إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان -للشيخ صالح الفوزان- [موضوع متجدد ان شاء الله]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان -للشيخ صالح الفوزان- [موضوع متجدد ان شاء الله]

    إتحاف أهل الإيمان بمجالس شهر رمضان

    تقديم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :

    في كل عام تستقبل الأمة الإسلامية شهر رمضان الكريم بالغبطة والسرور فهو شهر العبادة والقرآن شهر التوبة والغفران شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، ولذا كان لزامًا على أهل العلم ومؤسساته استثمار هذا الموسم الكريم بالإكثار من الدعوة إلى الله والنصح والإرشاد بشتى الوسائل الممكنة .

    وكعادة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في اغتنام الفرص الطيبة والمشاركة فيها بما وهبه الله من بسطة في العلم وإخلاص وتفان في الدعوة إلى الله بالكلمة والموعظة الحسنة . فقد أوجز لنا في كلمات يسيرة الكثير من أحكام الصيام ونبهنا على الكثير من فضائله وشمائله وذكّرنا بما كان يفعله الرسول الكريم وخلفاؤه الراشدون وصحابته الكرام من الأعمال الخيرة طوال أيام الشهر ولياليه .

    وسيجد القارئ والمستمع بإذن الله في هذه الرسالة [ إتحاف أهل الإيمان - بدروس شهر رمضان ] الكثير من الفوائد وستعينه على الإكثار من أعمال الخير في شهر الخير وستجيب على الكثير من الاستفسارات عن الأحكام الفقهية المتعلقة بالصوم والأمور التي تدور حوله . فجزاه الله خيرًا وأكثر من أمثاله ونفع به الإسلام والمسلمين في كل مكان والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل .

    د . عبد الله بن عبد المحسن التركي

    مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


  • #2
    مقدمة

    الحمد لله الذي شرع لعباده صيام شهر رمضان وجعله أحد أركان الإسلام .

    والصلاة والسلام على نبينا محمد أفضل من صلى وصام . وعلى آله وأصحابه البررة الكرام . وبعد . .

    فهذه كلمات يسيرة تتضمن التذكير بفضائل هذا الشهر المبارك والحث على الجد والاجتهاد فيه . واغتنام أيامه ولياليه . مع الإشارة إلى بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام والقيام . قصدت بكتابتها تذكير نفسي وإخواني سائلاً الله أن ينفع بها من كتبها ومن قرأها ومن سمعها من المسلمين . وأن يغفر لي ما وقع فيها من خطأ أو تقصير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . .

    المـؤلـف

    في 9 من شهر صفر 1408هـ

    التوثيق

    تعليق


    • #3
      1 - بيان ما يثبت به دخول شهر رمضان المبارك


      الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه . . وبعد . .

      فقد قال الله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فقد أوجب الله سبحانه في هذه الآية على عباده صوم شهر رمضان كله من أوله إلى آخره وأوله يعرف بأحد أمرين :

      الأمر الأول : رؤية هلاله

      لما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ، وروى الإمام أحمد والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه وروى الطبراني عن طلق بن عليّ رضي الله عنه : أن الله جعل هذه الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما : جعل الله الأهلة مواقيت للناس ، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ففي هذه الأحاديث الشريفة تعليق وجوب صوم رمضان برؤية هلاله ، والنهي عن الصوم بدون رؤية الهلال ، وأن الله جل وعلا جعل الأهلة مواقيت للناس بها يعرفون أوقات عباداتهم ومعاملاتهم ، كما قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره لهم ، حيث علق وجوب الصيام بأمر واضح وعلامة بارزة يرونها بأعينهم ، وليس من شرط ذلك أن يرى الهلال كل الناس بل إذا رآه بعضهم ولو كان شخصًا واحدًا لزم الناس كلهم الصيام .

      قال جابر : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ، يعني هلال رمضان - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أن لا إله إلا الله قال نعم - قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ، قال : نعم ، قال : يا بلال ، أذن في الناس أن يصوموا غدًا رواه أبو داود .

      وروى أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه .

      التوثيق

      الأمر الثاني : إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا

      مما يثبت به دخول شهر رمضان إذا لم ير الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا قال عليه الصلاة والسلام فإن غم عليكم فاقدروا له متفق عليه ، ومعنى غم عليكم أي إذا غطى الهلال شيء - حال دون رؤيته ليلة الثلاثين من شعبان - من غيم أو قتر ، فقدروا عدد شهر شعبان تامًا ، بأن تكملوه ثلاثين يومًا ، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين متفق عليه ، ومعنى هذا تحريم صوم يوم الشك ، وقد قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فالواجب على المسلم اتباع ما جاء عن الله ورسوله في صيامه وفي عباداته كلها ، وقد حدد الله ورسوله معرفة دخول شهر رمضان بإحدى علامتين ظاهرتين يعرفهما العامي والمتعلم رؤية الهلال ، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا ، فمن جاء بشيء يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشارع ، فقد حاد الله ورسوله كالذي يقول إنه يجب العمل بالحساب في دخول شهر رمضان ، هذا مع أن الحساب عرضة للخطأ وهو أمر خفي لا يعرفه كل أحد ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إني رأيت الناس في شهر صومهم وفي غيره أيضا منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض جهال أهل الحساب من أن الهلال يرى أو لا يرى ويبني على ذلك إما في باطنه وظاهره حتى بلغني أن من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب إنه يرى أو لا يرى . والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة ، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث - انتهى وفي هذا مشقة على الأمة وحرج ، وقد قال الله تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فالواجب على المسلمين الاقتصار على ما شرعه الله ورسوله ، كما يجب على المسلمين العناية بترائي الهلال ، والتعاون على البر والتقوى ، والله ولي التوفيق ...

      ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ...


      التوثيق

      تعليق


      • #4
        2 - فضائل شهر رمضان وما ينبغي أن يستقبل به

        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : -

        فإن الله سبحانه وتعالى اختص شهر رمضان من بين الشهور بفضائل عظيمة . وميزه بمميزات كثيرة .

        قال تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ ففي هذه الآية الكريمة ذكر الله لشهر رمضان مزيتين عظيمتين : -

        المزية الأولى : إنزال القرآن فيه لأجل هداية الناس إنزال القرآن فيه لأجل هداية الناس من الظلمات إلى النور وتبصيرهم بالحق من الباطل بهذا الكتاب العظيم المتضمن لما فيه صلاح البشرية وفلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة .

        والمزية الثانية : إيجاب صيامه على الأمة المحمدية إيجاب صيامه على الأمة المحمدية ، حيث أمر الله بذلك في قوله : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ .

        وصيام رمضان هو أحد أركان الإسلام وفرض من فروض الله ، معلوم من الدين بالضرورة وإجماع المسلمين من أنكره فقد كفر ، فمن كان حاضرًا صحيحًا وجب عليه صوم الشهر أداء ، كما قال تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ . ومن كان مسافرًا أو مريضًا وجب عليه الصوم قضاء من شهر آخر كما قال تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فتبين أنه لا مناص من صيام الشهر ، إما أداء وإما قضاء ، إلا في حق الكبير الهرم والمريض المزمن - اللذين لا يستطيعان الصيام قضاء ولا أداء فلهما حكم آخر سيأتي بيانه إن شاء الله .

        التوثيق

        ومن فضائل هذا الشهر ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : - إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين .

        فدل هذا الحديث على مزايا عظيمة لهذا الشهر المبارك :

        الأولى : - أنه تفتح أبواب الجنة ، وذلك لكثرة الأعمال الصالحة التي تشرع فيه ، والتي تسبب دخول الجنة ، كما قال تعالى : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

        الثانية : إغلاق أبواب النار في هذا الشهر ، وذلك لقلة المعاصي التي تسبب دخولها كما قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى .

        وقال تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .

        والمزية الثالثة : لهذا الشهر المبارك أنه تصفد فيه الشياطين - أي تغل وتوثق فلا تستطيع إغواء المسلمين وإغراءهم بالمعاصي وصرفهم عن العمل الصالح . كما كانت تفعل في غير هذا الشهر ، ومنعها في هذا الشهر المبارك من مزاولة هذا العمل الخبيث إنما هو رحمة بالمسلمين لتتاح لهم الفرصة لفعل الخيرات وتكفير السيئات . .

        ومن فضائل هذا الشهر المبارك أنه تضاعف فيه الحسنات ، فالنافلة تعدل فيه أجر الفريضة ، والفريضة تعدل فيه أجر سبعين فريضة ، ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار . وكان له مثل أجر ذلك الصائم من غير أن ينقص من أجره شيء ، وكل هذه خيرات وبركات ونفحات تحل على المسلمين بحلول هذا الشهر المبارك ، فينبغي للمسلم أن يستقبل هذا الشهر بالفرح والغبطة والسرور ويحمد الله على بلوغه ويسأله الإعانة على صيامه وقيامه وتقديم الأعمال الصالحة فيه ، إنه شهر عظيم ، وموسم كريم ووافد مبارك على الأمة الإسلامية .

        نسأل الله أن يمنحنا من بركاته ونفحاته ، إنه سميع مجيب ... .

        والحمد لله رب العالمين ...

        التوثيق

        تعليق


        • #5
          3- ما ينبغي أن تشغل به أوقات رمضان المبارك

          3 - ما ينبغي أن تشغل به أوقات رمضان المبارك

          الحمد لله على فضله وإحسانه ، تفضل علينا ببلوغ شهر رمضان ومكننا فيه من الأعمال الصالحة التي تقربنا إليه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد كان أول سابق إلى الخيرات وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ... أما بعد : -

          فأوصيكم ونفسي في هذا الشهر المبارك بتقوى الله - وفي غيره من الشهور . ولكن هذا الشهر له مزية خصه الله بها . فهو موسم الخيرات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ببلوغ رمضان ، فكان يقول إذا دخل شهر رجب : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ، وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه ويبين لهم مزاياه ، فيقول : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك ويحث أصحابه على الاجتهاد فيه بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل ، من صلوات وصدقات ، وبذل معروف وإحسان ، وصبر على طاعة الله ، وعمارة نهاره بالصيام ، وليله بالقيام ، وساعاته بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، فلا تضيعون بالغفلة والإعراض ، كحال الأشقياء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، فلا يستفيدون من مرور مواسم الخير ولا يعرفون لها حرمة ولا يقدرون لها قيمة ، كثير من الناس لا يعرفون هذا الشهر إلا أنه شهر لتنويع المآكل والمشارب ، فيبالغون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي . ويكثرون من شراء الكماليات من الأطعمة والأشربة ، ومعلوم أن الإكثار من المآكل والمشارب يكسل عن الطاعة ، والمطلوب من المسلم أن يقلل من الطعام والشراب حتى ينشط للطاعة ، وبعض من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه شهر النوم في النهار والسهر في الليل على ما لا فائدة فيه أو ما فيه مضرة ، فيسهر معظم ليله أو كله ثم ينام النهار حتى عن الصلوات المفروضة فلا يصلي مع الجماعة ولا في أوقات الصلوات ، وفئة من الناس تجلس على مائدة الإفطار وتترك صلاة المغرب مع الجماعة ، هذه الفئات من الناس لا تعرف لشهر رمضان قيمة ولا تتورع عن انتهاك حرمته بالسهر الحرام ، وترك الواجبات ، وفعل المحرمات ، وإلى جانب هؤلاء جماعة لا يعرفون شهر رمضان إلا أنه موسم للتجارة وعرض السلع وطلب الدنيا العاجلة فينشطون على البيع والشراء فيلازمون الأسواق ويهجرون المساجد ، وإن ذهبوا إلى المساجد فهم على عجل ومضض لا يستقرون فيها لأن قرة أعينهم في الأسواق ، وصنف آخر من الناس لا يعرف شهر رمضان إلا أنه وقت للتسول في المساجد والشوارع ، فيمضي معظم أوقاته بين ذهاب وتجوال هنا وهناك وانتقال من بلد إلى بلد لجمع المال عن طريق السؤال . وإظهار نفسه بمظهر المحتاج وهو غني ، وبمظهر المصاب في جسمه وهو سليم ، يجحد نعمة الله عليه بالغنا والصحة . ويأخذ المال بغير حقه ، ويضيع وقته الغالي فيما هو مضرة عليه ، فما بقي لرمضان من مزية عند هذه الفئات .

          عباد الله لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في هذا الشهر أكثر مما يجتهد في غيره ، وإن كان عليه الصلاة والسلام مجدًا في العبادة في جميع أوقاته ، فكان يتفرغ في هذا الشهر من كثير من المشاغل التي هي في الحقيقة عبادة ، لكنه يتفرغ من العمل الفاضل لما هو أفضل منه ، وكان السلف الصالح يقتدون به في ذلك فيخصون هذا الشهر بمزيد اهتمام ، ويتفرغون فيه للأعمال الصالحة ، ويعمرون ليله بالتهجد ونهاره بالصيام والذكر وتلاوة القرآن ، ويعمرون المساجد بذلك ، فلنقارن بين حالنا وحالهم وما هو مبلغ شعورنا بهذا الشهر . ولنعلم أنه كما تضاعف فيه الحسنات فإنها أيضًا تغلظ السيئات وتعظم عقوبتها ، فلنتق الله سبحانه ونعظم حرماته .

          وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ .

          وفق الله الجميع لصالح القول ، والعمل . .

          وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

          التوثيق

          تعليق


          • #6
            4 - صلاة التراويح وأحكامها

            4- صلاة التراويح و أحكامها

            الحمد لله رب العالمين ، شرع لعباده في شهر رمضان أنواع الطاعات ، وحثهم على اغتنام الأوقات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد أول سابق إلى الخيرات ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان ... أما بعد . .

            اعلموا وفقني الله وإياكم - أن مما شرعه لكم نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح ، وهي سنة مؤكدة ، سميت تراويح - لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات لأنهم كانوا يطيلون الصلاة ، وفعلها جماعة في المسجد أفضل ، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في المسجد ليالي ثم تأخر عن الصلاة بهم خوفًا أن تفرض عليهم ، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة ، وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة وكثر الناس ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ، وذلك في رمضان وفعلها صحابته من بعده وتلقتها أمته بالقبول ، وقال صلى الله عليه وسلم : من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ، وقال عليه الصلاة والسلام : من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه . . متفق عليه فهي سنة ثابتة لا ينبغي للمسلم تركها .

            أما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم والأمر في ذلك واسع قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور عن مذهب أحمد والشافعي ، وله أن يصلي ستًا وثلاثين كما هو مذهب مالك وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة وكل حسن ، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره .

            وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبَيٍّ صلّى بهم عشرين ركعة ، والصحابة رضي الله عنهم من يقل ومنهم من يكثر - والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح ، وكثير من الأئمة ، أي أئمة المساجد - في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود ، والطمأنينة ركن ، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله إذا يتلى ، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة ، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة . لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل ، ورب قليل خير من كثير ، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة ، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل معه إسقاط شيء من الحروف ، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه ، وأما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه فحسن . وقد ذم الله الذين يقرءون القرآن بلا فهم معناه ، فقال تعالى : وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ أي تلاوة بلا فهم ، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة . . انتهى كلامه رحمه الله .

            وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع ، لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح ، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود . والطمأنينة ركن من أركان الصلاة ، ويأخذون بالعدد الأقل في الركعات ، فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة ، وهذا تلاعب بالعبادة . فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم ، ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع . .

            وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح . .

            وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . .


            التوثيق

            تعليق


            • #7
              5 - في بيان فضائل الصيام

              الحمد لله رب العالمين ، شرع لعباده ما يصلحهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبع هديه وتمسك بسنته.. وبعد:

              أيها المسلمون نهنئكم بحلول هذا الشهر المبارك ، ونسأل الله أن يوفقنا لاغتنام أوقاته بالعمل الصالح وأن يتقبل منا ويغفر لنا خطايانا - إنه سميع مجيب.

              وسنواصل حديثنا معكم عن أحكام الصيام، ونخص في درسنا هذا بيان بعض فضائله ليستبشر بذلك أهل الإيمان، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم له : الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ، وخلوفُ فمٍ عند الله أطيب من ريح المسك ، فهذا الحديث الشريف يدل على جملة فضائل ومزايا للصيام من بين سائر الأعمال منها:

              أن مضاعفته تختلف عن مضاعفة الأعمال الأخرى ، فمضاعفة الصيام لا تنحصر بعدد . بينما الأعمال الأخرى تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .

              ومنها أن الإخلاص في الصيام أكثر منه في غيره من الأعمال لقوله: ( ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي).

              ومنها: أن الله اختص الصيام لنفسه من بيان سائر الأعمال وهو الذي يتولى جزاء الصائم لقوله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) .

              ومنها: حصول الفرح للصائم في الدنيا والآخرة فرح عند فطره بما أباح الله له . وفرح في الآخرة بما أعد الله له من الثواب العظيم ، وهذا من الفرح المحمود . لأنه فرح بطاعة الله : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا .

              ومنها: ما يتركه الصيام من آثار محبوبة عند الله . وهي تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام ، وهي آثار نشأت عن الطاعة فصارت محبوبة عند الله تعالى ( ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) .

              ومن فضائل الصيام: أن الله اختص الصائمين بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم إكرامًا لهم ، كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، يقال أين الصائمون فيقومون فيدخلون ، فإذا دخلوا أغلق عليهم فلم يدخل منه أحد .

              ومن فضائل الصيام: أنه يقي صاحبه مما يؤذيه من الآثام ويحميه من الشهوات الضارة . ومن عذاب النار كما ورد في الأحاديث أن الصيام جُنة ، بضم الجيم والنون المشددة المفتوحة . أي ستر حصين من هذه الأخطار .

              ومن فضائل الصيام أن دعاء الصائم مستجاب ، فقد أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال : إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد وقد قال الله تعالى في أثناء آيات الصيام : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ليرغب الصائم بكثرة الدعاء .

              ومن فضائله: أنه يجعل كل أعمال الصائم عبادة ، كما روى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن ابن عمر مرفوعًا : صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ، ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف .

              ومن فضائل الصيام: أنه جزء من الصبر ، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال الصيام نصف الصبر وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الصائمين يوفون أجرهم بغير حساب .

              ومن فضائل الصوم وفوائده الطيبة أنه يسبب صحة البدن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا تصحوا ورواه ابن السني وأبو نعيم ، وذلك لأن الصوم يحفظ الأعضاء الظاهرة والباطنة ويحميها من تخليط المطاعم الجالب للأمراض . هذا وللصيام فضائل كثيرة لا يمكننا استيفاؤها ، ولكن الغرض التنبيه على بعضها وفي هذا القدر كفاية - إن شاء الله .

              وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ... والحمد لله رب العالمين . .

              التوثيق

              تعليق


              • #8
                6 - بيان فوائد الصيام

                6 - بيان فوائد الصيام

                الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان . . أما بعد : -

                نتناول في درسنا هذا بيان ما تيسر من فوائد الصيام . . فإن الصيام من أنفع العبادات وأعظمها آثارًا في تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق . وله فوائد عظيمة - من أعظمها : -

                أنه سبب لزرع تقوى الله في القلوب وكف الجوارح عن المحرمات ، قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فبين سبحانه في هذه الآية أنه شرع الصيام لعباده ليوفر لهم التقوى . والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير . وقد علق الله بالتقوى خيرات كثيرة وثمرات عديدة ، وكرر ذكرها في كتابه لأهميتها ، وقد فسرها أهل العلم بأنها : فعل أوامر الله ، وترك مناهيه رجاء لثوابه وخوفًا من عقابه . وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
                ، قال الإمام القرطبي رحمه الله : ( لعل ) ترج في حقهم ، و ( تتقون ) تضعفون فإنه كلما قل الكل ضعفت الشهوة ، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي ، وقيل لتتقوا المعاصي - وقيل هو على العموم لأن الصيام ، كما قال عليه الصلاة والسلام : الصيام جُنة ووجاء وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات .

                ومن فوائد الصيام : أنه يعود الإنسانية الصبر والتحمل والجلد لأنه يحمله على ترك مألوفه ومفارقة شهواته عن طواعية واختيار ، وهو يعطي قوة للعاصي الذي ألف المعاصي على تركها والابتعاد عنها . فهو يربيه تربية عملية على الصبر عنها ونسيانها حتى يتركها نهائيًا ، فمثلاً المدخن الذي سيطرت عليه عادة التدخين وصعب عليه تركها يستطيع بواسطة الصيام ترك هذه العادة السيئة والمادة الخبيثة بكل سهولة . وكذلك سائر المعاصي .

                ومن فوائد الصيام : أنه يمكن الإنسان من التغلب على نفسه الأمارة بالسوء ، فإنها كانت في وقت الإفطار تغالب صاحبها وتنزع إلى تناول الشهوات المحرمة . فلما جاء الصيام تمكن الإنسان من إمساك زمام نفسه وقيادتها إلى الحق .

                ومن فوائد الصيام : أنه يضعف مجاري الشطيان في البدن . لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فالعبد إذا أباح لنفسه ما تطلبه من الشهوات فإن ذلك يساعد الشيطان على التمكن من إضلاله وحمله على الأشر والبطر وغير ذلك من الخصال الذميمة .

                فالصيام يسد هذا الباب من أساسه ويطرد الشيطان .

                ومن فوائد الصيام : أنه يذكر العبد بنعمة الله عليه . فإنه إذا ذاق طعم الجوع والعطش عرف قدر نعمة الله عليه حيث يسر له الطعام والشراب في أوقات احتياجه إليهما فيشكر الله على ذلك .

                ومن فوائد الصيام : أنه يحمل الإنسان على الإحسان إلى الفقراء والمساكين فإن الصائم إذا جاع ذكر حاجة الجائعين والمحتاجين فيرق قلبه لهم ويعطف عليهم .

                ومن فوائد الصيام: أنه سبب لاجتماع كلمة المسلمين وزوال التفرقة . لأنهم يصومون في شهر واحد ويبدءون الصيام اليومي جميعًا ويفطرون جميعًا ، غنيهم وفقيرهم ملوكهم وعامتهم ذكرهم وأنثاهم . وذلك مما يسبب ترابطهم وتعاطفهم واتحاد كلمتهم .

                ومن فوائد الصيام : أنه يسهل على الصائم فعل الطاعات وذلك ظاهر من تسابق الصائمين إلى فعل الطاعات التي ربما كانوا يتكاسلون عنها وتثقل عليهم في غير وقت الصيام .

                ومن فوائد الصيام : أنه يرقق القلب ويلينه لذكر الله عز وجل ويقطع عن الشواغل والمنسيات .

                ومن فوائد الصيام : أنه ربما يحدث في قلب العبد محبة للطاعات وبغضًا للمعاصي بصفة مستمرة فيكون منطلقًا إلى تصحيح مفاهيم الإنسان وسلوكه في الحياة .

                والحمد لله رب العالمي . . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . .

                التوثيق

                تعليق


                • #9
                  7 - متى فرض صوم شهر رمضان على الأمة

                  7 - متى فرض صوم شهر رمضان على الأمة

                  الحمد لله رب العالمين ، شرع الصيام لتطهير النفوس من الآثام ، والصلاة والسلام على نبينا محمد . خير من صلى وصام وداوم على الخير واستقام ، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى به إلى يوم الدين ... وبعد : -

                  قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

                  والآيات بعدها ، فقد ذكر الله سبحانه في هذه الآيات الكريمة أنه كتب الصيام على هذه الأمة كما كتبه على من قبلها من الأمم ، وكتب بمعنى فرض ، فالصيام مفروض على هذه الأمة وعلى الأمم قبلها .

                  قال بعض العلماء في تفسير هذه الآية : عبادة الصيام مكتوبة على الأنبياء وعلى أممهم من آدم إلى آخر الدهر .

                  وقد ذكر الله ذلك ، لأن الشيء الشاق إذا عم سهل فعله على النفوس . وكانت طمأنينتها به أكثر .

                  فالصيام إذًا فريضة على جميع الأمم ، وإن اختلفت كيفيته ووقته ، قال سعيد بن جبير كان صوم من قبلنا من العتمة إلى الليلة القابلة ، كما كان في ابتداء الإسلام ،
                  وقال الحسن : كان صوم رمضان واجبًا على اليهود ، لكنهم تركوه وصاموا يومًا من السنة زعموا أنه يوم غرق فرعون وكذبوا في ذلك ، فإن ذلك اليوم يوم عاشوراء وكان الصوم أيضًا واجبًا على النصارى لكنهم بعد أن صاموا زمانًا طويلاً صادفوا فيه الحر الشديد فكان يشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وجعلوه إلى وقت لا يتغير ، ثم قالوا عند التحويل : زيدوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا ، فصار أربعين ،

                  وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي بسبب الصوم ، فالصوم يسبب التقوى . لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات ، وقوله تعالى : أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ قيل هي أيام من غير رمضان وكانت ثلاثة أيام ، وقيل هي أيام رمضان ، لأنها بينها في الآية التي بعدها بقوله : شَهْرُ رَمَضَانَ قالوا وكانوا في أول الإسلام مخيرين بين الصوم والفدية لقوله تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ثم نسخ التخيير بإيجاب الصوم عينًا بقوله : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وحكمة ذلك التدرج في التشريع والرفق بالأمة . لأنهم لما لم يألفوا الصوم كان تعيينه عليهم ابتداء فيه مشقة ، فخيروا بينه وبين الفدية أولاً ، ثم لما قوي يقينهم واطمأنت نفوسهم وألفوا الصوم وجب عليه الصوم وحده ، ولهذا نظائر في شرائع الإسلام الشاقة وأنها تشرع بالتدريج ، لكن الصحيح أن الآية منسوخة في حق القادر على الصيام .

                  وأما في حق العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فالآية لم تنسخ في حقهم فلهم أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكينًا ، وليس عليهم قضاء .

                  أما غيرهم فالواجب عليهم الصوم ، فإن أفطر لمرض عارض أو سفر فإنه يجب عليه القضاء لقوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .

                  وقد فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات وصار صومه حتمًا وركنًا من أركان الإسلام من جحد وجوبه كفر ، ومن أفطر من غير عذر وهو مقر بوجوبه فقد فعل ذنبًا عظيمًا يجب تعزيره وردعه وعليه التوبة إلى الله ، وقضاء ما أفطر - هذا . .

                  وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . .

                  التوثيق

                  تعليق


                  • #10
                    8 - على من يجب صوم رمضان

                    8 - على من يجب صوم رمضان

                    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... . وبعد : -

                    اعلموا وفقني الله وإياكم أن صيام رمضان من أعظم فرائض الإسلام ، قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ إلى قوله : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ . وقال النبي عليه الصلاة والسلام : بني الإسلام على خمس : شادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً متفق عليه، فالآية الكريمة تدل على أن الصيام فرض ، والحديث يدل على أنه أحد أركان الإسلام ، وقد أجمع المسلمون على وجوب صيام رمضان إجماعًا قطعيًا ، فمن جحد وجوبه فهو مرتد عن دين الإسلام ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، ويجب صوم رمضان على كل مسلم ، ومن أسلم في أثناء الشهر صام ما بقي منه فقط ، ولا يلزمه قضاء ما مضى من الأيام ، وإنما يجب الصوم على البالغ ، أما الصغير المميز فلا يجب عليه الصيام ويصح منه تطوعًا ، وينبغي لوليه أمره به إذا كان يطيقه ليعتاده وينشأ عليه ، ولا يجب الصوم على مجنون حتى يفيق ، لقول صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق .

                    فالصوم إذًا يجب على المسلم البالغ العاقل فإن كان صحيحًا مقيمًا ، وجب عليه الصوم أداء وإن كان مريضًا يعجز عن الصيام وجب عليه الصيام قضاء ، وكذا الحائض والنفساء فيجب عليهما الصيام قضاء . وإن كان صحيحًا مسافرًا ، خير بين الصيام أداء أو يفطر ويصوم قضاء . ومن صار في أثناء النهار أهلاً لوجوب الصيام ، كما لو أسلم الكافر أو بلغ الصبي أو طهرت الحائض أو النفساء ، أو شفي المريض ، أو قدم المسافر أو أفاق المجنون . أو قامت البينة على دخول الشهر في أثناء النهار ، فإن كلا من هؤلاء يلزمه الإمساك بقية اليوم ، ويقضونه ، لأنه يوم من رمضان لم يأتوا فيه بصوم صحيح فلزمهم قضاؤه ، وإنما أمروا بالإمساك في بقيته احترامًا للوقت .

                    أنه يجب على المسلم أن يهتم بدينه وما يصححه ، ولا سيما أركان الإسلام التي بني عليها ، ومنها الصيام . هذه العبادة العظيمة تتكرر في حياة المسلم كل عام . لأن هذه الأركان الخمسة للإسلام ، منها ما يلازم العبد في كل لحظة من حياته لا يتخلى عنه أبدًا ، وهو الشهادتان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله . ومنها ما يتكرر في حياة المسلم كل يوم وليلة خمس مرات وهو الصلوات الخمس ، ومنها ما يتكرر على المسلم كل سنة وهو الزكاة والصيام ، ومنها ما يلزم المسلم مرة واحدة في عمره وهو الحج وإذاً فالمسلم مرتبط بهذه الأركان ارتباطًا وثيقًا ، وتكررها عليه يوميًا وسنويًا حسب أهميتها وبحيث يستطيع أداءها ولا تشق عليه ، ثم هذه الأركان العظيمة منها ما هو بدني محض . كالشهادتين والصلاة والصيام . ومنها ما هو مالي محض ، وهو الزكاة ، ومنها ما هو بدني ومالي كالحج ، ولا بد في جميعها من توفر النية الخالصة لله . لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وأن تؤدى على الوجه المشروع المطابق لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد فواجب على المسلم أن يهتم بأركان الإسلام فيأتي بكل ركن منها في وقته المحدد خالصًا لله صوابًا على سنة رسول الله .

                    وختامًا أسأل الله جل وعلا أن يجعل صيامنا وسائر أعمالنا خالصة مقبولة ، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته . .

                    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

                    التوثيق

                    تعليق


                    • #11
                      9 - من يعذر بترك الصيام في شهر رمضان وماذا يجب عليه

                      9 - من يعذر بترك الصيام في شهر رمضان وماذا يجب عليه

                      الحمد لله رب العالمين ، شرع فيسر : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ... وبعد : -

                      نتحدث إليكم في هذا الدرس عن أحكام الصيام ونخص الحديث لبيان من يجوز لهم الإفطار في شهر رمضان وما يجب عليهم .

                      قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ . وقال تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ في هاتين الآيتين الكريمتين وجوب الصيام على كل مسلم بالغ عاقل ، خال من الموانع . أدرك شهر رمضان . فيلزمه الصيام أداء في شهر رمضان أو قضاء إن لم يتمكن من الصيام في رمضان لعذر من الأعذار الشرعية ، وأصحاب هذه الأعذار الذين يرخص لهم في الإفطار هم : -

                      1 -
                      المريض الذي يشق عليه الصيام فيستحب له أن يفطر أخذًا بالرخصة ، وذلك إذا كان الصوم يضره أو يؤخر برأه أو يضاعف عليه المرض .

                      2 -
                      المسافر الذي حل عليه شهر رمضان وهو في سفر أو أنشأ سفرًا في أثناء الشهر تبلغ مسافته 80 كيلو مترًا فأكثر ، وهي المسافة التي كان يقطعها الناس على الأقدام وسير الأحمال في مدة يومين قاصدين ، فهذا المسافر يستحب له أن يفطر سواء شق عليه الصيام أو لم يشق ، أخذًا بالرخصة ، وسواء كان سفره طارئًا ، أو مستمرًا كسائق سيارة الأجرة الذي يكون غالب وقته في سفر بين البلدان ، فهذا يفطر في سفره ويصوم في وقت إقامته ، وإذا قدم المسافر إلى بلده أثناء النهار وجب عليه الإمساك بقية اليوم ويقضيه كما سبق ، وإن نوى المسافر في أثناء سفره إقامة تزيد على أربعة أيام لزمه الصوم وإتمام الصلاة كغيره من المقيمين ، لانقطاع أحكام السفر في حقه ، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك . وإن نوى إقامة أربعة أيام فأقل ، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي فله الإفطار لعدم انقطاع أحكام السفر في حقه .

                      3 - الحائض والنفساء - يحرم عليهما الصيام مدة الحيض والنفاس ، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نؤمر بقضاء الصوم ويحرم على الحائض أن تصوم في وقت الحيض بالإجماع .

                      قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ثبت بالسنة وإجماع المسلمين أنه أي الحيض ينافي الصوم . فلا يحل مع الحيض أو النفاس . ومن فعله منهن حاله لم يصح منه - قال وهو وفق القياس ، فإن الشرع جاء بالعدل في كل شيء ، فصيامها وقت خروج الدم يوجب نقصان بدنها وضعفها وخروج صومها عن الاعتدال . فأمرت أن تصوم في غير أوقات الحيض . فيكون صومها ذلك صومًا معتدلاً ، لا يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته . بخلاف . المستحاضة ، ومن ذرعه القيء مما ليس له وقت محدد يمكن الاحتراز منه فلم يجعل منافيًا للصوم .

                      4 - المريض مرضًا مزمنًا لا يرجى برؤه ويعجز معه عن الصيام عجزًا مستمرًا ، فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا بمقدار نصف صاع من البر أو غيره وليس عليه قضاء .

                      5 - الكبير الهرم الذي لا يستطيع الصوم فهذا يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا ولا قضاء عليه .

                      6 - الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما من ضرر الصيام فإن كلاهما تفطر وتقضي قدر الأيام التي أفطرتها ، وإن كان إفطارها خوفًا على ولدها فقط أضافت مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم . والدليل على إفطار المريض المزمن والكبير الهرم والحامل والمرضع قوله تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ كما فسرها بذلك ابن عباس رضي الله عنهما بذلك .

                      تعليق


                      • #12
                        10 - بداية الصيام اليومي ونهايته

                        10 - بداية الصيام اليومي ونهايته

                        الحمد لله رب العالمين ، حدد للعبادات مواقيت زمانية ومكانية تؤدى فيها وقد بينها لعباده أتم بيان ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه الذين تمسكوا بسنته واهتدوا بهديه ... .
                        أما بعد : -


                        فقد قال الله تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ .

                        فقد حدد الله سبحانه في هذه الآية الكريمة بداية الصوم اليومي ونهايته بحدود واضحة يعرفها كل أحد ، فحد بدايته بطلوع الفجر الثاني - وحد نهايته بغروب الشمس ، كما حدد بداية صوم الشهر بحد واضح يعرفه كل أحد . وهو رؤية الهلال ، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا ، وهكذا ديننا دين اليسر والسهولة وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فلله الحمد والمنة ، وهذا تخفيف من الله على عباده عما كان عليه الحال من قبل من تمديد الصيام فترة أطول ، فقد روى البخاري عن البراء قال : كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا ، وفي رواية كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائمًا ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام ، قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ففرحوا فرحًا شديدًا ونزلت : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [ البقرة : 187 ] .

                        وفي البخاري أيضًا عن البراء قال : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يختانون أنفسهم ، فأنزل الله تعالى : عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ يقال خان واختان بمعنى : أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم فَتَابَ عَلَيْكُمْ أي قبل توبتكم مما حصل وَعَفَا عَنْكُمْ فلم يؤاخذكم وسهل عليكم ويسر لكم فأباح لكم النساء والطعام والشراب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني ، وعند ذلك يبدأ الصيام والامتناع عن هذه الأشياء وغيرها مما لا يجوز للصائم إلى غروب الشمس . لقوله تعالى : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وإلى غاية - إذا كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها فإنه لا يدخل فيه ، والليل ليس من جنس النهار ، فالصوم ينتهي عند بداية الليل بغروب الشمس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم .

                        وبعض الناس يخالفون الوجه الشرعي في السحور والإفطار ، فطائفة من النساء أو كثير منهم يسهرون الليل . فإذا كان آخر الليل وأرادوا النوم تسحروا قبل الفجر ثم ناموا وتركوا صلاة الفجر في وقت الجماعة ، فيرتكبون عدة أخطاء : -

                        أولاً : أنهم صاموا قبل وقت الصيام .

                        ثانيًا : يتركون صلاة الفجر مع الجماعة .

                        ثالثًا : يؤخرون الصلاة عن وقتها ولا يصلونها إلا بعد ما يستيقظون ولو عند الظهر

                        والفريق الثاني وهم المبتدعة الذين يؤخرون الإفطار عن غروب الشمس ولا يفطرون إلا عند اشتباك النجوم .

                        وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .

                        نسأل الله أن يرزقنا التمسك بديننا ومجانبة البدعة وأهلها وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . .

                        التوثيق

                        تعليق


                        • #13
                          11 - حكم النية في الصيام

                          11 - حكم النية في الصيام


                          الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ... وبعد : -

                          اعلموا أن النية في الصوم لا بد منها وهي شرط لصحته ، كما أنها شرط لصحة كل العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . . وبها تتميز العبادات عن العادات ، فإن كان الصوم واجبًا فلا بد أن ينويه من الليل ويعين نوعية الصوم الذي يريده لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) وذلك بأن يعتقد عند بداية الصوم أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو أنه يصوم نذر أو كفارة . ووقت النية لهذا الصوم الواجب بأنواعه من الليل سواء كان من أوله أو وسطه أو آخره ، لما روى الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة مرفوعًا : من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له وقال : إسناده كلهم ثقات .

                          وعن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له - وفي لفظ : - من لم يجمع - أي يعزم - الصيام من الليل فلا صيام له ولأن جميع النهار يجب فيه الصوم ، فإذا فات جزء من النهار لم توجد فيه النية لم يصح صوم جميع اليوم لأن النية لا تنعطف على الماضي .

                          والنية في جميع العبادات محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها ، لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه أنهم كانوا يقولون : نويت أن أصوم ، نويت أن أصلي وغير ذلك فالتلفظ بها بدعة محدثة ، ويكفي في النية الأكل والشرب بنية الصوم .

                          قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله : هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان ، وقال أيضًا كل من علم أن غدًا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه وهو فعل عامة المسلمين . . انتهى .

                          وأما صوم النفل فإنه يصح بنية من النهار بشرط أن لا يوجد مناف للصوم فيما بين طلوع الفجر ونيته من أكل وغيره ، لقول عائشة رضي الله عنها : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : هل عندكم من شيء فقلنا لا ، قال فإني إذًا صائم رواه الجماعة إلا البخاري . فدل طلبه للأكل على أنه لم يكن نوى الصيام قبل ذلك ، ودل قوله : ( فإني إذًا صائم ) على ابتداء النية من النهار ، فدل على صحة نية الصوم من النهار فيكون ذلك مخصصًا لحديث من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له وما ورد بمعناه بأن ذلك خاص بالفرض دون النفل ، وذلك بشرط أن لا يفعل قبل النية وما يفطره اقتصارًا على مقتضى الدليل .

                          قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما النفل فيجزئ بنية من النهار كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إني إذًا صائم ) والتطوع أوسع من الفرض ، كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان كالقيام والاستقرار على الفرض ، بخلاف النفل فإنه يصح على الراحلة ومن الماشي . ما لا يجب في التطوع توسيعًا من الله على عباده طرق التطوع ، فإن أنواع التطوعات دائمًا أوسع من أنواع المفروضات وهذا أوسط الأقوال . . انتهى .

                          وصحة نية التطوع من النهار مروية عن جماعة من الصحابة منهم معاذ وابن مسعود وحذيفة ، وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم ... والله أعلم .

                          والحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه .

                          التوثيق

                          تعليق


                          • #14
                            12 - في بيان آداب الصيام

                            12 - في بيان آداب الصيام

                            الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ... . وبعد : -

                            اعلموا أن من آداب الصيام المهمة أن يصوم المسلم في الوقت المحدد للصوم شرعًا . فلا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، فلا يصوم قبل ثبوت بداية الشهر ولا يصوم بعد نهايته على أنه منه .

                            قال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه رواه أحمد والنسائي .

                            ففي الحديث الأول الأمر بالصيام عند رؤيته في البداية والإفطار عند رؤيته في النهاية ، ومعنى ذلك أن محل الصيام ما بين الهلالين فقط .

                            وفي الحديث الثاني النهى عن الصيام قبل رؤية الهلال والنهي عن الإفطار قبل رؤيته ، وقد جاء النهي الصريح عن تقدم الشهر بصيام على نية أنه منه لأن ذلك زيادة على شرعة الله عز وجل ، فقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تصوموا قبل رمضان وروى أبو داود عنه : لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين .

                            ولهذا ورد النهي عن صوم يوم الشك ، وقال عمار : من صام اليوم الذي يشك في فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو داود والترمذي وصححه . وقال العمل عليه عند أكثر أهل العلم .

                            وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لأن الأصل والظاهر عدم الهلال فصومه تقدم لرمضان بيوم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه .

                            وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره ، فإن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله ولا يستحب ، بل يستحب ترك فعله احتياطًا ، فلم تحرم أصول الشريعة الاحتياط ، ولم توجبه بمجرد الشك ... انتهى .

                            ومن هذا نعلم بطلان دعوى هؤلاء الذين يدعوننا إلا أن نعتمد على الحساب الفلكي في صومنا وإفطارنا ، لأنهم بذلك يدعوننا إلى أن نصوم ونفطر قبل رؤية الهلال فنتقدم رمضان بيوم أو يومين ونصوم يوم الشك إلى غير ذلك من المحاذير .

                            ومن آداب الصيام تأخير السحور إن لم يخش طلوع الفجر الثاني لقول زيد بن ثابت رضي الله عنه : تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة قلت : كم كان بينهما ؟ قال : قدر خمسين آية متفق عليه ، وفي حديث أبي ذر : لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطور ولأن ذلك أقوى على الصيام ، والله تعالى يقول : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ والمراد به سواد الليل وبياض النهار ، وبعض الناس اليوم يسهرون معظم الليل فإذا أرادوا النوم تسحروا وناموا تركوا صلاة الفجر ، فهؤلاء صاموا قبل وقت الصيام وتركوا صلاة الفجر ، ولا يبالون بأوامر الله ، فأي شعور عند هؤلاء نحو دينهم وصيامهم وضلالتهم - إنهم لا يبالون ما داموا يعطون أنفسهم ما تهوى .

                            ومن آداب الصيام : تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر متفق عليه ، أي لا يزال أمر هذه الأمة معظمًا وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة .

                            ومن آداب الصيام : أن يفطر على رطب . فإن لم يجد فعلى تمر ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي . فإن لم تكن فعلى ثمرات ، فإن لم تكن ثمرات حسا حسوات من ماء رواه أبو داود والترمذي ، ولا ينبغي المبالغة بما يقدم عند الإفطار من أنواع الأطعمة والأشربة ، لأن هذا يخالف السنة ، ويشغل عن الصلاة مع الجماعة ، ومن لم يجد التمر فإنه يفطر على كل حلو لم تمسه النار ،

                            وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

                            التوثيق

                            تعليق


                            • #15
                              13 - ما يحرم ويكره في حق الصائم

                              13 - ما يحرم ويكره في حق الصائم

                              الحمد لله على فضله وإحسانه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه وتمسك بسنته إلى يوم الدين ... أما بعد : -

                              اعلموا أن للصوم آدابًا تجب مراعاتها والتخلق بها ليكون الصوم متمشيًا على الوجه المشروع لتترتب عليه فوائده ، ويحصل المقصود منه ولا يكون تعبًا على صاحبه بدون فائدة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش فليس الصيام مجرد ترك الطعام والشراب فقط . ولكنه مع ذلك ترك ما لا ينبغي من الأقوال والأفعال المحرمة أو المكروهة .

                              قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الطعام والشراب ، فإنه لا يتم التقرب إلى الله بترك الشهوات المباحة إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كل حال . والمسلم وإن كان واجبًا عليه ترك الحرام في كل وقت إلا أنه في وقت الصيام آكد ، فالذي يفعل الحرام في غير وقت الصيام يأثم ويستحق العقوبة ، وإذا فعله في وقت الصيام فإنه مع الإثم واستحقاق العقوبة ، يؤثر ذلك على صيامه بالنقص أو البطلان . فالصائم حقيقة هو من صام بطنه عن الشراب والطعام ، وصامت جوارحه عن الآثام وصام لسانه عن الفحش ورديء الكلام ، وصام سمعه عن استماع الأغاني والمعازف والمزامير وكلام المغتاب والنمام ، وصام بصره عن النظر إلى الحرام .

                              قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري .

                              أنه يجب على الصائم أن يجتنب الغيبة والنميمة والشتم ، لما روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل له إني صائم .

                              وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : الصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم .

                              والجُنة : بضم الجيم - ما يستر صاحبه ويمنعه أن يصيبه سلاح غيره .

                              فالصيام يحفظ صاحبه من الوقوع في المعاصي التي عاقبتها العذاب العاجل والآجلوالرفث : هو الفحش ورديء الكلام ، وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إن الصيام جُنة ما لم يخرقها قيل : بما يخرقها ؟ قال : بكذب أو غيبة .

                              ففي هذا دليل على أن الغيبة تخرق الصيام . أي تؤثر فيه والجُنة إذا انخرقت لم تنفع صاحبها ، فكذلك الصيام إذا انخرق لم ينفع صاحبه .

                              والغيبة : كما بينها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي ذكرك أخاك بما يكره . وجاء أنها تفطر الصائم كما في مسند الإمام أحمد : إن امرأتين صامتا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكادتا أن تموتا من العطش ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهما ، ثم ذكرتا له فدعاهما فأمرهما أن تستقيئا - أي تستفرغا - ما في بطونهما ، فقائتا ملأ قدح قيحًا ودمًا صديدًا ولحمًا عبيطًا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلا من لحوم الناس » وما حصل من هاتين المرأتين عند الرسول من تقيء هذه المواد الخبيثة الكريهة هو مما أجراه على يد رسوله من المعجزات ليتبين للناس ما للغيبة من آثار قبيحة ، وقد قال الله تعالى : وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا .

                              وقد دل الحديث على أن الغيبة تفطر الصائم . وهو تفطير معنوي . معناه بطلان الثواب ...

                              وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . .

                              التوثيق

                              تعليق

                              يعمل...
                              X