إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

نداءُ نَاصحٍ مُصلحٍ في القولِ بغيرِ علمٍ للشيخ الفاضل عبد الله البخاري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نداءُ نَاصحٍ مُصلحٍ في القولِ بغيرِ علمٍ للشيخ الفاضل عبد الله البخاري حفظه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال الشيخ الفاضل الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري حفظه الله
    الحمدُ لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا مُحمَّدٍ وآله وصحبه وَسلَّم، وبعدُ:
    فَنَظراً لِمَا يَقْتضيه مقَامُ الإصْلاح و النُّصح لعامَّة المسْلِمينَ مِمَّا أَوْجَبَهُ النَّبيُّ الكَريم صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، رَأْيتُ أنْ أُنَبِّهَ علَىَ أَمْرٍ مُهمٍّ جِدَّاً، فيهِ التَّذكيرُ لنَفسي- المقصِّرة- أوَّلاً ثُمِّ لإخْوَتِي ثَانياً، وحَاصلهُ:
    أنَّه مِنْ مُطَالَعَتِي عَلَى بَعْضِ الْمَقَالاَتِ وَالتَّعْليقات الَّتي تَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ الإِخْوَةَ- وفَّقهم الله- رَأيتُ أَمْراً مُخِيْفَاً وَمُحْزِنَاً فِي الوَقْتِ نَفْسِه!!، وَهُو نَذِيرُ شَرٍّ إنْ لَمْ يَتَداركنَا الله بِرَحْمَةٍ منْهُ وَ فَضْلٍ، أَلاَ وَهُو: الكتَابَةُ بِغَيْرِ عِلْمٍ!! وما يَتْبَعُ الكتَابَةَ مِنْ أُمُورٍ، مما يُخشى دُخُولُهُ في (القَولِ علَى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ)!
    وَلِهَذهِ الكتَابَات أَوْجُهٌ، فَمَثَلاً:
    1/ يَكْتُبُ أَحَدهمْ فِي أَمْرٍ مُقَرِّراً فيه (المنعَ ) أو (الْحَظْرَ)!! وَالصَّوابُ خِلاَفهُ نَصَّاً وَ اسْتِنْبَاطَاً؟!.
    2/ أَوْ يَكْتُبُ أَحدهمْ في أمْرٍ مُقرِّراً فيه (الإبَاحَةَ)!! والصَّوابُ خِلافهُ نَصَّاً واستنباطاً؟!
    3/ ضَرْبُ فَتَاوَى أَهْل العِلْمِ بَعْضهم بِبَعْضٍ؛ غَفْلَةً أوْ جَهْلاً أو قصداً !! وَكُلُّ ذَلكَ يُورِثُ التَّشكيكَ فِي أَهليَّتهم جَمِيْعاً !!
    ومَا عَلِمَ هَؤلاء أنَّه لَيْست كُلّ فَتْوى يَصِحُّ تَنْزِيْلُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَوْ تَصْلُحُ لكُلِّ أَحَدٍ، فالفَتَاوى لَهَا أَحْكَامُهُا وَآدَابُها؛ لذَا نَجِدُ أهلَ العِلْم مِنْهمْ مَنْ ألَّفَ فِي (أحكَام المفْتي والْمُسْتَفتي) كُتُبَاً مُسْتقلَّة، ومنْهُم مَنْ ضَمَّنها في كتابٍ كمَا هُو الْحَالُ فِي (إعلام الموقعين) للإمام ابن القيم.
    وَمِنَ الغَرِيْبِ- وَالغرائبُ جمَّةٌ، كمَا يقالُ- أنَّ بَعْضَهُم يَنْقُل فَتَوى لأحَد العُلماء كابْنِ بَازٍ أو غْيرهِ مِنْ إخْوَانِهِ العُلَماء، وبالتَّأَمُّلِ مليَّاً فِي كَلمَاتِهم تَجِدُ فيْها مَا يَنْقُضُ مَا أَرَادَ الاسْتِدلال بِهِ مِنْهَا؟!!
    وَ لَيْس الْمَقَام مَقَام بَسطٍ وكشفٍ لبعضِ تِلك المقالاَتِ! إنَّمَا الْمَقَامُ مَقَام تَذكيرٍ ونُصْحٍ وإرشَادٍ وتَنْبِيهٍ وإصْلاحٍ، وَاللبيبُ بِالإشَارَةِ يَفْهَمُ.
    وَحِرْصَاً مِنِّي عَلَى القِيَامِ بالإصلاحِ وَ وَاجبِ النُّصْحِ كَمَا أسْلَفتُ رَغِبْتُ أنْ أَكْتُبَ للإِخْوَةِ هَذه الكَلِمَات التَّذْكِيْرِيَّة عَلَّها تُنبِّهُ الغَافل وَتَرْدَعُ الْمُتَعَالِم.
    وقَبْلَ البَدْءِ أَقُولُ:
    لعَلَّ أكثرَ الإِخْوَةِ يَكْتُبُ عَنْ حُسْنِ قَصْدٍ وَحَمَاسَةٍ وَرَغْبَةٍ فِي الْخَيْرِ وَ حُبِّ الْخَيرِ لِلْغَيْرِ!!
    لكنَّ كُلُّ هَذا لاَ يَشْفَعُ لَهُ فِي أَنْ يَفْتَاتَ عَلَى الشَّريعَة، وَيَنْسِبَ لِلْمَنْهَجِ النَّبوي الشَّريف وسَلَفِ الأُمَّة الصَّالِح مَا لَيْسَ مِنْهُ!! فَكَمْ مِنْ مُرِيْدٍ لِلْخَيْرِ لَمْ يُصْبِهُ! فَتَأمَّلْ – يَا رَعَاكَ اللهُ- أنْ تزُجَّ بِنَفْسِكِ فِي الْمَهْلَكَةِ وَأَنْتَ لاَ تَشْعُرُ فَقَدْ نَصَحْتُكَ، والله الموعد!!.
    إضَاءةٌ مهمَّةٌ:
    قَالَ الإمامُ محمَّدُ بنُ إدريس الشَّافعي في( الرِّسالَة) (رقم 44،45،46/ص19):" وَالنَّاسُ فِي العِلْمِ طَبَقَاتٌ، مَوقعُهم مِنَ العِلْمِ بِقَدرِ دَرَجَاتِهم فِي العِلْمِ بِهِ.
    فَحقٌّ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ بُلُوغُ غَاية جَهْدِهم فِي الاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمهِ وَالصَّبرِ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبهِ، وَ إِخْلاَصِ النِّيَّةِ للهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمهِ، نَصَّاً وَ اسْتِنْبَاطَاً، وَالرَّغْبة إلَى الله فِي العَوْنِ عَليهِ؛ فَإنَّه لاَ يُدْرَكُ خَيْرٌ إلاَّ بِعَونهِ.
    فَإنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ الله فِي كتَابهِ نَصَّاً وَاسْتِدْلاَلاً، وَوَفَّقهُ الله لِلْقَولِ وَالعَمَلِ بِمَا عَلِمَ منْهُ: فَازَ بِالفَضِيْلَةِ فِي دِيْنهِ وَ دُنْيَاهُ، وَانْتَفتْ عَنْهُ الرِّيَبُ، وَنَوَّرتْ فِي قَلْبهِ الْحِكْمَةُ، وَاسْتَوجبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الإِمَامَةِ".
    ثم بعد هَذه الإضَاءَة أَقُولُ:
    إنَّ القَولَ بَغَيْرِ عِلْمٍ كَذِبٌ وَ افْتِيَاتٌ عَلَى الشَّريَعةِ، وَالقَولُ عَلَى الله كَذِبٌ عليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وهُو أَمْرٌ لَمْ يُبح الله عزَّ في عُلاهُ لأَحَدٍ أنْ يَتَقوّل عليه، حَتَّى قَال عزَّ وجلَّ عَنْ خليلهِ ورسولهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلَّم -وَ قَدْ عَصَمهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُ؟!!- قَالَ الله تَعالَى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ.لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (الحاقة:44-47).
    قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تفسيره) (4/415):" يقُولُ الله (ولو تَقوَّلَ عَليْنا) أيْ: مُحَمَّدصلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ كمَا يَزْعُمُونَ، مُفْتَرياً عَلْيَنَا فَزَادَ فِي الرِّسَالَةِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ قَالَ شَيئاً مِنْ عِنْدِهِ فَنَسَبَهُ إليْنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَعَاجَلْنَاهُ بِالعُقُوبَةِ، وَلِهَذا قَالَ تَعَالَى (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِيْنِ)، قِيْلَ مَعْناهُ: لانْتَقَمْنَا منْهُ بِاليَمِينِ؛ لأنَّهَا أَشَدُّ فِي البَطْشِ، وَقيلَ: لأَخَذْنَا منْهُ بِيَمِيْنهِ، (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِيْن) قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: هُو نِيَاطُ القَلْبِ، وَهُو العِرْقُ الَّذي القَلْبُ مُعَلَّقٌ فِيْهِ.
    وَفِي قَوله (فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عنْهُ حَاجِزين) أيْ: فمَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلى أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ إذَا أَرَدْنَا بِهِ شَيْئاً مِنْ ذَلكَ.
    والْمَعْنى فِي هَذا: بَلْ هُو صَادِقٌ بَارٌّ رَاشدٌ؛ لأنَّ الله تَعالَى مُقَررٌ لَهُ يُبَلِّغهُ عَنْهُ، وَمُؤيِّدٌ لَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ وَالدَّلاَلاَت القَاطِعَاتِ".
    ومِنَ الأَدِلَّةِ فِي تَقْرِيْرِ هَذَا الْمَقَامِ:
    1/ قَالَ اللهُ تَعالَى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افْتَرَىَ عَلَى اللهِ كَذِبَاً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إليَّ ولَمْ يُوحَ إليْهِ شَيْءٌ..) الآية من (سورة الأنعام: 93).
    قَالَ العَلاَّمةُ القُرْطِبيُّ فِي (الجامع لأحكام القرآن)(7/41):" قَولُه تَعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أيْ؛ لاَ أَحَدَ أَظْلَمُ، (مِمَّن افْتَرَى) أيْ؛ اخْتَلَقَ عَلَى الله كَذِباً، (أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ) فَزَعَمَ أنَّهُ نَبِيٌّ، (وَلَمْ يُوْحَ إليْهِ شَيْءٌ).
    -إلى أنْ قَالَ- وَ مِنْ هَذا النَّمَطِ مِنْ أَعْرَضَ عَنِ الفِقْهِ وَالسُّنَنِ وَمَا كَانَ عليْهِ السَّلَفُ مِنَ السُّنَن فَيَقُولُ: وَقَعَ فِي خَاطِري كَذا، أوْ أَخْبَرَنِي قَلْبي بِكَذا!!
    فَيَحْكُمونَ بِمَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهم وَيَغْلُبُ عَليهمْ مِنْ خَواطِرِهمْ، وَيَزْعُمون أنَّ ذلكَ لِصَفَائِها مِنَ الأَكْدَارِ وَخُلُوِّهَا عَنِ الأَغْيار، فَتَتَجَلَّى لَهُم العُلُوم الإلهيَّة وَالْحَقَائِق الرَّبَّانيَّة، فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَارِ الكُلِّيَّاتِ ويَعْلَمُون أَحْكَام الْجُزْئيَّاتِ فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الشَّرَائع الكُليَّات، وَيَقُولُون: هَذهِ الأَحْكَامُ الشَّرعيَّة العَامَّة، إنَّمَا يُحْكَمُ بِها عَلى الأَغْبِيَاء وَالعَامَّة، وأمَّا الأَوْليَاءُ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ، فَلاَ يَحْتَاجُونَ لِتِلْكَ النُّصُوص".
    وقالَ العلاَّمة السَّعدي في (تفسيره)(ص 226):" يَقُولُ الله تَعالَى: لاَ أَحَدَ أَعْظَمُ ظُلْمَاً وَلاَ أَكْبَرُ جُرْمَاً مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ بِأَنْ نَسَبَ إلَى اللهِ قَولاً أوْ حُكْمَاً وَهُو تَعَالَى بَرِئٌ مِنْهُ، وَإنَّمَا كَانَ هَذا أَظْلَم الْخَلْقِ؛ لأَنَّ فيْه مِنَ الكَذِبِ وَتَغْييرِ الأَدْيَانِ أُصُولِهَا وَ فُرُوعِهَا وَنِسْبَةِ ذَلكَ إلَى اللهِ تَعالَى مَا هُو مِنْ أَكْبَرِ الْمَفَاسدِ".
    2/ قَالَ اللهُ تَعالَى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النَّحل:116).
    قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تَفسيرهِ)(2/590):" نَهَى تَعالَى عَنْ سُلُوكِ سَبيلِ الْمُشْرِكين، الَّذين حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا بِمُجَرَّدِ مَا وَضَعوهُ وَاصْطَلَحُوا عليهِ مِنَ الأَسْمَاءِ بِآرَائِهم...- إلى أنْ قَال- وَيَدْخُلُ فِي هَذا كُلُّ مِنَ ابْتَدعَ بِدْعَةً لَيسَ لَهُ فِيْهَا مُسْتَندٌ شَرعيٌّ، أو حَلَّل شَيئاً مِمَّا حرَّمَ الله، أو حرَّمَ شيئاً مِمَّا أباحَ الله، بِمُجرَّد رَأيه أوْ تَشَهِّيهِ- إلى أَنْ قَالَ- ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلكَ فَقَالَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ، أمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَتَاعٌ قَلِيْلٌ، وأمَّا فِي الآخِرَةِ فَلَهُمْ عَذَابٌ أَليْمٌ، كَمَا قَالَ( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)".
    قلتُ: وَ يَدْخُلُ فِي الكَذِبِ عَلَى اللهِ الكَذَب عَلَى رَسُولهِ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم؛ لأنَّ السُّنَّةَ وَحيٌّ قَالَ الله تَعَالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىَ إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى)، وَقَدْ تَوعَّدَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مَنْ كَذَبَ عَليهِ كَمَا جَاءَ فِي (الصَّحِيْحَينِ) فِي قَوله (إنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبوَّأْ مَقعدهُ مِنَ النَّارِ).
    3/ قالَ تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
    (الأعراف:33). قَالَ الإمَامُ الْهُمَام ابْنُ القَيِّمِ فِي كتَابهِ العَظِيم (إعْلاَمُ الْمُوقِّعين عَنْ رَبِّ العَالَمين)(1/3:" وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ جَعَلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا ، فَقَالَ تَعَالَى ( قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
    فَرَتَّبَ الْمُحَرَّمَاتِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ، وَبَدَأَ بِأَسْهَلِهَا وَهُوَ الْفَوَاحِشُ ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْهُ وَهُوَ الإِثْمُ وَالظُّلْمُ، ثُمَّ ثَلَّثَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ تَحْرِيمًا مِنْهُمَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ رَبَّعَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلاَ عِلْمٍ.
    وَهَذَا يَعُمُّ الْقَوْلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِلاَ عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَفِي دِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَقَالَ تَعَالَى ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ سُبْحَانَهُ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ : هَذَا حَرَامٌ ، وَلِمَا لَمْ يُحِلَّهُ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ إلاَّ بِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّهُ وَحَرَّمَهُ.
    وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ : أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا ، وَحَرَّمَ كَذَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : كَذَبْتَ، لَمْ أُحِل كَذَا ، وَلَمْ أُحَرِّمْ كَذَا؛ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ وُرُودَ الْوَحْيِ الْمُبِينِ بِتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَ حرَّمه اللَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ أَوْ بِالتَّأْوِيلِ
    وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَمِيرَهُ بُرَيْدَةَ أَنْ يُنزلَ عَدُوَّهُ إذَا حَاصَرَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ: ( فَإِنَّك لاَ تَدْرِي أَتُصِيب حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك)؛ فَتَأَمَّلْ كَيْف فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ الأَمِيرِ الْمُجْتَهِدِ، وَنَهَى أَنْ يُسَمَّى حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْم اللَّهِ .
    وَمِنْ هَذَا لَمَّا كَتَبَ الْكَاتِبُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، فَقَالَ: ( لاَ تَقُلْ هَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: هَذَا مَا رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ).
    وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ : ( لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلاَ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، وَلاَ أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ : هَذَا حَلاَلٌ ، وَهَذَا حَرَامٌ ، وَمَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ كَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ؛ فَيَنْبَغِي هَذَا ، وَلاَ نَرَى هَذَا ) وَرَوَاهُ عَنْهُ عَتِيقُ ابْنُ يَعْقُوبَ، وَزَادَ : ( وَلاَ يَقُولُونَ: حَلاَلٌ وَلاَ حَرَامٌ ، أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)، الْحَلاَلُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".
    وقال الإمامُ ابنُ القيِّم أيضاً في كتابه (مدارج السَّالكين)(1/372):" القولُ علَى اللهِ بغيرِ علمٍ، هُو أشدُّ هذه المحرَّماتِ تحريماً، وأعظمُها إثْمَاً، ولهذا ذُكرَ في المرتبةِ الرَّابعة من المحرَّمات الَّتي اتَّفقت عليها الشَّرائعُ والأديانُ، ولا تُباحُ بحالٍ، بلْ لا تَكونُ إلاَّ محرَّمةً، وليستْ كالميتةِ والدَّمِ ولحمِ الخنزيرِ، الذي يُباحُ في حالٍ دونَ حالٍ.
    فإنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوعَانِ:
    مُحَرَّمٌ لذاتهِ، لا يُباحُ بحالٍ.
    ومُحَرَّمٌ تحريماً عارضاً في وقتٍ دونَ وقتٍ.
    قَالَ الله تَعالَى فِي الْمُحَرَّم لذَاتهِ ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )، ثُمَّ انْتقلَ منهُ إلى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ (وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ منْهُ فَقَالَ ( وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً)، ثُمَّ انْتَقَلَ منْهُ إلَى مَا هُو أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ).
    فَهَذا أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ عنْدَ الله وَأَشَدُّها إثْمَاً، فَإنَّهُ يَتَضَمَّنُ الكَذِبَ عَلَى الله، وَنِسْبَتهِ إلَى مَا لاَ يَلِيْقُ بهِ، وَ تَغْيِيرِ دِيْنهِ وَتَبْدِيلهِ، وَنَفْي مَا أَثْبَتَهُ وَإثْبَاتِ مَا نَفَاهُ، وتَحْقِيْقَ مَا أَبْطَلَهُ وَ إبْطَالِ مَا حَقَّقَهُ، وَ عَدَاوَةَ مَنْ وَالاَهُ وَمُوالاةَ مَنْ عَادَاهُ، وَحُبَّ مَا أبْغَضَهُ وَبُعْضَ مَا أحبَّهُ، وَ وَصْفَهُ بِمَا لاَ يَليقُ بهِ فِي ذَاتهِ وَصِفَاتهِ وَأَقْوَالهِ وَأَفْعَالهِ.
    فَلَيْسَ فِي أَجْنَاسِ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْظَمُ عنْدَ اللهِ منْهُ، وَلاَ أَشَدُّ إثْماً، وهُو أَصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ، وعليْهِ أُسِّسَتِ البِدَعُ وَالضَّلاَلاَتُ، فَكُلُّ بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ فِي الدِّينِ أَسَاسُهَا القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ.
    وَلِهَذا اشتدَّ نَكيرُ السَّلفِ وَالأئمَّةِ لَهَا، وصَاحُوا بِأَهْلِهَا مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ، وَحَذَّروا فِتْنَتَهُم أَشَدَّ التَّحْذيرِ، وبَالَغُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَالِغُوا مِثْلَهُ فِي إنْكَارِ الفَواحشِ، وَالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ، إذْ مَضَرَّةُ البِدَعِ وَهَدْمُها للدِّيْنِ وَمُنَافَاتُهَا له أشدُّ.
    وَقَد أنْكرَ اللهُ تَعالَى عَلَى مَنْ نَسَبَ إلَى دِيْنهِ تَحْليلَ شَيءٍ أوْ تَحْريْمَهُ مِنْ عنْدهِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنَ الله، فقَالَ (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)، فكيفَ بِمَنْ نَسَبَ إلى أَوْصَافهِ سُبْحَانَه وتَعالَى مَا لَمْ يَصِف به نَفْسهُ؟ أو نَفىَ عنْهُ مِنْهَا مَا وَصَفَ بِه نَفْسَهُ؟!
    قَالَ بَعضُ السَّلفِ: لِيَحْذَرَ أَحَدُكُمْ أنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللهُ كَذَا، وحَرَّمَ اللهُ كَذا، فَيَقُولُ الله: كَذَبْتَ، لَمْ أُحِلَّ هَذا، ولَمْ أُحَرِّمْ هَذا.
    يعني التَّحليلَ وَالتَّحريْمَ بِالرَّأي الْمُجرَّدِ، بِلاَ بُرْهَانٍ منَ الله وَرَسولهِ.
    وأصْلُ الشِّرْكِ وَالكُفرِ هُوَ: القَولُ عَلَى الله بلاَ عِلْمٍ، فَإنَّ الْمُشْرِكَ يَزْعُمُ أَنَّ مَن اتَّخَذَهُ مَعْبُوداً مِنْ دُونِ الله يُقَرِّبُهُ إلَى الله، وَيَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ بِوَاسِطَتهِ، كمَا تَكُونُ الوَسَائِطُ عِنْدَ الْمُلُوكِ، فَكُلُّ مُشْرِكٍ قَائِلٌ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ، دُونَ العَكس، إذ القَولُ عَلى الله بِلاَ عِلْمٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّعْطِيْلَ وَالابْتِدَاعَ فِي دِينِ الله، فهُو أعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ فَردٌ منْ أَفْرادهِ.
    ولَهذا كانَ الكَذبُ عَلَى رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُوجِبَاً لدُخُولِ النَّارِ، وَاتِّخَاذِ مَنْزلهِ مِنْهَا مُبَوَّأً، وهُو الْمَنْزِلُ اللازمُ الَّذي لاَ يُفَارِقُهُ صَاحبُهُ، لأنَّهُ مُتَضمِّنٌ للقَولِ عَلَى اللهِ بِلاَ عِلْمٍ، كَصَريحِ الكَذبِ عَليهِ؛ لأنَّ مَا انْضَافَ إلَى الرَّسُولِ فَهُو مُضَافٌ إلَى الْمُرْسِلِ، وَالقَولُ عَلَى الله بِلاَ عِلْمٍ صَرِيحُ افْتراءِ الكَذِبِ عَليهِ (وَمٍَنْ أظلمُ مِمَّنِ افْتَرَىَ عَلَىَ اللهِ كَذِباً).
    فَذُنُوبُ أهْلِ البِدَعِ كُلُّها دَاخِلةٌ تَحتَ هَذا الْجِنْسِ، فَلا تَتَحَقَّقُ التَّوبةُ منْهُ إلاَّ بالتَّوبَةِ مِنَ البِدَعِ، وَأنَّى بالتَّوبة منْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَم أنَّها بدْعةٌ، أو يَظنُّها سنَّةً، فَهُو يَدْعُو إليْهَا، وَيَحُضُّ عليْها؟ فَلاَ تَنْكَشِفُ لِهَذا ذُنُوبهُ الَّتي تَجِبُ عليهِ التَّوبةُ منْهَا إلاَّ بِتَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ، وَكَثْرَةِ اطِّلاعهِ عَليْهَا، وَدَوامِ البَحْثِ عَنْهَا وَ التَّفْتِيْشِ عَليْهَا، وَلاَ تَرىَ صَاحبَ بِدْعَةٍ كَذَلكَ أَبَدَاً".
    و أخيراً أقولُ: للشَّيخ العلاَّمة عبدالرَّحمن السَّعدي كلامٌ نفيسٌ في أهمِّيَّةِ قَولِ (الْمُعلِّمِ) لـ(الْمُتَعلِّم) جَواباً فيَمَا لاَ يَعْلَمهُ: ( اللهُ أَعْلَم)، قَالَهُ فِي رِسَالَةٍ مُخْتَصَرةٍ نَافِعَةٍ فِي (آدَاب الْمُعلِّمِ والمتعَلِّم) (ص 27) مِنْ أنَّ ذلكَ:" لَيْسَ هَذَا بنَاقصٍ لأَقْدَارِهمْ، بَلْ هَذا مِمَّا يَزِيدُ قَدْرَهُمْ، وَ يُسْتَدَلُّ به عَلَى دِيْنِهمْ، وَتَحرِّيهمْ للصَّواب.
    وفِي تَوقُّفه عمَّا لاَ يَعْلَمُ فَوائد كَثِيرة:
    منْها: أنَّ هَذا هُو الوَاجِبُ علَيْهِ.
    ومنها: أنَّه إذَا تَوقَّفَ وَقالَ: لا أَعْلَمُ، فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأْتيهِ عِلْم ذَلكَ، إمَّا مِنْ مُرَاجَعَتِهِ أوْ مُرَاجَعةِ غَيْرهِ، فإنَّ الْمُتَعلِّمَ إذَا رَأى مُعَلِّمهُ تَوقَّفَ جَدَّ واجْتَهَدَ فِي تَحْصيلِ عِلْمهَا وَإتْحَافِ الْمُعَلِّمِ بِهَا، فمَا أَحْسَنَ هَذا الأَثر.
    ومنْها: أنَّهُ إذَا تَوقَّفَ عمَّا لاَ يَعرف كانَ دَليلاً عَلَى ثِقَتهِ وَإِتْقَانهِ فِيْمَا يَجْزِمُ به منَ الْمَسَائلِ، كمَا أنَّ مَنْ عُرِفَ منْهُ الإقْدَام عَلى الكَلاَمِ فيْمَا لاَ يَعْلَمُ كَانَ ذَلكَ دَاعياً للرّيب فِي كُلِّ مَا يَتَكلَّمُ بهِ، حَتَّى فِي الأُمُورِ الوَاضِحَةِ.
    ومنْها: أنَّ الْمُعَلِّمَ إذَا رَأَى منْهُ الْمُتَعلِّمُونَ تَوقُّفهُ عمَّا لاَ يَعْلَمُ، كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيْماً لَهُم وَ إرْشَاداً إلى هَذهِ الطَّريْقَة الْحَسَنَةِ، وَالاقْتِدَاءُ بالأَحْوَالِ وَالأَعْمَالِ أَبْلَغُ مِنَ الاقْتِدَاءِ بِالأَقْوَالِ..".
    قلتُ: فهذه بعض الفوائد المرتبة على قولِ (المعلِّم) (الله أعلم) أو (عدم القول بلا علم)، فلا شكَّ أنَّ قولها من (المتعلِّم) آكدُ وألزمُ.
    ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) (هود: من الآية8.
    أَسْأَلُ اللهَ العَظِيم رَبَّ العَرْشِ الكَرِيْم أنْ يُوفِّقَنَا جَمِيْعاً لِمَا يُحبِّهُ وَيَرْضَاهُ، وأنْ يَجْعَلنَا هُداةً مُهْتَدين غَيرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّين، إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه وسلَّم.
    نقل من منتديات منابر النور العلمية

  • #2
    ولإثارة الموضوع أنقل لأخواني كلام طيب لبعض الأخوة من منتدى أهل الحديث السلفية كان ضمن تعليقه على مقال شيخنا عبد الله البخاري حفظه الله المثبت في صفحتنا فاتبعته بشئ من بيان وتوضيح فيما يخص تعليقه الطيب
    ويعلم الله العليم الخبير ما أحب أن أتقدم بين يدي مشايخي الأفاضل الكرام رفع الله قدرهم بتعليقات القاصرة مع قلة البضاعة وما بيني وبين مشايخي مفاوزتنقطع دونها الأعناق ،وواجب علي وعلى من كان على شكلتي أن يكون موقفنا عند النصائح والتوجيهات أئمتنا إمتثال قول الله تعالى ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)) الزمر 18
    وما أنا ـ والله ـ إلاَّ رجل مستفيد من بضاعتهم ، متطفِّل على موائدهم ، وحسبي أن أمتثل في هذا المقام بقول القائل :
    أسير خلف ركاب النُّجب ذا عرج .........مؤمِّلاً كشف ما لاقيت من عوج
    فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ......... فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج
    وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ......... فما على عَرَجٍ من ذاك في حرج
    وكما قلت : تعليق الأخ عمر بن رابح علي نصيحة شيخنا حفظه الله أحوجني وأشوقنى أن أدلي بدلوي القاصر - مع قلة بضاعتي - مشجعا ومحفزا إخواني للهمم العالية والمطالب القيمة و التحقيقات العلمية، والفهوم السلفية، والسير الزكية التي تصلنا بالدار الآخرة
    مع تنبيه الأخوة الأفاضل طلاب العلم الحرصين على تحصيله أن يأخذوا على أيادي أدعياء العلم وهم ليسوا منه ولا من فرسانه ولامن أهل ميدانه وما هم إلا كما قال شيخنا العالم ـ بحق ـ الدكتور محمد بن هادي المدخلي حفظه الله ووفقه لكل خير ونفع به أهل الإسلام (( ما هم إلا صعافقة الميدان ))
    وقال فيهم العالم النحرير الجهبذ شيخ الإسلام ابن قيم رحمه الله ورفع منزلته في درجات العلى ـ أمين ـ في كتابه القيم( مفتاح دار السعادة ) وبحق من فتحه وتفقه منه وفهمه مع إتقانه وعمل ما في مضمونه أسعده الله في الدنيا والأخرة بعفوه وكرمه ولطفه جل جلاله وتقدس في علاه
    قال رحمه الله : ضمن كلامه في أصناف حملة العلم الذين لا يصلحون لحمله في ج 1 ص 440 ((والصنف الثاني : من حملة العلم المنقاد الذي لم يثلج له صدره ولم يطمئن به قلبه بل هو ضعيف البصيرة فيه لكنه منقاد لأهله وهذه حال اتباع الحق من مقلديهم وهؤلاء وإن كانوا على سبيل نجاة فليسوا من دعاة الدين وإنما هم من مكثري وسواد الجيش لا من امرائه وفرسانه والمنقاد
    وقال رحمه الله
    وقوله (ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ) هذا لضعف علمه وقلة بصيرته إذا وردت على قلبه ادنى شبهة قدحت فيه الشك والريب بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد امواج البحر ما ازالت يقينه ولا قدحت فيه شكا لانه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة فان تداركها والا تتابعت على قلبه امثالها حتى يصير شاكا مرتابا والقلب يتوارده جيشان من الباطل جيش شهوات الغي وجيش شبهات الباطل فأيما قلب صغا اليها وركن اليها تشربها وامتلأ بها فينضح لسانه وجوارحه بموجبها فإن اشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والايرادات فيظن الجاهل ان ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه وقال لي شيخ الاسلام رضى الله عنه وقد جعلت اورد عليه غيرادا بعد إيراد لات جعل قلبك للايرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح الا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فاذا اشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات او كما قال فما اعلم اني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك
    وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها فانها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل وأكثر الناس اصحاب حسن ظاهر فينظر الناظر فيما البسته من اللباس فيعتقد صحتها واما صاحب العلم واليقين
    فانه لا يغتر بذلك بل يجاوز نظره الى باطنها وماتحت لباسها فينكشف له حقيقتها ومثال هذا الدرهم الزائف فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظرا الى ما عليه من لباس الفضة والناقد البصير يجاوز نظره الى ما وراء ذلك فيطلع على زيفه فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف والمعنى كالنحاس الذي تحته وكم قد قتل هذا الاعتذار من خلق لا يحصيهم الا الله وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر وتدبره رأى اكثر الناس يقبل المذهب والمقالة بلفظ ويردها بعينها بلفظ آخر وقد رايت انا من هذا في كتب الناس ما شاء الله وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح وفي مثل هذا قال ائمة السنة منهم الامام احمد وغيره لا نزيل عن الله صفة من صفاته لاجل شناعة شنعت فهؤلاء الجهمية يسمون إثبات صفات الكمال لله من حياته وعلمه وكلامه وسمعه وبصره وسائر ما وصف به نفسه تشبيها وتجسيما ومن اثبت ذلك مشبها فلا ينفر من هذا المعنى الحق لاجل هذه التسمية الباطلة الا العقول الصغيرة القاصرة خفافيش البصائر وكل اهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم احسن ما يقدرون عليه من الالفاظ ومقالة مخالفيهم اقبح ما يقدرون عليه من الالفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الالفاظ من الحق والباطل ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى
    تقول هذا جنى النحل تمدحه ... وان نشأ قلت ذا قيء الزنابير
    مدحا وذما وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
    فإذا اردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق او باطل فجرده من لباس العبارة وجرد قلبك عن النفرة والميل ثم اعط النظر حقه ناظرا بعين الانصاف ولا تكن ممن ينظر في مقالة اصحابه ومن يحسن ظنه نظرا تاما بكل قلبه ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ والناظر بعين المحبة عكسه وما سلم من هذا الا من اراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق وقد قيل :
    وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما ان عين السخط تبدي المساويا
    وقال آخر
    نظروا بعين عداوة لو انها ... عين الرضا الاستحسنوا ما استقبحوا
    فإذا كان هذا في نظر العين الذي يدرك الحسوسات ولا يتمكن من المكابرة فيها فما الظن بنظر القلب الذي يدرك المعاني التي هي عرضة المكابرة والله المستعان على معرفة الحق وقبوله ورد الباطل وعدم الاغترار به وقوله بأول عارض من شبهة هذا دليل ضعف عقله ومعرفته اذ تؤثر فيه البداآت ويستفز باوائل الامور بخلاف الثابت التام العاقل فإنه لا تستفزه البداآت ولا تزعجه وتقلقله فان الباطل له دهشة وروعة في اوله فإذا ثبت له القلب رد على عقبيه والله يحب من عنده العلم والاناة فلا يعجل بل يثبت حتى يعلم ويستيقن ما ورد عليه ولا يعجل بأمر من قبل استحكامه فالعلجة والطيش من الشيطان فمن ثبت عند صدمة البداآت استقبل امره بعلم وجزم ومن لم يثبت لها استقبله بعجله وطيش وعاقبته الندامة وعاقبة الاول حمدامره ولكن للأول آفة متى قرنت بالحزم والعزم نجا منها وهي الفوت فإنه لا يخاف من التثبيت الا الفوت فإذا اقترن به العزم والحزم تم امره ولهذا في الدعاء الذي وراه الامام احمد والنسائي عن النبي صلى الله عليه و سلم (اللهم اني اسالك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد )وهاتان الكلمتان هما جماع الفلاح وما اتى العبد الا من تضييعهما او تضييع احدهما فما اتى احد الا من باب العجلة والطيش واستفزاز البداآت له أو من باب التهاون والتمات وتضييع الفرصة بعد مواتاتها فإذا حصل الثبات اولا والعزيمة ثانيا افلح كل الفلاح والله ولي التوفيق)) انتهى كلامه رحمه الله
    هذه جملة المقدمات الممهدات لأهل الفضل والإحسان على تنبيه على فضاعة هذا الصنف الدخيل في صفوف أهل العلم المتكلمين بألسنتهم وهم كما قلت ليسوا منهم ، و الكلام في العلم يطول ، و الحديث فيه و عنه ذو شجون ، و لكن حسب اللبيب الإشارة ، و يكفي المعصم من السوار ما به أحاط .
    قال الأخ عمربن رابح وفقه الله معلقا
    ((جزاك الله خيرا أخي
    نعم هذا هو الواجب على كل سلفي أن يلزم مكانته و أن يخلص لله و لا يظهر التعالم فإن كل الخير في الإخلاص و كل الشر في عدم الإخلاص ، و إن السلفي يجب أن يضع نصب عينيه أن كلامه و كتابته سيسأل عنها و إذا كان حريصا حقا على الإنتفاع و النفع فما عليه إلا النقل عن العلماء الثقات و الإكتفاء بذلك و عدم الخوض فيما لا يحسن ولا يدافع عن الباطل وعن أهله .
    و أما العلم فقد أتى عليه السلف كله و لم يتركوا لنا شيئا فإن العلماء يأخذون العلم عن أسلافهم و لا مكان للتفهيق و الكلام بدون علك.
    و أنا أقول أن كثرة أدعياء العلم في هذا الزمن إنما جاءت بسبب تيسر الأمور من وجود الحواسيب و الشبكة العنكبوتية فأصبح كل واحد يعمل بحثا لبضع دقائق في الشاملة و النت فيأتي لك ببحث ضخم و يرجح و يرى و يقول ....، أما لما كان العلم و البحث الشاق في بطون الكتب فلم نكن نرى كثرة هؤلاء و الله المستعان.
    هذا ما أحببت أن أذكر نفسي و إخواني به عسى الله أن ينفعنا بتنبيه الشيخ البخاري حفظه الله)) انتهى كلامه
    فقلت وبالله مستعين وعليه متكل(( بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين
    أما بعد : فبارك الله فيك أخي عمرـ أطال الله عمرك في طاعته وزينك بالعلم والإيمان ـ على هذا التعليق الماتع والمفيد في بابه وهكذا ينبغي أن يكون شباب الأمة ،ورجال المستقبل ،ورحم الله امرء عرف قدر نفسه فنزلها منزلتها ،وكان مفتاح للخير مغلاق للشر
    أما قولك أخي عمروفقك الله : (( و أنا أقول أن كثرة أدعياء العلم في هذا الزمن إنما جاءت بسبب تيسر الأمور من وجود الحواسيب و الشبكة العنكبوتية فأصبح كل واحد يعمل بحثا لبضع دقائق في الشاملة و النت فيأتي لك ببحث ضخم و يرجح و يرى و يقول ....، أما لما كان العلم و البحث الشاق في بطون الكتب فلم نكن نرى كثرة هؤلاء و الله المستعان.))
    فكلامك وتنبيهك حق وبحق وكنت ممن عالج الداء ووضع الدواء في موضعه رحمك الله وزدك الله علما نافعا ،وإن كانت هذه الوسائل مما تعين الطالب العلم على طلب العلم وفيها خير كثير على من أحسن استعمالها وهي فضل من الله ونعمة على عباده المؤمنين، ولكن نحن مقصرون في شكر الله عزوجل على هذه النعمة والله المستعان
    أقول : نعم ، العلم يطلب ويكتسب على طريقة التي طلب بها سلفنا الصالح وساروا عليها
    و الحمد الله لايزال أئمتنا ومشايخنا إلى يومنا هذا على طريقتهم يسرون ولها يدلون وبها يوصون
    واعلم ـ رحمك الله ـ أن العلم لا ينال براحة الجسد ولا يكتسب في عشية وضحاها ،و أن تحرير المسائل ليس بين يوم ويومين أو اسبوع واسبوعين وإنما هو على مر السنين والأعوام كما نبه على ذلك شيخنا الفاضل العلامة صالح أل الشيخ ـ حفظه الله ـ في عدة دروسه ، فلما العجلة إذا ‼؟؟
    ومما يجدر التنبيه عليه في مقامنا هذا أن نقل كلام أهل العلم والعلماء مفخرة ومنقبة لناقله ولكن هذا النقل يحتاج من ناقله أن يكون من الذين يتمتعون بفهم وذكاء ودقة وتدقيق فيما ينقل قال شيخنا الفاضل عبد الله البخاري حفظه الله في درسه ( أداب السؤال ) فيما أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي ، قال الشافعي رحمه الله (( من تعلم علما فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم )) أنتهى
    وأيضا كلام العلماء والأئمة الإسلام هو دواء يحتاج إلى طبيب حاذق ماهر خبير بالأمراض وعارف بأحوال المرضة ومشخص الداء وما يحتجون إليه من الدواء قدر وكمية ونوعية
    وأن العلم يحتاج من طالبه ومكتسبه الاجتهاد والمجاهدة والنهمة والهمة العالية
    يقول ضياء الدين بن رجب شهاب الدين في كتابه النفيس (( تحفة طالب العلم وسائل تلقي العلوم الشرعية وآدابها )) تحت الفصل الثالث : الاجتهاد والمجاهدة
    فكابد إلى أن تبلغ النفس جهدها // // // وكن في اكتساب العلم طلاع أنجد
    وقال :
    فقل لمرجي معالي الأمور // // // بغير اجتهاد رجوت المحالا
    وقال : وإذا كانت المعالي لا تنال إلا بشق الأنفس فدرجة العلم أعلى المعالي ومرتبة ارفع المراتب إذ هي رواثة الأنبياء
    قال ابن الجوزى : " تأملت عجباً ، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه ، ويكثر التعب في تحصيله، فإنَّ العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار ، وهجر اللذات والراحة ..".أهـ
    وفي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير قال(( لا يستطاع العلم براحة الجسم))ولإيراد مسلم هذا القول في صحيحه سبب طريف ذكره النواوي رحمه الله فقال (( جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن ادخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه الا أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم محضة مع أن هذه الحكاية لا تتعلق باحاديث مواقيت الصلاة فكيف أدخلها بينها وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض الأئمة أنه قال سببه أن مسلما رحمه الله تعالى أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمر وكثرة فوائدها وتلخيص مقاصدها وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها ولا نعلم أحدا شاركه فيها فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا فقال طريقه أن يكثر اشتغاله واتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم))
    إلى أن قال ضياء الدين في هذا كتابه :
    خامسا : السهر في طلب العلم والناس نيام
    سهري لتنقيح العلوم الذ لي ... من وصل غانية وطيب عناق
    وتمايلي طربا لحل عويصة ... أشهى من مدامة ساق
    وأبيت سهران الدجى وتبيته ... نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
    عن ابن عمررضى الله عنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ' العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد".وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله (( السمر في العلم )) ثم أورده أيضا في ((باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء ))
    وقيل لبعض السلف : بم أدركت العلم ؟ قال : بالمصباح والجلوس إلى الصباح
    وسئل آخر فقال : بالسفر والسهر والبكور في السحر
    وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : ( وأفضل المذاكرة : مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك وكان جماعة منهم يبدؤون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح )) انتهى مع شئ من اختصار
    فمن أراد الرفعة والعلى في الدنيا والأخرة فليتمسك بهذه الوصايا الطيبة والنيرة وفي الأخير أختم هذا المقالي بقاعدة نفيسة وقيمة لأبن القيم رحمه الله تكتب بماء الدمع ختم الله لنا ولكم بالحسنة
    قال رحمه في كتابه الماتع الفوائد ط دار بن حزم ص 152 ــ 153 ــ 154
    فائدة عظيمة: لا تنال الرفعة في الدنيا والأخرة إلا بالعلم والإيمان
    افضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب العبد ونال به العبد الرفعة فى الدنيا والآخرة هو العلم والأيمان ولهذا قرن بينهما سبحانه فى قوله ((وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم فى كتاب الله الى يوم البعث)) الروم 56 وقوله(( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) المجادلة 11 وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه والمؤهلون للمراتب العالية ولكن أكثر الناس غالطون فى حقيقة مسمى العلم والايمان اللذين بهما السعادة والرفقة وفى حقيقتهما حتي ان كل طائفة تظن ان ما معها من العلم والايمان هو هذا الذي به تنال السعادة وليس كذلك بل أكثرهم ليس معهم ايمان ينجى ولا علم يرفع بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم والايمان اللذين جاء بهما الرسول ودعا اليهما الأمة وكان عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم
    فكل طائفة اعتقدت ان العلم ما معها وفرحت(( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون)) المؤمنون 53 واكثر ما عندهم كلام وآراء وخرص والعلم وراء الكلام
    كما قال حماد بن زيد ( قلت لايوب العلم اليوم اكثر او فيما تقدم؟ فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيما تقدم أكثر )
    ففرق هذا الراسخ بين العلم والكلام فالكتب كثيرة جدا والكلام والجدال والمقدرات الذهنية كثيرة والعلم بمعزل عن أكثرها وهو ما جاء به الرسول عن الله قال تعالى
    (( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)) آل عمران 61
    وقال ((ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم )) البقرة 120
    وقال فى القرآن(( انزله بعلمه)) النساء 16 أى وفيه علمه
    ولما بعد العهد بهذا العلم آل الأمر بكثير من الناس الى أن اتخذوا هواجس الافكار وسوانح الخواطر والآراء علما ووضعوا فيها الكتب وأنفقوا فيها الانفاس فضيعوا فيها الزمان وملأوا بها الصحف مدادا والقلوب سوادا حتى صرح كثير منهم انه ليس فى القرآن والسنة علم وان أدلتها لفظية لا تفيد يقينا ولا علما وصرخ الشيطان بهذه الكلمة فيهم وأذن بها بين أظهرهم حتي أسمعها دانيهم لقاصيهم فانسلخت بها القلوب من العلم والايمان كانسلاخ الحية من قشرها والثوب عن لابسه
    قال الامام العلامة شمس الدين ابن القيم :ولقد أخبرني بعض أصحابنا عن بعض اتباع اتباع تلاميذ هؤلاء انه رآه يشتغل في بعض كتبهم ولم يحفظ القرآن فقال له لو حفظت القرآن أولا كان أولي فقال وهل فى القرآن علم
    قال ابن القيم :وقال لي بعض أئمة هؤلاء انما نسمع الحديث لاجل البركة لا لنستفيد منه العلم لان غيرنا قد كفانا هذه المؤونة فعمدتنا على ما فهموه قرروه ولا شك ان من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل
    نزلوا بمكة فى قبائل هاشم ... ونزلت بالبطحاء أبعد منزل
    قال: وقال لي شيخنا مرة فى وصف هؤلاء انهم طافوا على أرباب المذاهب ففازوا بأخس المطالب ويكفيك دليلا على ان هذا الذى عندهم ليس من عند الله ما ترى فيه من التنقائض والاختلاف ومصادمة بعضه لبعض قال تعالي(( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) النساء 82 وهذا يدل على ان ما كان من عنده سبحانه لا يختلف وأن ما اختلف وتناقض فليس من عنده وكيف تكون الآراء والخيالات وسوانح الافكار دينا يدان به ويحكم به على الله ورسوله سبحانك هذا بهتان عظيم
    وقد كان علم الصحابة الذى يتذاكرون فيه غير علوم هؤلاء المختلفين الخراصين كما حكى الحاكم فى ترجمة أبى عبد الله البخارى قال كان أصحاب رسول الله اذا اجتمعوا انما يتذاكرون كتاب ربهم وسنة نبيهم ليس بينهم رأى ولا قياس ولقد أحسن القائل
    العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأى فقيه
    كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التمثيل والتشبيه فصل)) انتهى
    وفي الخاتمة ختم الله لنا بالخير والحسنة أكرر وأعد أعتذر لشيخي على هذا التقدم لأن رأينا أمرا فظيعا هدى الله هذا الصنف من الشباب وأرشدهم لما فيه خيرهم وشكرا

    تعليق

    يعمل...
    X