...) ونظير ذلك في التوثيق ما ذكره الحافظ الذهبي أيضاً أنه (قد يكون نفسُ الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك).
          15. لا يقبل الجرح في حق من استفاضت عدالته واشتهرت إمامته ولذلك لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في الإِمام مالك ولا إلى كلام النسائي في أحمد ابن صالح المصري لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صحّ لتوفرت الدواعي على نقله وفي مقابل ذلك لا يؤخذ بتوثيق إمامٍ لراوٍ اتفق الأئمة على تركه ولذلك أعرضوا عن توثيق الإِمام الشافعي لإِبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم.
          16. لا عبرة بجرح لم يصح إسناده إلى الإِمام المحكي عنه قال الحافظ ابن حجر: (ونقل ابن الجوزي من طريق الكُديْمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال: "أنا لا أروي عنه" -يعني أبان بن يزيد العطار- وهذا مردود لأن الكُديْمي ضعيف) ونظير ما تقدم أن لا يُقبل توثيق لم يصح إسناده إلى الإمام المحكي عنه.
          17. لا يُلتفت إلى الجرح الصادر من المجروح إلّا إذا كان الجارح إماماً له عناية بهذا الشأن وقد خلا الراوي المجروح عن التوثيق ولم تظهر قرينة تدل على تحامل الجارح في جرحه.
          18. لا يلتفت إلى جرح يغلب على الظن أن مصدره ضعيف.ومن ذلك أن عبد الرحمن بن شريح المعافري ثقة اتفاقاً لكن شذّ ابن سعد فقال: ((منكر الحديث)).قال الحافظ ابن حجر: ((لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب والواقدي ليس بمعتمد).
          19. يُتأنى في الأخذ بجرح الإِمام المتأخر إذا عارض توثيق الأئمة المتقدمين حتى يتبين وجهه بما يجرح الراوي مطلقاً ومن ذلك أن أبان بن صالح القرشي مولاهم قد وثّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبو زرعة وأبو حاتم وقال فيه النسائي: (ليس به بأس) .وقال ابن عبد البر: (ضعيف) وقال ابن حزم: ((ليس بالمشهور) قال الحافظ ابن حجر: ((وهذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يُضعّف أباناً هذا أحدٌ قبلهما ويكفي فيه قول ابن معين ومن تقدّم معه)
          20. قد يقع الجرح بسبب الخطأ في النَّسخ من الكتب قال الحافظ الذهبي في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي: ((صدوق، أخطأ ابن حبان بذكره في الضعفاء وعمدته أن البخاري قال: ((تركناه)) كذا نقل فوَهِم على البخاري إنما قال البخاري: ((تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة ومائتين).
          21. الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على قسمين: أحدهما: من احتجَّا به في الأصول. والثاني: من خرّجا له متابعة واستشهادا واعتبارا. فالقسم الأول: الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج على قسمين: 1ـ من لم يُتكلم فيه بجرح فذاك ثقة حديثه قوي وإن لم ينصّ أحد على توثيقه، حيث اكتسب التوثيق الضمني من إخراج الشيخين أو أحدهما له على وجه الاحتجاج، وهما قد التزما بالصحة وشرط راوي الصحيح العدالة وتمام الضبط. 2 ـ من تُكُلِّمَ فيه بالجرح فله حالتان: أ ـ تارة يكون الكلام فيه تعنُّتا والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً. ب ـ وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا لا يَنْحطُّ حديثه عن مرتبة الحسن لذاته. والقسم الثاني: الذين أخرجا لهم في الشواهد والمتابعات والتعاليق: فهؤلاء تتفاوت درجات من أُخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وُجد لغير الإِمام في أحد منهم طعنٌ فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلّا مبيَّن السبب، مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح.
          22. تُراعى اصطلاحات الأئمة فيما يطلقونه من ألفاظ الجرح والتعديل ومن ذلك قول يحيى بن معين: (فلان لا بأس به) يعني ثقة وقوله: ((فلان ليس بشيء)) يعني أن أحاديثه قليلة جداً(.وكذلك مصطلاحات الأئمة في كتبهم كاصطلاح الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال) ((إذا كتبت (صح) أول الاسم فهي إشارة إلى أن العمل على توثيق ذلك الرجل)).
          23. قد تختلف دلالة اللفظ جرحاً وتوثيقاً باختلاف ضبطه مثل قولهم "فلان مُوْد" فإن "مُود" بالتخفيف بمعنى هالك. من قولهم: "أوْدى فلان" أي: هلك. وبالتشديد مع الهمزة "مُؤدّ" أي حسن الأداء(.
          24. قد يرد التوثيق والتضعيف من الأئمة مُقيَّدين فلا يُحْكَمُ بواحد منهما على الراوي بإطلاق بل بحسب ما يقتضيان معاً من جرح وتوثيق ومن صور ذلك مايلي: أ ـ توثيق الراوي فيما حدّث به في بلد دون آخر. وذلك لكون الراوي حدّث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلَّط، وحدّث في مكان آخر من كتبه فضبط، أو لكونه سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط و مثاله معمر بن راشد الأزدي حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، لأن كتبه لم تكن معه، وحديثه باليمن جيّد. ب ـ توثيق الراوي فيما حدّث به عن أهل إقليم دون آخر. وذلك لكون الراوي سمع من أهل مِصْرٍ أو أهل إقليم فحفظ حديثهم وسمع من أهل مِصْرٍ آخر أو إقليم آخر فلم يحفظ حديثهم و مثاله إسماعيل بن عيّاش الحمصي إذا حدث عن الشاميين فحديثه جيد، وإذا حدّث عن غيرهم فحديثه مضطرب. جـ- توثيق رواية الراوي إذا جاءت من طريق أهل إقليم دون آخر. وذلك لكون الراوي قد حدّث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه، وحدّث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه و مثاله زهير بن محمد الخرساني ثم المكي، يروي عنه أهل العراق أحاديث مستقيمة، ويروي عنه أهل الشام أحاديث منكرة. د ـ تضعيف ما حدث به الراوي الثقة عن بعض شيوخه. وذلك لكون الراوي ثقة في نفسه، لكن في حديثه عن بعض شيوخه ضعف بخلاف حديثه عن بقية الشيوخ.ومن أمثلته: 1 ـ جرير بن حازم البصري، يُضَعَّف في حديثه عن قتادة. 2ـ جعفر بن برقان الجزري. قال الإمام أحمد: ((يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري، فأما عن الزهري فلا)). هـ- تضعيف رواية الراوي غير المتقن إذا جمع في الإِسناد عدداً من شيوخه دون ما إذا أفردهم. قال ابن رجب: ((ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يُقْبلُ هذا الجمعُ إلّا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإِفك وغيره.وكان الجمع بين الشيوخ يُنْكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا كما أُنْكرَ على ابن إسحاق وغيره...))(. و ـ توثيق حديث الراوي في وقت دون وقت.وذلك لكون الراوي الثقة قد خلط في أواخر عمره، والرواة المختلطون متفاوتون في تخليطهم، فمنهم من خلط تخليطاً فاحشاً ومنهم من خلط تخليطاً يسيراً، ويلتحق بالمختلطين صنفان. هما: 1 ـ من أضرَّ في آخر عمره وكان لا يحفظ جيداً، فحدّث من حفظه أو كان يُلقَّن فيتلقن. 2 ـ من ساء حفظه لما ولي القضاء ونحوه. فمن المختلطين: 1 ـ صالح بن نبهان (مولى التوأمة)من سمع منه قديماً كمحمد بن أبي ذئب، فسماعه صحيح، ومن سمع منه بعد ما اختلط كسفيان الثوري، فسماعه منه لا شيء.وممن أضرّ في أواخر عمره وكان لا يحفظ جيداً فحدث من حفظه، أو كان يُلقّن فيتلقن: ـ عبد الرزاق بن همّام الصنعاني.قال الإِمام أحمد: ((عبد الرزاق لا يُعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يُلقّن أحاديث باطلة، وقد حدّث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاؤوا بخلافها)).وممن ساء حفظه لمـّا ولي القضاء شريك بن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة ساء حفظه بعد ما ولي القضاء، فما حدّث به قبل ذلك فصحيح. ز ـ تضعيف رواية الراوي من حفظه وتوثيق روايته من كتابه و مثاله يونس بن يزيد الأيلي قال أبو زرعة: ((كان صاحب كتاب، فإذا حدّث من حفظه لم يكن عنده شيء)).
          25. يراعى سياق الكلام الذي ترد أثناءه ألفاظ الجرح والتعديل وقرائن الأحوال التي اقتضت ورودها في الراوي قال الحافظ ابن كثير: ((والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عُرفَ من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك).
          26. قد يتخصص الراوي في فن من فنون الرواية فيكون حجّة في ذلك الفن وأمّا ما سواه من فنون الرواية فقد يحتج به فيه، وقد تقصر درجته عن الاحتجاج، وربما قصرت عن درجة الاعتبار ومثاله عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهورقال الحافظ الذهبي: كان عاصم ثبتاً في القراءة، صدوقاً في الحديث.وقد وثقه أبو زرعة وجماعة وقال أبو حاتم: محله الصدق .وقال الدارقطني: في حفظه شيء. يعني: للحديث لا للحروف.
          27. قد ترد ألفاظ الجرح والتعديل المنقولة من كتب المتقدمين مختصرة أو محكيّة بالمعنى في كتب المتأخرين لاضطرارهم إلى جمع أكبر عدد من الرواة في كتاب واحد، فيؤثر ذلك الاختصار وتلك الحكاية للفظ الجرح والتعديل في الحكم على الراوي توثيقاً وجرحا ولذا يتعيّن توثيق تلك الأقوال من مصادرها الأصلية. ما يتعلق بجهالة الراوي
          28. الجمهور على أن تفرّد الواحد بالرواية عن الشيخ لا يرفع عنه جهالة العين.وأن رواية الاثنين فأكثر عنه تفيد التعريف دون التعديل.
          29. نظراً لسعة مقتضى قاعدة التوثيق التي سلكها ابن حبان في كتابه: (الثقات) اشتهر بالتساهل في توثيق الرواة، لكن ليس ذلك على إطلاقه بل قال الشيخ عبد الرحمن
          ابن يحيى المعلمي: ((التحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يُصَرِّح به كأن يقول (كان متقناً) أو(مستقيم الحديث) أو نحو ذلك. الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخَبَرَهم. الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعْلَم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة. الرابعة:أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة. الخامسة: ما دون ذلك فالأولى لا تَقِلُّ عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يُؤْمَنُ فيها الخلل).
          30. الخلاف في قبول رواية المجهول إنما هو في حق من دون الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأما الصحابة فإن جهالتهم غير قادحة، لأنهم عدول بتعديل الله لهم.
          31. روايات المجهولين على درجات. ويوضّح ذلك قول الحافظ الذهبي: ((وأما المجهولون من الرواة: فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احْتُمِلَ حديثه وتُلُقِّيَ بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ.وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فسائغ رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحرّيه وعدم ذلك.وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم، فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به).
          32. الرواة الذين احتج بهم صاحبا الصحيحين أو أحدهما يكتسبون التوثيق الضمني بذلك، وترتفع عنهم به الجهالة، وإن لم ينصّ أحد على توثيقهم.
          33. لا يلزم من حكم بعض الأئمة بالجهالة على الراوي أن يكون مجهولاً فقد يعرفه غيره فيوثّقه.
          34. قد يقع التجهيل من إمام في حق أئمة مشهورين فلا يضرّهم ذلك شيئاً.
          35. من عادة الأئمة أن لا يطلقوا كلمة (مجهول) إلّا في حق من يغلب على الظن كونه مجهولاً لا يُعْرَفُ مطلقاً، والغالب أن هذا الإِطلاق لا يصدر إلّا من إمام مطّلع. وأما إذا أراد الإِمام أنه لا يَعْرِفُ الرجلَ فإنه يقول: (مجهول لا أعرفه أو لا أعرف حاله).
          36. جميع من ضُعِّفَ من النساء إنما ضُعِّفْنَ للجهالة قال الحافظ الذهبي: ((ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها).
          37. إن الممارسة لأساليب ذوي الانتقاء من الأئمة تُؤكِّدُ ((أن العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه (كما أنّ) المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البِدَعِ موضعاً للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه). ويوضح ذلك مايلي: ـ قول الحافظ ابن كثير: ((وقد قال الشافعي: "أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم" فلم يُفَرِّقْ الشافعي في هذا النص بن الداعية وغيره ثم ما الفرق في المعنى بينهما. - البخاري قد خرّج لعمران بن حطّان الخارجي مادح عبد الرحمن
          ابن مُلْجَم قاتل علي ـ رضي الله عنه ـ وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة) لا سيما وقد جاءت الرواية عند البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير عن عمران بن حطّان وإنما سمع منه يحيى باليمامة حال هروبه من الحجاج، حيث كان يتطلّبه ليقتله لكونه من دعاة الخوارج لكن قال الذهبي :الشيعي الغالي في زمان السلف وعُرْفِهم هو من تكلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا ـ رضي الله عنه ـ وتعرض لسبّهم.والغالي في زماننا وعُرْفِنا هو الذي يُكَفّر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال مفتر وهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .
          ضوابط موضوع الاختلاط : 1 ـ أن صاحبي الصحيحين لم يخرجا من روايات المختلطين في صحيحهما إلّا على سبيل الانتقاء بأحد أمرين: أ ـ أن ترد من طريق من سمع منهم قبل الاختلاط. ب ـ أو ترد من طريق من سمع بعد الاختلاط، لكن حيث يتوافق عدد من الرواة على ذلك، أو يوافقهم عليه الثقات الأثبات، كما هو الشأن فيما يُخرج في المتابعات، أو حيث يُخرج حديث الراوي مقروناً بغيره.قال الحافظ ابن حجر في توجيه ما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة: ((وأمّا ما أخرجه البخاري من حديثه عن قتادة فأكثره من رواية من سمع منه قبل الاختلاط وأخرج عمن سمع منه بعد الاختلاط قليلاً، كمحمد بن عبد الله الأنصاري، وروح بن عبادة، وابن أبي عدي. فإذا أخرج من حديث هؤلاء انتقى منه ما توافقوا عليه.
          و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و برحمته تغفر الزلات والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

          [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
          [CENTER]
          [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

          تعليق


          • #6
            الحلقة
            (6)

            كيفية تعلم علم الحديث بشقيه النظري والتطبيقي
            حتى تصل للحكم على الأحاديث،
            بعون الله وتوفيقه.
            (من بعض المنتديات)
            بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
            أما بعد
            فقد سأل أحد الإخوة عن كيفية تعلم علم الحديث بشقيه النظري والتطبيقي وكنت قد أجبت عن هذا السؤال فيما مضى فأحببت أن أعيد ذكره هاهنا لعل يكون فيه بعض الفائدة لإخواني الكرام.
            وهذا نص السؤال ثم يتلوه الإجابة عليه بعون الله وتوفيقه:
            أريد أن أتعلم علم الحديث لكي أحكم على الأسانيد فما المنهجية في ذلك؟ وكيف؟ وما هي الكتب التي أدرسها؟
            جواب السؤال الأول:
            الحمد لله
            تعلم علم الحديث قائم على شقين:
            الأول: الجانب النظري.
            والآخر: الجانب العملي.
            أما الشق الأول: وهو الجانب النظري فأعني به علم مصطلح الحديث وهو أول ما يجب على طالب علم الحديث البداءة به فيدرس أولا المختصرات ثم المتوسطات ثم المنتهيات.
            فأما المختصرات:
            فأرشح حفظ متن نخبة الفكر للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وهو في غاية السهولة وقد عمل عليه الحافظ ابن حجر شرحًا سماه نزهة النظر شرح نخبة الفكر ثم جاء العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى وعمل شرحًا على نزهة النظر وهو شرح مفيد جدًا وعبارته في غاية من السلاسة
            وقد وجدت هذا الشرح مطبوعًا بمصر بواسطة مكتبة السنة باسم شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر شرح محمد بن صالح العثيمين مع تعليقات الشيخ الألباني فهذا المختصر المفيد أنصح به أخي السائل وغيره ممن كان في مستواه ثم إذا تمت دراسة هذا المختصر دراسة أكاديمية فيمكن الانتقال حينئذٍ إلى المتوسطات
            وأما المتوسطات:
            فأرشح كتابين اثنين وهما كتاب الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث تأليف الحافظ ابن كثير شرح العلامة أحمد محمد شاكر تعليق المحدث محمد ناصر الدين الألباني بتحقيق الشيخ علي حسن الحلبي
            وقد طبع الكتاب في مجلدين بواسطة دار العاصمة بالرياض.
            وأما الكتاب الثاني فهو كتاب الموقظة للإمام شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى
            وأما المنتهيات:
            فأرشح دراسة أحد هذين الكتابين:
            الأول: كتاب تدريب الراوي شرح تقريب النواوي للحافظ السيوطي. الثاني: كتاب فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي تأليف الحافظ السخاوي وأفضل طبعاته التي قام بتحقيقها الشيخ علي حسين علي وهي مطبوعة بمكتبة السنة بمصر
            وقد وجدت لكل واحد من هذين الكتابين ميزة يتميز بها عن الآخر فأما تدريب الراوي فيتميز بسلاسة الأسلوب ويسر العبارة وأما فتح المغيث فيتميز بغزارة المادة العلمية
            ومن درس كلا منهما فهو على خير كثير.
            ويضاف مع أحد هذين الكتابين دراسة كتاب التنكيل للعلامة المعلمي اليماني فهو كتاب عظيم الفائدة.
            وقبل أن أنتقل إلى الشق الآخر وهو الجانب العملي أحب أن أنبه على أمر هام جدًا يجب على طالب علم الحديث أن يلم به كي يطبقه خلال دراسته لعلم المصطلح حيث سيكون له الأثر الكبير في دراسة علم الحديث التطبيقي بإذن الله تعالى وهو:
            التقاط الفوائد الحديثية من هذه المصنفات وتسجيلها في دفاتر خاصة بها مع تخصيص كل دفتر لكل فائدة على حدة وذلك مثل:
            - دفتر لتفسير عبارات الجرح والتعديل.
            - دفتر لأسماء المصنفات الحديثية السنن، المسانيد، المعاجم، الأجزاء الحديثية، المشيخات، التخريجات، كتب العلل، كتب الغرائب والأفراد، كتب الجرح والتعديل العامة والخاصة كالمصنفات التي تشتمل على الثقات والضعفاء أو الثقات فقط والضعفاء فقط وكتب التواريخ والكنى والمؤتلف والمختلف كتب الرجال الخاصة بالكتب الستة كتهذيب الكمال...الخ
            - دفتر لمناهج الأئمة في مصنفاتهم الحديثية....الخ
            مع دوام النظر في هذه الدفاتر حتى تصل إلى درجة استحضار أي فائدة منها في أي وقت كان.
            وأما الشق الآخر: الجانب العملي وهو قائم على عدة حيثيات منها:
            - دراسة كتب المصطلح السابق ذكرها دراسة متعمقة.
            - أن تكون تحت يد طالب الحديث مكتبة شاملة أو شبه شاملة للمصنفات الحديثية المطبوعة وعلى أكبر قدر ممكن من المخطوطات التي لم تطبع بعد.
            - التدريب على كتب التخريجات الحديثية وذلك مثل: السلسلة الصحيحة والضعيفة وإرواء الغليل للشيخ الألباني نصب الراية للزيلعي البدر المنير لابن الملقن.
            وطريقة التدريب قائمة على خطوتين:
            الخطوة الأولى:
            أن تبدأ بالسلسلة الصحيحة والضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله تعالى وتنظر كيف يقوم الشيخ بعمل الخطوات التالية على الترتيب:
            أ – تخريجه للحديث من الكتب وكلما ذكر كتابا فقم أنت فافتح هذا الكتاب واستخرج منه الحديث الذي بين يديك وإذا كان سند هذا الحديث مخرج في أكثر من مصنف فانظر كيف يقوم الشيخ بذكر هذا الإسناد من هذه الكتب كلها وذلك أن يقول مثلا رواه أحمد والترمذي والطبراني في المعجم الكبير من طريق بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعًا به وهكذا.
            ب- الكلام على رواة سند الحديث وسوف تجد الشيخ بدأ الكلام على بشير بن المهاجر فما فوقه وأما من كان أسفل من بشير فلا حاجة هناك للكلام عليهم حيث أن من كان أسفل من بشير كلهم متابعون بعضهم لبعض هذا في غالب الأحوال وأن الحديث دائر على بشير بن المهاجر فهو الذي يجب البدء بالكلام من عنده.
            ج – انظر كيف يورد الشيخ كلام أئمة الجرح والتعديل في رواة هذا الإسناد كل راوٍ على حدة مع التيقظ هل الإسناد متصل؟ أم به انقطاع أو إرسال أو ما شابه ذلك.
            د – كلما يذكر الشيخ كتابا من كتب الجرح والتعديل فافتح هذا الكتاب وانظر كيفية تعامل الشيخ مع هذا الكتاب.
            هـ - إذا كان هناك متابع لبشير بن المهاجر وكانت هذه المتابعة تامة أو ناقصة فانظر كيف يتعامل الشيخ مع هذه المتابعة وهل هذا المتابع يصلح للاعتبار أم لا؟ وهل الإسناد إلى هذا المتابع صحيح أم لا؟ فإن كان صحيحًا صحت المتابعة وإلا فلا.
            و – إذا كان هناك شاهد لحديث بشير بن المهاجر فانظر كيف يتعامل الشيخ مع هذا الشاهد.
            ز- هل هناك مخالفة لبشير بن المهاجر سواء في سند الحديث وهو الأكثر أو في متنه فإن كان كذلك فانظر كيف تكون المخالفة هل هي في إرسال متصل أو وقف مرفوع أو في ذكر شيخ بدلا من شيخ آخر وغير ذلك الكثير.
            وهذا هو علم العلل وهو من أهم علوم الحديث على الإطلاق فينبغي للباحث أن يولي هذا العلم اهتمامًا كبيرًا وأن يكون ملمًا به من حيث مصنفاته ومعرفة العلة القادحة من غير القادحة وما شابه ذلك.
            ح – أن يستمر طالب الحديث في السير على ما رسمته له في النقاط سالفة الذكر حتى ينتهي على الأقل من المجلدين الأولين من السلسلة الصحيحة والضعيفة فإذا انتهى بتوفيق من عند الله تعالى من دراسة هذين المجلدين فليبدأ بالخطوة الثانية.
            الخطوة الثانية:
            أ‌- أن تكلف أحد إخوانك باختيار حديثين أحدهما من السلسلة الصحيحة والآخر من الضعيفة دون إعلامك أي الحديثين من الصحيحة والآخر من الضعيفة ودون أن يكون معهما تحقيقات الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
            ب- ثم قم بتحقيق هذين الحديثين مطبقًا ما تعلمته من النقاط سالفة الذكر مع الحكم عليهما بالصحة أو الضعف.
            ج- قارن بين ما قمت به من تحقيق لكلا الحديثين وانظر هل وافقت الشيخ الألباني في الحكم على أحد الحديثين بالصحة والآخر بالضعف؟ وهل اتبعت نفس الخطوات التي اتبعها الشيخ الألباني؟ فإن كانت النتيجة بالسلب فانظر ما جانب القصور الذي وقعت فيه ثم تداركه في حديثين آخرين على نفس المنوال السابق وإن كانت النتيجة بالإيجاب فاحمد الله تعالى واعلم أنك تسير على الطريق الصحيح ثم داوم على فعل ذلك مع مجلدين آخرين كاملين من مجلدات السلسلة الصحيحة والضعيفة وسوف تجد نفسك مع مرور الأيام ومع إخلاص النية لله تعالى تكتسب موهبة وكلما ازدت في البحث كلما أثقلت نفسك موهبة وخبرة، والعكس صحيح بمعنى أنك لو تكاسلت وضيعت الأيام والليالي كانت النتيجة عكسية تمامًا.
            واعلم أن الحديث بحر لا ساحل له وأنك لو أعطيته كلك أعطاك بعضه.
            والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
            [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
            [CENTER]
            [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

            تعليق


            • #7
              الحلقة
              (7)

              قَوَاعِدٌ فِي كَيْفِيَّةِ الـحُكْمِ عَلَى الـحَدِيثِ
              للشيخ الفاضل
              أبي عمر العتيبي
              "من موقعه حفظه الله"

              الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
              فهذه جملة من القواعد التي يتبعها الباحث أو الناقد عند الحكم على الحديث بالصحة أو الضعف.
              اعلم رحمني الله وإياك ؛ أن الحكم على حديث "ما" بالصحة أو الضعف تتبع فيه خطوتان:
              الخطوة الأولى: الحكم على السند ظاهراً دون الحكم على المتن .
              الخطوة الثانية: الحكم على السند باطناً( ) ، وهنا يكون الحكم على المتن أيضاً [الحكم على الحديث جملة].

              -------------------------------------------

              الخطوة الأولى: الحكم على السند ظاهراً .
              يتبع في ذلك خمسة أمور :
              1- تمييز الراوي عن غيره( ):
              ولمعرفة الراوي طرق منها:
              أ) أن يبينه تلميذه بحيث لا يشتبه مع غيره ،كأن يقول أبو نعيم الفضل بن دكين : حدثنا سفيان بن عيينة،..
              ب) عن طريق تلامذة الراوي وشيوخه في السند يتعرف عليه غالباً ( ).
              ت) أن يُعرف الراوي بملازمته لشيخه ؛ فإذا أبهمه عُرف أنه شيخه المميز ، وإلا فآخر.
              مثل أبي نعيم إذا روى عن سفيان الثوري لم ينسبه ، أما إذا روى عن سفيان بن عيينة فينص عليه( ).
              ومثل سليمان بن حرب إذا روى عن حماد بن زيد لم ينسبه ، أما إذا روى عن حماد بن سلمة نسبه( ).
              ث) عن طريق طبقة( ) الراوي وطبقة شيوخه وتلامذته( ).
              ج) أن ينص إمام معتبر على أن الراوي هو فلان بحيث لا يشتبه مع غيره.
              ومثله إذا وجد في إسناد لأبي داود –مثلاً- فيشتبه مع غيره فينص إمام( ) على أن المشتبه معه لم يخرج له أبو داود .
              حَ) يرجع إلى كتب المتفق والمفترق( ) ، وكتب المؤتلف والمختلف( ) ، وكتب المشتبه( ).
              خ) إذا كان الراوي صحابياً أو يظن أنه صحابي يرجع إلى كتب الصحابة( ) ، وإلى كتب المراسيل ( ) .
              د) إذا كان الراوي بالكنية فيرجع إلى كتب الكنى( ) ، وإذا كان باللقب يرجع إلى كتب الألقاب( ).
              ذ) إذا لم يمكن تمييز الراوي عن غيره ؛ فإذا كانوا –أو كانا- ثقات فالسند صحيح مع اعتبار الشروط الأخرى للتصحيح ، وإذا كانوا –أو كانا- ضعفاء فالسند ضعيف ، وإن كان بعضهم ضعيفاً فيتوقف في تصحيح السند ( )حتى ينظر هل له متابع أو شاهد ؟ وسيأتي تفصيله في الخطوة الثانية -إن شاء الله تعالى- .

              2- معرفة عدالة الراوي : وذلك إما باشتهاره بالعدالة ، وإما بنص إمام (معتبر) على عدالته ، وذلك بشرط خلو الراوي مما يخل بعدالته .
              إذا لم يشتهر الراوي بعدالة ولم يوثق من معتبر فله حالات:
              أ) أن يروي عنه جمع من الثقات ولم يأت بما ينكر عليه فهو ثقة ، ويتأكد ذلك إذا كان من طبقة كبار التابعين وأواسطهم.
              ب) رواية البخاري ومسلم للراوي تعديل له .
              ت) ترتفع جهالة العين برواية ثقة أو راويين عنه( ).
              ث) إذا روى المجهول حديثاً موضوعاً أو منكراً ولا يوجد في سنده من تحمل عليه التبعة فيتهم هذا الراوي المجهول بعهدته( ).
              ج) إذا روى إمام –عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة- عن راو فهو توثيق للراوي وحكم بعدالته عند ذلك الإمام .
              حَ) تصحيح إمام معتبر لإسناد حديث يعد توثيقاً لجميع رواته .

              3- معرفة ضبط الراوي :
              ولمعرفة ضبط الراوي طريقتان:
              الطريقة الأولى: توثيق الأئمة للراوي .
              الطريقة الثاني: بسبر مروياته وتتبعها ، وعرضها على رواية الثقات الحفاظ ؛ فإن كان الغالب عليه الاستقامة والموافقة فهو الثقة ، وإن كان الغالب عليه المخالفة والمنكرات فهو الضعيف أو المتروك ، وإن كانت وجدت عنده المخالفة مع أن الغالب عليه الاستقامة فهو الصدوق وحسن الحديث( ).
              وهنا تسعة أمور للحكم على الراوي:
              أولاً: جمع أقوال من تكلم في الراوي.
              ثانياً: التأكد من صحة نسبتها إليهم( ).
              ثالثاً: معرفةُ من يعتمدُ قوله ممن لا يعتمدُ( ).
              رابعاً: معرفةُ الإمامِ المتَكَلِّمِ في الراوي ؛ هل هو تلميذُ الراوي أم بلديُّهُ أم معاصرٌ له أم متأخرٌ عنه؟ .
              خامساً: معرفةُ درجةِ الإمامِ هل هو معتدلٌ أم متساهلٌ أم متشددٌ؟ .
              سادساً: معرفةُ سبَبِ الجَرْحِ أو التَّعدِيلِ إنْ وُجِدَ.
              سابعاً : تفسيرُ الجرحِ أو نقضِهِ منَ الْمُعَدِّلِ.
              ثامناً: معرفةُ مقاصِدِ الأئمةِ منْ ألفاظِهِمْ ، وعباراتِهِمْ ، وحَرَكاتِهِمُ المتَعَلِّقَةِ بالجَرْحِ والتَّعْدِيلِ( ).
              تاسعاً: الجمعُ والترجيحُ إذا تعارَضتِ أقوالُ الأئمةِ في الراوي. [خلاصةُ القولِ في الراوي].

              4-معرفةُ علاقةِ الراوي معَ شيخِهِ ولَهَا صُورٌ:
              [أ]- إذا كان الشيخُ ممن اختلطَ ، أو تغيَّرَ تَغَيُّراً مُؤَثِّراً على روايتِهِ ؛ فينظرُ هل سمعَ منه الراوي قبلَ اختلاطِهِ أو تغيُّرِهِ أمْ بعدَ ذلك ؟
              فإنْ كان سماعُه منه قبلَ الاختلاطِ أو التَّغَيُّرِ ، والشيخُ في أصلِهِ مقبُولَ الروايةِ قُبِلَتْ روايتُهُ .
              وإنْ كانَ سماعُهُ منهُ بعدَ الاخْتِلاطِ أو التَّغَيُّرِ ؛ رُدَّتْ روايتُه ، وحُكِمَ على السَّنَدِ بالضَّعْفِ .
              وإن كان لا يعرف هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده ، أو سمع منه قبل الاختلاط وبعده ولم يتميز سماعه منه ؛ ردت روايته وحكم على السند بالضعف ( ).
              مثاله: عطاء بن السائب ثقة اختلط فروى عنه شعبة وسفيان الثوري وحماد بن زيد قبل اختلاطه ، وروى عنه جرير وخالد بن عبد الله وابن علية بعد اختلاطه ، وروى عنه حماد بن سلمة قبل الاختلاط وبعده.
              [ب]- معرفة حال الراوي مع شيخه ؛ هل هو مضعف في شيخه أم لا ؟ فإن كان مضعفاً فالسند ضعيف كرواية سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري ( ).
              [ت]- معرفة حال الراوي في أهل بلد ما هل هو مضعف فيهم أم لا؟ ( )
              فإذا كان مضعفاً فيهم وروى عنهم فالسند ضعيف وذلك كرواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين فإنها ضعيفة ( ).
              [ث]- معرفة حال الراوي في أهل بلد ما إذا رووا عنه ؛ هل هم ضعفاء فيه أم لا؟( )
              فإن كانوا ضعفاء فيه ورووا عنه فالسند ضعيف . وذلك كرواية الشاميين عن زهير بن محمد الخراساني فإنها ضعيفة.

              5- معرفة اتصال السند من انقطاعه وفيه سبعة أمور :
              الأول: إن كان رجال السند ثقات ، وصرحوا بالسماع ، أو بما يقتضيه فهو متصل( ).
              الثاني: إن كان السند بالعنعنة أو نحوها ؛ فينظر : هل الراوي عاصر شيخه أم لا؟
              فإن كان لم يعاصره فالسند منقطع .
              الثالث: إن كان الراوي عاصر شيخه ؛ فينظر : هل لقيه أم لم يلقه أم لا يعرف ذلك ؟
              فإن لم يلقه فالسند منقطع .
              وإن لم يعرف فالأصل في الراويين المتعاصرين اللقيا والسماع ما لم توجد قرينة على عدم السماع كنص إمام معتبر ، أو عدم إمكان اللقِيّ لصغر سن راو لا يمكنه التحمل فيه ، أو اختلاف بلد مع التباعد وعدم الرحلة.
              الرابع: إن كان الراوي لقي شيخه ؛ فينظر : هل سمع منه أم لم يسمع منه أم لا يعرف ذلك ؟
              فإن لم يسمع منه فالسند منقطع .
              وإن لم يعرف فالأصل في اللقيا السماع ما لم توجد قرينة على عدم السماع.
              الخامس: إن كان الراوي سمع من شيخه ؛ فينظر : هل هو مدلس أم لا ؟
              فإن كان غير مدلس فالسند متصل.
              السادس: إن كان الراوي مدلساً وروى بالعنعنة أو نحوها عن شيخ سمع منه أو في حكم من سمع منه :

              فإن كان نادر التدليس كأبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أو غير مكثر منه كقتادة والأعمش وأبي إسحاق السبيعي حكم على السند بالاتصال ما لم يتبين خلافه.
              وإن كان من المكثرين من التدليس كابن جريج في غير عطاء ، وكبقية بن الوليد توقف في اتصال السند وحكم بضعفه حتى يتبين حال السند من الطرق الأخرى.
              السابع: إن كان الراوي عاصر شيخه وأمكن اللقاء والسماع ولم يعرف له منه سماع ولكنه مشهور بالإرسال فيحكم على السند بالانقطاع ،فإن كان غير مشهور بالإرسال فالسند متصل على الصحيح ما لم تأت قرينة تبين سماعه من عدمه .

              نتيجة الخطوة الأولى:

              إذا سلم السند من جميع العلل الظاهرة ، وثبتت عدالة الرواة وضبطهم ، وصح سماع بعضهم من بعض صحح السند ظاهراً.
              وإذا وجدت علة من تلك العلل الظاهرة فالسند يرد ولا يقبل .
              فإن كان الضعف الذي في السند قريباً محتملاً صلح للمتابعات والشواهد .

              الخطوة الثانية:
              1- تُطبَّق الخطوة الأولى على إسناد الحديث الذي يراد الحكم عليه بِدِقَّةٍ.
              2- تُجمع طرق الحديث الواحد من مظانِّها .
              أولاً: عن الصحابيِّ نفسه ؛ فتعرفُ المتابعة ،والمخالفة ، ويعرف الشذوذُ ، وتعرفُ العلَّةُ.
              ثانياً: عن الصحابة الذين رووا الحديث نفسه –إن وجدوا أو أحدهم- وهي الشواهد ، ويُلْحق بذلك المراسيل ، والمعضلات ، والموقوفات والمقطوعات التي لها حكم الرفع .
              ولصلاحية الحديث للشهادة شروط ؛ أهَمُّها : أن لا يكون شديد الضعف ، وأن لا يكون شاذاً ولا منكراً .
              وتُطَبَّقُ الخطوة الأولى على جميع أسانيد المتابعات والشواهد والمخالفات .
              تنبيه: للتخريج طرقٌ تعرف تفاصيلها من مظانِّها( ) .
              3- جمع أقوال أئمة الحديث والعلل( ) كالإمام أحمد ، وابن المديني ، وابن معين ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة ، وأبي داود ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ، والخطيب البغدادي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وابن رجب ، والحافظ العراقي ، وابن حجر ، وابن الملقِّن ، وأحمد شاكر ، والألباني وغيرهم في الطرق التي تجمعها حتى يتيسر لك فهم طريقة الأئمة في النقد ، وكيفية الحكم على الأسانيد ، وحتى تستفيد من أقوالهم فيما أشكل عليك ، وحتى تعرف مقدار ضعفك أمام هؤلاء الأئمة الجهابذة .
              4- هذا إجمال الخطوة الثانية وتحتاج إلى تفصيل وتحرير ، ولعل ذلك يكون في وقت قريب -إن شاء الله تعالى- .
              5- اعلم أن الحكم على الحديث من أصعب الأمور وأشقِّها ، ولا يستطيعه إلا كبار المحدثين ، فتأنَّ في الحكم ولا تتسرَّعْ ، واجعل ما كتبته لك للتدريب والتَّمرُّس فقط حتى تتقن علم الحديث .
              وأكثر القراءة في كتب مصطلح الحديث ، وعلله ، وتراجم رواته ، وتراجم الأئمة وفقني الله وإياك لِمَا يحبُّه ويرضاه .
              والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
              كتبه :
              أبو زيد وأبو عمر أسامة بن عطايا العتيبي
              [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
              [CENTER]
              [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

              تعليق


              • #8
                الحلقة
                (

                كتب الأطراف

                إنتقيته من كتاب "مقدمات الكتب الشرعية"

                أبو جهاد الجزائري

                الإيماء إلى أطراف الموطأ لأبي العباس أحمد بن طاهر الداني
                قال أبو العباس أحمد بن طاهر الداني: إني أومئ في هذا الكتاب إلى أحاديث مالك بن أنس في
                ( موطئه ) أترجم عنها بذكر أطرافها وما يدل عليها من مشهور ألفاظها ومعانيها وأذكر أسانيدها مختصرا ما دل على مواقعها فيه بذكر الكتاب أو ترجمة الباب و أشير إلى مواضع الخلف منها بتعيين النكت المختلف فيها وأنبه على القصص المنوطة بها وأبين ما أبهم من أسماء ناقليها وأسند مراسلها وأصل مقطوعها وأرفع موقوفها وأتقصى عللها وأجبر خللها وأوضح ما أشكل معناه وأنفي عنها طرق التعارض والاشتباه وأذيلها بنكت لا يستغني المحدث عنها و أحيل في هذا كله إلى الكتب المستخرج ذلك منها وأبنيه على رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي القرطبي عنه أقدم ما رواه مما انفرد به أو شورك فيه ثم أتبع ذلك ما شذ من سائر الروايات الواصلة إلينا وأذكر رواته و بعض رواته عن مالك ليتصل سنده بذلك وأرتب الكل على حروف المعجم فيما اشتهر به من أسند الحديث إليه من اسم أو كنية
                وأقسمه على خمسة أقسام: الأول: في الأسماء خاصة الثاني: في الكنى والأنساب وسائر الألقاب الثالث: في النساء, الرابع: في الزيادات على رواية يحيى بن يحيى الليثي لسائر رواة الموطأ الخامس: في المراسل
                وأرتب المراسل على أسماء المرسلين في الموطأ من التابعين فمن دونهم وأنسبها إلى من أمكن من رواتها من الصحابة في غير الموطأ وأدل على بعض من أسندها من أئمة الحديث في التواليف المشهورة
                وأذكر المقطوع والموقوف و اللاحق بالمرفوع وسائر الحديث المعلول المضاف إلى الصحابة مع المسند المتصل المرفوع الصحيح وأنبه على ذلك كله وأميز بعضه من بعض وأحيل على مظان وجوده إن شاء الله وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل ثم ذكر أسانيده في كتاب الموطأ رواية يحيى بن يحيى
                ذخيرة الحفاظ أطراف المجروحين لابن حبان للحافظ محمد بن طاهر المقدسي
                قال محمد بن طاهر المقدسي: هذه أحاديث رواها الكذبة والمجروحون والضعفاء والمتروكون يتداولها الناس في احتجاجهم ومناظرتهم أوردتها على ترتيب ألفاظ حروفها لتكون أقرب على من أراد معرفة الحديث الذي يريده منها, و الله أسأل العصمة من الخطإ والزلل
                أطراف الغرائب والأفراد للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي
                قال محمد بن طاهر المقدسي: إن أبا الحسن علي بن عمر الحافظ الدارقطني رحمه الله خرج لنفسه فوائد من الغرائب والأفراد دونت عنه فنقلت وأجمع حفاظ عصره على تفوقه في علمه وجمعوا هذا الكتاب منه ستمائة وسمعت جماعة من أهل الحديث يذكرون أنَّ عيب هذا الكتاب إيراده على غير ترتيب وأنه لو كان مرتباً لعظمت به المنفعة وعمت وأنه لا يمكن استخراج الفائدة منه إلا بعد مشقة وتعب فافتح كتابه بحديث لعائشة رضي الله عنها أخبرناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمر الخطيب الصريفيني قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الفارسي الفراء قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي شريح الفقيه الأنصاري ح وأخبرناه أبو محمد عبد الله بن الحسن بن محمد الحسن الخلال قال حدثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المقرئ الكناني قال وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا سفيان الثوري عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة قالت:
                حكيت إنساناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أحب أني حكيت إنساناً وإن لي كذا وكذا ) وكلامه عليه ويكون برحمته إن شاء الله تعالى ثم أتبعه بحديث عمار بن ياسر وعلى من عهد السباق, ومائة جزء من أجزائه, ولما دخلت بغداد في أول رحلتي إليها, وذلك في سنة سبع وستين وأربعمائة, كنت مع جماعة من طلاب الحديث في بعض المساجد, ننتظر شيخنا فوقف علينا أبو الحسن أحمد بن الحسن المقري وكيل القضاة ببغداد فقال:
                يا أصحاب الحديث اسمعوا ما أقول لكم, فأنصتنا إليه, فقال : كتاب الدار قطني في الأَفراد غير مُرتب, فمن قدر منكم على ترتيبه أفاد واستفاد, فوقع إذ ذاك في نفسي ترتيبه, إلى أن تسهّل الله عز وجل ذلك في سنة خمسمائة, فحصلت نسخه بخط أبي الحسن علي بن محمد الميداني الحافظ, نقلها في خط الدار قطني, وقابلها به, فاستخرت الله عز وجل , ورتبته على ترتيب الأطراف, ليكون فائدة لكل من عرض له حديث أراد معرفته, فإن أصحابنا قديما وحديثا استدلوا على معرفة الصحيح بما صنعه أبو مسعود الدمشقي رحمه الله, وغيره من ( أطراف الصحيحين ) فاهتدوا بذلك إلى معرفته من غير مشقة وتعب وأما الغريب والأفراد فلا يمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس, إلا من برع في صنعة الحديث, فمن جمع بين هذين الكتابين أمكنه الكلام على أكثر الصحيح, والغريب والأفراد
                ثم إنا ذاكرون بعون الله أمام هذا الكتاب نُبَذَا تدل على استحقاقه للاقتداء به والاعتماد على قوله, فإنا رأيناه استدرك على أبي بكر داود قوله على حديث عبد الله بن وهب, عن عمرو بن الحارث, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه, عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) قال إن أبي داود لم يروه عن ابن وهب إلا أحمد بن صالح المقري, قال الدارقطني مستدركاً عليه : قد يتابعه عيسى بن إبراهيم الغافقي, فرواه عن ابن وهب, فعلمنا أن فيما خرّجه من الأحاديث إنما تكلم على توثيقه واحتاط وذكر نقولا في سعة علم الحافظ أبي الحسن الدراقطني وثناء العلماء عليه)
                قال المقدسي : اعلم أن الغرائب والأفراد على خمسة أنواع : النوع الأول : غرائب وأفراد صحيحة, وهو أن يكون الصحابي مشهورا برواية جماعة من التابعين عنه, ثم ينفرد بحديث عنه أحد الرواة الثقات, لم يروه عنه غيره, ويرويه عن التابعي رجل واحد من الأتباع ثقة, وكلهم من أهل الشهرة والعدالة, وهذا حد في معرفة الغريب والفرد الصحيح, وقد أخرج نظائر في الكتابين
                والنوع الثاني : من الأفراد أحاديث يرويها جماعة من التابعين عن الصحابي, ويرويها عن كل واحد منهم جماعة, فينفرد عن بعض رواتها بالرواية عنه رجل واحد, لم يرو ذلك الحديث عن ذلك الرجل غيره من طرق تصح, فإن كان قد رواه عن الطبقة المتقدمة عن شيخه إلا أنه من رواية هذا المتفرد عن شيخه لم يرويه عنه
                والنوع الثالث : أحاديث يتفرد بزيادة ألفاظ فيها واحد عن شيخه, لم يرو تلك الزيادة غيره عن ذلك الشيخ, فينسب إليه التفرد بها, وينظر في حاله والنوع الرابع : متون اشتهرت عن جماعة من الصحابة, أو عن واحد منهم, فروي ذلك المتن عن غيره من الصحابة ممن لا يعرف به إلا من طريق هذا الواحد, ولم يتابعه عليه غيره
                والنوع الخامس : من التفرد أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد, لا توجد إلا من روايتهم, وسنن ينفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها في غير مصرهم, وليس هذا النوع مما أراده الدار قطني, ولا ذكره في هذا الكتاب إلا أن ذكراه في بابه, ولكل نوع من هذه الأنواع شواهد وأدلة لم نذكرها للاختصار, والمتبحر يعلم ذلك في أثناء هذا الكتاب ورُب حديث صحيح متنه مخرج في الصحيح, إلا أن أبا الحسن أورد هاهنا من طريق آخر, ينفرد بروايته بعض المقلة, و له طرق صحيحة على ما بيناه, فيعتقد من لا خبرة له بالحديث أن هذا الأمر لم يروه عن هذا الرجل المتفرد به ليس كذلك, فإن الرواة يتميز بعضهم على بعض بالحفظ والإتقان, فإن عيسى بن يونس يروي عن هشام بن عروة, عن أخيه عبد الله بن عروة, عن عروة, عن عائشة حديث أم زرع, ويرويه غيره ممن لا يحفظ عن هشام غير أبيه عن عائشة, فتلك الطريق المشهورة, فيورده أبو الحسن من هذه الرواية الثانية, ويذكر تفرده به عن هشام, وعلى هذا المثال أحاديث كثيرة, يختلف الرواة في إيراد طرقها, وينفرد بها رجل فيعد في أفراده, ويكون الصحيح خلافه, وإن كانت متونها صحيحة ثابتة من رواية الثقات, ممن ينظر في تفرد باب الحديث في هذا الكتاب عن غيره, فإن كان من الأحاديث المشهورة الصحيحة عرف تفرد هذا الراوي, وأنه قد روي من غير وجه من غير طريقه, وإن كان حُكماً لم يرد إلا من طريق هذا المتفرد, نظر في حاله وحال رواته عن آخرهم, فإن كانوا هم من أهل العدالة, والثقة, والحفظ قبل منه ما تفرد به عنهم, وقد تقدم بابه وهو الصحيح من الأفراد, وإن كانوا من أهل الجرح, والضعف, وسوء الحفظ, وكثرة الخطأ لم يحتج بتفرده, ولم يعتد به, لا سيما الأحاديث التي يتفرد بروايتها أهل الأهواء عن الكذبة المتروكين, والضعفاء و المجروحين, عن الثقات, أو عن أمثالهم من الضعفاء, مثل تعلق معتقداتهم ومذاهبهم, والله يعصمنا من الأهواء المعتلة , والانا المضمحلة, بمنه ولطفه
                فصل : وتختصر على إيراد أطراف ما ذكر أبو الحسن في فوائده, لأنا قصدنا ترتيبه, وأما الغريب والأفراد في الحديث فأضعاف هذا, وليس قصدنا استقصاء هذا النوع
                ورتبناه على الأطراف مختصرا للفائدة, لأنا لو أوردناه بأسانيده ومتونه لطال الكتاب, ولم ينتفع به إلا من كان مسموعا له, وهذا الكتاب لو وقع إلينا عن أصحاب أبي الحسن كان عاليا, ولا يقع إلا عن رجلين عنه, فيكون نزولا لنا, فإنا نظرنا فوجدنا أسند رجل عنده أبو القاسم البغوي, وأقدمهم متونا أبو بكر بن أبي داود, وقد حدثونا عن جماعة من أصحابهما, ثم نظرنا في مولد أبي الحسن فقرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد الميداني رحمه الله على ظهر جزء من الأفراد روايته عن أبي طالب العُشاري, توفي أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله آخر نهار يوم الثلاثاء, السابع من ذي القعدة, سنة خمس وثمانين ودفن في مقابر قبر معروف يوم الأربعاء, وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة فكمل له ست وسبعون سنة ويومان
                فعلى هذا يكون آخر سماعه من البغوي وله إحدى عشرة سنة لأن البغوي توفي سنة سبع عشرة, ومن ابن أبي داود وله عشر سنين لأنه توفي سنة ست عشرة
                وتراه حدث عنهما بالكثير, وكان له رحمه الله مذهباً في التدليس سليم عما يسقط العدالة, ويخفى على كثير من المحدثين,
                كان يقول فيما جمعه من البغوي, حدثنا أبو القاسم إملاء وقراءة, وقرىء عليه وأنا أسمع, ويقول فيما لم يسمع قرىء على أبي القاسم البغوي, حدثكم فلان ولا ينسب إلى نفسه من ذلك شيئاً
                فكان إيراد أحاديثه على الأطراف ( ) لجميع المحدثين, من روى الكتاب من ( ) أحاديثه ينتفع بعلمه, ويخرج آخرون أطراف هذا الكتاب على فصول خمسة, يهتدي بها الطالب إلى بغيته من غير تعب
                فالفصل الأول المسند بالعشرة في هذا الكتاب
                والفصل الثاني مسانيد من اشتهر بالآباء من الصحابة - رضي الله عنه - على المعجم, وترتيب الرواة منهم على المعجم أيضاً, في حين كثرة الرواة عنه
                الفصل الثالث من اشتهر بالكنى وإن كان له اسم معروف أو لم يكن مثل أبي هريرة والخدري والأشعري وغيرهم الفصل الرابع ما أسند عن التسامي هذا النوع من سمى وكنى على المثال الأول
                الفصل الخامس ما تفرد به من المراسيل والمجاهيل, ومن لم يسم ليعرف بذاك المسترشد مقصوده
                تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ أبي الحجاج يوسف المزي
                قال المزي : عزمت على أن أجمع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أطراف الكتب الستة التي هي عمدة أهل الإسلام وعليها مدار عامة الأحكام وهي: ( صحيح محمد بن إسماعيل البخاري ), و( صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري ), و( سنن أبي داود السجستاني ), و( جامع أبي عيسى الترمذي ), و( سنن أبي عبدالرحمن النسائي ), و( سنن أبي عبدالله بن ماجة القزويني )وما يجري مجراها من ( مقدمة كتاب مسلم ), وكتاب ( المراسيل ) لأبي داود , وكتاب ( العلل ) للترمذي, وهو الذي في آخر كتاب ( الجامع ) له, و كتاب ( الشمائل ) له, وكتاب ( عمل اليوم والليلة ) للنسائي, معتمدا في عامة ذلك على كتاب أبي مسعود الدمشقي (1), و كتاب خلف الواسطي (2) في أحاديث ( الصحيحين ), وعلى كتاب ابن عساكر (3) في كتب ( السنن ), وما تقدم ذكره, ورتبته على نحو ترتيب كتاب أبى القاسم, فإنه أحسن الكل ترتيبا, و أضفت إلى ذلك بعض ما وقع لي من الزيادات التي أغفلوها, أو أغفلها بعضهم, أو لم يقع له من الأحاديث, ومن الكلام عليها, و أصلحت ما عثرت عليه في ذلك من وهم أو غلط وسميته : ( تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ), طالبا من الله تعالى التوفيق والمعونة على إتمامه, راجيا ن كرمه و إحسانه أن ينفعني بذلك , ومن كتبه, أو قرأه, أو نظر فيه, وأن يجعله لوجهه خالصا, وإلى مرضاته مقربا, ومن سخطه مبعدا, فإنه لا حول ولا قوة إلا به, وهو حسبنا ونعم الوكيل
                فصل في شرح الرقوم المذكورة في هذا الكتاب : علامة ما اتفق عليه الجماعة الستة ( ع ), وعلامة ما أخرجه البخاري ( خ ), وعلامة ما استشهد به تعليقا ( خت ), وعلامة ما أخرجه مسلم ( م ), وعلامة ما أخرجه أبوداود ( د ), و علامة ما أخرجه الترمذي في (الجامع) ( ت ), وعلامة ما أخرجه في (الشمائل)( تم ), وعلامة ما أخرجه النسائي في (السنن) ( س ), وعلامة ما أخرجه في كتاب (عمل وليلة) ( سي ), و علامة ما أخرجه ابن ماجة القزويني ( ق )
                وما في أوله ( ز ) من الكلام على الأحاديث فهو مما زدته أنا, وما قبالته (كـ ) فهو مما استدركته على الحافظ أبي القاسم ابن عساكر رحمة الله عليهم جميعا, وكان الشروع فيه يوم عاشوراء سنة ستة وتسعين و ستمائة, وتم في الثالت من ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين و سبعمائة (1)
                تحفة الظراف بأوهام الأطراف للحافظ ابن حجر العسقلاني
                قال ابن حجر : من الكتب الجليلة المصنفة في علوم الحديث كتاب ( تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف ) تأليف شيخ شيوخنا الحافظ أبى الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي, وقد حصل الإنتفاع به شرقا وغربا, وتنافس العلماء في تحصيله بعدا وقربا, وكنت ممن مارسه ودارسه, فوقفت أثناء العمل على أوهام يسيرة, فكنت أكتبها في طرر عندي تارة, وفي هوامش النسخة أخرى, ثم وقفت على (جزء) جمعه العلامة مغلطاي في ذلك, فيه أوهام منه, ثم وجدت جملة من الأحاديث أغفلها, وخصوصا من كتاب النسائي, رواية ابن الأحمر وغيره, وكذلك من تعاليق البخاري, ثم وقفت على (جزء) لطيف بخط المصنف, تتبع فيه أشياء كثيرة من كتاب النسائي رواية ابن الأحمر, وسماه ( لَحْقُ الأطراف ), ثم رأيتها بخطه في هوامش نسخة تلميذه الحافظ عماد الدين ابن كثير بدمشق, ونقلت كثيرا من هوامش نسخة شيخي حافظ العصر أبي الفضل, ثم وقع لي (جزء) لطيف بخط الإمام الحافظ القاضي ولي الدين ابن شيخنا المذكور, جمع فيه بين حواشي والده وبين (جزء) مغلطاي, و أضاف إليه من عمله هو شيئا يسيرا, و أكثر فيه من التنبيه على أوهام مغلطاي, فذاكرته (بالجزء) الذي جمعه المزي, وفي ( الأشراف ), وأوقفته عليه, فألحق ما فيه في هوامش نسخته بخطه, فسألني الآن جماعة من الإخوان خصوصا المغاربة في جمع ذلك, فجمعته كله على ترتيب الأصل, ليستفاد, وأكثر ذلك ما هو من عملي و تنقيبي, ولا أدعي العصمة ولا الإستيعاب, مع أن حجمه أضعاف حجم كتاب العراقي, ومع ذلك فكتابه يكون قدر العشر من كتابي هذا, والله المستعان, مع أنى لم أتشاغل فيه بمغلطاي غالبا, بل اقتصرت على ما لا اعتراض فيه, ولا تعقب وهذه رقوم الأصل البخاري ( خ ), وله في التعليق ( خت ), ومسلم ( م ), وأبوداود ( د ), والترمذي( ت ), وله في (الشمائل) ( تم ), والنسائي ( س ) وله في (عمل يوم ليلة) ( سي ), وابن ماجة ( ق )
                أطراف مسند الإمام أحمد المسمى إطراف المسنِد المعتلي بأطراف المسند الحنبلي للحافظ ابن حجر العسقلاني
                قال ابن حجر : هذا كتاب أطراف الأحاديث التي اشتمل عليها المسند الشهير الكبير للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل مع زيادات ابنه, رتبت أسماء الصحابة الذين فيه على حروف المعجم, ثم من عرف بالكنية, ثم المبهم, ثم النساء كذلك, فإن كان الصحابي مكثرا رتبت الرواة عنه على حروف المعجم, فإن كان بعض الرواة مكثرا على ذلك المكثر فربما رتبت الرواة عنه أيضا, أو رتبت أحاديثه على الألفاظ , وقد أشرت في أوائل تراجم الصحابة المقلين إلى أماكنها من الأصل
                وأما من كان مكثرا فأني أرمز على اسم شيخ أحمد عددا بالهندي, يعلم منه محل ذلك في أي جزء هو من مسند ذلك الصحابي, وإذا كان الحديث عنده من طريق واحدة سقت إسناده بحروفه, فان كان المتن قصيرا سقته أيضا بحروفه, إن لم يكن مشهور اللفظ , وإلا اكتفيت بطرفه, وإذا كان الحديث عنده من طرق جمعتها في مكان واحد بالعنعنة, واللفظ حينئد لأول شيخ يذكر, وإذا كان من زيادات عبد الله قلت في أول الإسناد : قال عبد الله, ( وأسند عن إبراهيم النخعي : قال: لا باس بكتابة الأطراف )
                وهذه أسماء المسانيد التي اشتمل عليها أصل المسند: 1- مسند العشرة, وما معه 2- ومسند أهل البيت, وفيه مسند العباس وبنيه 3- ومسند ابن عباس 4- ومسند عبد الله بن عباس 5- ومسند أبي هريرة 6- ومسند عبد الله بن عمر 7- ومسند عبد الله بن عمرو بن العاص 8- ومسند أبي سعيد الخدري 9- ومسند أنس 10- ومسند جابر 11- ومسند الأنصار 12- ومسند المكيين والمدنيين 13- ومسند الكوفيين 14- ومسند البصريين 15- ومسند الشاميين 16- ومسند عائشة 17- ومسند النساء[ وذكر أسانيده إلى المسند ]
                إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة للحافظ ابن حجر العسقلاني
                قال ابن حجر : أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الحاكم أن عمر بن حسين أخبرهم قال: أنا أبو الفرج ابن نصر أنا أبوطاهر بن المعطوش, أنا الحافظ أبوالبركات الأنماطي, أبو محمد الخطيب, أنا عمر بن إبراهيم الكناني, ثنا أبو القاسم البغوي , ثنا أبو خيثمة في كتاب ( العلم ) له, حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم قال : لا بأس بكتابة الأطراف, وهذا الأثر إسناده صحيح , وهو موقوف على ابراهيم بن يزيد النخعي, أحد فقهاء التابعين, وعنى بذلك ما كان السلف يصنعونه من كتابة أطراف الأحاديث, ليذاكروا بها الشيوخ فيحدثوهم بها, قال ابن أبي خيثمة في ( تاريخه ) حدثنا مسدد, ثنا حماد بن زيد, عن ابن عون, عن محمد بن سيرين, قال: كنت ألقى عبيدة هو ابن عمرو السلماني بالأطراف, إسناده صحيح أيضا
                ثم صنف الأئمة قفي ذلك تصانيف قصدوا بها ترتيب الأحاديث, وتسهيلها على من يروم كيفية مخارجها, فمن أول من صنف في ذلك خلف الواسطي, جمع أطراف ( الصحيحين ), وأبو مسعود الدمشقي جمعها أيضا, و عصرهما متقارب, وصنف الداني أطراف ( الموطأ ), ثم جمع أبوالفضل ابن طاهر أطراف السنن, وهي لأبي داود والنسائي, والترمذي, و ابن ماجة, وأضافها الى أطرف ( الصحيحين ), ثم تتبع الحافظ أبو القاسم بن عساكر أوهامه في ذلك, وأفرد أطراف الأربعة, ثم جمع الستة أيضا الحافظ قطب الدين القسطلاني, ثم الحافظ أبو الحجاج المزي, وقد كثر النفع به ثم إني نظرت فيما عندي من المرويات فوجدت عدة تصانيف, قد التزم مصنفوها الصحة, فمنهم من تقيد بالشيخين كالحاكم, ومنهم من لم يتقيد كابن حبان, والحاجة ماسة إلى الإستفادة منها, فجمعت أطرافها على طريقة الحافظ أبي الحجاج المزي وترتيبه, إلا أني أسوق ألفاظ الصيغ في الإسناد غالبا, لتظهر فائدة ما يصرح به المدلس, ثم إن كان حديث التابعي كثيرا رتبته على أسماء الرواة عنه غالبا, وكذا الصحابي المتوسط, وجعلت لها رقوما أبينها : فللدارمي وقد أطلق عليه الحافظ المنذري اسم الصحيح, فيما نقله الشيخ علاء الدين مغلطاي فيما رأيته بخطه ( مي ), ولابن خزيمة ( خز ), ولم أقف إلا على ربع العبادات بكامله, ومواضع مفرقة من غيره, ولابن الجارود, وقد سماه ابن عبدلبر وغيره (صحيحا) ( جا ) , وهو في التحقيق مستخرج على ( صحيح ابن خزيمة ) باختصار, ولابي عوانة وهو في الأصل مستخرج على مسلم, لكنه زاد فيه زيادات كثيرة جدا من الطرق المفيدة, بل ومن الأحاديث المستقلة( عه ), و لابن حبان ( حب ), وللحاكم أبي عبد الله في ( المستدرك ) ( كم ), ثم أضفت إلى هذه الكتب الستة كتب أخرى, و هي ( الموطأ ) لمالك , و( المسند ) للشافعي, و( المسند ) للامام أحمد, و ( شرح معاني الآثار ) للطحاوي, لأني لم أجد عن أبي حنيفة مسندا يعتمد عليه, فلما صارت هذه عشرة كلملة أردفتها ( بالسنن ) للدراقطني جبرا لما فات من الوقوف على جميع ( صحيح ابن خزيمة) وجعلت للطحاوي ( طح ) وللدراقطني ( قط ), فإن أخرجه الثلاثة الأول أفصحت بذكرهم, أعني مالكا والشافعي وأحمد, وقد ذكرت أسانيدي إلى أصحاب التصانيف المذكورين بتصانيفهم المذكورة ( وذكر الأسانيد )
                تسديد القوس في ترتيب الفردوس للحافظ ابن حجر العسقلاني
                قال ابن حجر : كنت أرى شيخنا الإمام شيخ الإسلام حافظ عصره زين الدين المكنى بأبي الفضل العراقي تغمده الله برحمته, يكشف كثيرا عن الأحاديث الغريبة التي يسال عنها من (مسند الفردوس) الذي أخرجه الحافظ أبو منصور شهردار بن الإمام أبي شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي الأصل الهمداني, فأسند الأحاديث التي ذكرها والده في كتاب (الفردوس), الذي ضاهى به كتاب الفضائل, مقتصرا فيه على الألفاظ النبوية, وذكر أن كتاب (الشهاب) ألف حديث, فجمع هو في (الفردوس) اثني عشر ألف من المسانيد, والجوامع, والنسخ, والصحف, ورتب ذلك على حروف المعجم.فلما تأملته وجدته بالنسبة لأصل موضعه سهل الكشف على من لم يستحضر كثيرا من هذه الأحاديث, بدلالته على من خرجها, ليراجع الناظر في ذلك ما يحتاج إلى مراجعته بحسب وسعه, مع تسهيله بتوتيب الكتاب على الحروف, وعسر ذلك جدا فإنه رتب الحرف الواحد على فصول كثيرة, بحسب تصاريف الكلمة, وبالغ في ذلك حتى فات مقصود الترتيب, وهو تسهيل الكشف, وصار من يريده يحتاج في مراجعة الكلمة إلى تصفح الفصول المتعددة, فرأيت أن ترتيبه على الحروف, مراعيا الثاني والثالث وكذا الرابع وما بعده غالبا أولى, فاختصرت الكتاب المذكور مقتصرا طرق كل حديث (1)
                ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث للشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي
                قال عبد الغني بن إسماعيل النابلسي: يقول العبد الفقير إلى مولاه الخبير عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة النابلسي الدمشقي الحنفي عاملهم الله تعالى في الدنيا والآخرة بلطفه الخفي :لما كانت كتب الحديث الشريف النبوي جامعة لأنواع الروايات, ولامعة في قلوب الأفاضل بأسرار العلوم والدرايات, وحاوية للأسانيد المختلفة, والتخاريج والتحاويل المؤتلفة, عن الأساتذة الثقات, و كانت الكتب الستة من بين كتب الحديث مشهورة عند علماء الإسلام, وقد اعتنت بروايتها ودرايتها الأكابر الاماجد من الحفاظ الأعلام, وهي : كتاب ( الصحيح من السنن ) للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري, وكتاب ( الصحيح ) للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري, وكتاب ( السنن ) للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني, وكتاب ( السنن ) للحافظ أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي, وكتاب (السنن الصغرى ) المسماة ( المجتبى من السنن ) للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن علي النسائي, وقد اختلف في السادس فعند المشارقة هو كتاب ( السنن ) لأبي عبد الله محمد بن ماجة القزويني, و عند المغاربة كتاب ( الموطأ ) للإمام مالك بن أنس الأصبحي رحمهم الله تعالى وكانت الحاجة داعية لعمل أطراف لهذه الكتب السبعة المذكورة على طريقة الفهرست, لمعرفة موضع كل حديث منها, ومكان كل رواية مأثورة, وأن يكون ذلك على وجه الاختصار من غير إخلال ولا إملال, ولا إكثار, شرعت في كتابي هذا على هذا الوصف المشروح, فجاء بحمد الله تعالى مما تقر به العين, ويفرح به القلب, وتنشط له الروح.
                وقد سبقني إلى التصنيف في ذلك أجلاء الأئمة من العلماء الأخيار, فتشبتث بأذيالهم في اقتفاء هذا الأثر ولحوق هذا الغبار, إذ كان أول من صنف في ذلك الإمامان الحافظان أبو محمد خلف بن محمد بن علي الواسطي, وأبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي, فجمعا أطراف ( الصحيحين ) فقط, فكان كتاب خلف أحسنهما جمعا, وأقلهما خطأ ووهما, ثم صنف في ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي, فجمع أطراف الكتب الستة المذكورة غير ( الموطأ ), لكن حصل في كتابه من الخلل, ما شهد به بعض أقرانه من أئمة القول والعمل, ثم صنف بعده الحافظ الإمام أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي أطراف الكتب الأربعة, وهي ما عدا ( الصحيحين ), و( الموطأ ), فإنه اكتفى بأطراف خلف وأبى مسعود المذكورين فلما رأى ذلك العلامة عمدة الحفاظ أبو الحجاج يوسف المزي مشى على طريقته الأنيقة, وسار على سيرته متمسكا بعراه الوثيقة, وجمع أطراف الكتب الستة أكمل جمع, فشرح صدر الطالبين وأطرب السمع, ولكنه أطال إلى الغاية و أسهب, وركب في تكرار الروايات كل أدهم وأشهب, وأكثر من ذكر الوسائط فيما بعد الصحابي من الرواة, بحيث من أراد استخراج حديث منه فلا بد من معرفة صحابيه, وتابعيه, وتابع تابعيه, وما بعد ذلك بلا اشتباه, وسرد أسانيد الكتب الستة على التمام, مما يحصل به الغنية بمراجعة المتون الموجودة بأيدي أهل الإسلام, مع إخلاله في بعض المواضع بروايات لم يحذ فيها على حذوه في إتمام الأسانيد الموجودة عند الثقات, حتى جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى فاستدرك عليه أشياء عديدة, ومواضع محتاجة إلى البيان مما كانت إعادته لها مفيدة في مجلدة كبير, واف بعلم كثير سماه ( النكات الظراف على الأطراف )
                وقد ظفرنا للشيخ الإمام العمدة الرحلة الشريف ابن الشريف أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن الحسيني تلميذ الحافظ المزي ببعض أجزاء من أطراف للكتب الستة أحاديثها مرتبة على حروف المعجم, و أسماء الصحابة فيها مذكورة في أثناء ذلك, وقد تبع فيه شيخه المزي في سرد أسانيد كلها من الكتب الستة, ولكنه حذف الوسائط والتكرار, وسلك فيه مسلكا لطيفا تنشرح به الخواطر والأفكار
                فدونك أيها الطالب الراغب في حصول أسنى المواهب, كتابي هذا المفيد للمراد بأدنى ارتياد, وقد سلكت فيه مسلك من تقدمني من الترتيب, وبنيته على مثال تلك الأبنية مع التبويب, ولكني اقتصرت على بيان الرواية المصرح بها دون المرموزة, ولن أذكر من الأسانيد غير مشايخ أصحاب الكتب على طريقة وجيزة واقتصرت على ذكر الصحابة الأولين, وتركت ذكر الوسائط كلها من التابعين, وتابعي التابعين, ولم أكرر رواية, بل وضعت كل شيء في موضعه بداية ونهاية, وزدت أطراف روايات ( الموطأ ) للإمام مالك, من رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي فإنها المشهورة بين الممالك, وجعلت كان ( سنن ) الإمام النسائي الكبرى حيث قل وجودها في هذه الأعصار ( سننه الصغرى ) المسماة ( المجتبى من سنن النبي المختار )
                وقد اعتبرت المعنى أو بعضه دون اللفظ في جميع الروايات, بحيث تذكر الرواية من الحديث, و يشار برموز الحروف إلى ما يوافقها في المعنى دون الكلمات, فعلى الطالب أن يعتبر في مطلوبه المعاني, وهذا أمر واضح عند من يتداول كتب الأطراف ولها يعاني, وإن روى الحديث الواحد عن جملة من الصحابة ذكرت أسماؤهم في محل واحد, أذكر ذلك في مسند واحد منهم, اكتفاء بحصول المقصود والإصابة, وإذا أردت الاستخراج منه فتأمل في معنى الحديث الذي تريده في أي شيء هو, ولا تعتبر خصوص ألفاظه, ثم تأمل الصحابي الذي عنه رواية ذلك الحديث, فقد يكون في السند عن عمر أو انس مثلا والرواية عن صحابي آخر مذكور في ذلك الحديث, فصحح الصحابي المروي عنه ثم اكشف عنه في محله تجده إن شاء الله تعالى
                ورمزت للكتب السبعة بالحروف هكذا ( خ ) (لصحيح البخاري), ( م ) (لصحيح مسلم), ( د ) (لسنن أبي داود),( ت ) (لسنن الترمذي), ( س ) (لسنن النسائي), ( هـ ) (لسنن ابن ماجة), ( ط ) (لموطأ الإمام مالك), ورتبته على سبعة أبواب, كل باب منها مرتب ما فيه على ترتيب حروف المعجم, تسهيلا للاستخراج منه على أولي الألباب
                الباب الأول في مسانيد الرجال من الصحابة أهل الكمال, الباب الثاني في مسانيد من اشتهر منم بالكنية, الباب الثالث في مسانيد المبهمين من الرجال على حسب ما ذكر فيهم من الأقوال, الباب الرابع في مسانيد النساء من الصحابيات الباب الخامس في مسانيد من اشتهر منهن بالكنية, الباب السادس في مسانيد النساء المبهمات من النساء الصحابيات, الباب السابع في ذكر المراسيل من الأحاديث, وفي آخره ثلاثة فصول في الكنى وفي المبهمين وفي مراسيل النساء
                [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
                [CENTER]
                [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

                تعليق


                • #9
                  الحلقة
                  (9)

                  كتب الزوائد

                  إنتقيته من كتاب "مقدمات مهمة للكتب الشرعية"

                  أبو جهاد الجزائري

                  مجمع الزوائد ومنبع الفوائد
                  قال الهيثمي: كنت قد جمعت زوائد ( مسند الإمام أحمد ) وأبي يعلى الموصلي وأبي بكر البزار ومعاجيم الطبراني الثلاثة رضي الله تعالى عن مؤلفيهم وأرضاهم وجعل الجنة مثواهم كل واحد منها في تصنيف مستقل ما خلا المعجم الأوسط والصغير فإنهما في تصنيف واحد (1) فقال لي سيدي وشيخي العلامة شيخ الحفاظ بالمشرق والمغرب ومفيد الكبار ومن دونهم الشيخ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه اجمع هذه التصانيف واحذف أسانيدها لكي تجتمع أحاديث كل باب منها في باب واحد من هذا فلما رأيت إشارته إلي بذلك صرفت همتي إليه وسألت الله تعالى تسهيله والإعانة عليه وأسأل الله تعالى النفع به إنه قريب مجيب وما تكلمت عليه من الحديث من تصحيح أو تضعيف وكان من حديث صحابي واحد ثم ذكرت له متناً بنحوه فإني أكتفي بالكلام عقب الحديث الأول, إلا أن يكون المتن الثاني أصح من الأول، وإذا روى الحديث الإمام أحمد وغيره, فالكلام على رجاله إلا أن يكون إسناد غيره أصح، وإذا كان للحديث سند واحد صحيح اكتفيت به, من غير نظر إلى بقية الأسانيد, وإن كانت ضعيفة، ومن كان من مشايخ الطبراني في ( الميزان ) (1) نبهت على ضعفه، ومن لم يكن في ( الميزان ) ألحقته بالثقات الذين بعده، و الصحابة لا يشترط فيهم أن يخرج لهم أهل الصحيح, فإنهم عدول، وكذلك شيوخ الطبراني الذين ليسوا في ( الميزان ) [ ثم ذكر أسانيده على هذه الكتب ].والحمد لله وحده.(2)
                  موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للحافظ أبي الحسن الهيثمي
                  قال الهيثمي: قد رأيت أن أفرد زوائد صحيح أبي حاتم محمد بن حبان البستي رضي الله عنه على صحيح البخاري ومسلم رضي الله عنهما مرتبا ذلك على كتب فقه أذكرها لكي يسهل الكشف منها فإنه لا فائدة في عزو الحديث إلى صحيح ابن حبان مع كونه في شيء منهما وأردت أن أذكر الصحابي فقط وأسقط السند اعتمادا على تصحيحه فأشار علي سيدي الشيخ الإمام العلامة الحافظ ولي الدين أبو زرعة ابن سيدي الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام أبي الفضل عبد الرحيم بن العراقي بأن أذكر الحديث بسنده لأن فيه أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ فرأيت أن ذلك هو الصواب فجمعت زوائده ورتبتها على كتب وقد سميته موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان وأسأل الله النفع به لي وللمسلمين آمين
                  غاية المقصد في زوائد المسند للحافظ أبي الحسن الهيثمي
                  قال الهيثمي: كنت قد كتبت من زوائد الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه زوائده على الكتب الستة بغير تأمل تام ولا نظر شاف ثم شغلت عنه بزوائد أبي بكر البزار وأبي القاسم الطبراني وبمعجميه الأوسط والصغير و أبي يعلى الموصلي فرأيت حين جمعت زوائد هذه الكتب أني قد فرطت في زوائد المسند لما ظهر لي من الخلل من سقوط أحاديث فيه بسبب سنن النسائي الكبير وما فيه من الزوائد على المجتبى وغير ذلك مني فاهتممت لذلك لأن إفراد المسند غالبا أصح من إفراد ما ذكرت من هذه الكتب فصرفت إليه وسألت الله تعالى الإعانة عليه فذكرت فيه ما انفرد به الإمام أحمد وولده أبي عبد الرحمن من حديث مرفوع بتمامه وحديث شذ لهم فيه أو بعضهم وفيه زيادة فربما كانت الزيادة في أول الحديث وهو طويل فأقتصر عليها وربما كانت في آخره فتارة أقتصر عليها وتارة أذكره كله وأزيد بقولي رواه فلان خلا فلان باختصار.
                  وربما سمع عبد الله بن الإمام أحمد الحديث من أبيه ومن شيخ أبيه فيقول: حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن أبي شيبة وسمعته أنا من ابن أبي شيبة فأذكره كذلك وما زاده عبد الله فأقول في أوله : قال عبد الله : حدثنا فلان وأما زاده النسائي في ( سننه الكبرى ) فكتاب التفسير, والمناقب, والسير, وأكثر عشرة النساء, وبعض الصوم, فمن ذلك أحاديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ), وعمل اليوم والليلة وغير ذلك وأذكر أيضا ما رواه أبو داود في ( المراسيل ) إذا انفرد به, فيما لم يحصل لي روايته, وما رواه البخاري معلقا, أو خارج ( الصحيح ), والترمذي في ( الشمائل ), ونحو ذلك
                  وقد سميته غاية لمقصد في زوائد المسند وأسال الله النفع به آمين وقد أنهيت زوائد الشيخ أبوعبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري قراءة عليه في الرحلة الأولى بدمشق سنة أربع وخمسين وسبعمائة [ ثم ذكر سنده ( لمسند الإمام أحمد ]
                  كشف الأستار عن زوائد البزار للحافظ أبي الحسن الهيثمي
                  قال الهيثمي: قد رأيت مسند الإمام أبي بكر البزار المسمى بالبحر الزخار قد حوى جملة من الفوائد الغزار يصعب التوصل إليها على من التمسها ويطول ذلك عليه قبل أن يخرجها فأردت أن أتتبع ما زاد فيه على الكتب الستة من حديث بتمامه وحديث شاركهم في أصله وفيه زيادة مميزا بقولي قلت رواه فلان خلا كذا أو نحو هذا وربما ذكر الحديث بطرق فيكتفي بذكر سند الحديث الثاني ثم يقول فذكره أو فذكر نحوه وما أشبه ذلك فأقول بعد ذكر السند قال فذكره أو قال فذكر نحوه وربما ذكر السند والمتن فأقول: قلت فذكره أو فذكر نحوه وإذا تكلم على حديث بجرح لبعض رواته أو تعديل بحيث طَوَّل اختصرت كلامه من غير إخلال بمعنى, و ربما ذكرته بتمامه إذا كان مختصرا وقد ذكر فيه جرحا وتعديلا مستقلا لا يتعلق بحديث بعده وروى فيه أحاديث بسنده فرويت الأحاديث و الكلام عليها إن كان تكلم عليها وتركت ما عداه وقد ذكرت فيه ما رواه البخاري تعليقا وأبو داود في المراسيل والترمذي في الشمائل والنسائي في غير السنن الكبرى مثل أن يرويه النسائي في المناقب أو التفسير أو السير أو الطب أو غير ذلك مما هو ليس في نسختي وقد عزا سيدنا شيخ الحفاظ جمال الدين المزي - رضي الله عنه - وأرضاه إلى غير ذلك في النسائي أحاديث لا يحصرها إلا من تفرغ لها, وأفردها بتصنيف من غير ذكر أنه ليست في ( المجتبى ) ولم أرها فيه فذكرتها أيضا, وقد روى الطبراني في ( المعجم الكبير ) حديث ابن عباس رفعه: ( كل أحد يؤخذ من قوله ويدع إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ) ولله أسأل أن ينفع به انه قريب مجيب, وقد سميته : ( كشف الأستار عن زوائد البزار )
                  المقصد الأعلى في زوائد أبي يعلى للحافظ أبي الحسن الهيثمي
                  قال الهيثمي: قد نظرت مسند الإمام أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلى فرأيت فيه فوائد غزيرة لا يفطن إليها كثير من الناس فعزمت على جمعها على أبواب الفقه لكي يسهل الكشف عنها لنفسي ولمن أراد ذلك وسميته المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي فذكرت ما انفرد به عن أهل الكتب الستة من حديث بتمامه ومن حديث شاركهم فيه أو بعضهم وفيه زيادة وأنبه على الزيادة بقولي أخرجه فلان خلا قوله كذا أو لم أره بتمامه عند أحد منهم ونحو ذلك هذا من الفوائد وربما ذكر الإمام أبو يعلى بعد الحديث أحيانا ثم يقول فذكره أو ذكر نحوه فإذا ذكرت ذلك أقول قال فذكره وما كان من ذلك ليس فيه قال فهو من تصرفي وما كان فيه من ذلك رواه البخاري تعليقا والنسائي في الكبير ذكرته وما كان في النسائي الصغير المسمى بالمجتبى لم أذكره ثم ذكر سنده للكتاب وما كان فيه من حديث في أوله كـ فهو من المسند الكبير لأبي يعلى أيضا وما نظرت منه سوى مسند العشرة
                  بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للحافظ أبي الحسن الهيثمي
                  قال الهيثمي: إن سيدي وشيخي شيخ الإسلام زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي أحسن الله إليه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه أهلنى لإفراز كتب فسررت بذلك ثم أمرني بتخريج زوائد مسند الحارث بن محمد بن أبي أسامة وزادني في ذلك رغبة حظ سيدي وشيخي الشيخ ولي الدين أبي زرعة ولد شيخي أحسن الله إليه على ذلك فجمعتها من نسخة من تجزئة سبعة وثلاثين جزءا فوجدتها ناقصة الجزء الثالث عشر ومقداره عشر ورقات أو نحوها وصفحة من أول الجزء الحادي عشر وصفحة من أول الجزء الأخير وأنا أتطلب ذلك إلى الآن لم أجدها وعسى أن يسهلها الله بمنه وفضله آمين
                  مجمع البحرين في زوائد المعجمين للحافظ أبي الحسن نور الدين الهيثمي قال الهيثمي: قد رأيت المعجم الأوسط والمعجم الصغير لأبي القاسم الطبراني ذي العلم الغزير قد حويا من العلم ما لا حصل لطالبه إلا بعد كشف كبير فأردت أن أجمع منها كل شاردة إلى باب من الفقه يحسن أن تكون فيه واردة فجمعت ما انفرد به عن أهل الكتب الستة من حديث بتمامه وحديث شاركهم فيه بزيادة عنده مميزا لها بقولي أخرجه فلان خلا كذا أو ذكرته لأجل كذا ولم أرده بهذا السياق وشبه هذا وأخرجت فيه أيضا ما رواه الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبير مما ليس في المجتبى الصغير كعمل اليوم والليلة والتفسير والسير والمناقب والطب والصوم وليس هو في الصغير ذكرته وقلت أخرجه الشيخ جمال الدين في الأطراف وليس هو في المجتبى أو لم أره في نسختي فما كان من حديث على أوله ق فهو في المعجم الصغير والأوسط بإسناد سواء ومتنه بنحوه أو مثله وما كان على أوله ص فهو ما انفرد به الصغير وما كان من الصغير وله أسانيد في الأوسط بدأت بإسناد الصغير وذكرت طرفه من الأوسط مستمدا من الله العون على هذا ...وكل كلام أقول في أوله قلت فهو من كلامي وما كان من كلام على الحديث فهو من كلام الطبراني وربما اختصرت من كلامه لطوله ولا أظن الإخلال بمعناه إن شاء الله وربما قال لا يروى عن فلان إلا بهذا الإسناد ثم يرويه بإسناد آخر فأنبه عليه إن شاء الله وربما علمت لكلام الطبراني ط للفصل بين كلامه وكلامي وربما حصل اعتراض عليه بأن يقول لا يروى إلا بهذا الإسناد ونحوه من الكلام ويكون رواه بإسناد آخر وقد جمعته من نسخة فيها سقم ثم وجدت نسخة غير كاملة فاستعنت بها وما وجدته من الكامل والناقص كتبت له عندي رمزا في ورقة خارجة عن هذا, فان وجدت نسخة صحيحة كشفته إن شاء الله
                  المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر قال ابن حجر: ان الاشتغال بالعلم خصوصا الحديث النبوي من أفضل القربات وقد جمع أئمتنا منه الشتات على المسانيد والأبواب المرتبات فرأيت جمع جميع ما وقفت عليه من ذلك في كتاب واحد ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات في الكتب المسندات وعنيت بالمشهورات الأصول الستة ومسند أحمد وبالمسندات على ما رتب على مسانيد الصحابة وقد وقع لي منها ثمانية كاملات وهي:1- لأبي داود الطيالسي 2- الحميدي 3- وابن أبي عمر 4- ومسدد 5-وأحمد بن منيع 6- وأبي بكر بن أبي شيبة 7- وعبد بن حميد 8- والحارث بن أبي أسامة ووقع لي منها أشياء كاملة أيضا كمسند البزار وأبي يعلى ومعاجم الطبراني لكن رأيت شيخي أبا الحسن الهيثمي قد جمع ما فيها وفي مسند أحمد في كتاب مفرد محذوف الأسانيد فلم أر أن أزاحمه عليه إلا أني تتبعت ما فاته من مسند أبي يعلى لكونه اقتصر في كتابه على الرواية المختصرة و وقع لي عدة من المسانيد غير مكملة كمسند إسحاق بن راهويه وقفت منه على قدر النصف فتتبعت ما فيه فصار ما تتبعته من ذلك عشرة دواوين ووقفت أيضا على قطع من عدة مسانيد كمسند الحسن بن سفيان ومحمد بن هاشم السدوسي ومحمد بن هارون الروياني والهيثم بن كليب وغيرهم فلم أكتب منها شيئا لعلي إذا بيضت هذا التصنيف أن أرجع فأتتبع ما فيها من الزوائد وأضيف إلى ذلك الأحاديث المتفرقة في الكتب المرتبة على فوائد الشيوخ ورتبته على أبواب الأحكام الفقهية وشرطي فيه ذكر كل حديث ورد عن صحابي لم تخرجه الأصول السبعة من حديثه ولو أخرجوه أو بعضهم من حديث غيره مع التنبيه عله أحيانا, والله أستعين في جميع الأمور كلها لا اله إلا هو
                  مختصرزوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد للحافظ ابن حجر
                  قال ابن حجر: لما علقت الأحاديث الزائدة على الكتب الستة في مسند أحمد من جمع شيخنا الإمام أبى الحسن الهيثمي وقفت على تخريج زوائد أبى بكر البزار جمع أبي الحسن المذكور على الكتب الستة أيضا فرأيت أن أفرد هنا ومن تصنيفه ما انفرد به أبو بكر المذكور عن الإمام أحمد, لأن الحديث إذا كان في المسند الأحمدي لم يحتج إلى عزوه إلى مصنف غيره لجلالته فإنني كنت عملت أطراف مسند أحمد بتمامه في مجلدتين وحاجتي ماسة إلى الازدياد فآثرت هذا المصنف على الاختصار الذي وصفت وأضفت إليه كلام الشيخ أبي الحسن على الأحاديث مجموعة الذي عمله محذوف الأسانيد لان الكلام على بعض رجال السند عقب السند أولى.لعدم الوهم و الله الموفق وزدت جملة في الكلام على الأحاديث أقول في أولها قلت
                  مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة للحافظ شهاب الدين البوصيري
                  قال ابن حجر: استخرت الله في إفراد زوائد الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني على الخمسة الأصول صحيحي البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي الصغرى رواية ابن السني فان كان الحديث في الكتب الخمسة أو أحدهم من طريق صحابي واحد لم أخرجه إلا أن يكون في زيادة عند ابن ماجة تدل على حكم وإن كان من طريق صحابيين فأكثر وانفرد ابن ماجة بإخراج طريق منها أخرجته ولو كان المتن واحد وأنبه عقب كل حديث أنه في الكتب الخمسة المذكورة أو أحدها من طريق فلان مثلا إن كان فان لم يكن ورأيت الحديث في غيرها أنبهت عليه للفائدة وليعلم أن الحديث ليس بفرد ثم أتكلم على كل إسناد بما يليق بحاله من صحة وحسن وضعف وغير ذلك وما سكت عليه ففيه نظر
                  مختصر إتحاف السادة المهرة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة للحافظ أبي الفضل البوصيري
                  قال البوصيري: لما وفق الله لإفراد زوائد مسانيد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام أبي داود ومسدد والحميدي وابن أبي عمر وإسحاق بن راهويه وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع وعبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة وأبي يعلى الموصلي بأسانيدهم وطرقهم والكلام على غالب أسانيدهم على الكتب الستة صحيحي البخاري ومسلم و أبي داود والترمذي والنسائي الصغرى وابن ماجة فجاء بحمد الله وعونه كتابا حافلا و إماما كاملا لكن طال على الهمم القاصرة تحصيله وصدهم عنه بسطه وطوله فسألني بعض إخواني أولي الهمم العالية أن أجرد المتن من الإسناد ليعم لنفع بها العباد فاستخرت الله وأجبته إلى ما طلب لما وقر عندي من صدق نيته فأوردتها محذوفة الإسناد فإن اتضح الكلام على إسناد حديث من صحة وحسن وضعف قدمته وما لم يتضح تركت الكلام عليه ما لم يكن الحديث عند من التزم الصحة كابن حبان والحاكم وإذا روى ابن حبان في صحيحه حديثا عن أبي يعلى عن أبي بكر بن أبي شيبة سقته ثم أقول في آخره رواه ابن أبي شيبة وعنه أبو يعلى وعنه ابن حبان فان كان الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي واحد لم أخرجه إلا أن يكون في الحديث فيه زيادة عن بعض المسانيد المذكورة تدل على حكم فأخرجه بتمامه ثم أقول في آخره رووه أو بعضهم باختصار وربما بينت الزيادة مع ما أضمه إليه من مسندي أحمد والبزار وصحيح ابن حبان والحاكم وغيرهم كما سترى إن شاء الله تعالى وإن كان الحديث من طريق صحابيين فأكثر وانفرد بعض المسانيد بإخراج طريق منها أخرجته وان كان المتن واحدا وأنبه عقب الحديث أنه في الكتب الستة أو أحدها من طريق فلان وفلان إن كان لئلا يظن أن ذلك وهم فان لم يكن الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي آخر ورأيته في غير الكتب الستة نبهت عليه للفائدة و ليعلم أن الحديث ليس بفرد فان اتفقت المسانيد على متن بلفظ واحد أو بألفاظ متقاربة اكتفيت بواحد منها عن سائرها وربما ذكرت أطول المتون ثم أقول رووه أعني أصل الحديث عن طريق المستخرجات وإن اختلفت ذكرت متن كل مسند وإن اتفق بعض واختلف بعض ذكرت المختلف فيه ثم أقول في آخره فذكره وربما قدمت حديثا أو بابا أو أخرته أو جمعت في باب للمناسبة أو الاختصار
                  وقد أوردت ما رواه البخاري تعليقا وأبو داود في المراسيل والترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى وفي اليوم والليلة وغير ذلك مما ليس في شيء من الكتب الستة ورتبته على مائة كتاب وسميته مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة وأنا سائل أخا انتفع منه أن يدعو لي و لوالدي ومشايخي وسائر المسلمين أجمعين وقد رأيت أن اقدم قبل الشروع في هذا الكتاب مقدمة في تراجم أصحاب المسانيد العشرة
                  منتقى تحفة الحبيب للحبيب بما زاد على الترغيب والترهيب انتقاء الحافظ أحمد بن محمد القسطلاني
                  قال القسطلاني: هذا ما انتقاء كاتبه أحمد القسطلاني من كتاب تحفة الحبيب للحبيب بما زاد على الترغيب و الترهيب جمع الأمام المحدث شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري الكناني المصري الشافعي من زوائد مسانيد الأئمة الأعلام, وحفاظ الإسلام 1- أبي داود الطيالسي 2- ومسدد 3- والحميدي 4- ومحمد بن يحيى بن أبي عمر 5- وأبي بكر بن أبي شيبة 6- و أحمد بن منيع 7- وعبد بن حميد 8- والحارث بن أبي أسامة 9- وأبي يعلى الموصلي, وما وقع له من 10- مسند إسحاق بن راهويه وهو قدر نصف الكتاب اصطلح فيه كما اصطلح الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري من تصدير الحديث بعن إن كان إسناده صحيحا أو حسنا أو ما قاد بهما أو كان مرسلا أو منقطعا أو معضلا أو في إسناده راو مبهم أو ضعيف وثقه, أو ثقة ضعف, إلى أخر ما ذكره المنذري, وروي إن كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع إلى آخر ما ذكره ورتبه كترتيبه رحمة الله عليهما وذلك بإشارة شيخ الإسلام والحفاظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني ولا يذكر حديثا من كتاب المنذري إلا أن يكون فيه فائدة لم تكن عنده, والله أستعين أن يوفق لذلك ويعين ويعم النفع به على من كتبه أو سمعه أو قرأه أو نظر فيه وأن يبلغنا من مزيد فضله ما نؤمله ونرتجيه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
                  [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
                  [CENTER]
                  [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

                  تعليق


                  • #10
                    الحلقة
                    (10)

                    كتب التخاريج

                    إنتقيته من كتاب "مقدمات مهمة للكتب"

                    أبو جهاد الجزائري

                    تحفة الطالب في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب للحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي
                    قال ابن كثير: وكان مما من الله سبحانه وتعالى علي أني قرأت الكتاب المختصر الصغير في أصول الفقه للشيخ الإمام العالم العلامة المتقن المحقق وحيد عصره, جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المالكي, المعروف بابن الحاجب, رحمه الله تعالى, وهو كتاب نفيس جدا في هذا الفن, ووجدت فيه أحاديث جمة, لا يستغني من قرأه عن معرفتها, ولا تتم فائدة الكتاب إلا بمعرفة سقمها من صحتها, فأحببت إذ كان الأمر كذلك أن أجمعها كلها, والآثار الواقعة فيه معها على حدة, وأن أعزو ما يمكن عزوه منها إلى الكتب الستة, البخاري, ومسلم, و أبي داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة, أو إلى بعضها, أو إلى غيرها إن لم يكن في شيء منها إن شاء الله تعالى فما كان في البخاري ومسلم معا, أو في أحدهما, إكتفيت بعزوه إليهما, أو إلى أحدهما, وإن كان مع ذلك في كتب ( السنن ) وإن لم يكن فيهما ولا في أحدهما وهو في ( السنن ) الأربعة قلت : رواه الأربعة, وإلا بينت من رواه منهم, و ما لم يكن في شيء من الكتب الستة المذكورة ذكرت من رواه من غيرهم, وقد أذكر سند الحديث, ليعرف حال صحته من سقمه, وما لا يعرف له سند بالكلية كقليل من أحاديث الكتاب, سألت عنه مشايخي في الحديث, ونبهت عليه, و الكلام في الآثار كالأحاديث سواء, وجعلت ذلك كله مرتبا بحسب وقوعه في الكتاب, أولا فأولا, ومتى كرر المصنف حديثا, أو آثرا في موضعين, أو مواضع, تكلمت عليه أول مرة, ونبهت على ما عداها, ثم إن ذكر المصنف حديثا ليس هو في شيء من هذه الكتب الستة بذلك اللفظ الذي أورده, نبهت على ذلك, وذكرت أقرب الألفاظ إلى لفظه إن شاء الله تعالى ووسمته بتحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ) والله أسأل أن ينفع به وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم, إنه قريب مجيب
                    المغني عن حمل ااسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للحافظ زين الدين العراقي
                    قال الحافظ العراقي: لما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث ( إحياء علوم الدين ) في سنة إحدى وخمسين تعذر الوقوف على بعض أحاديثه, فأخرت تبييضه إلى سنة ستين, فظفرت بكثير مما عزب عني علمه, ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه, وأنا مع ذلك متباطئ في إكماله, غير معترض لتركه وإهماله, إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أقف عليه, وتكرّر السؤال من جماعة في إكماله, فأجبت وبادرت إليه, ولكني اختصرته في غاية الاختصار, ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار, فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث, وصحابيه, ومخرجه, وبيان صحته, أو حسنه, أو ضعف مخرجه, فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة, بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة, وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول
                    فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه, وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الستة, وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح, بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة, أو يكون أقرب إلى لفظه في ( الإحياء ), وحيث كرر المصنف ذكر الحديث، فإن كان في باب واحد منه اكتفيت بذكره أول مرة, وربما ذكرته فيه ثانياً, وثالثاً لغرض, أو لذهول عن كونه تقدم، وإن كرره في باب آخر ذكرته, ونبهت على أنه قد تقدم, وربما لم أنبه على تقدمه لذهول عنه, وحيث عزوت الحديث لمن خرجه من الأئمة فلا أريد ذلك اللفظ بعينه, بل قد يكون بلفظه, وقد يكون بمعناه, أو باختلاف على قاعدة المستخرجات، وحيث لم أجد ذلك الحديث ذكرت ما يغني عنه غالباً وربما لم أذكره وسميته : ( المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار ), جعله الله خالصاً لوجهه الكريم, ووسيلة إلى النعيم المقيم
                    البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير للحافظ أبي حفص عمر بن علي ابن الملقن الشافعي
                    قال ابن الملقن: إن أولى العلوم بعد معرفة كتاب الله سنة الرسول  إذ هي مبينة الكتاب العزيز الذي ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ولذلك أدلة ظاهرة وبراهين متظاهرة قال تعالى ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال  في حديث طويل ( إن ما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل ) حديث صحيح من غير شك ولا مرية أوده الأئمة الترمذي في جامعه[2664] والحاكم في مستدركه [1\109] وصححه والبيهقي [9\331] وقال إسناده صحيح هذا مع اتفاق أهل لحل والعقد على أن من شرط المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالما بأحاديث الأحكام ليعرف بها الحلال من الحرام والخاص من العام والمطلق من المقيد والناسخ من المنسوخ وقد ندب الشارع عليه أفضل الصلاة والسلام إلى نقلها وحثهم على حفظها و تبليغها من لم يشهدها فقال في خطبة حجة الوداع ( هل بلغت ؟ قالوا نعم قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع حديث صحيح باتفاق الأئمة أودعه الشيخان في (صحيحهما) [خ 1741 م 1679] وقال أيضا ( نضر الله أمرا سمع مقالتي فحفظها ووعاها, فأداها إلى من لم يسمعها, فرب حامل فقه غير فقيه, ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) رواه ابن حبان في (صحيحه)[66], والحاكم أبو عبد الله في (المستدرك على الصحيحين )[1\87] قال : صحيح على شرط الشيخين وقال : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري في (صحيحه)[3461]
                    وقال : ( تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم ) رواه أبو حاتم في ( صحيحه )[62] والحاكم في (المستدرك)[1\95], وقال صحيح على شرط الشيخين
                    فامتثلت الصحابة حينئد الذين هم خير قرون هذه الأمة, بشهادته عليه أفضل الصلاة والسلام فحفظوا عنه أحواله, و أقواله, وأفعاله, امتثالا لأمره, وابتغاء ثوابه وأجره, ثم فعل ذلك بعدهم التابعون وتابعوهم, قبيلا بعد قبيل, وجيلا بعد جيل, تلقوا ذلك عنهم, و استفادوه منهم, رضي الله عنا وعنهم
                    لكن دخل في ذلك قوم ليسوا من أهل هذا الشأن، ولا جري لهم في هذا الميدان, فأخطأوا فيما نقلوا, و حرفوا, وربما وضعوا, فدخلت الآفة من هذا الوجه, واختلط الصحيح بالسقيم, والمجروح بالسليم, فحينئد أقام الله سبحانه وله الحمد والمنة طائفة كبيرة من هذه الأمة, هم نجوم للدين, و علم للمسترشدين, فدونوا التصانيف المبتكرة, المبسوطة و المختصرة, ونظروا في رجالها جرحا و تعديلا, وانقطاعا وصلا بالنظر التام, وبذلوا وسعهم في ذلك وقاموا به أحسن قيام, أعظم الله أجرهم, ولا خيب سعينا وسعيهم, وهم مستمرون على ذلك مدى الدهور والأعوام, من زمنه عليه الصلاة والسلام إلى انقضاء الدنيا والذهاب بإخباره عليه أفضل الصلاة والسلام حيث قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) (1)
                    فكانت هذه الطائفة كما وصفهم عليه أفضل الصلاة والسلام في الخبر المروي عنه مرسلا من جهة إبراهيم بن عبد الرحمن العذري, ومسندا من جهة أبي هريرة, وعبد الله بن عمرو كما رواهما العقيلي, قال عبد الحق : والأول أحسن, ونازعه ابن القطان, وفيه وقفة, فقد سئل أحمد عنه, فقال : صحيح , ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين ) (1)
                    ومَنَّ الله سبحانه وتعالى وله الحمد والنعمة على هذه الطائفة بالحفظ الوافر, كالبحر الزاخر, و هذه نبذة من حالهم لتعرف قدرهم واجتهاده ومحلهم [ وذكر نقولا كثير ة في حفظ أئمة الحديث ]
                    فصل : فهذه نبذة من أحوال هؤلاء الحفاظ الذين تتنزل الرحمة بذكرهم, وهي مختصرة بالنسبة إلى ما تركناه, ذكرتها لك مجموعة أيها الناظر في هذا الموضع لتعرف منازلهم, وما كانوا عليه, و كيف حالهم في اجتهادهم في هذا العلم, والإكباب عليه, فلعل ذلك يكون محركا في المسارعة إلى تتبع أثرهم, والسير إليه, لعلك تصل إلى بعض ما وصلوا إليه, أو إلى كله, ففضل الله وعطاؤه واسع, لا زال منهلا لديه
                    ثم وفق الله العظيم وله الحمد والمنة, هؤلاء الحفاظ, الأئمة النقاذ إلى [ وصول ٍ] ما حفظوه إلينا و تقريب ما تقلدوه علينا, فصنفوا في ذلك مصنفات مبتكرة, مطولة ومختصرة, واختلف العلماء في أول من صنف الكتب على ثلاثة أقوال, أحدها عبد الملك بن جريج, ثانيها الربيع بن صبيح, ثالثها سعيد بن أبي عروبة, حكاه ابن الجوزي في (جامع المسانيد), واختلفت في ذلك مقاصدهم, وتشعبت آراؤهم, وكلها مقاصد حسنة, وأفعال مستحسنة, فمنهم من رأى أن تدوينه على مسانيد الصحابة - رضي الله عنهم - أقرب إلى ضبطه, فرتبه كذلك, كالإمام أحمد بن حنبل في (مسنده) ونظرائه, قال الحاكم : أول من صنف (المسند) على تراجم الرجال عبيد الله بن موسى العبسي, وأبو داود ومنهم من رأى تدوينه على ترتيب أبواب الفقه أسرع لتناوله, فرتبه كذلك, وقيل أول من فعل ذلك الربيع بن صبيح, وقيل مالك بن أنس في (موطئه), و به جزم الإمام الرافعي في (أماليه), ثم من بعدهم جمع كبير, وجم غفير, كعبد الرزاق, وابن أبي شيبة, وغيرها وهلم جرا إلى زمن الإمامين الحافظين الناقدين, أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري, في كتابيهما (الصحيحين), والتزما ألا يوردا فيهما إلا حديثا صحيحا, وتلقتهما الأمة بالقبول, ثم ألف جماعة في زمنهما كتبا على الأبواب, من غير التزام فيها ما التزمناه, فلم تلتحق بها, (كسنن أبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني), و(جامع أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي الضرير), و(سنن أبي عبد الرحمن النسائي), و(سنن أبي عبد الله بن ماجة القزويني), وألف جماعة أخر كتبا كذلك, فبعضهم شرط أن يكون مصنفه مخرجا على أحاديث (الصحيحين) أو أحدهما, ككتاب أبي نعيم, والبرقاني, والإسماعيلي, وأبي عوانة, وبعضهم شرط أن يستدرك ما أهمله الشيخان في (صحيحيهما), كما فعل الحاكم أبو عبد الله في الكتاب الذي سماه (بالمستدرك على الصحيحين), وبعضهم شرط في مصنفه الصحة مطلقا, لا على رأي, بل على رأيهم, (كصحيح إمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة), و(صحيح أبي حاتم بن حبان) المسمى (بالتقاسم و الأنواع), لم يرتبه مصنفه على الترتيب المذكور, وإنما رتبه على ترتيب خاص بديع, وبعضم لم يشترط شرطا, وإنما أودعا في تصانيفهما الصحيح, ولضعيف, مبينبن ذلك, (كسنن أبي الحسن الدراقطني), و (السنن الكبير) للحافظ أبي بكر البيهقي, المرتب على ترتيب (المبسوط) الذي صنفه على ترتيب (مختصر المزني) هذا كله كان على رأي السلف الأول, يذكرون الأحاديث بالأسانيد في هذه التصانيف, إذ عليه المعول, وأما المتأخرون فاقتصروا على إيراد الأحاديث في تصانيفهم بدون الإسناد, مقتصرين على العزو إلى الأئمة الأول, إلا أفرادا من ذلك و آحادا, كأحكام عبد الحق (الكبرى) , و(الصغرى)(1) و(الوسطى) (2), وعلى (الوسطى) اعتراضات للحافظ أبي الحسن ابن القطان (3), وما أكثر نفعه, وعن بعضها أجوبة لبعض المتأخرين (4), و(أحكام) الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المعروف بالضياء المقدسي (5), و لم يتمم كتابه, وصل فيه إلى أثناء الجهاد, وهو أكثرها نفعا, و (أحكام) الحافظ عبد الغني المقدسي( الكبرى) (1), و(الصغرى) (2), و(أحكام) الحافظ مجد الدين عبد السلام ببن تيمية المسمى : (بالمنتقى)(3), وهو كاسمه وما أحسنه, لولا إطلاقه في كثير من الأحاديث العزو إلى كتب الأئمة دون التحسين و التضعيف, يقول مثلا رواه أحد رواه الدراقطني, رواه أبو داود, و يكون الحديث ضعيفا, و أشد من ذلك كون الحديث في (جامع الترمذي) مبينا ضعفه فيعزيه إليه من غير بيان ضعفه, و ينبغي للحافظ جمع هذه المواضع, وكتبها على حواشي هذا الكتاب, أو جمعها في مصنف, لتكمل فائدة الكتاب المذكور, وقد شرعت في كتب ذلك على حواشي نسختي, وأرجو إتمامه, و(أحكام) الحافظ محب الدين الطبري (4), نزيل مكة شرفها الله تعالى, وهو أبسطها, وأطولها, و (أحكام) بقية المجتهدين في هذا الفن تقي الدين أبي الفتح القشيري المسمى (بالإلمام) (5), وشرط فيه كما قال في خطبته : أن لا يخرج إلا حديثا قد صححه أحد من الأئمة, أو زكى رواته واحد منهم, وإن كان غيره قد ضعفه.وأما كتابه (الإمام) (1) فهو للمسلمين إمام, ولهذا الفن زمام, لا نظير له لو تم جاء في خمسة وعشرين مجلدا كما قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه (سير النبلاء), وهو حقيق بذلك, فقد رأيت من أوله على أثناء كتاب الصلاة في الكلام على رفع اليدين في ثلاث مجلدات ضخمات.ونقل الذهبي في الكتاب المذكور عن شيخنا قطب الدين عبد الكريم الحلبي (1) رحمة الله عليه أنه كمل تسويد هذا الكتاب, كذلك سمعته من بعض مشايخنا يحكي عن الهمذاني عن المصنف أنه كمله, و الموجود بأيدينا منه متواليا ما قدمته, و قطعة من الحج والزكاة, ولو بيض هذا الكتاب, و خرج إلى الناس لاستغى به عن كل كتاب صنف في نوعه, أو بقيت مسودته, ويقال : إن بعضهم أفسد قطعة منه حسدا, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
                    هذا كلامهم فيما يتعلق بمتن الحديث, وأما متعلقاته, فأمر غريبه فأفرده بالتصنيف أبو عبيد معمر بن المثنى, وتلميده أبي عبيد القاسم بن سلام, و النضر بن شميل, والهروي, وابن الأثير, وغيرهم
                    وأمر أسماء رواته جرحا وتعديلا, وأول من تكلم في ذلك شعبة, ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان, ثم أحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, كما قاله صالح بن محمد البغدادي (1), فأفرده بالتصنيف يحيى بن معين, وهو أول من وضع كتابا في ذلك, ثم البخاري ثم أبو زرعة , وأبو حاتم, والنسائي, ومن بعدهم كالعقيلي, والأزدي, وابن حبان
                    قال الشيخ تقي الدين في كتابه (الإقتراح): أعراض المسلمين حفرة من حفر النار, وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام.
                    قال : و كان شيخ شيوخنا أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح : هذا جاز القنطرة, يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه, قال الشيخ : وهكذا نعتقد, وبه نقول, ولا نخرج عنه إلا ببيان شاف, وحجة ظاهرة.
                    وأمر صحابته أفرده بالتصنيف أبو نعيم, وأبو موسى الأصبهانيان, وابن قانع, وابن عبد البر, وابن الأثير, وغيرهم, و كذلك فعلوا قدس الله أرواحهم ونور ضرائحهم بباقي أنواعه, وفنونه الزائدة على الستين نوعا, أنجح الله قصدهم, ولا خيب سعينا وسعيهم, فلقد بذلوا جهدهم فيما صنفوه, وأتعبوا فكرهم فيما وضعوه, وحرروه, ولم يبق همة أكثر الفضلاء من المتأخرين إلا النظر فيما هذبوه, والإقتباس مما قيدوه, وضبطوه, ولعمري إن ذلك اليوم لمن أشرف المطالب, وأعظم المقاصد وكنت ممن أنعم الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة عليه محبة العلوم الشرعية, خصوصا هذا العلم الشريف, فكنت أعلق فوائده, وأضبط شوارده, وأقيد أوابده, وأسمع عاليه ونازله, كاشفا عن فنونه, باحثا عن علمه, أعني صحيحه, وحسنه, وضعيفه, ومتصله, ومرسله, و منقطعه, ومعضله, ومقلوبه, مشهوره, وغريبه, وعزيزه, و منكره, ومعروفه, وآحاده, ومتواتره, و أفراده, وشاذه, ومعلله, ومدرجه, ومسلسله, وموضوعه, ومختلفه, إلى غير ذلك من معرفة حال أسانيده جرحا, وتعليلا , وأنسابا, وتاريخا, وصدقا, و تدليسا, واعتبارا, ومتابعة, ووصلا, و إرسالا, ووقفا, وانقطاعا, وزيادة الثقات, وما خولف فيه الأثبات, و معرفة الصحابة, وتابعيهم, و تابعي التابعين, رضي الله عنهم أجمعين, ويسر الله تعالى لنا سبحانه وله الحمد والمنة من الكتب التي يحتاج إليها طالب هذا الفن زيادة على مائة تأليف, كما سأعدها لك في آخر الخطبة, فأحببت أن أشتغل بكتابة الحديث النبوي عليه أفضل الصلاة والسلام, وأعظم التحية والإكرام, رجاء شفاعته في يوم القيامة, يوم الهول و الملامة, وثواب الله الكريم, وفضله العميم
                    وقد قال عبد الله بن مسعود فيما روينا عنه : ( اغد عالما, أو متعلما, ولا تغد الثالثة فتهلك ), وفي (المعجم الكبير) للطبراني من حديث عطاء بن مسلم, عن خالد الحذاء, عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( اغد عالما, أو متعلما, أو مستمعا, أو محبا, ولا تكن الخامسة فتهلك ) قال يعني بالخامسة المبغض, ورجاء وصول هذا العلم الشريف إلى ذهني الركود, وقريحتي التي قل أن تجود, وامتثالا لقول العلماء أولي الفضل والتفضيل, التصنيف أحد طريقي التحصيل, ولا شك ولا مرية أن أهم أنواعه قبل الخوض في فهمه, معرفة صحيحه من سقيمه, قال الشيخ تقي الدين في كتابه (الاقتراح) نحن نرى أن من أهم علوم الحديث ما يؤدي إلى معرفة صحيح الحديث
                    فبقيت زمنا متحيرا فيم أكتبه, وما أعلقه, وأصنفه, إلى أن أختار الله سبحانه وتعالى و الخيرة بيده, كما قال في كتابه ( مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (القصص:6, وله الحمد والمنة بتأليف كتاب نفيس, لم أسبق إلى وضعه, ولم ينسج على منواله و جمعه, وأهل زمانا وغيرهم شديدوا الحاجة إليه, وكل المذاهب تعتمد في الإستدلال عليه, وهو أن أتكلم على الأحاديث والآثار الواقعة في ( الفتح العزيز في شرح الوجيز وهو الشرح الكبير الذي صنفه إمام الملة والدين أبو القاسم عبد الكريم ابن الإمام أبي الفضل محمد بن عبد الكريم الرافعي قدس الله روحه, ونور ضريحه, فإنه كتاب لم يصنف في المذهب على أسلوبه, ولم يجمع أحد سلف كجمعه, في ترتيبه وتنقيحه وتهذيبه, ومرجع فقهائنا في كل الأقطار اليوم في الفتوى و التدريس والتصنيف إليه, واعتمادهم في هذه الأمور عليه, لكنه أجزل الله مثوبته مشى في هذا الشرح المذكور على طريقة الفقهاء الخلص, في ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعات والمنكرة والواهيات, والتي لا تعرف أصلا في كتاب حديث, لا قديم ولا حديث, في معرض الإستدلال من غير بيان ضعيف من صحيح, وسليم من جريح, وهو رحمه الله إمام في الفن المذكور, وأحد فرسانه كما سيأتي إيضاحه في ترجمته, فتوكلت حينئد على الله سبحانه وتعالى في ذلك وسألته التوفيق في القول والعمل, والعصمة من الخطأ والخطل
                    وكنت عزمت على أن أرتب أحاديث وآثار الكتاب المذكور على مسانيد الصحابة, فأذكر الصحابي وعدة ما روي من الأحاديث, وماله من الآثار, فثنيت العنان عن ذلك لوجهين :
                    أحدهما أن الإمام الرافعي في كثير من المواطن لا يذكر إلا نفس الحديث, ويحدف الراوي إذ هو موضع الحاجة, فلا يهتدي طالب الحديث إليه, لأنه لا يعرف مظنته
                    الثاني: أن ذلك يعسر على الفقيه, فإنه يستدعي معرفة جميع الأحاديث والآثار الواقعة في (شرح الرافعي), واستحضارها وهي زائدة على أربعة آلاف بمكررها, وربما عسر ذلك عليهم
                    فرتبته على ترتيب (شرح الرافعي) لا أغير منه شيئا بتقديم ولا بتأخير, فأذكر كل باب وما تضمنه من الأحاديث و الآثار, فمتى طلب الطالب حديثا أو أثرا في كتاب الطهارة منه, فزع إلى كتاب الطهارة من هذا التأليف, أو في كتاب الصلاة فزع إلى كتاب الصلاة منه, وهكذا أولا فأول, على الترتيب والولاء, إلى آخر الكتاب, إن شاء الله تعالى ذلك وقدره. معزيا إلى الأصول المخرج منها,فإن كان الحديث أو الأثر في (صحيحي) الإمامين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري, أو أحدهما, اكتفيت بعزوه إليهما, أو إليه, و لا أعرج على من رواه غيرهما من باقي أصحاب الكتب الستة, والمسانيد, و الصحاح, لأنه لا فائدة في الإطالة بذلك, وإن كان الحافظ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية اعتمد ذلك في (أحكامه), لأن الغرض الإختصار, وذلك عندي بحمد الله من أيسر شيء, اللهم إلا يكون في الحديث زيادة عند غيرهما, والحاجة داعية إلى ذلك, فأشفعه بالعزو إليهم وإن لم يكن الحديث في واحد من (الصحيحين) عزوته إلى من أخرجه من الأئمة, كمالك في (موطئه), والشافعي في (الأم), و(مسنده), الذي جمع من حديثه, و(سننه) التي رواها الطحاوي, عن المزني عنه, و(سننه) التي رواها أبو عبدا لله محمد بن عبد الحكم عنه, وأحمد في (مسنده), و عبد الله بن وهب في (موطئه), وأبي داود في (سننه), وأبي عيسى الترمذي في (جامعه), وأبي عبد الرحمن النسائي في (سننه الكبير) المسمى (المجتبى) (1), و(الصغير) المسمى (المجتبى), وأبي عبد الله بن ماجة القزويني في (سننه), وأبي عوانة في (صحيحه), وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في القطعة التي وقف عليها من (صحيحه), و أبي حاتم ابن حبان في (صحيحه) المسمى : (بالتقاسيم و الأنواع) (2) , وفي كتابه ( وصف الصلاة بالسنة)(3) , وأبي بكر الإسماعيلي في (صحيحه), وأبي عبد الله الحاكم فيما استدرك على (الصحيحين), و ابن أبي شيبة, والحميدي, والدارمي, وأبي داود الطيالسي, وإسحاق بن راهويه, وأبي يعلى, والبزار, و الحارث بن أبي أسامة في (مسانيدهم), وابن الجارود في (المنتقى), والدراقطني في (سننه), وأبي بكر البيهقي في (السنن الكبير), وانتقد عليه بعض شيوخنا مواضع يمكن الجواب عنها (1), و(معرفة السنن والآثار), و (شعب الإيمان), و (المعاجم الثلاثة) للطبراني, وجميع (المعجم الكبير) (2) ستون ألف حديث, كما قاله ابن دحية في كتاب (الآيات البينات), وقال في موضع آخر منه: وقيل ثمانون ألفا, وجمع بين القولين في كتابه (خصائص أعضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وعاش مائة سنة, وقال صاحب (مسند الفردوس)(3) : ويقال (الأوسط) (4) ثلاثون ألفا حديث, و( الطهور) لأبي عبيد القاسم بن سلام (5)
                    و(سنن الألكائي) (1), و (سنن) أبي علي بن السكن المسمى (بالسنن الصحاح المأثورة) (2)
                    ناظرا على ذلك من كتب الصحابة ما صنفه أبو نعيم (1), وأبو موسى الأصبهانيان, وابن عبد البر, و ابن قانع في ( معجمه) (2), وعبد الكريم الجزري في كتابه (أسد الغابة)(3), وما زاده الحافظ أبو عبد الله الذهبي من (طبقات ابن سعد) وغيره, في اختصاره للكتاب المذكور وما أهمله ومن كتب الأسماء جرحا وتعديلا وغير ذلك (تواريخ البخاري)(1)و(الضعفاء) له (1), و (الضعفاء) للنسائي (2), و (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم (3), و(الضعفاء) للعقيلي (4), و (الكامل) لابن عدي, و(الضعفاء) لابن حبان (1), و(الثقات ) له (2), و(الثقات) لابن شاهين (3), و(المختلف فيهم) له(4) , و (الضعفاء) لأبي العرب (5), و(الضعفاء) لأبي الفرج ابن الجوزي (6), وما جمعه الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه المسمى (بالمغني في الضعفاء) (7) وما ذيل عليه, وما جمعه آخرا, وسماه (بميزان الإعتدال في نقد الرجال) (, وهو من أنفس كتبه, و(رجال الصحيحين) لابن طاهر (9), غير معتمد عليه, و(الكنى) للنسائي (10), و (الكنى) للدولابي (11), و (الكنى) للحافظ أبي أحمد الحاكم (12), وهو أكبرها, و(المدخل إلى الصحيحين) للحاكم أبي عبد الله و(التذهيب) (1) للحافظ أبي عبد الله الذهبي, و أصله المسمى (بتهذيب الكمال) للحافظ جمال الدين المزي (2), وما نقب عليه, و(الكمال), و (الكاشف) (3), و(الذب عن الثقات) (4), و (من تكلم فيه وهو موثق) (5) للحافظ أبي عبد الله الذهبي, و(الأسماء المفردة) للحافظ أبي بكر البرديجي (6), و(أسماء رواة الكتب) لأبي عبد الله ابن نقطة (7), و (كشف النقاب عن الأسماء و الألقاب) لأبي الفرج ابن الجوزي (, و(الأنساب) لابن طاهر (9), و(إيضاح الإشكال) للحافظ عبد الغني المصري (1), و(غنية الملتمس في إيضاح الملتبس) للخطيب البغدادي (2), و (موضح أوهام الجمع والتفريق) له (3), وهو كتاب نفيس, وقع لي بخطه, و (تلخيص المتشابه في الرسم و حماية ما أشكل نه عن بوادر التصحيف والوهم) له أيضا (4), و (أسماء من روى عن مالك) له (5), وكتاب (الفصل للوصل المدرج في النقل) له(6), و(التهذيب) (7)
                    ومن كتب العلل: ما أورده أحمد (1), وابن المديني (2), وابن أبي حاتم (3), والدراقطني (4), وابن القطان (5), وابن الجوزي (6) في عللهم, قال ابن مهدي: لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي
                    ومن كتب المراسيل: ما أودعه أبو داود (1), وابن أبي حاتم (2), وابن بدر الموصلي (3), وشيخنا صلاح الدين العلائي حافظ زمانه (4), أبقاه الله في خير وعافية في (مراسيلهم)
                    ومن كتب الموضوعات: ما أودعه ابن طاهر(1), والجوزقاني (2), وابن الجوزي (3), والصغاني (4), وابن بدر الموصلي (5)
                    ومن كتب الأطراف (أطراف) الحافظ جمال الدين المزي, حافظ الوقت, المسماة (بتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف) (1), اقتصرت عليه, لكونه هذب الأطراف المتقدمة عليه, مع جمعه لها, (كأطراف) خلف وأبي مسعود, وابن عساكر, وابن طاهر, واستدرك جملة عليهم, و(أطراف) خلف أقل وهما و خطأ من (أطراف) أبي مسعود, و(أطراف) ابن طاهر كثيرة الوهم, كما شهد بذلك حافظ الشام ابن عساكر
                    ومن كتب الأحكام: (أحكام) عبد الحق (الوسطى) و(الصغرى), و(أحكام الضياء), و (الأحكام الكبرى) لعبد الغني المقدسي, و(أحكام أبي عبد الله محمد بن فرج المعروف بالطلاع) (2), و (المنتقى) لمجد الدين ابن تيمية, و(الإلمام) للشيخ تقي الدين,والموجود من (الإمام) له, و(الخلاصة) للشيخ محيي الدين النووي (3), وهي مفيدة, ولم يكملها, وما ذكره الحافظ أبو محمد المنذري في كتاب (اختصار سنن أبي داود) (4) من اعتراضات وفوائد
                    ومن كتب الخلافيات: (خلافيات) الحافظ أبي بكر البيهقي (1), ولم أر مثلها, بل ولا صنف, و (خلافيات) الحافظ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي, المسماة ( التحقيق في أحاديث التعليق) (2), و هي مفيدة, وما نقب عليها
                    ومن كتب الأمالي: (أمالي) ابن السمعاني, و(أمالي) ابن منده (3), و(أمالي) ابن عساكر, و (أمالي) إمام الملة والدين أبي القاسم الرافعي, الذي تصدينا لإخراج أحاديث شرحه الكبير, وهي مفيدة جدا, لم أر أحدا مشى على منوالها, فإنه أملاها في ثلاثين مجلسا, ذكر في كل مجلس منها حديثا بإسناده, على طريقة أهل الفن, ثم تكلم عليه بما يتعلق بإسناده, و حال رواته, وغريبه, وعربيته, و فقهه, ودقائقه, ثم يختمه بفوائد, وأشعار, وحكايات, ورتبها ترتيبا بديعا على نظم كلمات الفاتحة, بإرداف كلمة أمين لأنها بها ثلاثون كلمة, فاشتمل الحديث الأول على كلمة الإسم, و الثاني على اسم الله العظيم, والثالث على الرحمن, و هلم جرا إلى آخرها, وهذا ترتيب بديع , وسماها (الأمالي الشارحة لمفردات الفاتحة), ومن نظر في الكتاب المذكور عرف قدر هذا الإمام, و حكم له بتقدمه في هذا العلم خصوصا
                    ومن كتب الناسخ والمنسوخ : ما أودعه الإمام الشافعي في (اختلاف الحديث) (1), والأثرم (2), و الحازمي (3), وابن شاهين (4), وابن الجوزي (5), في تواليفهم
                    ومن كتب المبهمات في الحديث: ما أودعه الحافظ الخطيب أبو بكر البغدادي (1), وابن بشكوال (2), و ابن طاهر (3) في تواليفهم, وما زاده الشيخ محيي الدين النووي في اختصاره لكلام الخطيب (4), والحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في أخر كتابه المسمى (بتلقيح فهوم الأثر في المغازي والسير) (5)
                    ومن شروح الحديث والغريب: ما ذكره القاضي عياض (1), والمازري قبله (2), والنووي, القرطبي (3), في شروحهم (لمسلم), وما شرحه الخطابي من (سنن أبي داود) (4) و(البخاري) المسمى (بالأعلام) (5), و ما شرحه النووي من (البخاري) (6), و(سنن أبي داود) (7), ولم يكملهما, وما شرحه الشيخ تقي الدين من أوائل (الإلمام) (
                    وما شرحه شيخنا حافظ مصر فتح الدين ابن سيد الناس من (جامع الترمذي)(1), و لو كمل كان في غاية الحسن, و(شرح مسند الإمام الشافعي) لابن الأثير (2), وللإمام أبي القاسم الرافعي أيضا (3), وهو من جملة ما يعرف به قدره في هذا الفن,وما أودعه أبو عبيد القاسم بن سلام في (غريبه) (4) الذي جمعه في أربعين سنة, وكان خلاصة عمره, والحربي صاحب الإمام أحمد في (غريبه الكبير) (5), والزمخشري في (فائقه) (6)وابن قرقول في (مطالعه) (1), و الهروي في (غريبه) (2), وابن الأثير في (نهايته), وما ذكره في (جامع الأصول), وما ذكره القلعي (3), وابن باطيش (4), وابن معن(5), في كلامهم على (المهذب), والخطابي في (تصحيفات المحدثين) (6), والصولي فيه أيضا, و العسكري فيه أيضا (7), و المطرزي في (مغربه) (
                    وما أكثر فوائده
                    ومن كتب أسماء الأماكن : ما أدعه الوزير أبو عبيد البكري في (معجم ما استعجم من البلدان), والحافظ أبو بكر الحازمي في تأليفه المسمى (بالمختلف والمؤتلف من أسماء الأماكن), وهما غاية في بابهما
                    ومن كتب أخرى حديثية: (كمعجم أبي يعلى الموصلي) (1), و(جامع المسانيد بألخص الأسانيد)(2) لأبي الفرج بن الجوزي, وهو تلخيص (مسند الإمام أحمد بن حنبل), و(نقي النقل) له (3), وكتاب (تحريم الوطء في الدبر) (4) له, و (بيان خط من أخطأ على الشافعي في الحديث) للبيهقي (5), و(في اللغة ) له أيضا, و(حياة الأنبياء في قبورهم) (6) له أيضا, وكتاب (الأشربة) للإمام أحمد (7)و(الحلية)(1) لأبي نعيم, و(أمثال الحديث) للرمهرمزي (2), و(الأوائل) للطبراني (3), و(علوم الحديث) للحاكم أبي عبد الله, وابن الصلاح, و(الدعوات الكافية في الأدوية الشافية) لابن القسطلاني , و (الأدعية) للحافظ أبي الفضل المقدسي, و0(الصوم) له (4), و(الصيام من السنن المأثورة) للقاضي يوسف بن يعقوب بن إسماعيل (5), و (كلام الحافظ أبي الفضل بن طاهر على حديث معاذ) (6), و (أحاديث الشهاب) (7), و(المحلى شرح المجلى) لأبي محمد بن حزم (, وما رده عليه ابن عبد الحق, وابن مفوز, وشيخنا قطب الدين عبد الكريم الحلبي الحافظ في جزء جيد (9), وما أكثر فوائده, و(رسائل ابن حزم في القياس),
                    و(فضائل الجهاد) لبهاء الدين ابن عساكر ابن الحافظ المشهور(1)
                    ومن مصنفات أبي الخطاب ابن دحية, (الآيات البينات في أعضائه عليه السلام) (2), و(مرج البحرين في فوائد المشرقين والمغربين), و(العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور), و(خصائص الأعضاء), و(التنوير في مولد السراج المنير) (3), وغيرها من مؤلفاته المفيدة
                    ومن كتب أخرى متعلقة بالفقه: (كتخريج أحاديث المهذب)(4) للشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري, رأيت منه إلى أواخر الحج, وشأنه إيراد الأحاديث بأسانيده, وكلام الشيخ تقي الدين ابن الصلاح, والنووي على 0الوسيط) (5),و(المهذب), وكلام الإمام الرافعي في (التذنيب) الذي له على (الوجيز), وكلام الشيخ نجم الدين ابن الرفعة في (شرحي الوسيط) و(التنبيه) وغير ذلك هذا ما حضرني الآن من الكتب التي نظرتها واعتمدت عليها في هذا التصنيف وانتخبتها, وأما الأجزاء الحديثية, و المصنفات اللطيفة, والفوائد المنتخبة من الخبايا والزوايا, فلا تنحصر مصنفاتها, وكل نقولاتها في الكتاب معزوة على قائلها وناقلها فإن كان في المظنة أطلقته, وإن لم يكن فيها قيدته ببابه
                    وعددت هذه الكتب هاهنا لفائدتين: إحداهما أن الناظر قد يشكل عليه شيء مما ذكرناه عن هؤلاء الأئمة فيراجعه من تواليفهم, الثانية:ليعرف مقدار هذا الكتاب وبذل جهد الطاقة والوسع فيه, فإن كمل ما رمناه, وحصل ما قصدناه,حصل عندك أيها الطالب خزانة من أنواع العلوم المذكورة فيه, وكملت فائدة (شرح الرافعي), لأن محصلهما حينئد يكون جامعا للفنين, أعني الفقه والحديث, وحائزا للمنفعتين, و يلتحق بمن إذا ذكروا في القديم والحديث, يقال في حقهم الجامعون بين الفقه والحديث,وأتوسط في العبارة فيما أورده من علل الحديث, ومتعلقاته, وإذا تورد على التعليل أو غيره من الفنون المتعلقة به أئمة ذكرت قول أشهرهم لئلا يطول الكتاب,وأنبه مع ذلك على ما أظهره الله على يدي مما وقع للمتقدمين والمتأخرين من وهم, أو غلط, أو اعتراض, أو استدراك, قاصدا بذلك النصيحة للمسلمين, حاشا الظهور أو التنقيص, معاذ الله من ذلك, فهل الفضل إلا للمتقدم, وغالب ذلك إنما يقع من التقليد, ونحن برآء منه بحمد الله, وأتبع الكلام غالبا بعد بيان صحة الحديث, وضعفه, وغرابته, إلى غير ذلك من فنونه, بما وقع فيه من ضبط ألفاظ, وأسماء, وفوائد وإشكالات, وهذا النوع وإن كان كتابنا هذا غير موضوع له, فبه تكمل الفائدة,.وتتم العائدة, غلا أنا نتحرى الإختصار في إيراده, ونقتصر في إبرازه, حذر السآمة والملل ووسمته : ( بالبدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير ), وقدمت في أوله فصولا, تكون لمحصله وغيره قواعد يرجع إليها, وأصولا في شروط الكتب الستة, وغيرها من الكتب المصنفة المتقدمة, ليعتمد على شرطها من أول الكتاب إلى آخره, وفي أخرها فصلا في حال الإمام الرافعي, ومولده, ووفاته, وشيوخه, ومصنفاته, فإنه في الإسلام بمحل خطير, وبكل فضيلة جدير, ليعرف قدره, ويرد على من جهل حاله وفضله, وبيان حال والده, ووالدته, فإنهما من الذين تتنزل الرحمة بذكرهم, ويبتهل على الله ببركتهم, جعله الله مقربا من رضوانه, مبعدا من سخطه وحرمانه, نافعا لكاتبه, وسامعه, نفعا شاملا في الحال والمآل, إنه لما يشاء فعال, لا رب سواه, ولا مرجوا إلا إياه ثم ذكر فصولا في شروط الأئمة في كتبهم, وفصلا في معرفة حال الإمام الرافعي وسيرته,ثم قال]
                    خلاصة البدر المنير تخريج أحاديث الشرح الكبير للحافظ ابن الملقن
                    قال ابن الملقن: فلما يسر الله تعالى وله الحمد والمنة الفراغ من كتابي المسمى ( بالبدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير ) لإمام الملة والدين حجة الإسلام والمسلمين, أبي القاسم عبد الكريم الرافعي شرح وجيز حجة الإسلام أبي حامد الغزالي, أسكنهما الله وإياي بحبوحة جنته, وجمع بيني وبينها في دار كرامته, حمدت الله سبحانه وتعالى على إتمامه, وسألته المزيد من فضله وإنعامه, وشكرته إذ جعلني من خدام العلوم الشرعية, سيما هذا العلم الذي هو أساس العلوم بعد كتاب الله تعالى وكان الكتاب المذكور قد اشتمل على زبد التآليف الحديثية, أصولها وفروعها, قديمها وحديثها, زائدة على مائة تأليف, نظرتها كما عددتها فيه, أرجو أن باحثه ومحصله يلتحق بأئمته الأكابر, ولا يفوته من المحتاج إليه إلا النادر, لأن شرح ( الوجيز ) احتوى على غالب ما في كتب الأصحاب من الأقوال, والوجوه والطرق, وعلى ألوف من الأحاديث و الآثار, تنيف على أربعة آلاف بمكررها, وقد بيناها في الكتاب المذكور, على حسب أنواعها من الصحة, والحسن, و الضعف, والاتصال, والإرسال, والإعضال, والانقطاع, والقلب, والغرابة, والشذوذ, والنكرة, والتعليل, والوضع, و الإدراج, والاختلاف, والناسخ, والمنسوخ إلى غير ذلك من علومه الجمة, كضبط ألفاظ, وأسماء, وتفسير غريب, و إيضاح مشكل, وجمع متن أحاديث متعارضة, والجواب عنها, فمن جمع بين الكتابين المذكورين أعني كتابنا هذا, و الشرح الكبير للإمام الرافعي وفقه مغزاهما فقد جمع بين علمي الفقه والحديث, وصار حافظ أوانه, وشافعي زمانه, وبرز على شيوخه عوضا عن أقرانه, لا يساوونه ولا يدانونه, إلا أن العمر قصير, والعلم بحر مداه طويل, والهمم فاترة, و الرغبات قاصرة, والمستفيد قليل, والحفيظ كليل, فترى الطالب ينفر من الكتاب الطويل, ويرغب في القصير, ويقنع باليسير, وكان بعض مشايخنا عامله الله بلطفه في الحركات والسكنات, وختم أقواله وأفعاله بالصالحات, أشار باختصاره في نحو عشر الكتاب, تسهيلا للطلاب, وليكون عمدة لحفظ الدارسين, ورأس مال لإنفاق المدرسين فاستخرت الله تعالى في ذلك, وسألته التوفيق في القول والعمل, والعصمة من الخطأ والخطل, من غير إعراض عن الأول, إذ عليه المعول, فشرعت في ذلك ذاكرا من الطرق أصحها, أو أحسنها, ومن المقالات أرجحها, مشيرا بقولي : ( متفق عليه ), لما رواه إماما المحدثين, أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن بردذبه الجعفي البخاري, وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري, وبقولي : ( رواه الأربعة ) لما رواه الترمذي في ( جامعه ), وأبو داود, والنسائي, وابن ماجه في ( سننهم ), وبقولي : ( رواه الثلاثة ) لما رواه المذكورون خلا ابن ماجه في ( سننهم ), وبقولي: ( غريب ), أني لا أعلم من رواه, وما عدا ذلك أسمي من رواه, وحيث أطلقت النقل عن البيهقي فهو في ( سننه ) الكبير, وهذا المختصر على ترتيب أصله, لا أغير منه شيئا, بتقديم ولا تأخير, فلعلك ترى أيها الناظر حديثا غير مناسب للباب, فأعلم أن الرافعي ذكره كذلك, فإن دعي هذا المختصر ( بالخلاصة ) كان باسمه وافيا, ولما يرومه طالبا كافيا, أو ( المدخل ) كانت سمة صادقة, وللحقيقة مطابقة وهذا المختصر أسلك فيه طريق الإيضاح قليلا, لا الاختصار جدا, فإن رمت جعلته كالأحراف, فقد لخصته في كراريس لطيفة, مسمى ( بالمنتقى
                    تحفة المحتاج لأدلة المنهاج للحافظ ابن الملقن
                    قال ابن الملقن: هذا مختصر في أحاديث الأحكام, ذو إتقان وإحكام, عديم المثال لم ينسج مثله على منوال, شرطي أن لا أذكر فيه إلا حديثا صحيحا, أو حسنا, دون الضعيف, وربما ذكرت شيئا منه لشدة الحاجة إليه, منبها على ضعفه, مشيرا بقولي ( متفق عليه ) لما رواه البخاري ومسلم في ( صحيحهما ), وبقولي ( رواه الأربعة ) لما رواه أبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة, في ( سننهم ), وبقولي ( رواه الثلاثة ) لهم خلا ابن ماجة, وما عدا ذلك أوضح من رواه, كالشافعي, وأحمد, والدارمي في ( مسانيدهم ), وابن خزيمة, وابن حبان, وأبي عوانة في ( صحاحهم , والحاكم في ( مستدركه ), والدار قطني والبيهقي في ( سننهما ), وغيرهم كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى وأقتصر فيما أورده من قسم الصحيح, والحسن على الأصح, والأحسن مما روى فيه, وربما نبهت مع الأصح والأحسن على الصحيح, و الحسن, كما فعلت في أوائل كتاب الطهارة, حيث ذكرت حديث : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) أولا من حديث جابر, ثم عزوته إلى رواته الإمام أحمد, وابن ماجة, وابن حبان, وأن ابن السكن قال: إنه أصح ما روي في الباب, ثم قلت بعده : وهو للأربعة من حديث أبي هريرة, وأن الترمذي وغيره صححه, وكذا حديث بئر بضاعة, حيث أخرجته أولا من حديث سهل بن سعد الساعدي, وعزوته إلى رواية قاسم بن أصبغ, ثم قلت بعد ذلك : وهو للثلاثة من حديث أبي سعيد الخدري, وأنه صحح وحسن إلى غير ذلك من المواضع الآتية
                    وقد يخطر للناظر في كتابنا هذا أنه يجب تقديم رواية الأشهر على غيره, فليعلم إنما فعلت ذلك لأن الأول أصح, أو أحسن من الثاني, فتدبر ذلك, واعرف لما وقع في هذا المختصر من الاعتناء والفحص حقهما وقد استخرت الله سبحانه وتعالى في ترتيب هذا المختصر المبارك على ترتيب كتاب ( المنهاج ) للعلامة محي الدين النووي - رضي الله عنه - في المسائل والأبواب, وخصصت هذا المختصر به, لإكباب الطلبة في هذه الأزمان عليه, وانتفاعهم بما لديه,
                    وأرجو أنه واف بكل مسألة ذكرها, وورد فيها حديث صحيح, أو حسن, وأما الأحاديث الضعيفة والآثار فلم أتعرض لشيء منها, إلا نادرا, نعم تعرضت لهما في شرحي له المسمى : ( بعمدة المحتاج إلى كتاب المنهاج ), فإذا لم تجد حديثا عقب المسألة فذلك إما لعدمه, أو لضعفه, أو لذكره في مواضع أخر من الباب, اقتضى الإختصار عدم إعادته, وكذا إذا كان الحديث يصلح للاستدلال به في عدة أبواب, فإني أذكره في أولها, وربما نبهت على تقدمه كحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث : ( رفع القلم عن ثلاثة ), وما وقع من الأحكام على سبيل الاستطراد فقد لا ألتزم الاستدلال عليه هناك, وأؤخر دليله إلى موضعه, كما في أغسال الحج المذكورة في باب الجمعة, على سبيل الاستطراد, فمن تأمل هذا المختصر حق التأمل, وجده وافيا لما ذكرته, قائما بما شرطته
                    تلخيص الحبير تخريج أحاديث الشرح الكبير للحافظ ابن حجر العسقلاني
                    قال ابن حجر : وقفت على تخريج أحاديث ( شرح الوجيز ) للإمام أبي القاسم الرافعي (1), شكر لله سعيه لجماعة من المتأخرين, منهم القاضي عز الدين بن جماعة (2), والإمام أبو أمامة بن النقاش (3), والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري (4), والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (5)
                    وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد و الزوائد, وأوسعها عبارة, وأخلصها إشارة, كتاب شيخنا سراج الدين, إلا أنه أطاله بالتكرار فجاء في سبع مجلدات, ثم رأيته لخصه في مجلدة لطيفة, أخل فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته, فرأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه, مع الالتزام بتحصيل مقاصده, فمن الله بذلك ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد, من تخاريج المذكورين معه, ومن ( تخريج أحاديث الهداية ) (1) في فقه الحنفية, للإمام جمال الدين الزيلعي, لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه, وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاويا لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع,
                    الدراية تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر العسقلاني
                    قال ابن حجر : لما لخصت تخريج الأحاديث التي تضمنها ( شرح الوجيز ) للإمام أبي القاسم الرافعي, وجاء اختصاره جامعا لمقاصد الأصل, مع مزيد كثير, كان فيما راجعت عليه ( تخريج أحاديث الهداية ) الكتاب الآخر, لينتفع به أهل مذهبه, كما انتفع أهل المذهب, فأجبته إلى طلبه وبادرت إلى وفق رغبته, فلخصته تلخيصا حسنا مبينا, غير مخل من مقاصد الأصل, إلا ببعض ما قد يستغنى عنه, والله المستعان في الأمور كلها, لا إله إلا هو, وهذه فهرسة كتبه :
                    الطهارة, الصلاة, الجنائز, الزكاة, الصوم, الحج, النكاح, وتوابعه, العتق, وتوابعه, الإيمان و النذور, الحدود والسير, و فيه الجزية والموادعة, والبغاة وأحكام المرتدين, واللقيط واللقطة, والآبق والمفقود, والشركة, الوقف, البيوع, الصرف, الحوالة, والكفالة, القضاء, والشهادات وفيه الوكالة, والدعوى و الإقرار,والصلح, المضاربة والوديعة العارية, الهبة الإجارة, المكاتب, الولاء, الإكراه, الحجر, الغصب, الشفعة, القسمة, المزارعة, المساقاة, الذبائح الأضحية, الكراهية, إحياء الموات, الأشربة, الصيد, الرهن, الجنايات, الديات, القسامة, العقول, الوصايا, آخر الكتاب
                    تغليق التعليق للحافظ ابن حجر
                    قال ابن حجر: إن الاشتغال بالعلم خير عاجل, وثواب حاصل, لا سيما علم الحديث النبوي, ومعرفة صحيحة من معلله, و موصوله من مرسله, ولما كان كتاب ( الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وسننه وأيامه ) تأليف الإمام الأوحد عمدة الحفاظ تاج الفقهاء أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري رحمه الله, وشكر سعيه, قد اختص بالمرتبة العليا, ووصف بأنه لا يوجد كتاب بعد كتاب الله مصنف أصح منه في الدنيا, وذلك لما اشتمل عليه من جمع الأصح والصحيح, وما قرن بأبوابه من الفقه النافع, الشاهد لمؤلفه بالترجيح, إلى ما تميز به مؤلفه عن غيره بإتقان معرفة التعديل والتجريح, وكنت ممن من الله عز وجل عليه بالاشتغال بهذا العلم النافع, فصرفت فيه مدة من العمر الذي لولاه لقلت البضائع, وتأملت ما يحتاج إليه طالب العلم من شرح هذا ( الجامع ) فوجدته ينحصر في ثلاثة أقسام من غير رابع : الأول : في شرح غريب ألفاظه, وضبطها وإعرابها, والثاني في معرفة أحاديثه, وتناسب أبوابه, والثالث : وصل الأحاديث المرفوعة, والآثار الموقوفة المعلقة فيه, وما أشبه ذلك من قوله تابعه فلان, ورواه فلان, و غير ذلك, فبان لي أن الحاجة الآن إلى وصل المنقطع منه ماسة, أن كان نوعا لم يفرد ولم يجمع, ومنهلا لم يشرع فيه ولم يكرع, وإن كان صرف الزمان إلى تحرير القسمين الأولين أولى وأعلى, والمعتني بهما هو الذي حاز القدح المعلى, ولكن ملئت منهما بطون الدفاتر, فلا يحصى كم فيها من حبلى, وسبق إلى تحريرهما من قصاراي وقصارى غيري أن ينسخ نص كلامه فرعا و أصلا
                    فاستخرت الله في جمع هذا القسم, إلى أن حصرته, وتتبعت ما انقطع منه, فكل ما وصلت إليه وصلته, وسردته على ترتيب الأصل, بابا بابا, وذكرت من كلام الأصل ما يحتاج إليه الناظر, وكان ذلك صوابا, وغيبته عن عيون النقاد, إلى أن أطلعته في أفق الكمال شهابا
                    وسميته : ( تغليق التعليق ), لأن أسانيده كانت كالأبواب المفتحة, فغلقت, ومتونه ربما كان فيها اختصار فكملت واتسقت, وقد نقلت من كتاب ( ترجمان التراجم ) للحافظ أبي عبد الله بن رشيد (1) ما نصه :بعد أن ذكر التعليق, وهل هو لاحق بحكم الصحيح, أم متقاصر عنه, قال : وسواء كان منسوبا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى غيره, وأكثر ما وقع للبخاري من ذلك في صدور الأبواب, وهو مفتقر إلى أن يصنف فيه كتاب يخصه, تسند فيه تلك المعلقات, وتبين درجتها من الصحة, أو الحسن, أو غير ذلك من الدرجات, وما علمت أحدا تعرض لتصنيف في ذلك, وإنه لمهم, لا سيما لمن له عناية بكتاب البخاري انتهى وكفى بها شهادة من هذا المحقق الحافظ, المدقق الرحال إلى المشرق والمغرب, ولقد وقفت على فوائد (رحلته) (1) في ست مجلدات, أتى فيها بالعجب العجاب, ولقي فيها مسند دمشق الفخر بن البخاري, ومسند مصر العز الحراني, و مجتهد العصر ابن دقيق العيد, وأقرانهم, ورجع إلى بلده سبتة, بعلم جم رحمه الله تعالى فأما تسمية هذا النوع بالتعليق فأول ما وجد ذلك في عبارة الحافظ الأوحد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني, وتبعه عليه من بعده, فقال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح, فيما أخبرنا أبو الحسن بن أبي المجد, عن محمد بن يوسف بن عبد الله الشافعي عنه, كأنه مأخوذ من تعليق الجدار, وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال, والله أعلم
                    قلت أخذه من تعليق الجدار فيه بعد وأما أخذه من تعليق الطلاق وغيره فهو أقرب للسببيه لأنهما معنويان
                    وأما التعريف به في ( الجامع ) فهو أن يحذف من أول الإسناد رجلا فصاعدا, معبرا بصيغة لا تقتضي التصريح بالسماع, مثل قال, وروي, وزاد وذكر أو يروى, ويذكر, ويقال, وما أشبه ذلك من صيغ الجزم والتمريض, فإن جزم به فذلك حكم منه بالصحة إلى من علقه عنه, ويكون النظر إذ ذاك فيمن أبرز من رجاله, فإن كانوا ثقات فالسبب في تعليقه إما لتكراره, أو لأنه أسند معناه في الباب, ولو من طريق أخرى, فنبه عليه بالتعليق اختصارا, أو ليبين سماع أحد رواته من شيخه, إذا كان موصوفا بالتدليس, أو كان موقوفا, لأن الموقوف ليس من موضوع الكتاب, أو كان في رواته من لم يبلغ درجة الضبط والإتقان, أو إن كان ثقة في نفسه فلا يرتقي إلى شرط أبي عبد الله المؤلف في ( الصحيح ) فيعلق حديثه, تنبيها عليه تارة أصلا, وتارة في المتابعات
                    فهذه عدة أوجه من الأسباب الحاملة له على تعليق الإسناد المجزوم به, وسيأتي مزيد بيان لذلك في أثناء هذا التصنيف
                    وإن أتى به بصيغة التمريض فهو مشعر بضعفه عنده إلى من علقه عنه, لكن ربما كان ذلك الضعف خفيفا, حتى ربما صححه غيره, إما لعدم اطلاعه على علته, أو لأن تلك العلة لا تعد عند هذا المصحح قادحة, و النظر فيما أبرزه من رجاله كالنظر فيما أبرزه من رجال الأول, والسبب في تعليقه بعض ما تقدم
                    فهذا حكم جميع ما في الكتاب من التعاليق, إلا إذا ما علق الحديث عن شيوخه الذين سمع منهم, فقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أن حكم قال حكم عن وأن ذلك محمول على الاتصال, ثم اختلف كلامه في موضع آخر فمثل التعاليق التي في البخاري بأمثلة ذكر منها شيوخ البخاري, كالقعنبي, والمختار الذي لا محيد عنه أن حكمه مثل غيره من التعاليق, فإنه وإن قلنا يفيد الصحة لجزمه به, فقد يحتمل أنه لم يسمعه من شيخه الذي علق عنه, بدليل أنه علق عدة أحاديث عن شيوخه الذين سمع منهم, ثم أسندها في موضع آخر من كتابه, بواسطة بينه وبين من علق عنه, كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مواضعه
                    وقد رأيته علق في ( تاريخه ) عن بعض شيوخه شيئا, وصرح بأنه لم يسمعه منه, فقال في ترجمة معاوية قال: إبراهيم بن موسى فيما حدثوني عنه, عن هشام ابن يوسف فذكر خبرا
                    فإن قلت هذا يقتضي أن يكون البخاري مدلسا, ولم يصفه أحد بذلك إلا أبو عبد الله بن منده, وذلك مردود عليه قلت : لا يلزم من هذا الفعل الاصطلاحي له أن يوصف بالتدليس, لأنا قد قدمنا الأسباب الحاملة للبخاري على عدم التصريح بالتحديث في الأحاديث التي علقها, حتى لا يسوقها مساق أصل الكتاب, فسواء عنده علقها عن شيخه, أو شيخ شيخه, وسواء عنده كان سمعها من هذا الذي علقه عنه, أو سمعها عنه بواسطة, ثم ان ( عن ) في عرف المتقدمين محمولة على السماع, قبل ظهور المدلسين, وكذا لفظة ( قال ) لكنها لم تشتهر اصطلاحا للمدلسين مثل لفظة ( عن ) فحينئذ لا يلزم من استعمال البخاري لها أن يكون مدلسا, وقد صرح الخطيب بأن لفظة ( قال ) لا تحمل على السماع إلا إذا عرف من عادة المحدث أنه لا يطلقها إلا فيما سمع
                    وقد قرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي, عن يوسف بن عبد الرحمن القضاعي, أن يوسف بن يعقوب بن المجاور أخبره, أن أبو اليمن الكندي, أنا أبو منصور القزاز, أنا أبو بكر الخطيب, حدثني أبو النجيب الأرموي, حدثني محمد بن إبراهيم الأصبهاني, أخبرني محمد بن إدريس الوراق, ثنا محمد بن حم بن ناقب البخاري, ثنا محمد بن يوسف الفريابي, ثنا محمد بن أبي حاتم, قال : سئل محمد بن إسماعيل عن خبر حديث فقال : يا أبا فلان, أتراني أدلس, وأنا تركت عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر, يعني إذا كان يسمح بترك هذا القدر العظيم, كيف نشره لقدر يسير, فحاشاه من التدليس المذموم
                    وبه إلى الخطيب, أخبرني أبو الوليد الدربندي, ثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان, ثنا محمد بن سعيد, ثنا محمد بن يوسف هو الفربري, ثنا محمد بن أبي حاتم قال سمعت أبا عمرو المستنير بن عتيق البكري, سمعت رجاء بن مرجى يقول : فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء فأما إذا قال البخاري قال لنا, أو قال ل,ي أو زادنا, أو زادني, أو ذكر لنا, أو ذكر ل,ي فهو وإن ألحقه بعض من صنف في الأطراف بالتعاليق, فليس منها, بل هو متصل صريح في الاتصال, وإن كان أبو جعفر ابن حمدان قد قال : إن ذلك عرض ومناولة, وكذا قال ابن منده : إن قال لنا إجازة
                    فإن صح ما قالاه فحكمه الاتصال أيضا, على رأي الجمهور, مع أن بعض الأئمة ذكر أن ذلك مما حمله عن شيخه في المذاكرة, والظاهر أن كل ذلك تحكم,وإنما للبخاري مقصد في هذه الصيغة وغيرها, فإنه لا يأتي بهذه الصيغة إلا في المتابعات والشواهد, أو في الأحاديث الموقوفة, فقد رأيته في كثير من المواضع التي يقول فيها في ( الصحيح ) قال لنا قد ساقها في تصانيفه بلفظ حدثنا, وكذا بالعكس, فلو كان مثل ذلك عنده إجازة, أو مناولة, أو مكاتبة, لم يستجز إطلاق حدثنا فيه من غير بيان القاعدة, فإن المخالف لها إذا رأى حديثا علقه البخاري ولم يوصل إسناده حكم عليه بالانقطاع, لا سيما إن كان علقه عن شيوخ شيوخه, أو عن الطبقة التي فوق
                    فإن قال له خصمه هذا معلق بصيغة الجزم, فطلب منه الدليل على أنه موصول عند البخاري ما يكون جوابه, إن أجاب بأن القاعدة أنه لا يجزم إلا بما صح عنده, قال له : أنا لا ألتزم هذه القاعدة بلا دليل, لأنها على خلاف الأصل, وإنما أحكم بما ظهر لي من أن هذا السياق حكمه الانقطاع, وأن البخاري لم يلق هذا الرجل المعلق عنه, وأي فرق يبقي بين هذا وبين المنقطع, وإن أجابه بأن الإمام فلانا روى هذا الحديث في تصنيفه مسندا متصلا, كان ذلك أدعى لرجوعه و أذعن لخضوعه, ولم يبق إلا التسليم, وفوق كل ذي علم عليم والتزمت في وصل هذا التعليق أن أسوق أحاديثه المرفوعة, وآثاره الموقوفة, بإسنادي إلى من علق عنه المصنف, لا إلى غيره, إلا أن يتكرر النقل من كتاب كبير, هو عندي, أو أكثره بإسناد واحد إلى مصنفه, فإني أحيل عليه غالبا, وأجمع أسانيدي في الكتب التي أحيل عليها, في فصل أختم به هذا المجموع, يتلو فصلا آخر في سياق ترجمة المؤلف ومناقبه فإن علق الحديث في موضع, وأسنده, نبهت عليه, واكتفيت به إلا أن يختلف لفظ المعلق, ولفظ الموصول, فأنبه حينئذ على من وصله بذلك اللفظ, وإذا لم يسم أحدا من الرواة بل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا كذا, فإنني أخرجه من أصح طرقه, إن لم يكن عنده في موضع آخر كما سبق
                    وأما التبويب فإنه يبوب كثيرا بلفظ حديث, أو أثر, ويسوقه في ذلك الباب مسندا, أو يورد معناه, أو ما يناسبه, كقوله في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش, وساق في الباب حديث معاوية : ( لا يزال وال من قريش ), واللفظ الأول لم يخرجه, وهو لفظ حديث آخر, وقوله باب اثنان فما فوقهما جماعة, ثم ساق فيه حديث : ( أذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما ) فلم أتكلف لتخريج ذلك, إلا إذا صرح فيه بالرواية وإذا أخرجت الحديث من مصنف غير متداول فذلك لفائدتين أحدهما أن يكون من مسموعي والثانية أن يكون عاليا, ومع ذلك فأنبه على من أخرجه من أصحاب الكتب المشهورة, وعلى كيفية ما أخرجوه في الغالبوقد قرأت على شيخ الإسلام أبي حفص بن أبي الفتح عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن يوسف بن يعقوب بن المجاور أخبره أنا أبو اليمن الكندي أنا أبو منصور القزاز أنا الحافظ أبو بكر الخطيب أنا البرقاني يعني أبا بكر أحمد ابن محمد بن غالب الفقيه الحافظ فيما أنشد لنفسه من أبيات
                    أعلل نفسي بكتب الحديث *** وأجمل فيه لها الموعدا
                    وأشغل نفسي بتصنيفه *** وتخريجه دائما سرمدا
                    وأقفوا البخاري فيما نحاه *** وصنفه جاهدا مرشدا
                    ومالي فيه سوى أنني*** أراه هوى صادف المقصدا وأرجو الثواب بكتب الصلاة *** على السيد المصطفى أحمدا
                    وأسأل ربي إله العباد *** جريا على ما لنا عودا
                    الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر العسقلاني
                    قال ابن حجر: هذا تخريج الأحاديث الواقعة في التفسير المسمى بالكشاف الذي أخرجه الإمام أبو محمد الزيلعي لخصته مستوفيا غير مخل بشيء من فوائده وقد كنت تتبعت جملة كثيرة لا سيما من الموقوفات فاته تخريجها إما سهوا وإما عمدا ثم أخرت ذلك وأضفته إلى المختصر من هذا التلخيص واقتصرت في هذا على تجريد الأصل
                    هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة للحافظ ابن حجر العسقلاني
                    قال ابن حجر:أما بعد فإني وقفت على كتاب المشكاة الذي لخصه الخطيب الفاضل ولي الدين محمد بن عبد الله التبريزي من كتاب المصابيح لأبي محمد الحسين بن عبد الله الفراء البغوي وخرج فيه أحاديثه فعزاها على مخرجيها بحسب طاقته وزاد في أبوابه فصولا مخرجه أيضا ثم وقفت على تخريج المصابيح لقاضي القضاة صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي وقد سمعت عليه بعضه فوجدت الأول قد أطال بإيراد الأحاديث والثاني ساق الأحاديث أيضا بتمامها وأطال النفس في التخريج و تجاوز ذلك إلى بيان الغريب وربما أَلَمَّ بنقل الخلاف وبيان الحكم ثم وقفت على شرح المشكاة للإمام شرف الدين الحسين بن عبد الله بن محمد الطيبي فوجدته حذف العزو أصلا و كتابه أحسن ما وضع على المصابيح لذكائه وتبحره في العلوم وتأخره فحداني ذلك إلى أن ألخص في هذا الكتاب عزو الأحاديث إلى مخرجيها بألخص عبارة لينتفع بذلك من تسمو همته ممن يشتغل في شرح المشكاة إلى الإطلاع على معرفة تلك الأحاديث ولا سيما الفصل الثاني من المصابيح الذي اصطلح على تسمية لحسان وقد نوقش في هذه التسمية وأجيب عنه بأنه لا مشاحة في الاصطلاح وقد التزم في خطبته كتابه بأنه مهما أورد فيه من ضعيف أو غريب يشير إليه وأنه أعرض عما كان منكرا أو موضوعا
                    قلت وقد وجدت في أثناء كلامه ما يقتضي مشاححته فيما تكلم عليه من ذلك الفصل الثاني من الإعراض عن بعض ما يكون منكرا ووجدته ينقل تصحيح الترمذي أحيانا وأحيانا لا ينقل ذلك مع نص الترمذي على ذلك ووجدت في أثناء الفصل الاول وهو الذي سماه الصحاح وذكر أنه يقتصر فيه على ما يخرجه الشيخان أو أحدهما عدة روايات ليست فيهما ولا في أحدهما لكن العذر عنه أنه يذكر أصل الحديث منهما أو من أحدهما ثم يتبع ذلك باختلاف في لفظ ولو بزيادة في نفس ذلك الخبر يكون بعض من خرج السنن أوردها فيشير هو إليها لكمال الفائدة فالتزمت في هذا التخريج أن أبين حال كل حديث من الفصل الثاني من كونه صحيحا أو ضعيفا أو منكرا أو موضوعا, وما سكت عن بيانه فهو حسن وقد أخبرنا بجميع ( المصابيح ) إجازة الشيخ أبو إسحاق التنوخي عن أبي نصر الشيرازي عن أبي المحاسن يوسف بن شداد عن محمد بن الحسين العطاري عن مصنفه وأخبرنا بجميع المشكاة وشرحها شيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي إجازة بجميع المشكاة عن جمال الدين حسين الأخلاطي وشمس الدين القرشي كلاهما عن الطيب والخطيب وألحقت في كل فصل منه مما ألحقه صاحب المشكاة معزوا كما عزاه ما أغفله ولم أسق المتون بتمامها غالبا بل أوردت طرف الحديث الدال على بقيته فمن أراد مراجعة بقية لفظه وجدها في المصابيح أو في المشكاة أو في الكتاب الذي أعزوها إليه وقد رمزت للمصنفين فللبخاري (خ) ولمسلم (م) ولأبي داود (د) وللترمذي (ت) وللنسائي (س) ولابن ماجة (ق) ولمالك (كاف) وللشافعي (شف) ولأحمد (أ) و للدارمي (مي) وللدراقطني (قط) ولابن حبان (حب) ولابن خزيمة (خز) وللحاكم (كم) وللبيهقي (هق) وللمصنف في شرح السنة (غس) ولرزين في جامعه (ز) والمراد بالجماعة الستة المتقدم ذكرها وبالخمسة الستة إلا ابن ماجة وبالأربعة من عدا البخاري ومسلم وبالثلاثة الشيخان وأحمد في فصل الصحاح وأصحاب السنن إلا ابن ماجة في غيره وبالمتفق عليه البخاري ومسلم وأكتفي برمزهما أو أحدهما غالبا وقد رتبت الأصل هكذا وإذا قلت الجماعة فالمراد بهم الستة المقدمة وإذا قلت الأربعة فهم إلا البخاري ومسلم وإذا قلت الخمسة فهم إلا ابن ماجة وإذا قلت الثلاثة فهم إلا البخاري ومسلم وابن ماجة وإذا قلت متفق عليه فالمراد البخاري ومسلم وأكتفى برمزهما أو أحدهما غالبا فإن أخرجه غيرهما من الستة اكتفيت برمزه
                    الفتح السماوي في تخريج أحاديث تفسير البيضاوي للشيخ عبد الرؤوف المناوي
                    قال المناوي: يقول العبد المقصر القاصر, الراجي عفو الرءوف القادر إنني قد وقفت على عدة تخاريج للأحاديث الواقعة في الكشاف ولم أقف على من أفرد تخريج الأحاديث الواقعة في تفسير القاضي طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه, بتأليف مستقل مع دعاء الحاجة بل الضرورة إلى ذلك أشد إذ منها الصحيح والضعيف والموضوع وما لا أصل له ولم يوقف له على خبر بالكلية فأفردت لذلك هذه العجالة
                    التنكيت والإفادة في تخريج أحاديث خاتمة سفر السعادة للشيخ شمس الدين محمد بن حسن ابن همات الدمشقي
                    قال الشيخ ابن همات الدمشقي: هذا تخريج لطيف وتحرير ان شاء الله منيف على خاتمة سفر السعادة للشيخ الامام مجد الدين الفيروابادي اللغوي وهو كتاب نفيس غير أنه محتاج الى تنقيح وزيادة وتنكيت وإفادة ولم يتيسر لي الكتابة على جميع الكتاب فاقتصرت على الخاتمة و لخصت من كلام الأئمة ما هو الجم الغفير ونبهت على ما فيه اعتراض من كلامه وتغيير
                    التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل للشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
                    قال الشيخ صالح آل الشيخ: هذا كتابٌ في التخريج وجيزٌ سميتُه التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل خرجت فيه جملةً من الأحاديث والآثار التي جاءت في كتاب منار السبيل شرح الدليل للشيخ الفقيه إبراهيم بن ضويان مما لم يقفْ على مَخْرَجِها العلامةُ الشيخُ محمد ناصر الدين نوح نجاتي الأرنؤوط الألباني في كتابه إرواء الغليل وشرطي فيه أن أخرج ما لم يخرجه الألباني بأن ذكر الحديث وجعله غفلاً من التخريج أو قال في تخريجه لم أقف عليه أو لم أجده ونحوهما من العبارات المفيدة أنه لم يَعْثُر على مخرج الحديث أو الأثر وكذا ما عزاه في منار السبيل لأحد الأئمة ولم يخرجُه الألباني من ذلك المصدر ونحو ذلك مما ستراه إلا قليلاً خرج عن ذلك وتركتُ فيه التطويلَ في التراجم وذكرَ أقوال أهل الجرح والتعديل في الرواة ولو نقلت الكلام عليهم لصار الكتاب أضعاف حجمه كما هو معلوم عند المشتغلين بالحديث وعلومه ومرادي بقولي قال المصنف ابن ضويان وبقال مخرجه الألباني
                    [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
                    [CENTER]
                    [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

                    تعليق


                    • #11
                      الحلقة
                      (12)

                      شَجَرَةٌ تَشْهَدُ

                      لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-




                      كتبه
                      أبو عبد الرحمن بن حسن الزندي الكردي



                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      الحمد لله الَّذي فطر بقدرته الأنام ، وفضَّل بعضهم على بعضٍ في الأفهام ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه البررة الكرام .
                      أما بعد ؛
                      فهذا بحث حول حديث من دلائل النَّبوَّة ، لنبيِّنا الكريم محمَّد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا ، بعد أنْ سُئلت عنه ، فجمعت ما له تعلُّقٌ بذالكم الحديث ؛ لذا أحببتُ أن تكون الفائدة لإخواني عامةً ، ولنفسي خاصةً ، ولعلِّي أجدُ عندي إخواني فوائدَ له تعلُّقٌ بهذا الحديثِ ، فلا يبخل علينا من وجد فائدةً لها تعلق بحديث الباب ، وأسأل الله الكريم عونًا وتأييدًا ، وتوفيقًا وتسديدًا ، وعصمةً من الزلل ، وسلامةً من الخطل ، والصواب في القول والعمل ، ثُمَّ إليه - عزَّ وجلَّ - نتضرَّع ، في أن يجعلنا ممَّن تعلَّم العلم لوجهه ، وعُنيَ به في ذاته ؛ فإنه على ذلك وعلى كل شيء قدير([1]) .
                      فأسوق الأسانيد والمتون كما جاءت في الكتب المسندة ؛ لاختلاف بعض الألفاظ عندهم ، وربما في الإسناد - أيضًا - عندهم ، والله الموفق.
                      قال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - رحمه الله تعالى - ( 255 هـ ) في « مسنده » ( رقم 16 ):
                      أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
                      كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِىٌّ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :
                      « أَيْنَ تُرِيدُ؟ ».
                      قَالَ : إِلَى أَهْلِى.
                      قَالَ :« هَلْ لَكَ فِى خَيْرٍ؟ ».
                      قَالَ : وَمَا هُوَ؟
                      قَالَ :« تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ».
                      فَقَالَ : وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ ؟
                      قَالَ :« هَذِهِ السَّلَمَةُ([2])».
                      فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِىَ بِشَاطِئِ الْوَادِى ، فَأَقْبَلَتْ تُخُدُّ([3])الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاَثاً فَشَهِدَتْ ثَلاَثاً أَنَّهُ كَمَا قَالَ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا ، وَرَجَعَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى قَوْمِهِ ، وَقَالَ :
                      إِنِ اتَّبَعُونِى أَتَيْتُكَ بِهِمْ ، وَإِلاَّ رَجَعْتُ فَكُنْتُ مَعَكَ.
                      قال محققه حسين أسد:
                      حديث صحيح (!؟) ، وقد استوفينا تخريجه في مسند الموصلي 10/34 برقم (5662)، وفي صحيح ابن حبان برقم (6505) ، وفي موارد الظمآن برقم (2110) . انتهى.
                      أقول: سيأتي الرد عليه - إن شاء الله تعالى - .
                      وأخرجه أبو يعلى الموصلي - رحمه الله تعالى - في «مسنده» (رقم1284-الزوائد) ، حيث قال - رحمه الله تعالى - :
                      حدثنا أبو هشام الرفاعي ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا أبو حيان التيمي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر قال :
                      كنت جالسًا عند النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأتاه أعرابيٌّ فقال:
                      «هل لك في خير؟ تشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمَّدًا رسول الله«.
                      قال: ومن يشهد لك؟
                      قال :
                      «هذه النخلة».
                      فدعاها وهي على شاطئ الوادي فجاءته تخُدُّ الأرض حتى قامت بين يديه .
                      قال:
                      «فاستشهدها» ، فشهدت ثلاث مرات، ثم رجعت إلى مكانها!
                      فقال الأعرابي : آتي قومي فإن تابعوني أتيتك بهم وإلاَّ رجعت إليك فأكون معك.
                      أقول : وهو في «المسند» المطبوع ج10/ص34/(رقم5662)، وأعجب من قول محققه (!؟) حسين أسد ، حيث قال:
                      إسناده حسن من أجل أبي هشام الرفاعي ، إن كان عطاء سمعه من ابن عمر... ونقل الشيخ حبيب الرحمن عن البوصيري قوله :
                      رواه أبو يعلى والبزار ، ومدار إسناده على علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف .
                      نقول - القائل حسين أسد - :
                      ليس في إسناد أبي يعلى علي بن زيد ...انتهى.
                      قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له- :
                      وقد سبق أنْ قال حسين أسد في تعلقيه على «سنن الدارمي» بأنَّ الحديث صحيحٌ ، وأشار إلى أنَّه استوفى التخريج والكلام عليه في «مسند أبي يعلى» ، فإذا به لم يشر لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ إلى تخريج الدارميِّ للحديث !! على الرُّغم أنَّه عمل في التحقيق(!؟) على الكتابين ، وأنَّه في مكانٍ صحَّحه وفي آخرَ حسَّنه (!؟) ، هذا أمر.
                      وأمر آخر:
                      نقل حسين أسد عن حبيب الرحمن الأعظمي كلامَ البوصيري عن هذا الحديث الذي نحن بصدده، والواقع ليس عن حديث الباب ، وإنما عن حديث آخر ، وهو حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، ومَن رجع إلى «المطالب العالية» ج4/ص16/(رقم3836) ، اتَّضح له أنَّ حسين أسد في وادي ، وكلام البوصيري في وادي آخر !
                      علمًا أنَّ كلام البوصيري الذي نقله حبيب الرحمن ، في صفحةٍ غيرُ الصفحة التي فيها حديثُ الباب (!؟) ، والله المستعان .
                      وعزاه إلى أبي يعلى الموصلي -رحمه الله تعالى- ، الحافظُ الهيثميُّ - رحمه الله تعالى - في «المجمع» جـ8/صـ292 ط2-دار الكتاب، وقال: رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ، ورواه أبو يعلى أيضا ، والبزار . انتهى.
                      وعزاه إلى أبي يعلى والبزار - أيضًا - الحافظ البوصيري - رحمه الله تعالى - في «إتحاف المهرة» جـ9/صـ111 -المجردة، حيث قال:
                      رواه أبو يعلى بسند صحيح (!؟) ، والبزار ، والطبراني ، وابن حبان في صحيحه. انتهى.
                      قال محققه (!؟) كسروي: قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح ، غير إبراهيم بن الحجاج ، وهو ثقة.
                      قال أبو عبد الرحمن - غفر الله تعالى له- :
                      زيادة : ( غير إبراهيم بن الحجاج ، وهو ثقة ) ، من كيس محققه (!؟) الكسروي ، وليس من كلام الهيثمي -رحمه الله تعالى- من ذلك في شيء، فما أدري من أتى بهذه الزيادة ، علمًا ليس في إسناد حديث الباب من هو اسمه : ( إبراهيم بن الحجاج ) ، وقد نقل الكسروي نفسُه كلام الحافظ الهيثمي -رحمه الله- في تعليقه (!؟) على كتاب «المقصد العلي» ج3/ص160، فلم يذكر تلك الزِّيادة ، وإنما كلام الحافظ الهيثمي -رحمه الله تعالى- عن حديث ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، وليس عن حديث الباب ، وهو الحديث الآتي في آخر المقال عنه -رضي الله عنهما- ، وهو حديثٌ صحيحٌ، عند الطبراني -رحمه الله تعالى- (ج12/ص100/رقم12595)، وغيره، لكن ليس في هذه الطريق عنده إبراهيم بن الحجاج السامي، وما أظنه إلاَّ وهمًا من الحافظ الهيثمي -رحمه الله- ؛ فإنَّه كثير الوهم (!؟) ، والله المستعان ، وهو في «المجمع» ج9/ص10 ، حيث قال: رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح ، غير إبراهيم بن الحجاج السامي([4])، وهو ثقة. انتهى.
                      والله الموفِّق ...
                      * وأخرجه - أيضًا - البزار - رحمه الله تعالى - ، كما سبق في مصادر التخريج، وقال البزار -رحمه الله تعالى- في «مسنده» (ج3/ص133-134/رقم2411-كشف):
                      حدثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا أبو حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال:
                      " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، فأقبل أعرابيٌّ، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين تريد؟
                      قال: أهلي.
                      قال: هل لك إلى خير مما تريد - أو كلمة نحوها -؟
                      قال: وما هو؟
                      قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
                      قال: من يشهد لي على ما تقول؟
                      قال: هذه الشجرة. فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت حتى قامت بين يديه؟ فاستشهدها، فشهدت ثلاثًا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني أتيتك بهم، وإن لا ، جئت إليك فكنت معك.
                      قال البزار: لا نعلم رواه عن ابن عمر بهذا اللفظ وهذا الإسناد، إلا محمد بن فضيل، ولا نعلم أسند أبو حيان عن عطاء إلا هذا الحديث([5]).
                      * ومن هذا الباب فالحديث قد أخرجه -أيضًا- ابن حبان -رحمه الله تعالى- في صحيحه (رقم2110 –موارد) ، حيث قال:
                      أنبأنا الحسن بن سفيان ، حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبي حيان ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال :
                      كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسير فأقبل أعرابيٌّ فلما دنا منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
                      «أين تريد »؟
                      قال : إلى أهلي .
                      قال : «هل لك إلى خير» ؟
                      قال ما هو ؟
                      قال : « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله ».
                      قال : هل من شاهد على ما تقول ؟
                      قال - صلى الله عليه وسلم - : «هذه الشجرة » ، فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في شاطئ الوادي ؛ فأقبلت تخُدُّ الأرض خدًّا حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها ثلاثًا ، فشهدت أنَّه كما قال ، ثم رجعتْ إلى منبتها .
                      ورجع الأعرابي إلى قومه ، وقال : إن يتبعوني أتيتك بهم وإلاَّ رجعت إليك وكنتُ معك.
                      وانظر «إتحاف المهرة» ج8/ص592/(رقم10021)، للحافظ ابن حجر -رحمه الله-، فإنَّه عزاه إلى الدارمي ، وابن حبان .

                      * وخرَّجه الدارقطني -رحمه الله- في « الغرائب والأفراد » ( ج1/ص545/رقم3128 -أطراف ابن طاهر ط-التدمرية ) ، وقال: تفرد به محمد بن فضيل، عن أبي حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان ( بالأصل: جيان! ) ، عن عطاء بن أبي رباح، عنه .
                      * وأخرجه الطبراني في «الكبير» ج12/ص431/( رقم13582) ، حيث قال :
                      حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بن أَبِي رَوْحٍ الْبَصْرِيُّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ بن أَبَانَ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن فُضَيْلِ بن غَزْوَانَ , عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ , فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ , فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:أَيْنَ تُرِيدُ؟
                      قَالَ: إِلَى أَهْلِي .
                      قَالَ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟
                      قَالَ: مَا هُوَ؟
                      قَالَ:تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
                      قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟
                      قَالَ:هَذِهِ الشَّجَرَةُ, فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- , وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي ، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاثًا , فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ , ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا , وَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ , فَقَالَ: إِنْ يَتْبَعُونِي آتِيكَ بِهِمْ , وَإِلا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ.
                      * وأخرجه البيهقي -رحمه الله تعالى- في «الدلائل » ج6/ص14-15 ، حيث قال:
                      ذكر شَيخُنا أبو عبد الله الحافظ إجازةً ، أن أبا بكر محمد بن عبد الله الوراق ، أخبره قال: أنبأنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجُعفِيُّ ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي حيان ، عن عطاء ، عن ابن عمر ، قال :
                      كنا مع النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأقبل أَعرابيٌّ فلما دنا منه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أين تريد؟
                      قال: إلى أهلي.
                      قال: هل لك إلى خير؟
                      قال ما هو؟
                      قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّدًا عبده ورسوله .
                      قال: هل من شاهدٍ على ما تقول؟
                      قال: هذه الشجرة ! فدعاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي على شاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض خدا فقامت بين يديه ، فاستشهد ثلاثا ، فشهدت له كما قال ، ثم رجعتْ إلى منبتها ورجع الأعرابي إلى قومه ، فقال : أن يتبعوني آتيك بهم وإلا رجعت إليك فكنت معك.
                      أقول : والغريب قال محققه ( !؟ ) قلعجي في الهامش:
                      نقله الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 6/125 عن المصنف!!

                      * وأخرجه أيضا الفاكهي -رحمه الله تعالى- في «تاريخ مكة» ج4/ص29/(رقم232 ، حيث قال:
                      وحدثنا علي بن المنذر قال : ثنا ابن فضيل قال : ثنا أبو حيان التميمي ، عن عطاء ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال : كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل أعرابيٌّ فلما دنا منه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « أين تريد ؟ » .
                      قال : إلى أهلي .
                      قال -صلى الله عليه وسلم- : « هل لك إلى خير ؟ » .
                      قال : ما هو ؟
                      قال -صلى الله عليه وسلم- : « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله » .
                      قال : من شاهد على ما تقول ؟
                      قال صلى الله عليه وسلم : « هذه الشكمة » - يعني الشجرة - فدعا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه -صلى الله عليه وسلم- فاستشهدها ثلاثًا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها فرجع الأعرابيُّ إلى قوله -صلى الله عليه وسلم- فقال :
                      إن يتبعوني أقبلت بهم ، وإلاَّ رجعت فكنت معك .
                      * وأخرجه الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى - في «تاريخ دمشق» ج4/ص364-365 ، حيث قال:
                      أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الزينبي ن نا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق إملاءً ، نا أبو القاسم عبد الله بن محمد ، نا أحمد بن عمران الأخنسي - سنة ثمان وعشرين ومائتين - ، نا محمد بن فضيل ، نا أبو حيان التيمي - وكان صدوقًا - ، عن مجاهد([6]) ، عن ابن عمر قال:
                      كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فدنا منه أعرابي فقال : «يا أعرابيُّ أين تريد ؟ ».
                      قال : إلى أهلي.
                      قال :
                      «هل لك إلى خير ؟ » .
                      قال : ما هو ؟
                      قال :
                      « تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله !» .
                      قال : من يشهد على ما تقول؟
                      قال:
                      «هذه الشجرة السدر» ، فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي في شاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه ، واستشهدها ثلاثًا ، فشهدت ثلاثًا أنَّه كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
                      قال : ثم رجعت إلى مكانها!
                      فقال الأعرابي : أرجع إلى قومي فإن اتبعوني وإلاَّ رجعت فكنت معك .
                      ** وأورده القاضي عياض في «الشفا» ج1/ص573 ط2-علوم القرآن. وكذا الخطيب التبريزي -رحمه الله تعالى- في «المشكاة» ( رقم 5929 ) ، وثَمَّ رقَّم عليه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- بعلامة الصحيح([7]) !
                      * قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن هذا الحديث في «تاريخه» ج6/ص125:
                      وهذا إسناد جيد(!؟)، ولم يخرجوه ، ولا رواه الإمام أحمد ، والله أعلم. انتهى.
                      وقال الحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى - في «تاريخه» ج2/ص344:
                      غريب جدًّا ، وإسناده جيد ، أخرجه الدارمي في «مسنده» ، عن محمد بن طريف ، عن ابن فضيل. انتهى.
                      أقول : والحديث -وإن كان رجاله رجال الصحيح ، هذا لا يعني أنَه صحيح - فهو مُعلٌّ ، كما قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- في «الصحيح المسند من دلائل النبوة»([8]) ص98 ، مستندًا في ذلك إلى قول أبي حاتمٍ الرازي -رحمه الله تعالى- ، كما في «علل ابنه أبي محمد عبد الرحمن -رحمه الله تعالى-» ج3/ص 236-237/( رقم2687) ، حيث قال -رحمه الله تعالى-:
                      سمعت أبي ذكر حديثًا رواه ابن فضيل ، عن أبي حيان ، عن عطاء ، عن ابن عمر ، قال :
                      كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأقبل أعرابي، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هل لك إلى خير من الذهاب ؟».
                      قال نعم.
                      قال : «تشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأني رسول الله».
                      قال الأعرابي : فمن يشهد لك ؟
                      قال: «هذه الشجرة التي على دارى ...الحديث ».
                      قال أبي: وقد حدثنا علي الطنافسي، وعبد المؤمن بن علي، عن ابن فضيل هكذا، وأنا أنكر هذا ؛ لأن أبا حيان لم يسمع من عطاء، ولم يرو عنه ، وليس هذا الحديث من حديث عطاء.
                      قلت: من تراه؟
                      قال : لحديث أبي جناب أشبه. انتهى.
                      أقول: وانظر في ذلك إلى «جامع التحصيل» ص298 ط3-عالم الكتب، للحافظ العلائي -رحمه الله تعالى-.
                      وذكر الحافظ أبو زرعة العراقي -رحمه الله تعالى- في «تحفة التحصيل» ص343 ط-الرشد ، بينهما:
                      المنذر بن جرير بن عبد الله البجلي ، وقيل: أبو رزعة عمر بن جرير ، وقيل: الضحاك خال المنذر بن جرير ...إلخ.

                      حديث صحيح يغني عن الحديث السابق:
                      قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في «مسنده» ج1/ص223:
                      حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
                      أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي الْخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
                      أَلَا أُرِيكَ آيَةً؟
                      قَالَ بَلَى .
                      قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ ، فَقَالَ ادْعُ ذَلِكَ الْعِذْقَ!
                      قَالَ: فَدَعَاهُ فَجَاءَ يَنْقُزُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ .
                      فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْجِعْ ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ .
                      فَقَالَ الْعَامِرِيُّ : يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ.
                      * وأخرجه الإمام الدارمي -رحمه الله تعالى- في «مسنده» ( رقم24) من طريق إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي معاوية الضرير، به.
                      والإمام أبو عيسى الترمذي في «الجامع» (رقم362 ، من طريق أبي ظبيان ، به.
                      وقال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسنٌ غريبٌ صحيحٌ .
                      والحاكم في «مستدركه» ج2/ص771 ط-ابن حزم والعثمانية، من طريق أبي بكر بن إسحاق، عن علي بن عبد العزيز، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني، عن شريك، عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، به.
                      وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم([9])، ولم يخرجاه، وتبعه على ذلك الحافظ الذهبي في «تلخيصه».
                      والبيهقي في «الاعتقاد» ص36 ط-ابن رجب، وفي «الدلائل» ج6/ص15، من طريق أبي عبد الله الحاكم ، به .
                      *** وممن خرَّجه أيضًا بحشل -رحمه الله تعالى- في «تاريخ واسط» ص212 ط-كوركيس، إلا أنه تصحف عنده: «أبو ظبيان» إلى «ابن ظبيان» ، وهذا الكتاب حقيقةً بحاجة إلى تحقيق علمي (!؟)، والله المستعان، البخاري في «تاريخه» ج2/ق1/ص3، والحربي في «غريبه» ج2/ص348، وأبو يعلى في «مسنده» ج4/(2350)، وابن حبان في «صحيحه» (2111-موراد)، والطبراني ج12/( 12595) ، و(12622)، وفي الأوسط ج5/ص197/رقم5068، وقال: لم يروِ هذا الحديث عن سماكٍ إلاَّ شريك. انتهى.
                      وأبو نعيم في «الدلائل» صـ393 رقم397، والضياء في «المختارة» (رقم527) وقال: رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن سعيد الأصبهاني، وقال: حديث حسن صحيح.
                      أقول: لعل في نسخة كذا ، وقد سبق قول الترمذي .
                      وخرَّجه -أيضًا- (رقم24 ، وابن عساكر في «تاريخه» ج4/ص363، واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (رقم1486).
                      وانظر ترجيح هذه الطريق لأبي زرعة الرازي -رحمه الله تعالى- في «علل ابن أبي حاتم -رحمه الله-» ج3/ص241 ط-الرشد، والحديث صححه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- في «الصحيحة» ( رقم3315)، وصححه -أيضًا- شيخنا الوادعي -رحمه الله تعالى- في «الدلائل» ص98 و178.
                      * وجاء عند البخاري في «تاريخه»، ومن طريقه الترمذي ، والحاكم ، والطبراني ، الضياء ، وغيرهم : أنَّ الأعرابي أسلم ، لكن هذه الزيادة منكرة ؛ لأنها من طريق شريك بن عبد الله ، فتفرده لا يحتمل ! فكيف بالمخالفة ؟!
                      وبالله التوفيق ....



                      كتبه
                      أبو عبد الرحمن بن حسن الزندي الكردي
                      16/3/1430 هـ
                      عمان البلقاء


                      ***



                      الهوامش :
                      -------------
                      ([1]) ينظر مقدمة « الصلة » لابن بشكوال -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة (578 هـ) .
                      ([2]) نوعٌ من شجر البادية..
                      ([3]) أي: تشق الأرض...
                      ([4]) بالأصل كان ( الشامي !؟ ) ، وهو تصحيف ، والصواب بالسين المهملة ، وهو الناجي ، أبو إسحاق البصري ، وثقه ابن حبان...
                      ([5]) قال محققه الأعظمي : قال الهيثمي : رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ، ورواه أبو يعلى أيضًا ، والبزار (8/292)، قلت : وفي إسناده علي بن زيد، وهو حسن الحديث عند الهيثمي والبزار. انتهى.
                      قال أبو عبد الرحمن -غفر الله تعالى له-:
                      هذا خلط وخبط من الأعظمي -غفر الله تعالى لنا وله- ، فلا أدري هذا منه أم من الطباعة ، والغالب منه ، وقد سبق أن حسين أسد -أيضًا- خلط بين حديث الباب -وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما- وحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، وهذا من ذاك ، والله المستعان، وأنه نقل بالخطإ عن الأعظمي ، لكن هذه المرة وقع في الخلط حقًّا الأعظميُّ نفسُه ، وأنَّه جمع بين قول الهيثمي -رحمه الله- في حديث عمر وابنه عبد الله -رضي الله عنهما-، فحديث عُمرَ -رضي الله عنه- هو الذي في سنده علي بن زيد بن جدعان ، كما في «المجمع» 9/10 ، وأن قول الهيثمي ليس عن حديث عمر -رضي الله عنه- ، وإنما عن حديث ابنه عبد الله -رضي الله عنهما- ، كما في «المجمع» 8/292 ، كما سبق.
                      وأن قول الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى عن حديث عمر رضي الله عنه في المجمع ج9/ص10: رواه البزار وأبو يعلى ، وإسناد أبي يعلى حسن. انتهى.
                      ليس بحسنٍ ، إذ في سنده علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيفٌٍ ، كما في مسند أبي يعلى ج1/ص190-191/رقم215)، ومسند البزار ، فلا معنى لقول الحافظ الهيثمي : إسناد أبي يعلى حسن!! فمدار الحديث عنده وعند البزار عليه، كما قال الحافظ البوصيري -رحمه الله تعالى- في «إتحاف المهرة» ج9/ص111: رواه أبو يعلى الموصلي ، والبزار ، ومدار إسناديهما على: علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيفٌ . انتهى.
                      وبالله التوفيق...
                      ([6]) كذا بالأصل (!؟)، وما أظنه إلا وهمًا من بعض النساخ، فقد سبق أن المحدثين متفقون على أن سند هذا الخبر لا يعرف إلاَّ من طريق أبي حيان ، عن عطاء ، فليصحح وليستدرك، وبالله التوفيق...
                      ([7]) وكذا صحَّحه -رحمه الله تعالى- في «الصحيحة» ج9/ق2/ص929!
                      ([8]) وقال شيخنا -رحمه الله- في هامش «الدلائل» : أبو حيان هو يحيى بن سعيد التميمي، وعطاء هو ابن أبي رباح، ويحتمل أنه ابن يسار، ولم أجد لأبي حيان رواية عنهما، كما في تهذيب الكمال. انتهى.
                      أقول: عطاء هو ابن أبي رباح ، كما جاء مصرحًا به في بعض مصادر التخريج ، منها : «الأفراد» ، للدارقطني ، كما سبق، وبالله التوفيق...
                      ([9]) وقال شيخنا الوادعي -رحمه الله- في «تتبع أوهام الحاكم ...» ج2/ص728: مسلم لم يعتمد على شريك بن عبد الله النخعي . انتهى.
                      [CENTER][FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B]أموت ويبقى كل ماقد كتبته... فياليت من يقرأ مقالي دعا ليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
                      [CENTER]
                      [FONT=Arial][SIZE=5][COLOR=red][B] لعل إلهي أن يمن بلطفه … ويرحم َ تقصيري وسوء فعاليا[/B][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        بارك الله في أم أيمن الجزائرية أود أن أشكرها على هذه الألفاظ وأود أن أسألها عن الشيخ عبد الحليم تويمات إن كانت تعرفه فييحبذا لو أنها تدلو بدلوها للتعريف به

                        تعليق

                        يعمل...
                        X