إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

شرح الشيخ عبيد الجابري حفظه الله لكتاب العلم من صحيح البخاري مفرغا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح الشيخ عبيد الجابري حفظه الله لكتاب العلم من صحيح البخاري مفرغا

    بِـسْـمِ اللهِ الـرَّحْــمَـنِ الـرَّحِــيـمِ

    شَـــــــرْح



    كِـتـَـابِ الْــعِــلْــمِ

    مـِنْ صَـحِيح الإمَامِ البُخَاريِّ
    لِـفَـضِــيــلَــةِ الشَّـيْــخِ عُـبَــيْـدٍ الْــجَــابِـــرِي حَــفِــظَــهُ اللهُ وَرَعَـــاهُ
    عدد أشرطة الشرح = ثلاثة أشرطة مفرغة

    (( المتن ))
    16 - باب ما ذكر في ذهاب موسى صلى الله عليه وسلم في البحر إلى الخضر - عليهما السلام –
    وقوله تعالى { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا }
    74 -حدثني محمد بن غرير الزهري قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن صالح عن بن شهاب حدثه أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن بن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فقال بن عباس هو خضر فمر بهما أبي بن كعب فدعاه بن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيه هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل موسى السبيل إليه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه وكان يتبع أثر الحوت في البحر فقال لموسى فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } { قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا } فوجدا خضرا فكان من شأنهما الذي قص الله عز وجل في كتابه .
    (( الشرح ))
    الحمد لله رب العالمبن ؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد :
    فالشاهد من هذه القصة شيآن :
    أحدهما : في مقولة موسى - صلى الله عليه وسلم - حين سُـئل : هل تعلم أحدا أعلم منك ؟
    قال : لا .
    وكان ينبغي له - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : الله أعلم - أن يرد العلم إلى عالمه .
    وهذا الخطأ لا يثرب فيه على موسى - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز أن يـُتخذ منه سبيلٌ لانتقاده ، والنيل منه ؛ فالله - عز وجلَّ - عذره ، واصطفى ربُّـنا - جلَّ وعلا - موسى - صلى الله عليه وسلم - برسلاته ، وبكلامه ، فهو عند الله بالمكانة العالية .
    وكثير ما يجتهدُ أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام - ولم يـتخذ أهلُ الحق والهدى من ذلكم الخطأِ سبيلا إلى جرح من أخطأَ من أنبياء الله - احتراما لأنبياء الله - عز وجلَّ - وتقديرا لمكانتهم عند ربهم ؛ فليعلم هذا .
    فإن أنبياء الله عندهم ؛ هم المصطفون الأخيار من البشر ، وهم مبلغة الخلق عن الله شرعه ، فالذي يجرح أنبياء الله - عز وجلَّ - يتعدى على مقام الرب - سبحانه وتعالى - فكأنه يقول : إن ربَّـنا أرسل من لا يصلح ، أو من هذه حاله ، إلى غير ذلك من العيوب التي يُـنزه أنبياءُ الله عنها .
    ويصون أهلُ السنة والجماعة ألسنتهم عن القدح في أنبياء الله - سبحانه وتعالى - ويمسكونها عما قصه الله من خبرهم ، وما تضمنته أخبارهم من أخطاء .
    الشاهد الثاني : أشار إليه البخاري إشارة في الترجمة (( هل أتبعك )) فموسى - صلى الله عليه وسلم - لما أنبأهُ اللهُ ما أنبأه عن الخَـضـِْـر - عليه الصلاة والسلام - سأل الله السبيل إلى لقي ذلكم الحبر الصالح فآتاه الله العلامةَ التي يستدل بها على مكان ذلكم الحبر في البحر ؛ فكان من خبرهما ما كان ، وما قصه الله - سبحانه وتعالى - .
    وفي هذا حضٌّ على الرحلة في طلب العلم ؛ وهكذا كان السلفُ من هذه الأمةِ ، فإن الرجلَ قد يرحلُ - منهم - في فقه حديثٍ واحدٍ - إذا سمعَ أنه عند رجلٍ ؛ وإن كان في أبعد الأقطار .
    (( المتن ))
    17 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب
    75 - حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا خالد عن عكرمة عن بن عباس قال ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم علمه الكتاب .
    (( الشرح ))
    هذا الحديث فيه منقبةٌ من مناقب ابن عباس - رضي الله عنهما - وتلكم المنقبة هي : دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهَ أن يعلمه الكتابَ ؛ والمراد به القرآن .
    والمعنى أن نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - سألَ اللهَ لابن عمهٍ عبدالله بن عباس أن يرزقه فهمَ القرآنِ : فهم محكمه ، ومتشابهه ، وحلاله ، وحرامه ، ووعده ووعيده . فحقق اللهُ ذلك لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في ذلكم الرجل المبارك ؛ فكان حبر الأمةِ ، وترجمان القرآن .
    (( المتن ))
    18 - باب متى يصح سماع الصغير
    76 - حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد .
    77 - حدثني محمد بن يوسف قال حدثنا أبو مسهر قال حدثني محمد بن حرب قال حدثني الزبيدي عن الزهري عن محمود بن الربيع قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا بن خمس سنين من دلو .
    (( الشرح ))
    هذه الترجمة التي هي : متى يتحمَّـل الصبيُّ - متى يصحُ سماعه ؟
    أهل العلم يتكلمون عن هذه المسألة من وجهين :
    أحدهما : هذا الذي ترجم عليه المصنف - رحمه الله - وهذا يسمى التحمُّـل .
    والوجه الثاني : الأداء . ويقال : متى يُـقبل من الصبي أداء ما تحمَّـله في صغره ؟
    فبالنسبة لصحة السماع ذكر البخاري حادثتين :
    إحداهما : خبر ابن عباس - رضي الله عنهما - .
    فما الشاهد منه ؟
    أجيبوا !!
    ما الشاهد منه ؟
    قد ناهزتُ الاحتلام .
    فإذن حديث ابن عباس يفيد أنه يصح سماع الصبي وتحمُّـله إذا كان قد ناهز الاحتلام ؛ قارب البلوغ ولمَّـا يبلغ .
    فإذا كان كذلك فإنه يصلحُ للتلقي والتحمُّـل .
    الدليل الثاني - أو الحديث الثاني - : خبر محمود بن الربيع - رضي الله عنه - ؛ فمحمود بن الربيع ذكر أنه عقل مجةً مجَّـها في وجههِ - صلى الله عليه وسلم - من دلوٍ - يعني أنه ملأ فمَّـه ماءً ونثرها على وجهِ ذلكم الغلام الصحابي - رضي الله عنه .
    والشاهد منه : قوله : (( عقلت )) .
    والظاهر أن البخاريَّ يشير بهذين الخبرين إلى أنه يصحُ سماعُ الصبيِّ وتحمُّـله حين يكون مدركا عاقلا ؛ سواءً ناهز الاحتلام ، أو لم يناهز الاحتلام . وإن كان منازهة الاحتلام : أقوى إدراكا ، وأشدَّ وعيا ؛ والله أعلم .
    أما الأداء فإنه لا يقبلُ منه حتى يبلغ . الأداء يشترط فيه البلوغ .
    (( المتن ))
    19 - باب الخروج في طلب العلم ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد
    78 - حدثنا أبو القاسم خالد بن خلي قال حدثنا محمد بن حرب قال الأوزاعي أخبرنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فمر بهما أبي بن كعب فدعاه بن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه فقال أبي نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه يقول بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال أتعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله تعالى إلى موسى بلى عبدنا خضر فسأل السبيل إلى لقيه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر فقال فتى موسى لموسى { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } قال موسى { ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا } فوجدا خضرا فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه
    (( الشرح ))
    هذه الترجمة شاهدها فيما علقه البخاريُّ عن جابر - رضي الله عنه - وعلقه بصيغة الجزم ؛ والشاهد الآخر في رحلة موسى - صلى الله عليه وسلم - .
    إذن الرحلة في طلب العلم ، وتلقيه سنة معتادة متبعة ؛ وهي مباركة ، وفيها عموم الحديث الصحيح (( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللهُ له طريقا إلى الجنة )) ، فنسأل الله لنا ولكم من فضله الواسع ما تشتهيه الأنفسُ ، وتطيب به القلوبُ ، وتنشرح به الصدورُ من التقوى ، والهدى ، والعلم النافع .
    (( المتن ))
    20 - باب فضل من علم وعلم
    79 - حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فَـقـُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به قال أبو عبد الله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت الماء قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض
    (( الشرح ))
    هذه الترجمة تتضمن : التنبيه إلى فضل العلم على المعلم ، والمتعلم . فكل منهما له فضله . كل منهما له أجره عند الله - سبحانه وتعالى - .
    أما المعلم العالِـم فيصدق عليه من الأحاديث قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر ، مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا )) .
    وقوله (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم يُـنتفع به ... الحديث . هذا هو المعلمُ .
    أم المتعلمُ فمما يصدق عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - (( من سلك طريقا يلتمسُ فيه علماً سهل اللهُ له طريقاً إلى الجنة )) .
    وهذا الحديث - حديث أبي موسى - الشاهد منه فيما ضربَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المثل ؛ فإنه ضرب لأهل العلم - سواء العالِـم والمتعلم - بصنفين من الأرض .
    أحدهما : صنف يقبل الماء ، وينبت العشبَ والكلأَ . وهذا مَـثَـلُ العالِـم العامل ؛ العالم الواعي العامل.
    والصنف الآخر يمسك الماءَ ؛ ولا ينبت ، لكنه يحفظ للناس . فالناس يرتادونَ هذا القسمَ من الأرض ؛ لينتفعوا بما فيه من الماءِ .
    وهذا مثـلٌ لأناسٍ جعلهم اللهُ - عز وجل - أوعية فقط . يحفظون ؛ ولكنهم ليس كالصنف الأول من حيثُ : الاستنباطُ ، واستخراجُ الحكامِ ، وإنما هم أوعية ، يحفظون العلم لمن يأت إليهم ، ويتلقاه عنهم .
    والصنف الثالث : نصف ليس فيه فائدة : لا لنفسه ، ولا لغيره . وهذا يشبه الأرض السَّـبِـخَـة التي لا تمسكُ الماءَ ، ولا تنبتُ العشبَ . أرضٌ سَـبِـخَـةٌ ، يعني ليس فيها فائدة.
    وهذا مَـثَـلُ أناس ليس لهم بالعلم اهتمام ! : لا فقهاً ، ولا حفظاً ، ولا يبالون بالعلم .
    (( المتن ))
    21 - باب رفع العلم وظهور الجهل وقال ربيعة لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه
    80 - حدثنا عمران بن ميسرة قال حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا
    81 - حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد
    (( الشرح ))
    في هذين الحديثين عَلَـمٌ من أعلام نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلكم العَلَـمُ هو ما أخبر به من الفتن العظيمة ، ومن تلكمم الفتن والبلايا - محل الشاهد من الحديثين وهو - :
    رفعُ العلم ، أو قلته ، مع فشو الجهل وكثرته ، وهذا - في الحقيقة - حافز - لمن كان : حازما كيسا فَطِـناً من المسلمين - إلى أن يبذل الجهد في العلم : علماً وتعليماً . كما هو تنبيه للمسلمين على أن يحذروا الجهلة من الناس ؛ فإن الجهلَ إذا فشا أصابت الأمة المصيبة ! فيكثر فيها الهوى ، والضلال ، والانحراف ، وتضييع الدين .
    (( المتن ))
    22 - باب فضل العلم
    82 - حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن بن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر أن بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم
    (( الشرح ))
    وهذا الخبرُ شاهدُ الترجمةِ منه : في تعبير النبي - صلى الله عليه وسلم - رؤياه إذ فسَّـر ارتواءَه من اللبن بالعلم .
    قد يقول قائل : ما وجه الشبَـهِ بين اللبنِ والعلمِ ؟ ما وجه الشبهِ بينهما ؛ حتى يعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤياه في شرب اللبن بالعلم ؟
    نقول : اللبن هو أفضل غذاءٍ في بعض الأزمنة . أفضل غذاء ، أفضل ما يُـتغذى به البدنُ . والعلم أفضل ما يـُتغذى به القلبُ .
    هذا وجهُ الشَّـبَـهِ بينهما ؛ والله أعلم .
    (( المتن ))
    23 - باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها
    83 - حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن بن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
    (( الشرح ))
    أما هذا الخبر فالشاهد منه ما هو ؟
    فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. إلخ .
    وذلكم أن البخاري - رحمه الله - ترجم على أنه يجوز الفتيا وهو قائم ؛ فكأنه يردُّ على من ينتقد العالِـم إذا كان يفتي الناسَ واقفا ! فكأنهم يرون أنه لا بدَّ أن يجلس جلسة معينة . فزال بهذا الخبر هذا الانتقاد وساغ للعالِـم ، والمفتي أن يفتي الناسَ على أي حالة ؛ سواء كان قائما واقفا ، أو جالسا ، أو متكئاً ، أو ماشياً . المهم أن يفقه الناسُ عنه .
    (( المتن ))
    24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس
    84 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده قال ولا حرج وقال حلقت قبل أن أذبح فأومأ بيده ولا حرج
    85 - حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا حنظلة عن سالم قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل
    86 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا هشام عن فاطمة عن أسماء قالت أتيت عائشة وهي تصلي فقلت ما شأن الناس فأشارت إلى السماء فإذا الناس قيام فقالت سبحان الله قلت آية فأشارت برأسها أي نعم فقمت حتى علاني الغشي فجعلت أصب على رأسي الماء فحمد الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ثم قال ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته في مقامي حتى الجنة والنار فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريب لا أدري أي ذلك قالت أسماء من فتنة المسيح الدجال يقال ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري بأيهما قالت أسماء فيقول هو محمد هو رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا هو محمد ثلاثا فيقال نم صالحا قد علمنا إن كنت لموقنا به وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
    (( الشرح ))
    هذه الأحاديث الثلاثة شاهد الترجمة منها في إشارات النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيمائه بيده ؛ وهذا في الحديثين الأولين .
    إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إشارة يَـفهمُ منها المستفتي مراده ، وذلكم أنه في الحديث الأول أشار : ولا حرج . في الحديث الثاني أشار : القتل - إشارة - حرف يده إشارة تدل على أن معنى الهرج هو : القتل . وفي الحديث الآخر ؛ حديث أسماء أشارت عائشة - رضي الله عنها - برأسها إشارة (( نعم )) ؛ وهي معروفة عند الناسِ .
    والمقصود الاستدلالُ بالإشارة إذا كانت تُـفهِـم المراد والمطلوب ..
    (( المتن ))
    25 - باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا به من وراءهم وقال مالك بن الحويرث قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم
    87 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن أبي جمرة قال كنت أترجم بين بن عباس وبين الناس فقال إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال من الوفد أو من القوم قالوا ربيعة فقال مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى قالوا إنا نأتيك من شقة بعيدة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله عز وجل وحده قال هل تدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وتعطوا الخمس من المغنم ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت قال شعبة ربما قال النقير وربما قال المقير قال احفظوه وأخبروه من وراءكم .
    (( الشرح ))
    خبر مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم ؛ وما هذا سبيله في صحيح البخاري صحيح إلى من علقه عنه .
    والشاهد منه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مالكاً ، ومن معه أن يعلِّـموا قومَـهم ما حفظوه من العلم ؛ فإنه من تمام النعمة على المرء - إذا تعلم علما - أن يعلم أهله بل هذا واجب - أعني تعليمَ الرجلِ أهلَـه : لزوجته ، وأولاده ، وبناته . بل يجب أن يعلم قومه ؛ إذا كان ليس فيهم متعلم سواه . يدعوهم إلى الله - عز وجل - .
    أما الحديث - حديث عبدالله بن عباس ؛ ويعرف بحديث وفد عبد القيس فالشاهد منه في الجملة الأخيرة ماهي ؟
    احفظوه ، وأخبروه من وراءكم .
    احفظوه : يعني ما قصصته عليكم ، وما ألقيته عليكم من تفسير الإيمان بالأعمال ، وما تضمنه الحديثُ من نواهٍ .
    فاحفظوه أنتم وعَوهُ هذا أولا .
    ثانيا : أخبروا به من وراءكم .
    والبخاري أشار في الترجمة إلى شيءٍ .
    ثلاثة أمور يحفظوا ماذا ؟ الإيمان . فحفظ الإيمان هو ما فسرَ به النبيُ - صلى الله عليه وسلم - أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟
    قالوا : الله ورسوله أعلم .
    قال : أن تشهدوا أن لا إله إلا الله ... إلخ .
    والعلم . كونهم تعلموا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك يخبرون من وراءهم ممن لم يستطع الحضور إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد أخبر الوفـدُ بالمانع الذي يحولُ بينهم وبين المجئ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلكم المانعُ هم الكفار المقيمون في طريقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنهم لا يستطيعون الحضورَ إلا في الشهر الحرامِ .
    وهذا الشهر الحرام إما ذو القعدة ، وإما ذو الحجة ، وإما محرم ، وإما رجب .
    فهذه الأشهر محترمة حتى عند الكفار ؛ فإنهم لا يقاتلون فيها . ويرون القتالَ فيها من أعظم المنكرات .
    (( المتن ))
    26 - باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله
    88 - حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين قال حدثني عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها فقال لها عقبة ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره
    (( الشرح ))
    هذا الحديث - حديث عقبة - يدلُ على حرص السلف على الرجوع إلى أهل العلم في النوازل والمعضلات ؛ وهذا منتهى التوقير والاحترام والثقة . وهكذا يجب أن تكون الأمة .
    فإنه متى وثق الناسُ بعلمائهم ، وخيارهم ، ووقروهم ، وأجلوهم أمنوا من التخبط ، والجهل .
    ومتى قلَّت ثـقتهم بهم ، وقلَّت هيبتهم ، وقلَّ احترامهم تخطفهم الجهال فأغووهم .
    فعقبة - رضي الله عنه - حينما سمع ما سمع من هذا الخبر الموحش المفضح لجأ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حل مشكلته فأفتاه بما يجب عليه - وهو فراق هذه المرأة التي كانت أخته من الرضاعة - وهذا دليل على أنه لا مؤاخذة على المسلم - رجلا كان أو امرأةً - فيما اقترف من الإثم عن جهلٍ . لا مؤاخذة عليه ؛ لكن يجب عليه الإقلاعُ والابتعاد حالَ بلوغه البيان .
    الشيء الثاني : حرصُ السلفِ على التطبيق ، وعلى المسارعة إلى العمل بما علموه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يكن متواترا في الباب فهو مستفيض .
    (( المتن ))
    27 - باب التناوب في العلم
    89 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح قال أبو عبد الله وقال بن وهب أخبرنا يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس عن عمر قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال لا فقلت الله أكبر .
    (( الشرح ))
    هذا الحديث فيه الدليل على أن السلف - رحمهم الله - أعني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصون على ألا يفوتهم العلمُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ والفقه في دين الله .
    وذلكم أنه مع كثرة مشاغل عمر - رضي الله عنه - وجارِه الأنصاري كانا يتناوبان النزول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حضرَ صاحبُ النوبة منهما النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جالسه وأخذ ما يبلغُ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وما يسنه ، وما يشرعه ، وما يجد من أخبار عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأخبار التي تسدعي النشر في الأمة ؛ تبليغ الأمة ، فيبلغ بها جارَه ، وهكذا .
    فمرة ينزل عمرُ ويعود إلى جاره بأخبار النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتارة ينزل الأنصاري فيأتي عمرَ بأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا أمر .
    والأمر الثاني : من الفقه ألا يعجل الناسُ في إشاعة الأخبار المهمة الي من شأنها إحداث القلق في الأمة ، والشويش ؛ بل يردها إلى أهلها .
    وهذا ما تضمنه قول - جلَّ وعلا - (( ولو جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )) }سورة النساء آية 83 {.
    في صحيح مسلم أن عمرَ - رضي الله عنه - قال : أنا من الذين يستنبطونه . وذلكم أنه وجد الناسَ في المسجد وهم يقولون : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءَه ، أصاب الناسَ أمرٌ عظيمٌ ، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فذهب عمرُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستوثق منه ما حدث له من خبر ، وأنه لم يطلق نساءه ، وإنما آلى منهم ، وهجرهن شهرا .
    (( المتن ))
    28 - باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره
    90 - حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رجل يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال يا أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة
    91 - حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا سليمان بن بلال المدني عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن اللقطة فقال اعرف وكاءها أو قال وعاءها وعفاصها ثم عرّفها سنة ثم استمتع بها فإن جاء ربها فأدها إليه قال فضالة الإبل فغضب حتى احمرت وجنتاه أو قال احمر وجهه فقال وما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر فذرها حتى يلقاها ربها قال فضالة الغنم قال لك أو لأخيك أو للذئب
    92 - حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم قال رجل من أبي قال أبوك حذافة فقام آخر فقال من أبي يا رسول الله فقال أبوك سالم مولى شيبة فلما رأى عمر ما في وجهه قال يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل .
    (( الشرح ))
    الموعظة التي هي من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي التعليم نفسه ، وبيان ما يصلح للناس - أمرا أو نهيا - وليست هي مجرد أقاصيص وحكايات .
    والغضب في الموعظة ، أو في التعليم يجب أن يكون كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأخبار . هو الشدة في التعليم ، والتغليظ ، والتأكيد ؛ حتى يعي المتعلم فيفقه الأمرَ وينزجر عن المنهي .
    فالحديث الأول هو طرف من قصة معاذٍ - رضي الله عنه - مع قومه ؛ فإنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاءَ الآخرة ، ثم يأتي قومَـه بقباء ويصلي بهم العشاءَ ويطيل فيهم القراءة ؛ ولهذا جاء في بعض طرق الحديث : أنه قال : أفتان أنت يا معاذ ؟!! أفتنان أنت يا معاذ ؟!! اقرأ ، أو هلا قرأت بسبح وكذا ، وكذا .
    والخبر الثاني : وجه الشاهد منه ( مالك ولها )) وهذا لون من التشديد (( ما لك ولها )) وفي رواية (( دعها )) ولعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه المقولة لذلكم السائل ؛ لأنه متقرر عندهم أن الإبل لديها منعة ، وقوة ، وتحمل فهي تمتنع من السباع ، ولديها القدرة على الهرب ، وقطع الفيافي والقفار ؛ فلا يُـخشى عليها ، لهذا قال له : دعها . وفي هذا الباب حديث الباب : (( مالك ولها )) ؛ وفي رواية (( دعها )) هذا استنكار .
    والحديث الثالث : سالوني عما شئتم ! وهذا كأنه تهديد .
    وكذلك قول عمر - رضي الله عنه - ؛ لما رأ أن الناسَ أثـقلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسائل حتى كرهها .
    من فقهه - رضي الله عنه - أنه صنع ما صنع ؛ جثا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنا نتوب إلى الله وإلى رسوله .
    وفي رواية (( إنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله )) من فققه ؛ وهذا من فقهه يخشى أن ينزل على الناس شيء يكرهونه ، ويكون عليهم فيه حرج ومشقة .
    (( المتن ))
    29 - باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث
    93 - حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي؟
    فقال أبوك حذافة ثم أكثر أن يقول سلوني فبرك عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا فسكت .
    (( الشرح ))
    هذا الحديث هو مكرَّرُ ما قبله ؛ وإنما الشاهد منه هو : بروك عمر – رضي الله عنه - بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصدعه بما سمعتم من الكلام ؛ حتى سكن غضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن عمرَ - رضي الله عنه - صنع ما صنع رفقا بالناس ، رفقا بالناس ؛ لأنه لو نزل بهم ما يكرهون وقع عليهم الحرج والمشقة ؛ وهذه عقوبة ، ثم بعض المسائل التي سألوها - رضي الله عنهم - ليست هي من أمور الدين ؛ فمجموع ما جاء في هذه المسائل = نهي الناس أن يسألوا عما لا فائدة لهم فيه ، وأنه يجب عليهم أن ينشغلوا بما يفيدهم في دينهم ودنياهم .
    (( المتن ))
    30 - باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه فقال : ألا وقول الزور فما زال يكررها وقال ابن عمر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم هل بلغت ثلاثا
    94 - حدثنا عبدة قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا عبد الله بن المثنى قال حدثنا ثمامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلم سلم ثلاثا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا .
    95 - حدثنا عبدة بن عبد الله حدثنا عبد الصمد قال حدثنا عبد الله بن المثنى قال حدثنا ثمامة بن عبد الله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم ، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا .
    96 - حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر سافرناه فأدركنا وقد أرهقنا الصلاة - صلاة العصر ، ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا .
    (( الشرح ))
    هذه الأخبار متفقة على باب من أبواب العلم ؛ وهو نهاية الإبلاغ والبيان والتفهيم ؛ وذلكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعيد الكلمةَ ثلاث مرات ؛ لِـتُـفهم عنه ، وهذا الصنيع منه - صلى الله عليه وسلم - تنبيه إلى العالِم إلى أن يُـراعي حالَ مُـجَـالِـسِـيهِ وسامعِـيه ؛ فإنه في كثير من الأحوال يحتاج السامع إلى تكرار الكلمة مرتين ، أو ثلاث مرات .
    (( المتن ))
    31 - باب تعليم الرجل أَمَـتَـهُ وأهلَه
    97 - حدثنا محمد بن سلام حدثنا المحاربي قال حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي حدثني أبو بردة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ، وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله - تعالى - وحق مواليه ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ؛ ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . ثم قال عامر أعطيناكها بغير شيء قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة .
    (( الشرح ))
    الشاهد من هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - ماهو ؟
    جملة ؛ أو جملتان متعاطفتان ما هما ؟
    رجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ؛ ثم أعتقها فتزوجها .
    إذن التعليم مع التأديب .
    الترجمة عندنا ما هي ؟
    باب تعليم الرجل أمَـتَـه وأهلَـه ز هذا هو !
    هي لمّـا أعتقها صارت حرة ؛ أليس كذلك ؟!
    بلى !
    ما صارت أمَـة ؛ هو علمها لما كانت أمَـة ، وهذا قيام بالواجب نحو الأمَــة . ثم بعد ذلك ماذا صنع ؟
    أعتقها فصارت ماذا ؟
    حرة !
    ثم ماذا ؟
    تزوجها فصارت أهله ، صارت ماذا ؟ أهله !
    وهذا يفيد وجوب العناية - عناية الرجل بأهله : من أزواجه وأولاده ، وبناته ، وأن يعلمهم مما علمه الله - سبحانه وتعالى - ؛ حتى تبرأ ذمته أمام الله - عز وجل - وفي هذا يقول الحق - جل وعلا - (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )) } سورة التحريم آية 6 {.
    قال بعض المفسرين : أدبوهم ، وعلموهم ؛ حتى يستقيموا على أمر الله .
    وفي الحديث الصحيح ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) ، وفي الحديث الصحيح الآخر (( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) والمقصود أنه يجب على الرجل أن يَـرعى أهلَه بكل ما يصلح حالهم ، ومن ذلك أن يفقههم في دين الله - سبحانه وتعالى - .
    وقد كان من عناية السلف - رحمهم الله - بالأهل - وما يدل على ذلك = أن معاوية ابن الحكم السلمي - رضي الله عنه - كانت له جارية ترعى غنمه فعدا الذئبُ على الغنم فأخذ شاة منها ؛ فلما جاء سيدُها أخبرته الخبرَ ؛ فلطمها ؛ ثم ندِمَ على ذلك ؛ فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره الخبر ، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال معاوية - رضي الله عنه - : يارسول الله ! إن عليَّ رقبة أفلا أعتقها ؟! - أدرك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاب عليه صنيعَه ؛ فأراد أن يكفر عن خطيئته - فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جئني بها . أنظر أمؤمنة هي ؟
    فجاء بها ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟
    قالت : في السماء .
    قال : من أنا ؟
    قالت : أنت رسول الله .
    قال: اعتقها فإنها مؤمنة .
    فهذا الخبر يدل على عناية السلف بأمر العقيدة وتصحيحها وتعليمها ؛ حتى رعاة الغنم عندهم ؛ فضلا عن أهليهم : من أزواجهم ، وأولادهم ن وبناتهم .
    انتهت مادة الشريط الأول ؛ وإلى مادة الشريط الثاني .
    (( المتن ))
    32 - باب عظةُ الإمامِ النساءَ وتعليمهن
    98 - حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن أيوب قال سمعت عطاء قال سمعت بن عباس قال أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أو قال عطاء أشهد على بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع ( النساء )(4) فوعظهن وأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم وبلال يأخذ في طرف ثوبه وقال إسماعيل عن أيوب عن عطاء وقال عن بن عباس أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
    (( الشرح ))
    الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين .
    وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالحين .
    وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيدُ ولدِ آدم اجمعين - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم - .
    وهنا حصل اقطع وبدأ عاديا عند حديث رقم ( 101 ) !!
    (( المتن ))
    33 - باب الحرص على الحديث
    99 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه
    34 - باب كيف يقبض العلم وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك يعني حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله ذهاب العلماء
    100 - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا قال الفربري حدثنا عباس قال حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن هشام نحوه
    (( المتن ))
    35 - باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم
    101 - حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثني بن الأصبهاني قال سمعت أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار فقالت امرأة واثنين فقال واثنين
    102 - حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال سمعت أبا حازم عن أبي هريرة قال ثلاثة لم يبلغوا الحنث .
    (( الشرح ))
    شاهد الترجمة من هذا الحديث = أراه واضحا بينا وفقه هذا الحديث ؛ أعني شاهد الترجمة يفيدُ شيئين :
    أحدهما : جواز طلب المرأة العلم على من تثق بدينه وأمانته من الرجال . وهذا فاشٍ في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ، فكان الرجال يأخذون عن الفقيهات من النساء ، والنساءُ يأخذن عن الفقهاء من الرجال ، وكان إما في المسجد ، وإما خلف ستارٍ .
    الأمر الثاني : هذا الحديث أصل أصيل في المنع من الاختلاط بين الرجال والنساءِ .
    ألا ترون أن هذه المرأة وهي : أسماء بنت يزيد - كما في بعض طرق الحديث - ماذا قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ : غلبنا عليك الرجالُ .
    وهذا صريح الدِّلالة في أنه لا يتزاحم الرجال والنساء عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ولدُ سيد آدم ؛ بل سيد الخلق أجمعين - صلى الله عليه وسلم - وذلكم المجتمع هو خير البشرية - بعد النبيين والمرسلين - وذلكم الزمان هو أشرف الأزمنة ، زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلكم المكان معروف ما هي ؟
    طيبة المدينة النبوية مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
    الأمر الثالث : أنه إذا طلب نساءُ المسلمات من الإمام الموثوقِ من دينه وأمانته : أن يهيئ لهم مكانا يعلمهن فيه لا مانع من ذلك - إن شاء الله - بشرط أن تكون أؤلئك النسوة في غاية التستر ، والحشمة = غير متبرجات ، ولا متجملات ، ولا متعطرات ، بل تفلات متبذلات .
    (( المتن ))
    36 - باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه
    103 - حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر قال حدثني بن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب قالت عائشة فقلت أو ليس يقول الله تعالى { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } قالت فقال إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك .
    (( الشرح ))
    في شاهد الحديث ؛ وهو ما ذكره الراوي عن عائشة - رضي الله عنها - بأنها لا تسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا حتى تراجعه حتى تعرفه - منقبة من مناقب عائشة - رضي الله عنها - وفضيلة من فضائلها ؛ وتلكم الفضيلة تدل على حرصها على العلم ، وطلب العلم ، والمراجعة ؛ مراجعة التلميذ شيخَـه ينبغي أن يُـراعى فيها :
    أولا : ألا يضيع على الآخرين .
    ثانيا : أن تكون المراجعة فيما هو مشكل .
    ثالثا : أن تكون بأدب ؛ بحسن أدب ، لا بهجوم وقوة ؛ حتى يتيح له شيخَـه فرصة المراجعة .
    رابعا : وأن تكون ليس على سبيل المجادلة ، بل على سبيل التَّـفهم .
    رُوي عن أبي سلمة بن عبدالرحمان - رحمه الله - قال : حُرمتُ كثيرا من علم ابن عباس .
    قالوا وكيف ؟!
    قال : كنتُ أكثرُ جداله . كنت أكثر جداله .
    هذا يدل على أنه - رحمه الله - متأسف ، ونادم ، لكن لا ينفع الندم - فات ! ذهب ابنُ عباس - رضي الله عنه - .
    فهو يرى أنه كان ينبغي له ألا يجادل الشيخَ .
    (( المتن ))
    37 - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب قاله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    104 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثني الليث قال حدثني سعيد عن أبي شريح أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ما قال عمرو قال أنا أعلم منك يا أبا شريح إن مكة لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة
    105 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال فإن دماءكم وأموالكم قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب وكان محمد يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك ألا هل بلغت مرتين .
    (( الشرح ))
    اتفقت الأحاديثُ الثلاثةُ على ما رواه ابنُ عباس - رضي الله عنه - فالأربعة أخبار - الشاهد فيها جملة واحدة ماهي ؟
    ليبلغ الشاهدُ الغائبَ .
    الشاهد من هو ؟
    الحاضر .
    وهذا حق من حقوق المسلمين على بعضهم ؛ فإن من سمع علما لم يعلمه غيرُه كان حقا عليه أن يبلغ ذلكم العلمَ . وهذا من الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - وفي الحديث التنبيه إلى كيفية نصح الإمام المخالف . فإن أبا شريح - رضي الله عنه - تلطف غايةَ التلطف وتـأدب مع أميرِه غايةَ الأدب .
    مع أن أميرَه - وهو عمرو بن سعيد - كان يجيش الجيوش لغزو مكة . غزو مكة وهذا في إمارة عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - كانت إمارته في مكة فقال ما قال : ائذن لي أيها الأمير . ثم قص ما سمعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حرمة مكة . وهذا يفيد أن نصح الأمير من أبي شريح كان كفاحا مشافهة ؛ وليس مرسَـلا من فوق المنبر ، ولا في المحافل العامة . لا في المحافل العامة . وهذا الصنيع منه رضي الله عنه - يتفق مع ما أخرجه الإمام أحمد وابنُ أبي عاصم في السنة وغيرُهما - وهو بمجموع طرقه صحيح - إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يبْدِها علانية ، وليخلُ به وليأخذ بيده ، فإن قَبِـلَها قَـبِـلَـها ، وإن ردها كان قد أدى ما عليه .
    فهذا الحديث مع حديث الباب يفيد أن نصح الأمير المخالف أو نصح الإمام ، ينبغي أن يكون في غاية الأدب .
    كذلك السرية التامة عن أقرب الناس إليه إن أمكن .
    (( المتن ))
    38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم
    106 - حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة قال أخبرني منصور قال سمعت ربعي بن حراش يقول سمعت عليا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار
    107 - حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن جامع بن شداد عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قلت للزبير إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان قال أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار
    108 - حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال قال أنس إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار
    109 - حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار
    110 - حدثنا موسى قال حدثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
    (( الشرح ))
    هذه الأحاديث الأربعة اتفقت الشواهد منها على ما يأتي :
    أولا : تحريم الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ذلكم إلا لأن الكذب عليه هو كذب على الله - جلَّ وعلا - ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرِّعٌ عن الله ، ومبلغ عن الله شرعَـه . فمن نسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله من الكلام فإنه قد افترى على الله كذبا . ليس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده . فكأنه يقول للناس : الله يشرِّع كذا ، الله يأمر بكذا ، الله ينهى عن كذا - بهتانا وزوراً .
    والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع - محرم على جميع الناس فلا يجوز أن يكذب أحدٌ على أحدٍ ؛ لكن حرمته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - آكد وأشدُّ لمكان النبي - صلى الله عليه وسلم - من ربه - عز وجلَّ - كما أسلفتُ .
    ثانيا : مطلق الأخبار من أحاديث الباب يحمل على مقيَّـدها ؛ بل يجب أن يحمل على مقيَّـدها ، فيصبح الكذب المحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الكذب عليه كيف ؟
    تعمدا ، قصدا !
    وأما ما يحدث من السهو فلا يسمى كذبا ؛ يسمى خطأً .
    الأمر الثالث : ورع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – وزهدهم ، وحرصهم على أن لا يقولوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما تأكدوا من صحته ؛ مع بعدهم عن الكذب - رضي الله عنهم - فالله - سبحانه وتعالى- قد طهَّـر ألسنتهم عن الكذب كما طهَّـر قلوبَـهم عن الشرك وسائر أمراض القلوب وأنجاسها ؛ ولكنهم يُـمسـكونَ عن كثرة الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفاً من الوقوع في الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - مع أن من ظنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث ، ولم يتعمد الكذب = لا شيء عليه ؛ ولكن هذا من شدة ورعهم ، وزهدهم - رضي الله عنهم - .
    (( المتن ))
    39 - باب كتابة العلم
    111 - حدثنا بن سلام قال أخبرنا وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قلت لعلي هل عندكم كتاب قال لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال قلت فما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر
    112 - حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فخطب فقال إن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل - قال أبو عبد الله كذا قال أبو نعيم - وسلط عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ألا وإنها أحلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل فجاء رجل من أهل اليمن فقال اكتب لي يا رسول الله فقال اكتبوا لأبي فلان فقال رجل من قريش إلا الإذخر يا رسول الله فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر.
    113 - حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني وهب بن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب تابعه معمر عن همام عن أبي هريرة
    114 - حدثنا يحيى بن سليمان بن يحيى قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده قال عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج بن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه .
    (( الشرح ))
    هذه الأحاديث الأربعة قد اتفقت على الشهادة للترجمة ؛ فكلها مفيد الدليل على جواز كتابة العلم . وكتابة العلم إحدى الطرق التي يحفظ بها ؛ وفيها من الفوائد : التوثقة ؛ لا سيما من يأتي بعد قرن الكُـتَّـاب ؛ فإن الاعتماد على الحفظ وحده - وإن كان بابا عظيما امتاز به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أئمة التابعين بعدهم .
    لكن في الكتابة مزية أخرى ؛ وهي تمكين من ليس حافظا للمشافهة من قراءة ما دوَّن من العلم بعدُ .
    وها هنا أرى لزاما التنبيه خاصة على حديث علي - رضي الله عنه - وذلكم أن عليا - رضي الله عنه - صرح تصريحا جليا ظاهرا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختصهم بشيء وأنه أعني : عليا - رضي الله عنه - وآل البيت - رضي الله عنهم - ليسوا مختصين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما خص عليٌ - رضي الله عنه - بباب معين ؛ وهو ما في الصحيفة التي كان يقتنيها - رضي الله عنه - وفيها ما سمعتم : العقل يعني الدية ، وفكاك الأسير يعني كيف يفكّ الأسير - أسير المسلمين من الكفار ، وألا يُـقتل مسلم بكافر . هذه اختص بها علي - رضي الله عنه - هل اختص بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو اختص يتدوينها ؟
    الظاهر أنه اختص بتدوينها . وفي هذا ردٌ على الرافضة الذين يلصقون بآل البيت - رضي الله عنهم - ما لم تصح نسبته إليهم . وهذا من كذبهم - أعني الرافضة - قبحهم الله ورحم الله آل البيت - رضي عنهم - .
    هذا من كذب الرافضة على آل البيت . بل تعدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع أصحابه - رضي الله عنهم - فقبحهم الله وأهلكهم ، وأراح الإسلام وأهلَـه من شرهم ...آمين .
    (( المتن ))
    40 - باب العلم والعظة بالليل
    115 - حدثنا صدقة أخبرنا بن عيينة عن معمر عن الزهري عن هند عن أم سلمة وعمرو ويحيى بن سعيد عن الزهري عن هند عن أم سلمة قالت استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن أيقظوا صواحبات الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة .
    (( الشرح ))
    هذا الحديث يتضمن منهجا من أعظم مناهج التربية على هذا الدين ؛ والتحذير من الفتن ، والمحدثات في الدين ؛ وهو تنبيه إلى سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلكم السنة : أن يتعاهد الرجلُ أهلَ بيته من : زوجه ، وأولاده ، وبناته بالموعظة حتى ينشأوا على : التقوى ، والصلاح .
    التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 02-Jan-2009, 02:12 PM.

  • #2
    (( المتن ))
    41 - باب السمر في العلم
    116 - حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد عن بن شهاب عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عبد الله بن عمر قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد
    117 - حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا الحكم قال سمعت سعيد بن جبير عن بن عباس قال بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام ثم قال نام الغليم أو كلمة تشبهها ثم قام فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه فصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة .

    (( الشرح ))
    الأصل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النهيُ عن الحديث بعد العشاء كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - النهيُ عن النوم قبلها ؛ وذلكم لأنه السهرَ بعدها مظنة لتفويت صلاة الصبح ، أو الكسل فيها ، كما أن النومَ قبلها مظنة لتفويت العشاء .
    وهذه القاعدة يُـستثنى ما ترجم عليه المصنفُ - رحمه الله - وأورد ما سمعتم من الأحاديث .
    وإن قال : كيف السمرُ من هذين الحديثين ؛ أو ما وجه الاستدلال على ما ترجم عليه ، وهو باب السمر في العلم ؟
    فالجواب :
    أولا : في صنيعه - صلى الله عليه وسلم - موعظة أصحابه بعد العشاء ؛ ويظهرُ أن الموعظة كانت طويلة ، ولكن اقتصر البخاري - هنا - على بعض الحديث مراعاة للشاهد ، وهذا خلاف عادته - صلى الله عليه وسلم - . يظهر أن هذا خلاف عادته ؛ فإن الأغلب على حاله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه الانصراف بعد صلاة العشاء .
    أما حديث ابن عباس - رضي الله عنه - فالشاهد - عندي - من وجهين :
    الوجه الأول : في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - أهلَـه : نام الغُـلَيْـم ؟ - والعوام يقولون : الغُـلَـيِّـم - هذا تصغير غلام ؛ ويظهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدَّثَ أهلَـه حديثا خلاف ما جرت به عادتُـه . هذا الوجه الأول .
    الوجه الثاني : في كونه - صلى الله عليه وسلم - صلى عددا من الركعات ، وائتم ابنُ عباس ، وصلى بصلاته ، ويسمع قراءته ، وهذا باب من العلم .
    كيف كان بابا من العلم ؟!
    لأن ابن عباس تعلم من النبي- صلى الله عليه وسلم - صلاة الليل ، كما تعلم منه وقوف المأموم الصحيح ؛ وهو عن يمين الإمام . يوضحه ما جاء مطولا عند المصنف في مواضع أخرى منها :
    في تفسير سورة آل عمران : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام نظر إلى السماء فقرأ العشر الآيات من خواتيم سورة آل عمران : (( أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .. )) إلى قوله (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )) .
    وهذا باب من أبواب العلم .
    وإلى هنا انتهت مادة الشريط الثاني ؛ وتبدأ مادة الشريط الثالث .

    (( المتن ))
    42 - باب حفظ العلم
    118 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ثم يتلو { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدي } إلى قوله { الرحيم } إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون
    119 - حدثنا أحمد بن أبي بكر أبو مصعب قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار عن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه قال ابسط رداءك فبسطته قال فغرف بيديه ثم قال ضم فضممته فما نسيت شيئا بعد حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا بن أبي فديك بهذا أو قال غرف بيده فيه
    120 - حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم .

    (( الشرح ))
    الحمد لله رب العالمين ؛ والعاقبة للمتفين ، ولا عدوان إلا على الظالمين .
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ ولي الصالحين ورب الطيبين ؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصيفه الأمين - صلى الله عليه - وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
    أما بعد : فإن مجموع ما ساقه المنصف - رحمه الله - في هذا الباب يتضمن ثلاثة أمور :
    الأمر الأول : الحضّ على حفظ العلم ؛ والتهييج عليه ، وذلكم فيما ساقه من خبر أبي هريرة - رضي الله عنه - وأنه كان منقطعا لطلب العلم .
    وحفظ العلم فيه فائدتان :
    الفائدة الأولى : أنه يعطي الإنسان الملكة على النظر في المسألة ؛ الملكة : وهي النظر في المسألة ؛ وجمع أطرافها ، وأقوال أهل العلم فيها ، ثم ترجيح الراجح من الأقوال المختلفة من أقوال أئمة الإسلام ؛ لأن الترجيح الصحيح ، والتصويب السديد مبني على الدليل ، وذلكم الدليل إما : آية من كتاب الله ، أو سنة صحيحة من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
    الأمر الثاني : فيها فضيلة من فضائل أبي هريرة ، ومنقبة من مناقبه - رضي الله عنه - وذلكم أنه عنده من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عند غيره - فما عنده - رضي الله عنه - يفوق خمسة آلاف حديث ؛ ولهذا فإنه يسمى - رضي الله عنه - حافظ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
    ومن هذا حاله من الناس سيكون فقيها ولا بد .
    وبهذا يتبين لكم : أن الطعن في أبي هريرة ينسفُ على الأمة خمسة آلاف حديث وكسر ؛ ومنها ما هو في أصول الدين ، ومنها ما هو في فروعه .
    الأمر الثالث : سدُّ الذرائع ؛ درءُ المفاسد إذا كانت راجحة على المصالح ؛ فإن تقديم درء المفاسد على جلب المصالح أصل من أصول هذا الدين . وما أحسنَ ما قاله العلامة ابنُ سعدي ؛ وبحق هو علامة إمام - :
    الدين مبني على المصالح :::::::: في جلبها والدرء للقبائح
    وأدلة هذه القاعدة - التي لا يفهمها فقها تاما ، ويستعملها استعمالا صحيحا صوابا سديدا إلا الدعاة الذين هم دعاة إلى الله على بصيرة وهم : دعاة أهل السنة والجماعة - ألم تسمعوا إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه تلقى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين من الحديث ؟!!
    أحدهما حدَّث به لحاجة الناس إليه .
    والآخر : أمسك عنه . أمسك عن نشره وبثه ؛ قال أهل العم : أحاديث الفتن .

    (( المتن ))
    43 - باب الإنصات للعلماء
    121 - حدثنا حجاج قال حدثنا شعبة قال أخبرني علي بن مدرك عن أبي زرعة عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض .

    (( الشرح ))
    الإنصات للعالم ، والإصغاء إليه يورث الوعيَ الصحيحَ ، والإدراكَ التامَ ؛ وهذا الإنصات يستلزم من المتعلم أموراً منها :
    الهدوء .
    والوقار .
    ومنها :
    الصبر .
    والتأني .
    وعدم العجلة .
    يروى عن أبي سلمة بن عبدالرحمان - رحمه الله - قال : حُرمتُ علم ابن عباس أو قال كثيرا من علم ابن عباس .
    فقيل : وكيف ؟
    قال : لأني كنت أجادله .
    فمن الآداب التي يجب مراعاتها : ألا يجادل طالبُ العلم شيخَـه ؛ بل عليه أن يتلطف به ، ويرفق به ، وتمهل ، ولا يستعجل ، وينتظر الوقت المناسب ، ثم يعرض المسألة عرضاً مستفسراً عما أشكل عليه .

    (( المتن ))
    44 - باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله
    122 - حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر فقال كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قام موسى النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا أعلم فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال رب وكيف لي به فقيل له احمل حوتا في مكتل فإذا فقدته فهو ثم فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون وحمل حوتا في مكتل حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما فانسل الحوت من المكتل { فاتخذ سبيله في البحر سربا } وكان لموسى وفتاه عجبا فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } ولم يجد موسى مسا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به فقال له فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت } قال موسى { ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا } فلما أتيا إلى الصخرة إذا رجل مسجى بثوب أو قال تسجى بثوبه فسلم موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام فقال أنا موسى فقال موسى بني إسرائيل قال نعم قال { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا } قال { إنك لن تستطيع معي صبرا } يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه { قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما فعرف الخضر فحملوهما بغير نول فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر فقال الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه فقال موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها { قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت } فكانت الأولى من موسى نسيانا فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده فقال موسى { أقتلت نفسا زكية بغير نفس } { قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } قال بن عيينة وهذا أوكد { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض } قال الخضر بيده فأقامه قال موسى { لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك } قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لوددنا لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما .

    (( الشرح ))
    هذا الحديث الشاهد منه للترجمة قوله : أي الناس أعلم ؟
    قال : أنا !
    والمقصود أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان ينبغي له أن يقول : الله أعلم ؛ فيكل العلم إلى الله - سبحانه وتعالى - وننبه ها هنا إلى أن اجتهاد النبي على ثلاثة أضربٍ :
    أحدهما : ما نزل الوحيُّ بوفاقه .
    وثانيها : ما سكت عليه الوحي ، وأقره اللهُ .
    ثالثها : ما نزل الوحيُّ بخلافه فأيُّ هذه الثلاثة هو شرع يا طلاب العلم ؟
    أجيبوا !!
    كم ضربًا هي ؟
    ثلاثة !
    بعضها شرع ؛ وبعضها ليس بشرع هذا هو الذي أقوله لكم - الآن - ؛ بعضها شرع قطعا ، وبعضها ليس بشرع قطعا ؛ فما الذي هو شرع ؟
    ما نزل الوحيُّ بوفاقه ، أو ما سكت عليه الوحيُّ . جميل!
    كِـلاَ هذين شرع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقرُّ على باطل ؛ فبان الثالث ليس بشرع وهو : ما نزل الوحيُّ بخلافه ، هذا ليس بشرع ؛ ولكن يجب حفظ اللسان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أعني جنس الأنبياء ؛ ومحمد - صلى الله عليه وسلم - يدخل في ذلك دخولا أوليا ؛ لأنه خاتم النبيين .
    يجب حفظ الألسن ، وصيانتها عن الكلام في النبي الذي أخطأ ؛ لأن الله اصطفى أنبياءَه على علم ، وهو أعلم بحالهم ، وهم أعلى الناس منزلة عند الله - عز وجلَّ - فالطعن فيهم طعن في مرسلِـهم ، وهو الله - سبحانه وتعالى - ؛ وبهذا يستبين لكم أن وصف نبي الله موسى - صلى الله عليه وسلم - بأنه عصبي المزاج أبطل الباطل ، وأفحش القول وأشده زورا ، وبهتانا ، وافتراءً على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كيف لا يكون كذلك ؟ والله قد اصطفى موسى - صلى الله عليه وسلم - برسلاته وبكلامه ، وكتب له التوراة بيده ؛ وهو أحد أولي العزم الخمسة - على الجميع الصلاةُ والسلامُ - .
    أمر ثانٍ يفيده الحديث وهو أن كلاً من موسى والخَـضِْـر - عليهما الصلاةُ والسلامُ - آتاه اللهُ من العلم ما ليس عند الآخر ، وما خفي على موسى مما عند الخَـضِْـر لا يقدح في موسى - صلى الله عليه وسلم - وما خفي على الخَـضِْـر مما آتاه اللهُ موسى لا يقدح في الخَـضِْـر - عليه الصلاة والسلامُ .
    وثمة أمر ثالث : وهو كيف يسأل التلميذُ شيخَـه من علمه . من يلتمس لي هذا الدليل ؟
    كيف يسأل التلميذُ شيخَـه من علمه ، أو كيف يسأله الطلبةُ عليه ؟
    (( هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا )) .
    ما قال يا أخي ! يا أخي ! أنا أريد - يا أخي ! - العلمَ عندك ؛ ليش ما تترك لي فرصة الله يصلحلك ، ما يصير أنا جياك من بعيد !!
    لا ، لا ! ما يصلح ! هو حر ما هو مسؤول عليك ، ولا هو مسؤول عنك !
    فاعرف إذا أتيت عالما من العلماء ترى أنك تفيدُ منه ، وقد عُرِفَ هذا العالِمُ بالاستقامة على المعتقد الصحيح ، والنهج السديد ، والإخلاص في الظاهر ، وسَعَـة الاطلاع ، والتعويل على الدليل ؛ اطلب منه كما طلب موسى من الخَـضِْـر - صلى الله عليهما وسلم - .

    (( المتن ))
    45 - باب من سأل وهو قائم عالما جالسا
    123 - حدثنا عثمان قال أخبرني جرير عن منصور عن أبي وائل عن أبي موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما القتال في سبيل الله فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل .

    (( الشرح ))
    الغالب من حال العالِم والمفتي : أن يكون جالسا للناس هذا أغلب أحواله التي يستفتى فيها ؛ والسائل بالأصل ينبغي أن يجلس مقابلا للمفتي ، أو العالِم فيسأله ؛ لكن هذا الرجل سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم ، وقد اسْتَـنْـبَـطَ الدليل من ذلك وهو رفعُ النبي - صلى الله عليه وسلم – رأسه ، وهذا دليل على أنه كان السائل قائما ، أما لو كان جالسا وِجَاهَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لمدَّ إليه نظره بدون رفعِ رأسٍ .
    وكذلك لو كان عن يمنيه ، أو عن يساره لاتفت إليه التفاتاً .
    وهنا لابد من التفصي في هذه المسألة ؛ فإن كان المستفتي ليس الحاملُ له على قيامه التكبر ، والغطرسة فلا بأس بذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على ذلكم السائلَ صنيعَـه .
    أما إن كان الحاملُ له هو : التكبر ، والأنفة عن الجلوس إلى ذلك العالِم فهذا مذموم ، وهو من سوء الأدبِ ، وسوء التصرفِ مع أهل العلم .

    المتن


    46 - باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار
    124 - حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة وهو يسأل فقال رجل يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال آخر يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال انحر ولا حرج فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج .

    (( الشرح ))
    السؤال في هذا الموطن - عند جمرة العقبة يوم النحر موطنٌ يحتاج فيه الناس إلى فقه ما يعمل في مناسك الحج في ذلك اليوم .
    وهذا تنبيه إلى أنه ينبغي للمسلم أنه يفقه العبادة قبل فعلها حتى يصيبَ - فيها - متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهذا هو أعني المتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد شرطين لـقَـبول العمل .
    والشرط الآخر ماهو ؟
    تجريد الإخلاص .
    لمن ؟
    لله وحده . تجريد الإخلاص لله وحده .

    (( المتن ))
    47 - باب قول الله تعالى { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
    125 - حدثنا قيس بن حفص قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الأعمش سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم لنسألنه فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح فسكت فقلت إنه يوحى إليه فقمت فلما انجلى عنه فقال { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتوا من العلم إلا قليلا } قال الأعمش هكذا في قراءتنا .

    (( الشرح ))
    هذا الحديث يتضمن أمرين :
    أحدهما : شاهد الترجمة ؛ وهو واضح صريح من الآية (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ومفادُه أن العبد مهما يؤتى من العلم بالنصوص - نصوص الكتاب والسنة ، والفقه في دين الله = هو قليل بالنسبة إلى علم الله - عزوجل - وقد عرفتم ما قاله الخَـضِْـر لموسى - صلى الله عليهما وسلم - إذ قال : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور في البحر .
    الأمر الثاني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهو سيد الأولين والآخرين ؛ وهو بالمكان المعلوم عند الله - عز وجل - لا يعلم من أمر الغيب إلا ما علمه الله - عز وجل - ولهذا سكت حتى نزل عليه الوحيُّ في الروح وأنها من أمر الله ، فرد بذلك على اليهود .

    (( المتن ))
    48 - باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه
    126 - حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود قال قال لي بن الزبير كانت عائشة تسر إليك كثيرا فما حدثتك في الكعبة قلت قالت لي قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم قال بن الزبير بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون ففعله ابن الزبير

    (( الشرح ))
    أدركتم هذه الترجمة ؟
    إلى أي شيء تهدف ؟
    هذا - أعني ترتيب البخاري- تنبيه إلى أن درء المفاسد - إذا كانت راجحةً - مقدم على جلب المصالح المرجوحة ؛ ولهذا قال : مخافةَ أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه ، وروى البخاريُّ عن علي - رضي الله عنه - حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُـكذبَ الله ورسوله ؟!!
    والمعنى : حدثوا الناس بما تدركه أفهامهم ، حدثوا الناس بما تدركه أفهامهم ، ودعوا ما تقصرعنه أفهامهم ، مداركهم .
    فإمام المسلمين من : حاكم ، وقاضٍ ، ومفتٍ ؛ وكذلك مَن ولوا بعضَ الصلاحيات يجب عليهم أن يدرأوا المفاسد - إذا كانت راجحةً - على المصالح . وأدلة هذا مستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودليلها من الكتاب الكريم قول الحق - جلَّ ثناؤه - (( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم )) } سورة الأنعام آية 108{ هذا الآية ماذا تتضمن يابَنِيّ ؟
    تتضمنُ النهيَّ عن سبِّ آلهة المشركين ؛ مع أن سبَّـها قربة إلى الله - عز وجلَّ - والسر في ذلك ؛ أو وسبب النهيِّ : أن المشركين يتعَدُّون على الله فيسبُّونَه .
    وهذا الحديث شاهد الترجمة أُراه صريحا واضحا ، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك ما كان عازما عليه من إصلاح الكعبة ، وإعادتهاعلى قواعد إبراهيم ، وما الذي منعه من ذلك - هو إمام المسلمين - صلى الله عليه وسلم - ؟
    ما الذي منعه ؟
    لولا قومك حديثٌ عهدهم .
    وفي بعض الطرق : لولا حدثان قومك بكفر .
    وفي رواية : لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية .. إلخ.

    (( المتن ))
    49 - باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا . وقال علي : حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟
    127 - حدثنا عبيد الله بن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي بذلك .
    128 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال يا معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا وأخبر بها معاذ عند موته تأثما
    129 - حدثنا مسدد قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال سمعت أنسا قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة قال ألا أبشر الناس قال لا إني أخاف أن يتكلوا .

    (( الشرح ))
    وهذا الباب مكرَّر ما قبله من حيث المعنى ، وهو أن درءَ المفاسد الراجحة مقدم على المصالح المرجوحة ؛ ويزيد شيئا آخر وهو : أنه يسوغ للإمام ، والمعلم أن يختص بعضَ تلاميذته بعلم دون غيرهم ؛ خشية أن لا يفهم هذا العلمَ الخاصَّ الآخرون .
    هكذا : باب من خص بالعم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا ؛ يعني القوم الآخرين .
    وهاك مثالا يتضح به المقال والمقام - إن شاء الله تعالى - : فلو كنت معلما وتلاميذتك طبقات : قسم جامعي ، وقسم كفاءة ، وقسم في المرحلة الابتدائية ؛ فمن تحدثه بتفصيل مراتب القدر ؛ من حيث العام ، والخاص ؟
    من تحدث به ؟
    الجامعي ؛ لأنه وصل إلى مرحلة نضج - فيها - عقلُـه ، أما من دونه فلن تستطيع أن تحدثه بهذا .
    فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خص معاذا بما سمعتم دون غيره ؛ لأنه عَـلِـمَ - صلى الله عليه وسلم - من صاحبه معاذٍ الإدراك ، أو امتيازه بالإدراك ؛ بإدراك هذه النصوص فعنده - رضي الله عنه - ما ليس عند غيره ؛ ولهذا لما قال : أفلا أبشرُ الناسَ .
    قال : إذن يتكلوا ؛ إذن يتكلوا .

    (( المتن ))
    50 - باب الحياء في العلم وقال مجاهد لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين
    130 - حدثنا محمد بن سلام قال أخبرنا أبو معاوية قال حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأت الماء فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة قال نعم تربت يمينك فبم يشبهها ولدها
    131 - حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم حدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة قال عبد الله فاستحييت فقالوا : يا رسول الله ! أخبرنا بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا .

    (( الشرح ))
    ( انقطاع في بداية كلامه ) أمر يلقيه الله في القلب ، وبه يمتنع الإنسان من فعل ، أو قول ما ليس لائقا به ؛ وهو في الحقيقة قسمان :
    أحدهما : الامتناع عن قبيح الأفعال ، والأقوال ، وخوارم المروءة ، أو توقير الغير بما لا يفوت مصلحة راجحة ، أو بيان حق ، فهذا محمود ، وهو صنيع ابن عمر - رضي الله عنهما - فإنه أمسك عن تفسير تلك الشجرة - أمسك عن إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - إجلالا وتوقيرا لمن في المجلس من كبارالقوم ، ولم يفتْ بذلك الإمساك من ابن عمر مصلحة راجحة - مصلحة دينية راجحة ؛ ولم يترتب عليه سكوت على باطل . إذ هو بحضرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو الذي وكِلَ اللهُ إليه بيان الشرعِ عنه .
    الثاني : أن يسكتَ الإنسانُ ويستحيي فتفوت مصلحة راجحة ، أو يظهر باطل ، فهذا الحياءُ مذموم ؛ ومن أثنت عليهن عائشة من نسوة الأنصار - أن أولئك النسوة اللاتي كان لا يستحيين من معرفة الفقه في دين الله ؛ هن حييات - رضي الله عنهن - ؛ ولهذا قالت : لم يمنعهن الحياء ...إلخ .
    عندهن حياء ؛ حياء قوي ، ولكن هذا الحياء لم يمنعهن من معرفة الدين ، والعلم ؛ لأن الله تعبدهن بذلك ، ومن ذلكم : سؤال أم سليم - رضي الله عنها - .
    أو استشهد البخاري بحديث أم سليم فإنها سألت عن مسألة حساسة - كما يقولون - من مسائل الفروج ؛ وأمرٌ نادرٌ ؛ يظهر أنه نادر عند النساء - أعني احتلام االمرأة - ؛ ولهذا استنكرت أم سلمة - رضي الله عنها - صنيع أم سليم - رضي الله عنها - .

    (( المتن ))
    51 - باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال
    132 - حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية عن علي قال كنت رجلا مذاء فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال فيه الوضوء .

    (( الشرح ))
    الشرح : والسؤال يا بَـنِـي : هل في هذا الحديث شاهد للترجمة : نصاً ، أو إشارة ؟؟
    أين النص ؟
    قال : فأمرت ... والترجمة ماذا قال ؟
    من استحيا .
    هل تجدون شاهدا للترجمة نصاً ؟
    هل الحديث متضمن شاهدَ الترجمة - نصا ، أو تضمنه إشارة ؟
    تضمنه إشارة إلى حديث علي السابق الذي عرفتموه في عمدة الأحكام : كنت رجلا مذاءً ؛ فاستحييتُ أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته مني ؛ فأمرت المقداد .... إلخ
    تذكرتكم شاهد الترجمة ؟
    فهو إذن إشارة ؛ وليس نصا . وسيذكره المصنف إما في هذا الكتاب أو في غيره . تجدونه في صحيح البخاري .

    (( المتن ))
    52 - باب ذكر العلم والفتيا في المسجد
    133 - حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عمر أن رجلا قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن وقال بن عمر ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم وكان بن عمر يقول لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    (( الشرح ))
    الاستفتاء في المسجد ؛ والمجتمعات العامة عند المفتي يهاب كثير من الناس أن يسأل فيها - المسجد ، كذلك الاجتماعات العامة لدى المفتي : كحِـلَـقِ العلم ؛ يهاب كثير من الناس أن يسأل في هذه المواطن .
    فبوب البخاري على ذلك ؛ ليزيل الحرج ؛ وأنه ينبغي للمستفتي ألا يتحرج ، ويسأل المفتي في أي موطن كان ؛ إذا كان ذلكم المستفتي محتاجا إلى ما يستفتي عنه ، ويسأل عنه ، وربما استفاد الحاضرون من سؤال ذلكم المستفتي ، وقد استفاد الحاضرون ، واستفدنا نحن من سؤال ذلكم الرجل ، وكثير من طلاب العلم يخلون بمن يستفتونه ، وبالنظر إلى أسئلتهم يوجد أنها ليس خاصة ، يمكن السؤال عنها في العامة ، وهذا في الحقيقة لا ينبغي .
    أولا : في هذا تضييع وقت على المسؤول قد يكون محتاجا إلى الراحة ، محتاجا إلى القراءة ، وقد يكون أماه موعدا آخر أهمَّ من هذا . أما ما كان خاصا بذلك الرجل ؛ لا يليق ابداؤه أمام الناس ؛ فلا مانع أن يخلو بمن يسأله ، ويلقي إليه ما لديه من المسائل الخاصة ؛ حتى يأخذ فيها الفتوى .


    إلى هنا انتهت مادة الشريط الثالث ؛ وبهذا يكتمل شرح الشيخ عبيد الجابري - حفظه الله - لكتاب العلم من صحيح الإمام البخاري - عليه رحمة الله - .


    أشرف السلفي
    التعديل الأخير تم بواسطة علي إبراهيم; الساعة 02-Jan-2009, 02:14 PM.

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا
      لكن لو وضعتموه في ملف وورد

      تعليق


      • #4
        تفضل أخي الحبيب

        تعليق


        • #5
          أضع لكم ملف منسق على صيغة (وورد) لا يحتوي على أخطاء التنسيق عند التحويل إلى الصيغة النصية للحزمة المكتبية (وورد) مقارنة بنسخة الأخ أبو الفرج ـ جزاه الله خيرا ـ .
          الملفات المرفقة
          كتبه أخوكم شـرف الدين بن امحمد بن بـوزيان تيـغزة

          يقول الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله في رسالته - عوائق الطلب -(فـيا من آنس من نفسه علامة النبوغ والذكاء لا تبغ عن العلم بدلا ، ولا تشتغل بسواه أبدا ، فإن أبيت فأجبر الله عزاءك في نفسك،وأعظم أجر المسلمين فـيك،مــا أشد خسارتك،وأعظم مصيبتك)

          تعليق

          يعمل...
          X